دراسات فی ولایه الفقیه و فقه الدوله الاسلامیه

اشارة

سرشناسه : منتظری، حسینعلی، - 1301

عنوان و نام پديدآور : دراسات فی ولایه الفقیه و فقه الدوله الاسلامیه/ لمولفه المنتظری

مشخصات نشر : قم: دار الفکر، 14ق. = - 13.

شابک : 2500ریال(ج.4)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد چهارم، 1411ق. = 1370

يادداشت : جلد سوم این کتاب توسط انتشارات تفکر منتشر شده است

يادداشت : جلد سوم (چاپ دوم: 1415ق. = 1373)؛ بها: 7000 ریال. (ناشر: نشر تفکر)

يادداشت : ج. 3 (چاپ دوم) 1415 = 1374

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : ولایه الفقیه و فقه الدوله الاسلامیه

موضوع : ولایت فقیه

موضوع : اسلام و دولت

رده بندی کنگره : BP223/8 /م 78د4 1300ی

رده بندی دیویی : 297/45

شماره کتابشناسی ملی : م 70-2367

الجزء الأوّل

[ثناء و دعاء]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين، اولي الأمر الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا، و أمرنا رسول اللّه «ص» بالتمسك بهم قرينا للكتاب العزيز الذي لٰا يَأْتِيهِ الْبٰاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لٰا مِنْ خَلْفِهِ و قال: «انهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.» «1»

اللّهم فوقنا للتمسك بالكتاب العزيز، و بالعترة الذين لم يألوا جهدا في تبيين معارفه و أحكامه و في نصح الأمة و إرشادها.

______________________________

(1)- على ما ورد في حديث الثقلين. و قد تواتر الحديث إجمالا بين الفريقين. راجع ص 58 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 3

مقدمة [المؤلف]

اشارة

نذكر في المقدمة بنحو الإجمال ضرورة الحكومة، و أنحائها، و الحكومة الاسلامية، و ما دعاني الى تأليف هذا الكتاب و فيها اشارة إلى أبواب الكتاب و فصوله:

1- ضرورة الحكومة:

اعلم أن من أهم الأمور الضرورية للبشر وجود النظام الاجتماعي و الحكومة العادلة الحافظة لحقوق المجتمع، فإن الإنسان مدني بالطبع، لا يحصل على حاجاته و طلباته إلّا في ظل الاجتماع و التعاون، و كثيرا ما تعرض له قضايا عامّة تمسّ مصالح المجتمع و يطلب فيها قرار و رأي واحد يجمع القاطعية و قابلية التنفيذ و القدرة عليه، و لا يحصل ذلك الّا تحت لواء حكومة قاطعة، و لأجل ذلك ترى أنه لم تخل حياة الإنسان في جميع مراحلها و أدوارها حتى في العصور الحجرية و في الغابات من حكومة و دويلة.

و هنا ملاحظة أخرى، و هي ان الإنسان قد جبل في طبعه و كيانه على شهوات

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 4

و ميول مختلفة: من حبّ الذات، و حبّ المال و الجاه، و الحرية المطلقة في كل ما يريده و يهواه. و كثيرا ما يستلزم ذلك كلّه التّزاحم و التضارب في الأفكار و الأهواء، و يستعقب الجدال و الصراع. فلا محالة تقع الحاجة الى قوانين و مقررات، و الى قوة منفذة لها مانعة من التعدّي و الكفاح، و لا نعني بالحكومة إلّا هذه القوة المنفذة.

بل الحيوانات أيضا لا تخلو من نحو من النظام، كما يشاهد ذلك في النمل و النحل و نحوهما.

و حتى لو فرضنا محالا أو نادرا تكامل المجتمع و تحقق الرشد الأخلاقي لجميع أفراده، و حصول الإيثار و التناصف بينهم فالاحتياج الى نظام يجمع أمرهم في المصالح العامة و يسدّ

حاجاتهم في الأرزاق و الأمور الصحّيّة، و التعليم و التربية، و المواصلات و المخابرات، و الطرق و الشوارع و غير ذلك من الأمور الرفاهية، و جباية الضرائب و صرفها في هذه المصارف العامة، مما لا يقبل الإنكار. و لا يختصّ هذا بعصر دون عصر أو ظرف دون ظرف.

فما عن الأصمّ من عدم الاحتياج الى الحكومة اذا تناصفت الأمّة و لم تتظالم، و ما عن ماركس من عدم الاحتياج اليها بعد تحقق الكمون المترقي و ارتفاع الاختلاف الطبقي واضح الفساد.

و أما ما تراه من استيحاش أكثر الناس في بلادنا و تنفرهم من اسم الحكومة و الدولة فليس الّا لابتلائهم طوال القرون المتمادية بأنواع الحكومات المستبدّة الظالمة أو غير اللائقة التي لم تملك البصيرة و الكفاية. و إلّا فالحكومة الصالحة اللائقة الحافظة لحقوق الأمّة الآخذة بيدها المدافعة عن منافعها و مصالحها، مما تقبلها الطباع السليمة و يحكم بضرورتها العقل السليم.

بل ان الحكومة الجائرة أيضا مع ما فيها من الشرّ و الفساد خير من الفتنة و الهرج، كما عن امير المؤمنين «ع»: «وال ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.» «1»

و في نهج البلاغة في رد كلام الخوارج: «هؤلاء يقولون: لا إمرة الّا للّه، و انه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر.» «2»

______________________________

(1)- الغرر و الدّرر 6/ 236، الحديث 10109.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 125؛ عبده 1/ 87؛ لح/ 82، الخطبة 40.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 5

و لا يريد هو عليه السلام تبرير امارة الفاجر و بيان مشروعيتها، بل يريد بيان تقدّمها عقلا على الفتنة و الهرج اذا دار الأمر بينهما.

2- كيف نشأت الدولة و تنشأ؟

قد ذكروا في

ذلك نظريات عديدة:

منها: ان الدولة نظام اجتماعي يفرضه بالإجبار شخص قويّ أو فريق غالب على الضعفاء و المستضعفين و المتوسطين، استعبادا و استثمارا لهم او استصلاحا و تعطفا عليهم حسب اختلاف الحكام في نيّاتهم.

و منها: ان تشكيل العائلة أمر يقتضيه طبع البشر، ثم هي الخلية الأولى لكل مجتمع و دولة، اذ تجتمع العائلات و تتصل حسب طبعها و حاجتها فتصير عشيرة ثم قبيلة ثم مدينة سياسية يسوسها حكم واحد، ثم ترتبط المدن تدريجا و يحكم عليها نظام واحد و حكم واحد فتصير ملكا واحدا و دولة واحدة، فالدولة نتيجة حركة التاريخ بالطبع.

و منها: ان الإنسان في بادي الأمر كان يعيش على الفطرة و الغريزة و كان يتمتع بحريّة كاملة، ثم تضاربت المصالح و الحرّيّات فسادت القوة و ضاعت حقوق الضعفاء و أصبح أمر الجماعة فوضى، فتوافق عقلاء الناس و اصطلحوا على وضع قوانين خاصة محدّدة للحريات و على قوة منفذة لها حفظا للحقوق، فالحكومة معاقدة اجتماعية بين الحاكم و بين الرعية تحصل باختيار الطرفين.

الى غير ذلك مما قيل في المقام، و لا يهمّنا ذكرها و نقدها و قياس بعضها الى بعض بعد ما اتّضح- كما مرّ- أصل ضرورة الحكومة و الدولة، و سيأتي منا بيان ان الحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه و ان النبي الأكرم «ص» أسس بناء الحكومة الإسلامية بأمر اللّه- تعالى- و تعاقدت الجماعة الإسلامية الأولى معه «ص» على الإيمان باللّه و برسوله و برئاسته على الأمة و اتباعها له في كل ما آتاه. و من جملة ما آتاه المقررات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، كما هو واضح لمن تتبع فقه الإسلام.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص:

6

و نحن نعتقد ان اللّه- تعالى- من بدو نشأة الإنسان و خلقه لم يخلهم من الأنبياء و الهداة الى اللّه- تعالى- بل أول من خلقه منهم كان نبيّا، فلعل الحكومة و مقرراتها بسذاجتها كانت من جملة البرامج التي أتى بها الأنبياء من ناحية الوحي حسب حاجة الانسان اليها في طبعه و ذاته.

فمنشأ الدولة و الحكومة في بادي الأمر هو أمر اللّه و وحيه و ان انحرفت بعد ذلك عن مسيرها الصحيح بتغلّب الظالمين و الطغاة. و في الحديث عن النبي «ص» قال:

«كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، و انه لا نبي بعدي و ستكون خلفاء فتكثر.» «1»

3- أنحاء الحكومات الدارجة في البلاد:

الاولى: الملكية المطلقة الاستبدادية،

و ذلك بان يتسلط الفرد بالقهر و الغلبة و بقوة العساكر و السلاح على البلاد و العباد، و ينزل بمعارضيه أشدّ العقوبات، و لا يتقيد بقانون و لا ضابطة خاصة بل يجعل مال اللّه دولا و عباده خولا، يحكم فيهم بما يهوى و يريد، و يتصور كون السلطة ملكا طلقا له و لوارثه نسلا بعد نسل. و ربما يبلغ هذا السلطان في استعلائه و استكباره حدّا يسمّي نفسه ظلّ اللّه في أرضه و مظهرا لقدرته و سلطنته، و قد يصل الى حدّ يدعي الربوبيّة كما اتفق لفرعون و أمثاله.

و هذا القسم من الحكومة من أردإ أنواعها عند العقل و الفطرة. و أحسن التعبير عن هذا النوع من الحكومة هو ما حكاه اللّه- تعالى- عن ملكة سبأ «قٰالَتْ: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذٰا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهٰا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهٰا أَذِلَّةً، وَ كَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ.» «2»

الثانية: الملكية المشروطة

المستحدثة في الأعصار الأخيرة، بان تعتبر الملكية حقا ثابتا وراثيّا و لكن الملك محدود مقيد، و يكون تدبير الأمور محوّلا الى القوى الثلاث:

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1471، الحديث 1842، كتاب الامارة، الباب 10 (باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء ...).

(2)- سورة النمل (27)، الآية 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 7

التشريعية و التنفيذية و القضائية، من دون ان يكون للملك أيّ دخل في ذلك و لا يتحمل أيّة مسئولية في إدارة الملك، كما هو الحال في انكلترا مثلا. فكأنّ الملك عضو زائد محترم مكرّم جدّا يصرف في وجوه تعيشه و ترفهه و تجمّلاته و وسائل فسقه و فجوره آلاف الألوف من بيت المال و من حقوق المحرومين من دون أن يكون على عاتقه أية مسئولية عامة بالنسبة الى المسائل

الأساسية.

و واضح أن هذه أيضا كالأولى باطلة مخالفة للعقل و الفطرة، اذ لا وجه لهذا الحقّ و هذه الوراثة المستمرة من دون نصب من قبل اللّه- تعالى- أو انتخاب من قبل الأمّة، و من دون ان يتحمل مسئولية عامة ماسّة بمصالح المجتمع، سوى المصارف المجحفة الزائدة تبعا للرسم و العادة.

الثالثة: الحكومة الأشرافية،

و تسمى في اصطلاح العصر: «ارستوقراطية»، و ذلك بان يتسلط فريق أو شخص من المجتمع على الآخرين لمجرد التفوق النسبي أو المالي، كما هو شائع في العشائر و القبائل و لا سيما في البدويين منهم.

و لا يخفى ان مجرد الانتساب او التمول ما لم يقترن بالصلاحيات النفسية و قوة التدبير و الانتخاب من قبل الأمّة لا يكون ملاكا للولاية و لزوم الطاعة عند العقل و الفطرة.

الرابعة: الحكومة الانتخابية

التي تحصر حقّ الانتخاب بطبقة خاصة معيّنة.

و لا نعرف له مثلا في عصرنا إلّا ما هو المتعارف لدى كنيسة الروم فعلا من انتخاب البابا من قبل البطاركة فقط على أساس أنهم أهل الحل و العقد من دون ان يطلب أصوات الناس و أنظارهم.

الخامسة: الحكومة الانتخابية الشعبية

و لكن على أساس فكرة و ايدئولوجية خاصة، فيكون الحاكم منتخبا من قبل الفئة المعتقدة بهذه الفكرة الخاصة و مكلفا بادارة المجتمع على هذا الاساس. و لعل الحكومة السوفياتية بأقمارها من هذا القبيل، حيث يكون الانتخاب على أساس المنهج الماركسي و لا سيما في الاقتصاد.

السادسة: الحكومة الانتخابية الديموقراطية العامة

المعبّر عنها بحكومة الشعب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 8

على الشعب، فيكون الشعب في الحقيقة منشأ للتشريع و التنفيذ، و الحاكم المنتخب يحقق أهواء الشعب و حاجاته كيف ما كانت. و ربما يعدّ هذه أحسن أنحاء الحكومات الدارجة و أوفقها للفطرة لصلاحها مبدأ و غاية، فالمبدأ ارادة الشعب و آراؤه، و الغاية تأمين حاجاته العامة.

أقول: هذا على فرض تحققها واقعا بان يكون الشعب مدركا رشيدا مختارا لا يقع تحت تأثير العوامل المظلّلة و الأجواء و الأهواء و الوعود البراقة و الدعايات الكاذبة الرائجة. و لكن يبعد جدّا حصولها كذلك مأئة بالمائة حتى في مثل الامم الراقية، حيث نرى فيها وقوع الشعب عملا تحت تأثير الوسائل الإعلامية المملوكة لأصحاب الثروات و الشركات العظيمة الاقتصادية التي يكثر فيها الدعايات الكاذبة، فلا تتحقق حكومة الشعب حقيقة بل حكومة طبقة خاصة من المجتمع امتلكوا الثروات و المؤسسات و لا يهدفون إلّا مصالح أنفسهم.

4- الحكومة الاسلامية:

قد عرفت ضرورة الحكومة و حفظ النظام الاجتماعي للبشر، و انّ الهرج و المرج الاجتماعي مما يدرك ضرره و قبحه كل عاقل من أي أمّة أو ملّة كان.

و المراجع للكتاب و السنة و فقه مذاهب الإسلام من الشيعة و السنة يظهر له بالبداهة ان دين الإسلام الذي جاء به النبي الأكرم «ص» لم ينحصر أحكامه في أمور عبادية و مراسيم و آداب فردية فقط، بل هو جامع لجميع ما يحتاج اليه الانسان في مراحل حياته الفردية و العائلية و الاجتماعية من المعارف و الأخلاق و العبادات و المعاملات و السياسات و الاقتصاد و العلاقات الداخلية و الخارجية. فهو بنفسه نظام كامل يجمع الاقتصاد و السياسة أيضا.

و التتبع في أخبار الفريقين

و فتاواهم في الأبواب المختلفة لفقه الإسلام يرشدنا الى كون الحكومة و تنفيذ المقررات أيضا داخلة في نسج الإسلام و نظامه. فالاسلام بذاته دين و دولة، و عبادة و اقتصاد و سياسة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 9

فترى النبي الأكرم «ص» بعد هجرته الى المدينة باشر بتأسيس اول دولة اسلامية عادلة، و قد مهّد لها مقدماتها من أخذ البيعة من القبائل و الوفود و عقد ميثاق الاخوة بين المهاجرين و الانصار و المعاهدة بينهم و بين يهود المدينة. و أقام مسجدا جعله مركزا لتجمّع المسلمين و موضعا لصلواتهم و لنشاطاتهم الاجتماعية و السياسية.

و راسل الملوك و الامراء في البلاد و كتب اليهم يدعوهم الى الإسلام و الدخول تحت ظلّ حكومته.

و لم يقنع ببيان الأحكام و إقامة الصلوات و التبليغ و الارشاد فقط. بل كان ينفّذ حدود الإسلام و احكامه و يبعث العمّال و الولاة و يطالب بالضرائب و الماليات و يجهّز الجيوش و يقاتل المشركين و المناوئين، الى غير ذلك من شئون الحكومة. فهذه كانت سيرته في حياته.

و قد كان الحكم الذي قام به «ص» في عصره مع قصر مدته حكما فريدا لم تعرف البشرية الى الآن له شبيها في سهولته و سذاجته و ما وجد فيه الناس من عدل و حرية و مساواة و ايثار، و قد أذعن بذلك المؤرخون من غير المسلمين أيضا.

و بعد وفاته «ص» لم يشكّ أحد من المسلمين في الاحتياج الى الحكومة، بل أجمعوا على وجوبها و ضرورتها. و إنما وقع الخلاف بين الفريقين في انه «ص» هل نصب أمير المؤمنين «ع» واليا أو إنّه أهمل أمر الخلافة و فوضه الى المسلمين. فالشيعة الامامية تعتقد

ان النبي «ص» قد عيّن أمير المؤمنين «ع» في غدير خمّ و في غيره من المواقف و نصبه لتصدّي الولاية بعد وفاته. و السنة يقولون بانعقاد الامامة بعده «ص» بالشورى و انتخاب أهل الحلّ و العقد. و كيف كان فرسول اللّه «ص» مضافا الى نبوته و رسالته كان بنصّ القرآن الكريم اولى بالمؤمنين من أنفسهم و كان له الولاية عليهم، و كذلك الأئمة الاثنا عشر عندنا كان لهم حق الولاية.

و البحث بحث كلامي يطلب من محله.

و تمتاز الحكومة الاسلامية عن الحكومة الديموقراطية الغربية الدارجة بوجوه:

منها: ان الحاكم في الحكومة الاسلامية يجب أن يكون أعلم الناس و أعدلهم و أتقاهم و أقواهم بالأمر و أبصرهم بمواقع الأمور. ففي عصر النبي «ص» كان هو بنفسه اولى بالمؤمنين من أنفسهم و كانت له الولاية عليهم من قبل اللّه- تعالى-. و بعده كانت الولاية عندنا حقا للأئمة الاثني عشر، و في عصر الغيبة للفقيه العادل العالم بزمانه البصير بالأمور و الحوادث الرؤوف الحافظ لحقوق الناس حتى الأقليات غير المسلمة،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 10

فلا يجوز للأمة انتخاب غيره.

و منها: ان الحكومة الاسلامية بشعبها الثلاثة من التشريع و القضاء و التنفيذ تتقيّد بموازين الإسلام و قوانينه العادلة النازلة من قبل اللّه- تعالى- و الوالي منفّذ لأحكامه. و قد يعبّر عن هذه الحكومة بالحكومة التئوقراطية بمعنى حكومة القانون الإلهي على المجتمع.

و أما في النظام الديموقراطي الانتخابي الدارج فملاك الانتخاب فيه رضا الناخبين، و الهدف منه تحقيق أهوائهم و مشتهياتهم كيف ما كانت، فلا يتقيد الناخب و لا المنتخب لا بمقررات شرعية و لا بمصالح عقلية و فضائل أخلاقية. و سيأتي تفصيل ذلك في الباب الخامس،

فانتظر.

5- شروط الحاكم المنتخب عند العقلاء:

لا يخفى أن الانسان العاقل اذا اراد تفويض عمل الى غيره فهو بحكم الفطرة يراعي في الفرد المنتخب أن يتحقق فيه أمور: الأول: العقل الوافي. الثاني: العلم بفنون العمل المفوّض اليه. الثالث: قدرته على العمل. الرابع: أن يكون أمينا لا يهمل الأمر و لا يخون فيه. و قد يعبّر عن ذلك بالعدالة. فمن اراد استيجار شخص لإحداث بناء مثلا فلا محالة يراعي فيه بحكم الفطرة تحقق هذه الشروط و الصفات.

و ادارة شئون الأمة من أهمّ الأمور و أعضلها و أدقها، فلا محالة اذا فرض كون انتخاب الوالي بيد الشعب و كان الشعب حرّا مختارا في الانتخاب وجب عليه بحكم العقل و الفطرة أن يراعي في الوالي المنتخب أن يكون عاقلا، عالما بفنون السياسة و التدبير، قادرا على التنفيذ، أمينا غير خائن. فاعتبار هذه الصفات في الوالي أمر يحكم به العقلاء بفطرتهم و لا حاجة فيه الى التعبّد، و المتخلّف عن ذلك يستحق الذم و اللوم عندهم.

و ذا فرض أن الذين فوّضوا أمر الحكومة الى شخص خاصّ كانوا يعتقدون بمبدإ خاصّ و ايدئولوجية معيّنة متضمنة لقوانين و مقررات مخصوصة في نظام الحياة، و أرادوا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 11

حسب اعتقادهم ادارة شئونهم الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية على أساس هذا المبدأ الخاص و هذه المقررات المعيّنة، فلا محالة بحسب الطبع ينتخبون لذلك من يكون معتقدا بهذا المبدأ و مطلعا على مقرراته. الا ترى ان المعتقدين بالمبدإ المادي و الاقتصاد الماركسي يراعون في الحاكم المنتخب لبلادهم مضافا الى ما مرّ من الشروط العامة اعتقاده بالمنهج المادي الماركسي و اطلاعه على موازينه المرتبطة بالسياسة و الاقتصاد؟

فهذا أيضا أمر طبيعي فطري.

6- ولاية الفقيه:

قد

ظهر لك أولا ضرورة الحكومة في حياة البشر و أنها لا تختصّ بعصر دون عصر أو ظرف دون ظرف. و أشرنا ثانيا الى أنحاء الحكومات الدارجة اجمالا. و ثالثا الى جامعية الشريعة الاسلامية و ان الحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه كما يأتي تفصيل ذلك. و رابعا الى ان العقلاء بفطرتهم يعتبرون في الحاكم كونه عاقلا امينا عالما برموز السياسة و التدبير قادرا على التنفيذ و الاجراء، و انه اذا كانت الأمّة تعتقد بمبدإ خاص و ايدئولوجية خاصة حاوية لمسائل الحياة في جميع مراحلها فلا محالة تراعي في الحاكم- مضافا الى الشروط العامّة- كونه معتقدا بهذا المبدأ و عالما بمقرراته العادلة المرتبطة بشؤون الحياة لكي يقدر على تنفيذها.

و على هذا فالأمّة الاسلامية حسب اعتقادها بالاسلام و قوانينه العادلة الجامعة تتمنّى أن يكون الحاكم عليها و المهيمن على شئونها رجلا عاقلا عادلا عالما برموز السياسة قادرا على التنفيذ معتقدا بالاسلام و عالما بضوابطه و مقرراته بل اعلم فيها من غيره، و لا نريد بولاية الفقيه الّا هذا.

و هذا العنوان كان ينطبق عندنا في عصر ظهور الأئمة «ع» على أئمتنا «ع» عترة النبي «ص» و أبواب علمه، و في عصر الغيبة ينطبق على من تفقه في الكتاب و السنة و عرف أحكامهما.

و بهذا البيان يظهر لك أن ولاية الفقيه الجامع للشرائط التي أشرنا اليها أمر يتمنّاه و يطمح اليه كل من اعتقد بالاسلام و جامعيّته حسب عقله و فطرته، و يراها ضمانا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 12

لتنفيذ قوانين الإسلام الجامعة للعدالة و صلاح المجتمع. و هذا كلام قابل للعرض على كل عاقل منصف من أيّ ملّة كان. و الأقليّات

غير المسلمة أيضا تحفظ حقوقها في ظل هذه الحكومة حسب رعاية الإسلام اياها.

و ليس معنى ولاية الفقيه تصدّيه لجميع الأمور بنفسه، بل هو يفوّض كل أمر الى أهله من الأشخاص أو المؤسّسات مع رعاية القوّة و التخصّص و الأمانة فيهم، و يكون هو مشرفا عليهم هاديا لهم، مراقبا لهم بعيونه و أياديه و مسئولا عن أعمالهم لو تساهلوا أو قصّروا، و يشاور في كل شعبة من الحوادث و الامور الواقعة المهمة، الخواصّ المضطلعين فيها، حيث ان الأمر لا يرتبط بشخص خاصّ حتى يكون الاشتباه فيه قابلا للإغماض عنه، بل يرتبط بشؤون الإسلام و المسلمين جميعا، و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ.» «1» و اذا كان عقل الكل و خاتم الرسل خوطب بقوله- تعالى-: «وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» «2» فتكليف غيره واضح و ان تفوّق و نبغ.

7- على العلماء و الفقهاء ان يتدخّلوا في السياسة:

و ليس عدم اطلاع الفقهاء على المسائل السياسية و عدم ورودهم فيها الى الآن عذرا لهم و لا مبرّرا لقعودهم و انزوائهم عن التصدّي للحكومة و شئونها، بل يجب عليهم الورود و الخوض فيها و تعلّمها، ثم ترشيح أنفسهم لما يتمكنون القيام به من شئونها المختلفة، و يجب على الناس انتخابهم و تقويتهم. اذا الولاية و إدارة أمور المسلمين من أهم الفرائض، فانها الوسيلة الوحيدة لإجراء العدالة و تنفيذ سائر الفرائض الاسلامية، فالانزواء عنها و إحالة شئون المسلمين و إدارة أمورهم و بلادهم الى الطواغيت و عملاء الكفر و الفساد ظلم كبير على الإسلام و المسلمين.

ففي رواية سليم بن قيس الآتية عن أمير المؤمنين «ع» انه قال: «و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالّا كان أو

مهتديا مظلوما

______________________________

(1)- سورة الشورى (42)، الآية 38.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 13

كان أو ظالما حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدموا يدا و لا رجلا، و لا يبدءوا بشي ء قبل ان يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنة، يجمع أمرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم حقّه و يحفظ أطرافهم.» «1»

و في صحيحة زرارة الآتية عن أبي جعفر «ع» قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء:

على الصلاة و الزكاة و الحجّ و الصوم و الولاية. قال زرارة: فقلت: و أيّ شي ء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن و الوالي هو الدليل عليهن.» «2»

فأوجب الفرائض تعيين الوالي الذي هو مفتاح سائر الفرائض و بيده اجراؤها و تنفيذها.

كيف؟! و قد ذكر الفقهاء أمورا سمّوها أمورا حسبية و قالوا إن الشارع الحكيم لا يرضى باهمالها و تركها، كحفظ أموال الغيّب و القصّر و نحو ذلك، فيجب على الفقهاء من باب الحسبة التصدّي لها. فنقول: هل الشارع الحكيم لا يرضى باهمال الأموال الجزئية التي تكون للصغار و المجانين مثلا، و يرضى باهمال أمور المسلمين و إحالتها الى الكفار و الصهاينة و عملاء الشرق و الغرب؟! هذا.

8- ما أوجب تنفر المسلمين من اسم الحكومة و السياسة:

و الذي أوجب تنفّر المسلمين و لا سيّما علمائهم و فقهائهم الملتزمين بالدين من اسم الحكومة فضلا عن التدخّل فيها و التصدّي لها، و صار سببا لانزوائهم و انعزالهم عن ميدان السياسة و الحكم هو:

1- ما رأوه و شاهدوه من غلبة الطواغيت و الجبابرة طوال القرون المتمادية على البلاد الاسلامية و قهرهم لأهل الحقّ و

إكثارهم من الظلم و الفساد و الترف و الإسراف و إعمالهم للتزويرات و المكايد الشيطانية و القلب للحقائق و الفضائل باسم الحكومة و السياسة، فصار وجه الحكومة مشوّها بذلك عندهم.

______________________________

(1)- كتاب سليم بن قيس/ 182.

(2)- الكافي 2/ 18، كتاب الإيمان و الكفر، باب دعائم الإسلام، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 14

2- و ما صنعه و ارتكبه علماء السوء و طلّاب الدنيا من التقرب الى بلاط سلاطين الجور، و التبرير لظلمهم و جناياتهم، فكتموا الحقائق و قلّبوها لذلك.

3- و ما روّجته و اصرّت عليه أيادي الاستعمار و عملاؤه من انفكاك الدين عن السياسة، و حصر الدين الاسلامي مع سعته و شموله لجميع شئون الحياة- كما سيظهر لك- في بعض العبادات الصورية و المراسيم و الآداب الشخصية.

فصار كل ذلك سببا لحبس الفقهاء منّا و علماء الدين الأبرار أنفسهم في زوايا المدارس و البيوت، و توهّموا أن الاحتياط في الدين يقتضي الانزواء، و هم قد غفلوا عن هذه الفريضة المهمّة التي هي أساس تنفيذ سائر الفرائض، بحيث صار البحث فيها و في فروعها أيضا متروكا في فقه الشيعة الامامية و خلت منه كتبهم و موسوعاتهم الفقهية الا نادرا أو تطفّلا.

فترى المحقّق النراقي- طاب ثراه- مثلا خصّ عائدة من كتابه المسمّى بالعوائد بالبحث في ولاية الفقيه. و هو مع اختصاره لطيف و زين.

و الشيخ الاعظم الانصاري- طاب ثراه- أيضا تعرض لها اجمالا في كتاب البيع تطفلا لمسألة بيع مال اليتيم.

و ألّف فيها المحقق النائيني- قدّس سرّه- رسالة مختصرة سمّاها تنبيه الأمّة. و هي بالنسبة الى عصره كانت رسالة و زينة فريدة.

و تعرّض للمسألة أيضا بنحو الاجمال السيد الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى

البروجردي- قدّس سرّه- أثناء بحثه في صلاة الجمعة المقرّر المكتوب بقلمي القاصر المطبوع في سنة 1378 من الهجرية القمرية. و اسم الكتاب: «البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر».

و لكن كلّ هذه الأبحاث كانت أبحاثا اجمالية الى أن بحث فيها السيد الأستاذ الإمام آية اللّه العظمى الخميني- مدّ ظلّه العالي- بالتفصيل بنحو بديع في منفاه في العراق فانتشرت أبحاثه باسم الحكومة الاسلامية بالعربية و الفارسية، و صارت سببا لالتفات المسلمين في ايران الاسلامية الى أهمية المسألة و وسيلة لرشدهم و وعيهم السياسي فقاموا و ثاروا على طاغوت ايران بقيادته الحكيمة القاطعة حتى نجحوا و ظفروا بحمد اللّه تعالى و منّته مع قلّة الوسائل و كثرة المشاكل. هذا.

و ان كنت ترى بعض النواقص و الاشكالات في ادارة الشؤون فعلا فانما هي من لوازم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 15

الثورة و التحوّل، و مسبّبة عن بقاء بعض الجذور الفاسدة من نظام الطاغوت في المؤسسات و الدوائر، و عن عدم التوفيق من قبل لتهية المقدمات اللازمة للدولة الإسلامية الجديدة.

و ليست ادارة مثل ايران في هذا العصر المتلاطم مع هجمة الأجانب و عملائهم الداخلية و الخارجية، و طول الحرب المفروضة علينا من قبلهم أمرا مرنا سهلا. كما ان تهية المقدمات و العناصر اللازمة أيضا تحتاج الى فراغ و مرور زمان، و الى التعاضد و التعاون. فعلى العلماء و الفضلاء الملتزمين و الأساتذة و الشبّان المثقفين في المجالات المختلفة ان يقوموا للّه و يصرفوا جميع طاقاتهم في تعلم سياسة البلاد و العباد و الاطلاع على مسائل الزمان و حاجاتها و احكام القضاء و فنون الاقتصاد و احكامها و سائر المسائل اللازمة حتى ترتفع بهممهم

و نشاطاتهم النواقص و المشاكل.

فاللّه- تعالى- لا يقبل اعتذارنا بعدم العلم و الاطلاع بعد ما يحكم العقل و الشرع بأهمية الموضوع، و يحكم العقل بوجوب المقدمة للواجب و أن أهمّيتها بأهميّة ذيها. و ليكن الغرض معالجة مشاكل العصر بنظام الإسلام لا تطبيق نظام الإسلام على مشاكل العصر، و بينهما فرق واضح.

اللهم فوفقنا للاهتمام بمرضاتك و عدم الابتلاء بالتواكل و التخاذل، آمين رب العالمين.

9- سبب تأليف الكتاب و إشارة إجمالية الى أبوابه و فصوله:

لمّا انجرّ بحثنا في سهم العاملين من مباحث الزكاة الى مسألة ولاية الفقيه العادل البصير بالأمور في عصرنا الحاضر، اعني عصر غيبة الامام المنتظر- عجل اللّه تعالى فرجه الشريف- اقترح عليّ بعض الحضّار البحث في هذه المسألة المهمة التي صارت مطرحا للأنظار في المحافل المختلفة بعد نجاح الثورة في ايران. و كان يمنعني من اجابة مسئولهم سعة دائرة الموضوع و كثرة المشاغل اليومية، و لكن رأيت أن الميسور لا يترك بالمعسور، و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، فتعرضت للبحث فيها بقدر الوسع. و كان من المناسب جدّا أن أتعرّض في المسائل المطروحة المعنونة، لكلمات العلماء و المصنفين من الشرق و الغرب في هذا المجال، أعني مسألة الحكومة و الدولة، و لكن الوقت لم يساعدني على الرجوع اليها و التعرض لها فقصرت نظري على اصل عنوان المسائل و طرحها و ذكر

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 16

الآيات و الروايات المناسبة لها و ذكر بعض الكلمات من علمائنا محيلا إكمالها و تفصيلها الى ذوي الوسع و الفراغ من أهل الفضل و الكمال.

و كنت على الرسم و العادة أقيّد ما ألقيه في المحاضرات بالكتابة حتى صار بصورة هذا الكتاب الذي بين يديك مع تفاوت ما عن الدروس

في الترتيب و في بعض المطالب و لكن الأساس واحد.

و يشتمل الكتاب على مقدمة و ثمانية أبواب و خاتمة:

1- أشرنا في المقدمة اجمالا الى ضرورة الحكومة و أنحائها الدارجة، و الحكومة الاسلامية و ولاية الفقيه و أبواب الكتاب و فصوله.

2- و بينّا في الباب الأول ما يقتضيه الأصل العملي الفقهي في مسألة الولاية مع قطع النظر عن الأدلّة، و هو باب مختصر جدّا.

3- و في الباب الثاني ثبوت الولاية للنبي الأكرم «ص» و للأئمة المعصومين «ع» عندنا بنحو الإجمال، و ختمناه بتنبيهات نافعة. و لا يخفى ان محل بحثها الكتب الكلامية و بحثنا في الكتاب بحث فقهي و لكن لمّا لم يصحّ خلوّ الكتاب الباحث في الحكومة الإسلامية و ولاية الفقيه عن التعرض لولايتهم- عليهم السلام- التي هي أساس الحكومة الإسلامية تعرضنا لها بنحو الاختصار.

4- و عقدنا الباب الثالث للبحث تفصيلا حول مسألة الحكومة و وجوب اقامة الدولة الاسلامية العادلة في جميع الأعصار، و اشتمل هذا الباب على فصول أربعة:

تعرضنا في الفصل الاول منها لكلمات بعض العلماء المدعين للإجماع في المسألة، و في الفصل الثاني للأبواب المختلفة من الفقه الاسلامي من الأخبار و الفتاوى المشتملة على لفظ الامام أو الوالي أو السلطان أو الحاكم أو بيت المال أو السجن أو السيف أو نحو ذلك مما يدلّ على القدرة و الحكومة و كون تشريع الأحكام في الأبواب المختلفة من فقه الإسلام على أساس وجود الدولة العادلة و الحكومة الاسلامية و أنها داخلة في نسج الإسلام و نظامه. و يشتمل هذا الفصل على أربعة عشر فصلا. هذا. و ذكرنا في الفصل الثالث من هذا الباب عشرة أدلّة لإثبات وجوب إقامة الدولة العادلة في جميع

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 17

الأعصار و وجوب الاهتمام بها على كل مسلم، بحيث يرجى ان يقتنع بها كل منصف. ثم تعرضنا في الفصل الرابع للأحاديث الموهمة وجوب السكوت و السكون في عصر الغيبة و عدم جواز التحرك لإقامة الدولة، و أوضحنا المقصود منها.

5- و عقدنا الباب الرابع لبيان ما يشترط في الحاكم الإسلامي من الشرائط و المواصفات بحكم العقل و الكتاب و السنّة، و ذكر ما اختلف في اشتراطه فيه. و يشتمل هذا الباب على اثني عشر فصلا.

6- و تعرضنا في الباب الخامس لما تنعقد به الإمامة و الولاية و كيفية ثبوت الولاية للفقيه في عصر الغيبة و أنها هل تكون بالنصب العامّ من قبل الأئمة «ع» أو بالانتخاب من قبل الأمّة لمن وجد الشرائط. و يشتمل هذا الباب على ستة فصول. و الفصل السادس منها فصل طويل يشتمل على ستّ عشرة مسألة مهمة جدّا ينبغي ملاحظتها.

و الأخيرة منها مسألة الكفاح المسلّح ضد الإمام الفاقد للصلاح، و انه هل يجوز أم لا.

7- و تعرضنا في الباب السادس لحدود ولاية الفقيه و اختياراته و وظائف الإمام، و السلطات الثلاث، و واجبات الحاكم الإسلامي تجاه الإسلام و الأمة و واجبات الأمة تجاهه. و يشتمل هذا الباب على خمسة عشر فصلا. و أطول الفصول و أهمها الفصل الرابع المتعرض للسلطات الثلاث.

8- و ذكرنا في الباب السابع بعض الآيات و الروايات الواردة في سيرة الإمام و أخلاقه في معاشرته و في مطعمه و ملبسه و نحو ذلك. و فيه فصول ثلاثة. و هو باب لطيف ينبغي للأئمة و الحكام ملاحظتها.

9- و ذكرنا في الباب الثامن المنابع المالية للدولة الإسلامية. و قد تعرضنا لها بنحو الإجمال

في فصول.

10- و ذكرنا في الخاتمة كتاب امير المؤمنين «ع» الى مالك حين ولّاه مصر،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 18

لاشتماله على مطالب مهمّة في الحكومة و ليكون ختام كتابنا مسكا.

10- طريقتنا في البحث و سيرتنا فيه:

اعلم أن الطريق الذي سلكناه في البحث في مسألة ولاية الفقيه يتفاوت مع ما سلكه الأعاظم المتعرضون لها؛ فانهم يفرضون أولا ثبوت الولاية للفقيه الجامع للشرائط، ثم يتفحصون عما يمكن ان يستدل به لهذا المطلوب المفروض؛ فيذكرون مقبولة عمر بن حنظلة مثلا و غيرها من الأخبار و يتعبون أنفسهم في اثبات دلالتها و ردّ المناقشات الواردة عليها. و لو فرض قوة المناقشات و عدم القدرة على ردّها، فلا محالة يتزلزل عندهم بنيان ولاية الفقيه.

و أما نحن فنثبت أولا ضرورة اصل الحكومة و الدولة للمجتمع في جميع الأعصار و أن الحكومة و الإمامة داخلة في نسج الإسلام و نظامه، و ذلك بالتتبع في متون الكتاب و السنة القويمة و فقه الفريقين. و ثانيا نذكر الشروط و المواصفات المعتبرة في الحاكم الإسلامي بحكم العقل و الكتاب و السنة، ثم نلاحظ ان هذه الشروط و المواصفات لا تنطبق الّا على الفقيه العادل الواجد للشرائط- كما سيأتي- فتثبت ولايته اجمالا و أنه المتعين لها قهرا، ثم نبحث في كيفية انعقاد الولاية و طرقه و أنها هل تنحصر في النصب من العالي فقط أو يثبت بالانتخاب أيضا و لكن في صورة عدم النصب؛ فان ثبت الدليل على نصب الفقيه فهو، و الّا وجب على الأمّة انتخابه، و لا يجوز انتخاب غيره و لا تنعقد له الامامة لفقد الشرائط المعتبرة.

فالطريق الذي سلكناه في المسألة يشبه طريق الفيلسوف في المسائل العقلية الدينية، كإثبات الصانع و صفاته.

و طريق الاصحاب فيها يشبه طريق المتكلم في هذه المسائل، كما لا يخفى على أهله.

و قد أشرنا سابقا الى أن البحث في جميع مسائل الحكومة و شئونها بالتفصيل، و التعرض لكلمات الأعلام و المحققين من علماء الإسلام و علماء الشرق و الغرب في هذا المجال مما يحتاج الى فراغ كثير لا يتيسّر لي فعلا.

فالذي اهتممت به في هذا الكتاب هو التعرض لأصل ضرورة الحكومة في جميع

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 19

الأعصار، ثم التعرض لشرائط الحاكم و طرق تعيينه و انتخابه و بيان وظائف الامام و سيرته و السلطات الثلاث و نحو ذلك، و ذكر الآيات و الروايات التي عثرت عليها في هذه المجالات. نعم، ربما أتعرض لبعض كلمات علماء الإسلام بالمناسبة.

و كان بنائي في كل موضوع على جمع الآيات و الروايات الواردة فيه من طرق الفريقين. و لم أكن أتعرض لصحة الروايات و سقمها من جهة السند الّا في بعض الموارد اللازمة. اذ كان الغرض المهم جمع الأحاديث مهما أمكن، ليسهل تناولها للطالبين. و ربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه.

و ليست مسألة الحكومة الاسلامية أمرا يختصّ بالشيعة الامامية، بل هي ضرورة لجميع المسلمين، فيجب البحث فيها في إطار فقه الإسلام بسعته الشاملة لجميع المذاهب.

و قد استقرت سيرة كثير من فقهائنا الإمامية في كتبهم الفقهية كالسيد المرتضى في الناصريات و الانتصار، و الشيخ الطوسي في الخلاف، و المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة و المنتهى على التعرض لفتاوى فقهاء السنة و رواياتهم في المسائل الفقهية و الأصولية، و على ذلك استقرت سيرة أستاذنا المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- أعلى اللّه مقامه- أيضا.

و ربما كانت الأخبار الواردة

عن أئمتنا- عليهم السلام- في المسائل المختلفة ناظرة الى الروايات و الفتاوى المشهورة في أعصارهم من فقهاء السنة، و فيها قرائن على ما هو المغزى و المقصود من رواياتنا.

و في كثير من المسائل المطروحة في بحثنا قد تكثرت الأخبار الى حدّ يحصل العلم العادي اجمالا بصدور بعضها، و نعبّر عن ذلك بالتواتر الإجمالي. و يكفي هذا لا ثبات أصل الموضوع المبحوث فيه، و ان لم يصحّ الاستناد الى كل واحد واحد منها فيما يخصه من المضمون.

و يظهر من شيخ الطائفة جواز العمل بالأخبار الواردة من طرق السنة عن امير المؤمنين «ع» و الأئمة من ولده «ع» اذا لم يكن هنا من طرقنا أخبار تخالفها او اجماع ينافيها. و الظاهر وجود هذا الملاك فيما رووه عن النبي «ص» أيضا.

قال في العدّة:

«فأمّا اذا كان مخالفا في الاعتقاد لأصل المذهب و روى مع ذلك عن الأئمة «ع»

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 20

نظر فيما يرويه، فان كان هناك من طرق الموثوق بهم ما يخالفه، وجب اطراح خبره، و ان لم يكن هناك ما يوجب اطراح خبره و يكون هناك ما يوافقه وجب العمل به.

و ان لم يكن هناك من الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك و لا يخالفه و لا يعرف لهم قول فيه وجب أيضا العمل به، لما روي عن الصادق «ع» انه قال: «اذا أنزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنّا فانظروا الى ما رووه عن عليّ «ع» فاعملوا به.»

و لأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث و غياث بن كلّوب و نوح بن درّاج و السكوني و غيرهم من العامّة عن أئمتنا- عليهم السلام-

فيما لم ينكروه و لم يكن عندهم خلافه.» «1» هذا.

و نذكر في كل مسألة أولا الآيات الشريفة الدالة عليها، ثم الأخبار المروية عن النبي «ص» من طرق الشيعة كانت أو من طرق السنة، ثم ما روي عن أبي الأئمة أمير المؤمنين «ع» ثم ما روي عن الأئمة من ولده «ع». و ربما يتفق التخلف عن هذا الترتيب لنكتة خاصة تظهر لمن تأمّل. و لا أتعرض لتفسير الآيات و شرح الأحاديث إلّا في بعض الموارد اللازمة حذرا من طول الكتاب. و لو كان لسان بعض الروايات شرح بعض الآيات المذكورة كان المناسب لا محالة تقديمه على غيره من الروايات فراعيت هذه النكتة أيضا. و مع ذلك كلّه فلا أدّعي عدم النقص في الترتيب أو في بيان المطالب أو عدم الخطأ و الاشتباه في الاستنباط من الأدلّة، فان الانسان محلّ الخطأ و النسيان.

11- أهمية فقه الدولة و المسائل العامّة الاجتماعية:

و اعلم أن البحوث الفقهية عند المسلمين من الشيعة و السنة قد طرأ عليها في العصور الأخيرة نقصان فاحشان: نقص في كميتها، حيث قلّت الحوزات و المعاهد الإسلامية الدينية و الفقهاء الحذّاق في البلاد بسعي من الاستعمار و عملائه. و نقص في نوعيّتها، حيث تركّزت البحوث على مسائل العبادات و الشؤون الشخصية و انحسرت عن الشؤون

______________________________

(1)- العدّة 1/ 379.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 21

العامّة للأمة الاسلامية تبعا لانحسار حكم الإسلام عن هذه الشؤون.

فنرجو من شبّان المسلمين الملتزمين ممن له قريحة و استعداد ان يقلّوا العرجة على الدنيا و زخارفها و يخلصوا وجوههم للّه، فيقبلوا الى المعاهد الدينية و الحوزات العلمية بنيّات صادقة طاهرة و همم عالية، و لا يقتصر الطّلاب و الفضلاء على تعلّم المسائل الفردية، بل

يبحثوا فقه القضايا العامة أيضا من قبيل إقامة الدولة و حدودها و شرائطها، و فقه الجهاد و الدفاع، و علاقات المسلمين مع المسلمين و مع الكفار و الأقليّات غير المسلمة، و فقه الأنفال و الأراضي و الثروات، و الحدود و التعزيرات و القضاء و الشهادات.

فكم يتفق مسألة عامّة مهمّة لا نجد من يتقنها و يحلّ مشكلتها مع وجود المباني الأساسية لها في الكتاب و السنة و كتب العلماء و الفقهاء الماضين. و هذا نقص و عيب بيّن واضح.

و في الكافي بسند لا بأس به عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «اذا أراد اللّه بعبد خيرا فقّهه في الدين.» «1»

و بسند صحيح عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لوددت ان أصحابي ضربت رءوسهم بالسياط حتّى يتفقهوا.» «2»

و عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين «ع» قال: «لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه و لو بسفك المهج و خوض اللجج.» «3»

و لا يخفى ان أفضل العلم بعد معرفة اللّه علم الفقه الذي به يعرف أحكام اللّه- تعالى- في جميع الشؤون. اللّهم فوفقنا للتفقه في دينك و العمل بما يرضيك.

12- البحث العلمي الحرّ لا يضرّ بالوحدة، بل يؤكدها:

و في ختام المقدمة ألفت نظر القارئ الكريم الى نكتة مهمّة، و هي ان البحث

______________________________

(1)- الكافي 1/ 32، كتاب فضل العلم، باب صفة العلم و فضله و فضل العلماء، الحديث 3.

(2)- الكافي 1/ 31، كتاب فضل العلم، باب فرض العلم و وجوب طلبه و الحثّ عليه، الحديث 8.

(3)- الكافي 1/ 35، كتاب فضل العلم، باب ثواب العالم و المتعلّم، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 22

الفقهي و العلمي الأصيل يخدم قضية وحدة المسلمين و لا

يضرّ بها، كما قد يتوهم. فان الواجب على المسلمين الأحرار أن يعرف بعضهم معارف الآخرين و فقههم، لا أن يكتم فقهاء هذا المذهب أو ذاك ما يرونه صحيحا و حقّا، فلا يتوقع من باحث شيعي مثلا أن يكتم في البحث العلمي ما يراه حقّا.

و ليس معنى الوحدة الاسلام ية كتمان الحقائق و العلوم، بل يعنى بها تجلّي المشاركات الأصلية الموجودة بينهم و المبادلات العلمية و تشديد العلاقات السياسية و الاقتصادية و حفظ الآداب و الحرم، و جهادهم معا ضدّ الكفر العالمي المسيطر على بلادنا و شئوننا. فديننا واحد و نبيّنا واحد و كتابنا واحد و قبلتنا و مشاعرنا واحدة، و نشارك في الكتاب و السنة. فيجب المراقبة لأن لا يستفيد العدوّ من إلقاء الخلافات و إيجاد الضغائن. فهذا هو عمدة وسيلتهم للسلطة علينا، كما حكي عن أحد رؤساء دولة بريطانيا أنه قال: «فرّق تسد».

و قد استقرت سيرة السيد الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- في بحوثه الفقهية على المقارنة بين فقه المذاهب اجمالا، و نحن أيضا نقفو اثره فنتعرض في بحثنا لفتاوى علماء السنة و رواياتهم. و نرجو من إخواننا السنة أيضا ان يلتفتوا الى فقه الشيعة الذي هو فقه العترة الطاهرة، و لا يلتفتوا الى القاءات الأعداء و ضوضاء الجهال و أهل الشغب.

و بالجملة أوصي أهل البحث و النظر من الفريقين بسعة النظر و حفظ الأدب في الكلام و القلم، و أن لا يقعوا في حبائل الشياطين من الجن و الإنس و النفس الأمّارة بالسوء.

13- تذكار و اعتذار:

و أقول هنا مذكّرا انه قد حصل لنا بالتجربة انه كلّما وقع البحث في هذا السنخ من المسائل الأساسية الموجبة لوعي المسلمين و رشدهم السياسي، و انتشر فيها

مصنّف، سعى عملاء الاستعمار و الأيادي الجاهلة الساذجة أو الأجيرة الخبيثة في إشاعة الدعايات المسمومة في البلاد الاسلامية و المحافل الدينية و العلمية، و في افساد الجوّ

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 23

و البيئة على المصنف و المصنف.

و لكنّي أوصي الإخوان من الفضلاء الكرام و الأعزّة الأعلام أن لا يصدّهم هذا النوع من الضوضاء عن العمل بالوظائف العلمية و التحقيقات الإسلامية، و ان لا يبادروا الى الاعتراض و المناقشة في مطلب أو جملة من هذا الكتاب إلّا بعد الإحاطة بجميع أبوابه و فصوله، فان المباحث و المطالب فيه متشابكة و مرتبطة غاية الارتباط، و ربما أبدينا نظرا في مقام و أقمنا الدليل عليه في باب آخر، و ربما نذكر أمرا ايرادا و احتمالا لا جزما و اعتقادا، و لا ينضج المطالب و لا يبرهن عليها إلّا في خلال الايرادات و الردود، هذا.

و مع ذلك كلّه فالإنسان محل الخطأ و النسيان، و كفى بالمرء نبلا ان تعدّ معايبه.

و أرجو من الفضلاء الكرام أن يصرفوا طاقاتهم في تنقيح هذه المسائل، فانها مما تعم به البلوى. و من اللّه- تعالى- استمدّ و عليه التّكلان.

و أنا العبد المحتاج إلى رحمة ربّه الهادى، حسينعلى المنتظرى النجف آبادى غفر اللّه له و لوالديه و جعل مستقبل أمره خيرا من ماضيه بجاه محمد و آله الطاهرين. 15 جمادى الأولى 1408 ه. ق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 25

الباب الأوّل فيما يقتضيه الأصل، و حكم العقل في المسألة إجمالا

اشارة

مع قطع النظر عمّا ورد في الكتاب و السنة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 27

«مقتضى الأصل و حكم العقل في المسألة»

قالوا: إنّ الأصل عدم ولاية أحد على أحد

و عدم نفوذ حكمه فيه، فان أفراد الناس بحسب الطبع خلقوا أحرارا مستقلين. و هم بحسب الخلقة و الفطرة مسلّطون على انفسهم و على ما اكتسبوه من أموالهم بإعمال الفكر و صرف القوى. فالتصرف في شئونهم و أموالهم و التحميل عليهم ظلم و تعدّ عليهم. و كون أفراد الناس بحسب الاستعداد و الفعلية مختلفين في العقل و العلم و الفضائل و الأموال و الطاقات و نحوها لا يوجب ذلك ولاية بعضهم على بعض و تسلطه عليه و لزوم تسليم هذا البعض له.

و في كتاب أمير المؤمنين «ع» لابنه الحسن- عليه السلام: «لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرّا.» «1»

و قال- عليه السلام- أيضا: «أيها الناس، ان آدم لم يلد عبدا و لا أمة، و ان الناس كلهم أحرار و لكن اللّه خوّل بعضكم بعضا.» «2»

اللهم الّا ان يناقش بان الولاية على الناس تدبير لأمورهم و جبر لنقصهم و هذا

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 929؛ عبده 3/ 57؛ لح/ 401، الكتاب 31.

(2)- الكافي 8/ 69 (الروضة) الحديث 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 28

غير الاستعباد، فتأمّل.

هذا ما ذكروه في مقام تأسيس الأصل في مسألة الولاية، و لكن هنا أمور أخر أيضا في قبال ذلك الأصل يحكم بها العقل نشير اليها إجمالا و التفصيل في كل منها يحال الى محله. و لعله يوجد لهذه الأمور نحو حكومة على هذا الأصل:

[الأمور الحاكمة على هذا الأصل]

الاول: [يجب علينا إطاعة الأنبياء بما هم وسائط أمر اللّه]

انه لا شك في ان اللّه- تعالى- خالق لنا و لكل شي ء مادة و صورة، جوهرا و عرضا، و بيده التكوين و التنمية و التربية و الهداية، و له ان يتصرف في جميع شئون خلقه، و هو عليم بما يصلح

خلقه و عباده في دينهم و دنياهم و حالهم و مستقبلهم، حكيم في الخلق و التشريع لا يحكم الّا بما يكون صلاحا لنا و لنظام الوجود. و الانسان في قباله مهما بلغ من العلم و المعرفة عاجز قاصر عن ان يحيط بطبائع الأشياء و لطائف وجوده و مصالح نفسه في النشأتين.

فللّه الخلق و الأمر، و له أن يأمر بما يراه صلاحا و ينهى عمّا يراه ضررا و فسادا، و على الانسان ان يخضع للّه و للشريعة الإلهية بقوانينها العادلة الحكيمة في شتى مراحل حياته، يحكم بذلك العقل و يذمّه على المخالفة، و لا يشارك اللّه في ذلك أحد من خلقه.

قال اللّه- تعالى- في كتابه العزيز: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ، يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفٰاصِلِينَ.» «1»

و قال: «ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ مَوْلٰاهُمُ الْحَقِّ، أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحٰاسِبِينَ.» «2»

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 57.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآية 62.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 29

و قال: «مٰا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لٰا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً.» «1»

و قال: «أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءَ، فَاللّٰهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَ هُوَ يُحْيِ الْمَوْتىٰ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ* وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللّٰهِ، ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.» «2»

و قال: «فَالْحُكْمُ لِلّٰهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.» «3»

و قال: «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.» «4»

الى غير ذلك من الآيات الشريفة.

و أحكامه- تعالى- انما تصل إلينا بالوحي الى

رسله و انبيائه، فيجب علينا اطاعتهم بما انهم وسائط أمره و مبلّغوا رسالاته، و لكن إطاعتهم من هذه الجهة ليست امرا وراء إطاعة اللّه- تعالى-. و الأوامر الصادرة عنهم في هذا المجال ليست مولوية بل أوامر ارشادية نظير أوامر الفقيه الصادرة عنه في مقام بيان احكام اللّه- تعالى- فكأنها إخبار بصورة الانشاء.

الثاني: [حكم العقل بحسن إرشاد الغير]

ان العقل يحكم بحسن ارشاد الغير و الإحسان اليه، و يحكم أيضا بوجوب الإطاعة لمن يرشد الانسان و يريه صلاحه، بعد ما حصل للإنسان العلم بصدقه و صلاحه. و العقلاء يذمّون الانسان لتركه المصالح المهمة التي أراها غيره و أرشده اليها و ان كان من قبل انسان مثله.

______________________________

(1)- سورة الكهف (18)، الآية 26.

(2)- سورة الشورى (42)، الآية 9 و 10.

(3)- سورة المؤمن (40)، الآية 12.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 44 و 45 و 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 30

الثالث: [يجب شكر المنعم و إطاعة الأنبياء و الأئمة شكر لهم]

ان العقل يرى تعظيم المنعم و شكره حسنا و ترك ذلك قبيحا. و لو فرض ان ترك اطاعته صار سببا لعقوقه و اذاه فالعقلاء يذمون الانسان على تركها. اللهم الا ان يزاحمها واجب أهم. و لعل هذا أيضا أحد الملاكات لإلزام العقل بوجوب اطاعة اللّه- تعالى- فيما أمر به أو نهى عنه. بل لعلّ وجوب اطاعة الوالدين أيضا من هذا القبيل، فانهما من أولياء النعم. فالعقلاء مع قطع النظر عن حكم الشرع أيضا يرون حسن اطاعتهما بل لزومها لذلك، فيكون حكم الشرع أيضا بهذا الملاك. و اذا كان هذا حكم الوالد الجسماني فالآباء الروحانيون و أولياء النعم المعنوية التي بها انسانية الانسان هم كذلك بطريق أولى. فيحسن عقلا بل يجب اطاعة الانبياء و أئمة العدل بهذا الملاك.

الرابع: [الانسان مدني بالطبع يحتاج إلى قوانين]

ما مرّ في المقدمة اجمالا و يأتي بالتفصيل من ان الانسان مدني بالطبع و لا يتيسّر له إدامة حياته الّا في ظلّ التعاون و الاجتماع. و لازم الاجتماع غالبا التضادّ في الأهواء و التضارب و الصراع. فلا محالة يحتاج الى نظم و قوانين تحدّد الحريات و تراعي مصالح الجميع، و الى حاكم ينفذ هذه القوانين و يدبّر الأمور و يرفع المظالم.

و واضح ان الحكومة لا تتم و لا تستقر الّا بإطاعة المجتمع للحاكم، فتجب الاطاعة بحكم العقل، و لا سيما اذا باشروا تعيينه و عاهدوه على ذلك، اذ الفطرة حاكمة بلزوم الوفاء بالعهد. هذا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 31

و يتحصل مما ذكرناه في هذا الباب انه ان اعتبرنا ان الأصل في المسألة عدم ولاية أحد على أحد فيمكن ان يقال في قبال ذلك ان حكم العقل بوجوب إطاعة اللّه، و اطاعة المرشد

الصادق، و تعظيم المنعم المحسن، و اطاعة الحاكم العادل الحافظ لمصالح المجتمع كلها اصول حاكمة على ذلك الاصل. فتثبت الولاية بالاخرة بحكم العقل.

و لأحد ذاق بعض حلاوة المعرفة ان يعتبر الاصل في المسألة بطريق آخر و لعله أوفق بالواقع و الحقيقة، و هو ان الموجودات ما سوى اللّه و منها الانسان بشراشر وجوداتها و هوياتها و ظواهرها و أعماقها و جواهرها و أعراضها أظلال لوجود الحق متدلّيات بذاته و هو مالك لها و ولي عليها تكوينا و ذاتا، فلا نفسية لها في قباله و لا يصحّ اعتبارها كذلك فانه على خلاف الواقع. و مقتضى الولاية الذاتية و الملكية التكوينية وجوب التسليم له و لأوامره و حرمة مخالفته بحكم العقل. و يتفرع على ذلك وجوب التسليم و الانقياد في قبال جميع الولايات المجعولة من قبله بمراتبها و حدودها: من ولاية الانبياء و الأئمة «ع» و الحكّام و الوالدين و المنعم و المرشد، فان الجميع يرجع الى ولاية اللّه و اطاعته، فتدبر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 33

الباب الثّانى في ثبوت الولاية للنبي الأكرم و للأئمة المعصومين سلام اللّه عليهم اجمعين

اشارة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 35

«ثبوت الولاية للنبى «ص» و للأئمة المعصومين «ع»»

[ولايتهم تكون من مصاديق الحكومة التي تكون ضرورية للمجتمع]

لا يخفى ان ولايتهم تكون من مصاديق الولاية و الحكومة التي أشرنا في المقدمة الى كونها ضرورية للمجتمع في جميع الأعصار و نتعرض لأدلّتها بالتفصيل في الباب الثالث و لشرائطها في الباب الرابع. و لعله كان المناسب لأجل ذلك تأخير البحث فيها عن البابين. و لكن لمّا كان النبي الأكرم «ص» هو المؤسّس للحكومة الاسلامية و قد فوّضها عندنا الى الأئمة المعصومين «ع» عندنا، و الفقهاء في عصر الغيبة نوّاب عنهم في ذلك اقتضى تقدّمهم في هذا الشأن و كذا شرفهم و حرمتهم تقديم البحث في ولايتهم اجمالا، و التفصيل فيه موكول الى الكتب الكلامية و كتب الاحتجاج:

فنقول: قد أشرنا الى ثبوت الولاية للّه- تعالى- تكوينا و تشريعا، و ان العقل يحكم بوجوب اطاعته و حرمة مخالفته، و لا يشاركه في ذلك احد من خلقه اللّهم الّا ان يفوض هو مرتبة من الولاية التشريعية الى غيره. فنقول: يظهر من الكتاب و السنة انه- تعالى- فوّض مرتبة من الولاية الى رسول اللّه «ص» و الى بعض الرسل السابقين و كذا الى الأئمة المعصومين «ص» عندنا. و لهذه الجهة وجبت اطاعتهم في أوامرهم المولوية السلطانية الصادرة عنهم بإعمال الولاية. و هذه الاطاعة غير وجوب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 36

اطاعتهم «ع» في مقام بيان احكام اللّه- تعالى-، فان أوامرهم في هذا المقام أوامر ارشادية محضة لا اطاعة لها سوى اطاعة اللّه.

[الآيات الدالة على ولاية بعض الانبياء أو النبي الأكرم أو الأئمة «ع»]

اشارة

فلنذكر بعض الآيات الدالة على ولاية بعض الانبياء أو النبي الأكرم أو الأئمة «ع» بشرح مختصر:

الآية الاولى: [آية الابتلاء]

قال اللّه- تعالى-: «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قٰالَ: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً. قٰالَ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، قٰالَ: لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ.» «1»

و في اصول الكافي عن الصادق «ع»: «ان اللّه- تبارك و تعالى- اتخذ ابراهيم عبدا قبل ان يتخذه نبيّا، و ان اللّه اتخذه نبيّا قبل ان يتخذه رسولا، و ان اللّه اتخذه رسولا قبل ان يتّخذه خليلا، و ان اللّه اتخذه خليلا قبل ان يجعله اماما. فلما جمع له الأشياء قال: «انّي جاعلك للناس إماما.» قال: فمن عظمها في عين ابراهيم قال: و من ذرّيّتي. الحديث.» «2»

فمن هذا الحديث و من تعبير اللّه- تعالى- عن الامامة بالعهد و اضافته الى نفسه و قوله: «انّي جاعلك» يظهر أهمية مقام الإمامة و انها عهد من اللّه بينه و بين من اصطفاه لذلك. و بجعله- تعالى- ابراهيم إماما صار قدوة مفترض الطاعة بحسب الوجدان و الفطرة و يرجع مخالفته الى مخالفة اللّه- تعالى-.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(2)- الكافي 1/ 175، كتاب الحجة، باب طبقات الأنبياء و الرّسل و الأئمة «ع»، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 37

الآية الثانية: [آية الخلافة]

قال اللّه- تعالى-: «يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ.» «1»

فالمستفاد من الآية ان داود مع انه كان نبيّا لو لم يجعله اللّه خليفة له لم يحقّ له الحكم المولوي و لم يجب التسليم لحكمه، و لكن بعد ما جعله خليفة لنفسه صار وليّا و حقّ له الحكم بين الناس. و لذا فرّعه بالفاء. نعم، نبوته تقتضي وجوب إطاعته فيما يأتي به من اللّه و لكن إطاعته في هذا المقام ليست سوى إطاعة اللّه كما مرّ.

الآية الثالثة: [آية الأولوية للنبيّ ص]
اشارة

و قال في سورة الأحزاب في حق نبيّنا «ص»: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَ أَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ، وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهٰاجِرِينَ.» «2»

فنبوّته «ص» غير أولويته بالتصرف.

و الآيات الدالة على ولايته «ص» من قبل اللّه- تعالى- كثيرة منها هذه الآية.

و يحتمل في معناها وجوه:
الاول: أولوية النبي و تقدّمه على النفس في جميع الأمور،

بمعنى ان كلّ ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ و المحبّة و الكرامة و إنفاذ الإرادة فالنبي أولى بجميع ذلك من

______________________________

(1)- سورة ص (38)، الآية 26.

(2)- سورة الأحزاب (33)، الآية 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 38

نفسه و عليه ان يرجح جانب النبي على جانب نفسه في جميع المراحل. فلو توجّه شي ء من المخاطر الى نفس النبي فعلى المؤمن ان يقيه بنفسه و ان يكون احبّ اليه من نفسه و اكرم. و لو دعاه النبي الى شي ء و دعته نفسه الى خلافه فعليه أن يقدم ما يريده النبي و يترك هوى نفسه مطلقا. فهو أولى به من نفسه في الأمور الشخصية و الاجتماعية و الدنيوية و الأخروية التكوينية و الاعتبارية، كبيع ماله و طلاق زوجته و نحو ذلك.

الثاني: اولويته و تقدّمه في كل ما يشخّصه من المصلحة للمؤمنين

، لأنه أعلم بمصالحهم و أحقّ بتدبيرهم، فيكون حكمه و ارادته أنفذ عليهم من ارادة انفسهم و يجب عليهم ان يطيعوه في كل ما امر به من الأمور الاجتماعية و الفردية.

و بعبارة أخرى كل ما يكون للإنسان سلطة و ولاية بالنسبة اليه، من شئون النفس و المال، فولاية النبي «ص» بالنسبة اليها أشدّ و أقوى. فكما ان الأب لعقله و رشده جعل وليا على الصغير بحسب السن أو العقل، فكذلك النبي «ص» يكون لجميع المؤمنين بمنزلة الأب المشفق لولده، العالم بما فيه صلاحهم. فله التصرف في جميع شئونهم، و يجب عليهم التسليم له و تقديم حكمه على هوى انفسهم. بل نسبة الأمّة اليه كأنّها نسبة العبيد الى الموالي. فتصرفه في نفوسهم و أموالهم نحو تصرف في مال نفسه.

و لا يخفى اختصاص ذلك على القول به بما يجوز للمؤمن ارتكابه بنفسه، و

له الولاية و السلطة بالنسبة اليه شرعا. فلا يعمّ ما لا يجوز شرعا من التصرفات، كقتل النفس و تبذير المال و اجراء العقود الفاسدة و نحو ذلك. و بالجملة المتبادر من الآية اولوية النبي «ص» في الأمور التي صحّ للمؤمنين التصدّي لها بالنسبة الى أموالهم و نفوسهم. فلا تعم المحرمات الشرعية حتى تجعل الآية مخصصة لأدلة المحرمات و العقود الفاسدة.

الثالث: أولويته بالنسبة الى خصوص الأمور العامة الاجتماعية،

بمعنى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 39

انه «ص» أحقّ و أولى بالنسبة الى الأمور العامة المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص خاص من المصالح الاجتماعية التي يرجع فيها كلّ قوم الى رئيسهم و يرونها من وظائف قيّم المجتمع، كإقامة الحدود، و التصرف في أموال الغيّب و القصّر، و حفظ النظام الاجتماعي، و جمع الضرائب و صرفها في المصالح العامة، و عقد المواثيق مع الدول و الملل و نحو ذلك. ففي هذا السنخ من الأمور الاجتماعية المرتبطة بالولاة يكون هو «ص» مبسوط اليد مخلّى السرب و تكون تحت اختياره و يجب على الأمة إطاعته فيها و التسليم له، و لا يجوز لأحد التخلف عن أوامره أو مزاحمته او اتخاذ القرار بخلافه، حيث ان النظام لا يستحكم إلّا بكون الرئيس في الأعمال المرتبطة به مطاعا مخلّى السرب.

و أما الأمور الشخصية الفردية، كبيع مال الشخص و طلاق زوجته و تزويج ابنته مثلا، فليست محطا للنظر في الآية الّا اذا فرض في مورد خاص توقف مصالح المجتمع عليها فتقدم على المصالح الفردية.

و في مجمع البحرين (مادة و لا) في تفسير الآية قال: «روي عن الباقر «ع» انها نزلت في الإمرة، يعني الامارة.» «1» و هذا مؤيّد لإرادة هذا الاحتمال او الاحتمال الرابع.

الرابع: تقدّم ولايته على سائر الولايات الموجودة في المجتمع.

فيصير معنى الآية ان ولايته أقوى و أشدّ من سائر الولايات، و ان حكمه أنفذ من حكم بعضهم على بعض. ففي الموارد التي ينفذ حكم احد في حق غيره بنحو من أنحاء الولاية فحكم النبي «ص» في هذه الموارد أنفذ من حكم سائر الأولياء.

ففي مجمع البيان:

«قد روي ان النبي «ص» لما أراد غزوة تبوك و أمر الناس بالخروج قال قوم: نستأذن

آباءنا و امّهاتنا، فنزلت هذه الآية.» «2»

فوزان قوله: «من أنفسهم» في الآية وزان قوله- تعالى-: «فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلىٰ

______________________________

(1)- مجمع البحرين/ 92.

(2)- مجمع البيان 4/ 338. (الجزء 8).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 40

أَنْفُسِكُمْ.» «1» أي يسلّم بعضكم على بعض. و قوله لبني اسرائيل: «فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ.» «2»

أي يقتل بعضكم بعضا.

و يشهد لهذا الاحتمال ان كلمة: «أولى» تفضيل من الولاية فيراد به تفضيل ولايته على سائر الولايات، و لا محالة ينحصر مورده أيضا في الأمور التي يتصدّى لها ولاية على الغير.

فهذه اربعة وجوه في الآية. و لا يخفى كون الأول أعم و أشمل من الثاني، و الثاني من الثالث. و قد قال بعض الأعاظم ان اطلاق اللفظ يقتضي اختيار الأول.

و لكن نقول انه يشكل الأخذ بالاطلاق، اذ لا يمكن الالتزام به في مثل الروابط و الحقوق الزوجية الشخصية مثلا، بل و في مثل التصرف في الأموال الشخصية و الزّواج و الطلاق و نحو ذلك، اللهم الّا اذا توقف عليها في مورد خاص مصالح المجتمع، فتدبر.

و يؤيد الوجه الثاني وقوع الآية بعد الآيتين النافيتين لكون الأدعياء أبناء، و الظاهر اشارتهما الى قصة زيد. فيراد بهذه الآية رفع توهم اختصاص زيد بالنبي و اختصاص النبي «ص» به بالبنوّة و الابوّة، بل نسبة النبي «ص» الى جميع المؤمنين نسبة واحدة و له أولوية بالنسبة اليهم جميعا، لكونه بمنزلة الأب لهم كما ان أزواجه امهاتهم.

و في مجمع البيان:

«روي عن أبيّ و ابن مسعود و ابن عباس أنهم كانوا يقرءون: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم و هو أب لهم.» و كذلك هو في مصحف أبيّ، و روي ذلك عن أبي جعفر و

أبي عبد اللّه «ع».» «3»

______________________________

(1)- سورة النّور (24)، الآية 61.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 54.

(3)- مجمع البيان 4/ 338. (الجزء 8).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 41

أقول: ليس هذا بمعنى تسليمنا لوقوع النقص في القرآن، لمنع ذلك جدّا، فليحمل- على فرض الصحة- على كون الساقط نحو تفسير للمراد سمعوه من النبي «ص» فأثبته البعض في الكتابة.

و لا يخفى انه على هذا الاحتمال يمكن الخدشة في اطلاق الأولوية، كما انه لا اطلاق لأمومة أزواجه بالنسبة الى جميع آثارها، اللهم إلّا أن يقال بوجوب المحافظة على الاطلاق إلّا فيما ثبت خلافه، فتدبر.

بعض موارد الاستشهاد بالآية:

في الوسائل عن أبي عبد اللّه «ع»: «كان رسول اللّه «ص» يقول: انا أولى بكل مؤمن من نفسه. و من ترك مالا فللوارث. و من ترك دينا أو ضياعا «1» فاليّ و عليّ.» «2»

و في مسند أحمد عنه «ص»: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه. فمن ترك دينا أو ضياعا فاليّ. و من ترك مالا فللوارث.» «3» و هذا المضمون متواتر في كتب السنة.

و في خبر زيد بن ارقم عنه «ص» في قصة الغدير: «أيها الناس، انّي تارك فيكم أمرين لن تضلّوا ان اتبعتموهما، و هما كتاب اللّه و أهل بيتي عترتي. ثم قال: أ تعلمون انّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟- ثلاث مرّات- قالوا: نعم. فقال رسول اللّه «ص»: من كنت مولاه فعلي مولاه.» «4»

و قد روي هذا المضمون متواترا بطرقنا و طرق السنة أيضا، فراجع مظانّه «5».

______________________________

(1)- الضّياع بالفتح: العيال، كما في النهاية 3/ 107.

(2)- الوسائل 17/ 551، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 14.

(3)- مسند أحمد 2/ 464.

(4)- مستدرك الحاكم 3/ 110. ذكره الحاكم

و قال إنه صحيح على شرط الشيخين.

(5)- راجع «الغدير» للعلّامة الأميني، و بحار الأنوار 37/ 108، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 52 (باب اخبار الغدير).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 42

و في الدر المنثور للسيوطي:

«و اخرج ابن أبي شيبة و احمد و النسائي عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول اللّه «ص» ذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول اللّه «ص» تغيّر و قال: يا بريدة، أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت:

بلى يا رسول اللّه. قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.» «1»

و ذكره الحاكم أيضا في المستدرك «2».

و يظهر من خبر بريدة ان هذا المضمون صدر عن النبي «ص» في غير قصة الغدير أيضا، كما انّ خبر الثقلين أيضا صدر عنه «ص» غير مرّة تثبيتا للكتاب و العترة لئلا تنساهما الأمّة.

و يستفاد من اشارته «ص» الى الآية الشريفة و بيان أولوية نفسه ان المراد بالمولى و الأولى واحد و انه «ص» اراد ان يثبت لعليّ «ع» مثل ما أثبته اللّه له «ص» من الولاية و الأولوية و الّا لم يكن لذكر اولويته بالمؤمنين وجه بل كان لغوا. و سيأتي معنى الولي و المولى عن أهل اللغة، فانتظر.

و قوله «ص»: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» يحتمل فيه بالنظر البدوي الإخبار و الإنشاء: فعلى الاول يريد الإخبار بان اللّه- تعالى- جعل عليّا مولى المؤمنين و أولى بهم، و على الثاني يريد انه «ص» بنفسه جعل المولوية لعليّ «ع». هذا. و لكن الأوفق بمذهبنا و ظاهر آية التبليغ الواردة في هذه القصة هو الاحتمال الأول، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الدّرّ المنثور 5/ 182.

(2)- مستدرك الحاكم 3/ 110،

ذكره و قال: إنه صحيح على شرط الشيخين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 43

تتمة [في استخلاف رسول الله و أدلّته]
اشارة

اعلم ان اخواننا السنّة يقولون: ان رسول اللّه «ص» لم يوص و لم يستخلف، و لكن الناس اجتمعوا في السقيفة، و بعد منازعة المهاجرين و الأنصار في امر الخلافة و محاجّتهم ابتدر خمسة- و هم عمر بن الخطاب، و ابو عبيدة بن الجراح، و اسيد بن حضير، و بشير بن سعد، و سالم مولى أبي حذيفة- فبايعوا ابا بكر فانعقدت له الامامة بذلك ثم بايعه آخرون، و هم يسمّون هذه البيعة بالشورى.

و في صحيح مسلم عن ابن عمر عن أبيه قبل وفاته:

«انّي لئن لا استخلف فان رسول اللّه «ص» لم يستخلف، و ان استخلف فان ابا بكر قد استخلف.» «1»

و لكنّا نحن الشيعة الامامية نقول: ان رسول اللّه «ص» استخلف عليّا «ع» لا مرّة واحدة بل مرّات من اوائل بعثته «ص» الى حين رحلته و وفاته.

فلنذكر من ذلك نماذج و نحيل التفصيل الى الكتب الكلامية المؤلفة لذلك فنقول:

1- روى الطبري في تاريخه بسنده عن عبد اللّه بن عبّاس،

عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه «ص»: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»، دعاني رسول اللّه «ص» فقال لي: يا علي، ان اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ...، فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسّا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم و أبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له و هم يومئذ اربعون رجلا يزيدون رجلا، أو

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1455 (طبعة أخرى 6/ 5)، الباب 2 من كتاب الإمارة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 44

ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب ...، فلما أراد

رسول اللّه «ص» ان يكلّمهم بدره أبو لهب الى الكلام فقال: لقدما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم و لم يكلمهم رسول اللّه «ص».

فقال الغد: يا عليّ، ان هذا الرجل سبقني الى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل ان اكلمهم، فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إليّ. قال: ففعلت ثم جمعتهم ...، ثم تكلم رسول اللّه «ص» فقال: يا بني عبد المطلب، انّي و اللّه ما أعلم شابّا في العرب جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به. انّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني اللّه- تعالى- ان ادعوكم اليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على ان يكون أخي و وصيّي و خليفتي فيكم؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعا و قلت- و انّي لأحدثهم سنّا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا- أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: ان هذا أخي و وصيّي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و اطيعوا.

قال: فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب: قد امرك ان تسمع لابنك و تطيع. «1»

و رواه أيضا ابن الأثير في الكامل «2» و ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة. «3»

و صححه هو و كثير من المؤرخين و المحدثين من الشيعة و السنة، فراجع مظانه.

و قد اشتهر الحديث بحديث بدء الدعوة، و رواه العلامة الأميني بأسانيد كثيرة من طرق السنة في «الغدير»، فراجع «4». و رواه في البحار عن العلل و غيره «5».

قال ابن أبي الحديد بعد نقل القصة:

«و يدلّ على انّه وزير رسول اللّه «ص» من نصّ الكتاب و السنة قول اللّه- تعالى-:

«وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هٰارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي*

وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.» «6»

و قال النبي «ص» في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام: «انت منّي

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 3/ 1171.

(2)- الكامل 2/ 62.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13/ 210 و 244.

(4)- الغدير 2/ 278.

(5)- بحار الأنوار 18/ 178، تاريخ نبيّنا «ص»، باب المبعث، الحديث 7.

(6)- سورة طه (20)، الآية 29- 32.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 45

بمنزلة هارون من موسى الّا انه لا نبي بعدي.» فاثبت له جميع مراتب هارون عن موسى. فإذن هو وزير رسول اللّه «ص» و شادّ أزره. و لو لا انه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره.» «1»

فانظر يا أخي المسلم، ان هذه الكلمات اعترافات من عالم سنّي متتبع أودعها في تأليفه المشهور.

2- و في خبر عمران بن حصين عن النبي «ص»:

«ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ ما تريدون من عليّ؟ ان عليا منّي و أنا منه و هو وليّ كل مؤمن من بعدي.» «2» و سيأتي معنى الولي و انه الأولى بالتصرف. و قوله: «من بعدي» ينفي احتمال كون الولاية بمعنى المحبّة و المودّة، و يعيّن كونها بمعنى المتصرف في الأمور. و في حياة النبي «ص» كان النبي «ص» هو المتصرّف في أمور المسلمين و كان عليّ «ع» في طاعته و منفّذا لأوامره.

3- و قد مرّ خبر بريدة و خبر زيد بن ارقم

و قوله «ص» فيهما: «من كنت مولاه فعليّ مولاه.» و ذكرنا انه يستفاد من قوله «ص» قبل هذه الجملة: «أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» انه يريد ان يثبت لعليّ «ع» ما اثبته اللّه له من الولاية و الأولوية، و إلّا كان ذكره لغوا «3». و يأتي مثل ذلك في خبر عمار بن ياسر أيضا في قصّة التصدق بالخاتم في الصلاة و نزول آية الولاية.

4- و في صحيح البخاري بسنده عن ابراهيم بن سعد، عن ابيه،

قال: قال النبي «ص» لعليّ: «أما ترضى ان تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟» «4»

أقول: و كما لم يكن أحد أقرب الى موسى من أخيه هارون «ع» فلذا خلفه في

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13/ 211.

(2)- سنن الترمذي 5/ 296، باب مناقب علي بن أبي طالب من أبواب المناقب، الحديث 3796.

(3)- راجع ص 41 و 42 من الكتاب.

(4)- صحيح البخاري 2/ 300، باب مناقب علي بن أبي طالب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 46

قومه، فكذلك لم يكن أحد أقرب الى رسول اللّه «ص» و الى أهدافه من أخيه و وزيره امير المؤمنين «ع».

و يعلم مقام امير المؤمنين «ع» و موقفه من رسول اللّه «ص» من كلامه «ع» في الخطبة القاصعة من نهج البلاغة:

5- قال «ع»: «و قد علمتم موضعي من رسول اللّه «ص»

بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصة، وضعني في حجره و أنا ولد يضمّني الى صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسّني جسده، و يشمّني عرفه.

و كان يمضغ الشي ء ثم يلقمنيه. و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة في فعل.

و لقد قرن اللّه به «ص» من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره. و لقد كنت اتّبعه اتّباع الفصيل اثر امّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما و يأمرني بالاقتداء به.

و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه و لا يراه غيري. و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه «ص» و خديجة و أنا ثالثهما، أرى نور الوحي و الرسالة و اشمّ ريح النبوّة، و لقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه «ص»

فقلت: يا رسول اللّه، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان آيس من عبادته، انك تسمع ما اسمع و ترى ما أرى الّا انّك لست بنبيّ و لكنّك وزير، و انك لعلى خير.» «1»

توضيح للمطلب:

ثم نقول: توضيحا انّ النبي الأكرم «ص» قد ارسله اللّه- تعالى- الى الناس كافّة، و جعله رحمة للعالمين و خاتما للنبيين، و ارسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون، كما نطق بذلك كلّه القرآن الكريم. و قد صرف هو «ص» عمره الشريف و جميع طاقاته و طاقات أهله و أصحابه في بثّ الإسلام

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 811؛ عبده 2/ 182؛ لح/ 300، الخطبة 192.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 47

و نشره، و صار كأنّه باخع نفسه حرصا على ذلك، و قدّم في سبيل ذلك مئات من الشهداء من خيرة المسلمين، و لم يغفل عنه ساعة واحدة من عمره الشريف. و كان يعتني و يهتمّ في دعوته و ارشاده حتى بالمسائل الجزئية الفرعية كمال الاهتمام.

و كان «ص» مع ذلك ملتفتا الى ان الإسلام لمّا يستوعب الحجاز بعد فضلا عن سائر البلاد، و ان السلطات الكافرة في ايران و الروم و غيرهما تقف أمام نشر الإسلام، و لا يتيسّر دفعها الّا بالقوة و القدرة و القيادة الجازمة، و كان عالما بأخلاق العرب و تعصباتهم القبائلية و العشائرية، و بقاء بعض الرواسب في عدد من النفوس، و ملتفتا الى وجود منافقين يعلمون لانتهاز الفرص، و ان حبّ الدنيا و المناصب رأس كلّ الخطايا، و ان الارتداد و الانقلاب على الأعقاب مما ينبغي ان يخاف منه و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ مٰا مُحَمَّدٌ

إِلّٰا رَسُولٌ، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ؟» «1» و قال الرسول «ص» على ما في البخاري و غيره: «يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: «وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمّٰا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ» «2» فيقال: ان هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.» «3»

فهل يجوّز العقل مع ذلك كلّه ان رسول اللّه «ص» مع عقله و درايته و فراسته، مضافا الى نبوته و رسالته، و مع اهتمامه بانتشار الإسلام أهمل بالكلية أمر الدين و الأمّة و ترك أمر القيادة من بعده و لم يعيّن تكليف المسلمين في ذلك؟!

كيف؟! و لو أراد قيّم قرية صغيرة ان يسافر سفرا موقّتا فهو بطبعه و وجدانه يعيّن مرجعا يرجع اليه حين سفره و غيبته و يوصي بالرجوع اليه في الأمور، و كان هو «ص» أيضا في أسفاره و غزواته يستخلف على المدينة المنورة من يخلفه في أموره الخاصة و العامة مدّة سفره كما ضبط المؤرخون اسماءهم، فكيف ينسب اليه «ص» مع كونه عقل الكل و خاتم الرسل انه ترك الاستخلاف لما بعد وفاته عن عمد أو غفلة؟!

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 144.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 117.

(3)- صحيح البخاري 3/ 127، في تفسير سورة المائدة، و في سنن الترمذي 5/ 4، في تفسير سورة الأنبياء.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 48

و هل يمكن ان يقال ان أبا بكر حيث استخلف كان أبصر بمصالح المسلمين و أرأف بهم و أحرص عليهم من رسول

اللّه «ص» و قد قال اللّه- عزّ و جلّ- في رسوله الكريم: «حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.» «1» فلا يمكن ان يقال انه «ص» أهمل أمرا يتقوم به نظام أمر المسلمين و قوتهم و شوكتهم.

و قد حكي ان عالما من علماء الشيعة مرّ على جماعة من السنة، فاصرّوا على أن يبيت عندهم ليلا، فأجابهم بشرط ان لا يقع بحث مذهبي. فلمّا تعشّوا قال له أحد علماء السنة: ما رأيك في أبي بكر؟ فقال: كان هو مسلما فاضلا يصلّي و يصوم و يحجّ و يتصدّق و رافق النبي «ص». فقال العالم السنّي: نعم، أضف. فقال العالم الشيعي: و خلاصة الكلام ان أبا بكر كان أفضل و أعقل من رسول اللّه «ص» بمراتب. فاستعجب الحاضرون و قالوا: كيف تقول هذا؟ قال: ان رسول اللّه «ص» ولى المسلمين ثلاث و عشرين سنة و مع ذلك لم يعقل وجوب الاستخلاف و مصالحه، و ابو بكر وليهم أقل من ثلاث سنوات و عقل ذلك و فهمه. فهو لا محالة كان أعقل منه «ص» فالتفت الحاضرون الى عمق المسألة. هذا.

و حين ما طعن الخليفة الثاني قال له ابنه:

«سمعت الناس يقولون مقالة فآليت ان أقولها لك: زعموا انّك غير مستخلف، و انه لو كان لك راعي ابل أو راعي غنم ثم جاءك و تركها رأيت ان قد ضيّع، فرعاية الناس اشدّ. قال: فوافقه قولي.» «2»

فكيف لم يلتفت رسول اللّه «ص» الى هذه النكتة الواضحة التي التفت اليها ابن عمر و وافقه فيها ابوه؟!

و قالت عائشة لعبد اللّه بن عمر:

«يا بنيّ، أبلغ عمر سلامي و قل له: لا تدع أمّة محمّد بلا راع، استخلف عليهم، و لا تدعهم بعدك هملا، فانّي أخشى عليهم

الفتنة.» «3»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 128.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1455، كتاب الإمارة، الباب 2 (باب الاستخلاف و تركه).

(3)- الإمامة و السياسة 1/ 28.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 49

فعائشة أدركت ضرر الفتنة، و رسول اللّه «ص» لم يدركه؟!

و قال له رجال عادوه قبل موته:

«أوص يا أمير المؤمنين و استخلف.» «1»

فهم قد عرفوا مصلحة الوصية و الاستخلاف، و الرسول «ص» لم يعرف ذلك؟!

و هل لم تكن أهمية حفظ الإسلام و بسطه و تنفيذ مقرراته الى يوم القيامة و حفظ نظام المسلمين في نظر النبي الأكرم «ص» بقدر أهمية الوصايا الشخصية المتعلقة بالأموال الجزئيّة؟!

و قد ورد عنه «ص» انه قال: «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية.» «2»

و قال «ص»: «ما حقّ امرئ مسلم أن يبيت ليلتين و له شي ء يوصى فيه الّا و وصيّته مكتوبة عنده.» «3»

ثم نقول: ان قوله- تعالى- في سورة المائدة النازلة على النبي «ص» في أواخر عمره الشريف: «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ، بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ، وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ» «4» ينادي بكونه مرتبطا بامر مهمّ متمم للرسالة حافظ لها، بحيث لو لم يبلغه خيف على الرسالة. و يستفاد من ظاهر الآية ان الناس كانوا مخالفين لهذا الأمر و يعارضونه في تبليغه.

و قد ورد من طرق الفريقين ان هذه الآية نزلت في قصّة الغدير:

منها: ما في الدر المنثور للسيوطي:

«اخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري، قال:

نزلت هذه الآية: «يا أيها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربّك» على رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 189،

و صحيح البخاري 2/ 299.

(2)- الوسائل 13/ 352، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 8.

(3)- سنن ابن ماجة 2/ 901، كتاب الوصايا، الباب 2، الحديث 2699.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 67.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 50

يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.» «1»

و قد ورد انه كان في حجة الوداع مع رسول اللّه «ص» تسعون ألفا، و قيل مأئة ألف و عشرون ألفا، و قيل نحو ذلك. فلما انصرف راجعا الى المدينة و وصل الى غدير خمّ من الجحفة التي يتشعب فيها طريق المدينة من غيرها نزلت عليه هذه الآية. فأمر ان يردّ من تقدم منهم و يحبس من تأخر، فقام خطيبا و قال في ضمن خطبته: «أ تعلمون انّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»- ثلاث مرات- قالوا: نعم. فقال رسول اللّه «ص»: «من كنت مولاه فعليّ مولاه.»

و الخبر متواتر إجمالا، رواه كثيرون من الصحابة و ان اختلفوا في بعض ألفاظه.

و قد مرّ خبر زيد بن ارقم أيضا. و ان شئت التفصيل فراجع الكتب المفصّلة.

و قد عدّ العلامة المتتبع آية اللّه الحاج الشيخ عبد الحسين الأميني- طاب ثراه- في أول المجلد الأول من موسوعته المسماة ب «الغدير» مأئة و عشرة من أعاظم الصحابة الرواة لحديث الغدير مع ذكر الموارد و المآخذ من كتب السنة، فراجع.

نعم، ان انعقاد الإمامة بالبيعة و انتخاب الأمّة و ان كان موردا للقبول عندي، و سوف نثبته في محله بأدلة شافية ان شاء اللّه- تعالى-، و لكنه في طول النصّ قطعا.

اذ مع وجود النص من قبل الرسول الذي لا ينطق عن الهوى و يكون خبيرا بالفرد الأصلح لا يبقى مجال للشورى و الانتخاب قطعا،

و لا تكون البيعة للمنصوص عليه إلّا تأكيدا للنصّ، و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ.» «2»

و في نهج البلاغة: «فلمّا مضى «ص» تنازع المسلمون الأمر من بعده. فو اللّه ما كان يلقى في روعي و لا يخطر ببالي ان العرب تزعج هذا الأمر من بعده عن أهل بيته و لا انّهم منحّوه عني من بعده.» «3»

______________________________

(1)- الدرّ المنثور 2/ 298.

(2)- سورة الحشر (59)، الآية 7.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1048؛ عبده 3/ 130؛ لح/ 451، الكتاب 62.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 51

و فيه أيضا: «فو اللّه ما زلت مدفوعا عن حقّي مستأثرا عليّ منذ قبض اللّه نبيه «ص» حتى يوم الناس هذا.» «1»

الى غير ذلك من كلماته «ع» في خطبه و كتبه و احتجاجاته.

و يعجبني هنا نقل حوار جرى بين هشام بن الحكم من اصحاب الامام الصادق «ع» و بين عمرو بن عبيد المعتزلي البصري:

قال هشام:

«دخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة، فاذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد، و عليه شملة سوداء متّزر بها من صوف و شملة مرتد بها، و الناس يسألونه. فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم، انّي رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم. فقلت له:

أ لك عين؟ فقال: يا بنيّ، أيّ شي ء هذا من السؤال و شي ء تراه كيف تسأل عنه؟! فقلت: هكذا مسألتي. فقال: يا بنيّ، سل و ان كانت مسألتك حمقاء.

قلت: اجبني فيها، قال لي: سل. قلت: أ لك عين؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟

قال: أرى بها الألوان و الأشخاص. قلت: فلك أنف؟ قال: نعم. قلت:

فما تصنع به؟ قال: أشمّ به الرائحة. قلت: أ لك فم؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال:

أذوق به الطعم. قلت: فلك اذن؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت. قلت: أ لك قلب؟ قال: نعم. قلت: فما تصنع به؟ قال: أميّز به كلما ورد على هذه الجوارح و الحواسّ.

قلت: أ و ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا. قلت: و كيف ذلك و هي صحيحة سليمة؟ قال: يا بنيّ، ان الجوارح اذا شكّت في شي ء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته الى القلب، فيستيقن اليقين و يبطل الشك.

قال: هشام: فقلت له: فانما اقام اللّه القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم. قلت:

لا بدّ من القلب و الّا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم. فقلت له: يا أبا مروان، فاللّه-

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 59؛ عبده 1/ 37؛ لح/ 53، الخطبة 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 52

تبارك و تعالى- لم يترك جوارحك حتى جعل لهم إماما يصحّح لها الصحيح و يتيقن به ما شك فيه، و يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون اليه شكّهم و حيرتهم، و يقيم لك إماما لجوارحك تردّ اليه حيرتك و شكّك؟!

قال: فسكت و لم يقل لي شيئا، ثم التفت إليّ فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟

فقلت: لا. قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا. قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة. قال: فانت اذا هو. ثم ضمّني اليه و أقعدني في مجلسه و زال عن مجلسه، و ما نطق حتى قمت.» «1» هذا.

و لا أظن احدا من المسلمين يتوقع من أخيه المسلم

ان يكتم ما يعتقده بينه و بين ربّه حقّا و ان لا يبيّنه في البحث العلمي.

و انّما الذي يتوقع من كل مسلم هو حفظ الأدب و صون اللسان و القلم، و البعد عن التشاجر و النزاع، و حفظ اخوّة المسلمين و وحدتهم في مقابل الأجانب و الأعداء. فهذا ما عندنا إجمالا في مسألة الخلافة و الامامة، و التفصيل يطلب من الكتب الكلامية.

و على العالم المنصف تحرّي الحق و قبوله، لا توجيه ما وقع و تبريره. اللهم فاهدنا لما اختلف فيه من الحق.

و أوصى الإخوة المسلمين من السنة و الشيعة أن يراجعوا في مسألة الامامة و الخلافة كتاب «المراجعات» المشتمل على المراجعات الواقعة بين الإمام آية اللّه السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي من علماء الشيعة، و العلامة الاستاذ الشيخ سليم البشري شيخ جامع الأزهر من علماء السنة. فالكتاب باختصاره مما يشفي العليل و يروي الغليل. فللّه درّ مؤلفه الجليل.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 169، كتاب الحجة، باب الاضطرار إلى الحجة، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 53

تفسير الولاية و بيان معناها

بقي الكلام في تفسير الولاية و مشتقاتها، فنقول:

قال الراغب في المفردات:

«الولاء و التوالي ان يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما.

و يستعار ذلك للقرب من حيث المكان، و من حيث النسبة، و من حيث الدين، و من حيث الصداقة و النصرة و الاعتقاد. و الولاية: النصرة. و الولاية: تولّى الأمر.

و قيل: الولاية و الولاية نحو الدلالة و الدلالة. و حقيقته: تولّى الامر.

و الوليّ و المولى يستعملان في ذلك، كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل اي الموالي، و في معنى المفعول أي الموالى.» «1»

و في نهاية ابن الأثير:

«في أسماء اللّه- تعالى-: «الوليّ»

هو الناصر. و قيل: المتولي لأمور العالم و الخلائق القائم بها. و من اسمائه- عزّ و جلّ-: «الوالي»، و هو مالك الأشياء جميعها، المتصرف فيها. و كأن الولاية تشعر بالتدبير و القدرة و الفعل. و ما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي ...

و قد تكرر ذكر المولى في الحديث. و هو اسم يقع على جماعة كثيرة: فهو الربّ، و المالك، و السيّد، و المنعم، و المعتق، و الناصر، و المحبّ، و التابع، و الجار، و ابن العمّ، و الحليف، و العقيد، و الصهر، و العبد، و المعتق، و المنعم عليه ... و كل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه و وليّه ...، و منه الحديث: «من كنت مولاه فعليّ مولاه.» يحمل على أكثر الأسماء المذكورة. قال الشافعي: يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله- تعالى-: «ذلك بان اللّه مولى الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولى لهم». و قول عمر

______________________________

(1)- المفردات/ 570.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 54

لعليّ: «أصبحت مولى كلّ مؤمن.» أي وليّ كلّ مؤمن. و قيل: سبب ذلك ان اسامة قال لعليّ «ع» لست مولاي، انّما مولاي رسول اللّه «ص». فقال «ص»:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه.» و منه الحديث: «أيما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل.» و في رواية «وليّها» أي متولي أمرها.» «1»

و في الصحاح:

«الولي: القرب و الدنوّ. يقال: تباعدنا بعد ولي، و كل مما يليك أي مما يقاربك ...

و اوليته الشي ء فوليه، و كذلك ولي الوالي البلد، و ولي الرجل البيع ولاية فيهما ...

و المولى: المعتق و المعتق و ابن العم و الناصر و الجار، و الوليّ: الصهر. و كل من

ولي أمر واحد فهو وليّه.» «2»

و في معجم مقاييس اللغة:

«الواو و اللام و الياء: أصل صحيح يدلّ على قرب. من ذلك الولي: القرب.

يقال: تباعد بعد ولي، أي قرب. و جلس مما يليني، أي يقاربني. و الوليّ: المطر يجي ء بعد الوسميّ، سمي بذلك لأنه يلي الوسميّ. و من الباب، المولى: المعتق، و المعتق، و الصاحب و الحليف، و ابن العمّ، و الناصر، و الجار. كل هؤلاء من الولي و هو القرب. و كل من ولي أمر آخر فهو وليّه ... و الباب كلّه راجع الى القرب.» «3»

و في لسان العرب:

«و الوليّ: وليّ اليتيم الذي يلي أمره و يقوم بكفايته. و وليّ المرأة: الذي يلي عقد النكاح عليها و لا يدعها تستبدّ بعقد النكاح دونه. و في الحديث: أيّما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل، و في رواية: وليها، أي متولي أمرها ... قال الفراء:

الموالي: ورثة الرجل و بنو عمّه. قال: و الوليّ و المولى واحد في كلام العرب. قال ابو منصور: و من هذا قول سيدنا رسول اللّه «ص»: ايّما امرأة نكحت بغير اذن مولاها.

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 5/ 227.

(2)- الصحاح 6/ 2528.

(3)- معجم مقاييس اللغة 6/ 141.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 55

و رواه بعضهم: بغير اذن وليّها، لأنهما بمعنى واحد.» «1»

و في اقرب الموارد:

«ولي الشي ء و عليه ولاية و ولاية: ملك امره و قام به.» «2»

الى غير ذلك من كلمات أهل اللغة في معنى الكلمة و اشتقاقاتها و موارد استعمالها، فراجع.

أقول: قد مرّ في كلماتهم: ان وليّ اليتيم هو الذي يلي أمره، و وليّ المرأة من يلي عقد النكاح عليها. و عن النبي «ص»: «أيما امرأة نكحت بغير

اذن وليّها فنكاحها باطل.» «3» و يقال للسلطان: وليّ الأمر، و لمن يلي تجهيز الميت: وليّ الميّت. و عن المبرّد في صفات الباري- تعالى-: «الوليّ هو الأولى و الأحقّ، و كذلك المولى.» فيظهر منه كون العبارات الثلاث بمعنى واحد.

و مرّ عن الفراء ان «الوليّ و المولى واحد في كلام العرب.» و عن المفردات ان «حقيقته: تولّي الأمر. و الولي و المولى يستعملان في ذلك.»

و عن ابن الأثير «انها تشعر بالتدبير و القدرة و الفعل.»

فيظهر من الجميع ان التصرف مأخوذ في مفهوم الكلمة. فما في بعض الكلمات من تفسير الولاية بخصوص المحبة مما لا يمكن المساعدة عليه. و لو اريد بيان مجرد المحبّة التي هي أمر قلبي لاستعمل لفظ الحبّ أو الودّ، و في قبالهما البغض و الكراهة.

و امّا الولاية فهي تفيد التصدّي لشأن من شئون الغير. و في قبالها العداوة، و هي التجاوز و التعدّي على الغير. فالتصرف بمصلحة الغير ولاية و بضرره عداوة، و كلاهما من مقولة الفعل. و ربّما تستعمل الولاية في التصرف في شئون الغير مطلقا.

فتأمّل في قوله- تعالى-: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.» «4» و قوله- تعالى-: «اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ،

______________________________

(1)- لسان العرب 15/ 407 و ...

(2)- أقرب الموارد 2/ 1487.

(3)- سنن الترمذي 2/ 280، الباب 14 من أبواب النكاح، الحديث 1108.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 71.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 56

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ، يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمٰاتِ.» «1»

فحيث ما ذكر لفظ الولاية ذكر بعده سنخ الفعل و التصرف الناشئ منها من الأمر و النهي و العمل

المناسب لها. فيظهر بذلك كون التصرف مأخوذا في مفهومها.

و اصل الكلمة كما قالوا: هو الولي بمعنى القرب، و القريب من غيره لا يخلو من نحو تأثير و تصرّف فيه، كما أنّ المتصرف في أمور الغير لا بدّ ان يقع قريبا منه و الى جانبه حتى يتمكن من التصدّي لأموره و التوليّ لمصالحه.

فالانسان قد لا يقدر منفردا على رفع حاجاته فيحتاج الى من يقع الى جانبه، و بهذا يخرج عن الانفراد و يصبح ذا وليّ يقع في تلوه فيجبر نقصه و يسدّ خلله.

و الوليّ و المولى يطلقان على كل من الوالي و المولّى عليه، لاحتياج كل منهما الى الآخر و تصدّي كل منهما شأنا من شئون الآخر، و لوقوع كل منهما في تلو الآخر و في القرب منه. و اذا أردنا بيان ان زيدا ليس منفردا بل له من يتصدّى لبعض أموره فيصح ان يقال: عمرو في تلوه كما يصحّ ان يقال: هو في تلو عمرو. و يشبه رجوع التلو و الولي الى اصل واحد و أبدلت الواو تاء. و نظائره كثيرة في كلام العرب.

و بهذه العناية يطلق لفظ المولى على كل من المالك و المملوك. و بهذه العناية أيضا يقال: «اللّه وليّ الذى آمنوا.» و يقال أيضا: «المؤمن وليّ اللّه.» بل الظاهر ان المعاني الكثيرة التي ذكروها للمولى كلّها ترجع الى أمر واحد و كلّها مصاديق لمفهوم فارد، و هو كون الشخص واقعا الى جانب الآخر ليتصدى بعض شئونه و يسدّ بعض خلله.

و بما ذكرنا يظهر ان قول النبي «ص» في الخبر المتواتر: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» سواء كان بلفظ المولى أو الولي فمراده «ص» ان يثبت لعلي «ع» مثل ما كان لنفسه من

ولاية التصرف و الأولوية المذكورة في الآية الشريفة. و لذا صدّره بقوله:

«أ تعلمون انّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» ثلاث مرات. و ظاهر الكلام ان المولى في الجملتين بمعنى واحد، و هو الأولوية المذكورة في الآية.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 257.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 57

و لو كان بصدد بيان المحبة لم يحتج الى بيان أولوية نفسه، بل كان ذكرها لغوا.

كيف؟! و لم يكن بيان المحبة القلبية أمرا مهما يوجب ايقاف مأئة الف و عشرين الف رجلا في المفازة في وسط النهار في الهاجرة الشديدة لبيانها و إعلامها.

و يشهد لذلك أيضا قوله «ص» في خبر عمران بن حصين: «ما تريدون من عليّ؟

ان عليا منّي و أنا منه، و هو وليّ كلّ مؤمن من بعدي.» «1» اذ قوله: «من بعدي» ينفي احتمال كون الكلمة بمعنى المحبة القلبية و يعيّن كونها بمعنى الأولوية و الإمامة، كما هو واضح. هذا. و تفصيل البحث موكول الى الكتب الكلامية المعدّة لهذه الأبحاث، فراجع.

______________________________

(1)- سنن الترمذي 5/ 296، باب مناقب علي بن أبي طالب من أبواب المناقب، الحديث 3796.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 58

حديث الثقلين و التمسك بالعترة

و امّا مسألة التمسك بأهل البيت «ع» و حجية أقوالهم في اصول الدين و فروعه فهي أمر آخر غير مسألة الإمامة و الخلافة. فان مسألة الخلافة مسألة كلامية، و مسألة حجية أقوال العترة و أفعالهم مسألة أصولية، و ان كانت المسألتان عندنا متلازمتين. و الأدلّة الشرعية على الأخذ بمذهب العترة الطاهرة و على رأسهم أمير المؤمنين و باب علم النبي «ص» علي بن أبي طالب «ع» كثيرة. و قد جعلهم رسول اللّه «ص» عدلا للكتاب العزيز

في الحديث المتواتر بين الفريقين الذي تعرّض له ارباب الصحاح و السنن و المسانيد، و رووه عن كثير من الصحابة عن النبي «ص».

ففي صحيح مسلم في حديث الغدير عن زيد بن أرقم، عن النبي «ص»: «أيها الناس، فانما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به- فحثّ على كتاب اللّه و رغّب فيه- ثم قال: و أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، اذكركم اللّه في أهل بيتي، اذكركم اللّه في أهل بيتي.» «1»

و روى الترمذي بسنده عن زيد بن ارقم، قال: قال رسول اللّه «ص»: «انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض، و عترتي أهل بيتي. و لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني

______________________________

(1)- صحيح مسلم 4/ 1873 (طبعة اخرى 7/ 122)، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 2408.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 59

فيهما.» «1»

و واضح ان التمسك بالكتاب هو الأخذ بما فيه، و التمسك بالعترة هو الأخذ بأقوالهم و سنّتهم. فأقوالهم و سنّتهم حجة شرعية إلهية. و قد عرفت ان الحديث متواتر بين الفريقين، و انما ذكرنا ما ذكرناه نموذجا. و قد صدع به رسول اللّه «ص» في مواقف شتّى: تارة في يوم عرفة في حجّة الوداع، و أخرى في غدير خمّ، و ثالثة على منبره في المدينة، و رابعة في حجرته المباركة في مرضه. كل ذلك لتثبيت الكتاب و العترة الطاهرة أساسين للشريعة المطهرة، فراجع مظان نقله.

و يحدس العاقل اللبيب ان امامة

العترة الطاهرة و وجوب التمسك بهم هو الذي رام رسول اللّه «ص» تثبيته بالكتابة، فحالوا بينه و بين ما رامه.

ففي صحيح البخاري بسنده عن ابن عباس، قال:

«لما حضر رسول اللّه «ص» و في البيت رجال فقال النبي «ص»: هلمّوا أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده. فقال بعضهم ان رسول اللّه «ص» قد غلبه الوجع و عندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه. فاختلف أهل البيت و اختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده. و منهم من يقول غير ذلك. فلمّا أكثروا اللغو و الاختلاف قال رسول اللّه «ص»: «قوموا.» قال عبيد اللّه: فكان يقول ابن عباس:

ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه «ص» و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم و لغطهم.» «2»

فتأمل في تعبيره بقوله: «لا تضلوا بعده» و مشابهته لما في رواية الترمذي.

هذا.

و قد خصّ العلامة البحّاثة الفريد آية اللّه السيد حامد حسين الهندي- قدّس سرّه- مجلدين ضخمين من موسوعته المسماة ب «عبقات الأنوار» بنقل حديث الثقلين و طرقه من كتب السنة، فراجع.

______________________________

(1)- سنن الترمذي 5/ 328، باب مناقب أهل بيت النبي «ص» من أبواب المناقب، الحديث 3876.

(2)- صحيح البخاري 3/ 91 كتاب المغازي، باب مرض النبي «ص» و وفاته.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 60

فعلى الأمة المسلمة التمسك بالعترة الطاهرة في الأعمال و الأقوال. و لا أظن ان يجترئ أحد من العلماء تقديم أئمة المذاهب الأربعة و تفضيلهم على الأئمة من العترة الطاهرة الذين هم سفن نجاة الأمّة و باب حطّتها و أعلام هدايتها، و قد قال النبي «ص» في شأن الكتاب العزيز و فيهم: «فلا تقدموهما لتهلكوا و لا تعلموهما، فانهما

أعلم منكم.» «1»

و في نهج البلاغة: «انظروا أهل بيت نبيّكم، فالزموا سمتهم و اتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى و لن يعيدوكم في ردى، فان لبدوا فالبدوا، و ان نهضوا فانهضوا، و لا تسبقوهم فتضلوا و لا تتأخروا عنهم فتهلكوا.» «2»

و فيه أيضا: «هم موضع سرّه و لجأ أمره و عيبة علمه و موئل حكمه و كهوف كتبه و جبال دينه، بهم أقام انحناء ظهره و أذهب ارتعاد فرائصه ... لا يقاس بآل محمد «ص» من هذه الأمّة احد و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا، هم أساس الدين و عماد اليقين، اليهم يفي ء الغالي و بهم يلحق التالي، و لهم خصائص حق الولاية و فيهم الوصية و الوراثة، الآن اذ رجع الحق الى أهله و نقل الى منتقله.» «3»

و في مستدرك الحاكم النيسابوري بسنده عن أبي ذر، قال: سمعت النبي «ص» يقول: «ألا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق.» «4»

و فيه أيضا بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فاذا خالفتها قبيلة من العرب

______________________________

(1)- الدرّ المنثور 2/ 60.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 286؛ عبده 1/ 189- 190؛ لح/ 143، الخطبة 97.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 44- 45؛ عبده 1/ 24- 25؛ لح/ 47، الخطبة 2.

(4)- مستدرك الحاكم 3/ 151 كتاب معرفة الصحابة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 61

اختلفوا فصاروا حزب إبليس.» «1»

الى غير ذلك مما ورد في أهل البيت من طرق الفريقين و هي كثيرة جدا.

و إنّي أدعو إخواننا من علماء

السنة أن ينظروا الى عقيدتنا في مسألة الإمامة و الخلافة، و في الأخذ بمذهب العترة الطاهرة من أهل بيت النبي «ص» بنظرة علمية و بعين الانصاف، بعيدا عن التأثر بالأجواء السياسية التي نشاهد في أعصارنا كيف تؤثر في الناس و تجعل الحقائق خلف الأستار.

ان التشيع لعليّ و للأئمة من أهل البيت «ع» ليس أحدوثة و لا بدعة بعد هذه الأحاديث النبوية المتواترة عند الفريقين، بل و بعد ورود التسمية بالشيعة في كلام النبي «ص».

ففي الدر المنثور في تفسير سورة البيّنة:

«أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنّا عند النبي «ص» فاقبل عليّ فقال النبي «ص»: و الذي نفسي بيده ان هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة.

و نزلت: «ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ...» و أخرج ابن عديّ عن ابن عباس، قال: لما نزلت «ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية» قال رسول اللّه «ص» لعليّ: «هو انت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين.» و أخرج ابن مردويه عن عليّ قال: قال لي رسول اللّه «ص»: «أ لم تسمع قول اللّه: ان الذين آمنوا و عملوا الصالحات أولئك هم خير البرية؟ انت و شيعتك.

و موعدي و موعدكم الحوض، اذا جئت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين.» «2»

و قد طال الكلام في المقام فأعتذر من القراء الكرام.

______________________________

(1)- مستدرك الحاكم 3/ 149 كتاب معرفة الصحابة.

(2)- الدرّ المنثور 6/ 379.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 62

الآية الرابعة من الآيات:

قوله- تعالى- في سورة الأحزاب: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.» «1»

و قد نزلت في

قصّة زيد بن حارثة عند ما خطب له النبي «ص» بنت عمّته زينب بنت جحش فاستنكرت هي ذلك و كذلك أخوها عبد اللّه، فلما نزلت الآية قالت: رضيت يا رسول اللّه. و جعلت أمرها الى رسول اللّه «ص» و كذلك اخوها.

و ليست القضية قضية شخصية فقط، بل الظاهر انها كانت اجتماعية و لا سيما بعد ما طلقها زيد و تزوّجها رسول اللّه «ص»، فكأنّ الغرض من ذلك كلّه كان نقض عادتين خرافيتين من عادات الجاهلية: إحداهما الاشميزاز و الاستنكاف من تزويج امرأة قرشية لمولى من الموالي، و ثانيتهما اعتبار كون الأدعياء أبناء و كون أزواجهم في حكم أزواج البنين.

و لا يخفى ان الآية و ان نفت الخيرة و لكن المفروض في مورد النزول على ما ورد، هو حصول الرضا عند العقد بعد ما نزلت الآية، اللهم الّا ان يقال: ان المورد لا يخصص، فتدبر.

الآية الخامسة من الآيات:

قوله- تعالى- في سورة المائدة: «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 63

وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ.» «1»

و قد ورد في روايات مستفيضة بل متواترة من طرق الفريقين في شأن نزول الآية أن أمير المؤمنين «ع» تصدق بخاتمه أو غيره في حال الصلاة، فنزلت.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 63

ففي الدر المنثور في ذيل الآية:

«أخرج الطبراني في الأوسط، و ابن مردويه عن عمار بن ياسر، قال: وقف بعليّ سائل و هو راكع في صلاة

تطوع فنزع خاتمه فاعطاه السائل فأتى رسول اللّه «ص» فاعلمه ذلك فنزلت على النبي «ص» هذه الآية: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ. فقرأها رسول اللّه «ص» على أصحابه ثم قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه.» «2»

و لا يخفى ان هذا مورد ثالث لقوله «ص»: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، و الأول في قصّة الغدير، و الثاني قصة بريدة كما مرّ. هذا.

و قد مرّ تفسير الولاية و انها تشعر بالتدبير و القوة و الفعل.

و في أصول الكافي: «عن أبي عبد اللّه في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا- قال: انما يعني: أولى بكم، أي أحق بكم و بأموركم و أنفسكم و أموالكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا، يعني عليا و أولاده الأئمة «ع» الى يوم القيامة. الحديث.» «3» و فيه ان الصدقة كانت حلّة قيّمة، و لعل الواقعة تكررت.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 55.

(2)- الدّرّ المنثور 2/ 293.

(3)- الكافي 1/ 288، كتاب الحجة، باب ما نص اللّه و رسوله على الأئمة «ع»، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 64

الآية السادسة: [آية الإطاعة]

قوله- تعالى- في سورة النساء: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.» «1»

قيل: «أفرد الأمر بطاعة الرسول للمبالغة و لدفع توهم انه لا يجب الالتزام بما ليس في القرآن من أوامره.» و قيل: «معناه أطيعوا اللّه في الفرائض و أطيعوا الرسول في السنن.»

هذا.

و لكن الظاهر بقرينة عطف اولي الأمر على الرسول و عدم فصلهم عنه هو

كون إطاعة الرسول و اطاعة اولي الأمر هنا من سنخ واحد. فيكون الأمر باطاعة اللّه مرتبطا بأحكام اللّه المشرّعة من قبله- تعالى-. و الأمر بإطاعتها أمر إرشادي لا مولوي، و إلّا لتسلسل الأوامر و المثوبات و العقوبات، كما حقق في محله.

و أما الأمر بإطاعة الرسول و أولي الأمر فيكون أمرا مولويا من اللّه- تعالى- متعلقا باطاعتهم في الأوامر الصادرة عنهم بنحو المولوية بما انهم ولاة الأمر في الأمور الاجتماعية و السياسية و القضائية. و ليس المراد إطاعتهم في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى-، لأنها ليست امرا آخر وراء اطاعة اللّه، و أوامرهم- عليهم السلام- في هذا المجال إرشادية محضة، نظير أوامر الفقيه في هذا المجال كما مرّ. و لأجل ذلك كرّرت لفظة: «اطيعوا» و فصّلت اطاعتهم عن اطاعة اللّه- تعالى-، و ان كانت ولايتهم من قبل اللّه- تعالى- و اطاعتهم أيضا نحو اطاعة له. هذا.

و المقصود بالأمر في الآية- على الظاهر- هو الحكومة و إدارة شئون الأمة.

و سمّيت به لقوامها بالأمر من طرف و الاطاعة من طرف آخر.

و في الحديث عن النبي «ص»: «ما ولّت أمّة قط أمرها رجلا و فيهم أعلم منه الّا لم يزل

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 59.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 65

أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا الى ما تركوا.» «1»

و عنه «ص» أيضا: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.» «2»

و في نهج البلاغة: «فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة. الحديث.» «3»

و فيه أيضا: «و لعليّ أسمعكم و أطوعكم لمن ولّيتموه أمركم.» «4»

و فيه أيضا: «ان أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه و أعلمه بأمر اللّه فيه.» «5»

و في كتاب الإمام المجتبى «ع» الى معاوية: «ان

عليّا لما مضى لسبيله ... و لأني المسلمون الأمر بعده ... فانك تعلم انّي أحق بهذا الأمر منك.» «6»

و في خطاب السبط الشهيد «ع» لأصحاب الحرّ: «و نحن أهل بيت محمد و أولى بولاية هذا الأمر عليكم.» «7»

الى غير ذلك من موارد استعمال لفظ الأمر المراد به الإمارة و الحكومة بشعبها المختلفة.

و هذا المعنى أيضا هو المتبادر من قوله- تعالى-: «وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.» «8» و قوله:

«وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ.» «9»

و على هذا فيكون معنى «أولي الأمر» الرجال المتصدين لأمر الحكومة و إدارة الشؤون العامة بشعبها المختلفة و في رأسهم الإمام الأعظم.

______________________________

(1)- كتاب سليم بن قيس/ 118.

(2)- صحيح البخاري 3/ 91، كتاب المغازي، باب كتاب النبي إلى كسرى و قيصر.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 49، الخطبة 3.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 271؛ عبده 1/ 182؛ لح/ 136، الخطبة 92.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 558؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 173.

(6)- مقاتل الطالبيين/ 35- 36.

(7)- إرشاد المفيد/ 207 (طبعة اخرى/ 225).

(8)- سورة آل عمران (3)، الآية 159.

(9)- سورة الشورى (42)، الآية 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 66

قال الشيخ الاعظم في مكاسبه في معنى أولي الأمر:

«الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع اليه في الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص.» «1» هذا.

و في الدر المنثور:

عن أبي هريرة: «هم الأمراء منكم.» و في لفظ: «هم أمراء السرايا.» و فيه أيضا عن البخاري و مسلم و غير هما بسندهم عن ابن عباس، قال: «نزلت في عبد اللّه بن حذافة بن قيس اذ بعثه النبي «ص» في سريّة.» «2»

و لكن وردت من طرق أصحابنا الإمامية أخبار

مستفيضة تدلّ على كون المراد بأولي الأمر في الآية الشريفة خصوص الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت. منها:

ما في الكافي بسنده عن بريد العجلي، عن أبي جعفر «ع» قال: «إيانا عنى خاصة. امر جميع المؤمنين الى يوم القيامة بطاعتنا.» «3»

أقول: لا إشكال عندنا في أنّ الأئمة الاثنى عشر هم المستحقون للإمامة بعد النبي «ص» بالنصّ و الأفضلية. و هم القدر المتيقن من اولي الأمر في الآية و المصاديق البارزة لهذا العنوان، و كان على الامّة بيعتهم و اطاعتهم. و لكن من المحتمل ان يكون الحصر في الأخبار المشار اليها حصرا اضافيا بالنسبة الى حكام الجور المتصدين للحكومة في اعصار الأئمة «ع» فارادوا- عليهم السلام- بيان ان الحق لهم و ان هؤلاء المتصدين ليسوا أهلا لهذا الأمر. و الّا فولاية الأمر اذا كانت عن حقّ بأن كانت بجعل الأئمة- عليهم السلام- اياها لشخص أو عنوان، أو بتولية المسلمين احدا على أنفسهم مع كونه واجدا للشرائط المعتبرة ان قلنا بصحة ذلك

______________________________

(1)- المكاسب/ 153.

(2)- الدرّ المنثور 2/ 176.

(3)- الكافي 1/ 276 كتاب الحجة، باب أن الإمام «ع» يعرف الإمام الذي يكون من بعده ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 67

كما يأتي في محلّه، فان طبعها لا محالة يقتضي لزوم الاطاعة و التسليم، ليتمّ الأمر و يدفع الهرج و المرج. فهو من قبيل تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعليّة و دوران الحكم مداره. فعلّة وجوب الاطاعة له هي كونه صاحب الأمر و ان له حقّ الأمر شرعا. و لا محالة لا يشمل صورة أمره بمعصية اللّه، اذ ليس له حق الأمر بالمعصية. و بالجملة فاطاعته واجبة في حدود ولايته المشروعة. و

لا يطلق صاحب الأمر الّا على من ثبت له حق الأمر و الحكم شرعا، كما لا يطلق صاحب الدار الّا على من ملكها شرعا دون من تسلط عليها غصبا.

و الحصر لا ينحصر في الحقيقي فقط، فكم قد شاع الاضافي منه في كلماتهم.

و مضامين القرآن الكريم لا تتقيد بموارد النزول و المصاديق الخاصة. و الجري و التطبيق في بعض الروايات على بعض الموارد لا يمنع من التمسك بالاطلاق و العموم.

و كيف يمكن الالتزام بولاية شخص أو اشخاص شرعا بالنصب من قبل اللّه أو بانتخاب الأمة على فرض صحته و لو في شعبة خاصة أو ظرف خاص و مع ذلك لا تفرض طاعتهم، مع انّ الأمر لا يتمّ و الغرض لا يحصل الّا بالإطاعة و التسليم؟

و لا ينحصر ذلك في الامامة الكبرى، فعمّال الوالي أيضا تجب اطاعتهم فيما فوّض اليهم.

و في صحيح مسلم عن رسول اللّه «ص» انه قال: «من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من عصاني فقد عصى اللّه، و من أطاع أميري فقد أطاعني، و من عصى أميري فقد عصاني.» «1»

و فيه أيضا عنه «ص» انه قال في خطبته في حجة الوداع: «لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب اللّه فاسمعوا له و اطيعوا.» «2»

نعم، فيه أيضا عنه «ص» انه قال: «على المرء المسلم السمع و الطاعة فيما احبّ و كره

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1466 (طبعة أخرى 6/ 13)، كتاب الإمارة، الباب 8 (باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية).

(2)- صحيح مسلم 3/ 1468 (طبعة أخرى 6/ 15)، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1838.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 68

الّا ان يؤمر بمعصية، فان أمر بمعصية فلا سمع و لا

طاعة.» «1» هذا.

و لا يمكن الالتزام بلزوم كون الوالي المفترض طاعته مطلقا معصوما، و الا لا شكل الأمر في العمّال المنصوبين من قبل النبي «ص» و امير المؤمنين «ع» امثال مالك الاشتر و محمد بن ابي بكر و غيرهما، اذ لا اشكال في وجوب إطاعتهم في نطاق ولايتهم. و ان شئت قلت: ان اطاعة المنصوب من قبلهم أو المنتخب باذنهم و على أساس الموازين المبيّنة من قبلهم أيضا هي في الحقيقة اطاعة لهم فتعمه الآية، فتأمل.

و الحاصل ان المحتملات في «اولي الأمر» في الآية الشريفة ثلاثة:

الأول: ان يراد بهم الأمراء و الحكام مطلقا كيف ما كانوا، كما هو الظاهر ممّا مرّ عن أبي هريرة.

الثاني: ان يراد بهم خصوص الأئمة الاثنى عشر المعصومين- سلام اللّه عليهم- كما دلّ عليه ظاهر بعض الأخبار المروية عنهم «ع». و يقرّبه ان الأمر بطاعة أحد على الاطلاق لا يجوز الّا اذا كان معصوما، اذ يقبح على اللّه- تعالى- ان يأمر على الاطلاق بطاعة من يمكن ان يخطئ أو يأمر بالمعصية.

الثالث: ان يقال ان المراد بهم بمناسبة الحكم و الموضوع من له حقّ الأمر و الحكم شرعا. فمن ثبت له هذا الحقّ وجب قهرا اطاعته في ذلك و الّا لصار جعل الحقّ له لغوا. و حقّ الأمر شرعا لا ينحصر في المعصوم، بل يثبت لكل من كانت حكومته مشروعة بالنصب أو بالانتخاب الممضى شرعا، و لكن في حدود حكومته.

فالحكام المنصوبون من قبل النبي «ص» أو أمير المؤمنين «ع» كان لهم حقّ الأمر في

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1469 (طبعة أخرى 6/ 15)، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1839.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 69

حدود حكومتهم و

فيما يرتبط بها، و لا محالة وجب على من كان تحت حكومتهم ان يطيعوهم في هذا السنخ من الأوامر. و أما ما يكون معصية للّه- تعالى- فلا تجوز اطاعتهم فيه، كما لا يكون لهم حق الأمر به، بل ليس لهم الأمر في الأمور المباحة غير المرتبطة بشؤون الحكومة أيضا.

و عن ابن عباس في قوله: «و أولي الأمر منكم»:

يعني أهل الفقه و الدين و أهل طاعة اللّه الذين يعلمون الناس معاني دينهم و يأمرونهم بالمعروف و ينهونهم عن المنكر. و عن جابر في قوله: «و أولي الأمر منكم» قال: «أولي الفقه و أولي الخير.» و عن مجاهد قال: «هم الفقهاء و العلماء.» «1»

و على هذا فلا تشمل الآية ولاة الجور و عمّالهم فان ولايتهم ساقطة عند اللّه و عند رسوله بل عند العقل أيضا و ليس لهم حق الأمر لما سيجي ء من اعتبار شروط ثمانية في الوالي بحكم العقل و الشرع سواء كانت الولاية بالنصب أو بالانتخاب.

فالانتخاب أيضا على القول به يتقيد بالشروط المذكورة، فلا تنعقد الامامة و الولاية لمن فقدها. و عن أمير المؤمنين «ع»: «اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة و أولي الأمر بالمعروف و العدل و الاحسان.» «2» كما ان رتبة الانتخاب أيضا على القول به تأتي بعد رتبة النصب، فلا مجال له معه. و التفصيل يأتي في الباب الخامس فانتظر. و نعود الى تفسير الآية بتمامها أيضا في ذلك الباب عند التعرّض لمقبولة عمر بن حنظلة و الاستدلال بها لولاية الفقيه.

الآية السابعة: [آية تحكيم النبيّ ص فيما شجر بينهم]

قوله- تعالى- في سورة النساء أيضا: «فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ

______________________________

(1)- الدرّ المنثور 2/ 176.

(2)- التوحيد/ 285، باب أنه- عزّ و جلّ- لا يعرف إلّا

به، الحديث 3. و الكافي 1/ 85 كتاب التوحيد، باب أنه لا يعرف إلّا به، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 70

لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.» «1»

و المخاطب هو الرسول «ص» فيجب التسليم له و لأوامره.

و لكن يمكن الخدشة في اطلاقها لظهورها في خصوص القضاء الذي هو شعبة من شعب الولاية.

و مورد النزول أيضا على ما في المجمع قضاؤه «ص» في خصام وقع بين الزبير و بين رجل من الأنصار، فراجع «2».

اللهم الّا ان يمنع ظهور الآية في خصوص القضاء، اذ الموصول بعمومه يشمل كل ما يشجر بين المسلمين حتى في مثل الصراعات و الحروب بين فئاتهم و أقوامهم، نظير قوله- تعالى-: «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا.» «3»

فالآية نصّ في ولاية النبي «ص» في جميع خلافاتهم الداخلية العامّة و الشخصية، و لا نعني بالحكومة الّا هذا. و موردها و ان كان خصوص القضاء و لكن المورد لا يخصّص.

الآية الثامنة: [آية تحكيم النبيّ بين الناس]

قوله- تعالى- في سورة النساء أيضا: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ وَ لٰا تَكُنْ لِلْخٰائِنِينَ خَصِيماً.» «4»

بتقريب ان اطلاق الحكم بين الناس يشمل جميع الشؤون و يعم المسلمين و غيرهم أيضا. الّا ان يدّعى ظهور الحكم في خصوص القضاء. و سيأتي البحث في ذلك في الباب الخامس.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 65.

(2)- مجمع البيان 2/ 69. (الجزء 3).

(3)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 105.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 71

الآية التاسعة: [آية الاستيذان من النبيّ و حرمة المخالفة]

قوله- تعالى- في سورة النور: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ، وَ إِذٰا كٰانُوا مَعَهُ عَلىٰ أَمْرٍ جٰامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّٰى يَسْتَأْذِنُوهُ ... لٰا تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعٰاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً، قَدْ يَعْلَمُ اللّٰهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوٰاذاً، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.» «1»

فالآية الأولى دلّت على ان لرسول اللّه «ص» مضافا الى منصب الرسالة منصب القيادة و الامامة في الأمور الاجتماعية و السياسية أيضا، و ان الواجب على الأمّة رعاية هذه الجهة أيضا. و الآية الثانية دلّت على وجوب اطاعته في اوامره و حرمة مخالفته. و الظاهر منها ارادة أوامره المولوية الصادرة عنه «ص» بولايته، لا الأوامر الارشادية الصادرة عنه في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى-. فانها في الحقيقة أوامر اللّه- تعالى- لا أوامره «ص».

و احتملوا في صدر هذه الآية وجوها:

منها: وجوب تفخيم النبي «ص» في المخاطبة بأن يقولوا مثلا: «يا رسول اللّه» و لا يقولوا: «يا محمد».

و منها: النهي عن التعرض لدعائه عليهم بان يسخطوه فيدعو عليهم، حيث ان دعاءه حق يستجاب بلا شك.

و منها: وجوب اجابة دعوته «ص» الى

الجهاد أو غيره من الشؤون، اذ ليس

______________________________

(1)- سورة النور (24)، الآية 62 و 63.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 72

دعوته لنا كدعوة بعضنا بعضا. فان في القعود عن أمره قعودا عن أمر اللّه- تعالى-، حيث أوجب علينا طاعته «ص».

و لعل الأنسب بالسياق هو الوجه الثالث، كما يشهد بذلك قوله: «قد يعلم اللّه الذين يتسللون منكم لواذا»، أي يفرّون و يخفون أنفسهم. فتدل الآية على ان الامور التي يتطلب فيها التعاون و الاجتماع لا يجوز تركها بدون الاستيذان من القائد، فتدبر.

فهذه تسع آيات يستفاد منها ولاية النبي أو الأئمة أو بعض الأنبياء الأخر.

و كيف كان فالولاية ثابتة للنبي «ص» و للأئمة «ع» بالكتاب و بالسنة المتواترة.

و النبي «ص» كما كان رسول اللّه و خاتم النبيين كان أيضا حاكما على المسلمين و وليّا لهم و أولى بهم من أنفسهم و وجبت عليهم اطاعته في أوامره الصادرة عنه من هذه الجهة امرا مولويا، مضافا الى الأوامر الارشادية الصادرة عنه «ص» في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى-، كما مرّ بيانه.

و الأخبار في افتراض طاعة الأئمة «ع» و كون معصيتهم كمعصية اللّه- تعالى- في غاية الكثرة. و يكفيك في ذلك مقبولة عمر بن حنظلة و خبر أبي خديجة و التوقيع المشهورات، حيث علل فيها حكومة الفقيه الراوي و وجوب الرجوع اليه بانّي قد جعلته حاكما أو قاضيا أو انهم حجّتي عليكم، فتأمل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 73

التنبيه على أمور

اشارة

و ينبغي التنبيه هنا على امور بنحو الإجمال، فان للتفصيل محلا آخر:

الأول- في بيان مفهوم الإمامة

قد مرّ بالتفصيل تفسير الولاية عن بعض أهل اللغة، و ان حقيقتها ترجع الى تولّي الأمر و التصرف و التدبير، و يشتق منها لفظ الوالي بمعنى الحاكم و الأمير.

و أما الإمامة، ففي المفردات:

«الامام: المؤتمّ به، انسانا كأن يقتدى بقوله او فعله، أو كتابا أو غير ذلك، محقّا كان أو مبطلا، و جمعه أئمة.» «1»

و في الصحاح:

«الامام: الذي يقتدى به، و جمعه أئمة.» «2»

و في لسان العرب:

______________________________

(1)- المفردات/ 20.

(2)- الصحاح 5/ 1865.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 74

«يقال: امام القوم معناه هو المتقدم لهم. و يكون الامام رئيسا كقولك: امام المسلمين.» «1»

و في المنجد:

«أمّ القوم و بالقوم: تقدمهم و كان لهم اماما. إاتمّ به: اقتدى به .. الامام للمذكر و المؤنث، الجمع: ائمّة و ايمّة: من يؤتمّ به.» «2»

أقول: و يشبه ان يكون اللفظ بفعله مأخوذا من لفظ الإمام بفتح الهمزة بمعنى القدام ضد الخلف، و يحتمل ان يكون مأخوذا من الأمّ- و أمّ الشي ء اصله- فكأن امام القوم اصلهم و هم تبع له. و يمكن ان يكون مأخوذا من الامّ بمعنى القصد، لكونه يقصد.

و كيف كان فيطلق على قائد القوم و زعيمهم الوالي و الامام و السلطان و الحاكم و الامير بعنايات مختلفة، فهو وال بحق تصرفه، و امام بوقوعه في الإمام، و سلطان بسلطته، و حاكم بحكمه، و أمير بأمره، فتدبّر.

الثاني- في تقسيم الولاية:

الولاية- بمعنى التصرف و الاستيلاء على الشخص أو الأمر- إما تكوينية و إمّا تشريعية. و لا يخفى ثبوت كلتيهما بمرتبتهما الكاملة للّه- تعالى.

و يوجد لرسول اللّه «ص»، بل لجميع الأنبياء أو أكثرهم و كذا للأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم اجمعين- بل لبعض الأولياء الكرام أيضا مرتبة من الولاية

التكوينية، بحسب ارتقاء وجودهم و تكاملهم في العلم و القدرة النفسانية و الارادة

______________________________

(1)- لسان العرب 12/ 26.

(2)- المنجد/ 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 75

و المشيّة و الارتباط باللّه- تعالى- و عناية اللّه بهم. اذ جميع معجزات الأنبياء و الأئمة و كرامات الأولياء نحو تصرف منهم في التكوين، و ان كانت مشيّتهم في طول مشية اللّه و باذنه.

قال اللّه- تعالى- خطابا للخليل «ع»: «فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، ثُمَّ اجْعَلْ عَلىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً، ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» «1»

و قال حكاية عن موسى «ع»: «فَأَلْقىٰ عَصٰاهُ، فَإِذٰا هِيَ ثُعْبٰانٌ مُبِينٌ* وَ نَزَعَ يَدَهُ، فَإِذٰا هِيَ بَيْضٰاءُ لِلنّٰاظِرِينَ.»* «2»

و عن المسيح «ع»: «أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّٰهِ، وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ، وَ أُحْيِ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِ اللّٰهِ.» «3»

و في قصة آصف و عرش بلقيس: «قٰالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتٰابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ. فَلَمّٰا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قٰالَ: هٰذٰا مِنْ فَضْلِ رَبِّي.» «4»

و في نهج البلاغة في آخر الخطبة القاصعة ان رسول اللّه «ص» أمر الشجرة ان تنقلع بعروقها و تأتي رسول اللّه «ص» و تقف بين يديه، فانقلعت بعروقها و جاءت و لها دويّ شديد و قصف كقصف أجنحة الطير. «5»

الى غير ذلك من المعجزات و خوارق العادات.

هذا مضافا الى ان النبي «ص» و الأئمة الطاهرين «ع» خلاصة العالم و ثمرته في قوس الصعود و علّته الغائية. و العلة الغائية احدى العلل.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 260.

(2)- سورة الأعراف (7)، الآية 107

و 108.

(3)- سورة آل عمران (3)، الآية 49.

(4)- سورة نمل (27)، الآية 40.

(5)- راجع نهج البلاغة، فيض/ 815- 816؛ عبده 2/ 183- 184؛ لح/ 301- 302، الخطبة 192.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 76

فمثل عالم الطبيعة بمراحله كمثل اشجار مثمرة غرسها غارسها و سقاها و ربّاها لتثمر له أثمارا حلوة جيّدة. فالثمرة العالية غاية وجود الشجرة و من عللها. فالنبي الأكرم و الأئمة المعصومون ثمرة العالم في قوس الصعود و غايته و ان كان غاية الغايات هو اللّه- تعالى- بذاته المقدسة، كما حقق في محله.

و قد ورد: «لولاك ما خلقت الأفلاك.» «1»

و في الزيارة الجامعة الكبيرة خطابا للأئمة- عليهم السلام-: «بكم فتح اللّه و بكم يختم، و بكم ينزل الغيث و بكم يمسك السماء ان تقع على الأرض الّا باذنه، و بكم ينفس الهم و يكشف الضر.» «2»

و امّا ما نسب إلينا من الاعتقاد بكون العالم مخلوقا للأئمة- عليهم السلام- لا للّه- تعالى- فبهتان عظيم.

و امّا ما في نهج البلاغة من قوله «ع»: «فانّا صنائع ربّنا و الناس بعد صنائع لنا» «3» فلا يراد به الخلقة، بل الهداية و التربية. و لذا ذكر الناس فقط لا جميع الخلق. و منه قولهم: «المرأة صنيعة الرجل»، أي مربّاته.

و كيف كان فأصل الولاية التكوينية بنحو الاجمال ثابتة لهم بلا اشكال و ان لم نحط بحدودها. و لكن محط البحث هنا هو الولاية التشريعية المستتبعة لوجوب الطاعة لهم في أوامرهم المولوية الصادرة عنهم من هذه الجهة مضافا الى الأوامر الارشادية الصادرة عنهم في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى-. و للبحث في الولاية التكوينية لهم و كيفية صدور المعجزات و الكرامات محل آخر.

______________________________

(1)- بحار الأنوار

15/ 28، تاريخ نبيّنا «ص»، باب بدء خلقه «ص» و ما يتعلق بذلك، الحديث 48.

(2)- الفقيه 2/ 615، كتاب الحجّ- الزيارة الجامعة- الحديث 3213، و عيون أخبار الرضا 2/ 276، الباب 68.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 894؛ عبده 3/ 36؛ لح/ 386، الكتاب 28.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 77

الثالث- في مراتب الولاية:

لا يخفى ان الولاية التشريعية بمعنى حق التصرف و الأمر حقيقة ذات مراتب:

فمرتبتها الكاملة ثابتة للّه- تعالى-.

و مرتبة منها ثابتة لبعض الأنبياء و للنبي الأكرم «ص» و الأئمة- عليهم السلام- و في عصر الغيبة للفقيه العادل العالم بالحوادث و بمسائل زمانه البصير بها القويّ على حلّها على ما يأتي من إثباتها. و يعبر عن واجد هذه المرتبة بالامام و الوالي و الأمير و السلطان و نحو ذلك.

و مرتبة منها أيضا ثابتة للأب و الجد بالنسبة الى الصغير و المجنون و البنت الباكر، و لعدول المؤمنين أيضا في بعض الموارد.

و لعله يوجد مرتبة منها للوالدين مطلقا بنحو تحسن عقلا و شرعا بل تلزم اطاعتهما و عدم التخلف عن أوامرهما ما لم تزاحم أمرا أهم، لكونهما من أولياء النعم.

و مرتبة منها ثابتة لكل مؤمن و مؤمنة، كما قال اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.» «1» اذ ظاهر الآية ان كلّ واحد من المؤمنين و المؤمنات جعل له من قبل اللّه- تعالى- مرتبة من الولاية بالنسبة الى كلّ احد، بحيث يحقّ له اجمالا أمره و نهيه، غاية الأمر ضيق نطاق ولايته. و في الحديث عن رسول اللّه «ص»: «كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيّته.» «2»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 71.

(2)- صحيح البخاري

1/ 160، كتاب الجمعة باب الجمعة في القرى و المدن.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 78

الرابع- ان الولاية المساوقة للإمامة أيضا لها مراتب بحسب التحقق الخارجي:
الأولى: مرتبة الاستعداد و الصلاحية،

أعني واجدية الشخص للصفات و الملكات الذاتية أو الاكتسابية التي بها يصير عند العقلاء صالحا لأن يجعل واليا و بدونها يكون الجعل عندهم جزافا. و هكذا منصب النبوة و الرسالة. فالحكيم المطلق لا يرسل الى الخلق لغرض الارشاد و الهداية، و كذلك لا يجعل إماما لإدارة شئون الناس و التصرف فيما يتعلق بهم الّا من له لياقة ذاتية و أهلية لهذا المنصب. كما ان العقلاء يقضي عقلهم بان لا يؤمّروا على أنفسهم الّا من ثبتت له فضائل نفسانية معينة.

و هذه المرتبة من الولاية كمال ذاتي في الشخص و حقيقة خارجية، و لكنها في الحقيقة ليست هي الولاية و الامامة الاصطلاحية، بل تكون مقدمة لها و من شرائطها.

الثانية من المراتب: المنصب المجعول للشخص اعتبارا

من قبل من له ذلك و ان فرض عدم ترتب الأثر المترقب منها عليه. مثل الولاية التي جعلها النبي الاكرم «ص» من قبل اللّه- تعالى- لأمير المؤمنين في غدير خمّ، و ان لم ترتّب الأمّة عليها الأثر و تخلّفوا عنها. و نظير ذلك ثبوت منصب الولاية شرعا للأب بالنسبة الى مال الصغير، و ان منعه المانعون من إعمالها.

الثالثة: الولاية و السلطة الفعلية الحاصلة بمبايعة الناس

و تسليم السلطة و القوة له فعلا. مثل ما حصل لأمير المؤمنين «ع» بعد عثمان بالبيعة له.

[تقويم المراتب]

و لا يخفى ان المرتبة الأولى- كما عرفت- كمال ذاتي للوالي، سواء جعل واليا أم لا، و سواء تحققت له سلطة و استيلاء فعليّ أم لا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 79

و أمّا المرتبة الثانية فهي أمر اعتباري، بل المناصب كلّها أمور اعتبارية ليس بازائها شي ء في الخارج، سواء جعلت من قبل اللّه- تعالى- أو من قبل الأمّة. غاية الأمر ان اعتبار منصب خاص لشخص خاص لا محالة يكون مشروطا بكونه لائقا له واجدا للفضائل النفسانية او الخارجية و الّا كان جزافا. و الشروط أمور و صفات خارجية تكوينية. فالنبي الأكرم «ص» مثلا كان واجدا لفضائل ذاتية و كسبية و بلغ من القرب الى اللّه- تعالى- مقاما لم يصل اليه ملك مقرب و لا نبي مرسل، و لكن هذه الفضائل غير مأموريته بتبليغ احكام اللّه- تعالى- أو كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. هذا.

و امّا المرتبة الثالثة فهي خارجية الولاية و عينيتها بلحاظ تحقق آثارها في الخارج، حيث يتسلط الوالي بقواه و تنقاد له الأمّة و ينبعثون عن أوامره و نواهيه طوعا أو كرها. و هذه المرتبة لها وجهتان: وجهة كونها مقاما و سلطة يتنافس فيها المتنافسون، و وجهة كونها أمانة من اللّه و من الناس و لا تستعقب إلّا مسئولية و كلفة. و انّما ينظر اليها أولياء اللّه بالوجهة الثانية، كما في كتاب امير المؤمنين «ع» الى الأشعث عامله على آذربيجان: «ان عملك ليس لك بطعمة، و لكنه في عنقك أمانة.» «1»

و قول أمير المؤمنين «ع» مشيرا الى نعله: «و اللّه لهي أحبّ

إليّ من إمرتكم، إلّا أن أقيم حقّا أو ادفع باطلا» «2»، لا يراد به الّا هذه المرتبة من الولاية. اذ لا يريد «ع» كون النعل احبّ اليه من علومه و فضائله و كراماته التي بها فاق الأقران و صار لائقا للخلافة و الولاية، و لا يريد به المنصب المجعول له في غدير خمّ أيضا. و إنّما يريد به السلطة و الإمارة الفعلية التي لا توجب الّا كلفة و مسئولية، و ان كان الناس مولعين بها بما هي رئاسة و مقام. فالنعل التي بها ترفع حاجاته و لا توجب مسئولية أفضل عنده و أحبّ من المقام المستعقب للمسئولية و الكلفة إلّا أن يقيم به حقا أو يدفع به باطلا و يحصّل به لنفسه قربا و أجرا.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 839؛ عبده 3/ 7؛ لح/ 366، الكتاب 5.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 111؛ عبده 1/ 76؛ لح/ 76، الخطبة 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 80

و كذلك قوله في الخطبة الشقشقية: «لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» «1»، و قوله: «و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة و لا في الولاية إربة، و لكنكم دعوتموني اليها و حملتموني عليها» «2»، لا يراد بهما الّا هذه المرتبة.

و كذلك قوله «ع»: «سلبوني سلطان ابن أمّي.» «3» فان هذه المرتبة من الولاية هي القابلة للسلب. و المراد بابن امّه نفسه كما قيل، أو رسول اللّه «ص» لأن أبويهما عبد اللّه و أبا طالب من أمّ واحدة، و هي فاطمة بنت عمرو.

و هكذا قول الامام السجّاد «ع»: «اللهم ان هذا المقام لخلفائك و أصفيائك

و مواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها» «4» يراد به هذه المرتبة من الولاية، و الّا ففضائل الأئمة «ع» و علومهم و كمالاتهم النفسانية، التي ثبتت لهم تكوينا و بسببها استحقوا الامامة، مما لا تصل اليها أيدي الغاصبين و لا يتطرق اليها الابتزاز.

و هذا واضح لا سترة عليه.

الخامس- في معنى الإمام اصطلاحا:

لا يخفى ان إمامة الأئمة الاثنى عشر لما كانت ثابتة عندنا بالنصّ و بوجدانهم شرائط الإمامة الحقّة، صار هذا سببا لانصراف لفظ الإمام عندنا اليهم- عليهم السلام-، حتّى كأنّ لفظ الإمام وضع لهم. و لكن يجب ان يعلم ان اللفظ كما مرّ في التنبيه الأول قد وضع للقائد الذي يؤتمّ به، إما في الصلاة أو في الجهاد أو في اعمال الحجّ أو في جميع الشؤون السياسية و الاجتماعية، سواء كان بحق أو بباطل.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 52؛ عبده 1/ 32؛ لح/ 50، الخطبة 3.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 656؛ عبده 2/ 210؛ لح/ 322، الخطبة 205.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 947؛ عبده 3/ 68؛ لح/ 409، الكتاب 36.

(4)- الصحيفة السجادية، الدعاء 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 81

ففي الكافي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ان الأئمة في كتاب اللّه- عزّ و جلّ- إمامان:

قال اللّه- تبارك و تعالى-: «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا» «1» لا بأمر الناس يقدمون أمر اللّه قبل أمرهم و حكم اللّه قبل حكمهم. قال: «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّٰارِ» «2» يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه و حكمهم قبل حكم اللّه و يأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه- عزّ و جلّ.» «3»

و في سورة التوبة: «فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.» «4» و الأئمة جمع الإمام.

و لا ينحصر

إطلاق لفظ الإمام على القائد الأعظم و السلطان فقط، بل يطلق على القائد و لو في قسمة خاصة أيضا. فالامام الصادق «ع» أطلق على أمير الحاج المنصوب من قبل سلطان وقته لفظ الإمام، حين سقط هو- عليه السلام- عن بغلته حين الإفاضة من عرفات، فوقف عليه أمير الحاج إسماعيل بن علي، فقال له ابو عبد اللّه «ع»: «سر، فان الإمام لا يقف.» «5»

و في رسالة الحقوق لعليّ بن الحسين- عليهما السلام-: «فحقوق أئمتك ثلاثة: أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان، ثم حق سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك. و كل سائس إمام.» «6»

و بالجملة فأنس الذهن بإمامة الأئمة الاثنى عشر- سلام اللّه عليهم اجمعين- و علوّ مقام إمامتهم و كونهم أحقّ بها من غيرهم لا ينبغي أن يوجب غفلتك و اغترارك في مفهوم الكلمة. و قد شاع استعمال الكلمة في مفهومها العام في الكتاب و السنّة و كلمات الأصحاب، يقف عليها المتتبع. فلتكن هذه النكتة في ذهنك، فانها تفيدك في المباحث الآتية.

______________________________

(1)- سورة الأنبياء (21)، الآية 73.

(2)- سورة القصص (28)، الآية 41.

(3)- الكافي 1/ 216، كتاب الحجة، باب أن الأئمة في كتاب اللّه إمامان، الحديث 2.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 12.

(5)- الوسائل 8/ 290، الباب 26 من أبواب آداب السفر من كتاب الحج.

(6)- الخصال/ 565 (الجزء 2)، أبواب الخمسين، الحديث 1، و تحف العقول/ 255.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 83

] الباب الثّالث في بيان لزوم الحكومة و ضرورتها في جميع الأعصار

اشارة

و لو في عصر الغيبة، بل كونها من ضروريات الإسلام و مما أوجب اللّه- تعالى- تأسيسها و الحفاظ عليها مع الإمكان.

و يشتمل هذا الباب على فصول أربعة:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 85

الفصل الأول في ذكر كلمات بعض العلماء و الأعاظم المدعين للإجماع في المسألة

1- ففي الجواهر عن المحقق الكركي

في رسالته التي ألّفها في صلاة الجمعة:

«اتفق أصحابنا على ان الفقيه العادل الأمين الجامع لشرائط الفتوى المعبّر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى- عليهم السلام- في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل، و ربما استثنى الأصحاب القتل و الحدود.» «1»

2- و قال العلّامة في أوائل الألفين:

«الحق عندنا أن وجوب نصب الإمام عام في كل وقت.» «2»

و لكن الظاهر انه- طاب ثراه- يريد الإمام المعصوم.

3- و قال المحقق النراقي- طاب ثراه- في العوائد:

«كلّيّة ما للفقيه العادل تولّيه و له الولاية فيه أمران:

أحدهما: كلّ ما كان للنبي «ص» و الإمام، الذين هم سلاطين الأنام و حصون الإسلام، فيه الولاية و كان لهم فللفقيه أيضا ذلك إلّا ما أخرجه الدليل من اجماع أو نصّ أو غيرهما.

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 396.

(2)- الألفين/ 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 86

و ثانيهما: ان كلّ فعل متعلق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم، و لا بدّ من الإتيان به و لا مفرّ منه إمّا عقلا أو عادة من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه، و اناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به، أو شرعا من جهة ورود أمر به أو اجماع أو نفي ضرر أو إضرار أو عسر أو حرج أو فساد على مسلم أو دليل آخر، أو ورد الإذن فيه من الشارع و لم يجعل وظيفة لمعيّن واحد أو جماعة و لا لغير معيّن أي واحد لا بعينه، بل علم لابدّية الإتيان به أو الإذن فيه و لم يعلم المأمور به و لا المأذون فيه، فهو وظيفة الفقيه و له التصرف فيه و الإتيان به.

اما الأول فالدليل عليه بعد ظاهر الاجماع، حيث نصّ به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلمات، ما صرّح به الأخبار المتقدمة ...

و امّا الثاني فيدلّ عليه بعد الإجماع أيضا أمران.» «1»

و الظاهر ان مراده بالقسم الثاني هي الأمور المهمة المعبر عنها في كلماتهم بالأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بإهمالها في أيّ ظرف من الظروف.

4- و قال السيد الاستاذ، المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه-

(على ما كتبت من تقريرات بحثه الشريف):

«اتّفق الخاصة و العامة على انه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس و زعيم يدبّر أمور

المسلمين، بل هو من ضروريات الإسلام و ان اختلفوا في شرائطه و خصوصياته و ان تعيينه من قبل رسول اللّه «ص» أو بالانتخاب العمومي.» «2»

5- و قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«الإمامة موضوعة لخلافة النبوّة في حراسة الدين و سياسة الدنيا. و عقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع و إن شذّ عنهم الأصمّ.» «3»

6- و قال ابو محمد ابن حزم الأندلسي في الفِصَل:

«اتفق جميع أهل السنة و جميع المرجئة و جميع الشيعة و جميع الخوارج على وجوب

______________________________

(1)- العوائد/ 187- 188.

(2)- البدر الزاهر/ 52.

(3)- الأحكام السلطانية/ 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 87

الامامة، و ان الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام اللّه و يسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول اللّه «ص»، حاشا النجدات من الخوارج، فانهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، و انّما عليهم ان يتعاطوا الحق بينهم. و هذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد. و هم المنسوبون الى نجدة بن عمير الحنفى القائم باليمامة. قال أبو محمد: و قول هذه الفرقة ساقط يكفي من الرد عليه و إبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه. و القرآن و السنّة قد ورد بايجاب الإمام، من ذلك قول اللّه- تعالى-: «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.» «1»، مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة و إيجاب الإمامة.» «2»

7- و في مقدمة ابن خلدون:

«ثم إن نصب الإمام واجب، قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة و التابعين، لان أصحاب رسول اللّه «ص» عند وفاته بادروا الى بيعة أبي بكر و تسليم النظر اليه. و كذا في كل عصر من بعد ذلك. و لم يترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، و استقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الامام.» «3»

8- و في شرح الخطبة الأربعين من نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي:

«قال المتكلمون: الإمامة واجبة إلّا ما يحكى عن أبي بكر الأصمّ من قدماء أصحابنا أنها غير واجبة اذا تناصفت الأمة و لم تتظالم ... فأما طريق وجوب الإمامة ما هي؟ فان مشايخنا البصريين يقولون: طريق وجوبها الشرع و ليس في العقل ما يدلّ على وجوبها. و قال البغداديون و أبو عثمان الجاحظ من البصريين و شيخنا أبو الحسين: إن العقل يدل على وجوب الرئاسة، و هو قول الإمامية.» «4»

9- و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«اتفق الأئمة على أن الإمامة فرض و أنه لا بدّ للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 59.

(2)- الفصل في الملل و الأهواء و النحل 4/ 87.

(3)- مقدمة ابن خلدون/ 134 (طبعة اخرى/ 191)، الفصل 26 من الفصل 3 من الكتاب الأول.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 308.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 88

و ينصف المظلومين من الظالمين، و على انه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان و لا مفترقان.» «1»

الى غير ذلك من كلماتهم في المقام الظاهر منها كون المسألة اجماعية، فراجع مظانها.

______________________________

(1)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 416.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 89

الفصل الثاني في سير إجمالي في روايات الفقه الإسلامي و فتاوى الأصحاب

اشارة

التي يظهر منها إجمالا سعة دائرة الإسلام و جامعيته لجميع شئون الإنسان و أن الحكومة داخلة في نسجه و نظامه، و لا يجوز تعطيلها في عصر و لا مكان

أقول:

للبحث في ولاية الفقيه في عصر الغيبة طريقان:
الاول: ما سلكه الأصحاب و في مقدمتهم المحقق النراقي- طاب ثراه

- في العوائد، حيث يفرضون اولا ولاية الفقيه ثم يتعقبون و يتفحصون عمّا يمكن ان يستدل به لذلك، و تراهم يعنونون الأخبار المستفيضة الواردة في شأن العلماء و الفقهاء و يستدلون بها لذلك.

الثاني: ان نبحث أولا عن لزوم الحكومة في نطاق الإسلام

و وجوب الاهتمام بشأنها و كونها من برامج الإسلام أم لا؟ و على فرض إثبات اللزوم نبحث عن شرائط الحاكم في نظر شارع الإسلام، و بعد استقصائها ننظر على أيّ عنوان تنطبق هذه الشرائط ثم نبحث عن كيفية تعيينه و عن وظائفه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 90

و الظاهر ان الطريق الثاني أمتن و أوثق. فالطريقان نظير المشي الكلامي و الفلسفي في المسائل العقلية. فالمتكلم يفرض اولا حدوث العالم مثلا ثم يتصدى للاستدلال عليه من هنا و هناك. امّا الفيلسوف فيتوجه اولا الى حقيقة الوجود و نظام العالم فيجعله موضوعا لبحثه ثم يتصدّى لتحقيق خواصّه و عوارضه، من الوجوب و الإمكان و القدم و الحدوث و نحو ذلك من الانقسامات اللاحقة للوجود، و لا محالة ينتهي بحثه بالأخرة الى إحراز وجود الخالق و وجوبه و حدوث الخلق و امكانه.

اذا عرفت هذا فنقول: قبل الورود في اصل المسألة و ذكر الأدلة الدالة على لزوم الحكومة و كونها من برامج الإسلام و وجوب إقامتها و الاهتمام بها ينبغي أن نقوم بسير إجمالي في الروايات و الفتاوى المذكور فيها لفظ الامام، أو الوالي، أو السلطان، أو الحاكم أو بيت المال، أو السجن، أو نحو ذلك في الأبواب المختلفة، من أول الفقه الى آخره، و تفتيش إجمالي عن قوانين الإسلام و مقرراته.

فهذه النظرة الإجمالية، مضافا الى أنها تعرّفنا طبيعة فقه الإسلام و ماهيته، فهي تدلّنا أيضا على كون قوانين الإسلام و

مقرراته مبنية على أساس الولاية و الحكومة الإسلامية أو واقعة في طريقها. و بتعبير آخر تدلنا على كون الدولة داخلة في نسج الإسلام و نظامه، و تعرّفنا أيضا على واجبات الدولة و صلاحياتها.

و سبر الروايات و الفتاوى و إن أوجب التطويل، بل الملال لبعض القرّاء الكرام، و لكنه يشتمل على فوائد كثيرة أيضا. و ليس الغرض الاستقصاء، بل ذكر نماذج من الأبواب المختلفة.

تصوّر الإسلام على نحوين:
اشارة

و اعلم أن تصور الإسلام و النظرة اليه على نحوين:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 91

الأول: أن يتصور أن الإسلام يستهدف تأمين الآخرة للمسلمين فقط،

و لم يكلفهم الّا أمورا عبادية و آدابا شخصية يقوم بها كلّ فرد في بيته و معبده، و لا مساس له بالسياسة و المسائل الاقتصادية و الاجتماعية إلّا تبعا، و أن الورود في تلك المسائل و الالتفات اليها يوجب سقوط مكانة الانسان المتدين، لأن لها أهلا و رجالا غير رجال الدين، فالدين منفكّ عن السياسة بالكلية.

فهذا نحو تصور و فهم للإسلام، ابتلي به أكثر المسلمين في أعصارنا، كما ابتلي رجال الكنيسة أيضا.

و قد ابرزت هذا التصور و روّجته الدعايات المشؤومة من قبل الأجانب و عمّالهم و ألقته في أذهان عامة المسلمين غير الواعين، بل و في أذهان كثير من علماء الدين أيضا.

الثاني: أن دين الإسلام قد التفت الى جميع حاجات الإنسان في حياته و مماته، [و نذكر ذلك من أبواب الفقه ضمن فصول]
اشارة

من حين انعقاد نطفته الى وضعه في اللحد، و ما بعد ذلك من نشآته، و بيّن له ما يوجب سعادته في جميع مراحله مما ينبغي رعايته من قبل الوالدين قبل انعقاد نطفته و حينه و حين الحمل و الرضاع و الطفولة، ثم ما يلزمه من تحصيل المعارف الحقة و الأخلاق الفاضلة، و واجباته في قبال خالقه و عائلته و بيئته، و علاقاته الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، و روابط الحاكم و الرعية و الحقوق المدنية و الجزائية، و علاقته مع سائر الامم و نحو ذلك. فالاسلام دين واسع قد شرعت مقرراته على أساس الدولة و الحكومة الحقة. فهو دين و دولة، و عقيدة و نظام، و عبادة و أخلاق و تشريع، و اقتصاد و سياسة و حكم، و الواجب على المسلمين الالتفات الى جميع هذه المراحل و الاهتمام بها.

و هذا هو الفهم الصحيح للإسلام، فلنشر الى أبواب الفقه بالإجمال، فانها خير شاهد يدلك على هذا. و نذكر ذلك في فصول:

دراسات في ولاية الفقيه

و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 92

الفصل الأول في الصلاة

فالصلاة التي هي عمود الدين و قربان كلّ تقي، و تشريعها لارتباط المخلوق بخالقه قد نرى مع ذلك تأكيد الإسلام فيها على الجماعة، حتى ان رسول اللّه «ص» في أول تشريعها أقامها جماعة مع أمير المؤمنين «ع» و خديجة المكرّمة، كما نقله أرباب السير.

و قد أكّد فيها على الجماعة حتى في صفّ القتال و في الظروف الاضطرارية:

1- قال اللّه- تعالى- في سورة النساء: «وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلٰاةَ فَلْتَقُمْ طٰائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، فَإِذٰا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرٰائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طٰائِفَةٌ أُخْرىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ. وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وٰاحِدَةً. وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كٰانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْكٰافِرِينَ عَذٰاباً مُهِيناً.» «1»

فانظر الى اهتمام الإسلام بالجماعة التي يتعقبها قهرا التفاهم و التعاون و التشكل، و شاهد كيف امتزجت العبادة بالسياسة!

2- و عن نفلية الشهيد عن النبي «ص»: «لا صلاة لمن لم يصل في المسجد مع المسلمين الّا من علّة.» «2»

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 102.

(2)- مستدرك الوسائل 1/ 489، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 93

3- و عنه أيضا: «الصلاة جماعة و لو على رأس زجّ.» «1»

أقول: الزج بالضم: الحديدة التي في أسفل الرمح، و قد يطلق على الرمح كلّه.

4- و عن الصادق «ع» قال: «هم رسول اللّه «ص» بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلّون في منازلهم و لا يصلّون الجماعة.» «2»

5- و في رواية

العلل عن الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع»: «إنما جعلت الجماعة لئلا يكون الإخلاص و التوحيد و الإسلام و العبادة للّه إلّا ظاهرا مكشوفا مشهودا، لأن في إظهاره حجة على أهل الشرق و الغرب للّه وحده، و ليكون المنافق و المستخفّ مؤديا لما أقرّ به يظهر الإسلام و المراقبة، و ليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة على البر و التقوى و الزجر عن كثير من معاصي اللّه- عزّ و جلّ.» «3»

فالمصالح الاجتماعية ملحوظة في الصلاة بطبعها الغالب و ليست الصلاة عبادة محض شخصية، بل كأنّ الأصل الأوّلي فيها هي الجماعة، و الفرادى إنّما هي في صورة الاضطرار.

و أما صلاة الجمعة فقبل الهجرة لم يتيسّر لرسول اللّه «ص» إقامتها بنفسه، و لكن بعد ما آمن به جمع كثير من أهل المدينة أقاموا بأمره صلاة الجمعة بإمامة مصعب بن عمير أو اسعد بن زرارة أو بهما على التناوب. و هي الحجر الأساس الأول للتجمع و تشكيل دولة اسلامية في المدينة. و قد أقامها رسول اللّه «ص» بنفسه في أول جمعة أدركها في المدينة في محلّة بني سالم بمائة من المسلمين. و أقامها بعده من تصدّى لزعامة الأمّة و تنظيم أمورهم. فكان الخلفاء و الأمراء يقيمونها، و كان على الناس حضورها إلّا ذووا الأعذار.

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 1/ 488، الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 13.

(2)- الوسائل 5/ 377، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.

(3)- الوسائل 5/ 372، الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 94

و قد شرّع فيها خطبتان يلقيهما الأمير بنفسه و يذكر فيهما، مضافا الى

الحمد و الصلاة و الارشاد و الوعظ، المسائل الاجتماعية و السياسية.

6- ففي خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع»: «فإن قيل: فلم جعلت الخطبة؟

قيل: لأن الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير سبب الى موعظتهم و ترغيبهم في الطاعة و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (الآفات- العلل و العيون) من الأهوال التي لهم فيها المضرة و المنفعة.» «1»

فالمتصدّي لإقامتها هو أمير القوم. و لم يجب حضورها على النساء و الشيوخ و الزمنى و نحوهم، بل يجب على الشبان من الرجال المتمكنين. فكأنّ الغرض كان تهيؤ المسلمين و انتقالهم من صف الجمعة الى صف القتال أو الى صفوف المرابطين الحافظين للثغور.

و بالجملة، فإن إقامة الجمعة من شئون الحكومة، و هي الحجر الأساس لتأسيسها و الحافظ عليها. و قد غلب فيها الجهات الاجتماعية و السياسية، بل العسكرية.

7- و في رواية عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن على الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة، و يوم العيد الى العيد، و يرسل معهم. فإذا قضوا الصلاة و العيد ردّهم الى السجن.» «2»

فيظهر من الحديث أن صلاة الجمعة مما يغلب عليها الوجهة السياسية، حتى انه يجب ان يحضرها المسجونون و الضباط، بل لعلها بنفسها من شئون من بيده اختيار السجون و المسجونين، فهي من شئون الحكومة المسلمة.

8- و في خبر محمد بن مسلم عن ابى جعفر «ع» قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين و لا تجب على أقل منهم: الإمام و قاضيه و المدعي حقا و المدعى عليه و الشاهدان و الذي

______________________________

(1)- الوسائل 5/ 39،

الباب 25 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 5/ 36، الباب 21 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 95

يضرب الحدود بين يدي الامام.» «1»

و ظهوره في كون إقامتها من شئون الحكومة و إمام المسلمين واضح.

9- و كذلك صلاة العيدين. ففي موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«لا صلاة في العيدين الّا مع الامام.» و نحوها أخبار أخر «2» اللهم الّا أن يحمل الإمام فيها على إمام الجماعة.

______________________________

(1)- الوسائل 5/ 9 الباب 2 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 9.

(2)- الوسائل 5/ 96، الباب 2 من أبواب صلاة العبد، الحديث 5 و نحوه غيره في هذا الباب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 96

الفصل الثاني في الصوم و الاعتكاف

1- ففي صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع»: «اذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين أمر الإمام بالإفطار. الحديث.» «1»

2- و في خبر عيسى بن أبي منصور انه قال: «كنت عند أبي عبد اللّه «ع» في اليوم الذي يشك فيه، فقال: «يا غلام اذهب فانظر أ صام السلطان أم لا» فذهب ثم عاد فقال: لا، فدعا بالغداء فتغدينا معه.» «2»

3- و عن الصادق «ع»: قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا با عبد اللّه، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقال: ذاك الى الإمام: إن صمت صمنا، و إن أفطرت أفطرنا.

الحديث.» «3» و نحو ذلك من الأخبار.

4- و في صحيحة بريد العجلي، قال: «سئل أبو جعفر «ع» عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام. قال: يسأل هل عليك في إفطارك إثم، فان قال: لا، فان على الامام

ان يقتله، و ان قال: نعم، فان على الإمام أن ينهكه ضربا.» «4»

5- و في صحيحة عمر بن يزيد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما تقول في

______________________________

(1)- الوسائل 5/ 104، الباب 9 من أبواب صلاة العيد، الحديث 1.

(2)- الوسائل 7/ 94، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 1.

(3)- الوسائل 7/ 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.

(4)- الوسائل 7/ 178، الباب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 97

الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة. الحديث.» «1»

قال في الوسائل:

«هذا أيضا شامل للمسجد الجامع، لان الإمام العدل أعم من المعصوم، كالشاهد العدل.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 401، الباب 3 من كتاب الاعتكاف، الحديث 8.

(2)- الوسائل 7/ 402، ذيل الحديث 9 من الباب 3 من كتاب الاعتكاف

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 98

الفصل الثالث في الزكاة

و أما الزكاة فيستفاد من الكتاب العزيز و من أخبار كثيرة أنها من ضرائب الحكومة الاسلامية، و أن المتصدّي لأخذها و ضبطها و تقسيمها هو الحاكم بعمّاله.

1- قال اللّه- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا، وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ.» «1»

و نفس جعل السهم للعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم دليل على كونها في تصرف الحكومة. و لو كانت بحسب التشريع الأولى بتصرف المالك لم نحتج الى عامل يجمعها و يوصلها الى من يقسمها. و النبي «ص» كان يرسل العمال و المصدقين لجمعها، و كذلك الخلفاء بعده، و هكذا كانت سيرة عليّ «ع».

2- و

في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم انهما قالا لأبي عبد اللّه «ع»: «أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ.» الآية «2»، أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: ان الإمام يعطي هؤلاء جميعا، لأنهم يقرّون له بالطاعة.

قال زرارة: قلت: فان كانوا لا يعرفون؟ فقال: يا زرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و انما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه. فامّا اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلّا من يعرف. الحديث.» «3»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 60.

(3)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 99

فيعلم من هذه الصحيحة ان الزكاة بحسب التشريع الأوّلي تكون في تصرف الإمام، و هو يسدّ بها خلّات من يكون تحت لوائه و حكومته، عارفا كان أو غير عارف. و لكن لما تصدّى للحكومة غير أهلها و كانت الزكوات تصرف في غير مصارفها و يبقى الشيعة محرومين أمر الإمام بإعطاء الشيعة زكواتهم الى العارفين بحقهم. فهذا حكم موقت على خلاف طبع الجعل الاوّلي.

3- و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قلت له: ما يعطى المصدق؟ قال: ما يرى الإمام و لا يقدر له شي ء.» «1»

4- و في خبر علي بن ابراهيم المرويّ عن تفسيره عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات. و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد

و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجّون به، أو في جميع سبل الخير. فعلى الامام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد. و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم. فعلى الإمام أن يردّهم الى أوطانهم من مال الصدقات.» «2»

و بالجملة يعرف مما ذكر و أمثاله أن الزكاة شرّعت على أساس الحكومة الإسلامية، و أنها إحدى ضرائبها و تكون الحكومة هي المتصدية لأخذها و ضبطها و وضعها في مواضعها. كل ذلك بواسطة العاملين المنصوبين من قبلها.

5- و في خبر موسى بن بكر قال: «قال لي أبو الحسن «ع»: من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه. فان غلب عليه فليستدن على اللّه و على رسوله ما يقوت به عياله. فان مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه. فإن لم يقضه كان عليه وزره. ان اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» الى قوله:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 144، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 100

«و الغارمين.» فهو فقير مسكين مغرم.» «1»

6- و في خبر مرسل: «سأل الرضا «ع» رجل و أنا اسمع، فقال: جعلت فداك ان اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ.» «2» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر اللّه- عزّ و جلّ- في كتابه لها حدّ يعرف؟ ... قال: نعم،

ينتظر بقدر ما ينتهي خبره الى الإمام فيقضى عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين اذا كان أنفقه في طاعة اللّه، فان كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي ء له على الإمام.» «3»

7- و في خبر مرسل عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء.» «4»

8- و في خبر صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قال رسول اللّه «ص»:

أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام ان يقضيه، فان لم يقضه فعليه إثم ذلك. ان اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» الآية. فهو من الغارمين و له سهم عند الامام. فإن حبسه فإثمه عليه.» «5»

9- و في خبر عن علي بن موسى الرضا: «المغرم اذا تديّن أو استدان في حقّ أجّل سنة، فإن اتّسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «6»

10- و في خبر علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى «ع» قال: «قلت له:

جعلت فداك، رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ و عليه دين و ليس له مال و أراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: إن وهبوا دمه ضمنوا ديته. فقلت: إن هم أرادوا

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين، الحديث 2.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 280.

(3)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين، الحديث 3.

(4)- الوسائل 13/ 92، الباب 9 من أبواب الدين، الحديث 4.

(5)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 7.

(6)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة باب ما يجب من حق

الإمام على الرعية ...، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 101

قتله؟ قال: إن قتل عمدا قتل قاتله و أدّى عنه الإمام الدين من سهم الغارمين. الحديث.» «1»

11- و في رواية أبي علي بن راشد، قال: «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال:

للإمام. قال: قلت له: فأخبر أصحابي؟ قال: نعم، من أردت أن تطهره منهم.» «2»

يظهر من هذه الأخبار المستفيضة أن الزكاة شرعت في الإسلام لسدّ خلّات المسلمين بأجمعها، و أن أمرها يكون بيد الإمام فهو الذي يصرفها في مصارفها.

و حينئذ فهل يمكن القول بأن المراد بالإمام فيها خصوص الإمام المعصوم، فيكون الحكم مقصورا على عصر النبي «ص» و خلافة أمير المؤمنين و عصر ظهور المهدي «ع» ثم تصير معطلة في سائر الأعصار؟!

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 92، الباب 59 من أبواب القصاص، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 240، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 102

الفصل الرابع في الخمس و الأنفال

و أما الخمس و الأنفال فكونهما للإمام بما أنه إمام مما لا إشكال فيه. و قد حققنا في كتاب الخمس أن حيثية الإمامة فيهما حيثية تقييدية لا تعليلية، بمعنى أن الحيثية بنفسها هي الموضوع للملك، لا انها علّة و واسطة في الثبوت لملكية الامام الصادق «ع» مثلا، و الّا لانتقل الى ورثته، لا الى الإمام بعده.

1- و في خبر أبي علي بن راشد، عن أبي الحسن الثالث «ع»: «ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث.» «1»

2- و عبّر في خبر المحكم و المتشابه عن علي «ع» عن الخمس بأجمعه بوجه الإمارة، فقال: «فأما وجه الإمارة فقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا

غَنِمْتُمْ. الآية.» «2»

و يظهر من الأخبار كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا للإمام- عليه السلام- غاية الأمر أنه يتكفل فقراء بنى هاشم و لذا لم يدخل لام الملك على الأصناف الثلاثة في الآية الشريفة.

3- و في خبر ابن شجاع النيشابوري، عن أبي الحسن الثالث «ع»: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(3)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 103

فنسب جميع الخمس الى نفسه.

4- و في خبر أبي علي بن راشد: «قلت له أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أي شي ء حقّه فلم أدر ما أجيبه؟

فقال «ع»: يجب عليهم الخمس. فقلت: ففي أيّ شي ء؟ فقال: في أمتعتهم و صنائعهم.

الحديث.» «1»

و ليس الخمس لمصارف شخص الإمام فقط، بل لمنصب الإمامة ليصرفه فيما يراه من مصالح المسلمين، و من أهمّها مصارف شخصه و مصارف السادة.

5- ففي تفسير القمي في ذيل آية الخمس:

«و إنّما صارت للإمام وحده من الخمس ثلاثة أسهم، لأن اللّه قد ألزمه ما ألزم النبي «ص» من تربية الأيتام و مؤن المسلمين و قضاء ديونهم، و حملهم في الحج و الجهاد. و ذلك قول رسول اللّه «ص» لما أنزل اللّه عليه: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم» و هو أب لهم. فلما جعله اللّه أبا للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد، فقال عند ذلك: «من ترك مالا فلورثته و من ترك دينا أو ضياعا فعلى الوالي.»

فلزم

الإمام ما لزم الرسول. فلذلك صار له من الخمس ثلاثة أسهم.» «2»

و بالجملة يستفاد من مجموع الأدلة ان الخمس ضريبة اسلامية مقررة لمنصب إمامة المسلمين. و نحوه الأنفال، أعني مجموع الأموال العامّة التي ليس لها مالك شخصي كأرض الموات و الجبال و الآجام و الأودية و البحار و المعادن و نحوها. و قد صرّح بكونها للإمام في أخبار كثيرة، فراجع الباب الأول من أبواب الأنفال من الوسائل. «3».

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- تفسير علي بن إبراهيم (القمي)/ 254 (طبعة أخرى 1/ 278).

(3)- الوسائل 6/ 364.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 104

6- و منها خبر المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين «ع» حيث قال: «ان للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الأنفال التي كانت لرسول اللّه «ص». الحديث.» «1»

و لا يخفى على من له أدنى التفات الى مذاق الشرع ان اللّه- تعالى- لا يجعل جميع الأموال و العقارات التي خلقها لرفع حاجات البشر و خمس جميع أموال الناس ملكا طلقا لشخص الرسول أو الإمام. بل المراد من آية الأنفال و من الروايات الكثيرة الواردة فيها ان اللّه- تعالى- جعلها لمنصب الإمامة و في اختيار الرسول أو الإمام بما أنه زعيم المسلمين و سائسهم، ليصرفها في مصالحهم و يأذن لهم في الاستفادة منها على نظام صحيح عادل.

و بعبارة أخرى، الأنفال أموال عامة خلقها اللّه للأنام، و لكن الإمام وليّ أمرها و بيده زمام اختيارها، ليصرفها و يقسمها على ما يقتضيه مصالح المسلمين.

نعم، من المصالح المهمة أيضا إدارة شئون شخص الإمام و رفع حاجاته الشخصية.

و هذا هو المتعارف و المتداول في جميع الأعصار و البلاد

من جعل الأموال التي لا ترتبط بشخص خاص- لعدم كونه منتجا لها أو وارثا ايّاها ممن انتجها- في اختيار الحاكم الممثل للمجتمع المتبلور فيه جميع من يكون تحت لوائه و حكومته.

و قد أوضحنا ذلك كله في كتاب الخمس و الأنفال، فراجع.

و أنت ترى ان المحدّث الفذّ، ثقة الإسلام الكليني لم يعقد في فروع الكافي بابا للخمس و الأنفال، بل تعرّض لرواياتهما في مبحث الإمامة من الأصول. فيظهر من ذلك أنه- قدّس سرّه- كان يراهما من شئون الإمامة.

و الغرض من بيان ذلك كله في المقام هو الإلفات الى أن تشريع الزكاة و الخمس و الأنفال كان على أساس الحكومة الاسلامية، و أن زمام أمرها بيد الحاكم الصالح المعبّر عنه بالإمام.

و مما يدلّ على هذا الأمر أيضا في هذه الثلاثة مرسلة حماد الطويلة التي يستدل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 370، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 105

بها في أبواب مختلفة:

7- فروى حماد، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع» قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة. يؤخذ من كلّ من هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه- تعالى- ... يقسم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي، و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ...

و للإمام صفو المال، أن يأخذ من هذه الأموال صفوها ...

و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل و رجال فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها، و يقوم عليها على ما يصالحهم

الوالي، على قدر طاقتهم من الحق: النصف أو الثلث أو الثلثين و على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرهم، فاذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالى و النواضح، فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم ... فإن فضل من ذلك شي ء ردّ الى الوالي، و ان نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا.

و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمّال الأرض و أكرتها، فيدفع اليهم أنصباءهم على ما صالحهم عليه، و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير.

و له بعد الخمس الأنفال. و الأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها. و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال. و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كلّ أرض ميتة لا رب لها. و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأن الغصب كله مردود. و هو وارث من لا وارث له ...

و كان رسول اللّه «ص» يقسم صدقات البوادي في البوادي و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر. و لا يقسم بينهم بالسوية على ثمانية حتى يعطي أهل كل سهم ثمنا، و لكن

يقسمها على قدر من يحضره من أصناف الثمانية على قدر ما يقيم كل صنف منهم يقدر لسنته. ليس في ذلك شي ء

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 106

موقوت و لا مسمّى و لا مؤلف، إنما يصنع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسدّ فاقة كل قوم منهم. و إن فضل من ذلك فضل عرضوا المال جملة الى غيرهم. و الأنفال الى الوالي و كل أرض فتحت في أيام النبي «ص» الى آخر الأبد ...

و ليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس ... و لذلك لم يكن على مال النبي «ص» و الوالي زكاة، لأنه لم يبق فقير محتاج و لكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه، و لهم من تلك الوجوه كما عليهم.» «1»

و السند صحيح الى حمّاد و هو من أصحاب الإجماع. و تعبيره عن المروي عنه ببعض أصحابنا يوجب نحو اعتماد عليه. مضافا الى اعتماد الأصحاب على الخبر في الأبواب المختلفة. هذا.

و دلالة الخبر على كون تشريع الزكاة و الخمس و الأنفال على أساس الولاية و الحكومة الإسلامية المبسوطة اليد، و ان الحاكم هو المتصدّي لأخذها و تقسيمها واضحة، كدلالته على كونه المتصدّي للتصرف في الأراضي المفتوحة عنوة.

و قد بيّن هذه الأحكام الإمام موسى بن جعفر حينما لم يكن هو مبسوط اليد و لم يكن له سلطة و ولاية فعلية بحيث يباشر الأمور المذكورة. فغرضه «ع» كان بيان حكم الزكاة و الخمس و الأنفال و الأراضي بحسب التشريع الأوّلي في الإسلام.

و بالجملة، فنفس تشريع أحكام الإسلام أدل دليل على كون الحكومة و الولاية كالحجر الأساس لبناء الإسلام.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 539

كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال و تفسير الخمس ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 107

الفصل الخامس في الحج و المزار
[أمّا الآيات]

و أما الحج فلا شك في أن الجهات الاجتماعية و السياسية بل الاقتصادية منظورة في تشريعه جدّا.

قال اللّه- تعالى-: «جَعَلَ اللّٰهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ قِيٰاماً لِلنّٰاسِ.» «1»

قال الراغب في المفردات: «القيام و القوام اسم لما يقوم به الشي ء.» «2»

فمقتضى الآية أن الناس يتقوّمون في معاشهم و معادهم بالكعبة، كما انهم يتقومون في حياتهم بالمال، كما قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً.» «3»

فيعلم من ذلك أن الغرض من تشريع الحج ليس إتيان صورة الأعمال فقط.

إذ كيف يكون مجرد ذلك مما يقوم به الناس؟! بل الغرض اجتماع المتمكنين من المسلمين و ذوي الطاقات منهم من البلاد و الأصقاع المختلفة و تعارفهم و تفاهمهم ليتعاونوا و يتعاضدوا و يوجدوا بينهم العلاقات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و غيرها، فيكون الحج لهم مؤتمرا كبيرا عالميا في مركز الوحي و النبوة، و بمثل ذلك يقوم الناس و الأمم.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 97.

(2)- المفردات/ 432.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 108

و أما الأخبار

1- ففي خبر الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع» قال: «إنّما أمروا بالحج لعلّة الوفادة الى اللّه- عزّ و جلّ ... مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع لجميع من في شرق الأرض و غربها، و من في البر و البحر، ممن يحج و ممن لم يحج من بين تاجر و جالب و بائع و مشتري و كاسب و مسكين و مكار و فقير، و قضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه، مع ما فيه من التفقه و نقل أخبار الأئمة «ع» الى كل صقع و ناحية.» «1»

2-

و في خبر هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا، و لينزع كل قوم من التجارات من بلد الى بلد، و لينتفع بذلك المكاري و الجمّال، و لتعرف آثار رسول اللّه «ص» و تعرف أخباره و يذكر و لا ينسى. و لو كان كلّ قوم انما يتكلمون على بلادهم و ما فيها هلكوا و خربت البلاد، و سقطت الجلب و الأرباح، و عميت الأخبار و لم تقفوا على ذلك. فذلك علّة الحج.» «2»

فعليك بالدقة في الخبرين و لا سيما قوله: «ممن يحج و ممن لم يحج»، و قوله: «و قضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه»، و قوله: «ليتعارفوا». فانظر كيف غفل المسلمون و أغفلوا عن بركات و فوائد هذا الاجتماع المهم في مركز الوحي الذي سهّل اللّه تحققه لهم في كل سنة. و لو كان لهم وعي سياسي أمكن لهم حلّ كثير من المسائل و المشاكل بتبادل الأفكار و التفاهم، و لم يتسلط عليهم الغرب و عميلتهم اسرائيل مع كثرة عدد المسلمين و قدرتهم المعنوية و طاقاتهم الاقتصادية بحيث يحتاج اليهم الغرب و الشرق. اللهم فأيقظ المسلمين من نومهم و هجعتهم.

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 7، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 15.

(2)- الوسائل 8/ 8، الباب 1 من أبواب وجوب الحج، الحديث 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 109

3- و في خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لو عطّل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج.»

«1»

4- و في خبر آخر عنه «ع»: «لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده. و لو تركوا زيارة النبي «ص» لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده. فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين.» «2»

و لا يخفى أن الإجبار لا يتحقق إلّا من ناحية الإمام المبسوط اليد الذي له ولاية فعلية. كما ان بيت مال المسلمين أيضا لا يكون إلّا في تصرفه. و الإمام الصادق «ع» بنفسه لم يكن كذلك و كذلك آباؤه و أبناؤه غير أمير المؤمنين «ع». فهل هو- عليه السلام- في هذه الاخبار و نحوها في مقام تعيين الوظيفة للقائم- عليه السلام- فقط، او لكل وال مسلم وجد شرائط الولاية و انتخبه المسلمون حاكما عليهم؟

5- و في خبر حفص، قال: «حج اسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين و مأئة، فسقط ابو عبد اللّه «ع» عن بغلته، فوقف عليه اسماعيل، فقال له أبو عبد اللّه «ع»:

سر، فان الإمام لا يقف.» «3»

6- و في خبر آخر له، قال: «رأيت أبا عبد اللّه «ع» و قد حجّ فوقف الموقف، فلما دفع الناس منصرفين سقط ابو عبد اللّه «ع» عن بغلة كان عليها، فعرفه الوالي الذي وقف بالناس تلك السنة- و هي سنة أربعين و مأئة- فوقف على أبي عبد اللّه «ع» فقال له أبو عبد اللّه «ع»: لا تقف، فان الإمام اذا دفع بالناس لم يكن له أن يقف.

الحديث.» «4»

و لعل غرضه «ع» أن قائد الجماعة و أميرهم يجب عليه رعاية مصلحة الجماعة،

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 15، الباب 5 من أبواب وجوب الحج، الحديث 1.

(2)- الوسائل 8/ 16، الباب

5 من أبواب وجوب الحج، الحديث 2.

(3)- الوسائل 8/ 290، الباب 26 من أبواب آداب السفر، الحديث 1.

(4)- الوسائل 8/ 290، الباب 26 من أبواب آداب السفر، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 110

و لا يفدي مصالح الجماعة لمصلحة شخص و ان كان شخصية معروفة.

و قد أطلق لفظ الإمام في الخبرين على أمير الحاج، مع كونه منصوبا من قبل سلطان وقته.

و يظهر من الخبرين و بعض الأخبار الآتية تعارف تعيين أمير الحاج في تلك الأعصار و كون أداء الأعمال من الوقوف و الإفاضة و نحوهما تحت نظره، و لا محالة كان الأئمة «ع» و أصحابهم أيضا يتابعونه. و لو فرض تخلفهم عنه مرّة أو مرّات لبان و ظهر و ضبطه التاريخ. و بذلك يظهر كفاية الأعمال المأتية بحكم حاكمهم. نعم، كفايتها في صورة العلم بالخلاف مشكل، و لكن الغالب هو الشك لا العلم بالخلاف.

و كيف كان فانه يعلم من الأخبار و التواريخ ان إدارة الحج كانت بيد الحكام و الولاة، و كانوا يباشرونها او ينصبون لها اميرا يحج بالناس و يراقبهم في جميع مواقف الحج. و قد ذكر المسعودي في آخر تاريخه: «مروج الذهب» أسامي أمراء الحج من حين فتح مكة، أعني سنة ثمان من الهجرة الى سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة، فراجع.

و الحج و ان كان عبادة اللّه- تعالى- و لكن الفوائد الاجتماعية و السياسية ملحوظة فيه جدّا، كما مرّ. و التجمع و التشكّل مطلوب فيه، و الأمير الواحد حافظ للتشكل و التكتل، فليس لأحد التخلف عن ذلك. و الأئمة- عليهم السلام- كانوا يعاملون حكّام الجور معاملة الحاكم الحق، حفظا لمصالح الإسلام و المسلمين. و لذا أنفذوا

الخراج و الزكوات و الأخماس المؤداة اليهم و أخذ الجوائز منهم.

و لا ينافي هذا وجوب القيام في قبال سلاطين الجور مع القدرة و وجود العدّة و العدّة، لما سيجي ء من وجوب إقامة الدولة العادلة مع القدرة و لكن مع عدم القدرة عليها يجب رعاية النظام و لا يجوز الهرج و المرج. و التفصيل موكول الى محله.

7- و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أحدهما «ع» قال: «لا ينبغي للإمام ان

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 111

يصلّي الظهر يوم التروية إلّا بمنى، و يبيت بها الى طلوع الشمس.» و نحوها أخبار اخر «1».

8- و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة.» «2»

و المراد بالإمام في الصحيحتين من كان يحج بالناس من الحاكم نفسه أو أمير الحاج المنصوب من قبله.

9- و في أبواب المزار باب استحباب زيارة النبي «ص» و الأئمة «ع» صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: «انّما أمر الناس ان يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتونا فيخبرونا بولايتهم و يعرضوا علينا نصرهم.» «3»

10- و في خبر جابر، عن أبي جعفر «ع» قال: «تمام الحج لقاء الإمام.» «4»

و يستفاد من الخبر الأول ان الناس كانوا مكلّفين بعرض حمايتهم و نصرهم على الإمام حتى تستحكم إمامته، و لكن الناس تركوا الأنهار العظيمة و مصّوا الثماد، فلم يقدر الإمام الحق أن يقيم الحكومة الحقة. و لو كان للأئمة «ع» قوة لما قعدوا، كما يظهر من خبر سدير الآتي. «5»

______________________________

(1)- الوسائل 10/ 5، الباب 4 من أبواب إحرام الحج، الحديث 1 و نحوه غيره في هذا الباب.

(2)- الوسائل 10/ 227، الباب 12 من

أبواب العود الى منى، الحديث 1.

(3)- الوسائل 10/ 252، الباب 2 من أبواب المزار، الحديث 1.

(4)- الوسائل 10/ 254، الباب 2 من أبواب المزار، الحديث 8.

(5)- الكافي 2/ 242 كتاب الإيمان و الكفر، باب في قلّة عدد المؤمنين، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 112

الفصل السادس في الجهاد
و وجوبه اجمالا من ضروريات الإسلام

. و الآيات الواردة فيه في غاية الكثرة، بل لعلك لا تجد موضوعا مثله في كثرة الآيات الواردة فيه. و الأخبار في وجوبه و فضله و حدوده و شرائطه و أحكامه مستفيضة، بل متواترة إجمالا من طرق الفريقين:

1- قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ جٰاهِدِ الْكُفّٰارَ وَ الْمُنٰافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ.»* «1»

2- و قال: «انْفِرُوا خِفٰافاً وَ ثِقٰالًا، وَ جٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ. ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.» «2»

3- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قٰاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّٰارِ، وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً.» «3»

4- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مٰا لَكُمْ إِذٰا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ اثّٰاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ؟» «4»

5- و قال: «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتٰالِ.» «5»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 73.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 41.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 123.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 38.

(5)- سورة الأنفال (8)، الآية 65.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 113

6- و قال: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ.» «1»

7- و قال: «وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمٰانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ، إِنَّهُمْ لٰا أَيْمٰانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ* أَ لٰا تُقٰاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمٰانَهُمْ وَ هَمُّوا

بِإِخْرٰاجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟» «2»

8- و قال: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ، وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» «3»

9- و قال: «وَ قٰاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، كَمٰا يُقٰاتِلُونَكُمْ كَافَّةً. وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.» «4»

10- و قال: «إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ. وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ. وَ مَنْ أَوْفىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّٰهِ؟» «5»

الى غير ذلك من الآيات التي سيأتي بعضها.

11- و عن الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قال رسول اللّه «ص»: «الخير كله في السيف و تحت ظلّ السيف. و لا يقيم الناس إلّا السيف. و السيوف مقاليد الجنة و النار.» «6»

12- و عنه أيضا بسنده عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «للجنة باب يقال له باب المجاهدين، يمضون اليه فاذا هو مفتوح و هم متقلدون بسيوفهم. و الجمع في الموقف و الملائكة ترحّب بهم.» قال: «فمن ترك الجهاد ألبسه اللّه ذلّا و فقرا في معيشته و محقا في

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 5.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 12 و 13.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 29.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 36.

(5)- سورة التوبة (9)، الآية 111.

(6)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 114

دينه، ان اللّه أغنى (أعزّ) أمّتي بسنابك خيلها و مراكز رماحها.» «1»

13- و عنه أيضا بسنده

قال أمير المؤمنين «ع»: «ان اللّه فرض الجهاد و عظمه و جعله نصره و ناصره. و اللّه ما صلحت دنيا و لا دين إلّا به.» «2»

14- و في نهج البلاغة: «أما بعد، فان الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه اللّه لخاصّة أوليائه، و هو لباس التقوى و درع اللّه الحصينة و جنّته الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذلّ و شملة البلاء، و ديّث بالصغار و القماء، و ضرب على قلبه بالأسداد، و أديل الحق منه بتضييع الجهاد، و سيم الخسف و منع النصف.

ألا و إنّي قد دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلا و نهارا و سرّا و اعلانا، و قلت لكم اغزوهم قبل ان يغزوكم، فو اللّه ما غزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا، فتواكلتم و تخاذلتم حتى شنّت الغارات عليكم و ملكت عليكم الأوطان.

و هذا أخو غامد و قد وردت خيله الأنبار، و قد قتل حسّان بن حسّان البكري و أزال خيلكم عن مسالحها. و لقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة فينتزع حجلها و قلبها و قلائدها و رعاثها، ما تمنع منه إلّا بالاسترجاع و الاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلم و لا أريق لهم دم. فلو ان امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا.

فيا عجبا! و اللّه يميت القلب و يجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم و تفرقكم عن حقّكم.

فقبحا لكم و ترحا حين صرتم غرضا يرمى، يغار عليكم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون، و يعصى اللّه و ترضون. الحديث.» «3»

الى غير ذلك من الأخبار و

الروايات الواردة في هذا المجال، فراجع مظانّها.

هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 9، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 15.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 94؛ عبده 1/ 63؛ لح/ 69، الخطبة 27.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 115

الجهاد على قسمين:

و قسّم الفقهاء الجهاد الى قسمين: الجهاد الابتدائي، و الجهاد الدفاعي. و أرادوا من الأول قتال المشركين و الكفار لدعائهم الى الإسلام و التوحيد و العدالة. و من الثاني قتال من دهم المسلمين منهم للدفاع عن حوزة الإسلام و أراضي المسلمين و نفوسهم و أعراضهم و أموالهم و ثقافتهم.

أقول: و يمكن بوجه من العناية ادراج الابتدائي أيضا في الدفاعي، فإنه في الحقيقة دفاع عن حقوق اللّه و حقوق الإنسان، فإن اللّه- تعالى- ما خلق الجنّ و الإنس الّا ليعبدوه فيرتقوا بذلك ارتقاء روحيا و يحصل بذلك الغرض من الخلقة، و أرسل رسوله رحمة للعالمين و أرسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كلّه و لو كره المشركون، و الدين و إن كان أمرا قلبيّا لا يقبل الإكراه، و لكن عامّة الناس بفطرتهم التي فطر اللّه الناس عليها متمايلون الى الحق و القسط، فإذا وقفت سلطات كافرة أو ظالمة في البلاد أمام بسط التوحيد و القسط و تسلطوا على المجتمع و جعلوا مال اللّه دولا و عباده خولا و أفسدوا في الأرض وجب بحكم العقل من باب اللطف رفع شرّهم حتى يعرض الحق و يظهر و ينتشر الدين بطبعه.

فالجهاد الابتدائي في الحقيقة دفاع عن التوحيد و عن القسط و العدالة، و إن شئت قلت: دفاع عن الانسانية.

و بالجملة غرض الإسلام من تشريع الجهاد هو

الدفاع عن العدالة و التوحيد، لا التسلّط على البلاد و استثمار العباد على ما هو دأب المستعمرين في أعصارنا.

ففي خبر الحسن بن محبوب، عن بعض اصحابه، عن أبي جعفر «ع» في بيان

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 116

حدود الجهاد قال: «و أول ذلك الدعاء الى طاعة اللّه من طاعة العباد، و الى عبادة اللّه من عبادة العباد، و الى ولاية اللّه من ولاية العباد ... و ليس الدعاء من طاعة عبد الى طاعة عبد مثله.» «1» هذا.

و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّٰهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلٰا عُدْوٰانَ إِلّٰا عَلَى الظّٰالِمِينَ.» «2»

يعني ان الغرض من القتال هو رفع الفتنة و بسط التوحيد. و لعل الأول هو الدفاعي المصطلح، و الثاني هو الابتدائي، و اذا تحقق الغرض فلا عدوان بالاستعباد و الاستثمار، إلّا ان يكون القوم ظالمين فيراد رفع ظلمهم و شرّهم، و رفع الظلم أيضا دفاع لا محالة.

و قال أيضا في سورة الأنفال: «وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ.» «3»

و قال في سورة النساء: «وَ مٰا لَكُمْ لٰا تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظّٰالِمِ أَهْلُهٰا.» «4»

و ظاهر الآية التوبيخ على ترك القتال و الإشعار بان لزومه مرتكز في عقولهم و فطرهم. و لعل قوله: «في سبيل اللّه» يراد به بسط التوحيد و إعلاء كلمة الإسلام و قوله: «و المستضعفين» يراد به الدفاع عن القسط و العدالة عند الهجوم، فاشتملت الآية أيضا على الجهاد الابتدائي و الدفاعي معا، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 7، الباب 1

من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 193.

(3)- سورة الأنفال (8)، الآية 39.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 117

هل يعتبر في الجهاد الابتدائي إذن الإمام؟

و قد دلّت الأخبار و فتاوى أصحابنا على اشتراط الجهاد الابتدائي بوجود الإمام العادل أو من نصبه لذلك:

1- فعن الرضا «ع» في كتابه الى المأمون: «و الجهاد واجب مع الإمام العادل (العدل خ. ل).» «1»

2- و في خبر بشير عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قلت له: إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك: ان القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير، فقلت لي: نعم، هو كذلك؟ فقال ابو عبد اللّه «ع»: هو كذلك، هو كذلك.» «2»

3- و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» عن آبائه، قال: «قال أمير المؤمنين «ع»:

لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم و لا ينفذ في الفي ء أمر اللّه- عزّ و جلّ، فانه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدوّنا في حبس حقّنا و الإشاطة بدمائنا و ميتته ميتة جاهلية.» «3»

4- و في خبر سماعة عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لقى عباد البصري عليّ بن الحسين «ع» في طريق مكة فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد و صعوبته، و أقبلت على الحج و لينه، ان اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.» الآية. فقال علي بن الحسين «ع»: اتمّ الآية، فقال: «التّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ» الآية. فقال علي بن الحسين «ع»: اذا رأينا هؤلاء الذين هذه

______________________________

(1)- الوسائل 11/

11، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 24.

(2)- الوسائل 11/ 32، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 34، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 118

صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج.» «1»

الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي مقتضاها- كصريح الفتاوى- عدم مشروعية الجهاد مع الجائر.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 118

قال في الجواهر:

«بل في المسالك و غيرها عدم الاكتفاء بنائب الغيبة، فلا يجوز له توليه. بل في الرياض نفي علم الخلاف فيه حاكيا له عن ظاهر المنتهى و صريح الغنية إلّا من أحمد في الأول. قال: و ظاهرهما الإجماع، مضافا الى ما سمعته من النصوص المعتبرة وجود الإمام. لكن إن تمّ الإجماع المزبور فذاك، و إلّا أمكن المناقشة فيه بعموم ولاية الفقيه في زمن الغيبة الشاملة لذلك المعتضدة بعموم أدلّة الجهاد.» «2»

أقول: ليس في الأخبار و لا في كلمات الأصحاب لفظ الإمام المعصوم، بل الإمام العادل في مقابل الإمام الجائر. و لفظ الإمام في اللغة و كلمات الأئمة «ع» لم ينحصر إطلاقه على الأئمة الاثنى عشر، بل هو موضوع للقائد الذي يؤتمّ به في الجماعة أو الجمعة أو الحج أو سياسة البلاد، كما مرّ في التنبيه الخامس من الباب الثاني. و العدالة أعم من العصمة، و مصداق قوله- تعالى-: «التائبون العابدون» الى قوله: «الحافظون لحدود اللّه» أيضا أعم من الإمام المعصوم. و كذا الإمام المفترض طاعته، و من يؤمن على الحكم

و ينفذ في الفي ء أمر اللّه، لصدق ذلك كله على المنصوبين من قبل النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» أمثال مالك الأشتر و نحوه أيضا.

نعم، كان مصداق الإمام العادل في عصر ظهور الأئمة- عليهم السلام- عندنا هو الإمام المعصوم أو المنصوب من قبله. و لكن الشرط في الجهاد الابتدائي على ما في الأخبار و الكلمات هو عنوان الإمام العادل في قبال الإمام الجائر، لا الإمام المعصوم في قبال غير المعصوم.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 32، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(2)- الجواهر 21/ 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 119

و في الغنية أيضا لم يذكر الّا الإمام العادل «1».

و في المنتهى:

«الجهاد قد يكون للدعاء الى الإسلام، و قد يكون للدفع بأن يدهم المسلمين عدوّ.

فالأول لا يجوز إلّا بإذن الإمام العادل و من يأمره الإمام، و الثاني يجب مطلقا. و قال أحمد: يجب الأول مع كل إمام برّ أو فاجر.» «2»

و في التذكرة:

«لا يجوز إلّا بإذن الإمام العادل أو من نصبه لذلك عند علمائنا أجمع ... و قال أحمد: يجب مع كل إمام: برّ و فاجر.» «3» هذا.

و في سنن أبي داود عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «الجهاد واجب عليكم مع كلّ أمير، برّا كان أو فاجرا. و الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم، برّا كان أو فاجرا و إن عمل الكبائر.» «4»

و لا يخفى أنه كان في أعصار الأئمة «ع» يتصدى للجهاد أئمة الجور من الأموية و العباسية، ففي قبال هذا العمل الرائج و هذه الرواية المفتى بها عندهم أراد أئمتنا «ع» بيان أن أمر الجهاد عظيم، لكونه للدعاء الى الإسلام و لارتباطه بنفوس الناس و أعراضهم

و أموالهم، فلا يفوّض الى الجاهلين بموازين الإسلام أو الى الجائرين. و قد مرّ في خبر أبي بصير: «لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم و لا ينفذ في الفي ء أمر اللّه.» «5» و العقل السليم أيضا يقضى بعدم جواز تسليط الجائرين على نفوس الناس و أموالهم.

و أما العصمة فلا تشترط قطعا و الّا لم يكن للمنصوبين من قبل النبي «ص»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 521.

(2)- المنتهى 2/ 899.

(3)- التذكرة 1/ 406.

(4)- سنن أبي داود 2/ 17 كتاب الجهاد، باب في الغزو مع أئمة الجور.

(5)- الوسائل 11/ 34، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 120

و أمير المؤمنين «ع» كمالك الأشتر و غيره أيضا الجهاد. و مثل الفقيه العادل العالم بالحوادث و المشاكل في عصر الغيبة كمثل أمراء الجيوش و العمّال المنصوبين من قبلهما «ع» في عدم وجود العصمة لهم و مع ذلك يفترض طاعتهم لولايتهم، كما سيأتي بيانه.

فلا ينحصر الإمام المفترض طاعته في الإمام المعصوم. و إجماع الغنية و التذكرة أيضا على عنوان الإمام العادل في قبال الإمام الجائر الذي أجازه أحمد تبعا لرواية أبي هريرة.

نعم، في الرياض هنا أضاف لفظ المعصوم، كما لعله كان هو المتبادر في أذهان غيره أيضا و ربّما صرّحوا به أيضا. و لكن فهمهم و أنس ذهنهم ليس من الحجج الشرعية.

و لو قيل في وجهه أن الإمام المعصوم يجبر اشتباه عمّا له و تخلفاتهم، قلنا إن الفقيه العادل أيضا بمقتضى عدالته يجبر التخلفات و الاشتباهات بعد انكشافها.

و الجهاد قد شرّع لرفع الفتنة و كون الدين كلّه للّه، كما في الآية، و حينئذ فهل يمكن الالتزام

بأن اللّه- تعالى- لا يريد رفع الفتنة و ان يكون الدين للّه في عصر غيبة الإمام المعصوم و ان طالت آلاف سنة؟! و قد مرّ عن النبي «ص» أن «الخير كله في السيف و تحت ظل السيف. و لا يقيم الناس إلّا السيف.» «1» و عن أمير المؤمنين «ع» أنّه «ما صلحت دنيا و لا دين إلّا به» «2» أى بالجهاد.

فهل يمكن الالتزام بأن اللّه لا يريد الخير و صلاح الدنيا و الدين للبشر و للمسلمين في عصر غيبة الإمام الثاني عشر؟! و هل يجوّز العقل أن يترك الناس في عصر الغيبة بلا تكليف في قبال الجنايات و الفساد و الكفر و الإلحاد الى أن يظهر صاحب الأمر؟!

نعم، كون الأمر مهما مرتبطا بالدماء و الأعراض و الأموال يقتضي أن يكون

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 9، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 121

مقيدا بملاك و ضابطة، و أن لا يتصدّى له الجاهل بالموازين الشرعية أو الجائر الذي لا التزام له. و هذا ما يقال من كون الوجوب في الجهاد الابتدائي مشروطا بإذن الإمام العادل و تفصيل المسألة موكول الى محله. هذا.

لا يعتبر في الجهاد الدفاعي إذن الإمام، بل يجب مطلقا

و أما الجهاد الدفاعي بأنواعه التي أشرنا اليها فلا يشترط وجوبه بوجود الإمام قطعا.

و العجب من غفلة بعض المسلمين، حتى بعض علماء الدين، حيث توهموا عدم التكليف لنا حتّى في قبال هجوم الكفار و الصهاينة على بلاد المسلمين، و قتلهم للشيوخ و الشبّان و الأطفال و النسوان، و الاستيلاء على أموالهم و الهتك لنواميسهم و معابدهم مع أن الجهاد الدفاعي لا يشترط في

وجوبه إذن الإمام قطعا، و الدفاع واجب بضرورة من العقل و الشرع.

1- و قد قال اللّه- تعالى- في سورة البقرة في قصة طالوت و قتل داود لجالوت:

«وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعٰالَمِينَ.» «1»

و دفعه الفساد عنهم ليس إلّا بقيام أهل الحق و دفاعهم.

2- و في سورة الحج: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ، بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلّٰا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللّٰهُ. وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوٰامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَوٰاتٌ وَ مَسٰاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّٰهِ كَثِيراً، وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ،

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 251.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 122

وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ.» «1»

فما أدري، ألا يقرء المسلمون هذه الآيات الكريمة من القرآن، أو يقرءونها و لكن لا يتدبرونها؟!

و هل يمكن الالتزام بأن اللّه- تعالى- في عصر غيبة الإمام الثاني عشر لا يبغض الفساد في الأرض و لا هدم المساجد و المعابد، و لا يحبّ إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؟! لا و اللّه، بل يجب على المسلمين الدفاع عن مراكز التوحيد، و دفع الفساد و المفسدين، و إقامة دعائم الإسلام، و اللّه ينصر من نصره.

نعم، النصر غير الظفر المحتوم على العدوّ، فاللّه- تعالى- ينصر أولياءه بإيمانهم و الربط على قلوبهم و القاء الرعب في قلوب أعدائهم، و كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن

اللّه، و لكن العالم عالم الأسباب و التضادّ و التزاحم، فيمكن ان يتهيأ سبب فوز العدوّ و ظفره بحيله و مكره، و لكن يجب على المسلمين الدفاع عن الإسلام و المسلمين و جهاد المفسدين و الجائرين بعد أن يهيئوا الأسباب المتعارفة، متوكلين على اللّه- تعالى-.

3- و في الحديث عن الصادق «ع» بعد ذكر قوله- تعالى-: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ، بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا.» قال «ع»: «و بحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كل زمان.» فراجع «2». هذا.

4- و قد مرّ ان امير المؤمنين- عليه السلام- بلغه أن الرجل من أهل الشام كان يدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها و قلبها و قلائدها و رعاثها، ما تمنع منه إلّا بالاسترجاع و الاسترحام ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم و لا أريق لهم دم، فقال: «لو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا.» و قال: «فقبحا لكم و ترحا حين صرتم غرضا يرمى، يغار

______________________________

(1)- سورة الحج (22)، الآية 39 و 40 و 41.

(2)- الوسائل 11/ 27، الباب 9 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 123

عليكم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون، و يعصى اللّه و ترضون.» «1»

فيا أخي المسلم، أو ليس الواحد منا- أنا و أنت- بإنسان؟! أو ليس فينا عواطف الإنسانية و حميّتها فضلا عن الالتزام الاسلامي؟! فكيف يبلغنا مجازر المسلمين و تخريب بلادهم و معابدهم و هتك نواميسهم بأيدي الكفار و الصهاينة في فلسطين و لبنان و أفغانستان و الهند و سائر البلدان و لا نتحرك و لا نحامي، بل و

لا نعترض بكلام و قول، بل و لا نؤيد من يعترض، بل ربّما نؤيد الكفار عمليا؟!

5- و قد روى الطبري في تاريخه عن أبي مخنف، عن عقبة بن أبي العيزار أن الحسين «ع» خطب أصحابه و أصحاب الحرّ بالبيضة، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، إن رسول اللّه «ص» قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه «ص» يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان، فلم يغير عليه بفعل و لا قول، كان حقّا على اللّه أن يدخله مدخله. ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطّلوا الحدود و استأثروا بالفي ء و أحلّوا حرام اللّه و حرّموا حلاله و أنا أحق من غيّر.» «2»

و كلام رسول اللّه «ص» لا يختصّ بالسبط الشهيد و بزيد بن علي و بشهيد فخّ و أمثالهم، بل هو تكليف عام لجميع المسلمين في قبال الكفّار و سلاطين الجور و طواغيت الزمان، كما يدلّ على ذلك عموم الموصول.

و كيف كان فالجهاد الدفاعي في قبال هجوم الأجانب و الكفار و التسلط على بلاد المسلمين و شئونهم و ثقافتهم و اقتصادهم من أوجب الواجبات. و التشكيك في ذلك تشكيك فيما يحكم به الكتاب و السنة، بل العقل و الفطرة، فان اللّه- سبحانه- جهّز الإنسان بل الحيوانات أيضا بأجهزة الدفاع و خلق فيه القوة الغضبية لذلك، كما خلق في الدم الكريات البيض للدفاع عن مملكة البدن في قبال الجراثيم

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 95؛ عبده 1/ 65؛ لح/ 70، الخطبة 27.

(2)- تاريخ الطبري 7/ 300.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 124

المفسدة الخارجية المهاجمة، فتدبّر.

بل الدفاع عن بيضة الإسلام و حوزة المسلمين واجب و لو في ظلّ راية الباطل أيضا بشرط عدم تأييده.

6- ففي خبر يونس قال: «سأل أبا الحسن «ع» رجل و أنا حاضر، فقال له:

جعلت فداك، ان رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي سيفا و قوسا في سبيل اللّه، فأتاه فأخذهما منه و هو جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه أصحابه فأخبروه ان السبيل مع هؤلاء لا يجوز، و أمروه بردّهما. قال: فليفعل. قال: قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له قد قضى الرجل. قال: فليرابط و لا يقاتل. قال: مثل قزوين و عسقلان و الديلم و ما أشبه هذه الثغور؟ فقال: نعم. قال: فإن جاء العدوّ الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضة الإسلام. قال: يجاهد؟ قال: لا إلا أن يخاف على دار المسلمين. أ رأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ (يسع خ. ل) لهم أن يمنعوهم؟ قال: يرابط و لا يقاتل، و ان خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأن في دروس الإسلام دروس ذكر محمد «ص».» «1»

و سند الحديث لا بأس به.

فانظر يا أخي المسلم، كيف غفل المسلمون و أغفلوا بتسويل المستعمرين و أياديهم الجاهلة أو الخبيثة و علماء السوء، فحصروا دين اللّه في بعض المراسم الظاهرية و الآداب الشخصية، و استولى الكفار على بلاد المسلمين و معابدهم و جميع شئونهم و شتتوهم و مزّقوهم كل ممزّق، و استضعفوهم بأنحاء الاستضعاف من حيث لا يشعرون. اللهم فبدّد شمل الكفار و فرّق جمعهم و اردد كيدهم الى انفسهم، و أيقظ المسلمين من سباتهم و هجعتهم. آمين ربّ

العالمين. هذا.

و اعلم أن الدفاع لا يمكن و لا يتحصل إلّا بإعداد المقدمات و الوسائل و التسلّح بسلاح العصر، و التدرّب عليه. فيجب ذلك لا محالة، و قد قال اللّه- تعالى- في كتابه

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 19، الباب 6 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 125

العزيز: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ.

الآية.» «1»

و لعله لا يتيسّر أيضا في بعض الأحيان إلّا بالتكتل و التشكل و لو خفية، و لا محالة يتوقف ذلك على أن يؤمّروا على أنفسهم رجلا عالما عادلا بصيرا بالأمور، و يلتزموا بإطاعته حتى ينصرهم اللّه بتأييده و نصره، كما اتفق ذلك في أكثر الثورات الناجحة في العالم. و في القرآن الكريم ان بني اسرائيل قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه، فبعث اللّه لهم طالوت ملكا «2». فيعلم بذلك ان القتال يتوقف على وجود القائد الجامع للشتات. و ان شئت فسمّ هذا القائد أيضا إماما، و لكن وجوده شرط لتحقق القتال لا شرط لوجوبه، بخلافه في الجهاد الابتدائي فإن الإمام شرط لوجوبه، كما مرّ. بل يمكن أن يقال: إنّ الإمام في كلا القسمين شرط للوجود لا للوجوب، كما يأتى نظيره في الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر المتوقفين على الضرب و الجراح، فانتظر.

و قد تحصّل مما ذكرنا أن الجهاد من أهم الواجبات و أنه ينقسم عندهم الى قسمين:

ابتدائى و دفاعي. و الأول على ما قالوا وجوبه مشروط بالإمام، و لكن الإمام لا ينحصر في الإمام المعصوم على الأقوى، فيشمل الفقيه الجامع للشرائط أيضا، و أما الجهاد الدفاعي فلا

يتوقف وجوبه على الإمام. نعم، ربما يتوقف وجوده على التجمع و التشكل، و هو لا محالة يتوقف على وجود القائد و الإمام. فهو شرط للوجود لا للوجوب، كما لا يخفى، فيجب تحصيله.

و كيف كان فالجهاد الدفاعي واجب و لو في عصر الغيبة بلا إشكال.

نعم، هنا أخبار ربما تمسك بها بعض من يوجب السكون و السكوت في قبال الجنايات و هجوم الأعداء في عصر الغيبة، و يصرّون على عدم التدخل في الشؤون السياسية و إقامة الدولة. و قد تعرض لهذه الأخبار صاحب الوسائل في الباب

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

(2)- راجع سورة البقرة (2)، الآية 246 و 247.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 126

الثالث عشر من الجهاد «1»، و نحن نوردها مع الجواب عنها في آخر هذا الباب في الفصل الرابع منه بعد ذكر الأدلة العشر لضرورة الحكومة و وجوب السعي في إقامة الدولة العادلة. و هو بحث لطيف ينبغي الالتفات اليه. و سنعود الى بحث ما في ضرورة الدفاع و تقوية النظام العسكري و الجنود في الفصل الرابع عشر من الباب السادس أيضا، فانتظر.

______________________________

(1)- الوسائل ج 11 ص 35 و ما بعدها، باب حكم الخروج بالسيف قبل قيام القائم «ع».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 127

الفصل السابع في قتال البغاة على الإمام
[كلمات الأصحاب]

قال في الخلاف (المسألة 1 من كتاب الباغي):

«الباغي من خرج على إمام عادل و قاتله و منع تسليم الحق اليه، و هو اسم ذمّ. و في أصحابنا من يقول: انه كافر. و وافقنا على أنه اسم ذمّ جماعة من العلماء المعتزلة بأسرهم، و يسمّونهم فسّاقا، و كذلك جماعة من أصحاب أبي حنيفة و الشافعي.

و قال أبو حنيفة هم

فسّاق على وجه التديّن. و قال أصحاب الشافعي ليس باسم ذمّ عند الشافعي، بل هو اسم من اجتهد فأخطأ، بمنزلة من خالف من الفقهاء في بعض مسائل الاجتهاد. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم ...» «1»

و قال في النهاية:

«كل من خرج على إمام عادل و نكث بيعته و خالفه في أحكامه فهو باغ، و جاز للإمام قتاله و مجاهدته ... و من خرج على إمام جائر لم يجز قتالهم على حال. و لا يجوز لأحد قتال أهل البغي إلّا بأمر الإمام.» «2»

و في الشرائع:

«يجب قتال من خرج على امام عادل اذا ندب اليه الإمام عموما أو خصوصا أو من نصبه الإمام.» «3»

و في الجواهر:

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 164.

(2)- النهاية للشيخ/ 296- 297.

(3)- الشرائع 1/ 336.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 128

«لا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكى منهما مستفيض، كالنصوص من طرق العامة و الخاصة.» «1»

أقول: مسألة قتال البغاة من المسائل المهتم بها في فقه الفريقين. و قد رأيت تفسيره بالخارج على الإمام العادل في قبال الإمام الجائر.

و هل يراد به خصوص الإمام المعصوم أو مطلق العادل بعد تحقق امامته؟

وجهان. و لعل الثاني أظهر.

و يدلّ على الحكم، مضافا الى الإجماع و عدم الخلاف، الكتاب و الأخبار من طرق الفريقين.

امّا الكتاب

فقوله- تعالى-: «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ.» «2»

بل الظاهر ان تسمية الخارج على الإمام بالباغي أخذت من هذه الآية.

و الخدشة في الاستدلال بها بأنها في اقتتال طائفتين من المؤمنين لأمر ما لا في خروج طائفة على الإمام، مدفوعة. أولا بصدق

الطائفتين على جند الإمام و الباغي بلا اشكال، و ثانيا بالأولوية القطعية. إذ لو وجب دفع الباغي على بعض المؤمنين فدفعه عن إمام المؤمنين يجب بطريق أولى.

و لا يخفى أن في تسمية الباغي و جنده بالمؤمن عندنا لا يخلو عن نحو عناية و تجوز، و كأنه باعتبار حاله قبل البغي. هذا.

و أما الأخبار

في المسألة فكثيرة، و منها خبر ابن المغيرة، عن جعفر، عن أبيه قال:

«ذكرت الحرورية عند علي «ع» فقال: إن خرجوا على إمام عادل او جماعة فقاتلوهم، و إن خرجوا

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 324.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 129

على إمام جائر فلا تقاتلوهم، فان لهم في ذلك مقالا.» «1»

و في الوسائل المطبوع: «عقالا» بدل «مقالا»، و لكن في الكافي و العلل: «مقالا».

و المذكور في الحديث التفصيل بين الإمام العادل و الجائر، لا المعصوم و غير المعصوم.

و المراد بالحرورية الخوارج، سمّوا بذلك لاجتماعهم في موضع بظهر الكوفة كان يسمّى بحروراء.

و في مسلم عن عرفجة، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه.» «2» هذا و تفصيل المسألة موكول الى محله.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 60، الباب 26 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1480 (طبعة أخرى 6/ 23)، كتاب الإمارة، الباب 14 (باب حكم من فرق أمر المسلمين و هو مجتمع).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 130

الفصل الثامن فيما دلّ على أن أمر الجزية و الغنائم و الأسارى و الأراضي إلى الإمام

1- صحيحة زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما حدّ الجزية على أهل الكتاب، و هل عليهم في ذلك شي ء موظّف لا ينبغي أن يجوز الى غيره؟ فقال:

ذلك الى الامام، يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله و ما يطيق. الحديث.» «1»

2- رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سأله عن خراج أهل الذمة و جزيتهم اذا أدّوها من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتهم، أ يحلّ للإمام أن يأخذها و يطيب

ذلك للمسلمين؟ فقال: «ذلك للإمام و المسلمين حلال و هي على أهل الذمة حرام و هم المحتملون لوزره.» «2»

3- صحيحة معاوية بن وهب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف تقسم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول، و قسم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام، يجعله حيث أحبّ.» «3»

4- و في رواية طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه «ع»: «فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار: إن شاء ضرب عنقه، و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف ... فكل أسير أخذ على

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 113، الباب 68 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 118، الباب 70 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- الوسائل 11/ 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 131

تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار: إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، و إن شاء فاداهم أنفسهم، و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا.» «1»

5- و في حديث الزهري، عن علي بن الحسين «ع»: «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله و لا تقتله، فانك لا تدري ما حكم الإمام فيه. الحديث.» «2»

6- رواية صفوان و البزنطي جميعا، قالا: «ذكرنا له الكوفة ... فقال: من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر ... و ما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبّله ممن يعمره و كان للمسلمين ... و ما أخذ بالسيف فذلك

الى الإمام يقبّله بالذي يرى. الحديث.» «3»

7- رواية البزنطي قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا «ع» الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا، تركت أرضه في يده ... و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره و كان للمسلمين ... و ما أخذ بالسيف فذلك الى الإمام يقبّله بالذي يرى. الحديث.» «4»

و رواية البزنطي صحيحة. و الراوي عنه هو أحمد بن محمد بن عيسى. و في رواية صفوان و البزنطي توسط بينهما و بين أحمد بن محمد بن عيسى، علي بن أحمد بن أشيم.

و عن الشيخ انه مجهول، و عن بعض تضعيفه، و لكن نقل ابن عيسى عنه لعله يدل على اعتماده عليه. ثم ان الراوي في الخبرين هو البزنطي و المروي عنه فيهما هو الرضا «ع»، و يقرب مضمونها، فيحتمل وحدتهما و وجود ابن اشيم في سند الثانية أيضا و سقوطه منه.

و كيف كان فيستفاد من الخبرين أن أرض الموات و المفتوحة عنوة أمرهما الى الإمام، و قد مرّ كون الأنفال الى الإمام و منها أرض الموات و ما لا ربّ له، و كذا الجبال و الأودية و الآجام و غير ذلك.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 53، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 53، الباب 23 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- الوسائل 11/ 119، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(4)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 132

8- و في صحيحة عمر بن يزيد، قال: «سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه «ع»

عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمرها و كرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال ابو عبد اللّه «ع»: كان أمير المؤمنين «ع» يقول:

من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه الى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم «ع» فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه.» «1»

الى غير ذلك من الأخبار الواردة في الغنائم و الأراضي.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 133

الفصل التاسع في الحجر و الوصية

1- خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه أن عليا «ع» كان يفلّس الرجل اذا التوى على غرمائه، ثم يأمر به فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فقسم بينهم، يعني ماله. «1»

2- خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه أن عليّا «ع» كان يحبس في الدين، ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه الى الغرماء. الحديث. «2»

3- خبر اسماعيل بن سعد، قال: «سألت الرضا «ع» ... و عن الرجل يصحب الرجل في سفر فيحدث به حدث الموت و لا يدرك الوصية، كيف يصنع بمتاعه و له أولاد صغار و كبار، أ يجوز أن يدفع متاعه و دوابّه الى ولده الأكابر أو إلى القاضي، و إن كان في بلدة ليس فيها قاض كيف يصنع؟ و إن كان دفع المتاع الى الأكابر و لم يعلم، فذهب فلم يقدر على ردّه كيف يصنع؟ قال: إذا أدرك الصغار و طلبوا لم يجد بدّا من إخراجه، إلّا أن يكون بأمر السلطان.» «3»

4- خبر صفوان، قال: «سألت أبا الحسن «ع» عن رجل كان لرجل

عليه مال، فهلك و له وصيان، فهل يجوز أن يدفع الى أحد الوصيين دون صاحبه؟ قال:

لا يستقيم إلّا أن يكون السلطان قد قسّم بينهما المال فوضع على يد هذا النصف و على يد هذا النصف، أو يجتمعان بأمر السلطان.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 146، الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 148، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 3.

(3)- الوسائل 13/ 475، الباب 88 من كتاب الوصايا، الحديث 3.

(4)- الوسائل 13/ 440، الباب 51 من كتاب الوصايا، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 134

الفصل العاشر فيما ورد في النكاح و الطلاق و ملحقاته

1- ما روته عائشة ان رسول اللّه «ص» قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل. فنكاحها باطل. فان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها.

فان اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له.» «1»

و قد مرّ أن المراد بالإمام و السلطان و الوالي معنى واحد.

2- صحيحة أبي حمزة الثمالي في العنين، قال: «سمعت أبا جعفر «ع» يقول: ...

فإن تزوجت و هي بكر فزعمت أنه لم يصل اليها فإن مثل هذا تعرف النساء، فلينظر اليها من يوثق به منهن، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الإمام أن يؤجّله سنة، فان وصل اليها و إلّا فرّق بينهما.

الحديث.» «2»

3- صحيحة أبي بصير، قال: «سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقّا على الإمام ان يفرق بينهما.» «3»

4- خبر معمر بن و شيكة، قال: «سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «لا يصلح الناس في الطلاق إلّا بالسيف. و لو وليتهم لرددتهم فيه الى كتاب اللّه- عزّ و جلّ.» «4»

______________________________

(1)- سنن الترمذي 2/ 280،

الباب 14 من أبواب النكاح، الحديث 1108.

(2)- الوسائل 14/ 613، الباب 15 من أبواب العيوب و التدليس من كتاب النكاح، الحديث 1.

(3)- الوسائل 15/ 223، الباب 1 من أبواب النفقات من كتاب النكاح، الحديث 2.

(4)- الوسائل 15/ 272، الباب 6 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 2. و نحوه غيره في هذا الباب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 135

5- و في خبر أبي بصير، عنه «ع»: «لو ولّيت الناس لعلّمتهم كيف ينبغي لهم أن يطلقوا، ثم لم أوت برجل قد خالف إلّا أوجعت ظهره.» «1» و نحوهما غيرهما.

6- صحيحة بريد، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال: ما سكتت عنه و صبرت فخلّ عنها، و إن هي رفعت أمرها الى الوالي أجّلها أربع سنين، ثم يكتب الى الصقع الذي فقد فيه، فليسأل عنه ... و إن لم يكن له مال قيل للوليّ: أنفق عليها، فان فعل فلا سبيل لها الى أن تتزوج ما أنفق عليها، و إن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة. الحديث.» «2»

7- قال الصدوق: «و في رواية أخرى انه إن لم يكن للزوج وليّ طلقها الوالي.» «3»

أقول: و في خبر الكناني: «و ان لم يكن له وليّ طلقها السلطان.» «4»

8- صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر «ع» عن الملاعن و الملاعنة كيف يصنعان؟ قال: يجلس الإمام مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذائه.

الحديث.» و نحوها صحيحة البزنطي، عن الرضا «ع». «5»

9- خبر بريد الكناسي، عن أبي جعفر «ع» في الظهار، و فيه: «فإن كان يقدر على أن يعتق فإن على الامام أن يجبره على العتق أو

الصدقة من قبل ان يمسّها و من بعد ما يمسّها.» «6»

و الغرض من سرد هذه الأخبار من الأبواب المختلفة بيان أن الإمامة بمعنى الحكومة داخلة في نظام قوانين الإسلام و نسجها و أنها تبقى ببقائها، و ان عدم الاهتمام بها مساوق لعدم الاهتمام بالإسلام و قوانينه.

______________________________

(1)- الوسائل 15/ 272، الباب 6 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3. و نحوه غيره في هذا الباب.

(2)- الوسائل 15/ 389، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(3)- الوسائل 15/ 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2.

(4)- الوسائل 15/ 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 5.

(5)- الوسائل 15/ 587، الباب 1 من أبواب كتاب اللعان، الحديث 4 و 2.

(6)- الوسائل 15/ 533، الباب 17 من كتاب الظهار، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 136

الفصل الحادي عشر في المواريث

1- خبر عبد الملك بن أعين و مالك بن أعين، عن أبي جعفر «ع» قال: «سألته عن نصراني مات و له ابن أخ مسلم و ابن أخت مسلم، و له أولاد و زوجة نصارى ... قيل له: فإن أسلم أولاده و هم صغار؟ فقال: يدفع ما ترك أبوهم الى الإمام حتى يدركوا، فإن أتمّوا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إليهم، و إن لم يتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه و ابن أخته المسلمين. الحديث.» «1»

2- صحيحة أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل مسلم مات و له أم نصرانية ... فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام.» «2»

3- الأخبار الكثيرة الواردة في حكم ميراث من لا وارث له، فراجع الباب 3 و 4

من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة من الوسائل. «3» ففي بعضها أنه من الأنفال، و في بعضها أنه للإمام، و في بعضها أنه يجعل في بيت مال المسلمين.

و الظاهر رجوع الجميع إلى أمر واحد، لما مرّ من أن الأنفال للإمام و لكن لا لشخصه بل لحيثية الإمامة و منصبها، فيصرف في مصالح المسلمين و ان كان من أعلى مصالحهم إدارة شئون شخص الإمام، فراجع ما حررناه في كتاب الخمس، و أشرنا اليه هنا في الفصل الرابع. و يأتي في الباب الثامن من هذا الكتاب أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 379، الباب 2 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

(2)- الوسائل 17/ 381، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.

(3)- الوسائل 17/ 547 و 551، باب أن من مات و لا وارث له ... و باب حكم ما لو تعذر ....

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 137

4- صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا يستقيم الناس على الفرائض و الطلاق إلّا بالسيف.» «1» و نحوها غيرها.

فيستفاد من هذه الرواية أن دين الإسلام ليس كما توهمه بعض من لا خبرة له من كونه مشرّعا للقوانين و الآداب فقط من دون أن يلتفت الى القوة المجرية لها، بل إن اقامة الحكومة الحقة المقتدرة لإجراء المقررات و القوانين المشرّعة من أعظم أهدافه و تشريعاته، فانتظر لبيان ذلك و توضيحه.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 419، الباب 3 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 138

الفصل الثاني عشر فيما ورد في القضاء و الحدود

1- خبر اسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قال أمير المؤمنين «ع» لشريح: يا شريح، قد جلست

مجلسا لا يجلسه (ما جلسه) إلّا نبي أو وصيّ نبي أو شقيّ.» «1»

2- و خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «اتقوا الحكومة، فان الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين: لنبيّ (كنبيّ) أو وصي نبي.» «2»

أقول: هل المراد بالحكومة في الحديث خصوص القضاء أو مطلق الولاية التي من شئونها القضاء؟ وجهان. و لعل الأول أظهر. و قوله: «لنبي»، هكذا في الكافي و التهذيب. و في الفقيه: «كنبي»، و لا يخفى وجود الفرق بينهما. اذ على الأول ينحصر في النبي و الوصي، دون الثاني.

و في مرآة العقول:

«لا يخفى أن هذه الأخبار تدلّ بظواهرها على عدم جواز القضاء لغير المعصوم، و لا ريب أنهم- عليهم السلام- كانوا يبعثون القضاة الى البلاد، فلا بد من حملها على أن القضاء بالأصالة لهم و لا يجوز لغيرهم تصدّي ذلك إلّا بإذنهم. و كذا في قوله «ع»: لا يجلسه الّا نبيّ، أي بالأصالة. و الحاصل ان الحصر إضافي بالنسبة الى

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

(2)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 139

من جلس فيها بغير إذنهم و نصبهم «ع».» «1»

أقول: ما ذكره من الظهور مبني على كون المراد بالوصي و بالإمام خصوص الإمام المعصوم. و حينئذ فوجوب حملها على من له القضاء بالأصالة أو على الحصر الإضافي واضح، إذ لا يمكن الالتزام بتعطّل القضاء الشرعي في عصر الغيبة و إن طالت آلاف سنة.

و أما ما قال من أنهم «ع» كانوا يبعثون القضاة الى البلاد فإثباته بالنسبة الى غير النبي «ص» و أمير المؤمنين

«ع» بحسب التاريخ مشكل. نعم، كان لهم «ع» وكلاء في بعض البلاد سرّا لرجوع شيعتهم اليهم في المسائل الشرعية و الحقوق الشرعية.

و أما بعث القضاة فلم يثبت، اللهم إلّا أن يريد بذلك جعل منصب القضاء للفقيه بنحو العموم، كما ربما يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة أبي خديجة.

3- خبر الأصبغ بن نباتة، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» أن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين.» «2»

و مثله خبر أبي مريم، عن أبي جعفر «ع» «3».

فهذا السنخ من الأخبار يدلّ على أن من تشريعات الإسلام وجود الحكومة و الرئاسة و بيت المال العام.

4- خبر البرقي، عن أبيه، عن علي «ع» قال: «يجب على الإمام أن يحبس الفساق من العلماء و الجهّال من الأطبّاء و المفاليس من الأكرياء. قال: و قال «ع»: حبس الإمام بعد الحد ظلم.» «4»

5- صحيحة عمر بن يزيد، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل مات

______________________________

(1)- مرآة العقول 4/ 231 من ط. القديم، (أوّل كتاب القضاء).

(2)- الوسائل 18/ 165، الباب 10 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 111، الباب 7 من أبواب دعوى القتل من كتاب القصاص، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 221، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 140

و ترك امرأته و هي حامل، فوضعت بعد موته غلاما، ثم مات الغلام بعد ما وقع الى الأرض، فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل و صاح حين وقع الى الأرض ثم مات.

قال: على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام.» «1»

6- خبر حفص بن غياث قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع»:

من يقيم الحدود؟

السلطان، أو القاضي؟ فقال: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم.» «2»

و هل يراد بقوله: «من اليه الحكم»، القاضي أو الوالي الناصب له؟ وجهان.

و لعل الأول أظهر، فيراد أن القاضي بنفسه يجري و ينفّذ ما حكم به من الحدّ، فتأمّل.

7- قال المفيد في المقنعة:

«فأمّا إقامة الحدود فهو إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل اللّه، و هم أئمة الهدى من آل محمد «ص» و من نصبوه لذلك من الأمراء و الحكّام. و قد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان.» «3»

8- و في المستدرك عن الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه أن عليا «ع» قال: «لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا بإمام.» و رواه في الدعائم عنه «ع» مثله و فيه: «بإمام عدل.» «4»

9- خبر حفص بن عون رفعه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عدل أفضل من عبادة سبعين سنة. و حدّ يقام للّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.» «5»

10- ما عن القطب الراوندي في لبّ اللباب عن النبي «ص» قال: «يوم واحد

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 259، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 6.

(2)- الوسائل 18/ 338، الباب 28 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 338، الباب 28 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2. المقنعة/ 129.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 220، الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(5)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 141

من سلطان عادل خير من مطر أربعين يوما. و حدّ يقام في الأرض أزكى من عبادة

ستين سنة.» «1»

أقول: فاللّه- تعالى- الذي لا يقطع بركاته و قطر السماء عن خلقه في عصر من الأعصار كيف يقطع الإمامة و إقامة الحدود في عصر الغيبة و ان طالت ما طالت بسبب سوء نية الخليفة العباسي و غيره من الأمور؟!

11- خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»- في رجل أقيمت عليه البينة بأنه زنى ثم هرب قبل أن يضرب؟ قال: إن تاب فما عليه شي ء، و إن وقع في يد الإمام أقام عليه الحد، و إن علم مكانه بعث إليه.» «2»

12- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» قال: «قلت له: رجل جنى إليّ، أعفو عنه أو أرفعه الى السلطان؟ قال: هو حقّك، إن عفوت عنه فحسن، و إن رفعته الى الإمام فإنما طلبت حقك، و كيف لك بالإمام؟» «3»

13- موثقة سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له، فإذا رفع إلى الإمام قطعه. الحديث.» «4»

14- و في الفقيه: «قال رسول اللّه «ص»: لا يحلّ لوال يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ. و أذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة.» «5»

15- مرسلة البرقي، عن بعض أصحابه، عن بعض الصادقين «ع» عن أمير المؤمنين «ع»: «إذا قامت البينة فليس للإمام ان يعفو، و اذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 3/ 216، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 10.

(2)- الوسائل 18/ 328، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

(3)- الوسائل 18/ 329، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 330، الباب 17 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(5)-

الفقيه 4/ 73، باب نوادر الحدود، الحديث 5143.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 142

الإمام: إن شاء عفا و إن شاء قطع.» «1»

16- صحيحة الفضيل، قال: «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق من حدود اللّه مرة واحدة، حرّا كان أو عبدا، أو حرّة كانت أو أمة فعلى الإمام أن يقيم الحد عليه للذي أقرّ به على نفسه، كائنا من كان إلّا الزاني المحصن. الحديث.» «2»

17- خبر الحسين بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: «الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد و لا يحتاج الى بينة مع نظره، لأنه أمين اللّه في خلقه. الحديث.» «3»

18- و قال الصادق «ع» في رجل قال لامرأته يا زانية، قالت: أنت أزنى منّي، فقال: «عليها الحد فيما قذفت به، و أما إقرارها على نفسها فلا تحد حتى تقر بذلك عند الإمام أربع مرات.» «4»

19- خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «يقطع رجل السارق بعد قطع اليد ثم لا يقطع بعد، فإن عاد حبس في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين.» «5» و نحوه روايات اخر.

20- خبر عيسى بن عبد اللّه قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السارق يسرق العام فيقدم الى الوالي ليقطع فيوهب، ثم يؤخذ في قابل و قد سرق الثانية و يقدم الى السلطان فبأيّ السرقتين يقطع؟ قال: يقطع بالأخير. الحديث.» «6»

21- خبر حمزة بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» (الى قوله): و إن كان

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(2)- الوسائل

18/ 343، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 344، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(4)- الوسائل 18/ 447، الباب 13 من أبواب حد القذف، الحديث 3.

(5)- الوسائل 18/ 493، الباب 5 من أبواب حد السرقة، الحديث 6.

(6)- الوسائل 18/ 500، الباب 9 من أبواب حد السرقة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 143

الميت لم يتوال الى أحد حتى مات فإن ميراثه لإمام المسلمين. فقلت: فما حال الغاصب؟

فقال: اذا هو أوصل المال الى امام المسلمين فقد سلم. الحديث.» «1»

22- خبر الفقيه و فيه: «فجرت السنة في الحدّ أنه إذا رفع الى الإمام و قامت عليه البيّنة أن لا يعطل و يقام.» «2»

23- خبر المفضل بن صالح، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه انّما أخذ حقّه، فاذا كان من إمام عادل عليه القتل.» «3»

24- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» قال: «من شهر السلاح في مصر ... فجزاؤه جزاء المحارب و أمره الى الإمام: إن شاء قتله و صلبه، و ان شاء قطع يده و رجله.

الحديث.» «4»

25- صحيحة بريد، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن قول اللّه- عزّ و جلّ-:

«إنما جزاء الذين يحاربون اللّه و رسوله»، قال: ذلك الى الإمام، يفعل ما شاء. قلت:

فمفوّض ذلك اليه؟ قال: لا و لكن نحو الجناية.» «5»

26- خبر عبد اللّه بن طلحة، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إنما جزاء الذين يحاربون اللّه و رسوله» الآية، «هذا نفي المحارب (المحاربة- كا.) غير هذا النفي. قال:

يحكم عليه الحاكم بقدر ما عمل

و ينفي و يحمل في البحر ثم يقذف به. الحديث.» «6»

27- خبر عمّار الساباطي، قال: «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: كل مسلم بين

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 501، الباب 10 من أبواب حد السرقة، الحديث 5.

(2)- الوسائل 18/ 509، الباب 18 من أبواب حد السرقة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 18/ 519، الباب 24 من أبواب حد السرقة، الحديث 5.

(4)- الوسائل 18/ 532، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 1.

(5)- الوسائل 18/ 533، الباب 1 من أبواب حد المحارب، الحديث 2.

(6)- الوسائل 18/ 540، الباب 4 من أبواب حد المحارب، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 144

مسلمين ارتد عن الإسلام ... و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه.» «1»

28- صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع» انه سئل عمن شتم رسول اللّه «ص» فقال: «يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع الى الإمام.» «2»

29- روى الترمذي بسنده عن رسول اللّه «ص» انه قال: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله فإن الإمام ان يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 545، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 554، الباب 7 من أبواب حد المرتد، الحديث 1.

(3)- سنن الترمذي 2/ 438، الباب 2 من أبواب الحدود، الحديث 1447.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 145

الفصل الثالث عشر فيما ورد في القصاص و الديات

1- خبر الفضيل، قال: «قلت لأبي جعفر «ع»: عشرة قتلوا رجلا؟ قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا و غرموا تسع ديات، و إن شاءوا تخيّروا رجلا فقتلوه ... ثم الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم.» «1»

2-

خبر أبي العباس و غيره، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «اذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيهم شاءوا. الحديث.» «2» و نحوه غيره.

3- صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل قتل رجلا عمدا، فرفع الى الوالي فدفعه الوالي الى أولياء المقتول ليقتلوه، فوثب عليه قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟ قال: «أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل.

الحديث.» «3»

4- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قضى عليّ «ع» في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر، قال: «يقتل القاتل و يحبس الآخر حتى يموت غما. الحديث.» «4»

و نحوها غيرها، حيث ان الحبس انّما يقع بيد الحكام و الولاة.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 30، الباب 12 من أبواب القصاص، الحديث 6.

(2)- الوسائل 19/ 30، الباب 12 من أبواب القصاص، الحديث 7.

(3)- الوسائل 19/ 34، الباب 16 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(4)- الوسائل 19/ 35، الباب 17 من أبواب القصاص، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 146

5- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» في عبد جرح رجلين ... قيل له: فان جرح رجلا في اول النهار و جرح آخر في آخر النهار؟ قال: «هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأول.» «1»

6- صحيحة ابن سنان، قال: «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول في رجل أراد امرأة على نفسها حراما فرمته بحجر فأصابت منه مقتلا، قال: «ليس عليها شي ء فيما بينها و بين اللّه- عزّ و جلّ-، و إن قدمت الى إمام عادل أهدر دمه.» «2»

7- خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» قال: «من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له

في قتل و لا جراحة.» «3»

8- صحيحة ابي بصير، قال: «سألت أبا جعفر «ع» عن رجل قتل رجلا مجنونا فقال: «إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه (فقتله) فلا شي ء عليه من قود و لا دية، و يعطي ورثته ديته من بيت مال المسلمين. الحديث.» «4»

9- خبر أبي الورد، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع» أو لأبي جعفر: أصلحك اللّه، رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله؟ فقال: «أرى ان لا يقتل به و لا يغرم ديته، و تكون ديته على الإمام و لا يبطل دمه.» «5»

10- خبر أبي عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر «ع» عن أعمى فقأ عين صحيح؟ فقال: «إن عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 77، الباب 45 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(2)- الوسائل 19/ 44، الباب 23 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 47، الباب 24 من أبواب القصاص، الحديث 8.

(4)- الوسائل 19/ 51- 52، الباب 28 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(5)- الوسائل 19/ 52، الباب 28 من أبواب القصاص، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 147

فالدية على الإمام و لا يبطل حق امرئ مسلم.» «1»

11- صحيحة أبي ولاد الحناط، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل مسلم قتل رجلا مسلما (عمدا) فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته (دينه) الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل اليه، فإن شاء قتل و إن شاء عفا و إن

شاء أخذ الدية. فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره، فإن شاء قتل و إن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين، لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين. قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: إنّما هو حق جميع المسلمين، و إنّما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية و ليس له أن يعفو.» «2»

12- و صحيحته الاخرى، قال: «قال أبو عبد اللّه «ع» في الرجل يقتل و ليس له وليّ إلّا الإمام: «انه ليس للإمام أن يعفو، له أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأن جناية المقتول كانت على الإمام و كذلك تكون ديته لإمام المسلمين.» «3»

أقول: لا يخفى أن الصحيحتين من أقوى الشواهد على ما ذكرناه مرارا من أن كون الشي ء للإمام عبارة أخرى عن كونه للمسلمين، فيراد به كونه لمنصب الإمامة و تحت اختيار الإمام لا لشخص الإمام، و لو كان لشخصه لكان له العفو قطعا. و قد مرّ في ميراث من لا وارث له أن المذكور في بعض الأخبار كونه من الأنفال، و في بعضها أنه للإمام، و في بعضها أنه يجعل في بيت مال المسلمين، و عرفت أن الجميع يرجع الى أمر واحد. و المراد كونه للمسلمين و لكنه في تصرف الإمام و اختياره. و يبعد جدّا في مقام التشريع جعل جميع الأنفال، أي الأموال

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 65، الباب 35 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(2)- الوسائل 19/ 93، الباب 60 من أبواب القصاص، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 93، الباب 60 من أبواب القصاص، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 148

العامّة التي جعلها

اللّه لكافّة البشر و خمس جميع ما يملكه الناس ملكا لشخص واحد، فراجع ما حررناه في كتاب الخمس، و في الباب الثامن من هذا الكتاب.

13- رواية عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«قضى أمير المؤمنين «ع» في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله، قال: «إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم، لأن ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام، و يصلّون عليه و يدفنونه. قال: و قضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات أن ديته من بيت مال المسلمين.» «1»

و نحوها غيرها، فراجع.

14- خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن وجد قتيل بأرض فلاة أدّيت ديته من بيت المال، فإن أمير المؤمنين «ع» كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم.» «2»

و نحوه غيره، فراجع الباب 9 و 10 من ابواب دعوى القتل. «3»

15- خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قلت: ميت قطع رأسه؟ قال: عليه الدية. قلت: فمن يأخذ ديته؟ قال: الإمام، هذا للّه. و ان قطعت يمينه أو شي ء من جوارحه فعليه الأرش للإمام.» «4»

16- صحيحة أبي ولاد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ليس فيما بين أهل الذمة معاقلة فيما يجنون من قتل أو جراحة، إنما يؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن لهم مال رجعت الجناية على إمام المسلمين لأنهم يؤدّون إليه الجزية، كما يؤدي العبد الضريبة الى سيّده. قال: و هم مماليك للإمام، فمن أسلم منهم فهو حرّ.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 109، الباب 6 من أبواب دعوى القتل، الحديث

1.

(2)- الوسائل 19/ 112، الباب 8 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.

(3)- الوسائل 19/ 114 و 116، باب ثبوت القسامة ... و باب كيفية القسامة.

(4)- الوسائل 19/ 248، الباب 24 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(5)- الوسائل 19/ 300، الباب 1 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 149

17- خبر أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل قتل رجلا متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال: «إن كان له مال أخذت الدية من ماله و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، و إن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم.» و في رواية أخرى: «ثم للوالي بعد أدبه و حبسه.» «1»

18- مرسلة يونس، عن أحدهما انه قال في الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج الى أولياء المقتول من الدية: «ان الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال.» «2»

19- خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال في مكاتب قتل رجلا خطأ ... فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له، إنما ذلك على إمام المسلمين.» «3»

20- ما عن كتاب ظريف، عن أمير المؤمنين «ع» فيمن لم يكن له من يحلف معه و لم يوثق به على ما ذهب من بصره: «انه يضاعف عليه اليمين ... و الوالي يستعين في ذلك بالسؤال و النظر و التثبت في القصاص و الحدود و القود.» «4»

اعلم انا الى هنا مررنا على أبواب كتاب الوسائل مرورا إجماليا، فضبطنا منها كثيرا من الأخبار التي ذكر فيها لفظ الإمام، أو الوالي، أو السلطان، أو الحاكم، أو الأمير،

أو بيت المال، أو الجبر بالسيف، أو السجن أو نحو ذلك مما يستفاد منه إجمالا أن تشريع القوانين و الأحكام في الإسلام في الأبواب المختلفة كان على أساس حكومة إسلامية تكون وظيفتها إجراء هذه القوانين المختلفة و تنفيذها و لو بالقوة القاهرة.

و بالجملة فكما شرعت في الإسلام القوانين و الأحكام، شرّع فيه نظام الإجراء

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 302- 303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1 و 2.

(2)- الوسائل 19/ 302- 304، الباب 6 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 308، الباب 12 من أبواب العاقلة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 19/ 220، الباب 3 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 150

و التنفيذ أيضا. فالحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه. و قد ذكرنا ما ذكرناه في ثلاثة عشر فصلا، و لم نكن بصدد الاستقصاء، بل بصدد ذكر نماذج من الأبواب المختلفة. و الأولى ذكر نماذج من الفقه الإسلامي و فتاوى الأصحاب أيضا، و نكتفي فيها بالموارد التي لم نعثر فيها على رواية، و نجعل المرجع كتاب النهاية لشيخ الطائفة و كتاب الشرائع للمحقق الحلّي- طاب ثراهما- و نجعل هذا فصلا مستقلا، فنقول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 151

الفصل الرابع عشر في التعرض لبعض عبارات الفقهاء و فتاواهم التي علّق فيها الحكم على الإمام،

أو الوالي، أو السلطان، أو الحاكم أو نحو ذلك مما يشكل حمله على خصوص الإمام المعصوم

1- قال في النهاية:

«و قد يكون الأمر بالمعروف باليد، بأن يحمل الناس على ذلك بالتأديب و الردع و قتل النفوس و ضرب من الجراحات، إلّا أن هذا الضرب لا يجب فعله إلّا بإذن سلطان الوقت المنصوب للرئاسة ... و إنكار المنكر يكون بالأنواع الثلاثة التي ذكرناها،

فأمّا باليد فهو أن يؤدّب فاعله بضرب من التأديب: إما الجراح أو الألم أو الضرب، غير أن ذلك مشروط بالإذن من جهة السلطان حسب ما قدّمناه.» «1»

2- و في كتاب الأمر بالمعروف من الشرائع:

«و لو افتقر الى الجراح أو القتل هل يجب؟ قيل: نعم، و قيل: لا إلّا بإذن الإمام، و هو الأظهر.» «2»

أقول: لو توقف إجراء المعروف و الردع عن المنكر على الجراح و الضرب فهل يجبان مطلقا، أو يشترطان بالإذن من الإمام؟ وجهان، بل قولان: من إطلاق الأدلّة، و من أن الجواز بنحو الإطلاق لكل أحد يوجب الهرج و المرج بل و اختلال

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 300.

(2)- الشرائع 1/ 343.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 152

النظام في بعض المراحل.

و في خبر جابر، عن أبي جعفر «ع»: «فأنكروا بقلوبكم و ألفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم.».

و في خبر يحيى الطويل، عن أبي عبد اللّه «ع»: «ما جعل اللّه بسط اللسان و كفّ اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفان معا.»

فإطلاق هذين الخبرين و بعض الأخبار الأخر يقتضي عدم الاشتراط، فراجع الوسائل الباب 3 من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر «1». هذا.

و لو قيل بعدم اشتراط الوجوب و لكن الوجود يشترط غالبا بإذن الإمام و الحاكم- اذ الضرب و الجراح لا يحصلان إلّا على أساس القدرة، فيجب تحصيل الحكومة الحقة لتحصل القدرة على التنفيذ مع النظم- كان ذلك موافقا للتحقيق. فالإمام شرط للوجود، لا للوجوب. و تكون أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بكثرتها و تعاضدها و إطلاقها من أقوى الأدلة على وجوب إقامة الدولة الحقة، و الى ذلك اشار خبر يحيى الطويل. اذ المستفاد منه

ان المقصود من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يحصل إلّا بتحصيل القدرة و بسط اليد، اذ لا أثر غالبا للأمر و النهي المجردين اذا لم يتعقبهما إعمال القدرة مع التخلف، و اللّه- تعالى- أجلّ من أن يجعل حكما لا يترتب عليه خاصية و أثر. و التفصيل موكول الى محله.

و سيأتي البحث في مسألة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إدارة الحسبة في الفصل الخامس من الباب السادس، فانتظر.

3- و في كتاب التجارة من الشرائع:

«و أن يكون البائع مالكا أو ممن له أن يبيع عن المالك، كالأب و الجد للأب و الوكيل و الوصي و الحاكم و أمينه.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 403- 407، باب وجوب الأمر و النهي بالقلب ثم ...، الحديث 1 و 2 و ...

(2)- الشرائع 2/ 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 153

4- و فيه أيضا:

«و يجبر المحتكر على البيع و لا يسعّر عليه، و قيل: يسعّر. و الأول أظهر.» «1»

5- و في المتاجر من النهاية:

«و متى ضاق على الناس الطعام و لم يوجد إلّا عند من احتكره كان على السلطان أن يجبره على بيعه و يكرهه عليه.» «2»

6- و في كتاب الديون من النهاية:

«و من وجب عليه الدين لا يجوز له مطله و دفعه مع قدرته على قضائه، فإن مطل و دفع كان على الحاكم حبسه و إلزامه الخروج مما وجب عليه، فان حبسه ثم ظهر له بعد ذلك إعساره وجب تخليته، و إن لم يكن معسرا غير انه يدفع به جاز للحاكم أن يبيع عليه متاعه و عقاره و يقضي عنه ما وجب عليه. و ان كان من وجب عليه الدين و ثبت

غائبا وجب أيضا على الحاكم سماع البينة عليه و يجوز له أن يبيع عليه شيئا من أملاكه.» «3»

7- و في المكاسب من النهاية:

«تولّى الأمر من قبل السلطان العادل الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر الواضع الأشياء مواضعها جائز مرغب فيه، و ربما بلغ حد الوجوب.» «4»

8- و فيها أيضا:

«و متى تولى شيئا من أمور السلطان من الإمارة و الجباية و القضاء و غير ذلك من أنواع الولايات فلا بأس أن يقبل على ذلك الأرزاق و الجوائز و الصلات، فإن كان ذلك من جهة سلطان عادل كان ذلك حلالا له طلقا، و إن كان من جهة

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 21.

(2)- النهاية للشيخ/ 374.

(3)- النهاية للشيخ/ 305- 306.

(4)- النهاية للشيخ/ 356.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 154

سلطان الجور فقد رخّص له في قبول ذلك من جهتهم لأن له حظّا في بيت المال.» «1»

9- و فيها أيضا:

«و لا بأس بأخذ الأجر و الرزق على الحكم و القضاء بين الناس من جهة السلطان العادل حسب ما قدمناه، فأما من جهة سلطان الجور فلا يجوز إلّا عند الضرورة أو الخوف.» «2»

10- و في كتاب الرهن من الشرائع:

«و إذا وضعاه على يد عدل فللعدل ردّه عليهما أو تسليمه الى من يرتضيانه ...

و لو استترا قبضه الحاكم. و لو كانا غائبين و أراد تسليمه إلى الحاكم أو عدل آخر من غير ضرورة لم يجز و يضمن لو سلّم، و كذا لو كان أحدهما غائبا. و إن كان هناك عذر سلّمه الى الحاكم ... و لو خان العدل نقله الحاكم الى أمين غيره ... و إذا حلّ الأجل و تعذّر الأداء كان للمرتهن البيع إن كان وكيلا و

إلّا رفع أمره الى الحاكم ليلزمه بالبيع، فان امتنع كان له حبسه و له أن يبيع عليه ... اذا رهن مشاعا و تشاحّ الشريك و المرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم و آجره إن كان له أجرة ...

و لو طلب كل واحد منهما نقدا غير النقد الغالب و تعاسرا ردّهما الحاكم الى الغالب.» «3»

11- و في كتاب الحجر من الشرائع:

«لا يثبت حجر المفلس إلّا بحكم الحاكم، و هل يثبت في السفيه بظهور سفهه؟ فيه تردد، و الوجه أنه لا يثبت. و كذا لا يزول إلّا بحكمه.» «4»

12- و في الشركة من الشرائع:

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 357.

(2)- النهاية للشيخ/ 367.

(3)- الشرائع 2/ 80- 82، و 84- 85.

(4)- الشرائع 2/ 102.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 155

«فكل ما لا ضرر في قسمته يجبر الممتنع مع التماس الشريك للقسمة.» «1»

13- و في الوديعة منه:

«لا يبرأ المودع إلّا بردّها إلى المالك أو وكيله، فان فقدهما فإلى الحاكم مع العذر.» «2»

14- و في الوكالة منه:

«و ينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة عنهم.» «3»

15- و في الوكالة من النهاية:

«و للناظر في أمور المسلمين و لحاكمهم أن يوكل على سفهائهم و أيتامهم و نواقص عقولهم من يطالب بحقوقهم و يحتج عنهم و لهم.» «4»

16- و في الوصايا من الشرائع:

«لو أوصى الى العدل ففسق بعد موت الموصى أمكن القول ببطلان وصيته، لان الوثوق ربما كان باعتبار صلاحه فلم يتحقق عند زواله، فحينئذ يعز له الحاكم و يستنيب مكانه ... و لو أوصى الى اثنين ... و للحاكم جبرهما على الاجتماع فإن تعاسرا جاز له الاستبدال بهما ... و لو مرض أحدهما أو عجز ضم اليه الحاكم من

يقويه ... و لو ظهر للوصي عجز ضم اليه مساعد و ان ظهر منه خيانة وجب على الحاكم عزله و يقيم مكانه أمينا ... و كذا لو مات إنسان و لا وصي له كان للحاكم النظر في تركته.» «5»

______________________________

(1)- الشرائع 2/ 132.

(2)- الشرائع 2/ 167.

(3)- الشرائع 2/ 198.

(4)- النهاية للشيخ/ 317.

(5)- الشرائع 2/ 256- 257.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 156

17- و في النهاية:

«فإن ظهر من الوصي بعده خيانة كان على الناظر في أمر المسلمين أن يعزله و يقيم أمينا مقامه، و إن لم تظهر منه خيانة إلّا أنه ظهر منه ضعف و عجز عن القيام بالوصية كان للناظر في أمر المسلمين أن يقيم معه أمينا ضابطا يعينه.» «1»

18- و في النكاح من الشرائع:

«لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب و الجد للأب و ان علا و المولى و الوصي و الحاكم.» «2»

19- و في النكاح من النهاية:

«و متى لم يقم الرجل بنفقة زوجته و بكسوتها و كان متمكنا من ذلك ألزمه الإمام النفقة أو الطلاق.» «3»

20- و فيه أيضا:

«و إن تزوجت المرأة برجل على أنه صحيح فوجدته خصيا كانت بالخيار ... و على الإمام أن يعزّره لئلا يعود الى مثل ذلك.» «4»

21- و في النكاح من الشرائع:

«فإذا كان النشوز منهما و خشي الشقاق بعث الحاكم حكما من أهل الزوج و آخر من أهل المرأة.» «5»

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 607.

(2)- الشرائع 2/ 276.

(3)- النهاية للشيخ/ 475.

(4)- النهاية للشيخ/ 487- 488.

(5)- الشرائع 2/ 339.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 157

22- و في الطلاق من الشرائع:

«و لو لم يكن له (المجنون) وليّ طلق عنه السلطان أو من نصبه

للنظر في ذلك.» «1»

23- و في الطلاق من النهاية:

«فإن طلق الرجل امرأته و هو زائل العقل بالسكر أو الجنون أو المرّة أو ما أشبهها كان طلاقه غير واقع ... فإن لم يكن له وليّ طلق عنه الإمام أو من نصبه الإمام.» «2»

24- و في الظهار من الشرائع:

«العاشرة: إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض، و ان رفعت أمرها الى الحاكم خيّره بين التكفير و الرجعة أو الطلاق.» «3»

25- و في الطلاق من النهاية في حكم الإيلاء:

«فإذا فعل ذلك كانت المرأة بالخيار: إن شاءت صبرت عليه أبدا، و إن شاءت خاصمته الى الحاكم، فإن استعدت عليه أنظره الحاكم بعد رفعها إليه أربعة أشهر ... و إن أقام على عضلها و الامتناع من وطيها خيّره الحاكم ...، فإن أبى الرجوع و الطلاق جميعا و أقام على الإضرار بها حبسه الحاكم في حظيرة من قصب و ضيّق عليه في المطعم و المشرب ...» «4»

26- و في إحياء الموات من الشرائع:

«و لو اقتصر على التحجير و أهمل العمارة أجبره الإمام على أحد الأمرين: إما الإحياء، و إما التخلية بينهما و بين غيره. و لو امتنع أخرجها السلطان من يده

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 12.

(2)- النهاية للشيخ/ 509.

(3)- الشرائع 3/ 66.

(4)- النهاية للشيخ/ 527- 528.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 158

لئلا يعطلها.» «1»

27- و في المتاجر من النهاية (باب المزارعة و المساقاة):

«و من أخذ أرضا ميتة فأحياها كانت له و هو أولى بالتصرف فيها إذا لم يعرف لها ربّ، و كان للسلطان طسق الأرض.» «2»

28- و في اللقطة من الشرائع:

«و إذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به، و إلّا استعان بالمسلمين ...

الرابعة: اذا كان للمنبوذ ما افتقر

الملتقط في الإنفاق عليه الى إذن الحاكم ...

السادسة: عاقلة اللقيط الإمام اذا لم يظهر له نسب ... و في خطأه الدية على الإمام ... و يبرأ لو سلمه (البعير) الى صاحبه و لو فقده سلمه الى الحاكم ... و إن شاء دفعها (الشاة) الى الحاكم ليحفظها أو يبيعها و يوصل ثمنها الى المالك ...

الأولى: اذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة أنفق من نفسه و رجع به ...

و لو كانت (اللقطة) مما لا يبقى كالطعام قوّمه على نفسه و انتفع به، و إن شاء دفعه الى الحاكم ... و إن رأى الحاكم الحظ في بيعه و تعريف ثمنه جاز.» «3»

29- و في شهادات النهاية:

«و ينبغي للإمام أن يعزّر شهود الزور و يشهّرهم في أهل محلتهم لكي يرتدع غيرهم عن مثله في مستقبل الأوقات.» «4»

30- و في حدود النهاية:

«و إذا زنا اليهودي أو النصراني بأهل ملّته كان الإمام مخيرا بين إقامة الحدّ عليه بما تقتضيه شريعة الإسلام و بين تسليمه الى أهل دينه أو دين المرأة ليقيموا عليهم

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 275.

(2)- النهاية للشيخ/ 442- 443.

(3)- الشرائع 3/ 284- 286، و 289- 290، و 292.

(4)- النهاية للشيخ/ 336.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 159

الحدود على ما يعتقدونه.» «1»

31- و فيها أيضا:

«و اذا كان الذي وجب عليه الرجم قد قامت عليه به بيّنة كان أول من يرجمه الشهود ثم الإمام ثم الناس. و إن كان قد وجب عليه ذلك بالإقرار كان أول من يرجمه الإمام ثم الناس.» «2»

32- و فيها أيضا:

«من وطئ امرأة ميتة ... و إن كانت الموطوءة زوجته وجب عليه التعزير دون الحد الكامل حسب ما يراه الإمام في

الحال ... و من نكح بهيمة كان عليه التعزير بما دون الحد حسب ما يراه الإمام في الحال.» «3»

33- و فيها أيضا:

«و من بنّج غيره أو أسكره بشي ء احتال عليه في شربه أو أكله ثم أخذ ماله عوقب على فعله ذلك بما يراه الإمام و استرجع عنه ما أخذ ... و المحتال على أموال الناس بالمكر و الخديعة و تزوير الكتب و الشهادات الزور و الرسالات الكاذبة و غير ذلك يجب عليه التأديب و العقاب و أن يغرم ما أخذ بذلك على الكمال، و ينبغي للسلطان أن يشهّره بالعقوبة لكي يرتدع غيره عن فعل مثله.» «4»

34- و في الديات من النهاية:

«و إذا أمر إنسان حرّا بقتل رجل فقتله المأمور وجب القود على القاتل دون الآمر، و كان على الإمام حبسه ما دام حيّا.» «5»

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 696.

(2)- النهاية للشيخ/ 700.

(3)- النهاية للشيخ/ 708.

(4)- النهاية للشيخ/ 721- 722.

(5)- النهاية للشيخ/ 747.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 160

35- و فيها أيضا:

«و إذا قتل الذميّ مسلما عمدا دفع برمّته هو و جميع ما يملكه الى أولياء المقتول، فإن أرادوا قتله كان لهم ذلك و يتولّى ذلك عنهم السلطان، و إن أرادوا استرقاقه كان رقا لهم.» «1»

36- و فيها أيضا:

«من قلّب على رأس إنسان ماء حارّا فامتعط شعره فلم ينبت كان عليه الدية كاملة، فان نبت و رجع الى ما كان كان عليه أرشه حسب ما يراه الإمام.» «2»

فهذه بعض المسائل التي استخرجناها من كتابي النهاية و الشرائع التي أرجع فيها الحكم الى الحاكم، أو الوالي، أو الإمام، أو السلطان أو نحو ذلك، و كان بناؤنا في ذكر الفتاوى على الاقتصار على الموارد التي

لم نتعرض في الفصول السابقة لرواياتها، و إلّا لزادت على ذلك بكثير.

و أنت اذا تتبعت مصنفات الفريقين في الفقه أو في الحديث لا تجد مصنفا إلّا و يوجد فيه هذا السنخ من الأحاديث أو الفتاوى في غاية الكثرة. كما انك لا تجد فقيها من الفقهاء في عصر من الأعصار أو مصر من الأمصار لم يكن مرجعا لهذا السنخ من المسائل العامّة المرتبطة بقائد المسلمين و إمامهم.

و لم يكن غرضنا استقصاء الروايات و الفتاوى، فإنه يتوقف على فراغ واسع لا يتيسّر لي فعلا، بل كان الغرض ذكر نماذج من الأبواب المختلفة، فتدبر.

______________________________

(1)- النهاية للشيخ/ 748.

(2)- النهاية للشيخ/ 764.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 161

الفصل الثالث من الباب الثالث فيما يستدل به لضرورة الحكومة في جميع الأعصار

اشارة

اعلم أنا قد عقدنا الباب الأول من الكتاب فيما يقتضيه الأصل في مسألة الولاية، و الباب الثاني في بيان ولاية النبي «ص» و الأئمة المعصومين «ع»، و الباب الثالث لبيان لزوم الولاية و ضرورتها و وجوب الاهتمام بها في جميع الأعصار، و فصلنا هذا الباب بفصول اربعة:

تعرضنا في الفصل الأول منها لبعض الكلمات المشتملة على ادعاء الإجماع أو الاتفاق في المسألة.

و في الفصل الثاني مررنا مرورا اجماليا على الروايات و الفتاوى المعلقة فيها الأحكام على الإمام أو السلطان أو الوالي أو الحاكم أو نحو ذلك مما يستفاد منها اجمالا كون الولاية و الحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه. و قد اشتمل هذا الفصل على اربعة عشر فصلا، كما مرّ.

فالآن نعقد الفصل الثالث من الباب لبيان ما يستدل به على لزوم الحكومة و ضرورتها في جميع الأعصار و نذكر لذلك عشرة أدلة:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 162

الدليل الأول: [تشريعات الإسلام و قوانينه تشهد على لزوم الحكومة]

انه قد حصلت لنا من السبر الإجمالي للأخبار و الفتاوى نتيجتان:

الأولى: ان دين الإسلام ليس كما يزعمه بعض البسطاء السذّج من المسلمين، بل و بعض السذّج من علماء الدين أيضا- نتيجة لإلقاءات المستعمرين و عملائهم- ليس منحصرا في عدّة أعمال عبادية و آداب و مراسيم شخصية فقط، بل هو نظام واسع كافل لجميع ما يحتاج اليه الإنسان و يواجهه في معاشه و معاده من بدو تكوّنه الى آخر مراحل حياته من المصالح الفردية و الاجتماعية، و ما يجب أو ينبغي أن يكون عليه الإنسان في قبال خالقه و عائلته و بيئته، و علاقاته الاقتصادية و السياسية و روابط الحاكم و الرعية و علاقته مع سائر الأمم و نحو ذلك.

الثانية: ان الإسلام ليس

ينحصر في التقنين و التشريع فقط من دون التفات الى القوّة المنفّذة و شرائطها، بل شرّعت أحكامه و مقرراته على أساس الحكومة الصالحة العادلة التي تقدر على إجراء المقررات و تنفيذها. فاشتبك فيه التقنين و التنفيذ معا و كانت الحكومة الصالحة المنفذة للقوانين من أهم برامجه و داخلة في نسجه و نظامه، بنحو يوجب تعطيل الحكومة تعطيل الأحكام و إهمالها. فيجب على المسلمين الاهتمام بأمر الحكومة. و قد تحصّلت لك هاتان النتيجتان من سبر الأخبار و الفتاوى و الدقة فيها، كما مرّ.

و لو فرض المناقشة في استفادة تعيّن الحكومة من الفتاوى المذكورة فيها ألفاظ الإمام و الحاكم و نحوهما باحتمال ان يكون كلام الفقهاء من باب رعاية الاحتياط و الأخذ بالمتيقن، اذ الموارد من الأمور الحسبية المطلوبة على كل حال و يجوز لكل مؤمن التصدّي لها و إعمالها، فلا تسري المناقشة الى الأخبار الكثيرة التي تعرضنا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 163

لبعضها، اذ دلالتها على تعيّن الإمام و الحاكم بشرائطه و كونه المرجع في الأمور مما لا اشكال فيه.

و يشهد لذلك أيضا جميع الآيات القرآنية المشتملة على أحكام سياسية عامّة خوطب بها الجميع مع احتياج تنفيذها الى القدرة و بسط اليد، كقوله- تعالى-:

«إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. الآية.» «1»

و قوله: «وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ.» «2»

و قوله: «الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ.» «3»

و قوله: «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى

الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ، فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا.» «4»

و قوله: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لٰا تَعْلَمُونَهُمُ، اللّٰهُ يَعْلَمُهُمْ.» «5»

و قوله: «وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ.» «6»

الى غير ذلك من الآيات الكثيرة الواردة في القتال و الدفاع.

إذ هذه الأحكام التي لا ترتبط بشخص خاصّ و يكون المطلوب أصل وجودها و تحققها، و إن كانت خوطب بها جميع المسلمين، و لكن حيث يتوقف تنفيذها على بسط اليد و القدرة فلا محالة يكون المأمور بها و المنفذ لها هو الحاكم الذي يتبلور فيه جميع الأمّة، و يكون ممثلا لهم و بيده القيادة و الزعامة.

و يشير الى هذا المعنى قوله «ص»: «الخير كلّه في السيف و تحت ظل السيف و لا يقيم

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 33.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 38.

(3)- سورة النور (24)، الآية 2.

(4)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

(5)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

(6)- سورة الأنفال (8)، الآية 39.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 164

الناس الّا السيف.» «1»

اذ السيف كناية عن القوة و القدرة.

و النبي الأكرم «ص» أيضا بعد ما هاجر الى المدينة قد باشر بنفسه إقامة الدولة الإسلامية و عقد بين الطوائف و القبائل من المسلمين و بينهم و بين يهود المدينة اتفاقيات و معاهدات، كما شهدت بذلك التواريخ. و بعث العمّال و القضاة و الجباة لأخذ الزكوات و جنّد الجنود و قاتل المشركين و الناقضين للعهود من اليهود و غيرهم.

و قد ضبط المؤرخون و أرباب الحديث عنه

«ص» أكثر من سبعين غزوة و سرية.

و راسل الأمراء و الملوك و دعاهم الى قبول الإسلام و الدخول تحت لوائه. و استمرّت هذه السيرة بعد أيضا، كما هو واضح.

و بالجملة نفس تشريعات الإسلام و قوانينه تشهد على لزوم دولة و حكومة إسلامية تحفظها و تنفذها و عليه كان العمل في عصر النبي «ص» و كذا بعده. اللهم إلّا أن يدعى إهمال القوانين و نسخها في عصر الغيبة و ان طالت ما طالت، و ان اللّه ترك عنايته بالإسلام و المسلمين جميعا بسبب غيبة إمام العصر- عجل اللّه تعالى فرجه الشريف، فليتعطل الإسلام و ليترك المسلمون مغلوبين مقهورين تحت سلطات الكفار و الجائرين بلا حكومة صالحة حتى يظهر صاحب الأمر «ع» فيجدد الإسلام من رأس. فهل يمكن الالتزام بأن هذا حكم اللّه و التكليف الشرعي؟!

قال السيد الأستاذ، الإمام الخميني- مدّ ظلّه العالي- في محاضراته في الحكومة الإسلامية:

«مجموعة القوانين لا تكفي لإصلاح المجتمع. و لكي يكون القانون مادة لإصلاح و إسعاد البشر فانه يحتاج الى السلطة التنفيذية. لذا فان اللّه- عزّ و جلّ- قد جعل في الأرض الى جانب مجموعة القوانين حكومة و جهاز تنفيذ و إدارة. الرسول الأعظم «ص» كان يترأس جميع أجهزة التنفيذ في إدارة المجتمع الإسلامي ... و في

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 165

الحق ان القوانين و الأنظمة الاجتماعية بحاجة الى منفّذ. في كل دول العالم لا ينفع التشريع وحده، و لا يضمن سعادة البشر، بل ينبغي أن تعقب سلطة التشريع سلطة التنفيذ. فهي وحدها التي تنيل الناس ثمرات التشريع العادل. لهذا قرر الإسلام إيجاد سلطة

التنفيذ الى جانب سلطة التشريع، فجعل للأمر وليا للتنفيذ الى جانب تصدّيه للتعليم و النشر و البيان.» «1»

أقول: و قد بلغ اهتمام الإسلام بالإمامة و الحكومة حدّا ورد أنه لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان الإمام أحدهما. «2»

و لا يخفى أن الدولة المعتمدة على الفطرة و الاعتقاد الديني الثابت في أعماق القلب أتقن الحكومات و أحكمها، فان الاعتقاد القلبي ضامن لحفظها و احترام مقرراتها و ليس كذلك الحكومات الدارجة المعتمدة على التغلب و القهر، فتدبر.

و اعلم أن استيحاش أكثر الناس و تنفرهم من ألفاظ الملك و الحكومة و السلطنة و نحوها إنّما هو أمر عارض ناشئ عن ابتلائهم في أكثر الأعصار و الأمصار بالحكومات الظالمة المستبدّة أو غير اللائقة لإدارة شئون الأمة، و إلّا فأصل الملك أمر ممدوح مرغوب فيه عقلا و شرعا، كتابا و سنة إذا كانت الحكومة صالحة عادلة حائزة لرضا الأمة حافظة لحقوقها ملتزمة بتنفيذ القوانين المقبولة لدى الأمّة.

قال اللّه- تعالى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ.» «3»

و قال في قصة بني اسرائيل: «إِنَّ اللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً.» «4»

______________________________

(1)- الحكومة الإسلامية/ 23.

(2)- الكافي 1/ 180، كتاب الحجة، باب أنه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان ...، الحديث 5.

(3)- سورة الحج (22)، الآية 41.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 247.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 166

و قال: «وَ قَتَلَ دٰاوُدُ جٰالُوتَ وَ آتٰاهُ الهُٰ ل الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ.» «1»

و قال حكاية عن يوسف: «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحٰادِيثِ.» «2»

و قال: «فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ

الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ، وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.» «3»

و قال حكاية عن سليمان: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لٰا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي.» «4»

و في داود: «وَ شَدَدْنٰا مُلْكَهُ وَ آتَيْنٰاهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطٰابِ.» «5»

و قال: «وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ: يٰا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ، إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيٰاءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً.» «6»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 166

الى غير ذلك من الآيات الدالة على فضل الملك و كونه من أعظم نعم اللّه على عباده.

و الأخبار في ذلك كثيرة يصعب إحصاؤها. و يكفيك في ذلك ما عن أمير المؤمنين «ع»: «إمام عادل خير من مطر وابل.» «7»

و عنه أيضا: «أفضل ما منّ اللّه سبحانه به على عباده علم و عقل و ملك و عدل.» «8»

و عنه أيضا: «ليس ثواب عند اللّه- سبحانه- أعظم من ثواب السلطان العادل و الرجل المحسن.» «9»

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 251.

(2)- سورة يوسف (12)، الآية 101.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 54.

(4)- سورة ص (38)، الآية 35.

(5)- سورة ص (38)، الآية 20.

(6)- سورة المائدة (5)، الآية 20.

(7)- الغرر و الدرر 1/ 386، الحديث 1491.

(8)- الغرر و الدرر 2/ 439، الحديث 3205.

(9)- الغرر و الدرر 5/ 90، الحديث 7526.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 167

و عن حفص بن عون رفعه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عدل (عادل:

خ. ل) أفضل من عبادة سبعين سنة، و حدّ يقام للّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.»

«1»

الى غير ذلك من الأخبار المروية في كتب الفريقين، فراجع.

و في مقدمة ابن خلدون:

«و اعلم ان الشرع لم يذم الملك لذاته و لا حظر القيام به، و إنما ذمّ المفاسد الناشئة عنه من القهر و الظلم و التمتع باللذات، و لا شك ان في هذه مفاسد محظورة.» «2»

الدليل الثاني: ان النظام و الحكومة امر ضروري للبشر،

و ان حياتهم في جميع مراحلها و أدوارها حتى في العصور الحجرية و في الغابات لم تخل من قانون و حكومة ما، فإن الإنسان مدني بالطبع و لا تتم حياته و معيشته إلّا في ظلّ الاجتماع و التعاون و المبادلات، و له شهوات و غرائز و ميول مختلفة من حبّ الذات و المال و الجاه و الحرية المطلقة في جميع ما يريده و يهواه، و لا محالة يقع التزاحم و الصراع و التضارب بين الأفكار و الأهواء فلا بدّ له من قوانين و مقررات، و من قوة و قدرة نافذة محدّدة منفذة للمقررات حافظة للنظام و مانعة من التعدّي و التكالب و حافظة للثغور و الأطراف.

و لا نعني بالحكومة و الولاية إلّا هذه. بل الحيوانات أيضا تحتاج الى نحو من هذا النظم و القدرة، كما نشاهد ذلك في أنواع النمل و النحل و نحوهما.

و لو فرض محالا أو نادرا تحقق الرشد الأخلاقي و الثقافة الكاملة في جميع أفراد البشر و التناصف و الإيثار بينهم، فالاحتياج الى نظام يدبر أمورهم الاجتماعية و يؤمّن حاجاتهم من جلب الأرزاق و تأمين الأمور الصحية و التعليم و التربية

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

(2)- مقدمة ابن خلدون/ 135 (طبعة أخرى/ 192)، الفصل 26 من الفصل 3 من الكتاب الأول.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 1، ص: 168

و المواصلات و المخابرات و إيجاد الطرق و الشوارع و سائر المؤسّسات الرفاهية و جباية الضرائب لتأمينها ممّا لا يقبل الإنكار. و لا يختص هذا بمصر دون مصر أو عصر دون عصر أو ظرف دون ظرف.

فما عن أبي بكر الأصم من عدم الاحتياج الى الحكومة اذا تناصفت الأمة و لم تتظالم، و ما عن ماركس من عدم الاحتياج اليها بعد تحقق الكمون المترقي للبشر و ارتفاع الاختلاف الطبقي بينهم واضح الفساد.

قال ابن أبي الحديد في شرح الخطبة الأربعين من نهج البلاغة:

«قال المتكلمون: الإمامة واجبة إلّا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء أصحابنا انها غير واجبة اذا تناصفت الأمة و لم تتظالم ... فأما طريق وجوب الإمامة ما هي فإن مشايخنا البصريين يقولون: طريق وجوبها الشرع و ليس في العقل ما يدلّ على وجوبها. و قال البغداديون و أبو عثمان الجاحظ من البصريين و شيخنا أبو الحسين ان العقل يدلّ على وجوب الرئاسة. و هو قول الامامية.» «1»

و كيف كان فالإمامة بالمعنى الأعم ضرورة للبشر في جميع الأعصار، و بقاء الأمة ببقاء الإمامة. فلا يجوز للشارع الحكيم اللطيف بالأمة الإسلامية إهمال هذه المهمة و عدم تعيين وظيفة المسلمين بالنسبة الى أصلها و شرائطها و حدودها حتّى بالنسبة الى عصر الغيبة، لعدم تفاوت الأزمنة في ذلك.

و في موثقة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر «ع» قال: «خطب رسول اللّه «ص» في حجة الوداع فقال: «يا أيها الناس، و اللّه ما من شي ء يقرّبكم من الجنة و يباعدكم من النار إلا و قد أمرتكم به. و ما من شي ء يقرّبكم من النار و يباعدكم من الجنة إلّا و قد نهيتكم عنه. الحديث.»

«2»

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال أمير المؤمنين «ع»:

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 308.

(2)- الكافي 2/ 74، كتاب الإيمان و الكفر باب الطاعة و التقوى، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 169

«الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج اليه.» «1»

و قد عقد الكليني في أصول الكافي بابا سمّاه: «باب الردّ الى الكتاب و السنة، و انه ليس شي ء من الحلال و الحرام و جميع ما يحتاج الناس اليه إلّا و قد جاء فيه كتاب أو سنّة»، و ذكر في هذا الباب روايات كثيرة:

منها: خبر مرازم، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ان اللّه- تبارك و تعالى- أنزل في القرآن تبيان كل شي ء، حتى و اللّه ما ترك اللّه شيئا يحتاج اليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلّا و قد أنزله اللّه فيه.» «2»

و منها: خبر عمر بن قيس، عن أبي جعفر «ع» قال: سمعته يقول: «ان اللّه- تبارك و تعالى- لم يدع شيئا يحتاج اليه الأمة إلّا أنزله في كتابه و بينه لرسوله «ص» و جعل لكل شي ء حدّا و جعل عليه دليلا يدلّ عليه و جعل على من تعدّى ذلك الحد حدّا.» «3»

فعليك بالدقة في لفظ الأمة، و هل تبقى الأمة بلا دولة و إمامة؟

و منها: خبر سليمان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ما خلق اللّه حلالا و لا حراما إلّا و له حدّ كحدّ الدار، فما كان من الطريق فهو من الطريق، و ما كان من الدار فهو من الدار حتى أرش

الخدش فما سواه، و الجلدة و نصف الجلدة.» «4»

و منها: خبر حماد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: «ما من شي ء إلّا و فيه كتاب أو سنّة.» «5»

و منها: خبر معلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد اللّه: «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا

______________________________

(1)- التهذيب 6/ 319، باب في الزيادات في القضايا و الأحكام، الحديث 86.

(2)- الكافي 1/ 59، الحديث 1.

(3)- الكافي 1/ 59، الحديث 2.

(4)- الكافي 1/ 59، الحديث 3.

(5)- الكافي 1/ 59، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 170

و له أصل في كتاب اللّه- عزّ و جلّ- و لكن لا تبلغه عقول الرجال.» «1» الى غير ذلك من الأخبار.

فإذا فرض أن الإسلام لم يهمل مثل أرش الخدش و الجلدة و نصف الجلدة فكيف يهمل ما فيه نظام أمر الأمّة بعد النبي «ص» أو في عصر الغيبة؟!

إن قيّم قرية صغيرة إذا أراد أن يسافر سفرا موقّتا فهو بطبعه و وجدانه يعيّن مرجعا للأمور يرجع اليه في غيابه، فهل كان النبي «ص» و هو عقل الكل أقل التفاتا و حرصا على حفظ الإسلام الذي صرف فيه طاقاته و طاقات المسلمين مدى عمره الشريف؟!

و قد ورد عنه «ص» في أهمية الوصايا الشخصية بالنسبة الى أموال و أمور جزئية انه قال: «من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية.» «2»

و قال: «ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين و له شي ء يوصى فيه إلّا و وصيته مكتوبة عنده.» «3»

فهل لم يكن أهمية حفظ الإسلام و بسطه و تنفيذ مقرراته الى يوم القيامة في نظر النبي «ص» بمقدار أهمية الوصايا الشخصية في الأمور الجزئية؟!

و قد ورد من طرق الفريقين

أن قوله- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ، بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ، وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ» «4» قد نزلت في قصّة الغدير و نصب أمير المؤمنين «ع»:

منها: ما في الدر المنثور:

«أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري، قال:

نزلت هذه الآية: «يا أيها الرسول، بلّغ ما انزل إليك من ربك» على رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 60، الحديث 6.

(2)- الوسائل 13/ 352، الباب 1 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 8.

(3)- سنن ابن ماجة 2/ 901، كتاب الوصايا، الباب 2، الحديث 2699.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 171

يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.» «1»

و في خبر عمران بن حصين عنه «ص»: «ما تريدون من عليّ، ما تريدون من عليّ، ما تريدون من عليّ؟ إن عليّا منّي و أنا منه، و هو وليّ كلّ مؤمن من بعدي.» «2»

و لا يخفى ان قوله «ص»: «من بعدي» ينفي احتمال كون الولاية بمعنى المحبة، و يعين كونها بمعنى الإمامة. و قد مرّ تفصيل ذلك في الباب الثاني.

و قد تواتر عنه «ص» من طرق الفريقين حديث الثقلين المشتمل على إرجاع الأمة بعده الى الكتاب و العترة و إيجاب التمسك بهما، فراجع مظانه. و يظهر بذلك الحديث كون العترة أعلم الناس و أفقههم، و سيجي ء بيان أن الأعلم متعين للإمامة.

و بالجملة، الحكومة و الإمامة و حفظ النظام ضرورة للبشر في جميع الأعصار.

فلا يظن بالشارع الحكيم إهمالها و عدم التعرض لها و لحدودها و شروطها. و ما ذكرناه الى هنا يكفي لإثبات المطلوب، فليجعل الأخبار و

الأدلة الآتية مؤيدات أو مؤكدات فلا يضرنا ضعف بعضها من جهة السند، فتدبر.

الدليل الثالث: [حكمة وجود الإمام]

ما رواه الصدوق في العيون و العلل عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن أبي الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري، عن الفضل بن شاذان و رواه أيضا عن أبي محمد جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبي عبد اللّه محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان في حديث طويل في العلل و فيه: «فان

______________________________

(1)- الدرّ المنثور 2/ 298.

(2)- سنن الترمذي 5/ 296، باب مناقب علي بن أبي طالب من أبواب المناقب، الحديث 3796.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 172

قال: فلم جعل أولي الأمر و أمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة:

منها: ان الخلق لما وقفوا على حد محدود و أمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدّي و الدخول فيها حظر عليهم. لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذّته و منفعته لفساد غيره. فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الأحكام.

و منها: أنا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا الّا بقيّم و رئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين و الدنيا فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم انه لا بدّ لهم منه و لا قوام لهم إلّا به فيقاتلون به عدوهم و يقسمون به فيئهم و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم.

و منها: انه لو لم يجعل لهم إماما قيما

أمينا حافظا مستودعا لدرست الملّة و ذهب الدين و غيرت السنة (السنن- العلل) و الأحكام، و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبّهوا ذلك على المسلمين. لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت أنحائهم (حالاتهم- العلل.) فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول «ص» لفسدوا على نحو ما بيّنا و غيرت الشرائع و السنن و الأحكام و الايمان و كان في ذلك فساد الخلق اجمعين.

الحديث.» «1»

و في آخر الحديث ان علي بن محمد بن قتيبة قال للفضل بن شاذان:

«أخبرني عن هذه العلل ذكرتها عن الاستنباط و الاستخراج و هي من نتائج العقل أو هي مما سمعته و رويته؟ فقال لي: ما كنت لأعلم مراد اللّه- عزّ و جلّ- بما فرض و لا مراد رسوله «ص» بما شرّع و سنّ و لا أعلل ذلك من ذات نفسي، بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا «ع» المرة بعد المرة و الشي ء بعد الشي ء فجمعتها. فقلت: فأحدّث بها عنك عن الرضا «ع»؟ قال: نعم.» و قال لمحمد بن شاذان: «سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا «ع» متفرقة فجمعتها و ألّفتها.» «2»

______________________________

(1)- عيون اخبار الرضا (من نسخة مخطوطة مصححة)، الباب 34، الحديث 1، و علل الشرائع 1/ 95 (طبعة أخرى 1/ 253)، الباب 182، الحديث 9.

(2)- عيون أخبار الرضا 2/ 121، الحديث 2 و 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 173

أقول: قال الشيخ في الفهرست:

«الفضل بن شاذان النيشابوري فقيه متكلم جليل القدر، له كتب و مصنفات.» «1»

و عدّه في رجاله من أصحاب الهادي

و العسكري- عليها السلام- و أباه شاذان من أصحاب الجواد «ع» «2».

و في تنقيح المقال عن النجاشي:

«له جلالة في هذه الطائفة، و هو في قدره أشهر من أن نصفه.»

و عن الكشي:

انه صنف مأئة و ثمانين كتابا «3».

و بالجملة التشكيك في الفضل بلا وجه مع ما فيه من كثرة الفضل.

و امّا عبد الواحد و ابن قتيبة فمختلف فيهما:

وثّقهما بعض و مدحهما آخرون و ضعّفهما بعض «4».

و يظهر من الصدوق الاعتماد عليهما. و كذا جعفر بن نعيم «5»، فانه يروى عنه مترضيا عليه.

و أما محمد بن شاذان فعدّه ابن طاوس من وكلاء الناحية المقدسة. قالوا:

و كفى هذا في وثاقته «6».

نعم، هنا شي ء و هو أن الفضل على ما ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الهادي و العسكري «ع» فكيف روى عن الرضا «ع»؟! اللهم الا ان يقال: ان اشتهاره كان في عصرهما، و لا ينافي ذلك كونه مدركا للرضا «ع» في عهد شبابه و كان ممن يحضر مجلسه «ع» في خراسان و يستفيد من كلماته الشريفة.

و عن الكشي:

______________________________

(1)- الفهرست للشيخ/ 124. (ط. اخرى/ 150).

(2)- رجال الشيخ/ 420 و 434 و 402.

(3)- تنقيح المقال 2/ 9 من باب الفاء.

(4)- تنقيح المقال 2/ 233 و 2/ 308.

(5)- تنقيح المقال 1/ 228.

(6)- تنقيح المقال 3/ 130.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 174

انه يروي عن جماعة، و عدّ منهم ابن أبي عمير و صفوان و ابن محبوب و ابن بزيع من الطبقة السادسة أصحاب الرضا «ع» «1».

فلا مانع من روايته عنه «ع» أيضا. و قد توفي هو في سنة 260، و الإمام الثامن- عليه السلام- في سنة اثنتين او ثلاث او ست بعد المائتين. هذا

ما يرتبط بسند الحديث إجمالا.

و أما فقه الحديث فالظاهر أن موضوع سؤال السائل هو إمامة الأئمة الاثنى عشر، و لكن عموم التعليلات الواقعة في كلام الإمام «ع» يشمل جميع الأعصار. فيدل الحديث الشريف على لزوم الحكومة في عصر الغيبة أيضا.

فحكمة وجود الامام و فائدته على ما ذكره الإمام «ع» كثيرة، ذكر منها ثلاثة:

الأولى: إجراء أحكام الإسلام و المنع عن التعدّي عنها. الثانية: كون وجود الإمام ضروريّا للناس في حياتهم و عيشتهم الدينية و الدنيوية. الثالثة: كونه حافظا للأحكام عن التغيير و التحريف و الاندراس.

فنقول: هل لا توجد هذه العلل الثلاث في عصر الغيبة؟ و هل يصير الناس في عصر الغيبة ملائكة لا يحتاجون الى قيّم ينظّم أمورهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم و يقاتلون به عدوّهم و يمنعهم من التعدّي و الدخول فيما حظر عليهم؟!

الدليل الرابع: [دلالة حديث التحكيم]

ما في نهج البلاغة، قال: و من كلام له- عليه السلام- في الخوارج لما سمع قولهم: «لا حكم الّا للّه»، قال- عليه السلام-: «كلمة حقّ يراد بها الباطل. نعم، انه لا حكم إلّا للّه و لكن هؤلاء يقولون: لا إمرة الّا للّه و انه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر،

______________________________

(1)- تنقيح المقال 2/ 11 من باب الفاء، و اختيار معرفة الرجال/ 543.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 175

يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر و يبلغ اللّه فيها الأجل و يجمع به الفي ء و يقاتل به العدوّ و تأمن به السبل و يؤخذ به للضعيف من القويّ حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر.»

و في رواية أخرى: انه- عليه السلام- لما سمع تحكيمهم قال: «حكم اللّه انتظر فيكم»، و قال: «أمّا

الإمرة البرّة فيعمل فيها التقيّ، و أمّا الإمرة الفاجرة فيتمتّع فيها الشقيّ الى ان تنقطع مدّته و تدركه منيّته.» «1» انتهى ما في نهج البلاغة.

و قال المبرّد في الكامل: «و لما سمع عليّ «ع» نداءهم لا حكم إلّا للّه، قال:

كلمة عادلة يراد بها جور. إنما يقولون لا إمارة، و لا بدّ من إمارة برّة أو فاجرة.» «2»

و في كنز العمال عن البيهقي، عن عليّ «ع» قال: «لا يصلح الناس الا أمير برّ أو فاجر. قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا البرّ فكيف بالفاجر؟ قال: ان الفاجر يؤمن اللّه به السبيل و يجاهد به العدوّ و يجبى به الفي ء و يقام به الحدود و يحجّ به البيت و يعبد اللّه فيه المسلم آمنا حتى يأتيه أجله.» «3»

و في مصنف ابن أبي شيبة بسنده عن أبي البختري، قال: دخل رجل المسجد فقال: لا حكم إلّا للّه، فقال عليّ «ع»: لا حكم الا للّه، ان وعد اللّه حق و لا يستخفنّك الذين لا يوقنون. فما تدرون ما يقول هؤلاء؟ يقولون: لا إمارة. أيها الناس، انه لا يصلحكم الّا أمير برّ أو فاجر. قالوا: هذا البر قد عرفناه فما بال الفاجر؟ فقال: يعمل المؤمن و يملى للفاجر و يبلغ اللّه الأجل و تأمن سبلكم و تقوم اسواقكم و يقسم فيئكم و يجاهد عدوّكم و يؤخذ للضعيف من القوى أو قال من الشديد منكم.» «4»

و رواه عنه في كنز العمّال «5».

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 125؛ عبده 1/ 87؛ لح/ 82، الخطبة 40.

(2)- الكامل في اللغة و الأدب للمبرد 2/ 131.

(3)- كنز العمال 5/ 751، الباب الثاني من كتاب الخلافة، الحديث 14286.

(4)- المصنف 15/ 328، كتاب الجمل، الحديث 19777.

(5)- كنز العمال 11/

319، كتاب الفتن من قسم الأفعال، الحديث 31618.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 176

أقول: قول الخوارج: «لا حكم إلّا للّه» كان شعارا اتخذوه في صفين و استمرّ منهم بعد ذلك. و حقّية ذلك من جهة ان اللّه- تعالى- اذا أراد شيئا وقع لا محالة لا رادّ لحكمه و لا دافع لقضائه، فيراد بالحكم الحكم التكويني، أو من جهة ان اللّه- تعالى- هو شارع الأحكام و جاعلها و أن حكم الأمير الحق أيضا يرجع الى حكم اللّه لتطبيقه الأحكام الكلية على الموارد أو لإيجاب اللّه- تعالى- إطاعته.

و أما إرادتهم الباطل فلقصدهم إبطال جعل الحكمين و تفويض الأمر اليهما شرعا، و إنكار إمارة أمير المؤمنين «ع» و لذا قالوا له في صفين: «الحكم للّه يا عليّ لا لك». «1»

و قوله «ع»: «أو فاجر» لا يريد به شرعية إمارة الفاجر، بل بيان تقدمها عقلا على الهرج و المرج.

و في شرح ابن ميثم البحراني عن رسول اللّه «ص»: «الإمام الجائر خير من الفتنة.»

و عنه «ص» أيضا: «ان اللّه ليؤيد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم في الآخرة.» و روي:

«بالرجل الفاسق.» «2»

و في الغرر و الدرر للآمدي عن أمير المؤمنين «ع»: «وال ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.» «3»

و في البحار عن كنز الكراجكي، عن أمير المؤمنين «ع»: «أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، و سلطان ظلوم خير من فتن تدوم.» «4»

و قوله «ع»: «يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر» يحتمل فيه اللف و النشر المرتّب، و يحتمل رجوع الجميع الى الإمرة الفاجرة، و يحتمل رجوع الجميع الى مطلق الإمرة، و يحتمل أن يراد بقوله: «يعمل في إمرته المؤمن» صيرورة المؤمن عاملا

من قبله

______________________________

(1)- وقعة صفين/ 513.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن ميثم 2/ 103.

(3)- الغرر و الدرر 6/ 236، الحديث 10109.

(4)- بحار الأنوار 72/ 359 (طبعة إيران 75/ 359)، الباب 81 من كتاب العشرة، الحديث 74.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 177

فيعدل في الرعية، كما اتفق لعليّ بن يقطين في إمارة هارون.

و قوله: «يستريح برّ» أي بما ذكر من الأمور أو بموته. و قوله: «يستراح من فاجر» أي بما ذكر أو بموت الفاجر أو عزله.

و الظاهر ان كلمة «تحكيمهم» مصدر جعليّ يراد به قولهم: «لا حكم الّا للّه» كلفظ التهليل مثلا.

و كيف كان فدلالة الحديث على لزوم الدولة و ضرورتها في جميع الأعصار و الأمصار واضحة لا ريب فيها. و لا يجوز الناس ترك الاهتمام بها، بل يجب تحقيقها و إطاعتها و تأييدها بشرائطها، فتدبر.

الدليل الخامس: [دلالة رواية النعماني على لزوم إمام]

ما في المحكم و المتشابه، عن تفسير النعماني، عن أمير المؤمنين «ع» قال: «و الأمر و النهي وجه واحد، لا يكون معنى من معاني الأمر إلّا و يكون بعد ذلك نهي، و لا يكون وجه من وجوه النهي إلّا و مقرون به الأمر. قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ.» «1» فاخبر- سبحانه- ان العباد لا يحيون إلّا بالأمر و النهي، كقوله- تعالى-: «وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ.» «2» و مثله قوله- تعالى-: «ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ.» «3» فالخير هو سبب البقاء و الحياة.

و في هذا أوضح دليل على انه لا بدّ للأمة من إمام يقوم بأمرهم فيأمرهم و ينهاهم و يقيم فيهم الحدود و يجاهد فيهم العدوّ و يقسم

الغنائم و يفرض الفرائض و يعرفهم أبواب ما فيه صلاحهم و يحذّرهم ما فيه مضارّهم، اذ كان الأمر و النهي أحد أسباب بقاء الخلق و إلّا سقطت الرّغبة

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 24.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 179.

(3)- سورة الحج (22)، الآية 77.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 178

و الرهبة و لم يرتدع، و لفسد التدبير و كان ذلك سببا لهلاك العباد. فتمام أمر البقاء و الحياة في الطعام و الشراب و المساكن و الملابس و المناكح من النساء و الحلال و الحرام الأمر و النهي، اذ كان- سبحانه- لم يخلقهم بحيث يستغنون عن جميع ذلك و وجدنا أول المخلوقين و هو آدم- عليه السلام- لم يتم له البقاء و الحياة الا بالأمر و النهي. الحديث.» «1»

و دلالة الرواية على لزوم إمام و حاكم متصد للأمر و النهي و إجراء الأحكام في جميع الأعصار، و أن بقاء الخلق متوقف على ذلك واضحة.

و اعلم ان المحدث المجلسي- طاب ثراه- نقل جميع الكتاب في كتاب القرآن من البحار «2». و ظاهره كون جميع الكتاب رواية عن أمير المؤمنين «ع» و ذكر ذلك في أول البحار أيضا. و قال في كتاب القرآن بعد نقل الكتاب انه وجد رسالة قديمة منسوبة في أولها الى سعد الأشعري، ذكر فيها مطالب هذا الكتاب مروية عن أمير المؤمنين «ع» و لكنه غير فيها الترتيب و زيد فيها بعض الأخبار «3».

هذا و لكن سبك الكتاب ربما يشهد بكونه من مؤلفات أحد علمائنا مازجا كلامه بالروايات. و يشتمل الكتاب على أمور لا يمكن الأخذ بها، فراجع و تأمّل جيدا.

الدليل السادس: ما في كتاب سليم بن قيس الهلالي

في جواب كتاب معاوية حيث طلب من أمير المؤمنين

«ع» قتلة عثمان ليقتلهم «فلما قرأ عليّ «ع» كتاب معاوية و بلّغه أبو الدرداء و أبو هريرة رسالته و مقالته قال عليّ- عليه السلام- لأبي الدرداء:

______________________________

(1)- المحكم و المتشابه/ 50، و بحار الأنوار 90/ 40 (طبعة إيران 93/ 40). و اعتمدنا في النقل على البحار، لأنه أصح ظاهرا، فراجع. و في نسخة البحار «يجاهد العدو» بدل «يجاهد فيهم العدو» و «في امر» بدل «فتمام امر» و «و الامر و النهى اذ كان» بدل «الامر و النهى اذ كان».

(2)- بحار الأنوار 90/ 1- 97 (طبعة إيران 93/ 1- 97)، الباب 128 من كتاب القرآن

(3)- بحار الأنوار 90/ 97 (طبعة إيران 93/ 97.).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 179

قد بلغتماني ما أرسلكما به معاوية، فاسمعا منّي ثم أبلغاه عنّي و قولا له: ان عثمان بن عفان لا يعدو أن يكون أحد رجلين: إما إمام هدى حرام الدم واجب النصرة لا تحل معصيته و لا يسع الأمّة خذلانه، أو إمام ضلالة حلال الدم لا تحل ولايته و لا نصرته، فلا يخلو من احدى الخصلتين.

و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالا كان أو مهتديا، مظلوما كان أو ظالما، حلال الدم أو حرام الدم، أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدّموا يدا و لا رجلا و لا يبدءوا بشي ء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنة يجمع أمرهم و يحكم بينهم و يأخذ للمظلوم من الظالم حقه و يحفظ أطرافهم و يجبى فيئهم و يقيم حجّتهم (حجهم و جمعتهم- البحار) و يجبى صدقاتهم ثم يحتكمون اليه

في إمامهم المقتول ظلما ليحكم بينهم بالحق. فإن كان إمامهم قتل مظلوما حكم لأوليائه بدمه، و ان كان قتل ظالما نظر كيف الحكم في ذلك.

هذا أول ما ينبغي «1» أن يفعلوه ان يختاروا إماما يجمع أمرهم إن كانت الخيرة لهم و يتابعوه و يطيعوه، و إن كانت الخيرة الى اللّه- عزّ و جلّ- و الى رسوله فان اللّه قد كفاهم النظر في ذلك و الاختيار، و رسول اللّه «ص» قد رضي لهم إماما و أمرهم بطاعته و اتباعه، و قد بايعني الناس بعد قتل عثمان و بايعني المهاجرون و الأنصار بعد ما تشاوروا فيّ ثلاثة أيام، و هم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان و عقدوا إمامتهم. و لي ذلك أهل بدر و السابقة من المهاجرين و الأنصار، غير أنهم بايعوهم قبلي على غير مشورة من العامة و إن بيعتي كانت بمشورة من العامة، فان كان اللّه- جلّ اسمه- جعل الاختيار الى الأمة و هم الذين يختارون و ينظرون لأنفسهم، و اختيارهم لأنفسهم و نظرهم لها خير لهم من اختيار اللّه و رسوله لهم، و كان من اختاروه و بايعوه بيعته بيعة هدى و كان اماما واجبا على الناس طاعته و نصرته، فقد تشاوروا فيّ و اختاروني بإجماع منهم. و ان كان اللّه- عزّ و جلّ- الذي يختار و له الخيرة فقد اختارني للأمّة و استخلفني عليهم و أمرهم بطاعتي و نصرتي في كتابه المنزل و سنة نبيّه «ص». فذلك أقوى لحجّتي و أوجب لحقّي. الحديث.» «2»

و دلالة الخبر على لزوم الامامة و ضرورتها في كل عصر، و وجوب اهتمام الناس

______________________________

(1)- و في البحار: ... كيف الحكم في هذا. و إن أول

ما ينبغي ...

(2)- كتاب سليم بن قيس/ 182، و بحار الأنوار 8/ 555 من ط. القديم، الباب 49 من كتاب ما وقع من الجور ....

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 180

بها و تقديمها على كل أمر واضحة. غاية الأمر انه ان كان الامام معينا من قبل اللّه- تعالى- كما هو معتقدنا بالنسبة الى الأئمة الاثني عشر، وجب التسليم له و تأييده، و إلّا وجب على الناس اختياره و تعيينه ليجمع أمرهم و يحكم بينهم الى آخر ما ذكره. و تعطيلها في عصر الغيبة مساوق لتعطيل ما رتّبه عليها من الآثار، و هو عبارة أخرى عن تعطيل الإسلام، و لا يرضى به اللّه- تعالى- قطعا.

و في الخبر دلالة على ما سنذكره في الباب الخامس من أن الإمامة لا تنعقد إلّا بوجهين: إما النصب من طرف العالي، أو الانتخاب من قبل الأمة، و ان الأول مقدم بحسب الرتبة على الثاني.

نعم، هنا كلام في صحة الكتاب المنسوب الى سليم.

ففي فهرست الشيخ الطوسي «ره»:

«سليم بن قيس الهلالي يكنى أبا صادق، له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن أبي القاسم الملقب ما جيلويه، عن محمد بن علي الصيرفي، عن حماد بن عيسى و عثمان بن عيسى، عن ابان بن أبي عياش، عنه.

و رواه حماد بن عيسى، عن ابراهيم بن عمر اليماني، عنه.» «1»

و يظهر منه ان حمادا قد يروي الكتاب عن أبان بلا واسطة، و قد يروى عنه بواسطة ابراهيم بن عمر اليماني.

و في فهرست ابن النديم:

«قال محمد بن اسحاق: من أصحاب أمير المؤمنين «ع» سليم بن قيس الهلالي. و كان هاربا من الحجاج، لأنه طلبه

ليقتله فلجأ الى أبان بن أبي عياش فآواه، فلما حضرته الوفاة قال لأبان: ان لك عليّ حقا و قد حضرتني الوفاة. يا ابن أخي، انه كان من أمر رسول اللّه «ص» كيت و كيت، و اعطاه كتابا و هو كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور. رواه عنه أبان بن أبي عياش. لم يروه عنه غيره.» «2»

______________________________

(1)- الفهرست للشيخ/ 81 (طبعة أخرى/ 107).

(2)- الفهرست لابن النديم/ 321 (طبعة أخرى/ 275)، الفن الخامس من المقالة السادسة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 181

و روى الكشي أن أبانا زعم أنه قرأ الكتاب على عليّ بن الحسين فقال «ع»:

«صدق سليم. رحمة اللّه عليه. هذا حديث نعرفه.» و في رواية أخرى: «قال أبان فقدّر لي بعد موت علي بن الحسين انّي حججت فلقيت أبا جعفر محمد بن علي «ع» فحدثت بهذا الحديث كله ... قال: «صدق سليم ...» «1»

و في غيبة النعماني:

«ليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم و رواه عن الأئمة «ع» خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم و حملة حديث أهل البيت «ع» و أقدمها، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل انما هو عن رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين و المقداد و سلمان الفارسي و أبي ذر و من جرى مجراهم ممن شهد رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين و سمع منهما، و هو من الأصول التي ترجع الشيعة اليها و يعول عليها.» «2»

و يظهر من الكليني أيضا الاعتماد على الكتاب، حيث روى في الكافي روايات كثيرة منه، و قال في ديباجة الكافي: «بالآثار الصحيحة عن الصادقين «ع».»

و في مسند

احمد بن حنبل أيضا ذكر لهذا الكتاب و لكن فيه: «سليمان بن قيس» فروى احمد حديثا عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر ثم قال:

«قال أبو عوانة فحدثت ان ابا بشر قال: كان في كتاب سليمان بن قيس.» «3» هذا.

و لكن قد عرفت ان الراوي للكتاب هو أبان فقط، و في رجال الشيخ:

«أبان بن أبي عياش فيروز، تابعي ضعيف.» «4»

______________________________

(1)- اختيار معرفة الرجال/ 104- 105.

(2)- الغيبة للنعماني/ 61، (طبعة أخرى/ 101)، الباب 4 (باب ما روي في أن الأئمة اثنا عشر إماما)، ذيل الحديث 30.

(3)- مسند أحمد 3/ 332.

(4)- رجال الشيخ/ 106.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 182

و قال المفيد في آخر تصحيح الاعتقاد:

«و أما ما تعلق به أبو جعفر «ره» من حديث سليم الذي رجع فيه الى الكتاب المضاف اليه برواية أبان بن أبي عياش فالمعنى فيه صحيح غير ان هذا الكتاب غير موثوق به، و لا يجوز العمل على أكثره. و قد حصل فيه تخليط و تدليس، فينبغي للمتدين ان يجتنب العمل بكل ما فيه و لا يعول على جملته.» «1»

و عن ابن الغضائري:

«الكتاب موضوع لا مرية فيه، و على ذلك علامات شافية تدلّ على ما ذكرناه: منها ما ذكر أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت، و منها أن الأئمة «ع» ثلاثة عشر، و غير ذلك.» «2»

و غرض ابن الغضائري ان محمدا ولد في حجة الوداع و مدة خلافة ابيه سنتان و أشهر، فلا يعقل وعظه له. هذا.

و لكن عن الشهيد الثاني:

«ان الذي رأيت من نسخة الكتاب ان عبد اللّه بن عمر وعظ أباه، و ان الأئمة من ولد إسماعيل

ثلاثة عشر، و هم رسول اللّه «ص» و الأئمة الاثنا عشر. فلا محذور في هذين.»

فهذا بعض الكلام في هذا الكتاب. و على أيّ حال فالاعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي مشكل، اللهم الّا للتأييد، فتدبّر.

الدليل السابع: [حفظ النظام من أوجب الواجبات]

نتيجة صغرى و كبرى كلية يستفاد كل منهما من نصوص كثيرة:

______________________________

(1)- تصحيح الاعتقاد/ 126.

(2)- تنقيح المقال 2/ 52.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 183

فالصغرى هي أن الإسلام يدعو المسلمين الى التجمع و المرابطة و التشكل و توحيد الكلمة، و ينهى عن الرهبنة و العزلة و عن التشتت و الفرقة.

و الكبرى أن الإمامة هي نظام الأمة و جامعة شتاتها و حافظة وحدتها.

امّا الصغرى فيدلّ عليها آيات و أخبار كثيرة بل متواترة اجمالا:

منها قوله- تعالى-: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لٰا تَفَرَّقُوا، وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدٰاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوٰاناً.» «1»

و منها قوله: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.» «2»

و منها قوله: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، اصْبِرُوا وَ صٰابِرُوا وَ رٰابِطُوا.» «3»

و منها قوله- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لٰا تَتَّبِعُوا خُطُوٰاتِ الشَّيْطٰانِ.» «4»

الى غير ذلك من الآيات الداعية الى وحدة الأمّة.

و من الأخبار ما رواه ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع» أن رسول اللّه «ص» قال:

«ثلاث لا يغلّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل للّه و النصيحة لأئمة المسلمين و اللزوم لجماعتهم، فان دعوتهم محيطة من ورائهم. المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم.» «5»

و ما رواه الحلبي، عن ابي عبد اللّه «ع»، قال: «من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 103.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 10.

(3)-

سورة آل عمران (3)، الآية 200.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 208.

(5)- الكافي 1/ 403، كتاب الحجة، باب ما أمر النبيّ «ص» بالنصيحة ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 184

خلع ربقة الإسلام من عنقه.» «1»

و عنه عن أبي عبد اللّه «ع» أيضا قال: «من فارق جماعة المسلمين و نكث صفقة الإمام جاء الى اللّه أجذم.» «2»

و في نهج البلاغة: «و الزموا السواد الأعظم، فان يد اللّه على الجماعة. و إياكم و الفرقة، فان الشاذّ من الناس للشيطان، كما ان الشاذ من الغنم للذئب. ألا من دعا الى هذا الشعار فاقتلوه و لو كان تحت عمامتي هذه.» «3»

و فيه أيضا: «إن هؤلاء قد تمالؤوا على سخطة إمارتي، و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم، فانهم ان تمموا على فيالة هذا الرأي انقطع نظام المسلمين.» «4»

و في مسند احمد عن أبي موسى، قال: قال رسول اللّه «ص»: «المؤمن للمؤمن كالبنيان: يشدّ بعضه بعضا.» «5»

و في صحيح مسلم بإسناده عن عرفجة: «قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول:

من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه.» «6»

الى غير ذلك من الأخبار.

و امّا ما يدلّ على الكبرى: 1- ففي نهج البلاغة: «فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشرك ... و الإمامة نظاما للأمّة، و الطاعة تعظيما للإمامة.» «7»

و اعلم ان نسخ نهج البلاغة هنا مختلفة، ففي بعضها: «و الإمامة»، و في بعضها:

______________________________

(1)- الكافي 1/ 404، كتاب الحجة، باب ما أمر النبي «ص» بالنصيحة ...، الحديث 4.

(2)- الكافي 1/ 405، كتاب الحجة، باب ما أمر النبي «ص» بالنصيحة ...، الحديث 5.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 392؛ عبده 2/ 11؛ لح/

184، الخطبة 127.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 549؛ عبده 2/ 100؛ لح/ 244، الخطبة 169.

(5)- مسند أحمد 4/ 405.

(6) صحيح مسلم 3/ 1480 (طبعة أخرى 6/ 23) كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين و هو مجتمع.

(7) نهج البلاغة، فيض/ 1197؛ عبده 3/ 208؛ لح/ 512، الحكمة 252.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 185

«و الأمانات.» و لكن في النهج المكتوب في سنة 494: «و الإمامة نظاما على الأمة.»

و في موضع من الغرر و الدرر للآمدي: «و الإمامة نظاما للأمة.» «1» و في موضع آخر منه:

«الإمامة نظام الأمّة.» «2» و في خطبة الزهراء- سلام اللّه عليها-: «و طاعتنا نظاما للملّة و إمامتنا لمّا للفرقة.» «3»

هذا مضافا الى ان تقارن الجملتين يشهد على صحة: «الإمامة»، فالجملتان في مقام بيان وظيفة الإمام بالنسبة الى الأمة و وظيفة الأمة بالنسبة الى الإمام. هذا.

2- و روى المفيد في الأمالي بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «اسمعوا و أطيعوا لمن ولّاه اللّه الأمر، فانه نظام الإسلام.» «4»

3- و في الكافي في كلام طويل للرضا «ع» في الإمامة: «إن الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين ان الإمامة أسّ الإسلام النامي و فرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف. الإمام يحل حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه. الحديث.» «5»

و كلامه- عليه السلام- و إن كان لبيان التركيز على إمامة الأئمة الاثنى عشر «ع» و نحن نعتقد بان الإمامة

في عصر ظهورهم كانت حقّا لهم بالنص و بكونهم أكمل من جميع الجهات، و لكن في عصر الغيبة هل يمكن الالتزام بتعطيل جميع الآثار و الأحكام التي ذكرت في الحديث للإمامة؟

و هل يمكن أن يقال: ان اللّه- تعالى- في عصر الغيبة لا يريد نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين و تنفيذ الأحكام العبادية و الاقتصادية و الجزائية و حفظ

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 4/ 457، الحديث 6608.

(2)- الغرر و الدرر 1/ 274، الحديث 1095.

(3)- كشف الغمة 2/ 109.

(4)- الأمالي للمفيد 1/ 14، المجلس 2، الحديث 2.

(5)- الكافي 1/ 200، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 186

الثغور و الأطراف و نحو ذلك مما رتب على الإمامة؟

4- و في نهج البلاغة: «و مكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمّه، فاذا انقطع النظام تفرق الخرز و ذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا.» «1»

5- و فيه أيضا: «و أعظم ما افترض اللّه- سبحانه- من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية و حق الرعية على الوالي، فريضة فرضها اللّه- سبحانه- لكل على كل، فجعلها نظاما لألفتهم و عزّا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلّا بصلاح الولاة، و لا يصلح الولاة إلّا باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية الى الوالي حقّه و أدّى الوالي اليها حقّها عزّ الحق بينهم و قامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل و جرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء، و إذا غلبت الرعية و اليها او أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة و ظهرت معالم الجور و كثر الإدغال

في الدين و تركت محاج السنن فعمل بالهوى و عطلت الأحكام و كثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطّل و لا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذل الأبرار و تعزّ الأشرار و تعظم تبعات اللّه عند العباد.» «2»

و الإذلال جمع الذل بالكسر، و ذل الطريق: محجّته.

6- و في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري ان رسول اللّه «ص» قال: «اذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم.» «3»

و نحوه عن أبي هريرة عنه «ص».

7- و في مسند أحمد عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه «ص» قال: «لا يحلّ لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلّا أمّروا عليهم أحدهم.» «4»

فيعلم بذلك أن المجتمع لا ينتظم إلّا بأمير حافظ له، و إذا كان قوام نظام الثلاثة بأمير فكيف ينتظم مجتمع المسلمين بلا أمير و إمام؟!

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 442؛ عبده 2/ 39؛ لح/ 203، الخطبة 146.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 683؛ عبده 2/ 224؛ لح/ 333، الخطبة 216.

(3)- سنن أبي داود 2/ 34، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمّرون أحدهم.

(4)- مسند احمد 2/ 177.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 187

8- و يدل أيضا على أهميّة الحكومة في صلاح الأمّة و حفظ نظامها ما رواه في الخصال عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي و إذا فسدا فسدت أمتي. قيل: يا رسول اللّه، و من هما؟ قال:

الفقهاء و الأمراء.» «1»

و بالجملة حفظ النظام من أوجب الواجبات، و الهرج و المرج و اختلال أمور المسلمين من أبغض الأشياء للّه- تعالى-، و لا يتم حفظ النظام إلّا بالحكومة. ألا ترى أن بني

إسرائيل لما كتب عليهم القتال و علموا أن القتال لا يتيسّر إلّا بالتجمع و التكتل قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه، فكان مرتكزا في أذهانهم أن التشكّل لا يحصل إلّا بملك حافظ للنظام و التشكل.

و يظهر شدّة اهتمام الإسلام بجمع المسلمين و وحدتهم من الأخبار الكثيرة الواردة في الترغيب في الجماعة و التحذير من تركها أيضا:

ففي الوسائل بسند صحيح عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: «إن أناسا كانوا على عهد رسول اللّه «ص» أبطئوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول اللّه:

«ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد ان نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم.» «2»

و في البحار عن مجالس ابن الشيخ باسناده عن زريق، عن أبي عبد اللّه «ع» عن أمير المؤمنين «ع» بلغه أن قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد فخطب فقال: «إن قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا، فلا يؤاكلونا و لا يشاربونا و لا يشاورونا و لا يناكحونا و لا يأخذوا من فيئنا شيئا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، و إني لأوشك أن آمر لهم بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون.» قال: فامتنع المسلمون عن مؤاكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم حتى

______________________________

(1)- الخصال 1/ 36، باب الاثنين، الحديث 12.

(2)- الوسائل 5/ 377، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 188

حضروا الجماعة مع المسلمين «1». إلى غير ذلك من الأخبار.

فانظر كيف اهتم الإسلام بتجمع المسلمين و تشكلهم و اراد كونهم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا، فجعل الإمامة في الجماعة و الجمعة و الأعياد و الحج و

الإمامة الكبرى سببا لنظامهم و وحدتهم. و لو كان لأمرائهم و لهم غيرة و حمية لبقيت عزّتهم و شوكتهم مع مالهم من كثرة النفوس و الأراضي و الذخائر. و لكن شياطين الغرب و الشرق مزّقوهم كل ممزق و ألقوا فيهم الخلافات و مني المسلمون بأمراء خونة عملاء للشياطين و علماء سوء باعوا آخرتهم بدنياهم و دنيا غيرهم.

اللهم، فخلص المسلمين من شرورهم.

الدليل الثامن: ما رواه في اصول الكافي

عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه و عبد اللّه بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال:

«بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية. قال زرارة: فقلت:

و أي شي ء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن و الوالي هو الدليل عليهن ... ثم قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إن اللّه- عزّ و جلّ- يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ وَ مَنْ تَوَلّٰى فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. «2»

و الرواية صحيحة من حيث السند. و يظهر من هذه الصحيحة و أمثالها أنها ليست بصدد بيان الأمور الاعتقادية في الإسلام، و لذا لم يذكر فيها التوحيد و النبوة

______________________________

(1)- بحار الأنوار 85/ 14 (طبعة إيران 88/ 14)، الباب 83 (باب فضل الجماعة و عللها)، الحديث 25.

(2)- الكافي 2/ 18- 19، كتاب الإيمان و الكفر، باب دعائم الإسلام، الحديث 5. و الآية المذكورة من سورة النساء (4)، رقمها 80.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 189

و المعاد من أصول الدين و أركانه، بل هي بصدد بيان الأعمال الإجرائية و الفرائض العملية للإسلام،

فالمراد بالولاية في هذه الرواية أمر إجرائي عملي ضامن لإجراء البقية، و هي تحقيق الحكومة الإسلامية و الإمامة الحقة. إذ تحت راية هذه الحكومة تقام سائر الفرائض بحدودها و أركانها، كما نخاطب الإمام الشهيد «ع» في زيارته بقولنا: «أشهد انك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة».

و العجب من بعض من لا خبرة لهم، حيث يفسرون الولاية في هذا السنخ من الأخبار بالمودة، و يريدون بها محبة أهل البيت- عليهم السلام- التي هي أمر قلبي، مع وضوح أن المراد بها الإمامة و ولاية التصرف، و لذا قال «ع» في مقام بيان أفضليتها: «لأنها مفتاحهن، و الوالي هو الدليل عليهن.» اذ لا شبهة في ان لفظ الوالي يستعمل بمعنى الإمام و الحاكم، فالمراد إمام المسلمين المبيّن للأحكام و الحافظ لها بحدودها و المجري لها. و قال في ذيل الحديث أيضا: «ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته.»

و في رواية صحيحة عن ابي جعفر «ع»: «و كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، و كانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل اللّه- تعالى-: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي.» «1» قال أبو جعفر «ع»: يقول اللّه- عزّ و جلّ-: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت الفرائض.» «2»

و لفظ الفريضة يستعمل في الواجبات العملية لا الأمور الاعتقادية، و الإمامة الحافظة للإسلام و المجرية لأحكامه هي الفريضة المتممة التي لو لم تنزل لما بلغ رسول اللّه «ص» رسالته، فان قوة الإجراء هي الضامنة لبقاء الأحكام.

و مرّ في الخبر الذي رويناه في الدليل السابق عن الرضا «ع» قوله: «بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و

توفير الفي ء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 3.

(2)- الكافي 1/ 289، كتاب الحجة، باب ما نص اللّه- عزّ و جلّ- و رسوله على الأئمة «ع» ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 190

الثغور و الأطراف.» «1»

و بالجملة المراد بالولاية هي الإمامة، و قد مرّ في أوائل الكتاب في ذيل قوله- تعالى-: «النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم» أقوال أهل اللغة في معنى الولاية و ان حقيقتها تولّي الأمر، و تشعر بالتدبير و القدرة و الفعل، فراجع.

و في كلام أمير المؤمنين «ع» في نهج البلاغة: «و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة و لا في الولاية إربة.» «2»

و في بعض أخبار الدعائم الخمسة: «فأخذ الناس بأربع و تركوا هذه، يعني الولاية.» «3»

و ما تركه الناس هي حكومة أهل البيت لا مودّتهم، كما لا يخفى.

و أظن ان تفسير الولاية بالمودة و المحبة تفسير انحرافي ألقي من قبل غاصبي حكومة أهل البيت بين شيعتهم أيضا، تبريرا و توجيها لعملهم.

و كيف كان فالمقصود بالصحيحة ان عمدة الفرائض التي هي أسّ الإسلام و عليها بني الدين هي الفرائض الخمس و أفضلها الدولة الحقة الحافظة و المجرية للبقية، اذ لا يبقى الإسلام بأساسه بلا حكومة حقة، فيجب على المسلم المهتمّ بالإسلام الاهتمام بها في جميع الأعصار، غاية الأمر أن الأئمة الاثنى عشر عندنا مع حضورهم و ظهورهم أحقّ من غيرهم بالنص و بالأكملية، فوجب تأييدهم و إطاعتهم، و أمّا إذا لم يمكن الوصول اليهم بأيّ دليل كان، كما في عصر الغيبة، فلا تعطيل للإسلام، فلا محالة وجب تعيين حاكم بالحق يحفظ مقررات الإسلام و يجربها، و

سيأتي في الباب الآتي شرائط الحاكم الحق، فانتظر.

و قد روى مضمون الصحيحة بنحو يظهر منه ما بيناه أيضا في كتاب المحكم

______________________________

(1)- الكافي 1/ 200، كتاب الحجة باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 656؛ عبده 2/ 210؛ لح/ 322، الخطبة 205.

(3)- الكافي 2/ 18، كتاب الإيمان و الكفر باب دعائم الإسلام، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 191

و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني، قال: «فدعائم الإسلام و هي خمس دعائم و على هذه الفرائض الخمسة بني الإسلام فجعل- سبحانه- لكل فريضة من هذه الفرائض أربعة حدود لا يسع أحدا جهلها: اولها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الولاية، و هي خاتمتها و الحافظة لجميع الفرائض و السنن.» «1»

و قد عرفت ان مطالب الكتاب عند الأصحاب منسوبة الى أمير المؤمنين «ع» و لكن لا يخلو ذلك من مناقشة، و لعل المؤلف مزج كلام نفسه بالروايات، فراجع ما ذكرناه في الدليل الخامس.

الدليل التاسع: ما في نهج البلاغة:

«أما و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ...» «2»

و فيه أيضا: «سمعت رسول اللّه «ص» يقول في غير موطن: لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع.» «3»

و في سنن ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري عن النبي «ص»: «انه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع.» «4»

يظهر من الحديثين الشريفين أنه لا يحق و لا يجوز للإنسان المسلم و لا سيما العالم أن يقعد

في بيته و لا يهتمّ و لا يبالي بما يشاهده من ظلم المستكبرين الطغاة بالنسبة الى

______________________________

(1)- المحكم و المتشابه/ 77، و بحار الأنوار 90/ 62 (طبعة إيران 93/ 62.)

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 52؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 50، الخطبة 3.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1021؛ عبده 3/ 113؛ لح/ 439، الكتاب 53.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 810، كتاب الصدقات، الباب 17، الحديث 2426.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 192

الضعفة و المستضعفين، بل يجب عليه حماية الضعفاء و إحقاق حقوقهم، و لا يخفى انه لا يتيسر ذلك غالبا إلّا بالتجمع و التشكل و تحصيل القوة و القدرة بقدر الإمكان، و لا نعني بالحكومة الّا هذا، غاية الأمر أن لها مراتب.

بل قد مرّ في خلال الفصول السابقة أنه لا يجوز للإنسان المسلم أن يقعد في بيته و لا يبالي بما يقع في محيطه و بيئته من الفحشاء و الفساد و إراقة دماء المسلمين و هتك نواميسهم و هضم الكفار و الطواغيت للمسلمين و المستضعفين و تسخيرهم و احتلال بلادهم.

فأدلّة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أدلة الجهاد الدفاعي بأجمعها أيضا من أقوى الأدلة على لزوم تشكل المسلمين و تأسيس الدولة الحقة و تحصيل القدرة مهما أمكن و بقدر الإمكان. و الميسور منها لا يترك بالمعسور.

و الأصحاب و إن ظهر منهم كون وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر اذا توقفا على الضرب و الجراح مشروطين بإذن الإمام، و مقتضاه عدم التكليف على المسلمين في مواجهة الفساد و ان بلغ ما بلغ، و لكن نحن قد قوّينا سابقا عدم اشتراط الوجوب بذلك. نعم، وجود الفعل خارجا، بحيث يؤثر في رفع الفساد و

لا يترتب عليه ضرر، مشروط بالإمام لتحصل القدرة و النظم و لا يحصل الهرج و المرج. فتجب إقامة الحكومة الحقة و تأسيس الدولة بالوجوب المقدمي. و قد مرّ خبر يحيى الطويل عن أبي عبد اللّه «ع»: «ما جعل اللّه بسط اللسان و كف اليد، و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا.» «1»

و نحو ذلك الدفاع عن حوزة الإسلام و كيان المسلمين، فإنه واجب مطلق و لكن وجود بعض مراتبه متوقف على التشكل و تحصيل القدرة، و لا محالة يتوقف ذلك على ان يؤمّروا على أنفسهم أميرا ينظّم أمرهم و يجمع شملهم.

فالجهاد بقسميه يحتاج الى الإمام، و لكن في الجهاد الابتدائي الوجوب على ما قالوا مشروط بالإمام و إذنه بخلاف الجهاد الدفاعي، فان الوجوب مطلق و لكن الوجود مشروط

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 404، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 193

به و متوقف عليه، و قد مرّ تفصيل الكلام في الجهاد في الفصل السادس، و يأتي الجواب عن الأخبار التي تمسك بها أهل السكوت و السكون في الفصل الرابع من هذا الباب بعد ذكر الأدلة العشرة لوجوب إقامة الدولة الحقة في كل عصر و مكان.

و أئمتنا- عليهم السلام- كانوا في ضيق و شدّة، و لم يكن لهم مساعد على القيام و الثورة ضدّ الحكومات الجائرة. و يأتي كلام الامام الصادق «ع» لسدير الصيرفي:

«يا سدير، لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود.» «1» و كان مجموع الجداء سبعة عشر.

و ليس المراد بالتقية الواردة في أخبارنا ترك الدفاع و الأمر بالمعروف، بل المراد هو التحفّظ في حال العمل بالتكليف.

و يشهد بذلك قوله «ع»: «التقية ترس المؤمن.» «2» و قوله: «إنّ التقية جنة المؤمن.» «3» فان الترس إنّما يستعمل في ميدان الجهاد لا في حال الاستراحة و العزلة، فتدبر.

و هنا شي ء آخر يجب أن ينبه عليه، و هو ان فقهاءنا- رضوان اللّه عليهم- ذكروا أمورا سموها الأمور الحسبية و قالوا إنّها أمور لا ترتبط بأشخاص خاصّين و لا يرضى الشارع بإهمالها و تركها، كالتصرف في أموال اليتامى و الغيّب و القصر و نحو ذلك.

و حينئذ فإن كان هنا فقيه عادل فهو المتيقن للتصدّي لها و إلّا فيتصدى لها عدول المؤمنين بل و فسّاقهم أيضا اذا لم يوجد العدول.

إذا عرفت هذا فنقول: هل يكون حفظ مال جزئي لصغير أو مجنون خاص من الأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها فيجب التصدّي لها على أي حال و أما حفظ كيان الإسلام و نظام المسلمين و حفظ دمائهم و نواميسهم و أموالهم فلا أهمية لها ولايتهم الشارع بها و يجوز للمسلمين إهمالها و عدم الاهتمام بها حتى يظهر صاحب

______________________________

(1)- الكافي 2/ 242- 243، كتاب الإيمان و الكفر باب في قلة عدد المؤمنين، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 460، الباب 24 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 6.

(3)- الوسائل 11/ 460، الباب 24 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 194

الأمر «ع»؟! ان هذا الأمر لعجيب.

و عدم عصمة العلماء و الفقهاء و احتمال خطأهم في مقام العمل لا يوجب جواز إهمال ذلك، فإن النبي «ص» أيضا و ان كان بنفسه معصوما و لكن عمّاله الغائبين عنه لم يكونوا معصومين عن الخطأ و

الزلل، و كذلك عمّال أمير المؤمنين «ع»، بل و كذلك عمّال صاحب العصر و الزمان- عجل اللّه فرجه-.

و على أي حال فاحتمال ضياع الحقوق مع النظارة و التصدّي للحفظ و الحراسة أضعف بمراتب من الترك و الإهمال بالكلية، فتدبر جيدا. هذا.

و نعيد الإشارة الى أن نفرة بعض الناس و انزجارهم من ألفاظ الحكومة و السلطنة و نحوهما ليس إلّا لابتلائهم غالبا بالحكومات الجائرة الظالمة أو غير اللائقة. ففي الحقيقة يكون التنفر من الجور و عدم اللياقة، و لكنه سرى الى نفس الحكومة و إلّا فالحكومة و إدارة شئون المسلمين و حفظ نظامهم بالنحو المعقول أمر يستحسنه العقل و الشرع، كما يدلّ عليه كثير من الآيات و الروايات و قد مرّ بعض الآيات في ذيل الدليل الأول، فراجع.

الدليل العاشر: أخبار متفرقة أخرى من طرق الفريقين يظهر منها إجمالا لزوم الحكومة و الدولة

في جميع الأعصار أو كونها مرغوبا فيها شرعا نذكرها و نسردها. فعليك بالدقة في مفادها:

1- ما رواه المفيد في الاختصاص، قال: «و قد روى بعضهم عن أحدهم أنه قال:

الدين و السلطان أخوان توأمان لا بدّ لكل واحد منهما من صاحبه، و الدين أسّ و السلطان حارس، و ما لا أسّ له منهدم و ما لا حارس له ضائع.» «1»

______________________________

(1)- الاختصاص/ 263.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 195

و الظاهر أن مراده بقوله: «احدهم» أحد الأئمة «ع» و ان كان يحتمل غير ذلك أيضا، ففي رسائل إخوان الصفا:

«قال ملك الفرس أردشير في وصيته: إن الملك و الدين أخوان توأمان لا قوام لأحدهما إلّا بالآخر و ذلك أن الدين أسّ الملك و الملك حارسه فما لا أسّ له مهدوم و ما لا حافظ له ضائع، و لا بدّ للملك من أسّ و لا بدّ للدين من

حارس.» «1» هذا.

و لكن في كنز العمّال أيضا: «الإسلام و السلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلّا بصاحبه، فالإسلام أسّ و السلطان حارث، و ما لا أسّ له يهدم و ما لا حارث له ضائع.» (الديلمي، عن ابن عباس) «2».

و لعلّ كلمة «حارث» غلط و الصحيح: «حارس»، كما في الاختصاص.

و ظاهره كون الحديث عن النبي «ص».

2- ما في دعائم الإسلام: «و عن علي «ع» انه قال: لا بدّ من إمارة و رزق للأمير، و لا بدّ من عريف و رزق للعريف، و لا بد من حاسب و رزق للحاسب، و لا بد من قاض و رزق للقاضي. و كره أن يكون رزق القاضي على الناس الذين يقضى لهم و لكن من بيت المال.» «3»

3- ما في تحف العقول عن الصادق «ع»: «لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع اليهم في أمر دنياهم و آخرتهم، فإن عدموا ذلك كانوا همجا: فقيه عالم ورع، و أمير خيّر مطاع، و طبيب بصير ثقة.» «4»

و الهمج بالتحريك: السفلة و الحمقى و من لا خير فيهم.

4- صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «كل من دان اللّه- عزّ و جلّ- بعبادة يجهد فيها نفسه و لا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول و هو ضالّ متحيّر ... و اللّه يا محمّد، من أصبح من هذه الأمّة لا إمام له من اللّه- عزّ و جلّ- ظاهر عادل أصبح ضالّا تائها. و ان

______________________________

(1)- رسائل إخوان الصفا 3/ 495.

(2)- كنز العمال 6/ 10، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14613.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 538، كتاب آداب القضاة، الحديث 1912.

(4)- تحف العقول/ 321.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 196

مات على هذه الحالة مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمد، ان ائمة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه قد ضلّوا و أضلوا.» «1»

5- ما في الاختصاص عن محمد بن علي الحلبي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «من مات و ليس عليه إمام حيّ ظاهر مات ميتة جاهلية.» «2»

6- ما في الاختصاص أيضا عن أبي الجارود، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «من مات و ليس عليه إمام حي ظاهر مات ميتة جاهلية.» قال: قلت: «إمام حيّ» جعلت فداك؟ قال: «إمام حيّ.» «3»

أقول: قد مرّ منّا في أواخر الباب الثاني أن أنس أذهاننا بإمامة الأئمة الاثنى عشر «ع» و أحقّيتهم أوجب انصراف لفظ الإمام عندنا اليهم «ع» و كأن اللفظ وضع لهم، و لكن اللفظ وضع للقائد الذي يؤتم به إما في الصلاة أو في الحج أو في الشؤون السياسية و نحو ذلك، سواء كان بحق أو بباطل. و لذا قال اللّه- تعالى-:

«فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ.» «4» و أطلق الإمام الصادق «ع» لفظ الإمام على أمير الحج إسماعيل بن علي حين وقف عليه «ع» فقال له: «سر فإن الإمام لا يقف.» «5» و في رسالة الحقوق لعلي بن الحسين «ع»: «كل سائس إمام.» «6» فراجع ما حررناه هناك.

و لا تستغرب أن يكون موت من ليس عليه إمام حي ظاهر ميتة جاهلية أو ميتة كفر و نفاق، فإن الإمام الحق هو الحارس للدين و المجري للإسلام. و هل يكون وجود الإمام أهون من الوصية بالنسبة الى مال جزئي و قد ورد عن النبي «ص»: «من

______________________________

(1)- الكافي 1/ 183- 184، كتاب الحجة، باب

معرفة الإمام و الردّ اليه، الحديث 8.

(2)- الاختصاص/ 269.

(3)- الاختصاص/ 269.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 12.

(5)- الوسائل 8/ 290، الباب 26 من أبواب آداب السفر، الحديث 1.

(6)- الخصال/ 565 (الجزء 2)، ابواب الخمسين، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 197

مات بغير وصية مات ميتة جاهلية» «1»؟

7- ما في دعائم الإسلام: «عن جعفر بن محمد «ع» انه قال: ولاية أهل العدل الذين أمر اللّه بولايتهم، و توليتهم و قبولها و العمل لهم فرض من اللّه- عزّ و جلّ- و طاعتهم واجبة، و لا يحل لمن أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم. و (ولاية- ظ.) ولاة أهل الجور و اتباعهم، و العاملون لهم في معصية اللّه غير جائزة لمن دعوه الى خدمتهم و العمل لهم و عونهم و لا القبول منهم.» «2»

8- ما رواه حفص بن عون، رفعه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عدل (عادل خ. ل) أفضل من عبادة سبعين سنة. وحد يقام للّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.» «3»

9- ما عن القطب الراوندي في لبّ اللباب عن النبي «ص» قال: «يوم واحد من سلطان عادل خير من مطر أربعين يوما. وحد يقام في الأرض أزكى من عبادة ستين سنة.» «4»

فاللّه الفياض الذي لا يقطع بركاته و قطر السماء عن خلقه مع كثرة المعاصي كيف يقطع عنهم بركات الإمامة و إقامة الحدود في عصر الغيبة بطولها بسبب غيبة وليّ العصر- عجل اللّه فرجه، و يترك خلقه بلا نظام و حكومة؟!

10- ما في نهج البلاغة خطابا لعثمان: «فاعلم ان أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدى و هدى، فأقام سنة معلومة و أمات بدعة مجهولة

... و إن شرّ الناس عند اللّه إمام جائر ضل و ضلّ به، فأمات سنة مأخوذة و أحيا بدعة متروكة.» «5»

11- ما في جامع الأصول: «أبو سعيد الخدري «رض» قال: قال

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 352، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 8.

(2)- دعائم الإسلام 2/ 527، كتاب آداب القضاة، الحديث 1876.

(3)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 216، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 10.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 526؛ عبده 2/ 85؛ لح/ 234، الخطبة 164.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 198

رسول اللّه «ص»: أحب الناس الى اللّه يوم القيمة و أدناهم منه مجلسا إمام عادل. و أبغض الناس الى اللّه- تعالى- و أبعدهم منه مجلسا إمام جائر. أخرجه الترمذي.» «1»

12- ما رواه في تحف العقول عن الصادق «ع»: «فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر اللّه بمعرفته و ولايته و العمل له في ولايته، و ولاية ولاته و ولاة ولاته، بجهة ما أمر اللّه به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل اللّه به و لا نقصان منه و لا تحريف لقوله و لا تعدّ لأمره الى غيره، فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له و العمل معه و معونته في ولايته و تقويته حلال محلل، و حلال الكسب معهم. و ذلك ان في ولاية والي العدل و ولاته إحياء كل حق وكل عدل و إماتة كل ظلم و جور و فساد، فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه و المعين له على ولايته ساعيا الى طاعة اللّه مقويا لدينه.» «2»

و لا يخفى ان هذه الجملات مرويّة عن

الإمام الصادق الذي لم يكن واليا بالفعل مبسوط اليد حتى يترتب على ولايته إحياء الحق و العدل و إماتة الظلم و الجور و الفساد، فتدبّر.

13- ما رواه الآمدي في الغرر و الدرر عن أمير المؤمنين «ع»: «إن السلطان لأمين اللّه في الأرض و مقيم العدل في البلاد و العباد و وزعته في الأرض.» «3»

و في نهج البلاغة: «السلطان وزعة اللّه في أرضه.» «4»

و الوزعة: المانعون عن محارم اللّه، جمع وازع. و الجمع باعتبار أن السلطان أريد به الجنس.

14- ما رواه الآمدي أيضا عنه «ع»: «ليس ثواب عند اللّه- سبحانه- أعظم من ثواب السلطان العادل و الرجل المحسن.»

______________________________

(1)- جامع الأصول 4/ 447، الباب 1 من كتاب الخلافة، الحديث 2035.

(2)- تحف العقول/ 332.

(3)- الغرر و الدرر 2/ 604، الحديث 3634.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1243؛ عبده 3/ 232؛ لح/ 533، الحكمة 332.

- الغرر و الدرر 5/ 90، الحديث 7526.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 199

15- ما رواه عنه: «العلماء حكّام على الناس.» «1»

16- ما رواه عنه «ع»: «دولة العادل من الواجبات.» «2»

17- ما رواه عنه «ع»: «من حسنت سياسته وجبت طاعته.» «3»

18- ما رواه عنه «ع»: «أجلّ الملوك من ملك نفسه و بسط العدل.» «4»

19- ما رواه عنه «ع»: «أفضل الملوك من حسن فعله و نيته و عدل في جنده و رعيّته.» «5»

20- ما رواه عنه «ع»: «خير الملوك من أمات الجور و أحيا العدل.» «6»

21- ما رواه عنه «ع»: «من أعود الغنائم دولة الأكارم.» «7»

22- ما رواه عنه «ع»: «إمام عادل خير من مطر وابل.» «8»

23- ما رواه عنه «ع»: «أفضل ما منّ اللّه سبحانه به على عباده علم و عقل

و ملك و عدل.» «9»

24- ما رواه عنه «ع»: «إذا بنى الملك على قواعد العدل و دعم بدعائم العقل نصر اللّه مواليه و خذل معاديه.» «10»

25- ما رواه في البحار عن كنز الكراجكي: «قال الصادق: الملوك حكام على

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 1/ 137، الحديث 506.

(2)- الغرر و الدرر 4/ 10، الحديث 5110.

(3)- الغرر و الدرر 5/ 211، الحديث 8025.

(4)- الغرر و الدرر 2/ 439، الحديث 3206.

(5)- الغرر و الدرر 2/ 445، الحديث 3234.

(6)- الغرر و الدرر 3/ 431، الحديث 5005.

(7)- الغرر و الدرر 6/ 34، الحديث 9381.

(8)- الغرر و الدرر 1/ 386، الحديث 1491.

(9)- الغرر و الدرر 2/ 439، الحديث 3205.

(10)- الغرر و الدرر 3/ 168، الحديث 4118.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 200

الناس و العلماء حكّام على الملوك.» «1»

26- ما رواه في الخصال عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه قال: قال رسول اللّه «ص»: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمّتي و إذا فسدا فسدت أمّتي. قيل:

يا رسول اللّه، و من هما؟ قال: الفقهاء و الأمراء.» «2»

27- ما رواه في الكافي عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ان اللّه أجلّ و أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل.» «3»

28- ما رواه في إثبات الهداة عن عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ» «4» قال: «إمامهم الذي بين أظهرهم و هو قائم أهل زمانه.» «5»

أقول: الأخبار المتواترة الصادرة عن الأئمة المعصومين و الاحتجاجات المروية عن أصحابهم «ع» كهشام و غيره الدالة على لزوم الإمام و الهادي و الحجة و العالم الحافظ للدين عن التحريف و التغيير، و

ان كان النظر فيها الى إثبات إمامة الأئمة الاثنى عشر- عليهم السلام- في قبال أئمة الجور، و لكن التعليلات و الملاكات المذكورة فيها تشمل جميع الأعصار حتى عصر الغيبة. و لا يمكن أن يقال إن اللّه اللطيف بعباده أهمل أمور المسلمين في عصر الغيبة بسبب غيبة الإمام المنتظر «ع» فراجع الأخبار و تأمّل فيها.

29- ما رواه في إثبات الهداة، عن الزمخشري في ربيع الأبرار، عن عبد الملك أن

______________________________

(1)- بحار الأنوار 1/ 183، كتاب العلم، الباب 1 (باب فرض العلم ...)، الحديث 92.

(2)- الخصال 1/ 36، باب الاثنين، الحديث 12.

(3)- الكافي 1/ 178، كتاب الحجة، باب أن الأرض لا تخلو من حجة، الحديث 6.

(4)- سورة الإسراء (17)، الآية 71.

(5)- إثبات الهداة 1/ 89.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 201

رسول اللّه «ص» قال: «من مات و ليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة فميتته ميتة جاهلية.»

قال: و روي في هذا المعنى عدة أحاديث «1».

و لا يخفى انه ليس مفاد الرواية وجوب البيعة بالفعل، بل وجوب وجود الإمام و تعيينه حتى يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده، و ان شئت قلت: ظاهر الرواية انّ الواجب هو الالتزام بالبيعة و التسليم، لا فعلية البيعة، فتأمل.

30- ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن عجلان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ثلاثة يدخلهم اللّه الجنة بغير حساب، و ثلاثة يدخلهم اللّه النار بغير حساب: فأما الذين يدخلهم اللّه الجنة بغير حساب فإمام عادل و تاجر صدوق، و شيخ أفنى عمره في طاعة اللّه- عزّ و جلّ-. و أما الثلاثة الذين يدخلهم اللّه النار بغير حساب فإمام جائر، و تاجر كذوب، و شيخ زان.» «2»

31-

ما رواه في البحار و الوسائل عن أمالي الصدوق بسنده عن الشحّام، عن الصادق «ع» قال: «من تولّى أمرا من أمور الناس فعدل و فتح بابه و رفع شرّه (الوسائل:

ستره) و نظر في أمور الناس كان حقا على اللّه- عزّ و جلّ- ان يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة.» «3»

32- ما رواه في التاج الجامع للأصول عن النبي «ص» قال: «سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، و شابّ نشأ بعبادة اللّه. الحديث.» رواه الخمسة إلّا أبا داود «4».

33- ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي «ص»: «من خلع يدا من طاعة لقي اللّه

______________________________

(1)- إثبات الهداة 1/ 143.

(2)- الخصال 1/ 80، باب الثلاثة، الحديث 1.

(3)- بحار الأنوار 72/ 340 (طبعة إيران 75/ 340)، كتاب العشرة، الباب 81 (باب أحوال الملوك و الأمراء)، الحديث 18. و الوسائل 12/ 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(4)- التاج الجامع للأصول 3/ 49، كتاب الإمارة، الفصل 3 (فيما يجب على الأمير).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 202

يوم القيامة لا حجة له. و من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.» «1»

34- ما رواه مسلم أيضا عن يحيى بن الحصين، قال: سمعت جدّتي تحدّث أنها سمعت النبي «ص» يخطب في حجة الوداع و هو يقول: «لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب اللّه فاسمعوا له و أطيعوا.» «2»

35- ما رواه البخاري في صحيحه و رواه غيره أيضا عن رسول اللّه «ص»:

«كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيّته. الإمام راع و مسئول عن رعيته. الحديث.» «3»

36- و في كنز العمّال: «لا بدّ للناس من إمارة

برّة أو فاجرة. فأما البرّة فتعدل في القسم و تقسم بينكم فيئكم بالسوية، و أما الفاجرة فيبتلى فيها المؤمن. و الإمارة خير من الهرج. قيل:

يا رسول اللّه، و ما الهرج؟ قال: القتل و الكذب.» (طب، عن ابن مسعود) «4»

و قد مرّ نظير ذلك في الأمر الرابع عن نهج البلاغة، فراجع.

37- و في كنز العمّال أيضا: «ما من أحد أفضل منزلة من إمام إن قال صدق و إن حكم عدل، و ان استرحم رحم.» «5» (ابن النجار، عن أنس)

38- و فيه أيضا: «أحب الناس الى اللّه يوم القيامة و أدناهم مجلسا إمام عادل. و أبغض الناس الى اللّه و أبعدهم منه إمام جائر.» (حم ت، عن أبي سعيد) «6»

39- و فيه أيضا: «نعم الشي ء الإمارة لمن أخذها بحقها و حلّها، و بئس الشي ء الإمارة لمن

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1478 (طبعة أخرى 6/ 22)، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ...، الحديث 1851.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1468 (طبعة اخرى 6/ 14)، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ...

(3)- صحيح البخاري 1/ 160، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى و المدن.

(4)- كنز العمال 6/ 39، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14755.

(5)- كنز العمال 6/ 7، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14593.

(6)- كنز العمال 6/ 9، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14604.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 203

أخذها بغير حقّها فتكون عليه حسرة يوم القيامة.» (طب، عن زيد بن ثابت) «1»

40- و فيه أيضا: «من استطاع منكم أن لا ينام نوما و لا يصبح صبحا إلّا و

عليه إمام فليفعل.» (ابن عساكر، عن أبي سعيد و ابن عمر) «2»

41- و فيه أيضا: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. و من نزع يدا من طاعة جاء يوم القيمة لا حجة له.» (ط حل، عن ابن عمر) «3»

42- و فيه أيضا: «إذا أراد اللّه بقوم خيرا ولّى عليهم حلماءهم و قضى عليهم علماؤهم، و جعل المال في سمحائهم. و إذا أراد اللّه بقوم شرّا ولّى عليهم سفهاءهم، و قضى بينهم جهّالهم، و جعل المال في بخلائهم.» (فر، عن مهران) «4»

43- و عن النبي «ص» قال: «لعمل الإمام العادل في رعيته يوما واحدا أفضل من عبادة العابد في أهله مأئة عام أو خمسين عاما.» «5»

الى غير ذلك من الأخبار و الروايات، فان الروايات التي يستفاد منها لزوم الإمارة و الملك أو كونه مرغوبا فيه شرعا اذا تحققت العدالة و سائر الشرائط، كثيرة في كتب الفريقين.

و قد مضى في ذيل الأمر الأول أيضا بعض الآيات الدالة على حسن الملك و الدولة و كونه من نعم اللّه- تعالى- على عباده الصالحين، فراجع.

فهذه أدلة عشرة ذكرناها دليلا على لزوم الملك و الدولة في جميع الأعصار، و كفاك ما ذكرناه في الأمرين الأولين، فراجع و تأمّل.

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 39، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14753.

(2)- كنز العمال 6/ 64، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14855.

(3)- كنز العمّال 6/ 65، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14863.

(4)- كنز العمّال 6/ 7، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14595.

(5)- الأموال/ 13، باب حق الإمام على الرعيّة ...، الحديث 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 1، ص: 204

و اعلم ان الصحاح و السنن و مسانيد إخواننا السنة ملاء من الأخبار الواردة في الإمارة و السلطنة، ففي بعضها مدح الإمارة و الترغيب فيها، و في بعضها التحذير و التخويف منها و ذمّ أئمة الجور و أنهم من أهل النار، و في بعضها وجوب الإطاعة للأمير و إن كان عبدا حبشيا مجدّع الأطراف، و في بعضها أنه «لا طاعة لمن لم يطع اللّه» او «لا طاعة في معصية اللّه، إنّما الطاعة في المعروف»، و في بعضها أن السلطان ظل اللّه في الأرض، و في بعضها أن السلطان العادل المتواضع ظلّ اللّه و رمحه في الأرض.

و الجمع بين هذه الروايات بحسب الصناعة الفقهية واضح، لوضوح أنّ الوالي الحق العادل يجب اطاعته دون الظالم الجائر، و لا سيما في ظلمه و جوره، و انه اذا أمّر من قبل الوالي العادل عبد مجدّع يقود الناس بكتاب اللّه- كما في متن الحديث- فالواجب اطاعته و لو كان حبشيا أسود. فان هذا من مزايا الإسلام، حيث الغى الامتيازات اللونية و الجغرافية و الطائفية و الطبقية و قال في القرآن الكريم: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ.» «1» أ لا ترى ان النبي «ص» أمّر أسامة بن زيد قبيل وفاته و أمر الصحابة الكبار أيضا بان يكونوا تحت لوائه؟

و المطلق في قوله: «السلطان ظل اللّه» يجب أن يحمل على المقيد في الحديث الآخر.

فالسلطان العادل الحق ظل اللّه دون الجائر الظالم، فانه ظل الشيطان و طاغوت، و قد أمروا أن يكفروا به.

و يحتمل إرادة الإنشاء أيضا لا الاخبار، فيراد أن السلطان يجب أن يكون ظل اللّه و مظهر رحمته.

نعم، السلطان و لو كان جائرا خير من فتنة تدوم

و من الهرج و المرج، لا بمعنى مشروعية سلطنته بل بمعنى الرجحان العقلي إذا دار الأمر بينهما و لم يمكن تأسيس الحكومة العادلة. و قد مرّ بيان ذلك في ذيل كلام أمير المؤمنين «ع» في الدليل الرابع، فراجع. و يأتي بيان الشرائط للحاكم الحق الذي يجب إطاعته في الباب الرابع، فانتظر.

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 205

الفصل الرابع من الباب الثالث في ذكر الأخبار التي ربما توهم وجوب السكوت

اشارة

في قبال الجنايات و مظالم الأعداء في عصر الغيبة و عدم التدخل في الشؤون السياسية و إقامة الدولة العادلة و قد ذكر كثيرا منها في الوسائل في الباب 13 من كتاب الجهاد، و في الحقيقة تعدّ هذه الأخبار معارضة لما ذكرناها دليلا على وجوب السعى في إقامة الدولة العادلة.

فلنتعرض لها و نبين المراد منها:

فالأولى: صحيحة عيص بن القاسم،
[توضيح الصحيحة]

قال: «سمعت أبا عبد اللّه يقول: «عليكم بتقوى اللّه وحده لا شريك له. و انظروا لأنفسكم. فو اللّه ان الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فاذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه و يجي ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها. و اللّه لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرّب بها ثم كانت الأخرى باقية يعمل على ما قد استبان لها، و لكن له نفس واحدة اذا ذهبت فقد و اللّه ذهبت التوبة. فأنتم أحق ان تختاروا لأنفسكم. إن أتاكم آت منّا فانظروا على أيّ شي ء تخرجون.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 206

و لا تقولوا: خرج زيد، فان زيدا كان عالما و كان صدوقا، و لم يدعكم الى نفسه و انما دعاكم الى الرضا من آل محمد «ص». و لو ظفر لوفى بما دعاكم إليه. انّما خرج الى سلطان مجتمع لينقضه.

فالخارج منّا اليوم الى أيّ شي ء يدعوكم؟ الى الرضا من آل محمد «ص»؟ فنحن نشهدكم انا لسنا نرضى به و هو يعصينا اليوم و ليس معه احد، و هو اذا كانت الرايات و الألوية أجدر ألّا يسمع منّا، إلّا من اجتمعت بنو فاطمة معه، فو اللّه ما صاحبكم إلّا من اجتمعوا عليه. اذا كان رجب فاقبلوا على اسم اللّه،

و ان أحببتم ان تتأخروا الى شعبان فلا ضير، و ان أحببتم ان تصوموا في أهاليكم فلعل ذلك يكون أقوى لكم. و كفاكم بالسفياني علامة.» «1»

أقول: الصحيحة لا تدل على عدم وجوب الدفاع و عدم جواز الخروج، بل تدل على ان الداعي الى الخروج قد تكون دعوته باطلة، بأن يدعو الى نفسه مثلا مع عدم استحقاقه لما يدّعيه كمن يدعى المهدوية مثلا كذبا. و قد تكون دعوته حقه، كدعوة زيد بن علي بن الحسين مثلا، حيث دعا الناس لنقض السلطنة الجائرة و تسليم الحق الى أهله، أعني المرضى من آل محمد، يعني الامام الصادق «ع» فيجب على الأشخاص المدعوّين أن ينظروا لأنفسهم و يعملوا الدقة في ذلك و لا يتأثروا بالأحاسيس و العواطف الآنية.

فان الإنسان اذا كان بحسب فطرته بحيث يعمل الدقة في احراز ما هو صلاح لغنمه فهو بإعمال الدقة لنفسه أحق و أولى. و هذا حكم عقلي فطري، اذ على الإنسان أن يحكم العقل في الأمور المهمة و لا يقع تحت تأثير الإحساس الآني.

و جعل المجلسي «ره» في المرآة قوله: «انّما خرج الى سلطان مجتمع لينقضه» بيانا لعلة عدم ظفر زيد، قال في شرح العبارة: «أي فلذلك لم يظفر.» «2»

و كيف كان فالصحيحة تمضي قيام زيد و تدل على جواز القيام للدفاع عن الحقّ.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 35، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(2)- مرآة العقول 4/ 365، (من ط. القديم).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 207

و الأخبار في فضائل زيد و علمه و زهده و إمضاء قيامه كثيرة مستفيضة.

و قوله «ع»: «كان عالما و كان صدوقا» إشارة الى صلاحيته لان يكون أميرا في الثورة الحقة بحسب

علمه و عمله.

و لا خصوصية لزيد قطعا، و انما الملاك هدفه في قيامه و صلاحيته لذلك. فالقيام لنقض الحكومة الفاسدة الجائرة مع إعداد مقدماته جائز بل واجب. و لو ظفر زيد لوفى بما دعا اليه من إرجاع الحكومة الى المرضيّ من آل محمد، كما نطق به الخبر.

و عدم تسميته لشخص الامام الصادق «ع» لعله كان لوجهين:

الاول: انه أراد أن ينجذب اليه و يساعده كل من كان مخالفا للحكومة الفاسدة من أيّ فرقة من فرق المسلمين كان، و لذا اعانه حتى بعض من لم يكن من الخاصة، و قد حكى ان أبا حنيفة مثلا أعانه بثلاثين ألف درهم لذلك.

الثاني: انه أراد ان يبقى الإمام الصادق «ع» محفوظا من شرّ الحكومة الفاسدة على فرض عدم الظفر ليبقى ركنا و أساسا للحقّ، يجدّد بناء الإسلام ببيان معارفه و أخلاقياته و أحكامه بعد أن أخفتها حجب التأويلات و التحريفات و استار الجهل و الكتمان. و حفظه «ع» كان من أهمّ الفرائض، كما لا يخفى على من اطلع على العلوم الصادرة عنه «ع» في شتّى الموضوعات.

و روى عمرو بن خالد، قال: قال زيد بن علي بن الحسين «ع»:

«في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج اللّه به على خلقه. و حجة زماننا ابن أخي: جعفر بن محمد، لا يضلّ من تبعه و لا يهتدي من خالفه.» «1»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 46/ 173، تاريخ علي بن الحسين «ع»، الباب 11 (باب أحوال أولاد علي بن الحسين «ع» و أزواجه)، الحديث 24.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 208

قداسة زيد و قيامه

ثم ان قيام زيد لم يكن قياما إحساسيّا عاطفيا أعمى بلا اعداد للقوى و الأسباب، فانه بعث الى الأمصار و

جمع الجموع، و الكوفة كانت مقرّا لجند الإسلام من القبائل المختلفة و قد بايعه فيها خلق كثير، و قد قيل انه بايعه فيها أربعون ألفا من أهل السيف.

و امّا اطلاعه على كونه المصلوب بالأخرة في كناسة الكوفة بإخبار الإمام الباقر و الإمام الصادق «ع» فلم يكن يجوّز تخلّفه عن الدفاع عن الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بعد ما تهيأت له الاسباب من الجنود و السلاح. كما أن إخبار النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» بشهادة سيّد الشهداء «ع» في النهاية لم يمنعه من القيام بعد ما دعاه جنود الإسلام من الكوفة بالكتب و الرسائل و أخبره رائده مسلم بتهيؤ العدّة و العدّة. و لو كان لا يجيب الداعين مع كثرتهم و تهيئهم لكان لهم حجة عليه «ع» بحسب الظاهر.

و بالجملة العلم بالشهادة بالأخرة بإخبار غيبي لا يوجب عدم التكليف بعد تحقق شرائطه و أسبابه، فلعل جنوده تظفر و الإسلام يغلب و ان رزق بنفسه الشهادة، و المهم ظفر الإسلام و الحق و تحقق الهدف لا ظفر الشخص و غلبته، و لعل شهادته أيضا تؤثر في تقوّي الإسلام و بسطه، كما يشاهد نظير ذلك في كثير من الثورات.

و كيف كان فقيام زيد بن عليّ كان من سنخ نهضة الحسين «ع» غاية الأمر ان الحسين «ع» كان إماما بالحقّ يدعو الى نفسه، و زيد لم يكن يدعو الى نفسه بل الى الرضا من آل محمد، و قد أراد بذلك الإمام الصادق «ع» لا محالة.

و في خطبته المحكية عنه:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 209

«أ لستم تعلمون انّا ولد نبيّكم المظلومون المقهورون، فلا سهم و فينا و لا تراث اعطينا

و ما زالت بيوتنا تهدم و حرمنا تنتهك ...» «1»

فلم يكن يتكلم هو عن شخصه بل عن العترة «ع»

و عن الصادق «ع»: «إن عمّي كان رجلا لدنيانا و آخرتنا، مضى و اللّه عمّي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول اللّه «ص» و عليّ و الحسن و الحسين.» «2»

و في حديث قال الصادق «ع» لفضيل: «يا فضيل، شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟ قلت: نعم. قال: فكم قتلت منهم؟ قلت: ستة. قال: فلعلك شاك في دمائهم؟

قال: فقلت: لو كنت شاكّا ما قتلتهم. قال: فسمعته و هو يقول: أشركني اللّه في تلك الدماء، مضى و اللّه زيد عمّي و أصحابه شهداء مثل ما مضى عليه عليّ بن أبي طالب و أصحابه.» «3»

و في حديث آخر عن الباقر «ع» عن آبائه قال: «قال رسول اللّه «ص» للحسين «ع»:

يا حسين، يخرج من صلبك رجل يقال له زيد، يتخطى هو و أصحابه يوم القيامة رقاب الناس غرّا محجلين يدخلون الجنة بلا حساب.» «4»

و في خبر ابن سيّابة، قال: «دفع إليّ أبو عبد اللّه الصادق جعفر بن محمد ألف دينار و أمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي، فقسمتها فأصاب عبد اللّه بن زبير أخا فضيل الرسان أربعة دنانير.» «5»

الى غير ذلك من الأخبار الدالة على فضل زيد و تأييد قيامه.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 46/ 206، تاريخ علي بن الحسين «ع»، الباب 11 (باب أحوال أولاد علي بن الحسين «ع» و أزواجه)، الحديث 83.

(2)- عيون أخبار الرضا 1/ 252، الباب 25 (باب ما جاء عن الرضا «ع» في زيد)، الحديث 6.

(3)- بحار الأنوار 46/ 171، تاريخ علي بن الحسين «ع»، الباب 11 (باب أحوال أولاد علي بن الحسين

«ع» و أزواجه)، الحديث 20.

(4)- عيون أخبار الرضا 1/ 249، الباب 25، الحديث 2. بحار الأنوار 46/ 170، الباب 11، الحديث 19.

(5)- بحار الأنوار 46/ 170، الباب 11 (باب أحوال أولاد علي بن الحسين «ع» و أزواجه)، الحديث 18.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 210

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 210

هذا و قد عقد الصدوق في العيون بابا في شأن زيد بن علي، و ذكر فيه أخبارا.

منها: ما رواه بسنده عن ابن أبي عبدون، عن أبيه، قال: «لما حمل زيد بن موسى بن جعفر «ع» الى المأمون- و قد كان خرج بالبصرة و أحرق دور ولد العباس- وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا «ع» و قال له: يا أبا الحسن، لئن خرج أخوك و فعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل، و لو لا مكانك منّي لقتلته، فليس ما أتاه بصغير. فقال الرضا «ع»: يا أمير المؤمنين، لا تقس أخي زيدا الى زيد بن علي «ع» فانه كان من علماء آل محمد «ص» غضب للّه- عزّ و جلّ- فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله. و لقد حدثني أبي موسى بن جعفر «ع» انه سمع أباه جعفر بن محمد «ع» يقول: رحم اللّه عمّي زيدا انه دعا الى الرضا من آل محمد. و لو ظفر لو في بما دعا اليه. و لقد استشارني في خروجه فقلت له: يا عم، ان رضيت ان تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك. فلما ولّى

قال جعفر بن محمد «ع»: ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه. فقال المأمون: يا أبا الحسن، أ ليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما جاء؟ فقال الرضا «ع»: إن زيد بن علي «ع» لم يدّع ما ليس له بحقّ و إنه كان أتقى للّه من ذاك. إنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد. و إنما جاء ما جاء فيمن يدّعي أن اللّه نصّ عليه ثمّ يدعو إلى غير دين اللّه و يضل عن سبيله بغير علم.

و كان زيد و اللّه ممن خوطب بهذه الآية: و جاهدوا في اللّه حق جهاده، هو اجتباكم.» «1»

و قد ذكر الرواية مقطعة في هذا الباب من الوسائل أيضا «2».

و تدلّ هذه الرواية أيضا على قداسة زيد و إمضاء خروجه، و أنه لم يدّع ما ليس له، و أن قيامه كان جهادا في سبيل اللّه و أن إجابته كانت واجبة لمن سمع واعيته، و أن الذي لا يجوز إجابته هو من ادّعى النص على نفسه كذبا فضلّ و أضلّ كالمدعين للمهدوية، و أن الاطّلاع على الشهادة إجمالا بطريق غيبي لا يصير مانعا عن العمل بالوظيفة.

و قال الصدوق في العيون بعد نقل هذه الرواية:

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا 1/ 248، الباب 25 (باب ما جاء عن الرضا «ع» في زيد)، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 38، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 211

«لزيد بن علي فضائل كثيرة عن غير الرضا «ع» أحببت إيراد بعضها على إثر هذا الحديث ليعلم من ينظر في كتابنا هذا اعتقاد الامامية فيه.»

ثم ذكر أخبارا كثيرة. فيظهر من الصدوق أنّ قداسة زيد كانت من

معتقدات الإمامية.

و في إرشاد المفيد:

«كان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر «ع» و أفضلهم، و كان ورعا عابدا فقيها سخيا شجاعا، و ظهر بالسيف يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يطلب بثارات الحسين «ع».» «1»

و في تنقيح المقال عن التكملة:

«اتفق علماء الإسلام على جلالته و ثقته و ورعه و علمه و فضله.» «2»

و على هذا فلو فرض القول بان قيام الإمام الشهيد كان من خصائصه و لم يجز جعله أسوة في الخروج على أئمة الجور فقيام زيد لا يختص به قطعا، لعدم خصوصية فيه و عدم كونه إماما معصوما. هذا.

و لكن الفرض باطل قطعا، فإن الإمام أسوة كجده رسول اللّه «ص».

و قد قال «ع» في خطابه لأصحاب الحر: «فلكم فيّ أسوة.» «3»

و الامام المجتبى أيضا قام و جاهد الى أن خان أكثر جنده و غدروا و لم يتمكن من مواصلة الجهاد.

و سائر الأئمة «ع» أيضا لم تتحقق لهم شرائط القيام. و ستأتي رواية سدير و ان الإمام الصادق «ع» قال له: «لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود.» «4»

فهم- عليهم السلام- نور واحد و طريقهم واحد و انما تختلف الأوضاع

______________________________

(1)- الإرشاد/ 251 (طبعة أخرى/ 268).

(2)- تنقيح المقال 1/ 467.

(3)- تاريخ الطبري 7/ 300.

(4)- الكافي 2/ 242، كتاب الإيمان و الكفر، باب في قلة عدد المؤمنين، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 212

و الظروف، فلاحظ.

بل قد مرّ أن القيام للدفاع عن الإسلام و عن حقوق المسلمين في قبال هجوم الأعداء و تسلطهم على بلاد الإسلام و شئون المسلمين مما يحكم به ضرورة العقل و الشرع، و لا يشترط فيه إذن الإمام.

و

قوله- تعالى-: «وَ مٰا لَكُمْ لٰا تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ» «1»

و قوله: «وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوٰامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَوٰاتٌ وَ مَسٰاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّٰهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ» «2» من محكمات القرآن الكريم.

نعم، يجب إعداد القوى و الأسباب للقيام، كما مرّ.

فانظر كيف غفل المسلمون و رؤساؤهم و أغفلوا، و هجمت إسرائيل على القدس الشريف و على أراضي المسلمين و نفوسهم و معابدهم و معاهدهم و نواميسهم و أموالهم، و هجم كفار الغرب و الشرق و عملاؤهم على كيان الإسلام و شئون المسلمين، و كل يوم تسمع أخبار المجازر و الغارات و الاعتقالات، و رجال الملك و وعّاظ السلاطين و علماء السوء ساكتون في قبال هذه المجازر و المظالم و تراهم يصرفون أوقاتهم و طاقاتهم في التعيش و الترف و في إثارة الفتن و الاختلافات الداخلية و هضم بعضهم لبعض. اللّهم فخلّص المسلمين من شرّ حكام الجور و علماء السوء، و أيقظهم من سباتهم و هجعتهم، و لا حول و لا قوة إلّا باللّه. هذا.

و بالجملة فان قيام زيد كان ثورة حقة أمضاها الأئمة- عليهم السلام- و إن لم يظفر في نهاية الأمر كما لم يظفر سيد الشهداء «ع» بعد تحوّل أوضاع الكوفة بمجي ء

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 75.

(2)- سورة الحج (22)، الآية 40.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 213

عبيد اللّه بن زياد اليها.

فان قلت: روي عن زرارة، قال:

«قال لي زيد بن علي و أنا عند أبي عبد اللّه «ع» يا فتى، ما تقول في رجل من آل محمد «ص» استنصرك؟ قال:

قلت: ان كان مفروض الطاعة نصرته و ان كان غير مفروض الطاعة فلي ان افعل و لي ان لا افعل، فلما خرج قال ابو عبد اللّه «ع»:

أخذته و اللّه من بين يديه و من خلفه و ما تركت له مخرجا.» «1»

و نحو ذلك عن مؤمن الطاق أيضا في حديث مفصل «2».

قلت: ليس كلام أبي عبد اللّه «ع» نصّا في تخطئة قيام زيد، بل هو تحسين لزرارة و مؤمن الطاق في جوابهما. و واضح ان زيدا لم يكن اماما مفترض الطاعة.

هذا مضافا الى ان قوله: «فلي ان افعل ولي ان لا افعل» يدلّ على جواز قيامه مع غير مفترض الطاعة أيضا في الجملة. و الظاهر ان الامام «ع» قد أمضاه في ذلك. ثم لا يخفى ان كونهما من خواصّ الامام الصادق «ع» و مرابطيه، بحيث يعرفهما كل واحد بذلك، كان مقتضيا لعدم إجابتهما له، لما عرفت من أن المصلحة اقتضت عدم ظهور موافقة الإمام الصادق «ع» على قيام زيد و أمثاله ليبقى وجوده الشريف ركنا للحق و مجددا للشريعة بعد ما تطرقت اليها أيدي الكذبة و المحرفين، و حفظه «ع» في تلك الموقعية كان من أهم الفرائض.

نعم، هنا روايات دالّة على ذمّ زيد و تخطئته في قيامه، و لكن أسانيدها ضعيفة

______________________________

(1)- الاحتجاج/ 204، (طبعة أخرى 2/ 137).

(2)- الاحتجاج/ 204، (طبعة اخرى 2/ 141- 142). الكافي 1/ 174، كتاب الحجة، باب الاضطرار إلى الحجة، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 214

جدّا فلا تقاوم صحيحة العيص و الأخبار الكثيرة الواردة في مدحه و تأييد ثورته المتلقاة بالقبول من قبل أصحابنا- رضوان اللّه عليهم-. هذا.

و لنذكر واحدة من تلك الروايات نموذجا، و

لعلها أوضحها:

ففي الكافي: «محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسين بن الجارود، عن موسى بن بكر بن داب، عمّن حدّثه، عن أبي جعفر «ع» ان زيد بن علي بن الحسين «ع» دخل على أبي جعفر محمد بن علي و معه كتب من أهل الكوفة، يدعونه فيها الى أنفسهم و يخبرونه باجتماعهم و يأمرونه بالخروج.

فقال له أبو جعفر «ع»: هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت به اليهم و دعوتهم اليه؟

فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقّنا و بقرابتنا من رسول اللّه «ص» و لما يجدون في كتاب اللّه- عزّ و جلّ- من وجوب مودّتنا و فرض طاعتنا و لما نحن فيه من الضيق و الضنك و البلاء.

فقال له ابو جعفر «ع»: ان الطاعة مفروضة من اللّه- عزّ و جلّ- و سنّة أمضاها في الأولين، و كذلك يجريها في الآخرين، و الطاعة لواحد منا و المودّة للجميع، و أمر اللّه يجري لأوليائه بحكم موصول و قضاء مفصول و حتم مقضي و قدر مقدور و أجل مسمّى لوقت معلوم، فلا يستخفنك الذين لا يوقنون، انهم لن يغنوا عنك من اللّه شيئا، فلا تعجل فان اللّه لا يعجل لعجلة العباد، و لا تسبقن اللّه فتعجزك البلية فتصرعك.

قال: فغضب زيد عند ذلك ثم قال: ليس الإمام منّا من جلس في بيته و أرخى ستره و ثبّط عن الجهاد و لكن الإمام منّا من منع حوزته و جاهد في سبيل اللّه حق جهاده و دفع عن رعيّته و ذبّ عن حريمه.

قال أبو جعفر «ع»: هل تعرف يا أخي من نفسك شيئا مما نسبتها اليه فتجي ء عليه بشاهد من كتاب اللّه أو حجة من

رسول اللّه «ص» أو تضرب به مثلا، فان اللّه- عزّ و جلّ- أحل حلالا و حرّم حراما و فرض فرائض و ضرب أمثالا و سنّ سننا و لم يجعل الإمام القائم بأمره في شبهة فيما فرض له من الطاعة أن يسبقه بأمر قبل محله أو يجاهد فيه قبل حلوله، و قد قال اللّه- عزّ و جلّ- في الصيد:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 215

«لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» «1» أ فقتل الصيد أعظم أم قتل النفس التي حرّم اللّه؟ و جعل لكل شي ء محلا و قال اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا» «2»، و قال- عزّ و جلّ-: «لٰا تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرٰامَ.» «3» فجعل الشهور عدة معلومة، فجعل منها أربعة حرما، و قال: «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّٰهِ» «4» ثم قال- تبارك و تعالى-: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» «5» فجعل لذلك محلا، و قال: «وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ» «6» فجعل لكل شي ء أجلا و لكل أجل كتابا.

فان كنت على بينة من ربك و يقين من أمرك و تبيان من شأنك فشأنك، و الّا فلا ترومنّ أمرا أنت منه في شك و شبهة و لا تتعاط زوال ملك لم ينقض أكله و لم ينقطع مداه و لم يبلغ الكتاب أجله، فلو قد بلغ مداه و انقطع أكله و بلغ الكتاب أجله لا نقطع الفصل و تتابع النظام و لأعقب اللّه في التابع و المتبوع الذلّ و الصغار. أعوذ باللّه من إمام ضلّ عن وقته، فكان التابع فيه أعلم من

المتبوع.

أ تريد يا أخي أن تحيي ملة قوم قد كفروا بآيات اللّه و عصوا رسوله و اتبعوا أهواءهم بغير هدى من اللّه و ادعوا الخلافة بلا برهان من اللّه و لا عهد من رسوله؟! أعيذك باللّه يا أخي ان تكون غدا المصلوب بالكناسة.

ثم ارفضّت عيناه و سالت دموعه ثم قال: اللّه بيننا و بين من هتك سترنا و جحدنا حقنا و أفشى سرّنا و نسبنا الى غير جدنا و قال فينا ما لم نقله في أنفسنا.» «7»

أقول: قد نقلنا الرواية بطولها لكنك ترى انها مرسلة، مضافا الى ان الحسين بن الجارود و موسى بن بكر بن داب كليهما مجهولان لم يذكرا في كتب الرجال بمدح و لا قدح.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 95.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 2.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 2.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 2.

(5)- سورة التوبة (9)، الآية 5.

(6)- سورة البقرة (2)، الآية 235.

(7)- الكافي 1/ 356، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق و المبطل ...، الحديث 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 216

و قوله: «لواحد منّا» يعني من جاء بامامته النص. و قوله: «لا نقطع الفصل» أي بين دولتي الحق. و قوله: «في التابع و المتبوع» أي من أهل الباطل. و قوله: «ارفضّت عيناه» على وزن احمرّت، أي رشّت.

و قوله: «اللّه بيننا و بين من هتك سترنا» قال في الوافي:

«ليس هذا تعريضا لزيد حاشاه، بل لمن عاداه و عاداه و سيأتي أخبار في علوّ شأن زيد، و أنه و أصحابه يدخلون الجنة بغير حساب، و انه كان إنّما يطلب الأمر لرضا آل محمد و ما طلبه لنفسه، و انه كان يعرف حجة

زمانه و كان مصدقا به- صلوات اللّه عليه- فليس لأحد أن يسي ء الظن فيه- رضوان اللّه عليه-.» «1»

و قال المجلسي في مرآة العقول في ذيل الرواية ما حاصله:

«إن الأخبار اختلفت في حال زيد، فمنها ما يدلّ على ذمه، و أكثرها يدل على كونه مشكورا و انه لم يدّع الإمامة و انه كان قائلا بامامة الباقر و الصادق «ع» و انما خرج لطلب ثار الحسين «ع» و للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كان يدعو الى الرضا من آل محمد «ص» و اليه ذهب أكثر أصحابنا، بل لم أر في كلامهم غيره. و قيل انّه كان مأذونا من قبل الإمام «ع» سرّا.» «2»

و نحن نقول اجمالا ان قولنا بقداسة زيد و حسن نيّته في قيامه ليس قولا بعصمته و عدم صدور اشتباه منه طيلة عمره و عدم احتياجه الى هداية الإمام و نصيحته له اصلا. و لعله في بادي الأمر اشتبه عليه الأمر و صار أسيرا للأحاسيس الآنية فنبّهه الإمام الباقر «ع» و حذّره من الاستعجال و الاغترار و الاعتماد على بعض من لا يعتمد عليه. و وفاة الإمام الباقر «ع» على ما في أصول الكافي «3» كانت في سنة 114 من الهجرة، و قيام زيد المؤيد عند الأئمة «ع» على ما ذكره أرباب السير كان في عصر الإمام الصادق «ع» في سنة 121، فلعل الظروف و الأجواء اختلفت في

______________________________

(1)- الوافي 1/ «م 2»/ 35.

(2)- مرآة العقول 4/ 18 (ط. القديم 1/ 261).

(3)- الكافي 1/ 469، كتاب الحجة، باب مولد أبي جعفر محمد بن علي «ع».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 217

هذه المدة، و هو على ما في بعض

الأخبار كان مقرّا بإمامة الإمام الصادق «ع» و انه حجة زمانه، و قد مرّ منها خبر عمرو بن خالد المروي في الأمالي.

و عدم عجلة اللّه- تعالى- لعجلة العباد أمر صحيح لا مرية فيه، و لكنه لا يوجب رفع التكليف بالدفاع و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هل يمكن الالتزام بانحصار الجهاد و الأمر بالمعروف في من علم بالغيب انه يظفر على خصمه مأئة بالمائة فيجوز لغيره السكوت و السكون في قبال الجنايات و هتك المقدّسات؟!

ثم هل لا يكون مفاد هذا الكلام تخطئة لأمير المؤمنين «ع» في جهاده مع معاوية، و للسبط الشهيد في ثورته على يزيد؟! و هل لم يقع في صفين و كربلاء إراقة للدماء و قتل للنفوس؟!

و انت ترى ان الثورات التي وقعت في العالم ضدّ الملوك المقتدرين و الجبابرة الظالمين قد نجح كثير منها، و منها ثورتنا في ايران، مع انه لم يحصل اليقين بالظفر قبلها.

فهل تكون جميع هذه الثورات الناجحة في قبال الكفار و الظلمة مرفوضة و محكوم عليها بالخطإ و الضلال؟

و هل يكون للكفار و الصهاينة التغلّب على المسلمين و الإغارة عليهم و سفك دمائهم و تخريب بلادهم، و ليس للمسلمين الّا السكوت و التسليم في قبال جميع ذلك؟! لا أدري أيّ فكرة هذه الفكرة؟! و سيجي ء في جواب بعض الأخبار الآتية ما ينفعك في المقام، فانتظر.

و كيف كان فصحيحة العيص في الباب تدل على قداسة زيد و تأييد ثورته و يؤيدها أخبار كثيرة، فلا يعارضها بعض الأخبار الضعاف التي يخالف مضمونها لحكم العقل و محكمات الكتاب و السنة، فيجب أن يردّ علمها الى أهله.

هذا كلّه فيما يرتبط بزيد في ثورته. و تشبه قصته قصة الحسين بن علي

شهيد فخ في ثورته، و قد استفاضت الأخبار في مدحه و تأييده، و الظاهر كما قيل عدم ورود خبر

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 218

في قدحه، فراجع مظانه. و يأتي ذكر منه في الفصل السادس من الباب الخامس في مسألة الكفاح المسلّح ضدّ حكام الجور.

[شرح بقيّة صحيحة العيص]

فلنرجع الى شرح بقيّة صحيحة العيص، أعني الرواية الأولى من أخبار الباب، فنقول:

يظهر من الصحيحة إجمالا أنه كانت توجد في عصر الإمام الصادق «ع» بعض الثورات من قبل السادة من أهل البيت غير مؤيدة من قبله «ع» مع اشتمالها على الدعوة الباطلة و العصيان للإمام الحقّ. و لا يهمّنا تشخيصها و معرفتها بأعيانها و ان كان من المحتمل إرادة قيام محمد بن عبد اللّه المحض باسم المهدوية. اذ المستفاد من الأخبار و التواريخ أنه قام باسم المهدوية و أن أباه و أخاه و أصحابه كانوا يعرّفونه بذلك.

ففي الإرشاد عن كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني ما حاصله:

«ان كثيرا من الهاشميين و فيهم عبد اللّه و ابناه: محمد و ابراهيم، و منصور الدوانيقي اجتمعوا في الأبواء فقال عبد اللّه: قد علمتم ان ابني هذا هو المهدي فهلم فلنبايعه فبايعوه جميعا على ذلك فجاء عيسى بن عبد اللّه فقال: لأيّ شي ء اجتمعتم؟ فقال عبد اللّه: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد اللّه و جاء جعفر بن محمد «ع» فأوسع له عبد اللّه الى جنبه فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر «ع»: لا تفعلوا فان هذا الأمر لم يأت بعد. ان كنت ترى ان اينك هذا هو المهدي فليس به و لا هذا أوانه. و ان كنت انما تريد أن تخرجه غضبا للّه و ليأمر بالمعروف و ينهى

عن المنكر فانا و اللّه لا ندعك و أنت شيخنا و نبايع ابنك في هذا الأمر. فغضب عبد اللّه و قال: لقد علمت خلاف ما تقول و و اللّه ما أطلعك اللّه على غيبه و لكنه يحملك على هذا الحسد لابني ...» «1»

و رواه في البحار أيضا عن إعلام الورى و الارشاد. «2»

______________________________

(1)- الإرشاد/ 259 (طبعة أخرى/ 276)، باب ذكر طرف من أخبار أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق «ع».

(2)- بحار الأنوار 47/ 277، تاريخ الإمام الصادق «ع»، الباب 31 (باب أحوال أقربائه و ...)، الحديث 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 219

و يظهر من نفس هذا الخبر أيضا أن القيام غضبا للّه و للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مما لا بأس به.

و في البحار عن إعلام الورى أيضا:

«ان محمد بن عبد اللّه بن الحسن قال لأبي عبد اللّه «ع»: و اللّه انّي لأعلم منك و أسخى منك و أشجع منك.» «1»

و في صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي

أن جماعة من المعتزلة، فيهم عمرو بن عبيد و واصل بن عطا و حفص بن سالم و ناس من رؤسائهم، دخلوا على أبي عبد اللّه «ع» و ذكروا انهم أرادوا أن يبايعوا لمحمد بن عبد اللّه بالخلافة و عرضوا عليه أن يدخل معهم في ذلك، فذكر- عليه السلام ..

كلاما طويلا و في آخره روى عن أبيه أن رسول اللّه «ص» قال: «من ضرب الناس بسيفه و دعاهم الى نفسه و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلف.» «2»

فيظهر من ذلك ان محمد بن عبد اللّه كان يدعو الى نفسه مع وجود من هو أعلم منه.

و بالجملة حيث

انه روي من طرق الفريقين عن النبي «ص»: ان المهدي يظهر و «يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا» «3»، فقد صار هذا سببا لاشتباه الأمر على كثيرين و ادعاء كثير من الهاشميين المهدوية. و لعل الخبر المرويّ عن النبي «ص» ان المهدي «اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي» «4» كان من مجعولات بعض أتباع محمد بن عبد اللّه بن الحسن. هذا.

و لكن ابن طاوس في الإقبال على ما في البحار التزم جانب الدفاع عن

______________________________

(1)- بحار الأنوار 47/ 275، تاريخ الإمام الصادق «ع»، الباب 31 (باب أحوال أقربائه و ...)، الحديث 15.

(2)- الوسائل 11/ 29، الباب 9 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- راجع بحار الأنوار ج 51، تاريخ الإمام الثاني عشر، باب ما ورد من الإخبار بالقائم «ع» و ...، و التاج الجامع للأصول 5/ 341- 344، الباب 7 من كتاب الفتن.

(4)- التاج الجامع للأصول 5/ 343.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 220

عبد اللّه و ابنيه «1». و المسألة محتاجة الى تتبع و بحث وسيع، فراجع البحار و غيره.

و يظهر من الأخبار أن الأئمة- عليهم السلام- مع عدم إمضائهم لبعض ثورات السادات كانوا يتأثرون جدّا لما كان يقع على الثوّار من السجن و القتل و الغارات، و كانوا يبكون عليهم بما أنهم أهل بيت النبي و سلبوا بعض حقوقهم و لم تلحظ الأمّة شرفهم و كرامتهم.

و الحاصل ان المستفاد من صحيحة عيص ان الثورات الواقعة على قسمين.

فالدعوة الى النفس كانت باطلة، و الدعوة لنقض السلطة الجائرة و ارجاع الحق الى أهله كانت حقّة. و الواجب على المدعوّين تحكيم العقل و الدقة و اتباع الحق.

و

أما آخر الصحيحة فالظاهر كونه إخبار غيبيا بزمان ظهور القائم «ع» و قيامه و انه في رجب أو شعبان أو بعد رمضان. فإن كان ظهوره في رجب أو شعبان فالإقبال بعد رمضان للّحوق به بعد قيامه، و ان كان ظهوره بعد رمضان فالإقبال قبله للتهيؤ.

و يحتمل- كما في مرآة العقول «2»- ان يريد الامام الصادق «ع» الإقبال الى نفسه قبل أيام الحج مقدمة للاستفادة من علومه و فضائله، فان من حكم الحج لقاء الإمام و الاستضاءة بأنواره، كما في بعض الروايات. هذا.

و قد روى الصدوق بعض صحيحة عيص في العلل بنحو النقل بالمعنى «3» و ستأتي الإشارة اليه.

هذا كلّه فيما يرتبط بصحيحة عيص بن القاسم الرواية الأولى من أخبار الباب و قد طال الكلام فيها، و انما تابعنا الكلام فيها، لان مسألة قيام زيد لها ارتباط مباشر بمسألتنا المبحوث عنها، أعني جواز القيام للدفاع عن الحق في قبال سلاطين الجور أو

______________________________

(1)- بحار الأنوار 47/ 301، تاريخ الإمام الصادق «ع»، الباب 31.

(2)- مرآة العقول 4/ 365 (من ط القديم).

(3)- الوسائل 11/ 38، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 10، عن العلل/ 192 (طبعة أخرى/ 577) الجزء 2، الباب 385 (باب نوادر العلل)، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 221

وجوب السكوت و السكون. و قد ظهر لك ان الصحيحة ليست من أدلة وجوب السكون، بل من ادلة عدم جواز الخروج تحت راية من كانت دعوته باطلة، فلاحظ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 222

الرواية الثانية من أخبار الباب خبر حماد بن عيسى

عن ربعي رفعه عن علي بن الحسين «ع» قال: «و اللّه لا يخرج أحد منّا قبل خروج القائم الّا كان مثله

كمثل فرخ طار من وكره قبل ان يستوي جناحاه فاخذه الصبيان فعبثوا به.» «1»

و الرواية كما ترى مرفوعة لا اعتبار بها من حيث السند، اللهم الّا ان يقال ان السند الى حماد صحيح، و حماد من أصحاب الاجماع.

و ربما يتبادر الى الذهن في هذا السنخ من الأخبار كونها من مختلقات عمّال الأمويين و العباسيين لصرف السادة العلويين عن فكرة القيام في قبال مظالمهم. هذا.

مضافا الى ان الظاهر من الخبر انه ليس في مقام بيان الحكم الشرعي، و ان القيام في قبال الباطل جائر أم لا، بل هو إخبار غيبي منه «ع». و مفاده ان الخارج منّا أهل البيت قبل قيام القائم لا يظفر في النهاية و ان ترتب على قيامه آثار مهمّة.

كيف! و لو كان غرضه «ع» التخطئة للخروج قبل قيام القائم «ع» لكان تخطئة لقيام أبيه الحسين «ع» أيضا.

و لا ينتقض إخباره الغيبي هذا بخروج بعض العلويين في اليمن أو بعض بلاد إيران، أو خروج الفاطميين في افريقيا و ظفرهم و حكومتهم، اذ مضافا الى عدم شمول ملكهم لجميع البلاد الإسلامية ربما يشكك في نسب خصوص الخلفاء الفاطميين، فحكى السيوطي في أول كتابه: تاريخ الخلفاء عن ابن خلّكان أن أكثر اهل العلم لا يصحّحون نسب المهدي عبيد اللّه، جدّ خلفاء مصر «2». و عن الذهبي

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 36، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(2)- تاريخ الخلفاء/ 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 223

«ان المحققين متفقون على ان عبيد اللّه المهدي ليس بعلويّ.» «1» هذا، و لكن من المحتمل جدّا دخالة بعض التعصبات و السياسات الباطلة في هذه الكلمات، حيث انهم كانوا معارضين للعباسيين فاهتمّ العباسيون و

عملاؤهم على القدح فيهم بما اختلفوا عليهم من التهم، فراجع التواريخ.

و يمكن ان يكون مراد الإمام بقوله: «منّا» في المرفوعة- على فرض صدورها عنه- خصوص الأئمة الاثنى عشر لا جميع العلويين، حيث ان شيعتهم «ع» كانوا يتوقعون منهم الخروج و القيام، و كانوا يصرّون على ذلك، فأراد الإمام «ع» إقناعهم ببيان أمر غيبي، و هو ان الخارج منّا قبل القائم «ع» لا يوفّق و لا يظفر، لعدم العدّة و العدّة و الأسباب اللازمة.

و على أي حال فالخبر- على فرض صدوره- مربوط بخروج الأئمة «ع» أو خروج أهل البيت و انهم لا يظفرون ظفرا نهائيا، فلا يجوز ان يستدل به على السكوت منّا و عدم الدفاع عن الإسلام و المسلمين في قبال هجمة الكفار و عمّالهم اذا تحققت الشرائط و ظنّ النجاح. و أدلّ الأشياء على إمكان الشي ء وقوعه، و قد نجحت الثورة الإسلامية في إيران- بحمد اللّه و منّته- بقيادة أحد من سلالة أهل البيت المضطلع في العلوم الإسلامية.

و نظير هذا الخبر، الخبر المرويّ عن الامام الصادق «ع» في مقدمة الصحيفة السجادية.

و الراوي له على ما في الصحيفة المطبوعة: «عمير بن متوكل، عن أبيه متوكل بن هارون»، و لكن في فهرست الشيخ نسبه الى متوكل بن عمر بن متوكل «2». و لم يذكر الرجل في الرجال بمدح و لا قدح، اللهم إلّا أن يقال إن تلقي الأصحاب كتاب الصحيفة منه دليل على توثيقه عملا، فتأمّل.

و يوجد في السند أيضا ابو المفضل محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني.

______________________________

(1)- تاريخ الخلفاء/ 3.

(2)- الفهرست للشيخ/ 170 (ط. أخرى/ 199).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 224

و الرجل مختلف فيه، و عن النجاشي:

«رأيت جلّ

أصحابنا يغمزونه و يضعّفونه»، ثم نسب اليه كتبا منها كتاب فضائل عباس بن عبد المطلب «1».

و نفس هذا يكفي في قدح روايته الموافقة لمصالح بني العباس و سياستهم.

و عن ابن الغضائري:

«محمد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني أبو المفضّل وضّاع كثير المناكير.» «2»

و بالجملة فسند الحديث ليس صافيا. هذا.

و ملخّص ما في مقدمة الصحيفة:

«ان المتوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي و هو متوجه الى خراسان بعد قتل أبيه، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من الحج، فسألني عن أهله و بني عمّه، و أحفى السؤال عن جعفر بن محمد «ع» و قال: هل سمعته يذكر شيئا من أمري؟ فقلت: سمعته يقول: إنك تقتل و تصلب كما قتل أبوك و صلب ... فقلت:

انّي رأيت الناس الى ابن عمّك جعفر أميل منهم إليك و الى أبيك. فقال: ان عمي و ابنه جعفرا دعوا الناس الى الحياة و نحن دعوناهم الى الموت. فقلت: يا بن رسول اللّه أ هم أعلم أم أنتم؟ قال: كلّنا له علم غير انهم يعلمون كلّ ما نعلم و لا نعلم كلّ ما يعلمون ...

قال المتوكل: فقبضت الصحيفة فلما قتل يحيى صرت الى المدينة فلقيت أبا عبد اللّه «ع» فحدثته الحديث عن يحيى فبكى ...

قال لي أبو عبد اللّه «ع»: يا متوكل كيف قال لك يحيى: ان عمّي محمد بن علي و ابنه جعفرا دعوا الناس الى الحياة و دعوناهم الى الموت؟ قلت: نعم قد قال لي ذلك.

فقال: يرحم اللّه يحيى، ان أبي حدثني عن أبيه، عن جدّه، عن علي «ع» ان رسول اللّه «ص» أخذته نعسة و هو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو

______________________________

(1)-

رجال النجاشي/ 281، (طبعة أخرى/ 396).

(2)- تنقيح المقال 3/ 146.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 225

القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقرى ... فأتاه جبرئيل بهذه الآية: «وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ إِلّٰا فِتْنَةً لِلنّٰاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمٰا يَزِيدُهُمْ إِلّٰا طُغْيٰاناً كَبِيراً.» «1» يعني بني أمية ... قال: و أنزل اللّه- تعالى- في ذلك: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» «2» تملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر.

قال: فاطلع اللّه- عزّ و جلّ- نبيّه ان بني اميّة تملك سلطان هذه الأمة، و ملكها طول هذه المدة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن اللّه- تعالى- بزوال ملكهم ... فأسرّ رسول اللّه «ص» ذلك الى عليّ و أهل بيته. قال: ثم قال أبو عبد اللّه «ع»: ما خرج و لا يخرج منّا أهل البيت الى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما أو ينعش حقا إلّا اصطلمته البلية و كان قيامه زيادة في مكروهنا و شيعتنا.»

اقول: مضافا الى ما مرّ من الخدشة في سند الخبر، و الى احتمال كون هذا السنخ من الأخبار من مختلقات أيادي خلفاء الوقت لصرف العلويين عن الخروج عليهم و إيجاد روح اليأس فيهم و صرف الناس عن التوجّه اليهم و الدخول تحت رأيتهم: ان مفاد الخبر كما ترى هو ان رسول اللّه «ص» أسرّ بملك بني أمية و طوله مدّة ألف شهر الى عليّ و أهل بيته و منهم الحسين الشهيد قطعا. و الإمام الصادق «ع» قال:

«ما خرج و لا يخرج منا أهل البيت ...»، فكلامه يشمل خروج الحسين «ع» أيضا،

فلو كان بصدد التخطئة للخروج لكان مفاد الحديث تخطئة خروج الحسين «ع» أيضا.

فيعلم بذلك ان المراد بالخبر- على فرض صدوره- ليس هو بيان الحكم الشرعي و ان الخروج جائز أو غير جائز، بل بيان أمر غيبي تلقاه الإمام «ع» من أجداده، و ان الخارج منّا لا ينجح مأئة بالمائة بحيث لا تعرض له البلية. و المصائب مكروهة للطبع قهرا. و ليس كل مكروه للطبع مكروها أو حراما في الشرع، بل

______________________________

(1)- سورة الإسراء (17)، الآية 60.

(2)- سورة القدر (97)، الآية 1- 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 226

عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و تترتب عليه بركات من جهات اخر. فلا يدلّ ذيل الحديث أيضا على تخطئة الخروج و القيام.

و قد مرّ أن إخبار رسول اللّه «ص» بشهادة الحسين «ع» أو شهادة زيد بالأخرة لم يمنعهما عن الخروج، بعد اقتضاء التكليف للدفاع عن الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إتمام الحجة على كثير ممن اشتبه عليه الحق، مع تحقق الشرائط من دعوة رؤساء الكوفة و قواتها المسلّحة و اخبار رائد الإمام مسلم بن عقيل بصدق الداعين و بيعتهم.

كيف! و لو لم يكن للخروج أيّة فائدة إلّا ظهور خباثة بني أمية و بروز باطنهم و امتياز صف الباطل عن صفّ الحق و إتمام الحجة على الناس لئلا يكون لهم على اللّه و على إمام العصر حجّة- مضافا الى تضعيف دولة الباطل و كسر سورتهم- لصار هذا الخروج جائزا بل واجبا.

و في نهج البلاغة: «فالموت في حياتكم مقهورين، و الحياة في موتكم قاهرين.» «1»

و فيه أيضا: «و سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص المعكوس و

الجسم المركوس حتى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد.» «2»

و مراده «ع» معاوية، و هو من بني أمية و من أصولها، و قد قاتله «ع» مع أنه «ع» أيضا ممن أسرّ اليه النبي «ص» على ما في الخبر بملك بني أمية.

فلعل مراده «ع» في المقام هو العمل بوظيفة الجهاد ليتميز الخبيث من الطيب و ان لم يظفر في جهاده بالأخرة.

و مفاد الآية الشريفة المذكورة في الخبر ان خلق الناس انما هو للفتنة و البلاء.

و سلطة الجائرين كبني أمية أيضا نحو فتنة و امتحان، ليميز اللّه الخبيث من الطيب خارجا. و في ايام الامتحان أيضا لا ينقطع لطف اللّه و تخويفه أيضا. فلعل خروج

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 138؛ عبده 1/ 96؛ لح/ 88، الخطبة 51.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 971؛ عبده 3/ 82؛ لح/ 418، الكتاب 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 227

الإمام الشهيد و نحوه أيضا كان من مصاديق التخويف المذكور في الآية و لكنه مما زاد في طغيانهم.

ثم على فرض كون الخبر في مقام بيان الوظيفة و الحكم الشرعي فهو كما ترى مرتبط بأهل البيت، فلا يجوز التمسك به للسكوت منّا في هذه الأعصار في قبال هجوم الكفار و الصهاينة على بلاد المسلمين و جميع شئونهم.

ثم ان في الخبر اشكالا آخر، و هو ان ألف شهر يساوي ثلاثا و ثمانين سنة و أربعة أشهر. و خلافة عثمان أول خلفاء بني أميّة كانت من السنة الثالثة و العشرين من الهجرة. و البيعة للسفّاح أول خلفاء بني العباس كانت في السنة الاثنتين و ثلاثين و مأئة، فكانت مدّة ملك بني أميّة تسعا و مأئة. و لو اضيف الى ذلك مدّة خلافة

بني أمية في الأندلس صارت قرونا. فكيف جعلها في الرواية الف شهر؟

اللهم الّا ان لا تحسب مدّة خلافة عثمان، و لا خلفاء الأندلس، فيجعل المبدأ السنة الأربعين بعد شهادة أمير المؤمنين «ع» أو صلح الحسن المجتبى «ع» و يحذف أيضا تسع أو ثمان سنوات من الآخر لضعف حكومتهم و مزاحمة ابراهيم العباسي و اخيه السفّاح و المسوّدة في خراسان لهم، فتدبر.

و يمكن ان يقال: ان المراد بألف شهر ليس مفاده المطابقي بل هو كناية عن أصل الكثرة أو القلّة، و هذا شائع في الاستعمالات.

و الظاهر من الرواية- على فرض صدورها- ان نزول سورة القدر كان لتسلية النبي «ص» في قبال ملك بني أمية، و لعلها من جهة بيان ان الملك الظاهري و ان انتقل الى بني امية، و لكن الأئمة من عترة النبي «ص» يكونون مهابط الملائكة و الروح، و عليهم تتنزّل الأمور و المقدرات بنزولهم اليهم، و ليلة القدر ليلة سلام عليهم، يسلّم عليهم الملائكة النازلون، كما ورد بذلك بعض الروايات، فلهم الملك بحسب الباطن و المعنى، لكونهم وسائط الفيض و المقدّرات. هذا.

و نظير المرفوعة و خبر الصحيفة أيضا رواية أبي الجارود، قال: «سمعت

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 228

أبا جعفر «ع» يقول: ليس منّا أهل البيت أحد يدفع ضيما و لا يدعو الى حق إلّا صرعته البلية، حتّى تقوم عصابة شهدت بدرا لا يوارى قتيلها و لا يداوى جريحها. قلت: من عنى أبو جعفر «ع»؟ قال: الملائكة.» «1»

و نحوها روايته الأخرى «2». و لعلهما رواية واحدة و هذه قطعة من تلك، فراجع.

و الجواب عنها يظهر مما مرّ.

و نعيد الكلام فنقول في الجواب عن هذه الأخبار و نظائرها-

مضافا الى ضعف سندها المانع من نهوضها في مقابل الأدلّة القطعية الحاكمة بالجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إقامة أحكام الإسلام و الدفاع عن حوزة المسلمين و شئونهم- ان الظاهر كون بعضها من مختلقات أو تحريفات أيادي حكّام الجور و مرتزقتهم، حيث واجهوا قيام بعض العلويين و اتجاه الناس اليهم فأرادوا بهذه الوسيلة قطع رجائهم و إبعادهم عن ميدان السياسة- فالسياسة ما السياسة؟

و ما ادراك ما السياسة؟!

و بعضها خاص بأصحاب الرايات الضالة الذين كانوا يدعون الناس الى انفسهم.

و بعضها ناظر الى شخص معين أو ظرف معين حيث لا توجد مقدّمات القيام و شروطه.

و بعضها صادر عن تقية من حكام الجور.

و بعضها ليس في مقام بيان الحكم الشرعي، بل متضمن لإخبار غيبي فقط.

الى غير ذلك من الوجوه التي مرّت أو تأتي في الروايات الآتية، فانتظر.

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 248، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 6.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 248، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 229

الثالثة من أخبار الباب خبر سدير،

قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «يا سدير الزم بيتك و كن حلسا من أحلاسه و اسكن ما سكن الليل و النهار، فاذا بلغك ان السفياني قد خرج فارحل إلينا و لو على رجلك.» «1»

بتقريب ان سديرا لا خصوصية له، فيجب السكوت و ترك الخروج الى قيام القائم- عليه السلام-.

أقول: الغاء الخصوصية يتوقف على العلم بعدم دخالة خصوصية الشخص و المورد، و هو ممنوع في مثل سدير بعد تتبع حاله، اذ بالتتبع يظهر انه بنفسه لم يكن ممن يتمكن من القيام و إقامة الحكومة الإسلامية، بل كان رجلا عاديا مخلصا للإمام الصادق- عليه

السلام-، و لكنه كان ممن يغلب إحساسه على تدبيره و فكره، و كان يظن قدرة الإمام على الخروج و تحقق الشرائط لتصديه الخلافة، فكان ينتظر خروج الإمام و يصرّ عليه حتى يكون هو أيضا تحت رايته، فأراد الامام «ع» بيان انه- عليه السلام- ليس ممن يوفّق فعلا لتصدي الخلافة الظاهرية الفعلية و ان العلامة للقائم بالحق خروج السفياني.

و الواجب على مثل هذا الشخص المشتبه عليه الأمر، و الواقع تحت تأثير الإحساس الخاطئ ليس إلّا لزوم بيته، لئلا يهلك نفسه و غيره بلا فائدة.

و الشاهد على ما ذكرنا من حال سدير أمور:

الأول: ما في تنقيح المقال انه: «ذكر عند أبي عبد اللّه «ع» سدير، فقال: سدير

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 36، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 230

عصيدة بكل لون.» «1»

و المراد منه على الظاهر انه معقود بكل لون، و انه رجل احساسي مزاجي غير مستقيم بحسب الفكر و الدقة، لا انه ملتزم بالتقية الواجبة و يتلون عند كل فرقة بلون يحفظ به نفسه، كما في تنقيح المقال. اذ لو كان كذلك لم يكن يقع في سجن المخالفين، و قد ورد فيه ان أبا عبد اللّه «ع» قال لزيد الشحام: «يا شحّام، انّي طلبت الى إلهي في سدير و عبد السلام بن عبد الرحمن- و كانا في السجن- فوهبهما لي و خلّى سبيلهما.» «2»

و الشاهد الثاني: ما في الكافي عن سدير الصيرفي، قال: «دخلت على أبي عبد اللّه «ع» فقلت له: و اللّه ما يسعك القعود. فقال: و لم يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك و شيعتك و أنصارك. و اللّه لو كان لأمير المؤمنين «ع»

مالك من الشيعة و الأنصار و الموالي ما طمع فيه تيم و لا عديّ. فقال: يا سدير، و كم عسى ان تكونوا؟ قلت:

مأئة ألف، قال: مأئة ألف؟ قلت: نعم، و مأتي ألف. قال: مأتي الف؟ قلت: نعم و نصف الدنيا.

قال: فسكت عني، ثم قال: يخفّ عليك ان تبلغ معنا الى ينبع؟ قلت: نعم. فأمر بحمار و بغل ان يسرجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال: يا سدير، ترى ان تؤثرني بالحمار؟

قلت: البغل أزين و أنبل، قال: الحمار أرفق بي. فنزلت فركب الحمار و ركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير، انزل بنا نصلي، ثم قال: هذه أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها، فسرنا حتى صرنا الى أرض حمراء، و نظر الى غلام يرعى جداء فقال:

و اللّه يا سدير، لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. و نزلنا و صلّينا، فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها، فاذا هي سبعة عشر.» «3»

و قد ذكرنا الخبر بطوله، اذ يظهر منه وضع الإمام «ع» و ظروفه و حدود ادراك سدير و مدى تشخيصه لذلك، و ليس مراد الإمام مطلق من يسمى بالشيعة، بل

______________________________

(1)- تنقيح المقال 2/ 8.

(2)- تنقيح المقال 2/ 8.

(3)- الكافي 2/ 242، كتاب الإيمان و الكفر باب في قلة عدد المؤمنين، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 231

مراده الشيعة بمعناها الواقعي، أعني الثابت المواتي في جميع المراحل، و هم قليلون جدّا و لا سيّما في تلك الأعصار.

و الشاهد الثالث: خبر معلى بن خنيس الآتي، قال: «ذهبت بكتاب عبد السلام بن نعيم و سدير و كتب غير واحد الى أبي عبد اللّه «ع»، حين ظهر المسوّدة قبل

ان يظهر ولد العباس، بانا قد قدّرنا أن يؤول هذا الأمر إليك، فما ترى؟ قال:

فضرب بالكتب الأرض، ثم قال: أف، أف، ما أنا لهؤلاء بإمام. أما يعلمون انه انما يقتل السفياني؟» «1»

و الظاهر ان المراد بعبد السلام بن نعيم هو عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم، الذي مرّ كونه مسجونا مع سدير، فنسب الى جدّه.

و المراد بالمسوّدة أتباع أبي مسلم الخراساني، لسواد ألبستهم و ألويتهم.

فأنت ترى ان سديرا و رفقاءه لعدم إحاطتهم بظروف الإمام و مقدار قدرته و مقاصد المسوّدة في قيامهم توهموا تحقق الشرائط لرجوع الخلافة الفعلية الى الامام.

فأبو مسلم و إن كان يدعو الناس الى رجل من بني هاشم و أقام على ذلك سنين و تبعه كثيرون، و لكنهم اختاروا هذا الشعار لجاذبيته في قبال بني أمية القاتلين لأهل بيت النبي «ص» و لا سيما سيد الشهداء، و لم يكن غرضه واقعا إرجاع الحق الى أهله حتى يسلّموا الأمر الى الإمام الصادق «ع»، بل هو كان مبعوثا من قبل ابراهيم بن محمد العبّاسي ليقوم بأمر خراسان. و بعد قتل ابراهيم صار يدعو الناس الى اخيه عبد اللّه السفاح. و بجنوده تغلّب السفّاح على مروان الحمار و هزمه، و لكن اشتبه امرهم على مثل سدير و رفقائه.

و قوله «ع»: «ما أنا لهؤلاء بإمام»، يحتمل أن يكون إشارة الى المسودّة، اي انهم لا يرونني إماما لهم. و يحتمل ان يكون اشارة الى سدير و رفقائه، فيريد اني لست لهم بإمام، لعدم إطاعتهم لي، أو لست إمامهم الذي يتصدى للخلافة الفعلية.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 37، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 232

و يقرب من

هذا الخبر ما في تنقيح المقال عن الكشي بسنده عن عبد الحميد بن أبي الديلم، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه، فاتاه كتاب عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم، و كتاب الفيض بن المختار، و سليمان بن خالد، يخبرونه ان الكوفة شاغرة برجلها، و انه إن أمرهم أن يأخذوها أخذوها. فلما قرأ كتابهم رمى به، ثم قال: «ما أنا لهؤلاء بإمام. أما يعلمون ان صاحبهم السفياني؟» «1»

و لعل المراد ان صاحبهم القائم «ع»، المصاحب للسفياني بحسب الزمان.

و كيف كان فبعد ما عرفت من حال سدير و خصوصياته لا يجوز الغاء الخصوصية في الخطاب الموجّه اليه بلزوم بيته، لاحتمال الخصوصية.

و هل يجوز رفع اليد بسبب هذا الخبر و نظائره عن جميع الآيات و الروايات و حكم العقل، الحاكمة بوجوب الدفاع عن الإسلام و شئون المسلمين في قبال هجوم الكفار و الجائرين، و ان أمكن تحصيل القوة و القدرة لدفعهم، و فرض طول الغيبة آلاف سنة؟! و قد عرفت عدم اشتراط الجهاد الدفاعي بإذن الإمام قطعا.

و قد ظهر بما ذكرنا حال خبر معلى بن خنيس أيضا.

______________________________

(1)- تنقيح المقال 2/ 152، و رجال الكشي/ 353.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 233

الرابعة من اخبار الباب خبر ابي المرهف،

عن أبي جعفر «ع» قال: «الغبرة على من أثارها. هلك المحاضير.

قلت: جعلت فداك، و ما المحاضير؟ قال المستعجلون. أما انهم لن يريدوا إلّا من يعرض لهم.

ثم قال: يا أبا المرهف، أما انهم لم يريدوكم بمجحفة إلّا عرض اللّه- عزّ و جلّ- لهم بشاغل. ثم نكت ابو جعفر «ع» في الأرض ثم قال: يا أبا المرهف! قلت: لبيك! قال: أ ترى قوما حبسوا أنفسهم على اللّه- عزّ ذكره- لا يجعل اللّه لهم

فرجا؟ بلى، و اللّه ليجعلن اللّه لهم فرجا.» «1»

و ابو المرهف عدّه الشيخ في الكنى باب أصحاب الباقر «ع» من رجاله «2»، و في تنقيح المقال: «لم أعرف اسمه و لا حاله» «3».

و الغبرة بالضم و بفتحتين: الغبار. و المحضار و المحضير من الخيل و نحوها بكسر الميم فيهما: الشديد الركض. و المجحفة بضم الميم و تقديم الجيم: الداهية.

و يظهر من الخبر وقوع خروج ما لبعض على الحكومة، و تعقيب الحكومة للخارجين، و خوف أبي المرهف من سراية التعقيب له، فأراد الإمام «ع» تقوية خاطره و رفع خوفه ببيان ان ضرر الغبار يعود الى من أثاره، فلا ينال أبا المرهف شي ء.

ثم أخبر «ع» بهلاك المستعجل، أي من وقع تحت تأثير الأحاسيس الآنية و أقدم على القيام قبل تهية المقدمات و إعداد القوة.

و لم يكن بناء أئمتنا على المنع عن الجهاد و الدفاع، بل كانوا ينهون عن التعجيل و التهوّر المضرّ بنفس الخارج و بالأئمة «ع»، حتى ان أخبار التقية أيضا ليست بصدد المنع عن الجهاد، بل بصدد الدقة في حفظ النفس مع الإمكان، مع الاشتغال

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 36، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 4.

(2)- رجال الشيخ/ 142.

(3)- تنقيح المقال 3/ 34 من فصل الكنى.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 234

بالوظيفة الدفاعية. و لذا ورد: «انّ التقية جنّة المؤمن.» «1» أو: «التقية ترس المؤمن.» «2» فان الجنّة و الترس تستعمل في ميدان المبارزة مع العدوّ، لا حين المبيت في المأمن.

و العقل أيضا يحكم بوجوب حفظ النفس مع الإمكان و لو في حال الدفاع.

و الظاهر ان الضمير في قوله «ع»: «انهم» في الموضعين يرجع الى جنود الحكومة، لا الى

الخارجين المستعجلين. و لعل مراده «ع» من القوم الذين حبسوا أنفسهم على اللّه أهل بيت النبي، و من الفرج الحاصل لهم بالأخرة الفرج الحاصل لأهل البيت بقيام القائم «ع».

و كيف كان فليس الخبر في مقام المنع عن الدفاع في قبال هجوم الأعداء أو المنع من اقامة الحكومة الدينية مع امكانه و امكان ايجاد شرائطه، فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 460، الباب 24 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 460، الباب 24 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 235

الخامسة من أخبار الباب ما رواه الفضل بن سليمان الكاتب،

قال: «كنت عند أبي عبد اللّه «ع» فأتاه كتاب أبي مسلم، فقال: ليس لكتابك جواب، اخرج عنا. فجعلنا يسارّ بعضنا بعضا، فقال: أي شي ء تسارّون يا فضل، ان اللّه- عزّ ذكره- لا يعجل لعجلة العباد. و لإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله. ثم قال: ان فلان بن فلان؛ حتى بلغ السابع من ولد فلان. قلت فما العلامة فيما بيننا و بينك جعلت فداك؟ قال: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني فاذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا- يقولها ثلاثا- و هو من المحتوم.» «1»

و السند الى الفضل صحيح. و فضل كان يكتب للمنصور و المهدي على ديوان الخراج. و قالوا في حقه انه مهمل، و ان الظاهر كونه إماميا إلّا انه مجهول الحال «2».

أقول: و الظاهر عدم الدليل على كونه اماميا الا روايته عن الامام و حكاية كتاب أبي مسلم اليه «ع». و من المحتمل كونه من جواسيس الخليفة. فالرواية ضعيفة موهونة من حيث السند.

و قد مرّ ان أبا مسلم في بادي الأمر كان

مبعوثا الى خراسان من قبل ابراهيم العباسي، و بعد موته صار من دعاة اخيه السفّاح، و بقوة جنوده ظفر السفّاح و انتصر على مروان الحمار، و في حياة السفاح كان معظما لديه محترما عنده، و لكن بعد وفاة السفّاح و انتقال الملك الى المنصور حسده المنصور على قدرته و خاف منه، و جعل يضادّه و يحقّره، و في آخر الامر قتله.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 37، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5، عن روضة الكافي/ 274، الحديث 412.

(2)- راجع تنقيح المقال 2/ 8 (من باب الفاء).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 236

فلعله في هذه الفترة اراد الارتباط بالامام الصادق ليتقوى بذلك في مقابل المنصور و لم تكن نيته نية صادقة، و الإمام «ع» اطّلع على قصده، و كان يعلم قدرة المنصور و استقرار الملك له و عدم تهيؤ المقدمات لقيامه «ع» بالثورة. و بالإخبار الغيبي عدّ سبعة من أبناء المنصور يتصدون الخلافة. و كاتب المنصور أيضا كان حاضرا في المجلس، فكان الظرف ظرف الاحتياط و التقية.

فعلى فرض صدور الخبر ففي هذا الظرف قال الإمام «ع»: «ان اللّه لا يعجل لعجلة العباد. و لإزالة جبل عن موضعه أيسر من زوال ملك لم ينقض أجله.»

و ليس المراد عدم وجوب الدفاع عن الإسلام و المسلمين مع تهية المقدمات، أو عدم جواز قتال السلاطين و الملوك، و الا كان كلامه «ع» تخطئة لجهاد علي «ع» لمعاوية، و الامام الشهيد ليزيد، و زيد لهشام أيضا. و قد كثر في العالم قتال الملوك و الظفر عليهم، كما في كثير من الثورات الواقعة في الممالك و البلاد و منها الثورة الأخيرة في ايران.

فمراده «ع» إما بيان

أمر غيبي، و هو ان ملك المنصور لا ينقضي، أو بيان أنّ القتال مع الملوك يتوقف على تهية مقدمات كثيرة، فان هزيمة الملوك مع ثبات حكومتهم أمر عسير كإزالة الجبال المتوقفة على صرف طاقات كثيرة، و اذا اتفق الانهزام أمام الملوك و عدم الظفر عليهم فلا يصحّ أن يوجب ذلك يأسا، فان المقاتل قد يظفر و قد لا يظفر، على ما يقتضيه طبع القتال.

و لا يريدان انهزام الملوك محال، فان أدلّ الأشياء على إمكان الشي ء وقوعه.

و في آخر الحديث ذكر الإمام «ع» علامة حتمية لفرج آل محمد «ص»، و هو السفياني.

و قد تقرأ هذه الكلمة بالتاء المثناة بدل النون، و يراد بها الثورة الماركسية العالمية. و لكن يبعده ان الظاهر منها الشخص، لا المنهج. و قد ورد ان اسمه عثمان ابن عنبسة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 237

السادسة من أخبار الباب صحيحة أبي بصير

عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «كل راية ترفع قبل قيام القائم «ع» فصاحبها طاغوت يعبد من دون اللّه- عزّ و جلّ.» «1»

و روى النعماني في الغيبة بسنده، عن مالك بن أعين، عن أبي جعفر «ع» انه قال: «كل راية ترفع قبل راية القائم فصاحبها طاغوت.» «2»

اقول: قد مرّ في صحيحة عيص «3» و شرحها بالتفصيل ان الدعوة على قسمين:

فالدعوة الى النفس باطلة، و الدعوة لنقض الباطل و إقامة الحق و إرجاعه الى أهله حقّة مؤيدة من قبل الأئمة «ع».

فمراده بالراية هنا الراية الداعية الى النفس في قبال الحق. و بعبارة أخرى:

الراية الواقعة في قبال القائم، لا في طريقه و مسيره و على منهجه. و لذا عبر عنها بالطاغوت، و عقّبها بكونها معبودة من دون اللّه.

و يؤيد ذلك قول أبي جعفر «ع»

في حديث، على ما في الروضة: «و انه ليس من احد يدعو الى ان يخرج الدجال الّا سيجد من يبايعه، و من رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت.» «4»

فقيد الراية بالضلالة.

و لو قيل: بان الظاهر من الحديث تشخيص القيام الباطل بحسب الزمان

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 37، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 6.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 248، الباب 12 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث

(3)- الصحيحة الأولى من أخبار الباب. راجع ص 205 و ما بعدها من الكتاب.

(4)- الكافي 8/ 296، (الروضة)، الحديث 456.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 238

لا بحسب الهدف، و ان الملاك في بطلان القيام كونه بحسب الزمان قبل قيام القائم، و العموم استغراقي فلا يجوز القيام مطلقا بأي هدف وقع.

قلنا: أولا: انه من المحتمل أن تكون القضية خارجية، و يكون المراد رفع رايات خاصة بصفات خاصة كانت موردا للبحث، اذ يبعد جدّا صدور هذا الكلام عن الإمام «ع» ارتجالا.

و ثانيا: ان الصحيحة على هذا معارضة بصحيحة عيص و غيرها، مما دلّ على تقديس قيام زيد و أمثاله مما كان للدعوة الى الحق، و منها قيام الحسين بن علي شهيد فخّ، و قد قام في خلافة موسى الهادي، و لم يعرف من أئمتنا «ع» رواية تدل على قدحه، بل وردت روايات مستفيضة ظاهرة في تقديسه و تقديس قيامه. ذكرها في مقاتل الطالبيين، و لعلنا نذكرها في بعض المباحث الآتية. هذا.

1- و في غيبة النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر «ع» في خبر طويل في علامات الظهور: «و ليس في الرايات راية أهدى من اليماني. هي راية هدى، لأنه يدعو الى صاحبكم. فاذا خرج اليماني حرم

بيع السلاح على الناس و كلّ مسلم. و اذا خرج اليماني فانهض اليه، فان رايته راية هدى. و لا يحل لمسلم ان يتولى عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو الى الحق و الى طريق مستقيم.» «1»

فيظهر من هذا الخبر تحقق راية للحق قبل القائم «ع» أيضا، و ان الراية الداعية اليه و الواقعة في طريقه راية هدى يجب النهوض اليها.

2- و في كتاب الغيبة أيضا بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر «ع» انه قال: «كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فاذا رأوا

______________________________

(1)- الغيبة للنعماني/ 171 (طبعة أخرى/ 256)، الباب 14 (باب ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم «ع»)، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 239

ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يقوموا، و لا يدفعونها الّا الى صاحبكم. قتلاهم شهداء. أما اني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر.» «1»

و رواه عن كتاب الغيبة في البحار أيضا «2».

و دلالة الخبر أيضا على حدوث ثورة و قيام قبل القائم «ع» و كونه قيام حق واضحة.

3- و في سنن ابن ماجة في حديث عن رسول اللّه «ص»: «انّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا، و ان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء و تشريدا و تطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من أهل بيتي فيملؤوها قسطا كما ملئوها جورا، فمن ادرك ذلك منكم فليأتهم و لو حبوا على الثلج.»

«3»

4- و فيه أيضا: قال رسول اللّه «ص»: «يخرج ناس من المشرق فيوطّئون للمهدي» يعني سلطانه «4».

5- و في البحار عن تاريخ قم بسنده عن أبي الحسن الأوّل «ع» قال: «رجل من أهل قم يدعو الناس الى الحقّ، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، و لا يملّون من الحرب، و لا يجبنون، و على اللّه يتوكّلون، و العاقبة للمتقين.» «5»

و يحتمل انطباق مفاد هذه الأخبار على الثورة الإسلامية الواقعة في ايران، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الغيبة للنعماني/ 182 (طبعة أخرى/ 273)، الباب 14 (باب ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم «ع»)، الحديث 50.

(2)- بحار الأنوار 52/ 243، تاريخ الإمام الثاني عشر الباب 25 (باب علامات ظهوره «ع»)، الحديث 116.

(3)- سنن ابن ماجة 2/ 1366، الباب 34 من كتاب الفتن (باب خروج المهدي)، الحديث 4082.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 1368، الباب 34 من كتاب الفتن (باب خروج المهدي)، الحديث 4088.

(5)- بحار الأنوار 57/ 216 (طبعة إيران 60/ 216)، كتاب السماء و العالم، الباب 36 (باب الممدوح من البلدان و المذموم منها)، الحديث 37.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 240

6- و فيه أيضا عن تاريخ قم: «روى بعض أصحابنا، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» جالسا، اذ قرأ هذه الآية: «فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ أُولٰاهُمٰا بَعَثْنٰا عَلَيْكُمْ عِبٰاداً لَنٰا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجٰاسُوا خِلٰالَ الدِّيٰارِ وَ كٰانَ وَعْداً مَفْعُولًا.» «1» فقلنا: جعلنا فداك من هؤلاء؟

فقال- ثلاث مرّات-: هم و اللّه أهل قم.» «2»

7- و في صحيح مسلم بسنده عن جابر بن عبد اللّه، يقول: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ

ظاهرين الى يوم القيامة.» «3»

8- و فيه أيضا بسنده عن جابر بن سمرة، عن النبي «ص» انه قال: «لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم السّاعة.» «4» الى غير ذلك من الأخبار.

و ثالثا: ان الصحيحة على ما ذكرتم في مفادها يجب طرحها، لمخالفتها للأدلّة القطعية الواردة في الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. كيف! و قد مرّ ان القيام للدفاع عن الإسلام و عن حوزة المسلمين من أهم الفرائض التي يحكم بها الكتاب و السنة و العقل السليم.

بل يجب ذلك حتى لو فرض عدم القدرة على العمل الا في ظل راية الباطل، بشرط عدم تأييد الباطل، بل الدفاع عن الحق فقط.

ففي خبر يونس قال: سأل أبا الحسن «ع» رجل و أنا حاضر، فقال له: جعلت فداك ان رجلا من مواليك بلغه ان رجلا يعطي سيفا و قوسا في سبيل اللّه، فأتاه فأخذهما منه و هو جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه أصحابه فأخبروه ان السبيل مع

______________________________

(1)- سورة الإسراء (17)، الآية 5.

(2)- بحار الأنوار 57/ 216 (طبعة إيران 60/ 216)، الباب 36 (باب الممدوح من البلدان و المذموم منها)، الحديث 40.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1524 (طبعة أخرى 6/ 53)، كتاب الإمارة، الباب 53، الحديث 1923.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1524 (طبعة أخرى 6/ 53)، كتاب الإمارة الباب 53، الحديث 1922.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 241

هؤلاء لا يجوز، و أمروه بردّهما. قال: فليفعل. قال: قد طلب الرجل فلم يجده، و قيل له: قد قضى الرجل؟ قال: فليرابط و لا يقاتل. قال: مثل قزوين و عسقلان و الديلم و ما أشبه هذه الثغور؟ فقال: نعم. قال:

فان جاء العدوّ الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضة الإسلام. قال: يجاهد؟ قال: لا، إلّا أن يخاف على دار المسلمين. أ رأيتك لو ان الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ (يسع- خ. ل) لهم أن يمنعوهم؟ قال: يرابط و لا يقاتل. و ان خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأن في دروس الإسلام دروس ذكر محمد «ص» «1».

و قد روى الحديث المشايخ الثلاثة. و الظاهر صحّته، فان محمد بن عيسى بن عبيد و ان اختلفوا في وثاقته و لكن الظاهر انه ثقة، كما قاله النجاشي «2».

و يظهر من الخبران وجوب الدفاع عن حوزة الإسلام و المسلمين عند هجوم الكفار امر واضح لا مرية فيه، اذ في تركه دروس الإسلام و ذكر من جاء به «ص». و اذا وجب شي ء وجبت مقدماته بالضرورة. و مقدمة الدفاع في هذه الأعصار التسلّح بسلاح اليوم، و التدرّب عليه و التكتل و التشكل مهما أمكن.

ثم نقول: هل يجب الجهاد و الدفاع و دفع الكفار، ثم تفويض أمر الحكومة الى أهل الفسق و الترف، لتدرّبهم في المسائل السياسية و عدم تدرّب العلماء و أهل العدل فيها، كما اتفق في العراق مثلا بعد إخراج البريطانيين منه بجهاد العلماء الأعلام؟! أو يجب حفظ النظام و لو بصرف الوقت في تعلّم المسائل السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية، و تحصيل الاطلاع الكافي على ما يجري في العالم من الحوادث و العلاقات حتى لا تهجم اللوابس و المشاكل؟

و في الكافي عن أبي عبد اللّه «ع»: «و العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 19، الباب 6 من أبواب جهاد العدو،

الحديث 2.

(2)- رجال النجاشي/ 235، (طبعة أخرى/ 333).

(3)- الكافي 1/ 27، كتاب العقل و الجهل، الحديث 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 242

و كيف يهتمّ العلماء الأعلام بالأمور الجزئية و يعدّونها من الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بتركها، كحفظ مال الصغير أو الغائب مثلا، و لا يهتمّون بكيان الإسلام و مقدرات المسلمين و شئونهم و حفظ نظامهم و قدرتهم و طاقاتهم، و يعدّون التصدّي لها مخالفا للاحتياط؟! فيحوّلونها و يفوّضون أمرها الى من لا علم له بالإسلام، و لا التزام له به، و لا تقوى لديه.

نعم، الظاهر عدم كون ذلك عن تقصير منهم في بادئ الأمر، اذ ان كونهم مسجونين في زوايا المدارس و سراديبها، و مبعّدين عن محيط السياسة في قرون متمادية أوجب يأسهم من عودة الحكم اليهم، و أوجب عدم توجههم الى مقدماتها و لوازمها، و بمرور الزمان غفلوا و استغفلتهم دسائس الاستعمار أيضا.

و لكن من العجب عدم التوجه الى ذلك حتّى بعد ما انتصرت ثورة ايران الإسلامية و احتاجت الى تعاضدهم و تعاونهم على حفظها و التصدّي لشئونها، بل ربما حمل بعضهم عليها و هاجمها عوضا عن التعاون و التعاضد و السعي في تحصيل العلوم المحتاج اليها في حفظها و ادارتها. اللّهم، فوفقنا لنصر الإسلام و تقوية المسلمين بجاه محمد و آله الطاهرين. هذا.

و لنرجع الى فقه الحديث الذي كنا فيه، فنقول: و قد يحتمل بعيدا عدم كون المراد بلفظ القائم الوارد فيه و في بعض الأحاديث الأخر الامام الثاني عشر القائم في آخر الزمان، بل المراد به كل من يكون قيامه بالحقّ، و يكون الغرض في الحديث تخطئة بعض من ينتهز الفرصة حين انشغال من

له الحق في القيام بتحصيل المقدمات و الشرائط، فيستعجل هذا و يقوم قبله، طمعا في الرئاسة و اجتذاب الناس الى نفسه.

و لعل بعض الأئمة- عليهم السلام- كانوا بصدد تهية المقدمات للقيام و الثورة و لكن عدم تقية بعض الشيعة و عدم كتمانهم، او تقدم بعض المنتهزين قد هدم أساس القيام بالحق.

و في تحف العقول في وصية أبي عبد اللّه «ع» لمؤمن الطاق: «فو اللّه لقد قرب هذا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 243

الأمر ثلاث مرات فأذعتموه، فأخّره اللّه.» «1»

و في اصول الكافي أواخر كتاب الحجة عقد بابا في ان الأئمة- عليهم السلام- كلهم قائمون.

ففي رواية حكم عن أبي جعفر «ع» انه قال: «يا حكم، كلنا قائم بأمر اللّه. قلت:

فأنت المهدي؟ قال: كلنا نهدي الى اللّه. قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلنا صاحب السيف و وارث السيف. الحديث.» «2»

و في رواية عبد اللّه بن سنان قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ» «3» قال: إمامهم الذي بين أظهرهم، و هو قائم أهل زمانه.» «4»

و قد مرّ منّا سابقا ان لفظ الإمام وضع للقائد و من يؤتم به، و لا يختص بالأئمة الاثنى عشر. فلعل المراد بقوله: «قائم أهل زمانه» أيضا الأعم، أعني القائم بالفعل في كل أمة. هذا، و لكن الاحتمال المشار اليه بعيد جدّا، اذ الظاهر من لفظ القائم، المستعمل معرفا بأل التعريف في أخبارنا، هو القائم المعهود. فالمراد بالراية المذمومة فيها، الراية الداعية الى نفسها، لا الى إقامة الحق و الامام الحق، فتدبر.

______________________________

(1)- تحف العقول/ 310.

(2)- الكافي 1/ 536، الحديث 1.

(3)- سورة الإسراء (17)، الآية 71.

(4)- الكافي 1/ 536، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه

و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 244

السابعة من اخبار الباب خبر عمر بن حنظلة

، قال: «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: خمس علامات قبل قيام القائم «ع»: الصيحة، و السفياني، و الخسف، و قتل النفس الزكية، و اليماني. فقلت: جعلت فداك ان خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أ نخرج معه؟ قال: لا.

الحديث.» «1»

و السند لا بأس به، و ان كان في ثبوت وثاقة عمر بن حنظلة كلام.

و لعل المراد بالصيحة النداء السماوي، كما في خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن عليا و شيعته هم الفائزون.» قال: «و ينادي مناد في آخر النهار ألا إن عثمان و شيعته هم الفائزون.» «2»

و المراد بالخسف خسف جيش السفياني بالبيداء.

و نهى عمر بن حنظلة و أمثاله عن الخروج مع أحد من أهل بيته قضية في واقعة، فلعل النظر كان الى الخروج مع من كان يدعى المهدوية في ذلك العصر.

فالذيل تأكيد لكون العلامات المذكورة حتمية، و ان الخارج من أهل بيته قبل هذه العلامات ليس هو القائم الموعود.

و على أي حال لا ربط للحديث بالجهاد الدفاعي بالنسبة إلينا بعد ما ثبت بالكتاب و السنة و العقل لزومه و وجوبه.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 37، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 7.

(2)- الكافي 8/ 310 (الروضة)، الحديث 484.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 245

الثامنة رواية معلّى بن خنيس.

و قد مرّ بيانها في ذيل الرواية الثالثة في شرح حال سدير، فراجع «1».

التاسعة ما رواه الصدوق باسناده عن حماد بن عمرو و انس بن محمد

، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه- عليهم السلام- (في وصية النبي «ص» لعليّ «ع») قال: «يا عليّ، ان إزالة الجبال الرواسي أهون من إزالة ملك لم تنقض أيامه.» «2»

أقول: الرواية جزء من رواية طويلة ذكرها الصدوق في أواخر الفقيه. و اكثر فقراتها متضمنة لأحكام شرعية او آداب اخلاقية. و لعل بعضها متضمن لأخبار غيبية.

و ليس غرض النبي «ص» من هذه الفقرة ان القيام في قبال الملوك غير مفيد و غير ناجح. كيف! و قد كثرت الثورات في قبال الملوك في أروبا و آسيا و افريقيا و قد نجحت، و أخيرا ترى انه قد نجحت ثورة ايران الإسلامية في قبال الملكية، و أدلّ الأشياء على إمكان الشي ء وقوعه.

______________________________

(1)- راجع ص 231 من الكتاب.

(2)- الوسائل 11/ 38، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 246

و ليس المراد أيضا تحريم القيام في قبال الملوك، و إلّا لم يصح قيام أمير المؤمنين «ع» في قبال معاوية الذي أحكم أساس ملكه في الشام، و قد قاتله و رغّب في قتاله و قال «ع» كما في نهج البلاغة: «و سأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشخص المعكوس و الجسم المركوس حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد.» «1»

و لو صحّ ما مرّ في مقدمة الصحيفة من ان النبي «ص» اسرّ اليه و الى أهل بيته بملك بني أميّة و مدّته فلا محالة كان غرضه «ع» من قتاله تميز صف الحق من صف الباطل و اتمام الحجة، كما يشعر به ظاهر العبارة. و

هكذا قيام سيد الشهداء في قبال ملك يزيد.

و بالجملة، لم يكن غرض النبي «ص» من هذه الفقرة بيان عدم النجاح أو حرمة القيام في قبال الملوك، بل بيان ان المقدر و المقضيّ من الملك كغيره من الأمور كائن لا محالة، فيجب ان لا توجب الهزيمة على يد الملوك يأسا للقائم بالحق، فلعله يظفر بعد ذلك و ان لم يظفر فانه قد عمل بوظيفته، او بيان ان ازالة الملك أمر عسير جدّا، كإزالة الجبال الراسي، و انه أمر لا يتحقق إلّا بتهية مقدمات كثيرة و مرور زمان كثير و إرشاد الناس و توعيتهم السياسية، كما ان إزالة الجبل عن موضعه لا تتحقق إلّا بصرف زمان كثير و طاقات كثيرة.

و على أيّ حال فوظيفة الناس بالنسبة الى الدفاع عن الإسلام و المسلمين باقية بحالها، و لا محالة يجب تحصيل مقدماتها، فتدبر.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 971؛ عبده 3/ 82؛ لح/ 418، الكتاب 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 247

العاشرة رواية عيص.

و هي قطعة من روايته الأولى التي مرّت بالتفصيل، فراجع «1».

الحادية عشرة رواية أبي عبدون،

المروية عن العيون، الواردة في شأن زيد. و قد مرّت أيضا في ذيل الرواية الأولى في شرح حال زيد، فراجع «2».

الثانية عشرة ما رواه في آخر السرائر

من كتاب احمد بن محمد بن سيار، أبي عبد اللّه السياري، عن رجل قال: ذكر بين يدي أبي عبد اللّه «ع» من خرج من آل محمد «ص» فقال: «لا زال أنا و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد. و لوددت أن الخارجي من آل محمد خرج و عليّ نفقة عياله.» «3»

و السند ضعيف مضافا الى الإرسال. فعن النجاشي ان السياري ضعيف فاسد المذهب، مجفوّ الرواية، كثير المراسيل. و عن ابن الغضائري انه ضعيف متهالك غال

______________________________

(1)- راجع ص 205 و ما بعدها من الكتاب.

(2)- راجع ص 210 و ما بعدها من الكتاب.

(3)- الوسائل 11/ 39، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 248

منحرف. نعم، عن المستدرك انه رام إثبات وثاقته بإكثار الكليني و غيره عنه. «1»

و كيف كان فذكر صاحب الوسائل للخبر في هذا الباب بلا وجه، اذ ليس الخبر من أدلة منع الخروج، بل من أدلة جوازه اجمالا. و ليس مفاده تأييد كل خروج من آل محمد و جوازه، بل هو بصدد بيان النفع و الخير المترتب عليه قهرا، حيث ان الخروج يوجب اشتغال إمام الجور بدفع من خرج فيغفل قهرا عن الامام «ع» و شيعته، فان كان الخارج داعيا الى الحق فهو، و إلّا فلا أقل من اشتغال الظالم بالظالم، فيبقى أهل الحق في البين سالمين.

الثالثة عشرة خبر العبيدي عن الصادق «ع»

قال: «ما كان عبد ليحبس نفسه على اللّه إلّا أدخله اللّه الجنة.» «2»

و ليس هذا الخبر أيضا من أدلة السكوت و منع الخروج، اذ حبس النفس على اللّه معناه وقفه في سبيل اللّه، و هو الى مثل الجهاد أنسب. فهو نظير لفظ الصبر الذي

يتبادر منه الى أذهان عرف العجم السكوت و عدم التحرك، مع أن المراد منه الاستقامة في ميدان العمل بحيث لا تمنعه المشكلات و الحوادث المترتبة عليها عن الجهاد و النضال، فتدبر.

______________________________

(1)- راجع تنقيح المقال 1/ 87.

(2)- الوسائل 11/ 39، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 249

الرابعة عشرة ما رواه الحسين بن خالد،

قال: «قلت لأبي الحسن الرضا «ع»: ان عبد اللّه ابن بكير كان يروي حديثا، و أنا أحب أن أعرضه عليك. فقال: ما ذلك الحديث؟

قلت: قال ابن بكير: حدثني عبيد بن زرارة، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» أيام خرج محمد (ابراهيم) بن عبد اللّه بن الحسن، اذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك ان محمد بن عبد اللّه قد خرج، فما تقول في الخروج معه؟ فقال:

اسكنوا ما سكنت السماء و الأرض. فقال عبد اللّه بن بكير: فان كان الأمر هكذا أو لم يكن خروج ما سكنت السماء و الأرض فما من قائم و ما من خروج. فقال أبو الحسن «ع»:

صدق أبو عبد اللّه «ع» و ليس الأمر على ما تأوّله ابن بكير، انما عنى أبو عبد اللّه «ع»: اسكنوا ما سكنت السماء من النداء و الأرض من الخسف بالجيش.» «1»

أقول: قد مرّ ان الظاهر من الأخبار و التواريخ ان محمد بن عبد اللّه قد خرج بعنوان المهدوية، و كان يدعو الى نفسه، فيريد الإمام «ع» بيان ان لقيام المهدي هاتين العلامتين، فلا تقبلوا ادعاء من ادعاها قبلهما. هذا.

مضافا الى ان السائل لا يعلم من هو. و لعله كان في المجلس أحد من الجواسيس، و لذا أجاب الإمام بنحو الإجمال، مما يوهم عدم الخروج

و القيام أصلا، كما توهمه ابن بكير.

و كيف كان فالمستفاد من الحديث كون النداء و الخسف من علائم المهدي الموعود، فلا يجوز الخروج مع من يدّعي المهدوية قبلهما. فلا يدلّ على السكوت و عدم القيام في قبال هجوم أعداء الإسلام على الإسلام و شئون المسلمين، و هذا واضح.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 40، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 250

الخامسة عشرة ما في نهج البلاغة في آخر خطبة من خطبه

: «الزموا الأرض و اصبروا على البلاء، و لا تحركوا بأيديكم و سيوفكم في هوى ألسنتكم، و لا تستعجلوا بما لم يعجله اللّه لكم، فإنه من مات منكم على فراشه و هو على معرفة حق ربه و حق رسوله و أهل بيته مات شهيدا و وقع أجره على اللّه و استوجب ثواب ما نوى من صالح عمله و قامت النية مقام إصلاته لسيفه، و ان لكل شي ء مدة و أجلا.» «1»

أقول: لا يخفى ان كلمات أمير المؤمنين «ع» و خطبه مليئة بالحث على الجهاد و التحريص عليه، و كفاك في ذلك الخطبة 27، و فيها قوله: «فقبحا لكم و ترحا حين صرتم غرضا يرمى. يغار عليكم و لا تغيرون، و تغزون و لا تغزون، و يعصى اللّه و ترضون.» «2»

فلا محالة يختص كلامه هنا بمورد خاص و حالة خاصّة، و قد مرّ ان الجهاد مثل سائر الأمور يتوقف على تهية المهمات و القوات و وضع البرنامج الصحيح، و أن الاستعجال فيه و الوقوع تحت تأثير الأحاسيس الآنية مضر جدّا، فأراد- عليه السلام- هنا بيان ذلك.

و في شرح ابن أبي الحديد:

«و ليس خطابه «ع» هذا تثبيطا لهم عن حرب أهل الشام، كيف و هو لا يزال

يقرّعهم و يوبّخهم عن التقاعد و الإبطاء في ذلك، و لكن قوما من خاصّته كانوا يطلعون على ما عند قوم من أهل الكوفة و يعرفون نفاقهم و فسادهم، و يرومون قتلهم

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 765، عبده 2/ 156؛ لح/ 282، الخطبة 190.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 95؛ عبده 1/ 65؛ لح/ 70.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 251

و قتالهم، فنهاهم عن ذلك. و كان يخاف فرقة جنده و انتثار حبل عسكره، فامرهم بلزوم الأرض و الصبر على البلاء.» «1»

و في شرح ابن ميثم البحراني:

«نهى «ع» عن الجهاد من غير أمر أحد من الأئمة من ولده بعده. و ذلك عند عدم قيام من يقوم منهم لطلب الأمر، فانه لا يجوز إجراء هذه الحركات إلّا باشارة من إمام الوقت.» «2»

أقول: ما ذكره الشارح البحراني «ره» خلاف الظاهر، و الأظهر ما مرّ منّا، و يقرب منه ما ذكره ابن ابي الحديد.

و كيف كان فلا يرتبط كلامه «ع» بأعصارنا هذه بالنسبة الى الجهاد الدفاعي بعد تهية شرائطه و مقدماته، بل الجهاد الابتدائي أيضا، كما مرّ.

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13/ 113.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن ميثم 4/ 210.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 252

السادسة عشرة خبر جابر

، عن أبي جعفر «ع» قال: «الزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك- و ما أراك تدركها-: اختلاف بني فلان، و مناد ينادي من السماء، و يجيئكم الصوت من ناحية دمشق. الحديث.» «1»

و لا يخفى ان المخاطب هو جابر، و ما ذكر قضية في واقعة. و لعله كان لجابر خصوصية، نظير ما كان لسدير على ما

مرّ، أو لعلّ المجلس لم يخل من الأغيار، او ان غرضه «ع» بيان العلائم الحتمية للقائم بالحق لرفع الاشتباه لدى جابر، حيث ان وجود الفساد و الظلم الشديد في عصره و ما ورد من ان القائم بالحق، هو الذي يقوم لرفعهما مما جعله يتوهم حلول وقت القيام. و بعبارة أخرى ذكر علائم المهدي و القائم بالحق شاهد على ان الغرض النهي عن التحرك مع من يدّعي المهدوية ما لم توجد هذه العلامات. الى غير ذلك من المحتملات.

و كيف كان فلا يقاوم مثل هذا الخبر أدلة الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بكثرتها، كما لا يخفى.

السابعة عشرة ما رواه عن كتاب الغارات عن زرّ بن حبيش،

قال: «خطب علي «ع» بالنهروان (الى ان قال): فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا عن الفتن. فقال:

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 41، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 253

ان الفتنة اذا أقبلت شبهت. ثم ذكر الفتن بعده (الى ان قال): فقام رجل فقال:

يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزمان؟ قال: انظروا أهل بيت نبيكم، فان لبدوا فالبدوا، و ان استصرخوكم فانصروهم توجروا، و لا تستبقوهم فتصرعكم البلية. ثم ذكر حصول الفرج بخروج صاحب الأمر «ع».» «1»

أقول: الخطبة طويلة مذكورة في أول كتاب الغارات «2» و ذكر قسما منها في نهج البلاغة «3» و ذكر نحوها مفصلة في كتاب سليم بن قيس «4».

و ظاهر كتاب الغارات كون المراد بذلك الزمان زمن فتنة بني امية. و كون المرجع الحق في عصر بين امية أهل بيت النبي «ص» واضح عندنا. و قد ذكر وجوب السكون و التوقف مع سكونهم، و وجوب نصرهم مع قيامهم و استصراخهم.

و على أي حال

فالإرجاع الى أهل بيت النبي «ص» يستلزم حضورهم و ظهورهم و إمكان جعلهم أسوة، فلا يعم الكلام لعصر الغيبة. اللهم إلّا ان يراد كلماتهم و إرشاداتهم الباقية، فيصير محصل الرواية وجوب كون الأئمة من أهل البيت و إرشاداتهم الباقية محورا للعمل و لو في القيام و الجهاد و لا يجوز التخلف عنهم، و هذا أمر صحيح على مذهبنا.

و كيف كان فلا تنافي الرواية أدلة الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمعناهما الوسيع، فتدبر.

فهذه سبعة عشر حديثا ذكرها في الوسائل في الباب 13 من كتاب الجهاد، ربما يتمسك بها من يرى السكون و السكوت في عصر الغيبة. و قد أوضحنا المراد منها. و لا يخفى ان أكثرها مخدوش من حيث السند أيضا، و يحتمل كونها مختلفة من

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 41، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 17.

(2)- الغارات 1/ 1- 13.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 273؛ عبده 1/ 182؛ لح/ 137، الخطبة 93.

(4)- كتاب سليم بن قيس/ 156.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 254

قبل أيادي خلفاء الجور و مرتزقتهم لردع العلويين و شيعتهم عن القيام في قبالهم.

و ذكر في الباب 12 من جهاد المستدرك أيضا أخبار اخر يظهر الجواب عنها مما ذكر، فراجع و تأمّل فيما ذكرناه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 255

خلاصة

قد ظهر لك مما ذكرناه الى هنا ان الجهاد- على ما قالوا- قسمان: ابتدائي و دفاعي.

و الأول مشروط بإذن الإمام قطعا، و ان احتملنا، بل قوينا عدم اختصاصه بالإمام المعصوم و شموله للفقيه الواجد للشرائط أيضا بل و كون الشرط للوجود لا للوجوب.

و الثاني غير مشروط به، بل يحكم بضرورته

و وجوبه مطلقا الكتاب و السنة و العقل. نعم، يجب أن يكون منطبقا على موازين العقل، بأن تمهّد مقدماته و أسبابه. و عند ما يكون الدفاع في قبال هجوم الأعداء على بيضة الإسلام و كيانه و شئون المسلمين و بلادهم فهو لا محالة يتوقف على التسلح و التدرب و التشكّل و الانسجام، و لا يتحقق ذلك قهرا إلّا بأن يؤمّروا على أنفسهم أميرا صالحا ينظّم أمورهم، حذرا من الهرج و المرج، و ان شئت فسمّه إماما، و لكنه شرط للوجود لا للوجوب، بخلافه في الأول على ما قالوا.

نعم، هنا روايات ذكرها في الوسائل في الباب 13 من كتاب الجهاد، و في المستدرك في الباب 12 منه مما توهم لزوم السكوت و عدم التحرك في قبال الفساد و الظلم و الهجمات قبل قيام القائم «ع» و ان بلغت ما بلغت و طالت الغيبة آلاف سنة.

و ملخّص الجواب عنها- بعد الغضّ عن سندها:

ان بعضا منها متعرضة لإخبارات غيبية، كمدّة ملك بني أميّة و بني العباس و سائر الفتن و الملاحم، و ليست بصدد إيجاب السكوت و عدم التحرك، و إلّا لكان أمير المؤمنين «ع» بنفسه اول عامل بخلافها، و كذلك سيد الشهداء «ع».

و بعضها في مقام النهي عن الخروج مع من يدعو الى نفسه باطلا في قبال من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 256

يدعو الى إقامة الحق و إرجاعه الى أهله.

و بعضها في مقام بيان العلائم الحتمية للقائم بالحق لرفع الشبهة للمخاطب.

و بعضها في مقام النهي عن الاستعجال المضرّ قهرا مع عدم تهيؤ المقدمات و عدم بلوغ الأوان.

و لعل بعضها أيضا في مقام بيان ان الخروج الناجح مأئة بالمائة في جميع

أهدافه هو قيام القائم بالحق في آخر الزمان، و ان غيره لا ينجح كذلك و ان نجح نجاحا نسبيا أو ترتب عليه إتمام الحجة أو غير ذلك و قلنا بوجوبه لذلك. و انت تعلم ان القيام الناجح مأئة بالمائة الشامل لكافة الناس لم يتحقق الى الآن حتى على يد نبيّنا «ص».

و بعضها قضيّة في واقعة خاصة أو ترتبط بشخص خاصّ، و ليس بنحو يعلم بعدم الخصوصية له. الى غير ذلك من الوجوه.

و كيف كان فلا تقاوم هذه الأخبار ما قدمناه من أدلة الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمراتبهما الوسيعة، و ما مرّ من وجوب إقامة الدولة العادلة و وجوب إجراء قوانين الإسلام و عدم كونها موقتة بوقت خاص. هذا.

و قد طال كلامنا في هذا الفصل إجمالا و أرجو من الفضلاء الكرام متابعة البحث و البسط فيه، اذ كان تعرضنا له بنحو الاستطراد، و اللّه الموفق للصواب و السداد.

و يأتي منّا في المسألة السادسة عشرة من الفصل السادس من الباب الخامس بحث في حكم القيام و الكفاح المسلح ضدّ الطواغيت و الجبابرة. و هو أيضا بحث لطيف و له ارتباط بالبحث في هذا الفصل، فانتظر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 257

الباب الرّابع في شرائط الإمام و الوالي الذي تصحّ إمامته و تجب طاعته

اشارة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 259

«شرائط الامام الذى تجب طاعته» أقول: قد تعرضنا في الباب الأول لما يقتضيه الأصل في مسألة الولاية إجمالا.

و في الباب الثاني لولاية النبي الأكرم «ص» و الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين-.

و في الباب الثالث للزوم الولاية في جميع الأعصار حتى في عصر الغيبة، و انه لا يجوز للمسلمين إهمالها و عدم الاهتمام بها.

و قد طال

البحث فيه، و عقدنا فيه أربعة عشر فصلا للسير الإجمالي في أبواب الفقه و الروايات و فتاوى الأصحاب التي يستفاد منها إجمالا كون تشريع الأحكام في الإسلام على أساس الولاية و الحكومة، و انها داخلة في نسج الإسلام و نظامه. ثم ذكرنا في فصل مستقل عشرة أدلة للمدّعى. و تعرضنا في فصل آخر للأخبار التي توهم وجوب السكوت و السكون في عصر الغيبة بعنوان المعارض لما سبق، و أوضحنا المراد منها.

فالآن حان وقت التعرض لشرائط الإمام و الوالي على أساس العقل و الكتاب و السنة، و نذكر ذلك في اثني عشر فصلا:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 261

الفصل الاول في ذكر بعض الكلمات من العلماء و الفقهاء في شرائط الإمام و الوالي

اشارة

نتعرض لها نموذجا لما يترتب على الاطلاع عليها من زيادة البصيرة في المسألة، و لا سيما و انه يظهر بها ان اعتبار الفقاهة و الاجتهاد في الوالي ليس امرا تفوّه به المتأخرون، بل كان مشهورا بين الأعاظم من أهل الفقه و العلم في جميع الأعصار، فنقول:

1- رأي ابن سينا:

قال الشيخ الرئيس ابن سينا في أواخر الإلهيات من الشفاء في فصل عقده للبحث في الخليفة و الإمام:

«ثم يجب ان يفرض السانّ طاعة من يخلفه، و ان لا يكون الاستخلاف إلّا من جهته او باجماع من أهل السابقة على من يصحّحون علانية عند الجمهور انه مستقل بالسياسة، و انه أصيل العقل حاصل عنده الأخلاق الشريفة من الشجاعة و العفة و حسن التدبير، و انه عارف بالشريعة حتى لا اعرف منه، تصحيحا يظهر و يستعلن و يتفق عليه الجمهور عند الجميع. و يسنّ عليهم انهم اذا افترقوا أو تنازعوا للهوى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 262

و الميل أو اجمعوا على غير من وجدوا الفضل فيه و الاستحقاق له فقد كفروا باللّه.

و الاستخلاف بالنص أصوب فان ذلك لا يؤدّي الى التشعّب و التشاغب و الاختلاف.» «1»

2- رأي الفارابي:

و عنى الفارابي بأمر الرئيس الأعلى الذي يتولّى ادارة شئون الحكم، فاقترح أن يكون شخصا واحدا لا يرأسه إنسان آخر أصلا، و يسميه: «الرئيس الأول للمدينة الفاضلة و رئيس المعمورة من الأرض كلها».

و مجمل الصفات التي ذكرها هي:

«ان يكون حكيما، قويّ الجسم، قويّ العزيمة، جيّد الفهم، جيّد الحفظ، وافر الذكاء، حسن العبارة، محبّا للعلم، يتحمّل المتاعب في سبيله، غير شره في اللّذات الجسدية، محبّا للصدق، كريم النفس، عادلا ينصف الناس حتى من نفسه و أهله، شجاعا مقداما.»

و عقّب بعد ذكر هذه الشروط فقال:

«ان اجتماع كل هذه الصفات في شخص واحد يكون نادرا، فإن أتيح توفّرها في إنسان كان هو الرئيس، و إلّا فالرئيس كل من اجتمع فيه أكبر قدر ممكن من هذه الصفات، و إذا لم يوجد الإنسان الذي تجتمع فيه أكثر هذه الصفات

و لكن وجد اثنان أحدهما حكيم و الآخر فيه الصفات الباقية يتوليان معا الرئاسة، و يكون كل واحد منهما مكملا للآخر، فاذا تفرقت هذه الصفات في أكثر من اثنين، و كانوا متلائمين كانوا هم الرؤساء الأفاضل.»

و يرى ان الحكمة من أهمّ صفات الرئيس الأعلى، فاذا لم توجد هذه الصفة في

______________________________

(1)- الشفاء/ 451 (طبعة أخرى 563- 564).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 263

أحد بقيت المدينة الفاضلة بدون رئيس، و ذلك مما يؤدي الى الهلاك «1».

3- رأي الماوردي:

و في كتاب الاحكام السلطانية لأبي الحسن الماوردي:

«و أما أهل الإمامة فالشروط المعتبرة فيهم سبعة: أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. و الثاني: العلم المؤدي الى الاجتهاد في النوازل و الأحكام. و الثالث:

سلامة الحواس من السمع و البصر و اللسان ليصحّ معها مباشرة ما يدرك بها.

و الرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة و سرعة النهوض.

و الخامس: الرأي المفضي الى سياسة الرعية و تدبير المصالح. و السادس: الشجاعة و النجدة المؤدية الى حماية البيضة و جهاد العدو. و السابع: النسب، و هو أن يكون من قريش لورود النص فيه و انعقاد الإجماع عليه.» «2»

أقول: قوله: «الاجتهاد في النوازل و الأحكام»، لعل المراد بالأول معرفة ماهية الحوادث الواقعة المهمة التي يجب على سائس الملة معرفتها بخصوصياتها و مقارناتها حتى يقدر على تطبيق الأحكام الكلية عليها، و المراد بالثاني نفس الأحكام الكلية.

و بعبارة أخرى يراد بالأول معرفة الصغريات، و بالثاني العلم بالكبريات عن اجتهاد. و لا يخفى ان معرفة الصغريات في المسائل الاجتماعية و السياسية من أهم الأمور و أعضلها. و ما ورد في التوقيع الشريف من قوله «ع»: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها

إلى رواة حديثنا» «3» أيضا لعله يراد به الرجوع لمعرفة نفس الحوادث و تشخيصها، لا العلم بالأحكام الكلية، فتدبر.

______________________________

(1)- راجع نظام الحكم و الإدارة في الإسلام/ 219.

(2)- الأحكام السلطانية/ 6.

(3)- الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 264

4- رأي القاضي أبي يعلى الفراء:

و في كتاب الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى الفراء:

«و أما أهل الإمامة فيعتبر فيهم أربع شروط: أحدها: ان يكون قرشيا من الصميم ... الثاني: أن يكون على صفة من يصلح أن يكون قاضيا من الحرية و البلوغ و العقل و العلم و العدالة. و الثالث: ان يكون قيما بأمر الحرب و السياسة و إقامة الحدود لا تلحقه رأفة في ذلك، و الذبّ عن الأمّة. الرابع: أن يكون من أفضلهم في العلم و الدين.

و قد روي عن الإمام أحمد ألفاظ تقتضي إسقاط اعتبار العدالة و العلم و الفضل فقال- في رواية عبدوس بن مالك القطان-: و من غلبهم بالسيف حتى صار خليفة و سمّي أمير المؤمنين لا يحل لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيت و لا يراه إماما عليه، برّا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين. و قال أيضا- في رواية المروزي-: فان كان أميرا يعرف بشرب المسكر و الغلول يغزو معه، إنما ذاك له في نفسه.» «1»

أقول: لا يخفى ان مقتضى ما حكاه عن أحمد أن الباغي بالسيف على الإمام الحق في أول الأمر باغ يجب على المسلمين قتاله و دفعه، ثم إذا فرض غلبته يصير بذلك إماما واجب الطاعة، و وجب الدفاع عنه و التسليم له و ان كان من أفسق الفسقة و أعتى الجبابرة، و هذا عجيب.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/

20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 265

5- كلام العلامة الحلي في التذكرة:

قال في فصل قتال أهل البغي من التذكرة ما ملخّصه:

«يشترط في الإمام أمور: أ: أن يكون مكلّفا، فإن غيره مولّى عليه في خاصة نفسه فكيف يلي أمر الأمة؟ ب: ان يكون مسلما، ليراعي مصلحة المسلمين و الإسلام و ليحصل الوثوق بقوله و يصح الركون اليه. ج: أن يكون عدلا. د: أن يكون حرّا.

ه: ان يكون ذكرا، ليهاب و ليتمكن من مخالطة الرجال. و: أن يكون عالما، ليعرف الأحكام و يعلم الناس. ز: ان يكون شجاعا، ليغزو بنفسه و يعالج الجيوش. ح: ان يكون ذا رأي و كفاية. ط: ان يكون صحيح السمع و البصر و النطق، ليتمكن من فصل الأمور. و هذه الشرائط غير مختلف فيها.

ي: ان يكون صحيح الأعضاء كاليد و الرجل و الأذن، و بالجملة اشتراط سلامة الأعضاء، و هي أولى قولي الشافعي. يا: ان يكون من قريش، لقوله: «الأئمة من قريش.» «1» و هو أظهر قولي الشافعية، و خالف فيه الجويني. يب: يجب ان يكون الامام معصوما عند الشيعة، لأن المقتضي لوجوب الإمامة و نصب الإمام جواز الخطأ على الأمة المستلزم لاختلال النظام، فإن الضرورة قاضية بأن الاجتماع مظنّة التنازع و التغالب ... يج: ان يكون منصوصا عليه من اللّه- تعالى- أو من النبي «ص» أو ممن ثبتت إمامته بالنص منهما، لأن العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يمكن الاطلاع عليها، فلو لم يكن منصوصا عليه لزم تكليف ما لا يطاق. يد: أن يكون أفضل أهل زمانه، ليتحقق التمييز عن غيره. و لا يجوز عندنا تقديم المفضول على الفاضل، خلافا لكثير من العامّة، للعقل و النقل ... و الأفضلية تتحقق

بالعلم و الزهد و الورع و شرف النّسب و الكرم و الشجاعة و غير ذلك من الأخلاق الجميلة.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 25/ 104، كتاب الإمامة الباب 1 من أبواب علامات الإمام ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 266

يه: ان يكون منزّها عن القبائح، لدلالة العصمة عليه، و لأنه يكون مستحقا للإهانة و الإنكار عليه، فيسقط محله من قلوب العامة فتبطل فائدة نصبه، و أن يكون منزها من الدناءة و الرذائل ... و ان يكون منزها عن دناءة الآباء و عهر الامهات، و قد خالفت العامة في ذلك كله.» «1»

اقول: يأتي في الفصل الثانى عشر البحث في العصمة و النصّ.

6- رأي القاضي الباقلاني:

قال العلامة الأميني في الغدير:

«قال الباقلاني في التمهيد، ص 181: باب الكلام في صفة الإمام الذي يلزم العقد له. فإن قال قائل: فخبّرونا ما صفة الإمام المعقود له عندكم؟ قيل لهم: يجب أن يكون على أوصاف: منها: أن يكون قرشيا من الصميم. و منها: أن يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين. و منها: أن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب، و تدبير الجيوش و السرايا، و سدّ الثغور، و حماية البيضة، و حفظ الأمّة، و الانتقام من ظالمها، و الأخذ لمظلومها، و ما يتعلق به من مصالحها. و منها: أن يكون ممن لا تلحقه رقّة و لا هوادة في إقامة الحدود، و لا جزع لضرب الرقاب و الأبشار.

و منها: أن يكون من أمثلهم في العلم و سائر هذه الأبواب التي يمكن التفاضل فيها، إلّا أن يمنع عارض من إقامة الأفضل فيسوغ نصب المفضول. و ليس من صفاته أن يكون معصوما و لا عالما بالغيب، و

لا أفرس الأمة و أشجعهم، و لا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قبائل قريش.» «2»

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 452.

(2)- الغدير 7/ 136.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 267

7- كلام القاضي عضد الدين الإيجي و الشريف الجرجاني:

قال الإيجي في المواقف و الشريف الجرجاني في شرحه مازجا الشرح بالمتن:

« (المقصد الثاني في شروط الإمامة: الجمهور على أن أهل الإمامة) و مستحقها من هو (مجتهد في الأصول و الفروع ليقوم بأمور الدين)، متمكنا من إقامة الحجج و حلّ الشبه في العقائد الدينية، مستقلا بالفتوى في النوازل و أحكام الوقائع نصّا و استنباطا. لأن أهمّ مقاصد الإمامة حفظ العقائد و فصل الحكومات و رفع المخاصمات، و لن يتم ذلك بدون هذا الشرط، (ذو رأي) و بصارة بتدبير الحروب و السلم و ترتيب الجيوش و حفظ الثغور، (ليقوم بأمور الملك، شجاع) قويّ القلب، (ليقوى على الذب عن الحوزة) و الحفظ لبيضة الإسلام بالثبات في المعارك ...

و لا يهوله أيضا إقامة الحدود و ضرب الرقاب.

(و قيل: لا يشترط) في الإمامة (هذه الصفات) الثلاث، (لأنها لا توجد) الآن مجتمعة. (نعم، يجب أن يكون عدلا) في الظاهر، (لئلا يجور) ... (عاقلا، ليصلح للتصرفات) الشرعية و الملكية، (بالغا لقصور عقل الصبي، ذكرا، اذ النساء ناقصات عقل و دين، حرّا لئلا يشغله خدمة السيد) عن وظائف الإمامة.

(فهذه الصفات) التي هي الثمان أو الخمس (شروط) معتبرة في الإمامة (بالإجماع).» «1»

______________________________

(1)- شرح المواقف للجرجاني 8/ 349.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 268

8- كلام عبد الملك الجويني:

و عن عبد الملك الجويني، المقلب بإمام الحرمين، انه قال في كتابه المسمى بالإرشاد:

«الشروط التي يجب أن يتصف بها الإمام: 1- الاجتهاد، بحيث لا يحتاج أن يستفيد من غيره في الحوادث. قال: و هذا متفق عليه. 2- التصدّي الى مصالح الأمور و ضبطها. 3- النجدة في تجهيز الجيوش و سدّ الثغور. 4- أن يكون ذا نظر حصيف في النظر الى الأمّة. 5- الشجاعة و الإقدام،

بأن لا تأخذه خور الطبيعة عن ضرب الرقاب و التنكيل بمستوجبي الحدود. 6- و من شرائطها عند أصحابنا- يعني الشافعية- أن يكون الإمام من قريش، لقول رسول اللّه «ص»: «الأئمة من قريش.» «1» و قال: «قدّموا قريشا و لا تقدّموها.» و هذا مما يخالف فيه بعض الناس.

و للاحتمال فيه عندي مجال، و اللّه اعلم بالصواب. لا خفاء في اشتراط حريّة الإمام و اسلامه. و أجمعوا على ان المرأة لا يجوز ان تكون إماما، و ان اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما يجوز شهادتها فيه.» «2»

9- و عن الجويني أيضا:

انه قال في كتابه المسمى: «غياث الأمم في التياث الظلم»:

«يجب على الحاكم مراجعة العلماء فيما يأتي و يذر، فانهم قدوة الأحكام و أعلام

______________________________

(1)- رواه النسائي.

(2)- نظام الحكم و الإدارة في الإسلام/ 222.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 269

الإسلام و ورثة النبوة و قادة الأمّة. و هم على الحقيقة أصحاب الأمر استحقاقا ...

و اذا كان صاحب الأمر مجتهدا فهو المتبوع الذي يستتبع الكافة في اجتهاده و لا يتبع.

فأما اذا كان سلطان الزمان لم يبلغ مبلغ الاجتهاد فالمتبوعون العلماء، و السلطان نجدتهم و شوكتهم و قوّتهم. فعالم الزمان في المقصود الذي نحاوله و الفرض الذي نزاوله كنبيّ الزمان، و السلطان مع العالم كملك في زمان النبي «ص» مأمور بالانتهاء الى ما ينهيه اليه النبي «ص».» «1»

10- كلام النووي:

و في كتاب المنهاج للنووي، أحد عظماء الشافعية- و لآرائه عندهم قيمة كبيرة:

«شرط الإمام كونه مسلما مكلفا حرّا ذكرا قرشيا مجتهدا شجاعا ذا رأي و سمع و بصر و نطق. و تنعقد الإمامة بالبيعة ... و باستخلاف الإمام ... و باستيلاء جامع، و كذا فاسق و جاهل في الأصح.» «2»

أقول: قد ترى انه في الذيل نقض ما ذكره في الصدر من شرط الاجتهاد. و يرجع ذيل كلامه الى ما مرّ عن أحمد.

11- آراء ابن حزم الاندلسي:

و قال ابن حزم في الفصل:

«وجب أن ينظر في شروط الإمامة التي لا يجوز الإمامة لغير من هن فيه، فوجدناها:

______________________________

(1)- النظام السياسي للدولة الإسلامية/ 277.

(2)- المنهاج/ 518، (كتاب البغاة).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 270

أن يكون صليبة من قريش، لإخبار رسول اللّه «ص» ان الإمامة فيهم «1». و أن يكون بالغا مميّزا، لقول رسول اللّه «ص»: رفع القلم عن ثلاثة. فذكر الصبيّ حتّى يحتلم، و المجنون حتى يفيق. و أن يكون رجلا، لقول رسول اللّه «ص»: لا يفلح قوم أسندوا أمرهم الى امرأة. «2» و أن يكون مسلما، لأن اللّه- تعالى- يقول: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. «3» و الخلافة أعظم السبيل، و لأمره بإصغار أهل الكتاب و أخذهم بأداء الجزية و قتل من لم يكن من أهل الكتاب حتى يسلموا. و ان يكون متقدما لأمره، عالما بما يلزمه من فرائض الدين، متقيا للّه- تعالى- بالجملة، غير معلن بالفساد في الأرض، لقول اللّه- تعالى-: وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ «4» ...، و قد قال رسول اللّه «ص»: من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو ردّ «5»، و

قال- عليه السلام-: يا أبا ذر، انك ضعيف لا تأمرن على اثنين و لا تولّين مال يتيم «6»، و قال- تعالى-: فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً. الآية «7».

فصحّ ان السفيه و الضعيف و من لا يقدر على شي ء فلا بدّ له من وليّ، و من لا بدّ له من وليّ فلا يجوز ان يكون وليّا للمسلمين، فصحّ ان ولاية من لم يستكمل هذه الشروط الثمانية باطل لا يجوز و لا ينعقد أصلا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 270

ثم يستحبّ أن يكون عالما بما يخصّه من أمور الدين من العبادات و السياسة و الأحكام، مؤدّيا للفرائض كلها لا يخلّ بشي ء منها، مجتنبا لجميع الكبائر سرّا و جهرا، مستترا بالصغائر ان كانت منه.

فهذه أربع صفات يكره أن يلي الأمة من لم ينتظمها، فان ولي فولايته صحيحة و نكرهها. و طاعته فيها اطاع اللّه فيه واجبة. و منعه مما لم يطع اللّه فيه واجب.

______________________________

(1)- جامع الأصول 4/ 438، كتاب الخلافة، الباب 1، الحديث 2020.

(2)- راجع مسند أحمد 5/ 38.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 2.

(5)- جامع الأصول 1/ 197، كتاب الاعتصام بالكتاب و السنة، الباب 1.

(6)- جامع الأصول 4/ 448، كتاب الخلافة، الباب 1، الحديث 2037.

(7)- سورة البقرة (2)، الآية 282.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 271

و الغاية المأمولة فيه أن يكون رفيقا بالناس في غير ضعف، شديدا في إنكار المنكر من غير عنف و لا تجاوز للواجب، مستيقظا

غير غافل، شجاع النفس، غير مانع للمال في حقّه و لا مبذّر له في غير حقّه.

و يجمع هذا كله أن يكون الإمام قائما بأحكام القرآن و سنن رسول اللّه «ص» فهذا يجمع كل فضيلة.» «1»

12- و قال ابن حزم أيضا في المحلّى:

«و لا تحلّ الخلافة الّا لرجل من قريش صليبة من ولد فهر بن مالك من قبل آبائه.

و لا تحلّ لغير بالغ و ان كان قرشيّا.» «2»

13- و قال أيضا في المحلّى:

«مسألة: و صفة الإمام أن يكون مجتنبا للكبائر، مستترا بالصغائر، عالما بما يخصّه، حسن السياسة، لأن هذا هو الذي كلّف. و لا معنى لأن يراعى أن يكون غاية الفضل، لأنه لم يوجب ذلك قرآن و لا سنّة.» «3»

______________________________

(1)- الفصل في الملل و الأهواء و النحل 4/ 166.

(2)- المحلّى 6/ 359، كتاب الإمامة، المسألة 1769.

(3)- المحلّى 6/ 362، كتاب الإمامة، المسألة 1773.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 272

14- كلام ابن خلدون:

و في مقدمة ابن خلدون:

«و أما شروط هذا المنصب فهي أربعة: العلم و العدالة و الكفاية و سلامة الحواس و الأعضاء، مما يؤثر في الرأي و العمل. و اختلف في شرط خامس و هو النسب القرشي. فأما اشتراط العلم فظاهر، لأنه إنما يكون منفذا لأحكام اللّه- تعالى- إذا كان عالما بها، و ما لم يعلمها لا يصحّ تقديمه لها. و لا يكفي من العلم إلّا أن يكون مجتهدا، لأن التقليد نقص، و الإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف و الأحوال ...» «1»

15- كلام القلقشندي:

قال في مآثر الإنافة في معالم الخلافة:

«الفصل الثاني في شروط الإمامة، و قد اعتبر أصحابنا الشافعية لصحة عقدها أربعة عشر شرطا في الإمام: الأول: الذكورة، فلا تنعقد إمامة المرأة ... الثاني:

البلوغ ... الثالث: العقل ... الرابع: البصر، فلا تنعقد إمامة الأعمى ...

الخامس: السمع ... السادس: النطق، فلا تنعقد إمامة الأخرس ... السابع:

سلامة الأعضاء من نقص يمنع استيفاء الحركة و سرعة النهوض ... الثامن:

الحرية ... التاسع: الإسلام ... العاشر: العدالة ... الحادي عشر: الشجاعة و النجدة ... الثاني عشر: العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في النوازل و الأحكام، فلا تنعقد إمامة غير العالم بذلك، لأنه محتاج لأن يصرّف الأمور على النهج القويم

______________________________

(1)- مقدمة ابن خلدون/ 135 (طبعة أخرى/ 193)، الفصل 26 من الفصل الثالث من الكتاب الأول.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 273

و يجربها على الصراط المستقيم، و لأن يعلم الحدود و يستوفي الحقوق و يفصل الخصومات بين الناس. و إذا لم يكن عالما مجتهدا لم يقدر على ذلك. الثالث عشر:

صحة الرأي و التدين فلا تنعقد إمامة ضعيف الرأي ... الرابع عشر: النسب، فلا تنعقد الإمامة بدونه، و المراد أن

يكون من قريش.» «1»

16- و في الفقه على المذاهب الأربعة ما ملخّصه:

«إنهم اتفقوا على أن الإمام يشترط فيه أن يكون مسلما مكلفا حرّا ذكرا قرشيا عدلا عالما مجتهدا شجاعا ذا رأي صائب سليم السمع و البصر و النطق.» «2»

أقول: هذه بعض كلماتهم في المقام، و تفصيل الأدلّة على الشروط يأتي في الفصول الآتية.

و يظهر لك بالدقّة فيما مرّ من الكلمات أن ولاية الفقيه ليست أمرا بدعا أبدعه فقهاء الشيعة في عصرنا، بل المشهور بين المحققين من علماء السنة أيضا اشتراط الاجتهاد و الفقاهة في الإمام و الوالي.

و لا يخفى أيضا أن اعتبار أكثرهم لوصف القرشية في الإمام إنما هو بلحاظ الأخبار الواردة في هذا الشأن، و سيأتي بيانها، فانتظر.

______________________________

(1)- مآثر الإنافة 1/ 31.

(2)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 416، مبحث شروط الإمامة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 275

الفصل الثاني في بيان ما يحكم به العقل و العقلاء في المقام

مع قطع النظر عن الآيات و الروايات:

لا يخفى أن المرجع في إثبات الشرائط المعتبرة في الوالي هو العقل و الكتاب و السنة، فلنتعرض هنا لحكم العقل إجمالا، فنقول: إن العقلاء إذا أرادوا أن يفوّضوا أمرا من الأمور إلى شخص فلا محالة يراعون فيه أمورا: الأول: أن يكون الشخص المفوّض اليه عاقلا. الثاني: أن يكون عالما بكيفية العمل و فنونه. الثالث:

أن يكون قادرا على إيجاده و تحصيله على ما هو حقّه. الرابع: أن يكون أمينا يعتمد عليه، و إلّا لجاز أن يخون في أصل العمل أو في كيفيته. مثلا إذا أردتم أن تستأجروا أحدا لإحداث بناء فلا محالة تراعون فيه بحكم الفطرة وجود هذه الشرائط الأربعة.

و الولاية و إدارة شئون الأمّة من أهمّ الأمور و أعضلها و أدقّها، فلا محالة يشترط في الوالي بحكم العقل و الفطرة أن يكون عاقلا عالما بالعمل قادرا عليه

أمينا يعتمد عليه.

و إذا فرض أن المفوّضين لأمر الولاية إلى شخص خاص يعتقدون بمبدإ خاص و إيدئولوجية خاصة متضمنة لقوانين مخصوصة في نظام الحياة، و أرادوا إدارة شئونهم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 276

السياسية على أساس هذا المبدأ و هذه المقررات الخاصة فلا محالة ينتخبون لذلك من يعتقد بهذا المبدأ و يطّلع على مقرراته، بل ينتخبون من يكون أعلم و أكثر اطلاعا، اللهم إلّا أن يزاحم ذلك جهة أقوى و أهمّ.

فهذا أمر طبيعي لا يعدل عنه العقلاء بفطرتهم و ارتكازهم.

مثلا إذا كان أهل منطقة خاصة معتقدين بالمبدإ المادي و الاقتصاد الماركسي فبالطبع يراعون في الوالي المنتخب كونه عاقلا، قادرا على أمر الولاية، معتقدا بهذا المبدأ الخاص، أكثر اطلاعا على قوانينه و مقرراته المرتبطة بإدارة الملك، أمينا معتمدا عليه في أقواله و أفعاله.

و على هذا فالمسلمون المعتقدون بالإسلام و أن الإسلام حاو لجميع ما يحتاج إليه البشر في حياتهم الفردية و العائلية، و في علاقاتهم الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية مع المسلمين و غيرهم من الأمم لا محالة يراعون في الوالي العقل، و القدرة على الولاية، و اعتقاده بالاسلام، و اطلاعه على مقرراته و أحكامه، بل أعلميته في ذلك، و كذلك أمانته و استقامته المعبّر عنها بالعدالة.

فهذه شرائط للوالي، يحكم العقل بلزوم رعايتها مع الإمكان، سواء كان انتخاب الوالي و نصبه من قبل اللّه- تعالى-، كما نعتقده نحن بالنسبة الى الأئمة الاثنى عشر «ع» بلا إشكال، او كان من قبل الأمة، كما يعتقده إخواننا السنة مطلقا.

و لعلنا نعتقده بالنسبة الى الفقهاء العدول في عصر الغيبة.

و بالجملة اشتراط هذه الشرائط و اعتبارها في والي المسلمين بما هم مسلمون أمر لا يحتاج

الى التعبد الشرعي، بل يدركه الإنسان بعقله و فطرته، و لا نريد بولاية الفقيه إلّا هذا الأمر الفطري الارتكازي.

و قد مرّ في صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه «ع» انه قال: «و انظروا لأنفسكم. فو اللّه إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه و يجي ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 35، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 277

فالإمام «ع» أرجع الراوي إلى فطرته و ارتكازه، و الى أمر يلتزم به العقلاء بما هم عقلاء. و ما ذكرناه حقيقة وجدانية، تقبلها طباع جميع البشر و عقولهم إذا خلوا من العناد و التعصب، من أيّ ملة و دين كانوا.

و لو فرض كون أكثر الناس في منطقة خاصة مسلمين متعهدين ملتزمين و يوجد بينهم أقليات غير مسلمة فلا محالة يجب أن تكون الحكومة على أساس موازين الإسلام مع حفظ حقوق الأقليات أيضا. و حفظ حقوقهم أيضا بنفسه يعدّ من مقررات الإسلام و موازينه، كما لا يخفى على أهله.

و قد تلخص مما ذكرنا أن العقل يحكم باعتبار العقل، و القدرة، و الإسلام، و العلم بل الاعلمية، و العدالة في حاكم الإسلام و و اليه. و المعرفة بالإدارة و التدبير أيضا يدخلان بعناية ما في مفهوم العلم، لاحتمال أن يراد به ما هو الأعم من العلم بالكليات و العلم بطرق التطبيق و عواقب الأمر و نحو ذلك. كما يحتمل دخولهما في عنوان القدرة. و سيأتي تفصيل ذلك في محله، فلاحظ و تأمّل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 279

الفصل الثالث في ذكر آيات الباب

لا يخفى أن الآيات التي يمكن أن يتمسك بها لشرائط الإمام و الوالي كثيرة، و نحن قبل الورود في تفصيل الشرائط نذكر جملة من هذه الآيات في فصل مستقل بلا شرح و تفسير إذ في جمعها نحو فائدة، و نحيل الشرح إلى الفصول الآتية. قال اللّه- تعالى-:

1- «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.» «1»

2- «لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ، إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً، وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّٰهِ الْمَصِيرُ.» «2»

3- «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ.» «3»

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 28.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 51.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 280

4- «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمٰانِكُمْ كٰافِرِينَ.» «1»

5- «وَ مَنْ يُشٰاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدىٰ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مٰا تَوَلّٰى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً.» «2»

6- «اتَّبِعُوا مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لٰا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءَ، قَلِيلًا مٰا تَذَكَّرُونَ.» «3»

7- «اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ، وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ، يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمٰاتِ، أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ النّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ.» «4»

8- «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا

بِهِ، وَ يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلٰالًا بَعِيداً.» «5»

9- «وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ، وَ دَعْ أَذٰاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ، وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَكِيلًا.» «6»

10- «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لٰا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً.» «7»

11- «وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا.» «8»

12- «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «9»

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 100.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 115.

(3)- سورة الأعراف (7)، الآية 3.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 257.

(5)- سورة النساء (4)، الآية 60.

(6)- سورة الأحزاب (33)، الآية 48.

(7)- سورة الإنسان (76)، الآية 24.

(8)- سورة الأحزاب (33)، الآية 67.

(9)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 281

13- «وَ لٰا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَ اتَّبَعَ هَوٰاهُ وَ كٰانَ أَمْرُهُ فُرُطاً.» «1»

14- «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ، وَ مٰا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّٰهِ مِنْ أَوْلِيٰاءَ ثُمَّ لٰا تُنْصَرُونَ.» «2»

15- «قٰالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذٰا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهٰا وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهٰا أَذِلَّةً، وَ كَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ.» «3»

16- «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ* أُولٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمىٰ أَبْصٰارَهُمْ.» «4»

17- «وَ لَقَدْ نَجَّيْنٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ مِنَ الْعَذٰابِ الْمُهِينِ* مِنْ فِرْعَوْنَ، إِنَّهُ كٰانَ عٰالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ.» «5»

18- «أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مٰا لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ.» «6»

19- «أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً، لٰا يَسْتَوُونَ.» «7»

20- «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قٰالَ: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً. قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، قٰالَ: لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ.» «8»

21- «وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ

وَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَ لٰكِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لٰا يَعْلَمُونَ.» «9»

______________________________

(1)- سورة الكهف (18)، الآية 28.

(2)- سورة هود (11)، الآية 113.

(3)- سورة النمل (27)، الآية 34.

(4)- سورة محمد «ص» (47)، الآية 22 و 23.

(5)- سورة الدخان (44)، الآية 30 و 31.

(6)- سورة القلم (68)، الآية 35 و 36.

(7)- سورة السجدة (32)، الآية 18.

(8)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(9)- سورة المنافقين (63)، الآية 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 282

22- «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، وَ مَنْ رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً، هَلْ يَسْتَوُونَ، الْحَمْدُ لِلّٰهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ* وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمٰا أَبْكَمُ لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ وَ هُوَ كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ أَيْنَمٰا يُوَجِّهْهُ لٰا يَأْتِ بِخَيْرٍ، هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ.» «1»

23- «قُلْ لٰا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزٰائِنُ اللّٰهِ وَ لٰا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لٰا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلّٰا مٰا يُوحىٰ إِلَيَّ. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمىٰ وَ الْبَصِيرُ؟ أَ فَلٰا تَتَفَكَّرُونَ.» «2»

24- «أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ؟» «3»

25- «وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ.» «4»

26- «وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً.» «5»

27- «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لٰا يَهِدِّي إِلّٰا أَنْ يُهْدىٰ، فَمٰا لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ.» «6»

28- «وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً. قٰالُوا أَنّٰى يَكُونُ

لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ، وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمٰالِ؟ قٰالَ إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ، وَ اللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ.» «7»

29- «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ؛ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ.» «8»

______________________________

(1)- سورة النحل (16)، الآية 75 و 76.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآية 50.

(3)- سورة محمد «ص» (47)، الآية 14.

(4)- سورة الحج (22)، الآية 40 و 41.

(5)- سورة النساء (4)، الآية 5.

(6)- سورة يونس (10)، الآية 35.

(7)- سورة البقرة (2)، الآية 247.

(8)- سورة الزمر (39)، الآية 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 283

30- «قٰالَ اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.» «1»

31- «قٰالَتْ إِحْدٰاهُمٰا يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ.» «2»

32- «قٰالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقٰامِكَ، وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ.» «3»

33- «الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ، وَ بِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ.

الآية.» «4»

34- «أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصٰامِ غَيْرُ مُبِينٍ.» «5»

35- «وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَ لِلرِّجٰالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» «6»

36- «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لٰا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ.» «7»

______________________________

(1)- سورة يوسف (12)، الآية 55.

(2)- سورة القصص (28)، الآية 26.

(3)- سورة النمل (27)، الآية 39.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 34.

(5)- سورة الزخرف (43)، الآية 18.

(6)- سورة البقرة (2)، الآية 228.

(7)- سورة الأحزاب (33)، الآية 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 285

الفصل الرابع في اعتبار العقل الوافي

قد مرّ انه يشترط في الوالي امور: الأول

العقل، و قد بينا في الفصل الثاني ان العقلاء بحسب فطرتهم لا يفوّضون أمورهم الى غيرهم إلّا اذا أحرزوا فيه شروطا و منها العقل. هذا في الأمور المتعارفة فكيف بالولاية التي هي سلطة على الدماء و الأعراض و الأموال.

و في الغرر و الدرر عن أمير المؤمنين «ع»: «يحتاج الإمام إلى قلب عقول، و لسان قؤول، و جنان على إقامة الحق صئول.» «1»

هذا مضافا الى ان المجنون رفع عنه القلم و يكون مولّى عليه فكيف يجعل وليّا على المسلمين؟! و السفيه أيضا محجور عليه.

قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً.» «2»

و المراد بالأموال في الآية الأموال العامة المتعلّقة بالمجتمع او مطلق الأموال و ان كانت للأشخاص. و الوالي مسلّط على الأموال و النفوس قهرا، فلا يجوز أن يكون سفيها.

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 6/ 472، الحديث 11010.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 286

و في رواية الشحام عن أبي عبد اللّه «ع» «لا يكون السفيه إمام التقى.» «1»

و في نهج البلاغة: «و لكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمّة سفهاؤها و فجّارها، فيتّخذوا مال اللّه دولا و عباده خولا و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا.» «2»

و في كنز العمّال: «إذا أراد اللّه بقوم خيرا ولّى عليهم حلماءهم و قضى عليهم علماؤهم، و جعل المال في سمحائهم. و إذا أراد اللّه بقوم شرّا ولّى عليهم سفهاءهم، و قضى بينهم جهالهم، و جعل المال في بخلائهم.» (فر، عن مهران) «3».

فيعتبر في الوالي مضافا الى العقل، الرشد في قبال السفاهة أيضا. و ان شئت قلت: يعتبر فيه العقل الكامل، فهما شرط واحد. و بالجملة المسألة

واضحة لا تحتاج الى بحث.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 175؛ كتاب الحجة، باب طبقات الأنبياء و ... الحديث 2.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1050؛ عبده 3/ 131؛ لح/ 452، الكتاب 62.

(3)- كنز العمال 6/ 7، الباب 1 من كتاب الإمارة، الحديث 14595.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 287

الفصل الخامس في اعتبار الإسلام و الايمان

الشرط الثاني للوالي: الإسلام و الإيمان. فلا يجعل الكافر واليا على المسلمين.

و قد مرّ في الفصل الثاني بيان اعتباره من طريق العقل.

و يدلّ على ذلك من الكتاب آيات كثيرة:

منها قوله- تعالى-: «لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.» «1»

إذ الولاية على الغير من أقوى السبل عليه.

و منها قوله: «لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ.» «2»

و منها قوله: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ.» «3»

إلى غير ذلك من الآيات.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 28.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 51.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 288

و الروايات الدالّة على ذلك أيضا كثيرة جدا، و منها ما عن النبي «ص»:

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه.» «1» هذا.

و كيف ينتظر و يتوقع ممن لا يعتقد بالإسلام أن يكون مجريا لأحكام الإسلام و مديرا لشئون المسلمين على أساس موازين الإسلام. و بذلك يظهر عدم كفاية الإسلام بالمعنى الأعم، لصدقه على الإقرار اللفظي أيضا، بل يعتبر الإيمان المركّب من الإقرار باللسان و الاعتقاد بالجنان و العمل بالأركان. و وجهه واضح.

و إذا كان الإيمان شرطا في إمام الجماعة فاشتراطه في الإمام الأعظم يثبت بطريق أولى، فتدبّر.

______________________________

(1)- الفقيه 4/ 334، باب ميراث أهل الملل،

الحديث 5719.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 289

الفصل السادس في اعتبار العدالة

اشارة

الشرط الثالث: العدالة. فلا ولاية للظالم و الفاسق على المسلمين.

و يدلّ على ذلك مضافا إلى حكم العقل كما عرفت الآيات و الروايات الكثيرة من طرق الفريقين.

1- فمن الآيات

قوله- تعالى-: «وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قٰالَ: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً، قٰالَ: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، قٰالَ: لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ.» «1»

قال في أقرب الموارد:

«ظلم فلان ض ظلما و ظلما و مظلمة: وضع الشي ء في غير موضعه، و منه المثل:

«من استرعى الذئب فقد ظلم.» و فلانا: جار عليه ... و الأرض حفرها في غير موضع حفرها ...» «2»

فكل ما يخالف الحق يصح أن يطلق عليه الظلم و يكون مشمولا لإطلاقه.

و على هذا فكل فاسق ظالم، و كل منحرف عن الحقّ كذلك.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(2)- أقرب الموارد 2/ 731.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 290

2- و من الآيات أيضا قوله- تعالى-: «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ ...» «1»

قال عليّ بن إبراهيم في ذيل الآية:

«قال: ركون مودّة و نصيحة و طاعة.» «2»

3- و منها أيضا قوله: «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «3»

4- و منها قوله: «وَ لٰا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَ اتَّبَعَ هَوٰاهُ وَ كٰانَ أَمْرُهُ فُرُطاً.» «4»

5- و منها قوله: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لٰا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً.» «5»

6- و منها قوله- حكاية عن أهل النار-: «وَ قٰالُوا: رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا.» «6»

إلى غير ذلك من الآيات التي يظهر منها أن الظالم و الفاسق لا يجعل إماما و واليا مفترض الطّاعة، و دلالتها واضحة ظاهرة.

و أما الروايات

ففي غاية الكثرة. نذكر عدّة منها:

1- ما رواه في أصول الكافي بسنده عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال:

ورع يحجزه عن معاصي اللّه، و حلم يملك به غضبه، و حسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم.»

و في رواية أخرى «حتى يكون للرّعية كالأب الرحيم.» «7»

2- ما رواه أيضا بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال سمعت أبا جعفر «ع»

______________________________

(1)- سورة هود (11)، الآية 113.

(2)- تفسير علي بن ابراهيم (القمي)/ 315 (طبعة أخرى 1/ 338).

(3)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

(4)- سورة الكهف (18)، الآية 28.

(5)- سورة الإنسان (76)، الآية 24.

(6)- سورة الأحزاب (33)، الآية 67.

(7)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرّعية ...، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 291

يقول: «... و اللّه يا محمّد، من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من اللّه- عزّ و جلّ- ظاهر عادل أصبح ضالّا تائها. و إن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر و نفاق. و اعلم يا محمد، أن أئمّة الجور و أتباعهم لمعزولون عن دين اللّه، قد ضلّوا و أضلّوا ...» «1»

3- ما في المحكم و المتشابه: «و إنما هلك الناس حين ساووا بين أئمة الهدى و أئمة الكفر، فقالوا: إن الطاعة مفترضة لكلّ من قام مقام النبي «ص» برّا كان أو فاجرا، فأتوا من قبل ذلك.

قال اللّه- تعالى-: أ فنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم، كيف تحكمون.» «2»

و هل يكون جميع الكتاب رواية عن أمير المؤمنين «ع» أولا؟ قد مرّ الكلام فيه في الدليل الخامس من أدلة لزوم الولاية، فراجع.

4- ما في نهج البلاغة بعد ما ذكر «ع» سابقته في الإسلام قال: «و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و

الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه، و لا الحائف للدول فيتّخذ قوما دون قوم، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق و يقف بها دون المقاطع، و لا المعطّل للسنّة فيهلك الأمّة.» «3»

أقول: قوله «ع»: «و قد علمتم»، يعني من الآيات القرآنية التي يعلم بها شرائط الولاية، أو من بيان رسول اللّه «ص» أو من بياناته السابقة، أو مما رأوه من أعمال من سبقه.

و قوله: «لا ينبغي» ليس ظاهرا في الكراهة، و إن شاع في اصطلاح الفقهاء في أعصارنا إرادتها منه، فإنّه بحسب اللغة صالح للحرمة أو ظاهر فيها. ففي لسان العرب:

______________________________

(1)- الكافي 1/ 184، كتاب الحجة، باب معرفة الإمام و الرد اليه، الحديث 8.

(2)- المحكم و المتشابه/ 71، و بحار الأنوار 90/ 57 (طبعة إيران 93/ 57)، باب ما ورد في أصناف آيات القرآن.

و الآيتان المذكورتان من سورة القلم (68)، الرقم 35 و 36.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 407؛ عبده 2/ 19؛ لح/ 189، الخطبة 131.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 292

«يقال: انبغى لفلان أن يفعل كذا، أي صلح له أن يفعل كذا، و كأنّه قال:

طلب فعل كذا فانطلب له، أي طاوعه ... و انبغى الشي ء تيسّر و تسهّل.» «1»

و على هذا فقوله: «لا ينبغي»، أي لا يصلح و لا يتيسّر تحققه.

و يشهد لذلك موارد استعمال الكلمة في الكتاب العزيز، كقوله- تعالى-:

«قٰالُوا سُبْحٰانَكَ مٰا كٰانَ يَنْبَغِي لَنٰا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيٰاءَ.» «2» و قوله: «لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَ لَا اللَّيْلُ سٰابِقُ النَّهٰارِ.» «3» إلى غير ذلك من

الآيات الشريفة. و في صحيحة زرارة المشهورة في الاستصحاب: «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.» «4» هذا.

و «النهمة» بالفتح: الحاجة و بلوغ الشهوة، و بالفتحتين: إفراط الشهوة في الطعام.

و «الجفاء»: سوء الخلق و خلاف البرّ و الصلة. و «الحيف»: الظلم. و «الدول» بضم الدال جمع دولة بالضم: المال الذي تتداوله الأيدي.

و روي: «الخائف» بالمعجمة، و «الدول» بكسر الدال جمع دولة بالفتح، أي الغلبة في الحرب و غيره. فيراد به من يخاف من تقلبات الدهر و غلبة أعدائه عليه، فيتّخذ قوما يتوقّع نصرهم و يقويهم بالتفضيل في العطاء.

و «مقاطع الحكم» حدودها المعينة من قبل اللّه- تعالى-.

و قوله: «فيذهب بالحقوق و يقف بها دون المقاطع»، أي يقف عند مقطع الحكم فلا يقطعه بالحق بل يحكم بالجور، أو يقف عند أصل الحكم و يسوّفه حتى لا يصل المحقّ إلى حقّه أو يضطرّ إلى الصلح.

و المراد بالسنّة أحكام اللّه المبينة بطريقة النبي و قوله و فعله.

و كيف كان فدلالة الكلام على اعتبار العدالة واضحة، فتدبّر.

5- ما في نهج البلاغة أيضا: «و لكنني آسى أن يلى أمر هذه الأمّة سفهاؤها و فجّارها،

______________________________

(1)- لسان العرب 14/ 77.

(2)- سورة الفرقان (25)، الآية 18.

(3)- سورة يس (36)، الآية 40.

(4)- الوسائل 2/ 1062، الباب 41 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 293

فيتّخذوا مال اللّه دولا و عباده خولا و الصالحين حربا و الفاسقين حزبا.» «1»

6- ما فيه أيضا خطابا لعثمان: «فاعلم أن أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدى و هدى، فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة ... و أنّ شر الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ و ضلّ به، فأمات

سنّة معلومة و أحيا بدعة متروكة. و إنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر و ليس معه نصير و لا عاذر، يلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرحى ثمّ يرتبط في قعرها.» «2»

7- ما في خطبة الحسن بن علي «ع» بمحضر معاوية، قال «ع»: «إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه و سنّة نبيّه «ص»، و ليس الخليفة من سار بالجور.» «3»

8- ما رواه في الإرشاد عن سيد الشهداء- عليه السلام- في جوابه لكتب أهل الكوفة إليه: «فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات اللّه.» «4» و نحوه في الكامل. «5»

9- ما في نهج البلاغة: «من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، و ليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه. و معلّم نفسه و مؤدّبها أحق بالإجلال من معلّم الناس و مؤدّبهم.» «6»

فتأمّل، إذ يشكل دلالة الحديث على اعتبار العدالة في الإمام.

10- ما رواه في إثبات الهداة، عن الصدوق بسنده، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «قال اللّه- عزّ و جلّ: لأعذّبنّ كلّ رعيّة في

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1050؛ عبده 3/ 131؛ لح/ 452، الكتاب 62.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 526؛ عبده 2/ 85؛ لح/ 234، الخطبة 164.

(3)- مقاتل الطالبيين/ 47.

(4)- الإرشاد للمفيد/ 186 (طبعة أخرى/ 204).

(5)- الكامل لابن أثير 4/ 21.

(6)- نهج البلاغة، فيض/ 1117؛ عبده 3/ 166؛ لح/ 480، الحكمة 73.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 294

الإسلام دانت بولاية إمام جائر ظالم ليس من اللّه و إن كانت الرعية عند اللّه بارّة تقيّة. و لأعفونّ عن

كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من اللّه و إن كانت الرعيّة في أعمالها ظالمة مسيئة.» «1»

11- ما رواه في الكافي بسند صحيح، عن هشام بن سالم و حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قيل له بأيّ شي ء يعرف الإمام؟ قال: بالوصية الظاهرة و بالفضل. إنّ الإمام لا يستطيع أحد أن يطعن عليه في فم و لا بطن و لا فرج فيقال: كذاب و يأكل أموال الناس و ما أشبه هذا.» «2»

12- ما رواه في الدعائم عن جعفر بن محمّد «ع» أنّه قال: «ولاية أهل العدل الذين أمر اللّه بولايتهم و توليتهم و قبولها و العمل لها فرض من اللّه- عزّ و جلّ-، و طاعتهم واجبة. و لا يحلّ لمن أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم و (ولاية ظ) ولاة أهل الجور و اتباعهم و العاملون لهم في معصية اللّه غير جائزة لمن دعوه إلى خدمتهم و العمل لهم و عونهم و لا القبول منهم.» «3»

13- ما في تحف العقول عن الصادق- عليه السلام-: «فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر اللّه بمعرفته و ولايته و العمل له في ولايته، و ولاية ولاته و ولاة ولاته، بجهة ما أمر اللّه به الوالي العادل، بلا زيادة فيما أنزل اللّه به و لا نقصان منه و لا تحريف لقوله و لا تعدّ لأمره إلى غيره. فإذا صار الوالي والى عدل بهذه الجهة فالولاية له و العمل معه و معونته في ولايته و تقويته حلال محلّل، و حلال الكسب معهم. و ذلك أنّ في ولاية والي العدل و ولاته إحياء كلّ حق و عدل و إماتة كلّ ظلم و

جور و فساد، فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه و المعين له على ولايته ساعية إلى طاعة اللّه مقوّيا لدينه.

و أمّا وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته، الرئيس منهم و أتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة إلى أدناهم بابا من أبواب الولاية على من هو وال عليه. و العمل لهم و الكسب

______________________________

(1)- إثبات الهداة 1/ 123.

(2)- الكافي 1/ 284، كتاب الحجة، باب الأمور التي توجب حجة الإمام «ع»، الحديث 3.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 527، كتاب آداب القضاة، الحديث 1876.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 295

معهم بجهة الولاية لهم حرام و محرّم، معذّب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لأنّ كلّ شي ء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر. و ذلك أنّ في ولاية الوالي الجائر دوس الحقّ كلّه و إحياء الباطل كلّه، و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الكتب و قتل الأنبياء و المؤمنين و هدم المساجد و تبديل سنّة اللّه و شرائعه. فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلّا بجهة الضرورة، نظير الضرورة إلى الدم و الميتة.» «1»

و آثار الصدق و الحقيقة على الحديث لائحة، كما أن دلالته واضحة. و قال في ديباجة تحف العقول:

«و أسقطت الأسانيد تخفيفا و إيجازا، و إن كان أكثره لي سماعا، و لأن أكثره آداب و حكم تشهد لأنفسها.»

14- ما رواه في الوسائل بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن آبائه، قال أمير المؤمنين «ع»: «لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم. و لا ينفذ في الفي ء أمر اللّه- عزّ و

جلّ- فإنه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدوّنا في حبس حقّنا و الإشاطة بدمائنا، و ميتته ميتة جاهلية.» «2»

15- ما رواه النعماني في كتاب الغيبة عن محمد بن يعقوب بسنده، عن أبي وهب، عن محمد بن منصور، قال: سألته، يعني أبا عبد اللّه «ع» عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً قٰالُوا وَجَدْنٰا عَلَيْهٰا آبٰاءَنٰا وَ اللّٰهُ أَمَرَنٰا بِهٰا. قُلْ إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَأْمُرُ بِالْفَحْشٰاءِ.

أَ تَقُولُونَ عَلَى اللّٰهِ مٰا لٰا تَعْلَمُونَ.» «3» قال: فقال: «فهل رأيت أحدا زعم أن اللّه أمره بالزنا و شرب الخمر أو شي ء من هذه المحارم؟ فقلت: لا. قال: «فما هذه الفاحشة التي يدّعون أن اللّه أمرهم؟ قلت:

اللّه أعلم و وليّه. قال: «فان هذا في أولياء أئمة الجور، ادعوا أن اللّه أمرهم بالايتمام بقوم لم يأمرهم اللّه بالايتمام بهم، فردّ اللّه ذلك عليهم و أخبرهم أنهم قد قالوا عليه الكذب و سمي ذلك منهم

______________________________

(1)- تحف العقول/ 332.

(2)- الوسائل 11/ 34، الباب 12 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

(3)- سورة الأعراف (7)، الآية 28.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 296

فاحشة.» «1»

إلى غير ذلك مما دلّ على حرمة إطاعة أئمة الجور، فإن الإمام إنما جعل إماما ليؤتم به، فإذا حرمت الإطاعة فلا إمامة، كما هو واضح.

16- و في تفسير نور الثقلين عن روضة الواعظين للمفيد، قال رسول اللّه «ص»:

«حفت الجنة بالمكاره و حفت النار بالشهوات. قال اللّه- تعالى- لداود: حرام على كلّ قلب عالم محبّ للشهوات أن أجعله إماما للمتقين.» «2»

17- ما في كنز العمال عن عليّ «ع» قال: «ثلاثة من كن فيه من الأئمة صلح أن يكون إماما اضطلع بأمانته: إذا

عدل في حكمه، و لم يحتجب دون رعيّته، و أقام كتاب اللّه- تعالى- في القريب و البعيد.» (الديلمي). «3»

18- و في الغرر و الدرر: «سبع أكول حطوم خير من وال ظلوم غشوم.» «4»

19- و فيه أيضا: «ولاة الجور شرار الأمة و أضداد الأئمة.» «5»

20- و قد مرّ في رواية الفضل بن شاذان: «و منها أنّه لو لم يجعل لهم إماما قيّما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة.» «6»

21- و في رواية سليم: «يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنة.» «7» هذا.

و الأخبار و الروايات في ذمّ ولاة الجور و حرمة تقويتهم و إعانتهم في غاية

______________________________

(1)- الغيبة للنعماني/ 82 (طبعة أخرى/ 130)، الباب 7 (باب ما روي فيمن شك في واحد من الأئمة ...).

(2)- تفسير نور الثقلين 4/ 44 (في تفسير سورة الفرقان).

(3)- كنز العمال 5/ 764، الباب 2 من كتاب الخلافة من قسم الأفعال، الحديث 14315.

(4)- الغرر و الدرر 4/ 145، الحديث 5626.

(5)- الغرر و الدرر 6/ 239، الحديث 10122.

(6)- علل الشرائع 1/ 95 (طبعة أخرى 1/ 253)، الباب 182 (باب علل الشرائع و أصول الإسلام)، الحديث 9.

(7)- كتاب سليم بن قيس/ 182.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 297

الكثرة. و أيّ إعانة أقوى من الانقياد لهم و التسليم لأوامرهم؟ إذ لا تبقى الحكومة إلّا بإطاعة الأمّة.

و في رواية السكوني عن جعفر بن محمد، عن آبائه- عليهم السلام- قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا أو ربط كيسا أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم.» «1»

و في رواية أخرى عن كتاب ورّام: «قال- عليه السلام-: إذا

كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة حتّى من برى لهم قلما و لاق لهم دواتا. قال:

فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم.» «2»

و في كنز العمال عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: يا كعب بن عجرة أعيذك باللّه من إمارة السفهاء. قلت: يا رسول اللّه و ما إمارة السفهاء؟ قال: يوشك أن تكون أمراء إن حدثوا كذبوا و إن عملوا ظلموا، فمن جاءهم فصدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس منّي و لست منه و لا يردون عليّ حوضي غدا، و من لم يأتهم و لم يصدقهم و لم يعنهم على ظلمهم فهو منّي و أنا منه و هو يرد عليّ حوضي غدا.» (ابن جرير) «3».

كما أن الروايات الواردة في مدح الإمام العادل و بركاته أيضا كثيرة و قد مرّ بعضها في الدليل العاشر. و كفاك خبر حفص بن عون، رفعه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، و حدّ يقام للّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.» «4»

و هنا روايات كثيرة تدل على اعتبار العدالة في القاضي، و وجوب التجنب عن قضاة الجور، ذكر بعضها في الوسائل في الباب 1 و 3 من أبواب صفات القاضي، و منها خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «اتقوا الحكومة، فإنّ

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 130، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.

(2)- الوسائل 12/ 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 16.

(3)- كنز العمال 5/ 797، الباب 2 من كتاب الخلافة من قسم الأفعال، الحديث 14412.

(4)- الوسائل 18/ 308، الباب

1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 298

الحكومة إنما هي للإمام العالم بالفضاء العادل في المسلمين لنبي (كنبي خ. ل) أو وصي نبي.» «1»

و إذا اعتبرت العدالة في القاضي ففي الوالي المسلّط على دماء المسلمين و الأعراض و الأموال تعتبر بطريق أولى. بل القضاء شعبة من شعب الولاية المطلقة، و ربما يتصدى له الوالي بنفسه، كما كان أمير المؤمنين «ع» كذلك.

و إذا اخترنا اعتبار العدالة في إمام الجمعة و الجماعة فاعتبارها في الإمام الذي هو القدوة في جميع الشؤون و بيده زمام أمر المسلمين و يكون مسلطا على النفوس و الأعراض و الأموال آكد. بل الحقّ أنّ تعيين إمام الجمعة و العيدين من شئونه، و هو الأحقّ بإقامتهما مع حضوره. فعن أمير المؤمنين «ع»: «إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمّع الناس، ليس ذلك لأحد غيره.» «2»

و إمامة المسلمين مقام الهيّ شامخ، فان كانت من قبل اللّه- تعالى- فيبعد جدّا من لطفه- تعالى- بل يقبح عليه عقلا أن ينصب على الأمة إماما جائرا فاسقا، و يوجب الانقياد و التسليم له. و إن كانت بانتخاب الأمة فالعقل يحكم بقبح انتخاب الظالم الجائر و تسليطه على الدماء و الأعراض و التسليم له و إطاعته.

و أوهن من ذلك عند العقل القول بوجوب الإطاعة للجائر الفاسق الذي غلب بالسيف بلا انتخاب و لا بيعة، و قد قال اللّه- تعالى-: «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ» «3»، و قال:

«وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ» «4»، و قال: «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ» «5».

و كفت هذه الآيات جوابا عن كل من يتوهم لزوم الانقياد

للطواغيت و الظلمة و وجوب إطاعتهم.

و كيف يجب إطاعة الجائرين و لا سيما عبدة الكفار و الملاحدة و عملاء الشرق

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(2)- الوسائل 5/ 36، الباب 20 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 1.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(4)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

(5)- سورة هود (11)، الآية 113.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 299

و الغرب منهم و خصوصا في الأمور التي تعدّ معصية للّه- سبحانه؟! و ما يجري على أفواه أعوان الظلمة من أنّ المأمور معذور! فعذر شيطاني لا أساس له، لا في الكتاب و السنّة، و لا في الفطرة. هذا.

و في كنز العمال عن أحمد، عن أنس: «لا طاعة لمن لم يطع اللّه.» «1»

و في نهج البلاغة: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.» «2»

و في صحيح مسلم عن ابن عمر، عن النبي «ص» أنّه قال: «على المرء المسلم السمع و الطاعة فيما أحب و كره، إلا ان يؤمر بمعصية. فإن أمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة.» «3»

و فيه أيضا عن علي «ع»: «إنّ رسول اللّه «ص» بعث جيشا و أمّر عليهم رجلا فأوقد نارا و قال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها و قال الآخرون: إنّا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول اللّه «ص» فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة. و قال للآخرين قولا حسنا، و قال: لا طاعة في معصية اللّه، إنّما الطاعة في المعروف. «4»

و في المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: «ان النبي «ص» بعث عبد اللّه بن حذافة على سريّة، فأمر أصحابه، فأوقدوا نارا، ثم أمرهم أن يثبوها

فجعلوا يثبونها، فجاء شيخ ليثبها فوقع فيها فاحترق منه بعض ما احترق، فذكر شأنه لرسول اللّه «ص» فقال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: يا رسول اللّه، كان أميرا و كانت له طاعة. قال: أيّما أمير أمّرته عليكم فأمركم بغير طاعة اللّه فلا تطيعوه، فإنّه لا طاعة في معصية اللّه.» «5» إلى غير ذلك من الأخبار و لعلّ كونه معصية من جهة خوف الضرر و الهلاك، أو من جهة كونه إحياء لرسم المجوس من تعظيم النار أو للتشبّه بهم.

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 67، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14872.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1167؛ عبده 3/ 193؛ لح/ 500، الحكمة 165.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1469، كتاب الإمارة، الباب 8، (باب وجوب طاعة الأمراء ...)، الحديث 1839.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1469، كتاب الإمارة، الباب 8، (باب وجوب طاعة الأمراء ...)، الحديث 1840.

(5)- المصنف 11/ 335، باب لا طاعة في معصية، الحديث 20699.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 300

و كيف كان فإطاعة أمراء الجور بما هو عصيان للّه- تعالى- غير واجبة، بل غير جائزة بلا إشكال و لا أظنّ أن يلتزم بوجوبها أحد ممن له دين أو عقل.

نعم، يوجد هنا بعض الأخبار و الفتاوى من السنة ربما يستفاد منها وجوب الإطاعة و التسليم للأمراء و السلاطين مطلقا، و سيأتي البحث في ذلك بالتفصيل في المسألة السادسة عشرة من الفصل السادس من الباب الخامس. و هو بحث لطيف مبتلى به في هذه الأعصار ينبغي للفضلاء متابعته، فانتظر.

و قد ورد من طرق الشيعة أيضا روايات ربما يستدل بها على وجوب السكون و السكوت في قبال المظالم و الجنايات، و ان لم تدل

على وجوب التسليم و الطاعة.

و قد ذكرها في الوسائل في الباب الثالث عشر من الجهاد، و العلامة النوري في الباب الثاني عشر من جهاد المستدرك. و أسناد أكثرها مخدوشة و قد تعرضنا لها و للجواب عنها في الفصل الرابع من الباب الثالث، فراجع.

نعم، هنا نكتة يجب التنبيه عليها، و هي أنّ الأمير المنصوب من قبل الإمام لجيش خاص أو لجهة خاصّة إذا فرض تحقق معصية منه أوجبت سقوطه عن العدالة، فهذا بنفسه لا يوجب سقوطه عن منصبه و جواز التخلف عن أوامره و نواهيه في الجهة المشروعة التي نصب لها، بل يجب على من يكون تحت إمارته- مضافا إلى وعظه و إرشاده- إطاعته في الجهة الخاصّة المشروعة التي نصب لها. فإن لم يرتدع بالوعظ رفع أمره إلى الإمام الذي نصبه أميرا، حتى يكون هو الذي يعزله إن أراد.

و أمّا التخلّف عنه مطلقا أو عزله من قبل كلّ شخص فلا يصحّ قطعا، فإنّه يوجب الهرج و المرج.

و لعلّ بعض الروايات الواردة في كتب السنة ناظرة إلى مثل هذه الصورة، كما في حديث عوف بن مالك عن رسول اللّه «ص»: «إذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله و لا تنزعوا يدا من طاعة.» «1»

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1481، كتاب الإمارة، الباب 17 (باب خيار الأئمة و شرارهم)، الحديث 1855.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 301

الفصل السابع في اعتبار الفقاهة

اشارة

الرابع من شروط الامام: الفقاهة و العلم بالإسلام و بمقرراته اجتهادا، فلا يصح إمامة الجاهل بالإسلام و بمقرراته، او العالم بها تقليدا.

و يدل على ذلك- مضافا إلى ما مرّ من حكم العقل و بناء العقلاء- الآيات و الروايات من طرق الفريقين:

أمّا الآيات:

1- فمنها قوله- تعالى-: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لٰا يَهِدِّي إِلّٰا أَنْ يُهْدىٰ، فَمٰا لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ.» «1»

و الإمام ممن يجب أن يتّبع بلا إشكال، فاذن العالم الذي يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أحق بهذا المنصب الشريف.

و الصيغة منسلخة عن معنى التفضيل، نظير قوله- تعالى-: «وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ*

______________________________

(1)- سورة يونس (10)، الآية 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 302

أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ.»* «1»

و إن شئت قلت: التفضيل وقع جدلا، حيث إنّ الناس بحسب عاداتهم يثبتون حقّا ما لبعض من لا يهدّي إلّا أن يهدى. فيراد أنّ لمن يهدي إلى الحقّ مزية عليه بلا إشكال و بحكم الفطرة. و المزيّة تبلغ حدّ الإلزام، و لذا أرجعهم في آخر الآية إلى الفطرة، و وبّخهم على الحكم بخلافها.

2- و منها أيضا قوله- تعالى- في قصة طالوت: «إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ.» «2»

و المراد باصطفاء اللّه له اصطفاؤه تشريعا بالنصب له، أو تكوينا فيكون ما بعده بيانا له. و بالجملة يستفاد من الآية أن العلم ملاك للتقدم في الملك.

3- و منها أيضا قوله- تعالى-: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ، إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ.» «3»

فمفاد الآية أن العالم مقدم على غيره، و أن تقديم المفضول على الفاضل لا يصدر إلّا ممن لا لبّ له.

و أما الروايات الدالة على اعتبار العلم
اشارة

- بل الأعلمية- في الوالي فكثيرة جدّا:

1- ما مرّ من نهج البلاغة في شرائط الوالي

من قوله «ع»: «و لا الجاهل فيضلّهم بجهله.» «4»

2- ما في نهج البلاغة أيضا:

«أيّها الناس، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه و أعلمهم بأمر اللّه فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل.» «5»

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 6.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 247.

(3)- سورة الزمر (39)، الآية 9.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 407؛ عبده 2/ 19؛ لح/ 189، الخطبة 131.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 558؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 173.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 303

أقول: الشغب: تهييج الفساد. و الاستعتاب: الاسترضاء.

و قد مرّ آنفا أنّ قوله: «أحقّ»، منسلخ عن معنى التفضيل، أو يكون التفضيل بلحاظ الجدل، كما مرّ.

و كيف كان فالمزيّة تبلغ حدّ الإلزام، نظير قوله- تعالى-: «و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه»، المستشهد به في الأخبار و الفتاوى على ترتيب طبقات الإرث، و ظاهر أن الترتيب فيها على حدّ اللزوم و التعيّن.

لكن في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي:

«و هذا لا ينافي مذهب أصحابنا البغداديين في صحة إمامة المفضول، لأنّه ما قال:

إن إمامة غير الأقوى فاسدة، و لكنه قال: إن الأقوى أحقّ، و أصحابنا لا ينكرون انه- عليه السلام- أحقّ ممن تقدّمه بالإمامة، مع قولهم بصحة إمامة المتقدمين، لأنه لا منافاة بين كونه أحقّ و بين صحّة إمامة غيره.» «1»

أقول: يرد عليه ما مرّ من كون المزية موجبة للأحقية على حدّ الإلزام، و لذا عقّبها اللّه- تعالى- بالتوبيخ في سورة يونس بقوله: «فَمٰا لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ.» كما أن الأولوية في آية: «أُولُوا الْأَرْحٰامِ»* و ترتيب طبقات الإرث كذلك.

كيف؟! و لو لم تكن الأحقية ملزمة لم يكن وجه لقتال الشاغب الآبي عن الرضا و قد قال «ع»: «فإن أبى

قوتل».

و الظاهر أن المراد بالقوة هو القدرة على الولاية المفوّضة اليه بشؤونها المختلفة، فتشمل كمال العقل و التدبير و الشجاعة و حسن السياسة و الإدارة، كما لا يخفى.

3- ما في كتاب سليم بن قيس عن أمير المؤمنين «ع»:

«أ فينبغي أن يكون الخليفة على الأمّة إلّا أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه، و قد قال اللّه: «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لٰا يَهِدِّي إِلّٰا أَنْ يُهْدىٰ.» و قال: «وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ.» و قال: «أَوْ أَثٰارَةٍ مِنْ عِلْمٍ.» «2»

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9/ 328.

(2)- سورة الأحقاف (46)، الآية 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 304

و قال رسول اللّه «ص»: «ما ولّت أمّة قطّ أمرها رجلا و فيهم أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا.» يعني الولاية. فهي غير الإمارة على الأمّة؟!» «1»

4- ما رواه البرقي في المحاسن عن رسول اللّه «ص»

قال: «من أمّ قوما و فيهم أعلم منه أو أفقه منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة.» «2»

و لا وجه لحمله على خصوص إمام الجماعة، كما لا يخفى.

5- ما في غاية المرام للبحراني عن مجالس الشيخ الطوسي بسنده،

عن علي بن الحسين «ع»، عن الحسن بن علي «ع» في خطبته بمحضر معاوية، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «ما ولت أمة أمرها رجلا قط و فيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا.» «3»

و فيه أيضا عن مجالس الشيخ بسنده، عن زاذان، عن الحسن بن علي «ع» في خطبته نحو ذلك. «4»

6- ما عن تفسير النعماني بسنده، عن أمير المؤمنين «ع»

في بيان صفات الإمام:

«و أما اللواتي في صفات ذاته فإنه يجب أن يكون أزهد الناس، و أعلم الناس، و أشجع الناس، و أكرم الناس و ما يتبع ذلك لعلل تقتضيه ... و أما إذا لم يكن عالما بجميع ما فرضه اللّه- تعالى- في كتابه و غيره، قلّب الفرائض فأحلّ ما حرّم اللّه، فضلّ و أضلّ ... و الثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال اللّه و حرامه و ضروب أحكامه و أمره و نهيه و جميع ما يحتاج إليه الناس، فيحتاج الناس إليه و يستغني عنهم.» «5» و رواه عنه في المحكم و المتشابه «6».

و البحث عن ماهية الكتاب و كتاب سليم قد مرّ في الدليل الخامس و السادس

______________________________

(1)- كتاب سليم بن قيس/ 118.

(2)- المحاسن 1/ 93، الباب 18 من كتاب عقاب الأعمال، الحديث 49.

(3)- غاية المرام/ 298.

(4)- غاية المرام/ 299.

(5)- بحار الأنوار 90/ 44 و 45 و 64 (طبعة إيران 93/ 44 و 45 و 64)، باب ما ورد في أصناف آيات القرآن.

(6)- المحكم و المتشابه/ 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 305

من أدلّة إثبات لزوم الولاية، فراجع.

7- ما في أصول الكافي عن الرضا «ع»:

«و الإمام عالم لا يجهل، و راع لا ينكل ... نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه، ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه.» «1»

أقول: قوله: «لا ينكل»، اي لا يضعف و لا يجبن. و المضطلع بالأمر: القويّ عليه، من الضلاعة بمعنى القوة.

و غرض الإمام في الحديث و إن كان بيان أحقيّة الأئمة الاثنى عشر بالأمر لأجل واجديّتهم للصفات المذكورة و لكن بالملاك يثبت الحكم لكلّ من يصير واليا على المسلمين بما هم مسلمون، غاية الأمر

أن الإمامة مع وجود الأئمة المعصومين و ظهورهم حق ثابت لهم من اللّه، و لم يكن لأحد تقمّصها، كما هو مبنى مذهبنا.

8- ما في الوسائل بسند صحيح، عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي،

قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» بمكّة إذ دخل عليه أناس ... ثم أقبل على عمرو بن عبيد فقال: «يا عمرو، اتق اللّه، و أنتم أيّها الرهط فاتقوا اللّه، فإن أبي حدثني- و كان خير أهل الأرض و أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه- أن رسول اللّه «ص» قال: «من ضرب الناس بسيفه و دعاهم إلى نفسه و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلف.» «2»

9- ما في الوسائل أيضا بسنده،

عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «من خرج يدعو الناس و فيهم من هو أعلم منه فهو ضالّ مبتدع. و من ادّعى الإمامة و ليس بإمام فهو كافر.» «3»

و لا يخفى أن للكفر مراتب، كما ذكر في محله. فقد يستعمل في قبال الإسلام، و قد يستعمل في قبال الإيمان، و قد يطلق على أهل العصيان أيضا.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 202، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 28، الباب 9 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 564، الباب 10 من أبواب حد المرتد، الحديث 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 306

10- ما في تحف العقول عن الصادق «ع»:

«من دعا الناس إلى نفسه و فيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضالّ.» «1»

11- ما رواه المفيد في الاختصاص، قال رسول اللّه «ص»

: «من تعلّم علما ليماري به السفهاء و يباهي به العلماء و يصرف به الناس إلى نفسه يقول: انا رئيسكم فليتبوأ مقعده من النار.» ثم قال: «إن الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها. فمن دعا الناس الى نفسه و فيهم من هو أعلم منه لم ينظر اللّه اليه يوم القيامة.» «2»

12- ما في كتاب سليم بن قيس عن أمير المؤمنين «ع»

في بيان أحقيته «ع» بالخلافة: «إنهم قد سمعوا رسول اللّه «ص» يقول عودا و بدء: ما ولّت أمّة رجلا قطّ أمرها و فيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا، فولّوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ما منهم رجل جمع القرآن و لا يدّعي أنّ له علما بكتاب اللّه و لا سنّة نبيّه، و قد علموا أنّي أعلمهم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه و أفقههم و أقرأهم لكتاب اللّه و أقضاهم بحكم اللّه.» «3»

13- ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين «ع» بعد ما طلبوا منه البيعة لأبي بكر:

«أنا أولى برسول اللّه «ص» حيّا و ميتا، و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سرّه و علمه، و أنا الصدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم، أوّل من آمن به و صدّقه، و أحسنكم بلاء في جهاد المشركين، و أعرفكم بالكتاب و السنة، و أفقهكم في الدين، و أعلمكم بعواقب الأمور، و أذربكم لسانا، و أثبتكم جنانا.» «4»

14- ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة

عن نصر بن مزاحم، عن أمير المؤمنين «ع» في كتابه إلى معاوية و أصحابه، قال «ع»: «فإنّ أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما و حديثا أقربها من الرسول، و أعلمها بالكتاب، و أفقهها في الدين، أوّلها إسلاما، و أفضلها

______________________________

(1)- تحف العقول/ 375.

(2)- الاختصاص/ 251.

(3)- كتاب سليم بن قيس/ 148.

(4)- الاحتجاج 1/ 46 (طبعة أخرى 1/ 95)، باب ما جرى بعد وفاة رسول اللّه «ص» ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 307

جهادا، و أشدّها بما تحمله الأئمة من أمر الأمّة اضطلاعا.» «1»

15- ما رواه ابن قتيبة في كتاب الإمامة و السياسة عن عليّ «ع»

في مقام الاحتجاج: «فو اللّه يا معشر المهاجرين، لنحن أحقّ الناس به، لأنّا أهل البيت، و نحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، العالم بسنن رسول اللّه «ص»، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسويّة.» «2»

و لا يخفى أنّ كونهم من أهل البيت سببا للأحقّية إنما هو بملاك أن أهل البيت أدرى بما في البيت و أعلم بسنّة النبي «ص» مضافا الى ما فيهم من الفضائل النفسية.

و كيف كان فدلالة الحديث و أمثاله على كون الفقاهة في دين اللّه ملاكا للتقدم واضحة.

16- ما رواه ابن قتيبة أيضا عنه «ع» في كتابه لأهل العراق

في بيان تفضيلهم على أصحاب معاوية في التصدّي لشئون الولاية و أعمالها. و الكتاب طويل، و فيه:

«و هؤلاء الّذين لو ولّوا عليكم لأظهروا فيكم الغضب و الفخر و التسلّط بالجبروت و التطاول بالغضب و الفساد في الأرض، و لاتّبعوا الهوى و حكموا بالرشاء، و أنتم- على ما فيكم من تخاذل و تواكل- خير منهم و أهدى سبيلا: فيكم الحكماء و العلماء و الفقهاء و حملة القرآن و المتهجدون بالأسحار، و العبّاد و الزهّاد في الدنيا و عمّار المساجد و أهل تلاوة القرآن؛ أ فلا تسخطون و تنقمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم و الأراذل و الأشرار منكم؟» «3»

و روى نحو ذلك في نهج السعادة، مستدرك نهج البلاغة، و فيه: «ألا تسخطون و تنقمون أن ينازعكم الولاية السفهاء البطاء عن الإسلام الجفاة فيه؟» «4» و نحوه أيضا في شرح

______________________________

(1)- سرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 210.

(2)- الإمامة و السياسة 1/ 19، باب إباءة علي «ع» بيعة أبي بكر.

(3)- الإمامة و السياسة 1/ 136.

(4)- نهج السعادة 5/ 252، الكتاب 156.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 308

ابن أبي الحديد «1».

يظهر من الرواية أن العلم و الفقه كما يعتبر في الإمام الأعظم يعتبر في عمّاله أيضا مهما أمكن، فإنّهم يريدون إجراء أحكام الإسلام و تنفيذها و إدارة شئون المسلمين على أساس ضوابطه، فيجب أن يكونوا مطلعين على موازينه ملتزمين بها.

و المراد بالفقيه هو العالم بالمسائل المبتلى بها في الجهات المختلفة من الحياة من العبادات و المعاملات و السياسات و الاقتصاديات و علاقات الأمم و نحو ذلك.

فالأعلم الأبصر بالأحكام الكلية، و بالموضوعات و ماهية الحوادث الواقعة، و الظروف المحيطة و مسائل العصر أحقّ من غيره. و هذا أمر تحكم به الفطرة أيضا، مضافا الى الآيات و الروايات التي مضت.

17- و قد مرّ في صحيحة العيص بن القاسم

عن الإمام الصادق «ع» قوله «ع»:

«و انظروا لأنفسكم. فو اللّه إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه و يجي ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها.» «2» هذا.

و هاهنا روايات كثيرة وردت في مواصفات العمّال، و أنه لا يستعمل إلّا من هو أرضى و أعلم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه. و منها يستفاد حكم الوالي الأعظم بطريق أولى. و نحن نذكر جملة كثيرة من هذا الروايات في الفصل الرابع من الباب السادس عند البحث عن مواصفات الوزراء و العمال، فلنذكر بعضها هنا نموذجا:

18- ما رواه البيهقي بسنده، عن ابن عباس،

عن رسول اللّه «ص»: «من استعمل عاملا من المسلمين و هو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه و أعلم بكتاب اللّه و سنّة نبيّه فقد خان اللّه و رسوله و جميع المسلمين.» «3» و رواه عنه العلامة الأميني في كتاب الغدير «4».

19- ما رواه العلامة الأميني في كتاب الغدير

عن تمهيد الباقلاني: «من تقدم

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6/ 99.

(2)- الوسائل 11/ 35، الباب 13 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(3)- سنن البيهقي 10/ 118، كتاب آداب القاضي، باب لا يولى الوالي امرأة و لا فاسقا و ...

(4)- الغدير 8/ 291.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 309

على قوم من المسلمين و هو يرى أن فيهم من هو أفضل منه فقد خان اللّه و رسوله و المسلمين.» «1» بناء على كونه حديثا عن رسول اللّه «ص»، كما هو الظاهر.

20- ما في كنز العمال عن حذيفة:

«أيما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس علم أنّ في العشرة أفضل ممن استعمل فقد غشّ اللّه و غشّ رسوله و غشّ جماعة المسلمين.» «2»

21- ما في كنز العمّال أيضا عن ابن عبّاس:

«من استعمل رجلا من عصابة و فيهم من هو أرضى للّه منه فقد خان اللّه و رسوله و المؤمنين.» «3»

و لا شك أن الأعلم أرضى من غير الأعلم و إن كان لفظ الحديث يعمّ سائر الفضائل أيضا.

و يظهر من هذه الروايات و أمثالها أن اعتبار العلم بالكتاب و السنة ليس مقصورا على الإمام الأعظم، بل لو أريد تعيين وزير أو أمير أو وال لمنطقة خاصة، و كان هنا فردان متفاوتان في العلم و متماثلان في سائر الفضائل فلا يجوز تقديم غير الأعلم. و لعل العقل السليم أيضا يحكم بذلك، فإنه ترجيح للمرجوح على الراجح و هو قبيح.

نعم، مع تزاحم الفضائل و عدم إمكان الجمع بينها يأتي البحث في الأهم منها في الباب الخامس، فانتظر.

22- و من الأخبار الدالة على اعتبار العلم على ما قيل ما رواه الآمدي

في الغرر عن أمير المؤمنين «ع» من قوله: «العلماء حكام على الناس.» «4»

أقول: المحتملات في الرواية ثلاثة:

الأول: أن تحمل الجملة على الخبر، فيراد بيان فضل العلم و العلماء، و أن العلماء

______________________________

(1)- الغدير 8/ 291، عن التمهيد/ 190.

(2)- كنز العمال 6/ 19، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14653.

(3)- كنز العمال 6/ 25، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14687.

(4)- الغرر و الدرر 1/ 137، الحديث 506.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 310

بحسب العادة و الطبع يحكمون على المجتمع، و الناس تبع لهم قهرا، من غير فرق بين المذاهب و الملل. ففي كل مذهب يكون الحاكم على عقولهم و أفكارهم علماؤهم، بل لا ينحصر ذلك في علم الدين أيضا. فالجملة نظير قوله «ع»: «العلم حاكم و المال محكوم عليه.» «1»

الثاني: أن تحمل على الإنشاء و يراد بها جعل منصب الحكومة

و الولاية للعلماء، نظير جعلها لأمير المؤمنين «ع» في غدير خم بقوله «ص»: «من كنت مولاه فعليّ مولاه.»

الثالث: أن تحمل على الإنشاء أيضا و يراد بها التكليف، أي إيجاب انتخاب العلماء للحكومة و تعيّنهم لذلك بحسب حكم الشرع.

فعلى الأخيرين يرتبط الحديث بالمقام، و أما على الأول فلا ربط له به.

و مقتضى الاحتمال الثاني أن أمير المؤمنين «ع» في هذه الجملة جعل منصب الحكومة لجميع العلماء. فلو كان في عصر واحد ألف عالم مثلا يكون جميعهم حكّاما بجعل أمير المؤمنين «ع» و نصبه. و هذا بعيد، بل لعله مقطوع الفساد، مع أنّ اللفظ مطلق يعمّ علماء الدين و غيرهم، و علماء الإسلام و سائر الأديان، و العدول من العلماء و الفسّاق منهم.

فنظير هذه الرواية ما رواه في البحار عن كنز الكراجكي، قال: قال الصادق «ع»: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك.» «2»

و لا يخفى أن قوله: «الملوك حكّام على الناس»، يراد به الاخبار قطعا. فلعله قرينة على إرادة الإخبار في الجملة الثانية أيضا، لوحدة السياق. فيكون المراد أنّ الملوك حكّام على الناس خارجا كما يرى، و العلماء نافذون مؤثرون في الملوك و في آرائهم قهرا، إمّا للإيمان بهم، أو كونهم مجبورين في الأغلب على الالتفات إليهم و إلى

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1155؛ عبده 3/ 187؛ لح/ 496، الحكمة 147.

(2)- بحار الأنوار 1/ 183، كتاب العلم، باب فرض العلم، الحديث 92.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 311

آرائهم و الاحترام لهم لجلب رضى الأمّة و جذبهم، أو لاحتياجهم الى علمهم في إدارة شئون الأمة و رفع حوائجها و لا سيما إذا أريد بالعلم الأعم من علم الدين و

من سائر العلوم.

و على هذا فالروايتان أجنبيتان عن المقام، و إنّما تعرضنا لهما تبعا للقوم.

23- ما رواه في تحف العقول من قوله «ع»:

«مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه.»

و حيث إنّ الحديث يشتمل على مضامين عالية ناسب المقام نقله بتمامه فنقول:

روى في تحف العقول عن السبط الشهيد «ع»، قال: و يروى عن أمير المؤمنين «ع»: «اعتبروا ايها الناس بما وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه على الأخبار، إذ يقول: «لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ الْأَحْبٰارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ.» «1» و قال: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ- إلى قوله- لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ.» «2»

و إنما عاب اللّه ذلك عليهم، لأنّهم كانوا يرون من الظلمة الّذين بين أظهرهم المنكر و الفساد، فلا ينهونهم عن ذلك، رغبة فيما كانوا ينالون منهم، و رهبة مما يحذرون، و اللّه يقول: «فَلٰا تَخْشَوُا النّٰاسَ وَ اخْشَوْنِ.» «3» و قال: «الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.» «4» فبدأ اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنها إذا أدّيت و أقيمت استقامت الفرائض كلها، هيّنها و صعبها. و ذلك أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام، مع ردّ المظالم، و مخالفة الظالم، و قسمة الفي ء و الغنائم، و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقّها.

ثمّ أنتم أيّتها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة، و بالخير مذكورة، و بالنصيحة معروفة، و باللّه في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، و يكرمكم الضعيف، و يؤثركم من لا فضل لكم عليه و لا يد لكم عنده. تشفّعون في الحوائج إذا امتنعت من طلّابها، و تمشون في الطريق بهيبة الملوك و كرامة

______________________________

(1)- سورة المائدة

(5)، الآية 63.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 78 و 79.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 44.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 71.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 312

الأكابر.

أ ليس كل ذلك إنّما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحقّ اللّه و إن كنتم عن أكثر حقه تقصرون؟ فاستخففتم بحقّ الأئمة. فأمّا حقّ الضعفاء فضيّعتم، و أمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم. فلا مالا بذلتموه، و لا نفسا خاطرتم بها للذي خلقها، و لا عشيرة عاديتموها في ذات اللّه.

أنتم تتمنون على اللّه جنته و مجاورة رسله و أمانا من عذابه. لقد خشيت عليكم أيّها المتمنون على اللّه أن تحلّ بكم نقمة من نقماته، لأنكم بلغتم من كرامة اللّه منزلة فضلتم بها، و من يعرف باللّه لا تكرمون، و أنتم باللّه في عباده تكرمون، و قد ترون عهود اللّه منقوضة فلا تفزعون و أنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون، و ذمّة رسول اللّه محقورة (مخفورة خ. ل)، و العمى و البكم و الزمنى في المدائن مهملة لا ترحمون، و لا في منزلتكم تعملون، و لا من عمل فيها تعينون (تعنون خ. ل)، و بالادّهان و المصانعة عند الظلمة تأمنون. كل ذلك مما أمركم اللّه به من النهي و التناهي و أنتم عنه غافلون.

و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون (تسعون خ. ل و في الوافي: «لو يسعون»). ذلك بأن مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه. فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحقّ و اختلافكم في السنّة بعد البينة الواضحة، و لو صبرتم على الأذى، و تحملتم المؤونة في

ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع، و لكنكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، و استسلمتم أمور اللّه في أيديهم، يعملون بالشبهات و يسيرون في الشهوات. سلّطهم على ذلك فراركم من الموت، و إعجابكم بالحياة الّتي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور، و بين مستضعف على معيشته مغلوب. ينقلبون في الملك بآرائهم، و يستشعرون الخزي (الجري- وافي) بأهوائهم، اقتداء بالأشرار و جرأة على الجبّار. في كلّ بلد منهم على منبره خطيب يصقع (مسقع- وافي).

فالأرض لهم شاغرة و أيديهم فيها مبسوطة، و الناس لهم خول، لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد، و ذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد. فيا عجبا! و مالي لا أعجب:

و الأرض (كلمة «و الأرض» ليست في الوافي، و لعلّه أصحّ.) من غاشّ غشوم، و متصدق ظلوم، و عامل على المؤمنين بهم غير رحيم. فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا، و القاضي بحكمه فيما شجر بيننا.

اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافسا في سلطان، و لا التماسا من فضول الحطام، و لكن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 313

لنرى المعالم من دينك، و نظهر الإصلاح في بلادك، و يأمن المظلومون من عبادك، و يعمل بفرائضك و سننك و أحكامك، فإنكم إن لا تنصرونا و تنصفونا قوى الظلمة عليكم، و عملوا في إطفاء نور نبيكم، و حسبنا اللّه، و عليه توكلنا، و اليه أنبنا، و إليه المصير.» «1»

و ذكر قطعتان من الرواية في نهج البلاغة بتفاوت ما «2».

و يظهر من الحديث الشريف شدّة اهتمام الشارع بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمفهومهما

الوسيع، و لذا رتّب عليهما ردّ المظالم، و مخالفة الظالم، و قسمة الفي ء و الغنائم، و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقها.

و أنت تعلم أن إجراءهما بهذه السعة يقتضي تحصيل القدرة و إقامة الدولة الحقة، و لذا قلنا سابقا إنّ نفس أدلة الجهاد و الدفاع عن بيضة الإسلام، و أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أقوى الأدلة على لزوم إقامة الدولة الحقة.

و بالجملة، الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بمفهومهما الوسيع بمعنى إشاعة المعروف و العدل و قطع جذور المنكر و الفساد، يلازمان الحكومة العادلة، و إذا تركا خلا الجوّ و المحيط قهرا لتسلط الأشرار و دولتهم، كما قال أمير المؤمنين «ع» في وصيته المعروفة قبل وفاته: «لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.» «3»

فتسلط الأشرار أثر طبيعي لتفرق الناس و عدم مراقبة بعضهم لبعض و عدم اهتمامهم بما يجري في المجتمع، فتدبّر.

و العجب من أهل التخاذل و التواكل، كيف أغمضوا عن الآيات و الأخبار الكثيرة الواردة من طرق الفريقين في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أو تلاعبوا بها و حصروها في الأمر و النهي الواقعين خفية في الموارد الجزئية؟! مع أن الظاهر من بعض الأخبار كون الجهاد بسعته شعبة من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و في زيارة السبط الشهيد «ع»: «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، و آتيت الزكاة، و أمرت

______________________________

(1) تحف العقول/ 237، و الوافي 2 «م 9»/ 30، باب الحث على الأمر بالمعروف ... من أبواب الأمر بالمعروف ....

(2) نهج البلاغة، فيض/ 317 و 406؛ عبده 1/ 204 و 2/ 19؛ لح/ 154 و 189، الخطبة 106

و 131.

(3) نهج البلاغة، فيض/ 978؛ عبده 3/ 86؛ لح/ 422، الكتاب 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 314

بالمعروف و نهيت عن المنكر.» ففيها إشارة الى أن قيامه «ع» في قبال حكومة يزيد كان لإجراء فرائض الإسلام، و من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و قوله «ع» في الحديث: «فاستخففتم بحقّ الأئمة»، لعلّه من جهة أنّ الإمامة الكبرى في تلك الأعصار كانت متعينة لأمير المؤمنين «ع» و بعده للحسنين «ع»، فكان الواجب على العلماء المخاطبين في الحديث إعانة الإمام و تقويته، و التصدي للأعمال من قبله حتى لا يتسلط الجبابرة، و هم قد تركوا هذا الواجب.

و يحتمل ضعيفا أن يكون المراد به أن الإمامة و شئونها كانت حقّا للعلماء، فاستخففتم بحقّ الإمامة، أي تركتموها لغير أهلها.

و يحتمل أيضا أن تكون كلمة: «الأئمة» مصحّف: «الأمة». و يؤيد ذلك التفريع عليه بقوله: «فأمّا حقّ الضعفاء فضيّعتم.»

و قوله: «غلبتم عليه من منازل العلماء»، مبنيّ للمفعول كما يظهر بالدقة فيما بعده من قوله: «فأنتم المسلوبون تلك المنزلة.».

و أما قوله: «مجاري الأمور»، فالمجاري إما جمع للمصدر الميمي، أو لاسم المكان.

فإن المجاري المتشعبة لجريان الأمور يجب أن تنتهي في النهاية إلى العلماء.

و إضافة «العلم» الى اللّه من جهة أن العلم به- تعالى- إذا تحقق واقعا تعقبه العلم و العمل بتكاليفه.

و يشهد بذلك قوله- تعالى-: «إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ.» «1» إذ الظاهر منه العلم باللّه، المنتج عن العلم بآياته، كما يشهد بذلك سياق الآية، حيث عدّ فيها آيات اللّه- تعالى- في نظام التكوين. و العلم بالآيات بما هي آيات له يوجب العلم بقدرته و سطوته، فيوجب الخشية قهرا.

و قوله: «الأمناء على حلاله و

حرامه»، يدلّ على العلم بالأحكام، و حفظها عن التغيير و التأويل، فانه مقتضى الأمانة.

و قوله: «شاغرة» من شغرت الأرض، أي لم يبق لها من يحميها و يضبطها.

______________________________

(1)- سورة الفاطر (35)، الآية 28.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 315

و الخطيب المسقع بكسر الميم، أي البليغ العالي الصوت. و يصح فيه الصاد و السين.

و كيف كان فالخطاب في الحديث للعلماء المعاصرين له «ع» من الصحابة و التابعين. و يستفاد منه وجوب كون المرجع لأمور المسلمين، العلماء و ان هذه المنزلة كانت لهم شرعا فسلبت عنهم باختلافهم و تشتتهم، و عدم رعايتهم لتكاليفهم، و رهبتهم من الظلمة و رغبتهم في الدنيا، فمكنوا الظلمة من المنزلة التي كانت لهم و استسلموا أمور اللّه في أيديهم ... و لا ينافي هذا كون الإمامة الكبرى حقّا لشخصه «ع»، إذ الإمام يحتاج إلى مشاورين و قضاة و عمّال، و الواجب انتخابهم من أهل العلم الملتزمين بالشريعة الحقة. هذا.

و في منية الطالب:

«من المحتمل قريبا كون العلماء فيها هم الأئمة «ع» ... فإنّ فيه قرائن تدلّ على أن المراد من العلماء فيه هم الأئمة «ع» فإنهم هم الأمناء على حلال اللّه و حرامه.» «1»

و في حاشية العلامة الأصفهاني على المكاسب:

«و أورد عليه بأنّ الرواية منقولة في تحف العقول، و سياقها يدلّ على أنّها في خصوص الأئمة «ع». و الظاهر أنّه كذلك، فإنّ المذكور فيها هم العلماء باللّه، لا العلماء بأحكام اللّه. و لعلّ المراد أنّهم «ع» بسبب وساطتهم للفيوضات التكوينية و التشريعية تكون مجاري الأمور كلّها حقيقة بيدهم «ع»، لا جعلا. فهي دليل على الولاية الباطنيّة لهم كولايته- تعالى-، لا الأولوية الظاهرية التي هي من المناصب المجعولة.» «2»

أقول: الظاهر

عدم مراجعة هذين العلمين الشريفين- طاب ثراهما- لمجموع الرواية، و إلّا ظهر لهما عدم إمكان حمل العلماء فيها على الأئمة «ع». و من هنا يظهر

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 315

______________________________

(1)- منية الطالب 1/ 326.

(2)- حاشية المكاسب 1/ 214.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 316

أنّه يجب على العلماء و الفضلاء في مقام الاستدلال بنصّ الكتاب أو الحديث، المراجعة التامّة لنفس الكتاب و كتب الحديث، و عدم الاكتفاء بالمقطعات المنقولة في بعض الكتب و المؤلفات. هذا.

فإن قلت: المتأمّل في الحديث يشاهد أنّ الإمام «ع» بصدد توبيخ العصابة المعاصرة له، و أنّها لم تقم بما عليها من التكاليف و داهنوا الظلمة و تفرقوا عن الحق، فكيف يمكن أن يعبر عنهم بالعلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه؟ فالمراد بالعلماء باللّه في الحديث هم الأئمة الاثنى عشر، كما ذكره هذان العلمان. و يؤيّد ذلك قول الإمام الصادق «ع»: «نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون.» «1»

و أما قوله «ع»: «و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون»، فلا يراد أن منازل العلماء كانت لهذه العصابة فسلبت عنهم، بل المراد أنّ قيادة الأئمة الذين هم العلماء بالحقيقة لو استقرّت كانت لهم و بنفعهم و كانت بركاتها تعود اليهم، فلمّا اختلفت العصابة في الحق و تفرّقوا عن الأئمة «ع» سلبت عنهم قيادة الأئمة و بركاته، و لذا قال الإمام «ع»: «منازل العلماء»، و لم يقل: «منازلكم».

و اما قوله «ع» بعد ذلك: «و لو

صبرتم على الأذى و تحملتم المؤونة في ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع»، فالمراد به أنّكم لو لم تتخاذلوا عن نصرة الإمام و لم تستخفّوا بحقّ الأئمة استقرّت سلطة الإمام فصرتم أنتم بالطبع من المشاورين له و من بطانته و أمرائه و المراجع لأمور المسلمين. و القضية قضية شخصية خارجيّة، فليس في الحديث دلالة لا على نصب العلماء و لا على اشتراط العلم و الفقاهة.

و يشهد لما ذكرناه من إرادة الأئمة «ع» قول الإمام «ع»: «فاستخففتم بحقّ الأئمة»، و قوله في آخر الحديث: «فاللّه الحاكم فيما فيه تنازعنا» إلى قوله: «فإنّكم إنّ لا تنصرونا و تنصفونا قوى الظلمة عليكم».

______________________________

(1) الكافي 1/ 34، كتاب فضل العلم، باب أصناف الناس، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 317

قلت: هذه غاية ما يوجّه به الحديث لتطبيقه على خصوص الأئمة الاثنى عشر، و لكن كونه مخالفا لظاهر الحديث واضح، فالظاهر أنّ المراد به مطلق العلماء باللّه، و مراده «ع» أنّكم لو عملتم بواجباتكم كنتم من العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه، و جرت الأمور بأيديكم، و كانت أمور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع، و لكنّكم تركتم تكاليفكم، فسلبت عنكم منزلتكم، و تمكنت الظلمة من منزلتكم.

ثم على فرض التسليم لما ذكره هذا القائل فنقول: لا نسلم كون القضية شخصية، إذ يستفاد من الحديث إجمالا أن جريان الأمور السياسية يجب أن يكون على أيدي العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه. و الأئمة الاثنا عشر هم المصاديق البارزة لهذا العنوان، لا أنّه منحصر فيهم، فتدبّر. هذا.

و على ما ذكرنا فهل يريد «ع» بكلامه النصب

و جعل الولاية للعلماء من قبل اللّه- تعالى- أو من قبل الإمام «ع» نظير ما نعتقده من نصب رسول اللّه «ص» لأمير المؤمنين «ع» في غدير خمّ، أو يريد بيان أنه يشترط في الحكّام على المسلمين أن يكونوا من العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه، فيجب على العلماء و على الأمّة أن يحققوا ذلك حتى تصير أمور اللّه عليهم ترد و عنهم تصدر، و ذلك بأن يتّحد العلماء و يأخذوا بالكتاب و السنّة و يدعوا الناس إلى المعروف و تقبل الأمّة إليهم و يساعدوهم على ذلك فلا يخلو ميدان السياسة لأهل الهوى و الظلمة، فالحديث في مقام بيان الحكم الشرعي و أنّ الشرط في الحكّام كونهم من أهل العلم و الأمانة؟

ظاهر بعض الأساتذة الاحتمال الأول. و مقتضاه كون جميع الفقهاء الواجدين للشرائط في عصر صدور الحديث و فيما بعده حكّاما منصوبين بالفعل.

و لكن الالتزام بهذا مشكل و لا سيما في عصر صدوره، حيث كانت الإمامة الكبرى لنفس الإمام «ع» عندنا. و سيأتي تفصيل المسألة، و أنّ فعليّة الولاية للفقهاء بالنصب أو بانتخاب الأمّة في الباب الخامس، فانتظر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 318

24- و مما يدلّ على اشتراط العلم و الفقاهة في الوالي أيضا ما مرّ من كتاب سليم،

حيث قال «ع»: «و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين ... أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنّة ...» «1»

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة. و لو تتبعت كتب التاريخ و الحديث و الاحتجاجات الواردة عن أمير المؤمنين «ع» و أولاده المعصومين «ع» لعثرت على شواهد كثيرة تشهد على المدّعى، فراجع.

______________________________

(1) كتاب سليم بن قيس/ 182.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 319

الفصل الثامن في اعتبار القوة و حسن الولاية

اشارة

الشرط الخامس للوالي: القوة و حسن الولاية.

قد عرفت في الفصل الثاني من هذه الفصول أنّ العقلاء لو أرادوا تفويض أمر من الأمور إلى الغير راعوا فيه بحسب الفطرة وجود أمور، و منها قدرته و قوته على الأمر المفوّض إليه. فإذا كان هذا حال الأعمال الجزئيّة فعدم جواز تفويض إدارة شئون الأمّة التي هي من أدقّ الأعمال و أحمزها إلى من لا يقدر و لا يقوى عليها يثبت بطريق أولى. و قدرة الشخص على ذلك تتوقف:

[حكم العقل على اعتبار أمور في الوالي]

اولا: على استعداده لذلك بالذات و يسمّى ذلك بالشمّ السياسي، فإنّ الناس مختلفون في الاستعداد و الانسجام مع الأعمال و الأشغال المختلفة.

و ثانيا: على الاحاطة بكيفية العمل و فنونه، و الاطّلاع على نفسيات أمّته و حاجاتهم، و شرائط الزمان و البيئة.

و ثالثا: على الشجاعة النفسية و القاطعية في التصميم و قوة الإرادة حتّى يتمكن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 320

من اتخاذ القرار في المسائل المهمّة و لا يضعف، إذ كم من سائس مطلع يضعف عن الإرادة و التصميم لضعفه روحا.

و رابعا: على سلامة الحواس و الأعضاء من السمع و البصر و اللسان و نحوها بمقدار ما يرتبط بعمله المفوّض إليه أو يوجب عدمه شينا يسبّب نفرة الناس منه و عدم تأثير حكمه فيهم، إذ ربما لا يتسلط على الملك و ما يجري في مجال عمله إلّا بمباشرة الإدراك و المقاولة و النطق، و قد يحتاج إلى النهوض و الحركة أيضا. و التشويه في الخلقة يوجب نفرة الناس منه فلا يناسب الولاية المتوقع فيها جذبهم.

أضف إلى جميع ذلك صفة الحلم، فإنّه لو كان الشخص جافيا غضوبا قطع الأمّة بجفائه.

و الظاهر أنّ التعبير بحسن الولاية، و

كذا القوّة المذكورين في بعض الأخبار الآتية أحسن تعبير يستفاد منه جميع ما ذكر. فنذكرها بعنوان شرط واحد مضافا إلى اشتراك رواياتها غالبا كما يظهر لك.

و لا يخفى أنّ المراد بالعلم و الاطّلاع هنا غير العلم المذكور شرطا في الفصل السابق، اذ المراد بالعلم هنا الاطّلاع على المسائل الجزئية و فنون السياسة و حوادث الزمان، و في الفصل السابق العلم بالمسائل الكلية المستنبطة من الكتاب و السنّة، المعبر عنه بالفقاهة.

و كيف كان فمن أدلّة اعتبار القوّة في الوالي حكم العقل و العقلاء، كما عرفت كيف؟ و الوالي على الأمّة يراد منه جبر نقص المولّى عليه، فيجب أن يكون قويا يقدر على ذلك بل و أقوى من جميع من يكون تحت ولايته و نظارته. و التاريخ يشهد بأنه ربّما ابتليت الأمّة بأضرار و آفات كثيرة، بل ربما سقطت بالكلية، بضعف الولاة و عدم كفايتهم.

و يدلّ على اعتبار القوة بسعتها أيضا الكتاب و السنة:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 321

1- فمن الآيات

قوله- تعالى- في قصّة طالوت: «إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ.» «1»

و الظاهر من بسط الجسم و ان كان كبره فقط و يناسب هذا لقائد الجيش أيضا، و لكن يمكن أن يكون كناية عن الشجاعة و القدرة الروحية أيضا، لتناسب الجسم و الروح غالبا.

و لعلّ المراد بالعلم هنا أيضا العلم بفنون الحرب المفوضة اليه، لا العلم بالمسائل الكلّية و إن كان يحتمل الأعم أيضا.

2- و من الآيات أيضا قوله حكاية عن يوسف النبي «ع»: «قٰالَ اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.» «2»

إذ الظاهر إرادة كونه أمينا في حفظ الخزائن و الأموال، عليما بفنون حفظها و صرفها

في مصارفها اللازمة.

3- و منها أيضا قوله- تعالى- حكاية عن بنت شعيب في حقّ موسى «ع»: «قٰالَتْ إِحْدٰاهُمٰا يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ.» «3»

فاذا اشترطت القوة في راعي الغنم بحكم الفطرة فاشتراطها في والي الأمّة بطريق أولى، كما لا يخفى.

4- و منها قوله حكاية عن العفريت: «قٰالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقٰامِكَ، وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ.» «4»

فالآية تشعر بأن العمل يجب أن يفوّض إلى القويّ الأمين.

5- و منها أيضا قوله- تعالى-: «وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمٰا أَبْكَمُ لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 247.

(2)- سورة يوسف (12)، الآية 55.

(3)- سورة القصص (28)، الآية 26.

(4)- سورة النمل (27)، الآية 39.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 322

وَ هُوَ كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ أَيْنَمٰا يُوَجِّهْهُ لٰا يَأْتِ بِخَيْرٍ، هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ.» «1»

و نحو ذلك من الآيات التي يمكن أن يستفاد منها- و لو بعناية- اعتبار القوة الكاملة فيمن يفوض إليه عمل عظيم.

و أمّا الروايات:

فهي في غاية الكثرة:

1- ما في الكافي بسنده عن حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع» قال: «قال رسول اللّه: «لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللّه، و حلم يملك به غضبه، و حسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم.» و في رواية أخرى:

«حتى يكون للرعية كالأب الرحيم.» «2»

و قد مرّ أنّ حسن الولاية بسعة معنى الكلمة يعمّ الشجاعة و السياسة و الحلم و نحوها، مما له دخل في حسن قيادة الأمّة.

2- ما مرّ من نهج البلاغة: «أيّها الناس، إنّ

أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، و أعلمهم بأمر اللّه فيه. فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل.» «3»

3- ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين «ع»: «أنا أولى برسول اللّه ...، و أفقهكم في الدين، و أعلمكم بعواقب الأمور، و أذربكم لسانا، و أثبتكم جنانا.» «4»

4- ما رواه ابن أبي الحديد، عن نصر بن مزاحم، عن أمير المؤمنين «ع» في كتابه إلى معاوية و أصحابه: «فإنّ أولى الناس بأمر هذه الأمّة قديما و حديثا أقربها من الرسول، و أعلمها بالكتاب، و أفقهها في الدين، أوّلها إسلاما، و أفضلها جهادا، و أشدّها بما تحمله الأئمّة من

______________________________

(1)- سورة النحل (16)، الآية 76.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية و ...، الحديث 8.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 558؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 173.

(4)- الاحتجاج 1/ 46 (طبعة أخرى 1/ 95)، باب ما جرى بعد وفاة رسول اللّه «ص» ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 323

أمر الأمّة اضطلاعا.» «1»

5- ما في أصول الكافي عن الرضا «ع»: «و الإمام عالم لا يجهل، و راع لا ينكل ... نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه، ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه.» «2»

قال في المنجد:

«نكل نكولا عن كذا او من كذا: نكص و جبن.» و فيه أيضا:

«ضلع ضلاعة: كان قويا شديد الأضلاع .... اضطلع بحمله: نهض و قوى عليه.» «3»

6- ما رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة عن عليّ «ع»: «فو اللّه يا معشر المهاجرين، لنحن أحقّ الناس به، لأنّا أهل البيت، و نحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا

القاري لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، العالم بسنن رسول اللّه، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية.» «4»

7- ما في المحكم و المتشابه في صفات الإمام: «و أما اللواتي في صفات ذاته، فانه يجب أن يكون أزهد الناس، و أعلم الناس، و أشجع الناس، و أكرم الناس و ما يتبع ذلك لعلل تقتضيه.» «5»

8- ما في البحار عن أمالي الطوسي بسنده عن أبي ذر أن النبي «ص» قال:

«يا با ذر، إني أحبّ لك ما أحب لنفسي، إنّي أراك ضعيفا، فلا تأمرنّ على اثنين، و لا تولّين مال

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 210.

(2)- الكافي 1/ 202، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، الحديث 1.

(3)- المنجد/ 838 و 454.

(4)- الإمامة و السياسة 1/ 19، باب إباءة علي «ع» بيعة أبي بكر.

(5)- المحكم و المتشابه/ 55، و بحار الأنوار 90/ 44 (طبعة إيران 93/ 44)، كتاب القرآن، الباب 128 (باب ما ورد في أصناف آيات القرآن).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 324

يتيم.» «1»

9- ما في صحيح مسلم عن أبي ذرّ، قال: قلت: يا رسول اللّه، ألا تستعملني؟

قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: «يا أبا ذر، إنّك ضعيف و إنّها أمانة، و إنّها يوم القيامة خزي و ندامة، إلّا من أخذها بحقها و أدّى الذي عليه فيها.» «2»

هذا، و الخبران على فرض صحتهما فقداسة أبي ذرّ و فضائله الجمّة لا تنافي ضعفه عن التدبير و الإدارة.

10- ما في الغرر و الدرر عن أمير المؤمنين «ع»: «من حسنت سياسته وجبت طاعته.» «3»

11- و فيه أيضا: «من أحسن الكفاية استحق الولاية.» «4»

12- و

فيه أيضا: «يحتاج الامام إلى قلب عقول، و لسان قؤول، و جنان على إقامة الحق صئول.» «5»

13- ما في الكافي عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «يا مفضل، ...

و العالم بزمانه لا يهجم عليه اللوابس.» «6»

14- ما فيه أيضا عن طلحة بن زيد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول:

«العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق؛ لا يزيده سرعة السير إلّا بعدا.» «7»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 22/ 406، كتاب تاريخ نبيّنا «ص»، باب كيفية إسلام أبي ذر و ...، و البحار 72/ 342 (طبعة إيران 75/ 342)، كتاب العشرة، باب أحوال الملوك و الأمراء.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1457، كتاب الإمارة، الباب 4، (باب كراهة الإمارة بغير ضرورة)، الحديث 1825.

(3)- الغرر و الدرر 5/ 211، الحديث 8025.

(4)- الغرر و الدرر 5/ 349، الحديث 8692.

(5)- الغرر و الدرر 6/ 472، الحديث 11010.

(6)- الكافي 1/ 26، كتاب العقل و الجهل، الحديث 29.

(7)- الكافي 1/ 43، كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 325

15- ما فيه أيضا عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قال رسول اللّه: «من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح.» «1» بناء على كون المراد بالعلم العلم بكيفية عمله و بفنونه، لا العلم بالكتاب و السنّة.

16- ما مرّ من نهج البلاغة في شرائط الوالي: «و قد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله، و لا الجافي فيقطعهم بجفائه ...» «2»

و قد مرّ معنى الحديث

مفصلا، و أن المراد بالنهمة بالفتح إفراط الشهوة في الطعام، و بالجفاء سوء الخلق.

17- ما في نهج البلاغة فيما كتبه لمالك: «فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا، و أفضلهم حلما، ممن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء، و ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف. ثم الصق بذوي (المروءات) الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة، ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة.» «3»

أقول: جيب القميص: طوقه. و يقال: «نقي الجيب»، أي طاهر الصدر و القلب. و العنف: الشدة. و ينبو؛ أي يشتدّ.

و رواه في تحف العقول هكذا: «و أفضلهم حلما، و أجمعهم علما و سياسة ...» «4»

و في الدعائم: «ولّ أمر جنودك أفضلهم في نفسك حلما، و أجمعهم للعلم و حسن السياسة

______________________________

(1)- الكافي 1/ 44، كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، الحديث 3.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 407؛ عبده 2/ 19؛ لح/ 189، الخطبة 131.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1005؛ عبده 3/ 101؛ لح/ 432، الكتاب 53.

(4)- تحف العقول/ 132.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 326

و صالح الأخلاق ...» «1»

18- ما في نهج البلاغة أيضا: «و لا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره بالجور. فان البخل و الجبن و الحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظن باللّه.» «2»

19- ما في نهج البلاغة أيضا: «ثم انظر في أمور عمّا لك، فاستعملهم اختبارا و لا تولّهم محاباة و أثرة، فإنّهم جماع من شعب

الجور و الخيانة. و توخّ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة و القدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقا، و أصحّ أعراضا، و أقل في المطامع إشرافا و أبلغ في عواقب الأمور نظرا.» «3»

20- ما في نهج البلاغة في كتابه إلى أهل مصر لمّا ولّى عليهم الأشتر: «أمّا بعد، فقد بعثت إليكم عبدا من عباد اللّه لا ينام أيّام الخوف، و لا ينكل عن الأعداء ساعات الروع. أشدّ على الكفّار من حريق النار. و هو مالك بن الحارث، أخو مذحج، فاسمعوا له و أطيعوا أمره فيما طابق الحقّ، فإنّه سيف من سيوف اللّه، لا كليل الظبّة، و لا نابي الضريبة. فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنه لا يقدم و لا يحجم و لا يؤخر و لا يقدم إلّا عن أمري، و قد آثرتكم به على نفسي، لنصيحته لكم و شدّة شكيمته على عدوّكم.» «4»

أقول: نكل عنه: نكص و جبن. و الروع: الخوف. و الظبة بالضم فالفتح مخففا:

حد السيف و السنان. و الكليل: الذي لا يقطع و الضريبة: المضروب بالسيف و نحوه. و نبا السيف: لم يؤثر. و الشكيمة في اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس، و شدتها كناية عن قوة النفس.

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 358.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 998؛ عبده 3/ 97؛ لح/ 430، الكتاب 53.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1011؛ عبده 3/ 105؛ لح/ 435، الكتاب 53.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 951؛ عبده 3/ 70؛ لح/ 411، الكتاب 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 327

إلى غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها اعتبار القوّة بسعة معناها في الوالي و الأمير. هذا.

و في

منهاج البراعة:

«قد قيل لحكيم: ما بال انقراض دولة آل ساسان؟ قال: لأنهم استعملوا أصاغر العمال على أعاظم الأعمال فلم يخرجوا من عهدتها، و استعملوا أعاظم العمال على أصاغر الأعمال فلم يعتنوا عليها، فعاد وفاقهم الى الشتات و نظامهم الى البتات.» «1»

و إذا اعتبرت القوّة في العمّال فكيف بنفس الأئمة المفوض إليهم إدارة الأمّة.

______________________________

(1)- منهاج البراعة 11/ 144.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 329

الفصل التاسع في اعتبار أن لا يكون الوالي من أهل البخل و الطمع و المصانعة

الشرط السادس في الوالي: أن لا يكون من أهل البخل و الطمع و الحرص و المصانعة و حبّ الجاه. فإنّ الوالي يصير مسلّطا على نفوس المسلمين و أموالهم، و يتوقّع منه رعاية مصالح الأمّة في القبض و البسط و الأعمال و الأخلاق. و الصفات المذكورة لا تناسب ذلك و إن فرض عدم بلوغها حدّا يضرّ بالعدالة.

فالبخيل بحسب الطبع مثلا ربما يمسك عن صرف المال في مصلحة اجتماعية مهمّة، فيضرّ بالأمة قهرا، و ان فرض عدم تعمّده لذلك.

و بالجملة الحبّ الشديد للمال و الجاه و شئون الدنيا يعمي و يصم قهرا، فلا يناسب القيادة العادلة الحكيمة، سواء رجع ذلك الى سلب العدالة أم لا.

و يستفاد جميع ذلك من خلال الروايات المختلفة المروية من طرق الفريقين:

1- فمنها ما مرّ من نهج البلاغة من قوله- عليه السلام-: «و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته ...، و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق.» «1»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 407؛ عبده 2/ 19؛ لح/ 189، الخطبة 131.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 330

2- و ما مرّ منه أيضا في كتابه

لمالك: «و لا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزين لك الشره بالجور. فإنّ البخل و الجبن و الحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظن باللّه.» «1»

إذ لو اعتبر عدم البخل و الحرص في من يشاوره الوالي فاعتبارهما في نفس الوالي يكون بطريق أولى، بل المشاور للوالي يكون من الولاة غالبا و ينتخب واليا بعنوان المشاور، كما هو المتعارف في عصرنا.

3- ما فيه أيضا: «لا يقيم أمر اللّه- سبحانه- إلّا من لا يصانع، و لا يضارع، و لا يتبع المطامع.» «2»

أقول: الظاهر أنّ المراد بالأمر الولاية، و قد شاع استعماله فيها. منها قوله «ع»:

«فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ...» «3»

و في شرح ابن أبي الحديد: «المصانعة: بذل الرشوة.» «4»

و لكن الظاهر كونها بمعنى المداراة و المداهنة مطلقا. نعم، من مصاديقها المداهنة بأخذ الرشوة. فالمراد أنّ الوالي لا يكون مقيما لأمر اللّه إلّا أن يكون منفذا للقوانين و المقررات و لا يداهن أحدا بأخذ الرشوة، أو بسبب الصداقة، أو لكونه من الأقوياء أو نحو ذلك فيعطل أحكام اللّه لذلك.

و المضارعة: المشابهة. فلعلّ المراد أن الحاكم الحق يجب عليه أن يكون مستقلا في الفكر و العمل، و لا يقع أسيرا تحت تأثير العوامل الخارجية أو الداخلية، فيترك محاسن الأخلاق و الأعمال و ما يقتضيه العقل السليم بسبب الأجواء و التقاليد الباطلة.

و لعلّ في كلامه «ع» نحو طعن على معاوية و أمثاله. فقد روي ان عمر بن الخطاب اعترض عليه في سفره الى الشام لما شاهد من زيّه، فاعتذر بأنا في بلد

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 998؛ عبده 3/ 97؛ لح/ 430، الكتاب 53.

(2)- نهج

البلاغة، فيض/ 1137؛ عبده 3/ 176؛ لح/ 488، الحكمة 110.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 49، الخطبة 3.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18/ 274.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 331

أمراؤه كذلك.

و قد أفرط بعده الأمويّون و العباسيّون في الترف و الفساد، حتى صارت الخلافة الإسلامية على طريقة الملوك الجبابرة. و قد قال أمير المؤمنين «ع»: «إنّ اللّه فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره.» «1»

و كان- عليه السلام- يكتفي من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه. و شاهد هو في مسيره الى الشام دهاقين الأنبار قد ترجّلوا له و اشتدّوا بين يديه، فقال: «ما هذا الذي صنعتموه؟» فقالوا: خلق منا نعظّم به أمراءنا، فقال: «و اللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم و إنّكم لتشقّون على أنفسكم في دنياكم و تشقون به في آخرتكم. و ما أخسر المشقة وراءها العقاب، و أربح الدعة معها الأمان من النار.» «2»

و العجب منّا بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران، و رفع النداء بشعار:

«لا شرقية و لا غربية»، لما ذا ما زلنا نحتفظ بعد بكثير من أزياء الغرب و الشرق و عاداتهم الباطلة؟! اللّهم فوفقنا للأخذ بسنّة النبي و آله «ع» و السير بسيرتهم المرضية.

4- ما في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري- عليه السلام-: «فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه. و ذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم.» «3»

فإذا كان صاحب الهوى و الحرص على الدنيا و شئونها لا يجوز تقليده في الأحكام فعدم جواز تسليطه على نفوس الناس و أموالهم

يثبت بالأولوية القطعية، كما لا يخفى.

5- ما في صحيح مسلم عن أبي موسى، قال: دخلت على النبي «ص» أنا و رجلان من بني عمّي، فقال أحد الرجلين: يا رسول اللّه، أمّرنا على بعض ما ولّاك

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 663؛ عبده 2/ 213؛ لح/ 325، الخطبة 209.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1104؛ عبده 3/ 160؛ لح/ 475، الحكمة 37.

(3)- التفسير المنسوب الى الإمام العسكري «ع»/ 102 (المطبوع بهامش تفسير علي بن ابراهيم)، ذيل الآية 78 من سورة البقرة. (الاحتجاج/ 255).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 332

اللّه- عزّ و جلّ-، و قال الآخر مثل ذلك. فقال «ص»: «إنّا و اللّه لا نولّي على هذا العمل أحدا سأله، و لا أحدا حرص عليه.» «1»

و روى نحوه البخاري أيضا في كتاب الأحكام من صحيحه. «2»

6- و في سنن أبي داود، قال أبو موسى قال النبي «ص»: «لن نستعمل- او لا نستعمل- على عملنا من أراده.» «3»

7- و في العقد الفريد: «طلب رجل إلى النبي «ص» أن يستعمله، فقال «ص»: «إنا لا نستعمل على عملنا من يريده.» «4»

8- و روى ابن قتيبة في الإمامة و السياسة قال: قال ابن عباس لعليّ «ع»:

أرى أنهما (طلحة و الزبير) أحبّا الولاية، فولّ البصرة الزبير و ولّ طلحة الكوفة ...،

فضحك عليّ «ع» ثمّ قال: «ويحك، إنّ العراقين بهما الرجال و الأموال، و متى تملكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، و يضربا الضعيف بالبلاء، و يقويا على القوي بالسلطان. و لو كنت مستعملا أحدا لضرّه و نفعه لاستعملت معاوية على الشام. و لو لا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي.» «5» هذا.

و دفاع أمير المؤمنين

«ع» عن حقّه و مطالبته له في الفرص المختلفة لم يكن عن حرص منه، بل لبيان الحقّ و لحرصه على ما فيه صلاح حال المسلمين. و إلّا فهو القائل أيضا: «و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة، و لا في الولاية إربة.» «6»

كما أن اقتراح يوسف النبي «ع» بقوله: «اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» «7» أيضا لم يكن إلّا للحرص على ما فيه صلاح أهل مصر في ذلك العصر. و من

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1456، كتاب الإمارة، الباب 3 (باب النهي عن طلب الإمارة).

(2)- صحيح البخاري 4/ 235. كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة.

(3)- سنن أبي داود 2/ 269، كتاب الأقضية، الباب 3 (باب في طلب القضاء و التسرع إليه).

(4)- العقد الفريد 1/ 21.

(5)- الإمامة و السياسة 1/ 51، باب اختلاف الزبير و طلحة على علي «ع».

(6)- نهج البلاغة، فيض/ 656؛ عبده 2/ 210؛ لح/ 322، الخطبة 205.

(7)- سورة يوسف (12)، الآية 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 333

رأى نفسه أهلا للولاية، و أراد بها صلاح الدين و المجتمع فلا يصدق على ترشيح نفسه لها عنوان الحرص و الطمع، بل قد يجب ذلك اذا انحصر الصالح فيه. و إنما الحرص المذموم هو أن يكون الشخص طالبا للرئاسة، مولعا بها. و الفرق بين الأمرين واضح.

9- و في صحيح مسلم بسنده عن أبي حميد الساعدي، قال: استعمل رسول اللّه «ص» رجلا من الأسد يقال له: ابن اللتبيّة على الصدقة، فلمّا قدم قال:

هذا لكم و هذا لي أهدي لي. قال: فقام رسول اللّه «ص» على المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه و قال: «ما بال عامل

أبعثه فيقول: هذا لكم و هذا أهدي لي! أ فلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمّه حتى ينظر أ يهدى إليه أم لا. و الذي نفس محمّد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلّا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر. ثمّ رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه، ثم قال: «اللّهم هل بلّغت؟- مرتين.» «1» و قد روي هذا المضمون بطرق مختلفة، فراجع.

أقول: تيعر، أي تصيح، و اليعار: صوت الشاة. و العفرة بضم العين و فتحها:

بياض غير خالص كلون الأرض.

و يستفاد من هذا الحديث الاعتراض و الاشكال على المسؤولين الذين ربما يستفيدون من موقعيتهم السياسية أموالا باسم الهدية و الصلة، و لا يتحاشون عن ذلك.

و يعجبني هنا نقل كلام أمير المؤمنين «ع» في نهج البلاغة، حيث قال بعد نقل قصة عقيل و الحديدة المحماة: «و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، و معجونة شنئتها كأنّما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت. فقال: لا ذا و لا ذاك، و لكنها هدية. فقلت: هبلتك الهبول، أعن دين اللّه أتيتني لتخدعني؟

أ مختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟ و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1463، كتاب الإمارة، الباب 7 (باب تحريم هدايا العمال)، الحديث 1832.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 334

نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها.

ما لعليّ و لنعيم يفنى و لذّة لا تبقى؟» «1»

فعلى مثل

هذا ينبغي أن يكون شيعته الموظفون في مؤسسات الحكومة الإسلامية.

و قد تحصل من هذا الفصل أن الوالي يجب أن لا يكون بخيلا طماعا حريصا على المال و الملك، فتدبر.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 713؛ عبده 2/ 244؛ لح/ 347، الخطبة 224.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 335

الفصل العاشر في اعتبار الذكورة

اشارة

الشرط السابع في الوالي: الذكورة.

[اعتبار الذكورة في القاضي و الوالي]

و لا يخفى أن المسألة غير معنونة في كتب الفقهاء منّا. نعم، ذكروا في باب القضاء اعتبار الذكورة في القاضي، و ادّعوا فيه الاتفاق و عدم الخلاف، بل الإجماع.

و الظاهر أنّ القضاء شعبة من شعب الولاية، بل من أهم شعبها، بل هو أوّلا و بالذات من شئون الإمام، كما صرّح به في خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «اتقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين: لنبيّ (كنبيّ) أو وصيّ نبيّ.» «1» و كان أمير المؤمنين «ع» قد يتصدّى بنفسه للقضاء، و لما ولّى شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه «2».

و على هذا فاشتراط الذكورة في القاضي لعلّه يقتضي اشتراطها في الولاية، و لا سيّما في الإمامة الكبرى أيضا. و أدلة المسألتين أيضا كما يأتي مشتركة.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7 الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 6 الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 336

و أمّا علماء السنّة فالظاهر اتّفاقهم على اشتراطها في الولاية. نعم، اختلفوا في القضاء: فالشافعية و المالكية و الحنابلة قالوا بالاشتراط، و الحنفية قائلون بالتفصيل، حيث جعلوا القضاء مثل الشهادة، فما يقبل فيه شهادة النساء يقبل فيه قضاؤهن أيضا.

و محمد بن جرير الطبري ينفي الاشتراط مطلقا.

قال في الخلاف (كتاب القضاء، المسألة 6):

«لا يجوز أن تكون المرأة قاضية في شي ء من الأحكام، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: يجوز أن تكون قاضية فيما يجوز أن تكون شاهدة فيه، و هو جميع الأحكام إلّا الحدود و القصاص. و قال

ابن جرير: يجوز أن تكون قاضية في كل ما يجوز أن يكون الرجل قاضيا فيه، لأنها تعدّ من أهل الاجتهاد. دليلنا أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل، لأن القضاء حكم شرعي فمن قال: تصلح له يحتاج إلى دليل شرعي، و روي عن النبي «ص» أنّه قال: «لا يفلح قوم وليتهم امرأة» و قال- عليه السلام-:

«أخّروهن من حيث أخّرهنّ اللّه.» فمن أجاز لها أن تولي القضاء فقد قدّمها و أخّر الرجل منها. و قال: «من فاته شي ء في صلاته فليسبّح، فإن التسبيح للرجال و التصفيق للنساء.» فالنبي «ص» منعها من النطق لئلا يسمع كلامها مخالفة الافتتان بها، فبأن تمنع القضاء الذي يشتمل على الكلام و غيره أولى.» «1»

أقول: في مسند أحمد عن رسول اللّه «ص»: «إذا نابكم في الصلاة شي ء فليسبح الرجال، و ليصفق النساء.» «2»

فالظاهر كون «فاته» في الخلاف مصحف: «نابه».

و ظاهر كلام الشيخ أن نفوذ القضاء خلاف الأصل، كالولاية. ففي مورد الشك يتمسك بالأصل.

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 311.

(2)- مسند أحمد 5/ 333.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 337

و في قضاء الشرائع:

«و يشترط فيه البلوغ، و كمال العقل، و الإيمان، و العدالة، و طهارة المولد، و العلم، و الذكورة ... و لا ينعقد القضاء للمرأة و ان استكملت الشرائط.» «1»

و في الجواهر:

«بلا خلاف أجده في شي ء منها، بل في المسالك: هذه الشرائط عندنا موضع وفاق،» الى أن قال: «و أما الذكورة فلما سمعت من الإجماع.» «2»

و في المغني لابن قدامة الحنبلي بعد ما اختار في القضاء اعتبار الذكورة قال:

«و لنا قول النبي «ص»: «ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»، و لأن القاضي يحضره محافل الخصوم و الرجال و يحتاج فيه إلى

كمال الرأي و تمام العقل و الفطنة، و المرأة ناقصة العقل، قليلة الرأي، ليست أهلا للحضور في محافل الرجال. و لا تقبل شهادتها و لو كان معها ألف امرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل. و قد نبّه اللّه على ضلالهن و نسيانهن بقوله- تعالى-: «أَنْ تَضِلَّ إِحْدٰاهُمٰا فَتُذَكِّرَ إِحْدٰاهُمَا الْأُخْرىٰ.» «3»

و لا تصلح للإمامة العظمى، و لا لتولية البلدان. و لهذا لم يولّ النبي «ص» و لا أحد من خلفائه و لا من بعدهم امرأة قضاء و لا ولاية بلد فيما بلغنا. و لو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا.» «4»

أقول: ما ذكره من عدم قبول شهادة النساء إذا لم يكن معهن رجل بنحو الإطلاق ممنوع، إذ يقبل شهادتهن منفردات أيضا في الأمور المرتبطة بالنساء، كالعذرة و الولادة و نحوهما.

و الضلال في الآية إمّا بمعنى النسيان كما قيل، أو بمعنى الضياع. فيكون المراد أن تضيع إحدى الشهادتين بالنسيان فتذكر إحدى المرأتين الأخرى.

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 67- 68.

(2)- الجواهر 40/ 12- 14.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 282.

(4)- المغني 11/ 380.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 338

و كيف كان فيظهر من الآية نقصان المرأة بالنسبة إلى الرجل في التحمّل و الحفظ.

و قوله أخيرا: «و لو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان»، شاهد صدق على المقام.

فإنّ الأمويين و العباسيين ولّوا أمر هذه الأمة أكثر من ستة قرون و كانوا مولعين مغرمين بالنساء و الإماء كثيرا، و نفوذ نسائهم و بناتهم و اخواتهم مشهور، و كان يوجد فيهن أهل الفضل و العلم أيضا، و قد ولّوا الأعمال كثيرا ممن لا يليق، حتى من عبيدهم أيضا و مع ذلك لم يسمع نصبهم

أحدا من النساء للولاية أو القضاء. فيعلم بذلك استيحاش الناس من ذلك، و كونه مستنكرا عندهم بحيث لم يمكن الخلفاء مخالفتهم. هذا.

و في الفقه على المذاهب الأربعة ما حاصله:

«إنّهم اتفقوا على أن الإمام يشترط فيه أن يكون مسلما، مكلّفا، حرّا، ذكرا، قرشيا، عدلا، عالما، مجتهدا، شجاعا، ذا رأي صائب، سليم السمع و البصر و النطق.» «1»

و في كتاب الفقه الإسلامي و أدلّته للدكتور الزحيلي:

«أجمع الفقهاء على كون الإمام ذكرا.» «2»

و قال في القضاء:

«و أمّا الذكورة فهي شرط أيضا عند المالكية و الشافعية و الحنابلة. فلا تولى امرأة القضاء ... و قال الحنفية: يجوز قضاء المرأة في الأموال، أي المنازعات المدنية. لأنه تجوز شهادتها فيها ... و أجاز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في كل شي ء، لجواز إفتائها.» «3»

أقول: ليس الغرض استقصاء الكلمات في المقام، بل الغرض هو الفات نظر

______________________________

(1)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 416، مبحث شروط الإمامة.

(2)- الفقه الإسلامي و أدلته 6/ 693.

(3)- الفقه الإسلامي و أدلته 6/ 745.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 339

القارئ إجمالا إلى نظر الفريقين في المسألة، فذكرنا نماذج من كلمات الفريقين.

فإن شئت الاطلاع الوافي على الكلمات، فراجع مظانها.

بحث حول الاجماع

لا يخفى أن مسألة الإمامة لم تكن معنونة في فقه الشيعة الإمامية. و لعله لكونها مقصورة على الأئمة الاثني عشر عند فقهائنا.

و أما القضاء فصاحب الجواهر و غيره و إن ادعوا الاتفاق و عدم الخلاف بل الإجماع على اعتبار الذكورة فيه و ذكروه من أدلة المسألة.

و لكن ليعلم اني لم أجد المسألة في مثل المقنعة و المقنع و الهداية و النهاية و فقه الرضا، من الكتب المعدّة لنقل المسائل المأثورة، و إنما تعرض لها الشيخ

في خلافه و في مبسوطه الذي وضعه لجمع الفروع الاجتهادية المستنبطة، ثم تعرض له بعده المتأخرون في كتبهم. فثبوت الإجماع فيها بنحو يكشف عن تلقّي المسألة من المعصومين «ع» يدا بيد مشكل، حتى ان الشيخ في الخلاف أيضا كما رأيت لم يستدل لها بالإجماع بل بالأصل و بالروايات في قبال الحنفية و ابن جرير.

و كان السيد الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- يقول مرّة بعد مرّة:

«إنّ المسائل المعنونة في فقه الشيعة الإمامية على قسمين:

1- المسائل الأصلية المتلقاة يدا بيد عن الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم-.

2- المسائل التفريعية التي استنبطها الفقهاء من تلك المسائل بالاجتهاد.

و القدماء من فقهائنا كانوا لا يتعرضون في تأليفاتهم الفقهية إلا للقسم الأوّل من المسائل، و كانوا يحافظون فيها غالبا على ألفاظ الروايات أيضا، بحيث كان الناظر في كتبهم يتخيل أنهم لم يكونوا أهلا للاجتهاد و أن الأواخر منهم كانوا يقلدون الأوائل، فراجع كتب الصدوق كالفقيه و المقنع و الهداية، و مقنعة المفيد، و رسائل

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 340

علم الهدى، و نهاية الشيخ، و مراسم سلار، و الكافي لأبي الصلاح، و المهذب لابن البراج و نحو ذلك.

و ذكر الشيخ في أول المبسوط ما حاصله: «أن استمرار هذه الطريقة بين أصحابنا صار سببا لطعن المخالفين، فكانوا يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية، مع أن جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا، و ما كثروا به كتبهم به من مسائل الفروع أيضا له مدخل في أصولنا و مخرج على مذهبنا لا على وجه القياس. و كنت على قديم الوقت و حديثه متشوق النفس الى عمل كتاب يشتمل على هذه الفروع، فيقطعني عن ذلك القواطع. و

كنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، و ذكرت فيها جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم و أصّلوها من المسائل، و عملت بآخره مختصر جمل العقود، و وعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصة، ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه، لأن الفرع إنما يفهمه إذا ضبط الأصل معه، فعدلت الى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه، و أعقد فيه الأبواب و أقسم فيه المسائل و أجمع بين النظائر و أستوفيه غاية الاستيفاء و أذكر أكثر الفروع التي ذكرها المخالفون.» «1»

فالشيخ- قدس سرّه- صنف النهاية على طريقة أصحابنا لنقل المسائل الأصلية فقط، و صنف المبسوط جامعا للأصول و الفروع.

و على هذا فإذا ذكرت المسألة في تلك الكتب المعدّة لنقل المسائل الأصلية المأثورة فاحدس بتلقيها عن المعصومين «ع» و يكون إطباقهم في تلك المسائل، بل الاشتهار فيها أيضا حجة شرعية لاستكشاف قول المعصوم.

و أما المسائل التفريعية المستنبطة فلا يفيد الإجماع فيها، اذ الاجماع فيها نظير الإجماع في المسائل العقلية. و نحن الإمامية لا موضوعية عندنا للإجماع و الاتفاق بما هو إجماع، و إنما نعتبره طريقا لكشف قول المعصوم- عليه السلام-.»

انتهى كلام الأستاذ- طاب ثراه-.

______________________________

(1)- راجع مقدمة المبسوط 1/ 1- 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 341

و قد ظهر لك أنّ مسألتنا هذه لم تكن من المسائل المتلقاة، و لذا لم تذكر في تلك الكتب، فلا يفيد فيها الإجماع و إن اعتمد عليه صاحب الجواهر و غيره. فاللازم الرجوع إلى الآيات و الأخبار المستدل بها في المقام.

التنبيه على أمرين
اشارة

و ينبغي التنبيه قبل ذلك على أمرين يمكن أن ينتفع بهما في المقام:

أما الأمر الأول
[مقدمات]
اشارة

فيتوقف بيانه على مقدمات:

تفاوت الرجل و المرأة:

الأولى: لا إشكال في تفاوت الرجل و المرأة في جهات و خصائص طبيعية ذاتية بحسب الجسم و الروح، لا بمعنى أن يكون أحدهما أنقص من الآخر، بل بمعنى أن نظام الخلقة الرباني أوجد التفاوت لتحكيم نظام العائلة، حيث إن نظام الأسرة يحتاج الى التدبير و الى العواطف معا. فالتفاوت بينهما نظير تفاوت أعضاء الإنسان، كالعين و الأذن و اليد و الرجل و نحوها، المفوض الى كل منها وظيفة خاصة مناسبة لبنائه. و لا ريب أن بعضا منها كالعين مثلا أظرف و ألطف من الآخر، و ليس هذا نقصا فيه. و لا يكون الإنسان موجودا كاملا إلّا بجمع هذه الأعضاء و خواصّها و أفعالها المختلفة.

و الحاصل ان التفاوت بينهما يرجع الى التناسب في نظام العائلة، لا الى نقص و كمال. و قد خلقا كذلك ليحصل التّماس و التعاون، و ليجذب أحدهما الآخر و يلتذّ من الكون معه و الإيثار بالنسبة اليه. و لو كانا متماثلين في الجسم و الغرائز لاستقل كل منهما و انفرد و لم ينتظم نظام الأسرة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 342

و بالجملة التفاوت بين الرجل و المرأة واضح:

فالرجل مظهر العقل و التدبير، و المرأة مظهر الرأفة و العاطفة، و النظام يحتاج الى كليهما.

المرأة ظريفة غالبا في الجسم و الروح و الصوت و نحو ذلك، و الرجل خشن فيها.

المرأة كالريحانة الطريفة، و الرجل كالشجرة البرّيّة.

المرأة تميل غالبا الى السكون و السكوت و الدعة، و الرجل الى الأعمال الشاقة و التحرك و الجهاد.

الرجل يغلب عليه القوة و الشدة، و على المرأة الرقة و الانفعال.

التهوّر في الرجل أكثر، و الجبن في المرأة.

المرأة تبلغ قبل الرجل و

تيأس قبله.

المرأة تميل الى الزينة و التجمل و التلون و التجدّد، بخلاف الرجل.

المرأة تريد من الرجل الشجاعة و الحماسة، و الرجل يريد منها الحسن و الجمال.

المرأة الى الفن و الأدب أميل، و الرجل الى العلم و التفكر.

غليان الإحساس في المرأة أكثر، و في الرجل الكتمان.

التفاوت المرأة الى تربية الأولاد و النظافة و إدارة أمور البيت أكثر من الرجل.

همّ الرجل تسخير العالم، و همّ المرأة تسخير الرجل.

الرجل يرى سعادته في المقام و الشهرة و جمع المال، و المرأة في تسخير قلب الرجل و صيده.

و يختلفان في كثير من الأخلاق. و ربما يكون خلق واحد في أحدهما فضيلة، و في الآخر رذيلة.

و عن أمير المؤمنين «ع»: «خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو، و الجبن، و البخل. فإذا كانت المرأة ذات زهو لم تمكن من نفسها، و إذا كانت بخيلة حفظت مالها و مال

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 343

بعلها، و إذا كانت جبانة فرقت من كل شي ء يعرض لها.» «1»

هذا، مضافا إلى ما ذكروا لهما من الاختلاف في المتوسط من الطول و الوزن و حجم البدن و الرأس و الدماغ و الجمجمة و القلب و الدم، و الشدة و القوة في العظم و العضلات و الأعصاب و سائر الأعضاء و الحواس الخمسة، و ليس المقام مقام التعرض لها، فراجع محله.

و حكى الأخ الشهيد، آية اللّه المطهري- طاب ثراه- في كتابه: «نظام حقوق المرأة في الإسلام» عن المرأة المتخصصة في علم معرفة النفس المسمّاة «كليود السن» ما حاصله:

«المرأة بحسب الفطرة تحبّ أن تكون تحت رئاسة الغير و نظارته، و أن يحسّ الغير أنه يحتاج إليها. و تنشأ هاتان الخصلتان من كون

النساء تابعة للإحساس، و الرجال تابعين للتعقل و ربما كثر إدراك المرأة و لكن إحساسها يغلب على عقلها. فكر الرجل و أطروحته إلى الواقعية أقرب، و هو في القضاء و الهداية أدقّ. و النساء لكونهن أشدّ إحساسا و وحشة يفرض عليهن الإذعان باحتياجهن الى الرجال.»

هذا و قد اقتبسنا ما ذكرناه من وجوه التفاوت بين الرجل و المرأة من الكتاب المذكور، و إن شئت التفصيل فراجع مظانّه.

مفهوم العدل

المقدمة الثانية: ليس معنى العدل تساوي جميع أفراد النوع في الإمكانات و الوظائف، بل العدل أن يبذل كل فرد ما يقتضيه طبعه و حاجته، و ان يراد منه ما يطيقه و يقدر عليه. فالريحانة الظريفة تتفاوت مع الشجرة البرية في الطاقة و سنخ الحاجة. و الإنسانة الظريفة المليئة بالعواطف تتفاوت مع الإنسان الخشن في الطاقة و فيما يمكن أن يتحمل من المسؤولية. و من أفحش الظلم أن يحمل على فرد ما لا يقدر

______________________________

(1)- سفينة البحار 2/ 586، ذيل كلمة نسأ. عن البحار 100/ 238 (طبعة إيران 103/ 238).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 344

حمله. و بالجملة الأفراد في الحاجات و في الطاقات مختلفون و العدل يقتضي رعاية التناسب مع طباعهم و طاقتهم.

الولاية مسئولية و أمانة

المقدمة الثالثة: الولاية بشعبها و منها القضاء و إن كانت مقاما و منصبا يتنافس فيه، و لكنها بنظر الإسلام و أوليائه أمانة الهية تستعقب مسئولية خطيرة. و كلما اتسع نطاقها صارت المسؤولية فيها أكثر. و قد كتب أمير المؤمنين- عليه السلام- إلى أشعث بن قيس، عامله على آذربيجان: «إنّ عملك ليس لك بطعمة، و لكنه في عنقك أمانة.» «1»

و العدل يقتضي أن لا يحمل عبأ المسؤولية إلّا على من يقدر على تحمّلها و أدائها، و إلا كان ظلما له و لمن يقع تحت حيطته. و هذا أيضا واضح.

و في الحديث: «من استعمل رجلا من عصابة و فيهم من هو أرضى للّه منه فقد خان اللّه و رسوله و المؤمنين.» «2»

[بيان الأمر الأوّل] الولاية تنافى طباع المراة و ظرافتها:

و إذا عرفت هذه المقدمات الثلاث فنقول: الولاية بشعبها و منها القضاء من الوظائف الخطيرة المرتبطة بمصالح الأمة و مقدراتهم. فالقصور فيها فضلا عن التقصير يستعقب أضرارا كثيرة. و هي و إن احتاجت إلى العواطف أيضا و لكن احتياجها إلى العقل و التدبير و النظر في عواقب الأمور أشدّ من ذلك بمراتب، كما لا يخفى على أهله. مضافا الى استلزامها لتحمل مشاق كثيرة أيضا تنافي ظرافة المرأة و احتياجها

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 839؛ عبده 3/ 7؛ لح/ 366، الكتاب 5.

(2)- كنز العمال 6/ 25، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14687.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 345

الى السكون و الدعة.

ففي أصول الكافي بسند صحيح، عن معلى بن خنيس، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع» يوما: جعلت فداك ذكرت آل فلان و ما هم فيه من النعيم، فقلت:

لو كان هذا إليكم لعشنا معكم. فقال: «هيهات يا معلّى،

أما و اللّه لو كان ذاك ما كان إلّا سياسة الليل و سياحة النهار و لبس الخشن و أكل الجشب، فروى ذلك عنّا. فهل رأيت ظلامة قطّ صيّرها اللّه- تعالى- نعمة إلّا هذه؟» «1»

و إذا كانت الولاية تستعقب مسئولية خطيرة فحملها على من لا يطيقها ظلم في حقّه و في حقوق من يقع تحت ولايته. و المرأة كما عرفت مظهر الرحمة و العواطف، و طبعها غالبا يناسب السكون و الدعة. و الرجل مظهر التدبير و النظر في عواقب الأمور، و هو يميل الى التحرك و الجهاد. فالمناسب تفويض هذه المسؤولية الخطيرة المرتبطة بشؤون الإسلام و المسلمين الى من يكون قدرته على التحمل أكثر.

و لا يراد بذلك، الحطّ من كرامة المرأة و احتقارها، و إنما يراد رعاية التناسب الطبيعي في تفويض المسؤولية. و التشريع الصحيح هو التشريع المبتني على التكوين.

و يشهد لما ذكرناه من عدم مناسبة طباع المرأة غالبا للولاية أنّك ترى في أكثر البلدان في العالم أن رؤساء الجمهوريات و الدول ينتخبون غالبا من الرجال دون النساء، مع أنه ليس في محيطهم منع قانوني لانتخاب المرأة.

و قد اشتبه الأمر على الذين قاموا باسم الدفاع عن المرأة، حيث استدلوا بأن نصف المجتمع الإنساني يكون معطلا ان لم تشتغل المرأة في الدوائر و المؤسسات.

أ فلا يرون أن المجتمع لا يتشكل إلّا من البيوت و الأسر، و لا يصلح إلّا بصلاح الأسر؟ و إنما تصلح الأسرة بالمرأة الحنونة العطوفة على زوجها و ولدها. أ يكون حفظ الأسرة و العائلة، و التقوية الروحية للزوج، و تربية الأولاد من البنين و البنات أعمالا صغيرة محقّرة؟!

لا، بل عمل المرأة بامومتها و عطوفتها من أحمز الأعمال و أفضلها. و هو الحجر

______________________________

(1)-

الكافي 1/ 410، كتاب الحجة، باب سيرة الإمام في نفسه و ...، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 346

الأساس لصلاح مستقبل المجتمع. و لا يقدر عليه الرجل بما جبل عليه من خشونة الطبع و الغلظة.

و في الحديث عن النبي «ص»: «الجنة تحت أقدام الأمهات.» «1»

و عن الإمام الباقر «ع»: «إنّ للأمّ ثلثي البرّ، و للأب الثلث.» «2»

و التقوية الروحية للبعل ليتمكن من الجهاد و القيام بسائر النشاطات أيضا عمل شريف يساوي الجهاد في الفضل. و في نهج البلاغة: «جهاد المرأة حسن التبعّل.» «3»

و لا يخفى أن تربية الأولاد و حسن التبعّل كليهما من ثمرات العواطف الذاتية التي جعلت في طباع النساء. و اذا تأمّلت و دقّقت النظر ظهر لك أن الأعمال الشاقة و إن كانت في عهدة الرجال و لكن أخلاق النساء هي المؤثرة في كمية نشاط الرجل و حسن عمله. فهي الشريكة حقيقة في داخل البيت و خارجه، فتدبر.

و اعلم: أنه بما ذكرناه من التفاوت الطبيعي بين الرجل و المرأة يظهر حكمة جعل الطلاق بيد الرجل، و حكمة التفاوت في الميراث و الديات أيضا. إذ قد مرّ أن العواطف و الأحاسيس على المرأة غالبة، و ضرر الطلاق عظيم جدّا. فلو جعل أمره بيد المرأة أمكن وقوعه كثيرا من جانبها كلما غلب عليها الإحساس أو ثارت فيها العواطف لجهة من الجهات.

و أما الرجل فحيث تغلب عليه روح التدبير و النظر في عواقب الأمور فهو يجتنب عنه غالبا إذا فكر في عواقبه من انهدام أسرته و تضرر نفسه و أولاده.

و أما الميراث فانا اذا نظرنا الى مجموع الرجال و النساء جيلا بعد جيل و انتقال الثروات من نسل الى نسل

لرأينا ان المال يحتاج في الحفظ و التكثير الى العقل و التدبير. فجعل اللّه- تعالى- في مرحلة الحفظ و التكثير اختيار ثلثي المال بيد الرجال

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 628، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

(2)- الوسائل 15/ 209، الباب 94 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1152؛ عبده 3/ 184؛ لح/ 494، الحكمة 136.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 347

و الثلث الى النساء، حفظا لكرامتهن.

و أما في مرحلة صرف المال في المعاش فهما يتساويان غالبا في المصرف، بل لعل المصرف للنساء أكثر. إذ الأولاد متعلقون بكليهما بالتساوي، و المرأة تحتاج غالبا الى وسائل التزين و التجمل أيضا، و قد جعل اللّه النفقات بأجمعها على عهدة الرجال. فالمرأة تختص بثلث نفسها و يصرف لها نصف ما للرجل أيضا. ففي مرحلة التمليك المحتاج فيها الى الحفظ و التكثير جعل الثلثان للرجل، و أما في مرحلة الصرف فيصرف الثلثان للمرأة. فلو كان هذا ظلما لكان ظلما على الرجال، لا النساء.

و أما في القصاص و الديات فلعلّه لأن الرجل بعقله و تدبيره أكثر فائدة في الحياة. إذ هو القائم بالبناء و العمران و الاختراعات غالبا، و على عاتقهم تقع مسئولية الأعمال الثقيلة و كذا الفكرية الدقيقة. و العقل ملاك التقويم الأتم، و إن كان للعواطف أيضا قيمتها المناسبة و لها أجرها العظيم أيضا كما مرّ، فتدبّر. و لا يخفى ابتناء جميع هذه الأحكام على الأعم الأغلب.

[الأمر الثاني] المرأة و التستّر

الأمر الثاني من الأمرين: ان المتتبع للآيات و الروايات المروية بطرق الفريقين يظهر له أن المرأة لظرافتها و مطلوبيتها، و احتمال الافتتان بها و وقوعها في الفتنة يطلب منها شرعا، و لا

سيما من الشابة، الاحتجاب و الاستتار، و عدم الخروج من البيت مهما أمكن، و عدم المخالطة و المحادثة مع الرجال الأجانب إلا مع اقتضاء الضرورة أو المصلحة خروجها و ورودها في أندية الرجال مع التحفظ، كما في موارد إثبات الحق، و المعالجات، و التعلم و التعليم و التربية و نحوها.

و الأخبار في هذا الباب كثيرة على الإحصاء. فعليك بمراجعة أبواب مقدمات النكاح من الوسائل و غيرها. و في كتاب أمير المؤمنين لابنه الحسن- عليهما السلام-:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 348

«و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل.» «1» و الوالي و كذا القاضي لا بدّ له من أن يحضر محافل الرجال كثيرا و يحادثهم و يخاصمهم، فلا يناسب للمرأة التصدي لهما.

فهذان أمران تعرضنا لهما قبل الشروع في الاستدلال للمسألة. و لعلهما يفيدان فيها. فلنشرع في ذكر أدلة اعتبار الذكورة في الوالي و القاضي. و قد عرفت تمسّك البعض بالإجماع، و مناقشتنا فيه. فلنذكر الآيات و الروايات.

آيات المسألة
اشارة

أمّا الآيات:

1- فمنها قوله- تعالى-: [الرجال قوّامون]

«الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ، بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ، وَ بِمٰا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوٰالِهِمْ.» «2»

و قد ورد في شأن نزولها- على ما في مجمع البيان: «أنّ امرأة من الأنصار نشزت على زوجها، فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي «ص» فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي «ص»: لتقتصّ من زوجها. فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال النبي «ص»: ارجعوا، فهذا جبرائيل أتاني و أنزل اللّه هذه الآية. فقال النبي «ص»: أردنا أمرا و أراد اللّه أمرا. و الذي أراد اللّه خير. و رفع القصاص.» «3»

و لا يخفى أن بعض مراتب النشوز يستعقب جواز الضرب للتأديب، كما صرح به في القرآن الكريم: «وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ، وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ، وَ اضْرِبُوهُنَّ.» «4»

و في مجمع البيان أيضا:

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 939؛ عبده 3/ 63؛ لح/ 405، الكتاب 31.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 34.

(3)- مجمع البيان 2/ 43. (الجزء 3).

(4)- سورة النساء (4)، الآية 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 349

«يقال: رجل قيم و قيّام و قوّام. و هذا البناء للمبالغة و التكثير.» و فيه أيضا: «أي قيمون على النساء، مسلطون عليهن في التدبير و التأديب و الرياضة و التعليم.» «1»

أقول: فكأن الصيغة أريد بها من يكون قائما بذاته، و مقيما لغيره. فكأن الزيادة أوجبت السراية الى الغير. كالطهور لما يكون طاهرا بذاته، مطهرا لغيره.

و الظاهر أنه لا يراد بقوله: «فضّل اللّه» جعل الفضيلة له تشريعا، بل يراد به الفضيلة التكوينية في طباعه، أعني قوة العقل و التدبير. و العلة الثانية أيضا من شئون الأولى و فروعها، إذ قوة عقله أوجبت جعل اختيار المال و إنفاقه بيده، كما لا

يخفى.

و كيف كان فهل الحكم في الآية يراد به العموم، أو قيمومة خصوص الأزواج على أزواجهم؟ وجهان.

و لا يخفى أن الاستدلال بالآية في المقام يبتني على الأول، و مورد النزول هو الثاني. و يظهر من بعض الأعاظم تقوية العموم.

ففي مجمع البحرين:

«أي لهم عليهن قيام الولاء و السياسة. و علّل ذلك بأمرين: أحدهما موهوبيّ للّه.

و هو أن اللّه فضّل الرجال عليهن بأمور كثيرة من كمال العقل و حسن التدبير و تزايد القوة في الأعمال و الطاعات، و لذلك خصّوا بالنبوة و الإمامة و الولاية و إقامة الشعائر و الجهاد و قبول شهادتهم في كل الأمور و مزيد النصيب في الإرث و غير ذلك.

و ثانيهما كسبي. و هو أنهم ينفقون عليهن و يعطونهن المهور، مع أن فائدة النكاح مشتركة بينهما.» «2»

و في مسالك الإفهام للفاضل الجواد الكاظمي:

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 43. (الجزء 3).

(2)- مجمع البحرين/ 486.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 350

«أي الرجال على النساء. و ذلك بالعلم و العقل و حسن الرأي و التدبير و العزم و مزيد القوة في الأعمال و الطاعات و الفروسية و الرمي، و أن منهم الأنبياء و الأئمة و العلماء، و فيهم الإمامة الكبرى و هي الخلافة، و الصغرى و هي الاقتداء بهم في الصلاة، و انهم أهل الجهاد و الأذان و الخطبة، الى غير ذلك مما أوجب الفضل عليهن. قال في الكشّاف: و فيه دليل على أن الولاية إنما يستحق بالفضل، لا بالتغليب و الاستطالة و القهر.» «1»

و قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان:

«و عموم هذه العلة يعطي أن الحكم المبني عليها، أعني قوله: «الرجال قوامون على النساء»، غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوّامية

بالرجل على زوجته، بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعا. فالجهات العامة التي ترتبط بفضل الرجال، كجهتي الحكومة و القضاء مثلا اللتين يتوقف عليهما حياة المجتمع، و إنما يقومان بالتعقل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، و كذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدة و قوة التعقل، كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء. و على هذا فقوله: «الرجال قوامون على النساء» ذو اطلاق تام.» «2»

هذه بعض كلماتهم في المقام.

و لكن عندي في التمسك بالآية للمقام إشكال. إذ شأن النزول و كذا السياق شاهدان على كون المراد قيمومة الرجال بالنسبة الى أزواجهم. إذ لا يمكن الالتزام بأن كل رجل بمقتضى عقله الذاتي، و بمقتضى إنفاقه على خصوص زوجه له قيمومة على جميع النساء حتى الأجنبيات. و لو سلم الشك أيضا فصرف الاحتمال يكفي في عدم صحة الاستدلال.

______________________________

(1)- مسالك الافهام 3/ 257.

(2)- الميزان 4/ 343 (طبعة أخرى 4/ 365).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 351

فان قلت: عموم العلة- كما مرّ عن تفسير الميزان- يقتضي ذلك، فيؤخذ به إلّا فيما ثبت خلافه.

قلت: أوّلا إن العلّة الثانية لا عموم لها. إذ إنفاق الرجل يختص بزوجه و لا يرتبط بسائر النساء.

و ثانيا إن الأخذ بالعموم و تخصيص ما ثبت خلافه يوجب تخصيص الأكثر. إذ لا قيمومة لرجل على سائر النساء إلا في مورد الولاية أو القضاء. اللهم إلّا أن يقال إن مفاد الآية من أول الأمر بمقتضى الانصراف و مناسبة الحكم و الموضوع خصوص موارد القيمومة كالولاية و نحوها لا مطلقا. فيكون مفادها أن في الموارد التي يحتاج فيها إلى القيمومة

فالرجال قوّامون على النساء دون العكس، فتأمّل.

فان قلت: مفاد الآية العموم قطعا. إذ لا يمكن الالتزام بأن المرأة لا شأن لها في الدار مع زوجها، و لكن لها السلطة على الرجال الأجانب.

قلت: بل يمكن الالتزام بذلك. إذ محيط البيت و الأسرة لا محالة يحتاج إلى قيّم، فلعل الشارع جعل الرجل بمقتضى أولويته قيما في البيت، دفعا للنزاع. فالرجل عقل الأسرة. و هذا لا ينافي ولاية المرأة في خارج البيت مع وجدانها للشروط.

هذا مضافا إلى أن الآية لا تنفي قيمومة المرأة على النساء. فلم لا يصح صيرورتها قاضية للنساء؟!

فان قلت: الإجماع المركب يقتضي ذلك. قلت: ما هو الحجة على القول بها هو القول بعدم الفصل، لا عدم القول بالفصل، فتأمّل.

2- و من الآيات أيضا قوله- تعالى-: [للرجال عليهن درجة]

«وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَ لِلرِّجٰالِ

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 352

عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» «1»

و يرد على الاستدلال: بها ما مرّ في السابقة، طابق النعل بالنعل، بل ظهورها في الاختصاص بحقوق الزوجية أقوى. فيكون المراد أن لكل من الزوجين حقا على الآخر، و للرجل على زوجه درجة بجواز تأديبه لها مع النشوز و بكون الطلاق أيضا بيده.

3- و منها أيضا قوله- تعالى-: [من ينشّؤ في الحلية]

«أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَ هُوَ فِي الْخِصٰامِ غَيْرُ مُبِينٍ.» «2»

و هي في مقام الإنكار على المشركين، حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا و قالوا هم بنات اللّه، فجعلوا للّه البنات و لأنفسهم البنين. و تحكي الآية عن طبيعة المرأة، و أنها ظريفة الإحساس، ميّالة الى الزينة، و أنه ليس لها منطق قوي في مقام الخصام.

قال العلامة الطباطبائي- طاب ثراه- في تفسير الميزان:

«و إنما ذكر هذين النعتين، لأن المرأة بالطبع أقوى عاطفة و شنقة، و أضعف تعقلا بالقياس الى الرجل. و هو بالعكس. و من أوضح مظاهر قوة عواطفها تعلقها الشديد بالحلية و الزينة، و ضعفها في تقرير الحجة المبني علي قوة التعقل.» «3»

و حيث ان الولاية بشعبها و منها القضاء تقتضي قوة التعقل و التفكير و التفوق في إثبات الحق فيمكن الاستشهاد بالآية للمقام بنحو التأييد، كما لا يخفى.

4- و منها أيضا قوله- تعالى-: [قرن في بيوتكن]

«وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وَ لٰا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ ...» «4»

و تصدي المرأة للولاية و كذا القضاء يستدعي خروجها من البيت و اختلاطها بالرجال و إسماع صوتها لهم و غير ذلك من الأمور المرغوب عنها شرعا. و قد عيّر الأصحاب عائشة بهذه الآية على خروجها الى البصرة، كما في التواريخ.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 228.

(2)- سورة الزخرف (43)، الآية 18.

(3)- الميزان 18/ 90 (طبعة أخرى 18/ 93).

(4)- سورة الأحزاب (33)، الآية 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 353

و بالجملة فالآية أيضا تصلح للتأييد في المقام. اللهم إلّا أن يقال إن المخاطب بها نساء النبي. فلعل لهن لانتسابهن الى النبي «ص» خصوصية، و قال اللّه- تعالى-:

«يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فَلٰا تَخْضَعْنَ

بِالْقَوْلِ ...» «1» فيكون التستر و التحجب فيهن آكد، فتدبر.

روايات المسألة:
اشارة

و أما الروايات التي يمكن ان يستدل بها في المسألة فكثيرة من طرق الفريقين، و إن كان في دلالة بعضها نظر:

الأولى: ما في البخاري بسنده عن أبي بكرة،

قال: لقد نفعني اللّه بكلمة سمعتها من رسول اللّه «ص» أيّام الجمل بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم. قال: لمّا بلغ رسول اللّه «ص» أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.» «2»

و روي مثله أيضا النسائي عن أبي بكرة. «3». و الترمذي عنه و قال:

«هذا حديث صحيح.» «4»

و رواه أحمد في مسنده عن أبي بكرة، عن النبي بهذا اللفظ: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة.» «5»

و رواه كذلك مرسلا في تحف العقول عن النبي «ص» «6».

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 32.

(2)- صحيح البخاري 3/ 90، كتاب المغازي، باب كتاب النبي «ص» الى كسرى و قيصر.

(3)- سنن النسائي 8/ 227، كتاب آداب القضاة، باب النهي عن استعمال النساء في الحكم.

(4)- سنن الترمذي 3/ 360، الباب 64 من أبواب الفتن، الحديث 2365.

(5)- مسند أحمد 5/ 38.

(6)- تحف العقول/ 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 354

و في نهاية ابن الاثير: «ما أفلح قوم قيّمهم امرأة.» و في حاشيتها عن اللسان و الهروي: «ما أفلح قوم قيمتهم امرأة.» «1»

و مضى من الخلاف عنه «ص»: «لا يفلح قوم وليتهم امرأة.» «2»

و في كنز العمال: «لا يقدس اللّه أمّة قادتهم امرأة.» (طب، عن أبي بكرة) «3»

و كيف كان فالحديث مشهور و إن اختلفوا في لفظه. و لعل الشهرة تجبر ضعفه.

و دلالته على المسألة واضحة.

الثانية: ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي،

قال:

سمعت أبا جعفر، محمد بن علي الباقر «ع» يقول: «ليس على النساء أذان و لا إقامة، و لا جمعة، و لا جماعة، و لا عيادة المريض، و لا اتباع الجنائز و لا إجهار بالتلبية، و لا الهرولة بين الصفا و

المروة، و لا استلام الحجر الأسود، و لا دخول الكعبة، و لا الحلق إنما يقصّرن من شعورهن، و لا تولى المرأة القضاء، و لا تولى الإمارة، و لا تستشار، و لا تذبح إلا من اضطرار ....» «4»

و رواه في الوسائل إلا أنه قال: «و لا تلي الإمارة.» «5»

و ظاهر العبارة الوضع، لا التكليف فقط. فتكون الذكورة شرطا في الإمارة و القضاء. و ظاهر الفقرات السابقة و إن كان نفي الوجوب و الاستحباب المؤكد و لكن قوله: «و لا تولى المرأة القضاء» و ما بعده يخالف ما قبله في السياق، لكونه بصورة النفي المراد به النهي، و ظاهره الحرمة و الفساد إلا فيما ثبت خلافه.

الثالثة: ما رواه في آخر الفقيه بإسناده عن حماد بن عمرو و أنس بن محمد،

عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه في وصايا النبي «ص» لعلي «ع»: «يا علي، ليس على النساء جمعة و لا جماعة، و لا أذان و لا إقامة، و لا عيادة مريض، و لا اتباع جنازة، و لا هرولة بين

______________________________

(1)- النهاية لابن أثير 4/ 135.

(2)- الخلاف 3/ 311.

(3)- كنز العمال 6/ 40، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14763.

(4)- الخصال/ 585 (الجزء 2)، أبواب السبعين و ما فوقه، الحديث 12.

(5)- الوسائل 14/ 162، الباب 23 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 355

الصفا و المروة، و لا استلام الحجر، و لا حلق، و لا تولّى القضاء، و لا تستشار ...» «1»

قوله: «و لا تولى القضاء»، يحتمل فيه المصدرية و الفعل. فعلى الأول يكون معطوفا على ما قبله، فلا يدل إلا على نفي الوجوب و الاستحباب المؤكد، فلا ينافي الصحة اذا تصدّت. و ان كان فعلا فظاهره الوضع،

كما مرّ. و لعله أصح بقرينة ما بعده، و ما مرّ في رواية جابر. اذ الظاهر كونهما رواية واحدة، فتدبر.

الرابعة: ما في نهج البلاغة:

«يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلا الماحل، و لا يظرّف فيه إلا الفاجر، و لا يضعّف فيه إلا المنصف. يعدّون الصدقة فيه غرما، و صلة الرحم منّا، و العبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، و إمارة الصبيان و تدبير الخصيان.» «2»

أقول: «الماحل» الساعي بالوشاية. و «لا يظرّف»، أي لا يعدّ ظريفا. و «لا يضعّف»، أي لا يعدّ ضعيفا، أو لا يجعل ضعيفا. و «الاستطالة»: التفوق. و المراد بإمارة الصبيان إمارة من يقل سنّه، فلم يحصل له التجربة و الكفاية، أو امارة من يكون عقله عقل الصبيان و إن كبر في السن. و إذا كانت السلطنة بمشورة النساء مذمومة فتفويضها إليهن بالكلية أولى بالذمّ، كما لا يخفى.

الخامسة: ما في سنن الترمذي بسنده عن أبي هريرة،

قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا كانت أمراؤكم خياركم، و أغنياؤكم سمحاءكم، و أموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها. و إذا كانت أمراؤكم شراركم و أغنياؤكم بخلاءكم و أموركم الى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.» «3»

و رواه في تحف العقول أيضا عن النبي «ص» «4»

______________________________

(1)- الفقيه 4/ 364، باب النوادر، الحديث 5762.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1132؛ عبده 3/ 173؛ لح/ 485، الحكمة 102.

(3)- سنن الترمذي 3/ 361، الباب 64 من أبواب الفتن، الحديث 2368.

(4)- تحف العقول/ 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 356

السادسة: ما في نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين إلى ابنه الحسن- عليهما السلام-:

«و إياك و مشاورة النساء. فان رأيهن إلى أفن، و عزمهن الى وهن. و اكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن. فإن شدّة الحجاب أبقى عليهن. و ليس خروجهن بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهن. و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. و لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة، و ليست بقهرمانة. و لا تعد بكرامتها نفسها، و لا تطمعها في أن تشفع بغيرها (لغيرها خ. ل).» «1»

و روى مضمون الرواية بتفاوت ما في الكافي بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر «ع». و عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه في رسالة أمير المؤمنين «ع» إلى ابنه الحسن. و عن الاصبغ بن نباتة، عنه «ع» في كتابه إلى ابنه محمد. و كذا الصدوق في نوادر آخر الفقيه عنه «ع» في كتابه إلى محمد، فراجع «2».

و الأفن بالسكون- و يروى بالتحريك أيضا: الضعف.

و لا يخفى ما في تشبيه المرأة بالريحانة من كمال اللطف و الظرافة، حيث إنها للطافتها و ظرافتها تتأثر

من التماسّ مع أيّ شي ء كان. فكمالها و بهاؤها بأن تبقى في منبتها فيلتذّ بصفائها و منظرها، و إلا ضاعت.

و القهرمان من يحكم في الأمور و يتصرف فيها.

و كيف كان فيمكن الاستشهاد للمقام بموارد من الرواية. اذ لو لم تصلح المرأة للمشاورة لضعف رأيها فعدم صلاحها لتفويض الولاية أو القضاء المحتاج فيهما الى الفكر و الرأي الصائب القوي بطريق أولى. و الأمر بحجابها و المنع من خروجها و معرفتها غيرها و كذا إدخال غيرها عليها في بيتها دليل على عدم جواز تصديها لما يستلزم الظهور في أندية الرجال و المخالطة و المحاجّة معهم. و تفويض الولاية اليها تمليك لها لما جاوز نفسها إلّا أن يقال إن المنهي عنه تمليكها ما يكون من أمرها، أي خصوص ما يكون بينها و بين زوجها. فلا يشمل الأمور العامة، فتدبر.

و لا يخفى أهمية ما أوصى «ع» به أخيرا من أن لا تطمع في الشفاعة للغير. فمن

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 938؛ عبده 3/ 63؛ لح/ 405، الكتاب 31.

(2)- الوسائل 14/ 120، الباب 87 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1 و 2 و 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 357

المصائب تدخّل نساء الرجال و الشخصيات السياسية و الاجتماعية في شئونهم، و رجوع أرباب الحوائج إليهن للشفاعة مع الإصرار. و قد وقع كثيرا نقض القوانين و الضوابط من هذا الطريق.

و في شرح ابن أبي الحديد:

إن الخيزران، أمّ موسى الهادي، كانت تتكلم معه كثيرا في حوائج المراجعين، فكانت المواكب تغدو إلى بابها. و آل الأمر بالآخرة إلى أن قال لأمّه: «لئن بلغني أنه وقف أحد من قوّادي و خاصّتي و خدمي و كتّابي على بابك لأضربن عنقه

و لأقبضنّ ماله.» «1»

فبذلك فلتعتبر الشخصيات البارزة و مصادر الأمور، و لا يطمعوا نساءهم في التدخّل في السياسات و الشفاعة لأهل التوقعات.

السابعة: ما في البحار عن كنز الكراجكي، عن أمير المؤمنين «ع»:

«إياك و مشاورة النساء، إلا من جرّبت بكمال عقل. فإن رأيهن يجرّ إلى الأفن و عزمهن إلى وهن ... و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. و لا تملك المرأة من أمرها ما يجاوز نفسها. فإن ذلك أنعم لبالها و بالك.

و إنما المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة. الحديث.» «2»

الثامنة: ما في نهج البلاغة من وصية له «ع» لعسكره:

«و لا تهيجوا النساء بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم. فإنهن ضعيفات القوى و الأنفس و العقول. إن كنّا لنؤمر بالكف عنهن و إنهن لمشركات. و إن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعيّر بها و عقبه من بعده.» «3»

قالوا: الفهر: الحجر على مقدار ما يكسر به الجوز. و الهراوة بالكسر: العصا أو شبه الدبوس من الخشب. و تناولها بالفهر أو الهراوة كناية عن ضربها بهما.

هذا.

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/ 125.

(2)- بحار الأنوار 100/ 253 (طبعة إيران 103/ 253)، باب أحوال الرجال و النساء، الحديث 56.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 859؛ عبده 3/ 16؛ لح/ 373، الكتاب 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 358

و في فروع الكافي في حديث عن مالك بن أعين: «و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم. فإنهن ضعاف القوى و الأنفس و العقول. و قد كنّا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات. و إن كان الرجل ليتناول المرأة فيعير بها و عقبه من بعده.» «1»

التاسعة: ما في نهج البلاغة أيضا بعد حرب الجمل:

«معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. فأمّا نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة و الصيام في أيام حيضهن. و أما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد. و أما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء و كونوا من خيارهن على حذر. و لا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر.» «2»

أقول: قد مرّ بالتفصيل تفاوت الرجل و المرأة في طباعهما، و أنها إنسانة يغلب عليها الظرافة و الإحساس و العواطف، و على الرجل الغلظة و العقل و التفكير. و

نظام الوجود يحتاج الى كليهما. فمثلهما كمثل أعضاء الإنسان الواحد، حيث إن لكل منها وظيفتها في الحياة، و ليس عدم قدرة إحداها على القيام بوظائف الأخرى نقصا لها.

فالعين ألطف من الرجل، و الرجل أخشن. و ليست اللطافة نقصا للعين، و لا الخشونة للرجل. و هذه هي الحكمة لعدم مشاورتهن و إطاعتهن أيضا. فانهن لغليان الإحساس و سرعته فيهن لا يعتمد على رأيهن. و لو أحسن بالاعتماد عليهن و ترتيب الأثر على رأيهن غلب الطمع عليهن و تسلطن على الرجل و عقله، فبطل التدبير و الفكر في عواقب الأمور و انهدم أساس الأسرة و البيئة.

و في شرح عبده في ذيل الحديث:

«لا يريد أن يترك المعروف لمجرد أمرهن به، فإن في ترك المعروف مخالفة السنة الصالحة، خصوصا إن كان المعروف من الواجبات، بل يريد أن لا يكون فعل المعروف صادرا عن مجرد طاعتهن. فإذا فعلت معروفا فافعله لأنه معروف و لا تفعله

______________________________

(1)- الكافي 5/ 39، كتاب الجهاد، باب ما كان يوصي أمير المؤمنين «ع» به عند القتال، الحديث 4.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 179؛ عبده 1/ 125؛ لح/ 105، الخطبة 80.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 359

امتثالا لأمر المرأة. و لقد قال الإمام قولا صدّقته التجارب في الأحقاب المتطاولة، و لا استثناء مما قال إلا بعضا منهن وهبن فطرة تفوق في سموّها ما استوت به الفطن أو تقاربت أو أخذت بسلطان من التربية طباعهن على خلاف ما غرز فيها، و حوّلتها الى غير ما وجّهتها الجبلّة إليه.» «1»

أقول: و نعم ما قال.

العاشرة: ما في سنن ابن ماجة عن رسول اللّه «ص» في خطاب له «ص» لامرأة:

«ما رأيت من ناقصات عمل و دين أغلب لذي لبّ منكن. قالت. يا رسول اللّه و ما نقصان العقل و

الدين؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا من نقصان العقل. و تمكث الليالي ما تصلي و تفطر في رمضان، فهذا من نقصان الدين.» «2»

الحادية عشرة: ما في نهج البلاغة أيضا:

«و أما فلانة فأدركها رأي النساء، و ضغن غلا في صدورها ...» «3»

الثانية عشرة و الثالثة عشرة:

ما في فروع الكافي بسند مرسل عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «قال أمير المؤمنين «ع»: «في خلاف النساء البركة.»

و بهذا الإسناد قال: «قال أمير المؤمنين «ع»: «كل امرئ تدبّره امرأة فهو ملعون.» «4»

و رواهما في الوسائل عنه باشتباه في نقل السند، فراجع «5». و رواهما في الفقيه أيضا في نوادر النكاح، فراجع «6».

الرابعة عشرة: ما في الكافي عن عدة من أصحابنا،

عن احمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «ذكر رسول اللّه «ص» النساء

______________________________

(1)- نهج البلاغة، عبده 1/ 126.

(2)- سنن ابن ماجة 2/ 1326، كتاب الفتن، الباب 19 (باب فتنة النساء)، الحديث 4003.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 487؛ عبده 2/ 63؛ لح/ 218، الخطبة 156.

(4)- الكافي 5/ 518، كتاب النكاح، باب في ترك طاعة النساء، الحديث 9 و 10.

(5)- الوسائل 14/ 131، الباب 96 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3 و 4.

(6)- الفقيه 3/ 468، باب نوادر النكاح، الحديث 4623، و 4622.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 360

فقال: «اعصوهن في المعروف قبل أن يأمرنكم بالمنكر، و تعوّذوا باللّه من شرارهن و كونوا من خيارهن على حذر.» «1»

و السند في غاية الصحة. الى غير ذلك من الأخبار المذكورة في هذا الباب بهذا المضمون، فراجع.

الخامسة عشرة: ما في اختصاص المفيد عن ابن عباس في مسائل عبد اللّه بن سلام للنبي «ص»: «فأخبرني عن آدم؛ خلق من حواء، أو حواء خلقت من آدم؟

قال: «بل خلقت حواء من آدم. و لو أن آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء و لم يكن بيد الرجال. قال: من كله أو من بعضه؟ قال: بل من بعضه. و لو خلقت حواء من

كله لجاز القضاء في النساء كما يجوز في الرجال.» «2»

السادسة عشرة: ما في مستدرك الوسائل عن كتاب تحفة الإخوان،

عن أبي بصير، عن الصادق «ع»: «قال ابن عباس: فنوديت يا حواء ... الآن اخرجي أبدا.

فقد جعلتك ناقصة العقل و الدين و الميراث و الشهادة ... و لم أجعل منكن حاكما، و لا أبعث منكن نبيا.» «3»

السابعة عشرة: ما في كنز العمال:

«لا تكون المرأة حكما تقضي بين العامّة.»

(الديلمي، عن عائشة) «4»

إلى غير ذلك من الأخبار المتفرقة في الأبواب المختلفة، المقطوع بصدور بعضها إجمالا. مضافا إلى صحة سند البعض. و دلالتها- بعد ضم بعضها الى بعض- على عدم تناسب الولاية بشعبها و منها القضاء مع طباع المرأة و تكليفها في التستر و التحجب. مما لا تخفى. فالظاهر وضوح المسألة. و التشكيك فيها بلا وجه.

هذا، مضافا الى ان مجرد الشك كاف في المقام. إذ الأصل كما عرفت عدم

______________________________

(1)- الكافي 5/ 516، كتاب النكاح، باب في ترك طاعة النساء، الحديث 2.

(2)- الاختصاص/ 50.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 557، الباب 94 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.

(4)- كنز العمال 6/ 79، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14921.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 361

ثبوت الولاية لأحد على أحد. و ليس لنا عموم أو إطلاق يدّعى شموله للمرأة.

و قد يستدل أيضا: بخبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه «ع»:

«إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور. و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم. فإنّي قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه.» «1»

قلت: الظاهر انه ليس محطّ النظر في الحديث بيان شرائط القاضي، بل الردع عن الرجوع الى قضاة الجور. و لعل ذكر الرجل كان من باب التغليب. فالاستدلال بمفهوم الرجل في المقام كأنّه تمسك بمفهوم اللقب، و لا حجية فيه قطعا. و بعبارة أخرى: إن كان لنا عموم أو إطلاق في باب جعل الولاية أو القضاء فالتخصيص أو التقييد بهذا الحديث مشكل. نعم، لو لم يكن هنا عموم و لا إطلاق فالأصل يقتضي عدم الثبوت، كما مرّ. فيكون المرجع هو الأصل، لا هذا الحديث.

و قد يستدل للمسألة أيضا: بعدم جواز إمامة المرأة للرجال بل للنساء أيضا

عند بعض في الصلاة، فلا تنعقد لها الإمامة الكبرى و لا القضاء أيضا بطريق أولى.

أقول: عدم جواز إمامتها للرجال مقطوع به ظاهرا و ان لم أجد به رواية معتبرة.

نعم، في المستدرك عن الدعائم، عن جعفر بن محمد «ع»: «لا تؤم المرأة الرجال، و تصلي بالنساء.» «2» و كيف كان فالظاهر صحة الأولوية المدّعاة. نعم، لا يثبت هذا عدم جواز كونها قاضية للنساء، اذ الظاهر جواز إمامتها لهن، فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(2)- مستدرك الوسائل 1/ 491، الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 363

الفصل الحادي عشر في اعتبار طهارة المولد

اشارة

الثامن من شروط الوالي و كذا القاضي: طهارة المولد.

و لم أعثر على كلام من علماء السنة لبيان اعتبار هذا الشرط، لا في الوالي و لا في القاضي. و تعرّض له أصحابنا في شروط القاضي، و كذا في المفتي الذي يراد تقليده.

و ربما ادعوا عليه الاجماع. [و سيرة العقلاء]

قال في القضاء من الشرائع:

«و لا ينعقد القضاء لولد الزنا مع تحقق حاله، كما لا تصح إمامته و لا شهادته في الأشياء الجليلة.» «1»

و في الجواهر:

«كما هو واضح بناء على كفره. أما على غيره فالعمدة الإجماع المحكى و فحوى ما دلّ على المنع من إمامته و شهادته ان كان و قلنا به مؤيدا بنفر طباع الناس منه.» «2»

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 67.

(2)- الجواهر 40/ 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 364

أقول: قد مرّ في مسألة اعتبار الذكورة أن الإجماع إنما يفيد في المسائل الأصلية المأثورة المذكورة في الكتب المعدة لنقل هذا السنخ من المسائل، و ليست المسألة كذلك لعدم ذكرها في مثل كتب الصدوقين و المقنعة و النهاية و نحوها. نعم التمسك بالفحوى صحيح.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 364

و كيف كان فالقائل بعدم الاشتراط يمكن أن يتمسك بالعمومات و الإطلاقات الأولية على فرض ثبوتها، و بسيرة العقلاء، إذ الملاك عندهم هو القوة و حسن الولاية فقط، و بإمارة زياد من قبل أمير المؤمنين «ع» في فارس مع ما ورد من إلحاق معاوية إياه بأبي سفيان.

و يمكن أن يجاب عن الأول بالتخصيص بما يأتي على فرض ثبوته. و عن الثاني بعدم ثبوت استمرارها

إلى عصر المعصومين «ع» مضافا الى ردعها بما سنذكره من الأخبار. و عن الثالث أولا بعدم كونه واليا من قبل أمير المؤمنين «ع» بل من قبل و اليه. و ثانيا بأنه ولد في فراش عبيد، و الولد للفراش. فإلحاقه بأبي سفيان كان على خلاف الموازين الشرعية و كتب أمير المؤمنين «ع» إلى زياد في ذلك: «و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر بن الخطاب فلتة من حديث النفس و نزغة من نزغات الشيطان لا يثبت بها نسب و لا يستحق بها إرث.» «1» هذا.

و يدل على الاشتراط في الوالي و القاضي و المفتي مضافا إلى الأصل أمور:
الأول: فحوى ما دل على اشتراطه في الشاهد:

ففي الخلاف: (المسألة 57 من الشهادات):

«شهادة ولد الزنا لا تقبل و ان كان عدلا ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

و روي عنه «ص» أنه قال: «ولد الزنا شرّ الثلاثة.» «2»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 963؛ عبده 3/ 77؛ لح/ 416، الكتاب 44.

(2)- الخلاف 3/ 345.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 365

و عن الكافي بسنده عن أبي بصير «قال: سألت أبا جعفر «ع» عن ولد الزنا أ تجوز شهادته؟ فقال: لا. فقلت: إن الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز. الحديث.»

و بسند صحيح عن محمد بن مسلم، قال: «قال أبو عبد اللّه: «لا تجوز شهادة ولد الزنا.» إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع. «1»

الثاني: فحوى ما دل على اشتراطه في إمام الجماعة،

كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «خمسة لا يؤمون الناس على كل حال، و عدّ منهم المجنون و ولد الزنا.»

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع» قال: «قال أمير المؤمنين «ع»: «لا يصلين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا.» إلى غير ذلك من الروايات «2».

الثالث: الأخبار الظاهرة في نجاسته و قذارته،

فلا يصلح لإمامة المسلمين و لا يناسبها. كخبر الوشاء، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع» «أنه كره سؤر ولد الزنا، و سؤر اليهودي، و النصراني، و المشرك، و كل من خالف الإسلام ...» «3»

و خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام، فان فيها غسالة ولد الزنا، و هو لا يطهر إلى سبعة آباء، و فيها غسالة الناصب، و هو شرّهما ...» «4»

الى غير ذلك، و إن كان الأقوى عدم النجاسة الظاهرية، و يراد منها القذارة المعنوية و الخباثة الذاتية، كما يشهد بذلك قوله: «لا يطهر إلى سبعة آباء.» إذ النجاسة الظاهرية على القول بها لا تسري إلى نسله بلا إشكال. و ليس المقام مقام البحث في هذه المسألة، و أنه على القول بنجاسته هل هي لكفره أو إنها ثابتة و إن اخترنا إسلامه أو كونه بين الكافر و المسلم، فراجع مظانّها.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 275، الباب 31 من أبواب الشهادات، الحديث 1 و 3 و ....

(2)- الوسائل 5/ 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و ...

(3)- الوسائل 1/ 165، الباب 3 من أبواب الأسآر، الحديث 2.

(4)- الوسائل 1/ 159، الباب 11 من أبواب ماء المضاف، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 366

الرابع: ما دل على كون ديته كدية الذميّ،

كخبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن جعفر «ع» قال: قال: «دية ولد الزنا دية الذمّى: ثمانمائة درهم.» إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع. «1»

الخامس: ما دل على كونه أسوأ من الكافر،

كصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»: «لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية أحبّ إليّ من ولد الزنا.» «2»

السادس: ما دل على كونه أسوأ حالا من الكلب و الخنزير،

كخبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إن نوحا حمل في السفينة الكلب و الخنزير، و لم يحمل فيها ولد الزنا.

و إن الناصب شرّ من ولد الزنا.» «3»

السابع: ما دل على عدم الخير فيه،

كخبر زرارة، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «لا خير في ولد الزنا، و لا في بشره، و لا في شعره، و لا في لحمه، و لا في دمه، و لا في شي ء منه.»

يعني ولد الزنا «4».

الثامن: ما ورد في أنه لا يدخل الجنة،

كخبر سعد بن عمر الجلاب، قال: قال لي أبو عبد اللّه «ع»: «إن اللّه- عزّ و جلّ- خلق الجنة طاهرة مطهّرة، فلا يدخلها إلّا من طابت ولادته. و قال أبو عبد اللّه «ع»: «طوبى لمن كانت أمه عفيفة.» «5» إلى غير ذلك من الأخبار.

و في خبر أبي بكر، قال: كنا عنده، يعني الصادق «ع»، و معنا عبد اللّه بن

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 164، الباب 15 من أبواب ديات النفس، الحديث 3 و ....

(2)- الوسائل 15/ 184، الباب 75 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.

(3)- بحار الأنوار 5/ 287، باب علة عذاب الاستيصال و حال ولد الزنا، الحديث 13.

(4)- بحار الأنوار 5/ 285، باب علة عذاب الاستيصال و حال ولد الزنا، الحديث 6.

(5)- بحار الأنوار 5/ 285، باب علة عذاب الاستيصال و حال ولد الزنا، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 367

عجلان، فقال عبد اللّه بن عجلان: معنا رجل يعرف ما نعرف و يقال إنه ولد زنا، فقال: «ما تقول؟ فقلت: إنّ ذلك ليقال له، فقال: «إن كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر يردّ عنه وهج جهنم و يؤتى برزقه.» «1»

و الوهج كفرس: اتقاد النار. و في البحار:

«من صدر، أي يبنى له ذلك في صدر جهنم و أعلاه. و الظاهر أنه مصحّف «صبر» بالتحريك، و هو الجمد.»

أقول: و لا نريد الحكم بصحة جميع هذه الأخبار و وضوح

دلالتها و لا سيما ما كان منها مخالفا لحكم العقل و العدل، بل نقول: إنه يستفاد من جميع ذلك خسّة ولد الزنا جدا و إن كان مسلما عدلا، فلا يناسب منصب الولاية و القضاء و المرجعية.

و أما التحقيق في مفاد هذه الأخبار فله محل آخر.

قال في البحار:

«فهذه المسألة مما قد تحير فيها العقول، و ارتاب به الفحول. و الكف عن الخوض فيها أسلم، و لا نرى فيها شيئا أحسن من أن يقال: اللّه أعلم.» «2»

و كيف كان فالظاهر وضوح المسألة بما ذكر، و لا سيما و ان صرف الشك كاف في المسألة لأن الأصل يقتضي عدم الولاية إلا فيما ثبت.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 5/ 287، باب علة عذاب الاستيصال و حال ولد الزنا، الحديث 12.

(2)- بحار الأنوار 5/ 288، آخر باب علة عذاب الاستيصال.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 369

الفصل الثاني عشر في ذكر أمور أخر اختلفوا في اعتبارها في الإمام

اشارة

قد ذكرنا إلى هنا ثمانية شروط للوالي: 1- العقل الوافي. 2- الإسلام و الإيمان.

3- العدالة. 4- الفقاهة. 5- القوة و حسن الولاية. 6- أن لا يكون من أهل البخل و الحرص و الطمع. 7- الذكورة. 8- طهارة المولد.

بقي هنا أمور أخر وقع البحث في اعتبارها، و هي ستّة: 1- البلوغ. 2- سلامة الأعضاء و الحواسّ. 3- الحرية. 4- القرشية. 5- العصمة. 6- كونه منصوصا عليه.

فنذكر هذه الستة في هذا الفصل:

الأول: البلوغ.

و قد تعرض لاعتباره في الوالي و كذا القاضي علماء السنة، و تعرض فقهاؤنا أيضا لاعتباره في القاضي. و قد مرّ بعض كلمات السنة في الفصل الأول، فراجع.

و في قضاء الشرائع:

«و يشترط فيه البلوغ، و كمال العقل، و الإيمان، و العدالة، و طهارة المولد، و العلم،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 370

و الذكورة، فلا ينعقد القضاء لصبي و لو مراهق.» «1»

و قال في الجواهر:

«و لا مجنون و لو أدوارا حال جنونه، لسلب أفعالهما و أقوالهما و كونهما مولّى عليهما، فلا يصلحان لهذا المنصب العظيم. و منصب الإمامة ليحيى «ع» و للصاحب- روحي له الفداء- إنما كان لنوع من القضاء الإلهي، نحو عيسى بن مريم «ع» «2»

أقول: السرّ في عدم ذكرنا للبلوغ في عداد الشرائط أن موضوع البحث في بعض الكتب عنوان الإمامة، و نحن لا نقول باشتراط البلوغ في الإمام، كما لا نقول به في النبي، لما أشار اليه في الجواهر من نبوة عيسى و يحيى و إمامة الجواد و صاحب الأمر «ع» و إيتائهم الحكم صبيا.

اللهم إلا أن يقال: النبي و الإمام المعصوم خارجان عن موضوع البحث الفقهي، اذ البحث هنا في ولاية الفقيه العادل في عصر الغيبة، فالصبي

لعدم استقلاله و كونه مرفوعا عنه القلم و العبارة مولّى عليه بحكم الشرع، فلا يصلح للإمامة و لا للقضاء و ان حصلت فيه سائر الشروط. مضافا إلى أن الأصل أيضا يقتضي العدم. فالأولى ذكره شرطا كما ذكروه في القضاء، فتدبر. و قد مرّ في عبارة نهج البلاغة: «فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء، و إمارة الصبيان، و تدبير الخصيان.» «3»

الثاني: سلامة الأعضاء و الحواس.

و قد مرّ بعض الكلمات في الفصل الأول.

ففي الماوردي في عداد شرائط الإمام:

«الثالث: سلامة الحواس من السمع و البصر و اللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها. و الرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة و سرعة

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 67.

(2)- الجواهر 40/ 12.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1132؛ عبده 3/ 173، لح/ 486، الحكمة 102.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 371

النهوض.» «1»

و في منهاج السنة للنووي:

«ذا رأي و سمع و بصر و نطق.» «2»

و في مقدمة ابن خلدون:

«و سلامة الحواس و الاعضاء، مما يؤثر في الرأي و العمل.» «3»

و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«سليم السمع و البصر و النطق، ليتأتى منه فصل الأمور و مباشرة أحوال الرعية.» «4»

و في قضاء الشرائع:

«و في انعقاد قضاء الأعمى تردّد، أظهره انه لا ينعقد لافتقاره الى التمييز بين الخصوم» «5».

أقول: الظاهر عدم وجود دليل بالخصوص على اعتبار سلامة الأعضاء و الحواسّ. نعم، قد مرّ أن القوة و حسن الولاية من الشروط المعتبرة، فإن أوجب فقد بعض الأعضاء أو الحواس أو ضعفه عدم القوة على العمل أو التشويه في الخلقة، بحيث يوجب النفرة منه، اعتبرت السلامة لذلك و إلا فلا دليل عليه.

و قد أشرنا إلى ذلك في تلك المسالة، فراجع.

و قد وردت روايات

كثيرة في صحة إمامة الأعمى في الجماعة، فراجع «6».

فلا استبعاد في تصديه للإمامة.

و في سنن أبي داود بسنده عن أنس «أن النبي «ص» استخلف ابن أم مكتوم على

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 6.

(2)- المنهاج/ 518، كتاب البغاة.

(3)- مقدمة ابن خلدون/ 135، الفصل 26 من الفصل 3 من الكتاب الأوّل.

(4)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 417، مبحث شروط الإمامة.

(5)- الشرائع 4/ 68.

(6)- الوسائل 5/ 409- 410، الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 372

المدينة مرّتين.» «1»

الثالث: الحرية.

و قد ذكرها الأكثر شرطا في البابين، فذكرها أبو يعلى و النووي شرطا في الإمام، و كذلك في الفقه على المذاهب الأربعة، مدعيا الاتفاق.

و في قضاء المبسوط في شرائط القاضي:

«أن يكون بالغا عاقلا حرّا ذكرا.» «2»

و لكن في قضاء الشرائع:

«و هل يشترط الحريّة؟ قال في المبسوط: نعم. و الاقرب انه ليس شرطا.» «3»

و في المسالك:

«اشتراط الحرية في القاضي مذهب الأكثر و منهم الشيخ و اتباعه، لأن القضاء ولاية و العبد ليس محلا لها، لاشتغاله عنها باستغراق وقته لحقوق المولى. و لأنه من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد.» «4»

و في قضاء بداية المجتهد:

«و أما اشتراط الحرية فلا خلاف فيه.» «5»

أقول: يمكن أن يستدل لاشتراط الحرية بقوله- تعالى-: «ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، وَ مَنْ رَزَقْنٰاهُ مِنّٰا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً، هَلْ يَسْتَوُونَ؟» «6»

و قد استدلوا بالآية على الحجر عليه في العقود و الإيقاعات أيضا. و الولاية و القضاء يستلزمان التصرف في الأمور، فلا يناسبان الحجر الشرعي. هذا.

و لكن يمكن أن يقال إن الظاهر من عدم القدرة في الآية عدم القدرة عرفا

______________________________

(1)- سنن

أبي داود 2/ 118 كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، الباب 3 (باب في الضرير يولى).

(2)- المبسوط 8/ 101.

(3)- الشرائع 4/ 68.

(4)- المسالك 2/ 351.

(5)- بداية المجتهد 2/ 449.

(6)- سورة النحل (16)، الآية 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 373

لا شرعا، حيث إنّ العبد لوقوعه تحت سلطة الغير خارجا ينعزل غالبا عن النشاطات إلا فيما أمر به المولى. و يشهد لذلك قسيمه، أعني قوله: «فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً.»

و كذا قوله في الآية التالية: «وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمٰا أَبْكَمُ لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ ...»

فلو فرض عبد شجاع قويّ الإرادة، بحيث لا تمنعه عبوديته عن تدبيره و نشاطه، و أذن له المولى أيضا في قبول المسؤولية فأي مانع عن ذلك، على فرض شمول عمومات الأدلة و إطلاقاتها له؟ و كون ارتفاع الحجر الشرعي دائرا مدار الإذن لا يضر بعد الاطمينان ببقاء الإذن، أو استيجاره من مولاه مدة ممتدة لذلك. مضافا إلى أن احتمال ارتفاع الإذن كاحتمال طروّ الموت، فلا يكون مانعا عن قبول الولاية.

و ليست العبودية نقصا شرعيا كي تمنع عن قبول الولاية، و لذا يصح إمامته للجماعة كما دلّت عليها أخبار كثيرة، فراجع «1».

و في صحيح مسلم عن يحيى بن حصين، قال سمعت جدّتي تحدّث أنها سمعت النبي «ص» يخطب في حجة الوداع و هو يقول: «و لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب اللّه فاسمعوا له و اطيعوا.» «2»

و في رواية أخرى: «إن أمّر عليكم عبد مجدّع- حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب اللّه فاسمعوا له و أطيعوا.» «3»

و الذي يسهّل الخطب أن موضوع البحث منتف في أعصارنا.

الرابع: القرشية.
اشارة

و قد شرطها في الإمامة أكثر من تعرض للمسألة من

علماء السنة، كالماوردي، و أبي يعلى، و النووي، و الفقه على المذاهب الأربعة و غيرهم، بل ادعى كثير منهم الاتفاق عليها. نعم، في مقدمة ابن خلدون:

______________________________

(1)- الوسائل 5/ 400، الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1468، كتاب الإمارة، الباب 8 (باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية)، الحديث 1838.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1468، كتاب الإمارة، الباب 8 (باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 374

«و اختلف في شرط خامس، و هو النسب القرشي.» «1»

و أما نحن الإمامية القائلون بإمامة الأئمة الاثنى عشر بالنصّ فكونهم- عليهم السلام- من قريش من ولدها شم واضح. و لكن اشتراط القرشية في الحكام في عصر الغيبة مما لا دليل عليه عندنا، بل لعله مقطوع العدم و لا سيما على القول بكون الفقهاء منصوبين من قبل الأئمة «ع» فانهم يصيرون نظير مالك الأشتر و غيره من المنصوبين من قبل أمير المؤمنين، و نظير العمال المنصوبين من قبل رسول اللّه «ص» في عصره. نعم، مع تعدد الواجد للشرائط و التساوي فيها يمكن تفضيل الهاشمي على غيره، كما قيل به في إمام الجماعة أيضا و إن لم نجد به دليلا.

و كيف كان فلنذكر بعض الأخبار المتعرضة لوصف القرشية في المقام

مع بيان المراد منها:

1- ما في البحار عن العيون، عن الرضا «ع» عن آبائه «ع» قال: «قال النبي «ص»: «الأئمة من قريش.» «2»

2- ما في نهج البلاغة: «إن الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم و لا تصلح الولاة من غيرهم.» «3»

أقول: قوله: «في هذا البطن»، لعله إشارة إلى نفسه. و الظاهر أن الحصر إضافي بالنسبة الى المدعين في قباله و قبال ولده المنصوصين.

فليس ناظرا إلى الولاة في عصر الغيبة. هذا.

______________________________

(1)- مقدمة ابن خلدون/ 135، الفصل 26 من الفصل 3 من الكتاب الأوّل.

(2)- بحار الأنوار 25/ 104، كتاب الإمامة، باب أن الأئمة من قريش ...، الحديث 1، عن عيون أخبار الرضا 2/ 63، الباب 31، الحديث 272.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 437؛ عبده 2/ 37؛ لح/ 201، الخطبة 144.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 375

و ابن أبي الحديد المعتزلي لما رأى عدم موافقة كلامه- عليه السلام- هنا لما يعتقده قال:

«إنّ المراد به كمال الإمامة، كما حمل قوله «ص»: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، على نفي الكمال، لا نفي الصحة.» «1»

و فيه انه خلاف الظاهر جدّا، و لا سيما بملاحظة التعبير بقوله «لا تصلح».

3- ما في رواية عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا «ع» في أوصاف الإمام: «و هو نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش و الذروة من هاشم و العترة من آل الرسول.» «2»

4- ما في رواية طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين: «فهو في الذروة من قريش و الشرف من هاشم.» «3»

و أما الأخبار من طرق السنة فكثيرة و قد كانت مستمسكا في السقيفة للاحتجاج على الأنصار و تخطئتهم حين قالوا «منا أمير و منكم أمير.» منها:

5- ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: قال رسول اللّه «ص»: «الناس تبع لقريش في هذا الشأن؛ مسلمهم تبع لمسلمهم، و كافرهم تبع لكافرهم.» «4» و نحوه غيره. و في حاشية الكتاب قال:

«جملة الحديث و إن كانت خبرية لكنها بمعنى الأمر، أي ايتمّوا بقريش و كونوا تبعا لهم.»

أقول: لا يخفى بطلان هذا

الكلام. إذ لا معنى لأمره «ص» كفار الناس بمتابعة

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9/ 88.

(2)- بحار الأنوار 25/ 126، باب جامع في صفات الإمام و ...، الحديث 4.

(3)- بحار الأنوار 25/ 172، باب جامع في صفات الإمام و ...، الحديث 38.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1451، كتاب الإمارة، الباب 1 (باب الناس تبع لقريش ...)، الحديث 1818. و الحاشية من طبعة أخرى 6/ 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 376

كفّار قريش، فبقرينة الجملة الثانية يعلم كون كل منهما جملة خبرية. و ليس الخبر عاما لجميع الأعصار و الأمصار، و إلا لكان كذبه واضحا، فالمراد الإخبار عن زمانه و بيئته، نظير ما يقول أحدنا: الناس كذا و كذا، و يريد الإخبار عن الناس في عصره و بيئته.

و يشهد لذلك ما رواه عبد الرزاق في المصنف عن الزهري، قال: قال رسول اللّه: «الأنصار أعفّة صبر. و الناس تبع لقريش؛ مؤمنهم تبع لمؤمنهم، و فاجرهم تبع لفاجرهم.» «1» فبقرينة المقابلة للأنصار يعرف أن المراد أن قريشا لقوتهم في الجسم و الروح، أو لشخصيتهم و اعتبارهم بين الناس و كون سدانة الكعبة لهم يتقدمون قهرا و يصير الأنصار تبعا لهم. و كيف كان فلا يستفاد من هذا الحديث حكم شرعي.

و نظيره ما رواه جابر بن عبد اللّه، عن النبي «ص»: «الناس تبع لقريش في الخير و الشرّ.» «2» لوضوح أنه «ص» لا يأمر بالمتابعة في الشرّ، فليس الكلام إنشاء.

6- و في صحيح البخاري عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي «ص» يقول: «يكون اثنا عشر أميرا.» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: «كلهم من قريش.» «3»

و في الترمذي عن جابر

بن سمرة، قال: قال رسول اللّه: «يكون من بعدي اثنا عشر أميرا.» قال: ثم تكلّم بشي ء لم افهمه، فسألت الذي يليني، فقال: قال: «كلهم من قريش.» «4»

______________________________

(1)- المصنف 11/ 55، باب فضائل قريش، الحديث 19894.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1451، كتاب الإمارة الباب 1 (باب الناس تبع لقريش ...)، الحديث 1819.

(3)- صحيح البخاري 4/ 248، كتاب الأحكام.

(4)- سنن الترمذي 3/ 340، الباب 40 من كتاب الفتن، الحديث 2323.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 377

و في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة، قال دخلت مع أبي على النبي «ص» فسمعته يقول: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة.» قال: ثمّ تكلّم بكلام خفي عليّ، قال فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش.»

و في بعض رواياته: «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا.»

و في بعضها: «لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة.»

و في بعضها: «لا يزال هذا الأمر عزيزا الى اثني عشر خليفة.»

و في بعضها: «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا الى اثني عشر خليفة.»

و في بعضها: «لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة.»

و في ذيل الجميع قوله: «كلهم من قريش» «1»

أقول: الراوي في جميع هذه الروايات هو جابر بن سمرة بن جندب، و كان مع أبيه و لم يسمع الجملة الأخيرة بنفسه حتى رواها له أبوه. و ربما نطمئن بعدم تعدّد الواقعة. فهي واقعة واحدة و انما اختلف النقل باختلاف الرواة عن جابر. و النقل بالمعنى كان شائعا بين الرواة.

و بالجملة على فرض صحة الخبر لا يعرف عين الجملة الصادرة عن

النبي «ص» فالمعتبر هو القدر المشترك منها.

و اختلف الشرّاح في المراد من الرواية. فقيل: المراد بالاثني عشر خليفة:

مستحقوا الخلافة من أئمة العدل. و قيل الخلفاء الذين اجتمعت عليهم الأمة كلّها. و قيل غير ذلك. و الظاهر هو الأول. و ينطبق هذا الخبر على ما نذهب إليه من امامة الأئمة الاثني عشر، المنصوص عليهم من قريش و من بطن هاشم.

و لعل المقصود تكليف الناس بقبول إمامة الاثنى عشر و التسليم لهم، فتأمل.

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1452 و 1453، كتاب الإمارة، الباب 1 (باب الناس تبع لقريش ...)، الحديث 1821 و 1822.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 378

و كيف كان فلا دلالة في الحديث على اعتبار القرشية في الفقيه العادل المنتخب في عصر الغيبة، اذ الجملة ترتبط بالاثني عشر، فلا تدل على اعتبار القرشية في غيرهم.

7- و ما في غيبة النعماني عن البزاز بسنده، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لن يزال هذا الأمر قائما إلى اثني عشر قيما من قريش.» و روي أيضا عنه «ص» نحو ذلك بعبارة أخرى «1».

8- و ما في الغيبة أيضا عن عمر بن شيبة (عثمان بن ابى شيبة خ. ل) بسنده، عن أبي جحيفة، قال: كنت عند رسول اللّه «ص» و هو يخطب و عمي جالس بين يدى رسول اللّه «ص»: «لا يزال أمرنا صالحا حتى يصير اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.» «2»

و وزان هذين الخبرين أيضا وزان ما سبق.

9- و ما في مسلم عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.» «3»

و رواه البخاري أيضا عن ابن عمر، إلا أنه

قال: «ما بقي منهم اثنان.» «4» و الظاهر أن نقل مسلم أصح كما لا يخفى. و ظاهر الجملة الخبر، لا الإنشاء.

و على فرض صحة الخبر فهو ينطبق على ما نعتقده من بقاء الإمام الثاني عشر حيّا.

و في أصول الكافي عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول: «لو لم يكن في الأرض إلا اثنان لكان الإمام أحدهما.» «5» بناء على كون المراد

______________________________

(1)- الغيبة للنعماني/ 75 (طبعة أخرى/ 119)، الباب 6 (باب ما روي في الأئمة الاثنى عشر من طرق العامة).

(2)- الغيبة للنعماني/ 78 (طبعة أخرى/ 125)، الباب 6.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1452، كتاب الإمارة، الباب 1 (باب الناس تبع لقريش ...)، الحديث 1820.

(4)- صحيح البخاري 2/ 265، باب مناقب قريش.

(5)- الكافي 1/ 180، كتاب الحجة، باب أنه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان لكان أحدهما الحجة، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 379

بالإمام فيه إمام الأصل المعصوم.

و لعل قوله «ع» في حديث الثقلين: «لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض»، أيضا دليل على بقاء العترة ملازمة للكتاب الى يوم اللقاء. فيكون الحديث من أدلة حياة المهدي «ع» و بقائه، فتدبر.

10- و ما في الترمذي: كان ناس من ربيعة عند عمرو بن العاص، فقال رجل من بكر بن وائل: لتنتهين قريش، أو ليجعلن اللّه هذا الأمر في جمهور من العرب غيرهم، فقال عمرو بن العاص: كذبت، سمعت رسول اللّه «ص» يقول:

«قريش ولاة الناس في الخير و الشر الى يوم القيامة.» «1»

و فيه أولا أن الراوي لا يعتمد عليه. و ثانيا ما عرفت من أن ذكر الشر دليل على عدم كون الجملة بمعنى الأمر، فيكون خبرا

و لا محالة يجب تأويله بنحو و إلّا يكون كذبه واضحا. و ثالثا أن خبرا آخر رواه قرينه: معاوية يكذب إطلاق هذا الخبر.

ففي البخاري عن محمد بن جبير بن مطعم أنه بلغ معاوية و هو عنده في وفد من قريش أن عبد اللّه بن عمرو بن العاص يحدّث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام فأثنى على اللّه بما هو أهله ثمّ قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب اللّه و لا تؤثر عن رسول اللّه «ص» فأولئك جهالكم. فإياكم و الأمانيّ التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إنّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبّه اللّه على وجهه ما أقاموا الدين.» «2» فقيّده بإقامتهم للدين.

و قد أطلنا البحث في المسألة من جهة اعتبار أكثر إخواننا السنة وصف القرشية في الولاة الى يوم القيامة.

______________________________

(1)- سنن الترمذي 3/ 342، الباب 42 من أبواب الفتن، الحديث 2328.

(2)- صحيح البخاري 2/ 265، باب مناقب قريش.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 380

و نحن نقول: إن الأئمة الاثني عشر من قريش و من بطن هاشم، و هم أمير المؤمنين و أولاده الأحد عشر «ع». و أما الحكّام في عصر الغيبة فهم نظير الحكام المنصوبين من قبل رسول اللّه و أمير المؤمنين لا يعتبر فيهم القرشية و لا العصمة. نعم، يشترط فيهم ما مرّ من الشروط. هذا.

و لكن في المصنف لعبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن سليمان بن أبي حثمة أن رسول اللّه «ص» قال: «لا تعلموا قريشا و تعلموا منها، و لا تتقدموا قريشا و لا تتأخروا عنها، فإن للقرشي قوة الرجلين

من غيرهم، يعني في الرأي.» «1»

فلو صحّ سند الحديث و تمّ أمكن القول بلزوم تقديم القرشي أو رجحانه على غيره على فرض تحقق سائر الصفات المعتبرة فيه. و يؤيد مضمون الحديث أن اليأس في نسائهم يتحقق بعد الستين. و الجسم و الرأي توأمان غالبا في القوة و الضعف. اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر الحديث هو الإرشاد المحض، و ليس بصدد بيان التكليف أو الوضع، فتأمّل.

الخامس: العصمة.
اشارة

فقد قال باعتبارها في الإمام أصحابنا الإمامية. و يستفاد ذلك من أخبار كثيرة.

[كلمات الأصحاب في اعتبار العصمة]

قال العلامة في كشف المراد- شرح تجريد الاعتقاد:

«ذهبت الإمامية و الإسماعيلية الى أن الإمام يجب أن يكون معصوما. و خالف فيه جميع الفرق. و الدليل على ذلك وجوه ...» «2»

و قال في التذكرة ما حاصله:

«يجب أن يكون الإمام معصوما عند الشيعة. لأن المقتضي لوجوب الإمامة و نصب الإمام جواز الخطأ على الأمة، فلا يجوز وقوع الخطأ منه و إلا لوجب أن يكون له إمام آخر، و يتسلسل. فلهذا وجب أن يكون معصوما. و لأنه أوجب علينا

______________________________

(1)- المصنف 11/ 54، باب فضائل قريش، الحديث 19893.

(2)- كشف المراد/ 286، المسألة 2 من المقصد 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 381

طاعته و امتثال أوامره، لقوله- تعالى-: «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.» فلو لم يكن معصوما لجاز أن يأمر بالخطإ؛ فإن وجب علينا اتباعه لزم الأمر بالضدين و هو محال.

و يجب أن يكون منصوصا عليه من اللّه أو من النبي «ص» أو ممن ثبتت إمامته بالنص منهما، لأن العصمة من الأمور الخفية التي لا يمكن الاطلاع عليها، فلو لم يكن منصوصا عليه لزم تكليف ما لا يطاق.» «1»

فاستدل على اعتبار العصمة في الإمام بوجهين، و جعل اعتبارها دليلا على كون الإمامة بالنص. اشعارا بردّ المخالفين القائلين بانعقادها بالبيعة و الانتخاب العمومي.

و قد كثر كلام الأصحاب في تفسير العصمة. و في رواية عن علي بن الحسين «ع»: «قيل له يا بن رسول اللّه، فما معنى المعصوم؟ فقال: «هو المعتصم بحبل اللّه. و حبل اللّه هو القرآن، لا يفترقان الى يوم القيامة.» «2»

و في رواية هشام بن الحكم،

عن أبي عبد اللّه: «المعصوم هو الممتنع باللّه من جميع محارم اللّه. و قد قال اللّه- تبارك و تعالى-: «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ.» «3»

أقول: البحث في عصمة النبي الأكرم «ص» و الأئمة الاثني عشر، أو الأنبياء و أوصيائهم بحث كلامي اعتقادي، و ليس المقام مقام التعرض له. و نحن الشيعة الإمامية نعتقد بذلك للإجماع و الأخبار الكثيرة: ففي بعضها: «عليّ «ع» و الأئمة من ولده معصومون.» و في بعضها: «كاتبا علي «ع» لم يكتبا عليه ذنبا.» و في بعضها «الإمام منا لا يكون إلا معصوما.» و في بعضها: «الأنبياء و أوصياؤهم لا ذنوب لهم لأنهم معصومون مطهرون.» إلى غير ذلك من المضامين. «4» و ليس بحثنا هنا في هذه الأمور.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 452- 453.

(2)- بحار الأنوار 25/ 194، كتاب الإمامة، باب عصمتهم و لزوم عصمة الإمام «ع»، الحديث 5.

(3)- بحار الأنوار 25/ 194، باب عصمتهم و لزوم عصمة الإمام «ع»، الحديث 6.

(4)- راجع بحار الأنوار 25/ 191- 211، باب عصمتهم و لزوم عصمة الإمام «ع».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 382

و إنما البحث في أنه هل تعتبر العصمة في والي المسلمين مطلقا أم لا؟ و لا يخفى أنه لو قيل بذلك فكأنّه صار نقضا و هدما لما أثبتناه الى هنا من ثبوت الولاية للفقيه العادل في عصر الغيبة.

و لا يصح الاستدلال لهذه المسألة المطلقة بتلك الأخبار المشار اليها، لاختصاصها بالأنبياء و أوصيائهم و الأئمة الاثنى عشر، بل بالأخبار التي يستفاد منها اعتبار العصمة في الإمام بنحو الاطلاق و أن الإمامة مقام شامخ إلهي تثبت بالنص لا بالاختيار و الانتخاب.

[الأخبار في اعتبار العصمة]

1- فمن هذه الأخبار الخبر الطويل

لعبد العزيز بن مسلم، رواه الكليني في أصول الكافي، و الصدوق في كتبه، و ذكر في تحف العقول، و غيبة النعماني، و الاحتجاج أيضا باختلاف في بعض الالفاظ و ذكره في البحار «1».

ففي الكافي: «أبو محمد القاسم بن العلاء- رفعه- عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا «ع» بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، و ذكروا كثرة الاختلاف فيها، فدخلت على سيدي «ع» فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسّم «ع» ثم قال: «يا عبد العزيز، جهل القوم و خدعوا عن آرائهم. ان اللّه- عزّ و جلّ- لم يقبض نبيه حتى أكمل له الدين ... و أقام لهم عليا «ع» علما و إماما. و ما ترك لهم شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بيّنه. فمن زعم أن اللّه- عزّ و جلّ- لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر به. هل يعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟! إن الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلا مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم ... فهي في ولد علي «ع» خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد «ص» فمن

______________________________

(1)- راجع الأمالي للصدوق/ 536- 540، المجلس 97، الحديث 1؛ و عيون أخبار الرضا 1/ 216- 222، الباب 20، الحديث 1؛ و كمال الدين/ 675- 681 (الجزء 2)، الباب 58، الحديث 31؛ و معاني الاخبار/ 96- 101، باب معنى الإمام المبين، الحديث 2؛ و تحف العقول/ 436- 442؛ و الغيبة للنعماني/ 145- 149 (طبعة أخرى/ 216- 224)، الباب

13 (باب ما روي في صفته ...)، الحديث 6؛ و الاحتجاج/ 238- 240 (الجزء 2) (طبعة أخرى 2/ 226- 230)؛ و بحار الأنوار 25/ 120- 128 كتاب الإمامة، باب جامع في صفات الإمام ...

الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 383

أين يختار هؤلاء الجهال؟ إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء. إن الإمامة خلافة اللّه و خلافة رسول اللّه «ص» و مقام أمير المؤمنين و ميراث الحسن و الحسين- عليهما السلام- إن الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين. إن الإمامة أسّ الإسلام النامي و فرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد، و توفير الفي ء و الصدقات، و إمضاء الحدود و الأحكام، و منع الثغور و الأطراف. الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرم حرام اللّه، و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه، و يدعو الى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة. الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم ... الإمام أمين اللّه في خلقه و حجته على عباده و خليفته في بلاده، و الداعي الى اللّه و الذّاب عن حرم اللّه. الإمام المطهّر من الذنوب و المبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم. نظام الدين و عزّ المسلمين و غيظ المنافقين و بوار الكافرين. الإمام واحد دهره؛ لا يدانيه أحد و لا يعادله عالم و لا يوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير. مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له و لا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره ... فأين الاختيار من

هذا و أين العقول عن هذا؟ و أين يوجد مثل هذا؟! أ تظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد «ص» كذبتهم و اللّه أنفسهم و منّتهم الأباطيل ...

رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسول اللّه و أهل بيته الى اختيارهم، و القرآن يناديهم: «وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ. مٰا كٰانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحٰانَ اللّٰهِ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يُشْرِكُونَ.» «1» و قال- عز و جل-: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.» «2» ... فكيف لهم باختيار الإمام؟ و الإمام عالم لا يجهل، و راع لا ينكل، معدن القدس و الطهارة و النسك و الزهادة و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول و نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب و لا يدانيه ذو حسب، فالبيت من قريش و الذروة من هاشم و العترة من الرسول و الرضا من اللّه- عزّ و جلّ-، شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف. نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر اللّه- عزّ و جلّ-، ناصح لعباد اللّه، حافظ لدين اللّه ... و إن العبد إذا اختاره اللّه- عز و جلّ- لأمور عباده شرح صدره لذلك، و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم إلهاما فلم يعي بعده بجواب و لا يحير فيه عن الصواب. فهو معصوم مؤيد موفّق مسدّد قد أمن من الخطايا و الزلل

______________________________

(1)- سورة القصص (28)، الآية 68.

(2)- سورة الأحزاب (33)، الآية 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 384

و العثار، يخصّه اللّه بذلك ليكون حجّته على عباده و شاهده

على خلقه. و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم. فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه؟ الحديث.» «1»

2- و في خبر سليمان بن مهران، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «عشر خصال من صفات الإمام: العصمة، و النصوص، و أن يكون أعلم الناس و أتقاهم للّه، و أعلمهم بكتاب اللّه، و أن يكون صاحب الوصية الظاهرة، و يكون له المعجز و الدليل ...» «2»

3- و في خبر العياشي، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد اللّه «ع»: «ان مما استحقت به الإمامة التطهير و الطهارة من الذنوب و المعاصي الموبقة التي توجب النار، ثم العلم المنوّر بجميع ما يحتاج اليه الأمّة من حلالها و حرامها، و العلم بكتابها ...» «3»

4- و عن تفسير النعماني، عن أمير المؤمنين «ع»: «و الإمام المستحق للإمامة له علامات. فمنها أن يعلم أنه معصوم من الذنوب كلها، صغيرها و كبيرها، لا يزلّ في الفتيا و لا يخطئ في الجواب، و لا يسهو، و لا ينسى، و لا يلهو بشي ء من أمر الدنيا.» «4»

5- و في خبر سليم بن قيس، قال سمعت أمير المؤمنين «ع» يقول: «إنما الطاعة للّه- عز و جل- و لرسوله و لولاة الأمر، و إنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية.» «5»

6- و في خبر العيون فيما كتب الرضا «ع» للمأمون: «لا يفرض اللّه- تعالى- طاعة من يعلم انه يضلّهم و يغويهم ...» «6»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 198، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، الحديث 1.

(2)- بحار الأنوار 25/ 140، كتاب الإمامة، باب جامع في صفات الإمام و ... الحديث

12.

(3)- بحار الأنوار 25/ 149، باب جامع في صفات الإمام و ... الحديث 24.

(4)- بحار الأنوار 25/ 164، باب جامع في صفات الإمام و ... ذيل الحديث 32.

(5)- بحار الأنوار 25/ 200، باب عصمتهم و لزوم عصمة الإمام «ع»، الحديث 11.

(6)- بحار الأنوار 25/ 199، باب عصمتهم و لزوم عصمة الإمام «ع»، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 385

7- و في خبر الخصال: «قوله- عزّ و جلّ-: لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ «1»، عنى به أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد صنما أو وثنا، أو أشرك باللّه طرفة عين و إن أسلم بعد ذلك. و الظلم وضع الشي ء في غير موضعه. و أعظم الظلم الشرك. قال اللّه- عزّ و جل-: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «2».

و كذلك لا تصلح الإمامة لمن قد ارتكب من المحارم شيئا، صغيرا كان أو كبيرا و إن تاب منه بعد ذلك. و كذلك لا يقيم الحد من في جنبه حدّ. فإذا لا يكون الإمام إلا معصوما. و لا تعلم عصمته إلا بنصّ اللّه- عزّ و جلّ- عليه على لسان نبيّه «ص» لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى كالسواد و البياض و ما أشبه ذلك. و هي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علّام الغيوب- عزّ و جل-.» «3»

أقول: الخبر الأخير وقع في ذيل خبر طويل رواه الصدوق في أبواب الخمسة من الخصال عن مفضل بن عمر، عن الصادق «ع» و الظاهر كون قطعة كبيرة من آخر الخبر من كلام الصدوق لا من الرواية، كما ذكر في حاشية الخصال أيضا. «4»

و ما ذكرناه هنا أيضا من هذه القطعة، فراجع.

و أما سائر الأخبار التي ذكرناها فمحصل الكلام

فيها أن لفظ الإمام كما مرّ سابقا بمشتقاته كأنه مأخوذ من كلمة الإمام بفتح الهمزة، فيراد به من يكون أمام الإنسان حقيقة أو اعتبارا، و يكون قدوة له في صلاته أو حجّه أو جميع أموره.

و لا محالة طبع القدوة يقتضي أن يكون معصوما من الخطأ و العصيان حتى يصح الأمر بإطاعته بنحو الإطلاق. و العصمة و سائر الفضائل النفسية مما لا يطلع عليها غالبا إلّا الباري- تعالى- أو نبيّه بالوحي. فالإمام لا يكون إلا منصوبا من قبل اللّه- تعالى-، منصوصا عليه. و المنصوب من قبل اللّه- تعالى- للإمامة مباشرة لا يكون إلا معصوما.

و هذا هو المراد بالأخبار المذكورة و لا سيما خبر عبد العزيز الطويل.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(2)- سورة لقمان (31)، الآية 13.

(3)- بحار الأنوار 25/ 199، باب عصمتهم و لزوم عصمة الامام «ع» الرقم 10، عن الخصال.

(4)- الخصال/ 305.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 386

و لكن هنا ملاحظة أخرى، و هي أن أصول مسئوليات الإمام و تكاليفه ثلاثة:

1- بيان أحكام اللّه- تعالى- و حفظها من البدع و الأوهام. 2- حفظ نظام المسلمين على أساس الإسلام و إجراء أحكام الإسلام و قوانينه. 3- إدارة أمر القضاء و فصل الخصومات.

و قد تعرض في خبر عبد العزيز للأول بقوله: «الإمام يحلّل حلال اللّه، و يحرّم حرام اللّه.» و للثاني بقوله: «نظام المسلمين،» الى قوله: «و منع الثغور و الاطراف.» و ذكر الثالث في خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين: لنبيّ (كنبيّ) أو وصيّ نبيّ.» «1»

فهذه الثلاثة من شئون الإمام. و الإمام هو المرجع فيها

أولا و بالذات. و أنت تعلم أن كل واحد من هذه الشؤون الثلاثة اتسعت دائرته بسعة أراضي الإسلام و بلاده. و الإمام المنصوب حتى في عصر الظهور أيضا لم يكن يتمكن من المباشرة لجميع الأعمال. و لا يمكن الالتزام بتعطيلها أيضا لذلك. فلا محالة يفوض كل أمر إلى شخص أو مؤسسة.

و قد دلّت أخبار كثيرة على إحالة الفتيا الى مثل أبان بن تغلب، و زكريا بن آدم، و العمري، و ابنه و غيرهم من فقهاء الأصحاب.

و كذلك أمر القضاء، كما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة و غيرها. بل السياسة بشؤونها أيضا كذلك. فما لك الأشتر مثلا نصب حاكما على مصر من قبل أمير المؤمنين «ع» و قد أمره «ع» بتفويض كل عمل إلى أهله من العمال و القضاة، و لم يكن مالك و سائر الأصحاب معصومين.

فكذلك لا مانع من تفويض الأعمال الثلاثة في عصر الغيبة الى الفقهاء العدول. و الأصحاب لا يخالفون في جواز تصدّي الفقهاء لمنصبي الفتيا و القضاء في عصر الغيبة، بل يوجبون ذلك مع تطرق احتمال الخطأ و تسرّ به إلى ما يصدر عنهم أيضا و عدم كونهم معصومين. فلم لا يلتزمون بذلك في حفظ النظام و السياسة؟

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 387

و قد قال الإمام «ع» في هذا الخبر: «إن الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين. إن الإمامة أسّ الإسلام النامي و فرعه السّامي. بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد، و توفير الفي ء و الصدقات، و إمضاء الحدود و الأحكام و منع

الثغور و الأطراف.»

فهل يمكن الالتزام بتعطيل جميع ذلك في عصر الغيبة و أن اللّه- تعالى- أعرض عن نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين و إقامة الفرائض و منع الثغور و الأطراف بسبب غياب الإمام المعصوم؟!

و كيف يجوز للفقهاء العدول الأقوياء أن يتركوا المسلمين مأسورين تحت سيطرة عملاء الكفر و الفساد و الصهاينة الطغاة، و لا يوجبون الإقدام على نجاتهم بعذر الانتظار لدولة وليّ العصر «ع»؟! و قد قال أمير المؤمنين «ع»: «أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم و لا سغب مظلوم.» «1»

و قد ورد أن موسى بن جعفر «ع» قال لعلى بن يقطين: «إن للّه- تبارك و تعالى- مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه.» «2» و كان وزيرا لهارون فكتب إلى الإمام «ع»: «إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان، فإن أذنت- جعلني اللّه فداك- هربت منه.» فرجع الجواب: «لا آذن لك بالخروج من عملهم، و اتق اللّه.» «3»

و قال زيد الشحام: سمعت الصادق، جعفر بن محمد «ع» يقول: «من تولّى أمرا من أمور الناس فعدل و فتح بابه و رفع ستره و نظر في أمور الناس كان حقا على اللّه أن يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة.» «4»

فنقول: لو فرض أن أمثال علي بن يقطين العاملين في حكومات الظلمة تمكنوا من هدم حكومة أمثال هارون من أساسها و القيام مقامهم لغرض إشاعة العدل

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 52؛ عبده 1/ 32؛ لح/ 50، الخطبة 3.

(2)- الوسائل 12/ 139، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(3)- الوسائل 12/ 143، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 16.

(4)- الوسائل 12/ 140 الباب

46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 388

و الدفع عن أولياء اللّه و رفع الفساد، فهل يمكن القول بعدم جواز ذلك لعدم كونهم معصومين، و أنه إنما يجب عليهم البقاء تحت سيطرة هارون و أمثاله من الظالمين و المفسدين فقط ليدفعوا خفية و تقية عن بعض الأولياء؟! لا نظن أن أحدا يلتزم بذلك.

فالحق أن يقال:

إنّه مع وجود الإمام المعصوم و التمكن منه لا يجوز لغيره تقمص الخلافة و الإمارة قطعا، و على هذه الصورة تحمل الأخبار المذكورة، و لكن مع عدم التمكن منه- بأيّ دليل كان، كما في عصر الغيبة- يجب أن ينوب عنه الفقهاء العدول الأقوياء بقدر الكفاية، لعدم رضا اللّه- تعالى- بتعطيل شئون الإمامة.

بل قد عرفت منا سابقا أن حفظ بيضة الإسلام و نظام المسلمين أهم بمراتب من حفظ أموال الغيّب و القصّر و غير ذلك من الأمور الحسبية الجزئية التي يعلم بعدم رضا الشارع بإهمالها. و قد أفتى الفقهاء بالتصدي لها من قبل الفقيه، فإن لم يكن فعدول المؤمنين، بل و فسّاقهم أيضا مع عدم العدول. فالحكم ثابت بنحو الترتيب.

و قد اشعر خبر سليم، عن أمير المؤمنين «ع» أيضا بهذا الترتيب. ففيه: «و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل ... أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدموا يدا و لا رجلا و لا يبدءوا بشي ء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنة يجمع أمرهم ... هذا أوّل ما ينبغي أن يفعلوه: أن يختاروا إماما يجمع أمرهم إن كانت الخيرة لهم و يتابعوه و يطيعوه،

و إن كانت الخيرة إلى اللّه- عزّ و جلّ- و إلى رسوله فإن اللّه قد كفاهم النظر في ذلك و الاختيار.» «1»

إذ يظهر من الرواية تقدّم الإمام المعصوم الذي اختاره اللّه، و لكن مع عدم التمكن منه- بأيّ دليل كان- فالإمامة و أحكامها لا تعطّل، و لا تفوّض أمور المسلمين و كيانهم إلى الكفار و الصهاينة و الطواغيت العتاة. بل تصل النوبة إلى الإمام المنتخب من قبل الأمّة، و يجب الإقدام على اختياره و انتخابه بشرائطه، فتدبّر.

______________________________

(1)- كتاب سليم بن قيس/ 182.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 389

فإن قلت: خطأ العمال و القضاة و اشتباهاتهم في عصر الإمام المعصوم تجبر من ناحية الإمام المعصوم بعد انكشاف الخلاف و الخطأ، فلعل هذا هو الفارق بينهم و بين الفقيه في عصر الغيبة.

قلت: خطأ الفقيه و عمّاله أيضا يجبر بعد الانكشاف، إذ المفروض عدالة الفقيه و حسن ولايته.

و كيف كان: فالأخبار الدالة على لزوم عصمة الإمام لا تهدم ما أصلناه و أثبتناه من ولاية الفقيه العادل في عصر الغيبة، بل هو في الحقيقة نائب عن الإمام المعصوم الغائب و إن فرض كون انتخاب شخصه مفوّضا إلى الأمة. كما كان مالك الأشتر مثلا نائبا عن أمير المؤمنين «ع» و مفترضا طاعته في نطاق حكومته. و العصمة إنما تكون شرطا في خصوص المنصوب من قبل اللّه أو من قبل النبي الاكرم «ص» مباشرة باسمه و شخصه. فعليك بالتدبر التام في ما حررناه دليلا على دوام الإمامة بالمعنى الأعم، و عدم جواز تعطيلها في عصر من الأعصار.

السادس: كون الإمام منصوصا عليه.
اشارة

فقد قال باعتبار هذا الشرط أيضا أصحابنا الإمامية، و دلّت عليه أخبارنا.

[كلمات الأصحاب في ذلك]

قال المحقق الطوسي «ره» في التجريد بعد اشتراط العصمة في الإمام:

«و العصمة تقتضي النصّ و سيرته.»

و قال العلامة الحلي «ره» في شرحه:

«ذهبت الإمامية خاصّة إلى أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه. و قالت العبّاسية إن الطريق إلى تعيين الإمام النص أو الميراث. و قالت الزيدية تعيين الإمام بالنص أو الدعوة إلى نفسه. و قال باقي المسلمين: الطريق إنما هو النص أو اختيار أهل الحل و العقد. و الدليل على ما ذهبنا إليه و جهان:

الأوّل: أنّا قد بيّنا أنه يجب أن يكون الإمام معصوما، و العصمة أمر خفيّ لا يعلمها

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 390

الا اللّه- تعالى-، فيجب أن يكون نصبه من قبله- تعالى-، لأنه العالم بالشرط دون غيره.

الثاني: أن النبي «ص» كان أشفق على الناس من الوالد على ولده، حتى أنه «ع» أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده، كما أرشدهم في قضاء الحاجة إلى أمور كثيرة مندوبة و غيرها من الوقائع. و كان- عليه و على آله السلام- إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين. و من هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال أمّته و عدم إرشادهم في أجلّ الأشياء و أسناها و أعظمها قدرا و أكثرها فائدة و أشدّ حاجة إليها، و هو المتولى لأمورهم بعده؟! فوجب من سيرته «ص» نصب إمام بعده و النص عليه و تعريفهم إياه، و هذا برهان لمّي.» «1»

و قال فيما مرّ عنه من التذكرة في شروط الإمام:

«13- أن يكون منصوصا عليه من اللّه- تعالى-، أو من النبي «ص»

أو ممن ثبتت إمامته بالنص منهما، لأن العصمة من الأمور الخفيّة التي لا يمكن الاطّلاع عليها.

فلو لم يكن منصوصا عليه لزم تكليف ما لا يطاق.» «2»

و أما الأخبار في هذه المسألة:

1- فمنها رواية عبد العزيز بن مسلم الطويلة التي مرّت في مسألة اعتبار العصمة، عن الرضا «ع» و فيها: «و أقام لهم عليا «ع» علما و إماما و ما ترك لهم شيئا يحتاج اليه الأمّة إلّا بيّنه. فمن زعم أن اللّه- عز و جل- لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، و من ردّ كتاب اللّه فهو كافر به. هل يعرفون قدر الإمامة و محلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجلّ قدرا و أعظم شأنا و أعلا مكانا و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم. إن الإمامة خصّ اللّه- عزّ و جلّ- بها إبراهيم الخليل «ع» بعد النبوة ... فهي في ولد علي «ع» خاصّة إلى يوم القيامة. إذ لا نبي بعد محمد «ص» فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟ ... الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد و لا يعادله عالم

______________________________

(1)- تجريد الاعتقاد و شرحه كشف المراد/ 288، المسألة 4 من المقصد 5.

(2)- التذكرة 1/ 453.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 391

و لا يوجد منه بدل و لا له مثل و لا نظير. مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له و لا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟! ... و كيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شي ء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه. لا، كيف

و أنّى و هو بحيث النجم من يد المتناولين و وصف الواصفين؟ فأين الاختيار من هذا و أنى العقول عن هذا و أين يوجد مثل هذا؟ أ تظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد «ص» ... راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة و آراء مضلّة، فلم يزدادوا منه إلا بعدا ... رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسول اللّه «ص» و أهل بيته الى اختيارهم و القرآن يناديهم: «وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ وَ يَخْتٰارُ.

مٰا كٰانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ، سُبْحٰانَ اللّٰهِ وَ تَعٰالىٰ عَمّٰا يُشْرِكُونَ.» و قال- عزّ و جلّ-: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.» ... فكيف لهم باختيار الإمام؟ و الإمام عالم لا يجهل و راع لا ينكل ... فهو معصوم مؤيد موفّق مسدّد، قد أمن من الخطايا و الزلل و العثار.

يخصّه اللّه بذلك ليكون حجّة على عباده و شاهده على خلقه. و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم، فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّمونه؟» «1»

2- و في البحار عن العيون بسنده عن الحسن بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون يوما و عنده علي بن موسى الرضا «ع» و قد اجتمع الفقهاء و أهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: «يا بن رسول اللّه، بأيّ شي ء تصحّ الإمامة لدعيها؟» قال: «بالنص و الدلائل.» «2»

3- و فيه أيضا عن الخصال بسنده عن سليمان بن مهران، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «عشر خصال من صفات الإمام: العصمة، و النصوص (و النص خ. ل)، و أن يكون

أعلم الناس و أتقاهم للّه، و أعلمهم بكتاب اللّه، و أن يكون صاحب الوصية الظاهرة ...» «3»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 198، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته، الحديث 1.

(2)- بحار الأنوار 25/ 134، باب جامع في صفات الإمام و ... من كتاب الإمامة، الحديث 6.

(3)- بحار الأنوار 25/ 140، باب جامع في صفات الإمام و ... الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 392

4- و فيه أيضا عن معاني الأخبار بسنده، عن أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر الباقر «ع» بم يعرف الإمام؟ قال بخصال: أوّلها نصّ من اللّه- تبارك و تعالى- عليه و نصبه علما للناس حتى يكون عليهم حجة، لأن رسول اللّه «ص» نصب عليا ...» «1»

5- و فيه أيضا عن معاني الأخبار أيضا بسنده عن علي بن الحسين «ع» قال:

«الإمام منا لا يكون إلا معصوما. و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، فلذلك لا يكون إلا منصوصا.» «2»

6- و فيه أيضا عن الاحتجاج، عن سعد بن عبد اللّه القمي، قال: «سألت القائم «ع» في حجر أبيه، فقلت: أخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم. قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: «هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟» قلت: بلى.

قال: «فهي العلّة.» الحديث.» «3»

7- و فيه أيضا عن الصدوق في كمال الدين بسنده عن عمرو بن الأشعث، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «أ ترون الأمر إلينا نضعه حيث نشاء؟ كلّا، و اللّه إنه لعهد معهود من رسول اللّه «ص» إلى رجل فرجل، حتى

ينتهي الى صاحبه.» «4»

8- و فيه أيضا عن المناقب، عن محمد بن سنان، عن الصادق «ع» في قوله:

«يخلق ما يشاء و يختار» قال: «اختار محمدا و أهل بيته.» «5»

9- و فيه أيضا عن المناقب، عن أنس، قال النبي «ص»: «إن اللّه خلق آدم من طين كيف يشاء، ثم قال: «و يختار.» إن اللّه اختارني و أهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا، فجعلني

______________________________

(1)- بحار الأنوار 25/ 141، باب جامع في صفات الإمام و ... الحديث 13.

(2)- بحار الأنوار 25/ 194، باب عصمتهم و لزوم عصمة الإمام «ع»، الحديث 5.

(3)- بحار الأنوار 23/ 68، كتاب الإمامة، باب أن الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ، الحديث 3.

(4)- بحار الأنوار 23/ 70، باب أن الإمامة لا تكون إلّا بالنّصّ، الحديث 7.

(5)- بحار الأنوار 23/ 74، باب أن الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ، الحديث 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 393

الرسول و جعل علي بن أبي طالب «ع» الوصيّ، ثم قال: «ما كان لهم الخيرة.» يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا. و لكنى أختار من أشاء فأنا و أهل بيتي صفوة اللّه و خيرته من خلقه. «1»

10- و فيه أيضا عن الخصال بسنده، عن المفضل، عن الصادق «ع» قال: قلت له: يا بن رسول اللّه، كيف صارت الإمامة في ولد الحسين «ع» دون ولد الحسن «ع» و هما جميعا ولدا رسول اللّه و سبطاه و سيدا شباب أهل الجنة؟ فقال:

«إنّ موسى و هارون «ع» كانا نبيين مرسلين أخوين، فجعل اللّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى، و لم يكن لأحد أن يقول: لم فعل اللّه ذلك؟ و إنّ الإمامة خلافة اللّه- عزّ و جلّ-،

ليس لأحد أن يقول: لم جعلها اللّه في صلب الحسين دون صلب الحسن، لأن اللّه هو الحكيم في أفعاله؛ لا يسأل عما يفعل و هم يسألون.» «2» الى غير ذلك من الاخبار المساوقة لما ذكر.

أقول: بالتأمّل التامّ في الروايات المذكورة و غيرها، و في كلمات الأصحاب التي مرّ بعضها يظهر أن النص إنّما اعتبر طريقا إلى تشخيص العصمة و سائر الكمالات و المقامات العالية المعنوية الخفيّة التي لا يطلع عليها إلا اللّه- تعالى-. و لا توجد إلا في الإمام المعصوم، أعني الأئمة الاثني عشر من العترة المعيّنين بالاسم و الشخص.

فلا دليل على اعتباره في الفقهاء العدول الذين أثبتنا ولايتهم في عصر الغيبة إجمالا.

كما لم نعتبر فيهم العصمة أيضا، كما مرّ بيانه.

بل الظاهر من لفظ النص ليس إلا تعيين الفرد باسمه و شخصه. فلا يطلق على الفقيه العادل على فرض القول بنصبه بالنصب العام أيضا أنه إمام منصوص عليه.

كما أن الظاهر من اختيار اللّه و اختيار رسوله أيضا اختيار الأشخاص المعيّنين اسما و شخصا، كأمير المؤمنين «ع» و الأئمة الطاهرين من ولده، كما يظهر من خبر ابن سنان و خبر انس. و لو قيل باعتبار ذلك في عصر الغيبة أيضا كان مقتضاه تعطيل الحكومة بالكلية، لوضوح أن تعيين الأشخاص و اختيارها من بين الواجدين

______________________________

(1)- بحار الأنوار 23/ 74، باب ان الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ، ذيل الحديث 22.

(2)- بحار الأنوار 23/ 70، باب ان الإمامة لا تكون إلّا بالنصّ، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 394

للشرائط في عصر الغيبة لا يقع من قبل اللّه أو رسوله أو الأئمة «ع» و إنما الذي يقع من قبلهم بيان المواصفات المعتبرة فيهم،

و التشخيص يقع من قبل الأمّة أو خبرائها، كما هو واضح.

و عمدة النظر في خبر عبد العزيز بن مسلم الطويل و كذا غيره هو ردّ العامّة، الراغبين عن اختيار اللّه و رسوله لأمير المؤمنين «ع» و الأئمة المعصومين من ولده. كما يشهد بذلك قوله: «رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسول اللّه «ص» و أهل بيته الى اختيارهم»، و قوله: «فهو معصوم مؤيد» الى قوله: «فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه؟»

و قد تقدم منا: و يأتي التفصيل أن انتخاب الأمة على القول بصحّته إنما يفيد إذا لم يوجد النصّ. فإن اختيار اللّه و اختيار رسوله مقدّم على اختيار الأمة قطعا.

و الصفات التي ذكرت في الخبر للإمام لا توجد إلا في الإمام المعصوم المنصوب بالاسم و الشخص. كما هو واضح لمن راجعها.

و الفقهاء العدول على فرض كونهم منصوبين من قبل النبي «ص» أو من قبل الأئمة المعصومين «ع» بالنصب العام لا محيص فيهم عن الانتخاب و الخيرة اذا تعددوا في عصر واحد. اذ مع التعدد و التساوي في جميع الصفات تكون الأمّة مخيرة في الرجوع إلى من تختاره من بينهم. كما ذكروا نظيره في باب القضاء في القضاة المتعددين الواجدين للشرائط.

و بالجملة، فالروايات و الكلمات مرتبطة بالإمامة بالمعنى الأخص عند الشيعة، المرتبطة بالأشخاص، لا الإمامة بالمعنى الأعم التي لا يجوز تعطيلها و إهمال أمرها في عصر من الأعصار. فكما لا يشترط فيها العصمة- كما مرّ- لا يشترط النص الذي هو طريق لتشخيصها أيضا.

و عليك بإعادة النظر فيما ذكرناه لنفي اعتبار العصمة في الإمامة بالمعنى الأعم، حيث بيّنا هناك أن شئونها الثلاثة، أعني الإفتاء و الولاية و القضاء، لا تهمل

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 395

و لا تعطّل قطعا في عصر الغيبة. مع أن المتصدي لها ليس معصوما و لا منصوصا عليه.

و إن شئت قلت: الفقهاء في عصر الغيبة صالحون لنيابة ولي العصر- عجل اللّه تعالى فرجه-، كنيابة مالك الأشتر و أمثاله من أمير المؤمنين «ع» و لكن لما لم يمكن تعيينهم و اختيارهم بالاسم و الشخص، و لم يجز تعطيل الإمامة و إهمالها ذكر الأئمة- عليهم السلام- الصفات و الشرائط، و أحالوا تعيين واجدها و انتخاب فرد من بين الواجدين إلى الأمّة أو خبرائها. فالواجدون للصفات كلهم صالحون للإمامة، و لكن الإمام بالفعل هو الذي انتخبته الأمة من بينهم. فبالانتخاب يصير الشخص إماما بالفعل واجب الإطاعة، فتأمّل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 397

الباب الخامس في كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة

اشارة

و فيه ستة فصول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 399

الفصل الأول في ذكر الأقوال في المسألة و نقل بعض الكلمات

اشارة

اعلم أنه قد مرّ في الباب الأول أن الأصل عدم ولاية أحد على أحد.

و في الباب الثاني بحث إجمالي في ولاية النبي الأكرم «ص» و الأئمة المعصومين «ع» عندنا.

و في الباب الثالث مرور إجمالي بأبواب فقه الإسلام و رواياته المذكور فيها لفظ الإمام أو الوالي أو السلطان أو نحو ذلك، ثم بيان ضرورة الولاية في جميع الأعصار و ما يمكن أن يستدل به لذلك.

و في الباب الرابع الشروط التي تعتبر في الوالي عقلا أو شرعا كتابا أو سنة.

فالآن يجب البحث فيما تنعقد به الإمامة، و كيفية تعيين الوالي.

و ليس غرضنا هنا الرجوع الى مسائل صدر الإسلام و طرح مسألة الإمامة و الخلافة المختلف فيها بين الفريقين. فإنها مسألة كلامية تطلب من مظانّها. بل الغرض هنا البحث في كيفية تعيين الوالي في عصر الغيبة إذا فرض تعدد الواجد للشرائط.

و لكن نقل بعض ما ذكروه من طرق انعقاد الإمامة مما لا محيص عنه، لتوقف البحث على معرفة ذلك. فنقول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 400

1- قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«و الإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما اختيار أهل العقد و الحلّ. و الثاني بعهد الإمام من قبل. فأما انعقادها باختيار أهل الحل و العقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم على مذاهب شتّى: فقالت طائفة: لا تنعقد إلا بجمهور أهل العقد و الحلّ من كل بلد، ليكون الرضا به عاما و التسليم لإمامته اجماعا.

و هذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها و لم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها. و قالت طائفة أخرى: أقل من تنعقد به منهم الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالا بأمرين:

أحدهما أن بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثم تابعهم الناس فيها. و هم عمر بن الخطاب، و أبو عبيدة بن الجرّاح، و أسيد بن حضير، و بشير بن سعد، و سالم مولى أبي حذيفة. و الثاني أن عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة و هذا قول أكثر الفقهاء و المتكلمين من أهل البصرة. و قال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولّاها أحدهم برضا الاثنين ليكونوا حاكما و شاهدين، كما يصحّ عقد النكاح بوليّ و شاهدين. و قالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي «ع»: امدد يدك أبايعك فيقول الناس: عمّ رسول اللّه «ص» بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، و لأنه حكم، و حكم واحد نافذ.» «1»

أقول: لقائل أن يقول: إن الولاية على المسلمين أمر يرتبط بجميع المسلمين، فيجب أن يكون نصب الإمام إما من قبل اللّه- تعالى-، مالك الملوك، أو من ناحية جميع المسلمين و لا أقل من ناحية أكثرهم، أو من ناحية أهل الحل و العقد إذا تعقبه رضا الجميع أو الأكثر. و أما نفوذ تعيين عدد قليل كخمسة مثلا في حقّ الجميع و وجوب التسليم لهم و متابعتهم فلا ملاك له، لا في العقل و لا في الشرع.

______________________________

(1)- الاحكام السلطانية/ 6- 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 401

و المحذور الذي أشار اليه من بيعة أبي بكر ليس محذورا فإن الأكثر منهم لا يعتقدون العصمة في الإمام و لا في الصحابة. و عمر بنفسه حكم بكون بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها «1» فيظهر من ذلك انها لم تكن عنده قائمة على أساس، و لم يكن يرضى بصيرورتها

قاعدة و سنّة متبعة، كما زعم هؤلاء.

قال عبد الكريم الخطيب من علماء السنة في كتاب الخلافة و الإمامة ما نصه:

«و قد عرفنا أن الذين بايعوا أول خليفة للمسلمين- أبي بكر- لم يتجاوزوا أهل المدينة، و ربما كان بعض أهل مكّة، أما المسلمون جميعا في الجزيرة كلها فلم يشاركوا في هذه البيعة، و لم يشهدوها، و لم يروا رأيهم فيها؛ و إنما ورد عليهم الخبر بموت النبي «ص» مع الخبر باستخلاف أبي بكر. فهل هذه البيعة أو هذا الأسلوب في اختيار الحاكم يعتبر معبّرا عن إرادة الأمة حقا؟! و هل يرتفع هذا الاسلوب إلى أنظمة الأساليب الديموقراطية في اختيار الحكام؟! لقد فتح هذا الأسلوب الفريد الذي عرف في المجتمع الاسلامي لاختيار الحاكم- فتح أبوابا للجدل فيه و الخلاف عليه.» «2»

و عن الشيخ علي عبد الرازق من علماء الجامع الأزهر أنه قال في كتابه:

(الإسلام و أصول الحكم):

«إذا أنت رأيت كيف تمّت البيعة لأبي بكر، و استقام له الأمر تبيّن لك أنها كانت بيعة سياسية ملكية عليها طابع الدولة المحدثة، و أنها قامت كما تقوم الحكومات على أساس القوة و السيف.» «3»

الى غير ذلك من الكلمات، فراجع.

2- و قال القاضي أبو يعلى:

«و الإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل الحل و العقد. و الثاني بعهد الإمام من قبل ... و روي عنه (أي عن أحمد) ما دل على أنها تثبت بالقهر و الغلبة

______________________________

(1)- راجع صحيح البخاري 4/ 180، باب رجم الحبلى من الزنا ..

(2)- الخلافة و الإمامة/ 272.

(3)- فلسفة التوحيد و الولاية/ 194، نقلا عن «الإسلام و أصول الحكم» ص 183.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 402

و لا تفتقر الى العقد، فقال- في رواية عبدوس بن

مالك العطّار- (القطّان خ. ل): «و من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة و سمّي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيت و لا يراه إماما، برّا كان أو فاجرا.» و قال أيضا- في رواية أبي الحرث- في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك، فيكون مع هذا قوم و مع هذا قوم: «تكون الجمعة مع من غلب.» و احتج بأن ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة و قال: «نحن مع من غلب.» «1»

3- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«و جملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته و بيعته ثبتت إمامته و وجبت معونته، لما ذكرنا من الحديث و الإجماع. و في معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي «ص» أو بعهد إمام قبله إليه. فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، و عمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، و أجمع الصحابة على قبوله و لو خرج رجل على الإمام فقهره و غلب الناس بسيفه حتى أقرّوا له و أذعنوا بطاعته و تابعوه صار إماما يحرم قتاله و الخروج عليه، فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله و استولى على البلاد و أهلها حتى بايعوه طوعا و كرها فصار إماما يحرم الخروج عليه.» «2»

4- و في المنهاج للنووي

الذي هو من أعاظم الشافعية:

«و تنعقد الإمامة بالبيعة. و الأصح بيعة أهل الحل و العقد من العلماء و الرؤساء و وجوه الناس الذين يتيسّر اجتماعهم. و شرطهم صفة الشهود. و باستخلاف الإمام. فلو جعل الأمر شورى بين جمع فكاستخلاف، فيرتضون أحدهم. و باستيلاء جامع الشروط، و كذا فاسق و جاهل في الأصح.» «3»

5- و قال العلامة الحلّي- طاب ثراه- في التذكرة:

«مسألة: و إنما تنعقد الإمامة بالنص عندنا على ما سبق. و لا تنعقد بالبيعة خلافا

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 23.

(2)- المغنى 10/ 52.

(3)- المنهاج/ 518، كتاب البغاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 403

للعامة بأسرهم، فإنهم أثبتوا إمامة أبي بكر بالبيعة. و وافقونا على صحة الانعقاد بالنص، لكنهم جوّزوا انعقادها بأمور: أحدها: البيعة ... الثاني: استخلاف الإمام قبله و عهده اليه، كما عهد أبو بكر إلى عمر ... الثالث: القهر و الاستيلاء ...» «1»

6- و قال في كشف المراد:

«ذهبت الإمامية خاصة إلى أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه. و قالت العباسية: إن الطريق إلى تعيين الإمام النص أو الميراث. و قالت الزيدية: تعيين الإمام بالنص أو الدعوة إلى نفسه. و قال باقي المسلمين: الطريق إنما هو النصّ أو اختيار أهل الحل و العقد.» «2»

7- و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«و اتفق الأئمة على أن الإمامة تنعقد ببيعة أهل الحل و العقد من العلماء و الرؤساء و وجوه الناس، الذين يتيسّر اجتماعهم من غير شرط عدد محدّد. و يشترط في المبايعين للإمام صفة الشهود من عدالة و غيرها. و كذلك تنعقد الإمامة باستخلاف الإمام شخصا عيّنه في حياته ليكون خليفته على المسلمين بعده ... و انعقد إجماع الأمّة على جوازه.» «3»

8- و في الفقه الإسلامي و أدلته للدكتور وهبة الزحيلي:

«ذكر فقهاء الإسلام طرقا أربعة في كيفية تعيين الحاكم الأعلى للدولة و هي النص، و البيعة، و ولاية العهد، و القهر و الغلبة. و سنتبيّن أن طريقة الإسلام الصحيحة عملا بمبدإ الشورى و فكرة الفروض الكفائية هي طريقة واحدة. و هي بيعة أهل الحل و العقد و انضمام رضا الأمة باختياره. و أما ما عدا ذلك فمستنده ضعيف.» «4»

9- و قال أيضا:

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 453.

(2)- كشف المراد/ 288، المسألة 4 من المقصد 5.

(3)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 417، مبحث شروط الإمامة.

(4)- الفقه الإسلامي و أدلته 6/ 673.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 404

«رأى فقهاء المذاهب الأربعة و غيرهم أن الإمامة تنعقد بالتغلب و القهر. إذ يصير المتغلّب إماما دون مبايعة أو استخلاف من الإمام السابق، و إنما بالاستيلاء.

و قد يكون مع التغلب المبايعة أيضا فيما بعد.» «1»

أقول: لا يخفى أن مقتضى ما ذكروه من إمامة المتغلب مطلقا أن الخارج على الإمام الموجود في أول الأمر باغ يجب قتاله و دفعه، ثم اذا فرض غلبته انقلب إماما واجب الإطاعة و ان كان من أفسق الفسقة و الظلمة! و هذا أمر عجيب لا يقبله الطبع السليم.

و الظاهر أن هؤلاء المصنّفين من السنة كانوا غالبا بصدد التوجيه للوضع الموجود خارجا في أمر الولاية على المسلمين، و تبريره شرعا. فلذا قالوا بكفاية التغلب أو ولاية العهد أو بيعة عدّة قليلة.

و لكن المنصف المتحري للحق ليس من شأنه السعي في تبرير ما وقع، بل بيان ما يحكم به العقل و الشرع بذاتهما. و قد عرفت أن الإمامة على المسلمين أمر يتعلق بجميع المسلمين، فيجب أن تكون من قبل اللّه المالك للجميع أو برضا جميع الأمة أو

أكثرهم، و لا أقل من أهل الحل و العقد منهم، فانه يستعقب رضا الجميع عادة.

و لا ريب أن النصب من قبل اللّه على فرض تحققه- كما هو معتقدنا بالنسبة إلى الأئمة الاثني عشر- مقدم على انتخاب الأمة قطعا. فالطريق الثاني في طول الأول، لا في عرضه. و قد قال اللّه- عزّ و جل-: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.» «2»

و الحاصل أن

لأرباب التحقيق من علماء المسلمين في مبدأ الحكومة قولان:
اشارة

______________________________

(1)- الفقه الإسلامي و أدلته 6/ 682.

(2)- سورة الأحزاب (33)، الآية 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 405

الأول: أن السيادة و الحاكمية للّه- تعالى- فقط،

و بيده التشريع و الحكم (إن الحكم إلّا اللّه). و النبي «ص» أيضا لم يكن له حق الحكم إلّا بعد ما فوّض اللّه إليه ذلك، و لم يكن يتبع في حكمه إلا ما كان يوحى إليه. و الأئمة أيضا قد انتخبوا من قبل النبي «ص» بأمر اللّه- تعالى- بلا واسطة أو مع الواسطة. حتى ان الفقهاء في عصر الغيبة أيضا نصبوا من قبل أئمتنا «ع» لذلك، و إلا لم يكن لهم حق الحكم.

و ليس لانتخاب الناس أثر في هذا المجال اصلا. فالحكومة الإسلامية تيوقراطية محضة. و هذا القول هو الظاهر من أصحابنا الإمامية.

الثاني: أن الأمة بنفسها هي صاحب السيادة و مصدر السلطات،

و أهل الحل و العقد يمثلون سلطة الأمة. و يشهد لذلك، مضافا إلى سلطة الناس على أنفسهم تكوينا، قوله- تعالى-: «وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ.» و ما ورد من الأخبار الكثيرة المتضافرة في بيعة الناس للنبي «ص» و الخلفاء و الأئمة. فيظهر بذلك أنهم مبدأ السلطة و السيادة. نعم، ليس للحكام التخلف عما أمر اللّه به- تعالى- في كل مورد.

و الحق هو الجمع بين القولين بنحو الطولية.

فإن كان من قبل اللّه- تعالى- نصب لذلك- كما في النبي «ص» و كذا في الأئمة الاثني عشر عندنا- فهو المتعين للإمامة، و لا ينعقد الإمامة لغيره مع وجوده و التمكن منه. و إلّا كان للأمة حق الانتخاب، و لكن لا مطلقا بل لمن وجد الشرائط و المواصفات المعتبرة. و لعلّ إمامة الفقهاء في عصر الغيبة من هذا القبيل، كما سيأتي بيانه.

فالإمامة تنعقد أولا و بالذات بالنصب، و بعده بانتخاب الأمة بمرحلة واحدة أو بمراحل.

و أما التغلّب بالقهر، أو ولاية العهد، أو بيعة بعض الناس فلا يكون ملاكا للإلزام و ايجاب الطاعة عند العقل و الوجدان. فإذا فرض أن الأمة انتخبت فردا للإمامة و صار هذا إماما بذلك فلا محالة يكون المنتخب نفس هذا الشخص، و لم يفوّض إليه تعيين غيره لما بعده. فبأيّ حق يعيّن غيره؟ و بأيّ دليل يصير تعيينه

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 406

نافذا لازم الاتباع على الأمة و لا سيّما إذا لم يكن الفرد الذي عيّنه واجدا للشروط و المواصفات الثمانية التي مرّ اعتبارها في الوالي؟!

و ما دلّ من الآية و الروايات على وجوب إطاعة أولي الأمر لا يراد بها إطاعة كل من تسلّط و تأمّر و لو بالقهر و الغلبة، و لا في جميع

قرارات الوالي و لو في تعيين الغير لما بعده من دون تحصيل رضا الامة، بل المقصود بالآية إطاعة من حق له الولاية و الأمر في خصوص ما فوض إليه أمره. فوجوب الإطاعة هنا حكم شرعي يدور مدار موضوعه الخاص. و لا يحقق الحكم موضوع نفسه، كما هو واضح. و قد مرّ بيان الآية و الاحتمالات المتطرقة اليها في الباب الثاني عند التعرض لها.

نعم، لو كان الإمام معصوما- كما نعتقده في الأئمة الاثني عشر- فلا محالة يكون تعيينه للإمام بعده حجة شرعية على تعيّنه من قبل اللّه- تعالى-، أو من قبل الرسول «ص»، أو كون التعيين مفوّضا إليه، أو كون المعيّن أفضل الأفراد و أجمعها للشرائط، فيلزم اتباعه.

ثم هذا اذا لم يستعقب التغلّب، أو ولاية العهد، أو بيعة البعض رضا جميع الأمة و بيعتهم له طوعا، و إلّا صار من مصاديق انتخاب الأمة، كما هو واضح، هذا.

و ليس كلامنا هنا في الإمامة في صدر الإسلام. فإنها مسألة كلامية مفصّلة تطلب من مظانّها و إن اتضح نظرنا فيها. و إنما البحث هنا في ولاية الفقيه العادل الواجد للشرائط في عصر الغيبة، و هي مسألة فقهية. فإن ثبت كونها بالنصب من قبل الأئمة «ع» من طريق المقبولة و غيرها فهو، و إلا كانت فعليتها بالانتخاب على فرض صحته كما هو المختار و لكن في طول النصب، كما مرّ. و سيأتي البحث في أدلة النصب و أدلة الانتخاب في الفصول الآتية، فانتظر.

و كيف كان فالظاهر أن الطريق لانعقاد الإمامة ينحصر فيهما و لا ثالث لهما، فتدبر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 407

الفصل الثاني في البحث في مقام الثبوت و ذكر المحتملات فيه

قد تحصّل لك مما فصّلناه في الأبواب و الفصول السابقة:
اولا: لزوم الحكومة و ضرورتها في جميع الأعصار

حتى في عصر الغيبة، و كونها داخلة في نسج الإسلام و نظامه،

و أن إهمالها و تعطيلها يساوق تعطيل الإسلام.

و ثانيا: أن الحاكم على المسلمين يشترط فيه شروط ثمانية:

1- العقل الوافي.

2- الإسلام و الإيمان. 3- العدالة. 4- العلم بموازين الإسلام و مقرراته المعبّر عنه بالفقاهة. 5- القوة و حسن الولاية. 6- الذكورة. 7- طيب الولادة. 8- أن لا يكون من أهل البخل و الحرص و الطمع و المصانعة. و قد أقمنا الأدلة عليها من العقل و الكتاب و السنة. و نعبّر عن الواجد لهذه الشروط الثمانية بالفقيه الجامع للشرائط.

و قد أشرنا في الفصل السابق إلى أن الإمامة بالمعنى الأعمّ الشامل لولاية الفقيه تنعقد إما بالنصب من الجهة العليا، و إما بانتخاب الأمّة. فلها طريقان عندنا و إن كان اعتبار الثاني في طول الأول و في طول الشروط المذكورة، فلا مجال للانتخاب مع وجود الإمام المنصوب من قبل اللّه أو من قبل الرسول، و لا مجال

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 408

أيضا لانتخاب الفاقد للشروط مع وجود الواجد لها.

ففي عصر الغيبة إن ثبت نصب الأئمة- عليهم السلام- للفقهاء الواجدين للشرائط بالنصب العام بعنوان الولاية الفعلية فهو، و إلا وجب على الأمة تشخيص الفقيه الواجد للشرائط و ترشيحه و انتخابه، إما بمرحلة واحدة أو بمرحلتين: بأن ينتخب أهل كل صقع و ناحية بعض أهل الخبرة، ثم يجتمع أهل الخبرة و ينتخبون الفقيه الواجد للشرائط واليا على المسلمين. و الظاهر كون الثاني أحكم و أتقن و أقرب إلى الحق، كما يأتي بيانه. و كيف كان فالفقيه الواجد للشرائط هو المتعيّن للولاية، إما بالنصب أو بالانتخاب.

و لا يخفى أن مساق كلمات الأعاظم و الأعلام في تأليفاتهم كان إلى تعيّن النصب، و كون الطريق منحصرا فيه. و لم يكونوا يلتفتون الى انتخاب الأمة. فعندهم

الفقهاء منصوبون من قبل الأئمة المعصومين «ع» بالنصب العام و يستدلّون على ذلك بمقبولة عمر بن حنظلة و الروايات الكثيرة الواردة في شأن العلماء و الفقهاء و الرواة.

كما أن الأئمة الاثنى عشر «ع» منصوبون من قبل اللّه- تعالى-، أو من قبل الرسول الأكرم. و رسول اللّه «ص» كان منصوبا من قبل اللّه- تعالى-. فإلى اللّه تنتهي جميع الولايات، و لا اعتبار لولاية لا تنتهي إليه. قال اللّه- تعالى-: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ.»* «1»

و قد يقرّب ذلك بأن الوجدان لا يلزم أحدا بإطاعة غيره إلا بإطاعة مالك الملوك أو من يكون منصوبا من قبله و لو بالواسطة. و الحكومة الحقة الصالحة هي التي لها جذور في وجدان الناس و فطرتهم.

قال المحقق النراقي- طاب ثراه- في العوائد:

«و أما غير الرسول و أوصيائه فلا شك أن الأصل عدم ثبوت ولاية أحد على أحد إلا من ولّاه اللّه- سبحانه-، أو رسوله، أو أحد من أوصيائه على أحد في أمر. و حينئذ فيكون هو وليّا على من ولّاه فيما ولّاه فيه.» «2»

______________________________

(1)- سورة يوسف (12)، الآية 40.

(2)- العوائد/ 185.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 409

أقول: لو صحّ ما ذكروه من تعيّن النصب من الجهة العليا و انحصار الطريق فيه فبضرورة وجود الحكومة الحقة و عدم جواز إهمال الشارع لها في عصر من الأعصار يستكشف النصب قهرا، حتى و إن لم يوجد ما يدلّ عليه في مقام الإثبات أو نوقش في دلالة ما استدل به.

و لكن يمكن الخدشة في هذا المبنى لما سيأتي منّا من إقامة أدلة كثيرة على صحة الانتخاب من قبل الأمة أيضا. غاية الأمر كونه في طول النصب و في صورة عدم ثبوته،

و قبل الانتخاب تثبت الصلاحية و الشأنية فقط.

و إذا فرض تصحيح الشارع الحكيم للانتخاب أيضا صار الامام المنتخب بشرائطه مثل الإمام المنصوب في وجوب طاعته و حرمة مخالفته.

و حينئذ فيجب البحث في دلالة ما ذكروه لنصب الفقيه في عصر الغيبة. فإن تمت دلالته على نصبه و ولايته بالفعل فهو، و إلا وصلت النوبة الى انتخاب الأمة قهرا، و قبل التعرض للأدلة التي استدلّوا بها على النصب

يجب الالتفات إلى أمرين:
الأمر الأول:

إن البحث في النصب العام إثباتا يتوقف على صحته في مقام الثبوت. و لكن قد يخدش في صحته ثبوتا بتقريب أنه لو وجد في عصر واحد فقهاء كثيرون واجدين للشرائط فالمحتملات فيه خمسة:

الأول: أن يكون المنصوب من قبل الأئمة «ع» جميعهم بنحو العموم الاستغراقي، فيكون لكل واحد منهم بانفراده الولاية الفعلية و حقّ إعمالها مستقلا.

الثاني: أن يكون المنصوب الجميع كذلك، و لكن لا يجوز إعمال الولاية إلا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 410

لواحد منهم.

الثالث: أن يكون المنصوب واحدا منهم فقط.

الرابع: أن يكون المنصوب الجميع، و لكن يتقيد إعمال الولاية لكل واحد منهم بالاتفاق مع الآخرين.

الخامس: أن يكون المنصوب للولاية هو المجموع من حيث المجموع، فيكون المجموع بمنزلة إمام واحد و يجب إطباقهم في إعمال الولاية. و مآل هذين الاحتمالين الى واحد، كما لا يخفى.

و يرد على الاحتمال الأوّل قبح هذا النصب على الشارع الحكيم. فإن اختلاف أنظار الفقهاء غالبا في استنباط الأحكام و في تشخيص الحوادث اليومية و الموضوعات المبتلى بها و لا سيّما الأمور المهمة منها مثل موارد الحرب و الصلح مع الدول و الأمم المختلفة مما لا ينكر. فعلى فرض نصب الجميع و تعدّد الولاة بالفعل لو تصدّى كل واحد

منهم للولاية و أراد إعمال فكره و سليقته لزم الهرج و المرج و نقض الغرض. إذ من الأغراض الأساسية للحكومة هو حفظ النظام و توحيد الكلمة، و قد مرّت روايات دالّة على كون الإمامة نظاما للأمة:

منها: قوله «ع» على ما في الغرر و الدرر للآمدي: «الإمامة نظام الأمّة.» «1»

هذا مضافا إلى دلالة الروايات على بطلان هذا الفرض:

1- ففي الغرر و الدرر: «الشركة في الملك تؤدّي إلى الاضطراب.» «2»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 1/ 274، الحديث 1095.

(2)- الغرر و الدرر 2/ 86، الحديث 1941.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 411

2- و في رواية العلل التي مرّت قطعة منها في الدليل الثالث من أدلّة لزوم الحكومة عن الرضا «ع»: «فإن قال: فلم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل: لعلل:

منها: أن الواحد لا يختلف فعله و تدبيره و الاثنين لا يتفق فعلهما و تدبيرهما. و ذلك أنا لم نجد اثنين إلا مختلفي الهمم و الإرادة. فإذا كانا اثنين ثم اختلفت هممهما و إرادتهما و تدبيرهما و كانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه، فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق و التشاجر و الفساد، ثم لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلا و هو عاص للآخر، فتعمّ المعصية أهل الأرض، ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل إلى الطاعة و الإيمان و يكونون إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف و التشاجر، إذ أمرهم باتباع المختلفين.

و منها: أنه لو كانا إمامين كان لكل من الخصمين أن يدعو إلى غير ما يدعو إليه صاحبه في الحكومة، ثم لا يكون

أحدهما أولى بأن يتّبع من صاحبه، فتبطل الحقوق و الأحكام و الحدود.

و منها: أنه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق و الحكم و الأمر و النهي من الآخر. فإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتدءا بالكلام و ليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشي ء إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا. فإن جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر مثل ذلك. و إذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق و الأحكام و عطّلت الحدود و صار الناس كأنهم لا إمام لهم.» «1»

و قد مرّ البحث في سند الحديث هناك، فراجع. و آثار الصدق و الحقيقة ظاهرة على مضمونه. فكم قد سفكت الدماء المحترمة و هتكت الأعراض و تعطلت مصالح المسلمين في موارد اختلاف الولاة النافذين و إن كانوا بأنفسهم مقدّسين منزّهين، كما لا يخفى على أهل الدراية و الاطلاع على الحوادث التاريخية.

3- و في صحيحة الحسين بن أبي العلاء: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا إلا و أحدهما صامت. «2»

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا 2/ 101 الباب 34، الحديث 1. و علل الشرائع 1/ 254، الباب 182 (باب علل الشرائع)، الحديث 9.

(2)- الكافي 1/ 178 كتاب الحجة، باب أن الأرض لا تخلو من حجة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 412

4- و في البحار عن الصدوق في كمال الدين بسند صحيح، عن ابن أبي يعفور أنه سأل أبا عبد اللّه «ع» هل يترك الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قلت: فيكون إمامان؟ قال: لا إلا و أحدهما صامت. «1»

5- و فيه أيضا عنه بسند موثق عن هشام بن سالم، قال: قلت للصادق

«ع»:

هل يكون إمامان في وقت؟ قال: لا إلّا أن يكون أحدهما صامتا مأموما لصاحبه، و الآخر ناطقا إماما لصاحبه. و أما أن يكون إمامين ناطقين في وقت واحد فلا. «2»

6- و فيه أيضا عن بصائر الدرجات بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ترك الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قلنا: تكون الأرض و فيها إمامان؟

قال: لا إلّا إمامان أحدهما صامت لا يتكلّم، و يتكلم الذي قبله. و الإمام يعرف الإمام الذي بعده. «3»

7- و في صحيح مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما.» «4» إلى غير ذلك من الروايات.

هذا.

و أمير المؤمنين «ع» مع كراماته الباهرة و فضائله الظاهرة لم يكن يتدخل في الأمور الولائية في عصر النبي «ص» إلا باذنه و تحت أمره و نظره. و كذلك سيد الشهداء «ع» في عصر الإمام المجتبى «ع».

و في خبر عمران بن حصين، عن النبي «ص»: «... ما تريدون من عليّ؟ إن عليا منّي و أنا منه، و هو ولي كل مؤمن من بعدي.» «5» فجعل الولاية له «ع» من بعده.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 25/ 106، كتاب الإمامة، باب أنه لا يكون إمامان في زمان واحد ...، الحديث 2.

(2)- بحار الأنوار 25/ 106، باب أنه لا يكون إمامان في زمان واحد ...، الحديث 3.

(3)- بحار الأنوار 25/ 107، باب أنه لا يكون إمامان في زمان واحد ...، الحديث 6.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1480، كتاب الإمارة الباب 15 (باب إذا بويع لخليفتين)، الحديث 1853.

(5)- سنن الترمذي 5/ 296، الباب 82 (باب مناقب علي بن أبي طالب) من أبواب المناقب، الحديث 3796.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 413

و إذا لم تصحّ ولاية إمامين معصومين في عصر واحد مع عصمتهما فكيف تصح الإمامة و الولاية الفعلية المطلقة لعشر فقهاء مثلا في عصر واحد على أمّة واحدة؟!

كيف؟! و لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا فكيف بتعدد الولاة و السلطات البشرية؟

و مجرد اشتراط الأعلمية في الوالي على القول به لا يكفي في رفع المحذور، لإمكان التساوي في العلم، و لاختلاف أنظار الأمة و أهل الخبرة في تشخيص الأعلم، كما هو المشاهد خارجا في أعصارنا. و لا يرد هذا الإشكال على نظرية الانتخاب، لكون الملاك فيه هو الأكثرية، كما يأتي بيانه في الفصول الآتية.

و الحاصل أن مضارّ تعدد الحاكم و تكثّر مراكز القرار و التصميم في وقت واحد مع اختلاف الآراء و الأنظار كثيرة جدّا، و لا سيما في المواقع الحسّاسة و مظانّ التصادم و القتال و الحرب و الإصلاح. فنصب ولاة بالفعل متعددين مستقلين لعصر واحد و صقع واحد إعانة على التنازع و التشاجر، فلا يصحّ من الشارع الحكيم.

نعم، لو كان تدخّل الفقهاء منحصرا في الأمور الجزئية المحلّية كتعيين القيم للصغار و المجانين مثلا، كما لعله هو المأنوس في أذهان الأكثر من عنوان ولاية الفقيه، أمكن منع التشاجر و النزاع. و لكن محل البحث هو تصدّي الفقيه لجميع شئون الحكومة في مجتمع المسلمين و ترسيم الخطوط الكلّية لجميع البلاد و العباد.

و حينئذ فمضارّ تعدد مركز القرار ظاهرة واضحة.

و بالجملة فاللازم فرض موضوع البحث وسيعا بسعة بلاد المسلمين و نفوسهم.

هذا كله بالنسبة الى الاحتمال الأول.

و يرد على الاحتمال الثاني أوّلا: أنه كيف يعيّن من له حقّ التصدّي فعلا؟ فإن لم يكن طريق إلى تعيينه صار الجعل لغوا، و هو قبيح.

و إن كان بانتخاب الأمّة أو أهل الحلّ و العقد أو خصوص الفقهاء لواحد منهم صار الانتخاب معتبرا و معيارا لتعيين الوالي، فوجب إعماله و تعيين الوالي به. اللهم إلا أن يقال إن النصب أيضا مما لا بدّ منه لمشروعية الولاية و انتهائه إلى اللّه- تعالى-. فالنصب للمشروعية،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 414

و الانتخاب لتعيين من له التصدّي فعلا. و لكن نقول إنه على أي حال فغير المنتخب لا يجوز له التدخّل، كما هو المفروض.

و ثانيا: أن جعل الولاية حينئذ للباقين لغو قبيح. نعم، الشأنية و الصلوح ثابتة للجميع.

و يرد على الاحتمال الثالث: أنه كيف يعيّن من جعل له الولاية الفعلية؟ فإن لم يكن طريق إلى التعيين صار الجعل لغوا و هو قبيح. و إن قيل إنه بالانتخاب، قلنا فيصير النصب لغوا و الإمامة انعقدت بالانتخاب لا به. اللهم إلا أن يقال بالجمع بينهما، كما مرّ.

فان قلت: تتعين الحكومة الفعلية للأعلم من الفقهاء.

قلت: أولا: يمكن وجود شخصين أو اشخاص متساوين في العلم و الفضيلة.

و ثانيا: إن الناس و كذا أهل الخبرة كثيرا ما يختلفون في تشخيص الأعلم، فيلزم تعدّد الولاة بالفعل في عصر واحد لمنطقة واحدة، فلا تحصل الوحدة و الانسجام بل يختلّ النظام كما مرّ، فلا محيص إلا أن يقال بلزوم الانتخاب العام و تعيّن منتخب الأكثرية للولاية الفعلية، فتدبر.

و يرد على الاحتمال الرابع، و كذا الخامس: أنه مخالف لسيرة العقلاء و المتشرعة، و مما لم يقل به أحد. و قد كنت في مجلس الخبراء في بادي الأمر مدافعا عن هذه الفكرة و لكنه ظهر لي بالتأمّل أن إدارة شئون الأمة و لا سيما في المواقع الحسّاسة المهمّة

تتوقف على وحدة مركز القرار و التصميم. و التعدد يوجب غالبا تعطّل أكثر المصالح. و قد مرّ كلام أمير المؤمنين «ع» أن: «الشركة في الملك تؤدّي إلى الاضطراب.» «1»

و اللّه- تبارك و تعالى- خاطب نبيّه فقال: «وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 2/ 86، الحديث 1941.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 415

اللّٰهِ.» «1» فجعل العزم و القرار النهائي لشخص النبي الأكرم «ص»، فتدبر.

و الحاصل أن نصب الأئمة- عليهم السلام- للفقهاء في عصر الغيبة بحيث تثبت الولاية الفعلية بمجرد النصب بمحتملاته الخمسة قابل للخدشة ثبوتا. و إذا لم يصح بحسب مقام الثبوت فلا تصل النوبة الى البحث فيه إثباتا. نعم، يصح ترشيحهم لذلك من قبل الشارع حتى لا تحوم الأمّة حول غيرهم، بل يلتفتون اليهم و ينتخبون واحدا منهم و يفوّضون إليه الولاية فيصير بالانتخاب و الاختيار واليا بالفعل. و يجب على الأمة الإقدام على ذلك، بل هو من أهم الفرائض و الدعائم، و تركه من أشدّ المعاصي، لاستتباعه تعطيل الحقوق و الحدود و الأحكام و تسلّط الكفار و العتاة على شئون المسلمين. و يأتي بيان ذلك و الاستدلال عليه بالتفصيل، فانتظر.

الأمر الثاني: لو قلنا بكون جميع الفقهاء الواجدين للشرائط في عصر واحد

منصوبين بالنصب العام من قبل الأئمة «ع» لأمر الولاية كان مقتضى ذلك جواز بل وجوب تصدّي كل واحد منهم بالوجوب الكفائي لشئون الولاية و الرئاسة، من القضاء و إجراء الحدود و التعزيرات، و التصرف في أموال الغيّب و القصّر و نصب القوام لهم و التصدّي لأمور زواجهم و طلاقهم، و المطالبة بالضرائب الإسلامية من الخمس و الزكاة و الجزية و نحوها، بل و الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام على ما قوّيناه فضلا عن الدفاعي،

و إعداد مقدماته من الجنود و القوى، و عقد المعاهدات مع سائر الأمم الى غير ذلك من شئون الحكومة. و وجب قهرا على الأمة الإسلامية إطاعتهم و التسليم لهم و إن لم يكونوا مقلدين لهم في أخذ المسائل الفقهية. بل يجب على كل

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 416

من الفقهاء أيضا إطاعة الآخر فيما حكم به و لا يجوز مزاحمته له، إذ لا يجوز التخلف عن حكم من جعله الإمام المعصوم واليا بالفعل و نصبه لذلك، كما لا يجوز مزاحمته.

فإذا حكم أحدهم في حادثة بحكم لم يجز للآخر الحكم بخلافه. و اذا كانت المصارف على واحد منهم فلا يجوز للآخرين أخذ الضرائب بدون إذنه، فإنه من أشدّ المزاحمات، كما لا يخفى.

هذا إذا أذعنوا بكون الحاكم المتصدي واجدا للشرائط التي اعتبرها الشرع في الوالي.

و أما إذا لم يذعنوا بذلك فلا تجب الإطاعة قهرا و إن أمكن القول بحرمة التجاهر بالمخالفة. و لا يخفى أنه من هذه النقطة أيضا ينشأ التشاجر و الاختلاف و اختلال النظام و فوت المصالح المهمّة لذلك، و ليس هذا الفرض بقليل فإن كثيرا منّا ممن يكثر منه الجهل أو الاشتباه بالنسبة إلى أحوال غيره أو ممن يغلب عليه الهوى أحيانا و لا يخلو في عمق ذاته من نحو من الإعجاب بالنفس و عدم الاعتناء بالغير و التحقير له أو الحسد له و يعسر عليه التسليم لفرد مثله و الإطاعة له إلا من عصمه اللّه- تعالى-. هذا.

و أما إذا قلنا بعدم كون الفقهاء منصوبين للولاية فعلا، للخدشة فيه ثبوتا أو اثباتا، بل قلنا بكون الفقيه الواجد للشرائط أهلا للولاية و صالحا

له و أصلح من غيره، و ما ورد في فضل العلماء و الفقهاء أيضا لا يدل على أكثر من الصلاحية و الترشيح للولاية، و إنما تنعقد ولايتهم بالفعل بانتخاب الأمة بمرحلة واحدة أو بمرحلتين، فلا محالة يصير الوالي بالفعل من الفقهاء من انتخبته الأمّة و فوّضت إليه الأمانة الإلهية. فهو الذي يحقّ له التصدي لشئون الولاية بالفعل، و لا يجوز للباقين و إن وجدوا الشرائط مباشرتها إلّا تحت أمره و نظره، من غير فرق بين الأمور المالية و غيرها و الجزئية و الكلية.

و إذا كانت الأمّة باختيارها هي المفوّضة لأمر الولاية فبالطبع تصير مدافعة عنها و قوة تنفيذية لها، فتستحكم الولاية و يحصل النظام و يدفع الفساد و ينحّى غير الآهلين لها قهرا. و للأمّة عزل الحاكم المنتخب إذا فقد الشرائط أو تخلّف عن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 417

الوظائف المحوّلة إليه بتفصيل يأتي في الفصول الآتية.

و بالجملة على هذا الفرض أمر الولاية الفعلية بيد الأمة و إن وجب عليهم في مقام الانتخاب رعاية الشرائط التي اعتبرها الشارع في الوالي من الفقاهة و غيرها.

نعم، لو ترك الناس العمل بهذه الفريضة المهمة و لم يسعوا لانتخاب الحاكم الصالح أمكن القول على ما يأتي بوجوب تصدّي الفقهاء الواجدين للشرائط للأمور المعطلة من باب الحسبة، فان الأمور الحسبية لا تنحصر في الأمور الجزئية كحفظ أموال الغيّب و القصّر و نحوها، بل تعيّن القول بذلك كما سيأتي بيانه.

و كيف كان فالولاية في عصر الغيبة مختصّة بالفقيه الجامع للشرائط التي مرّت، إما بالنصب عموما، أو بالانتخاب من قبل الأمّة، أو بالتصدّي للوظائف حسبة مع عدمهما. فلا يجوز تقدّم غيره عليه في ذلك مع وجوده،

بل يجب الايتمار بأوامره، لما مرّ من اعتبار الشروط الثمانية في الوالي فتنطبق قهرا على الفقيه الجامع لها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 418

تنبيهان
الأوّل- بحث حول تعدد الدولة:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 418

قد عرفت أنه إذا تعدد الفقهاء الواجدون للشرائط في عصر واحد فالمحتملات فيه خمسة. و قد مرّ مقتضى جميعها.

فان قال قائل: أ ليس من الممكن أن يقيم حكم اللّه غير واحد من الفقهاء في عصر واحد، و لكن نطاق حكم كل واحد منهم عشيرة خاصة أو بلد خاص، فتوجد دويلات صغيرة كلها إسلامية يحكم فيها الإسلام و توجد بينها العلاقات إن لزمت؟ بل يشكل جدّا إجماع جميع المسلمين في عصر واحد على إمام واحد مع اتساع البلدان و تباعدها و تعدّد القوميات و تباين المذاهب و العادات و اللغات.

فهذا احتمال سادس في البين، و قد وقع نظيره في صدر الإسلام. فقد ذكر الطبري في وقائع سنة الأربعين ما هذا لفظه:

«و في هذه السنة- فيما ذكر- جرت بين علي «ع» و بين معاوية المهادنة بعد مكاتبات جرت بينهما ... كتب معاوية إلى عليّ «ع»: أما إذا شئت فلك العراق و لي الشام، و تكفّ السيف عن هذه الأمّة و لا تهريق دماء المسلمين. ففعل ذلك و تراضيا على ذلك، فأقام معاوية بالشام بجنوده يجبيها و ما حولها، و عليّ بالعراق يجبيها و يقسمها بين جنوده.» «1»

و أجاز هذا بعض الفقهاء في بعض الشرائط. فعن عبد القاهر البغدادي أنه

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 6/ 3452.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 419

قال:

«فقال أصحابنا: لا يجوز أن يكون في الوقت الواحد إمامان واجبا الطاعة، و إنما تنعقد إمامة واحد في الوقت و يكون الباقون تحت رايته. و إن خرجوا عليه من غير سبب يوجب عزله فهم بغاة، إلا أن يكون بين البلدين بحر مانع من وصول نصرة أهل كل واحد منهما إلى الآخرين، فيجوز حينئذ لأهل كل واحد منهما عقد الإمامة لواحد من أهل ناحيته. و زعم قوم من الكرامية أنه يجوز أن يكون في وقت واحد إمامان و أكثر ...» «1»

و عن إمام الحرمين الجويني أنه قال في كتاب الإرشاد:

«ذهب أصحابنا إلى منع عقد الإمامة لشخصين في طرفي العالم ... و الذي عندي فيه أن عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط و المخالف غير جائز و قد حصل الإجماع عليه. و أما إذا بعد المدى، و تخلّل بين الإمامين شسوع النوى فللاحتمال في ذلك مجال، و هو خارج عن القواطع.» «2»

قلنا: نحن لا نأبى ما ذكرت إن فرض وجود العلقة التامّة بين الدويلات و جعل على رأس الجميع إمام واحد يجمع شملهم و يربطهم و يحكم عليهم في المواقف اللازمة بحكم عام، بحيث يعدّ الجميع دولة واحدة مقتدرة يساند بعضها بعضا. نظير الولايات المتحدة الأمريكية و اتحاد الجماهير السوفياتية.

و أما تعدّد الحكام المستقلين في الرأي و الإرادة في جميع الشؤون بلا زعيم واحد ينظم شتاتهم و يقطع خلافاتهم فمظنة للفرقة و الفشل.

أ لا ترى أن اللّه- تعالى- جعل لكل إنسان أذنين تسمعان، و عينين تبصران، و يدين و رجلين و أعضاء و جهازات مختلفة يعمل كل منها عمله، و لكن جعل له فوق الجميع رأسا

واحدا و عقلا فاردا يدبر الجميع، و لسانا واحدا يعبّر عن منوياته؟

______________________________

(1)- نظام الحكم في الشريعة و التاريخ الإسلامي/ 322.

(2)- نظام الحكم في الشريعة و التاريخ الإسلامي/ 326.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 420

فالإمام رأس الأمة، و عقلها المدبر لها، و لسانها الناطق عنها.

و هل لم تشاهد أن الأجانب و المستعمرين حينما أرادوا ضعف المسلمين و وهنهم و السلطة على بلادهم و ذخائرهم مزّقوهم كل ممزّق، و فرّقوهم دويلات صغار يحكم عليها الخلافات الطائفية و الوطنية و اللغوية و نحوها. و قال أحد زعماء بريطانيا جملته المشهورة: «فرّق تسد.» فبذلك يعرف أن الوحدة حليف القوة و النصر، و أن الفرقة و التعدد مصدر الضعف و الوهن، هذا. و الأخبار الحاكمة بوجوب وحدة الإمام التي قد مر كثير منها تنفي بإطلاقها هذا النحو من تعدد الإمام أيضا، فراجع.

و أما ما مرّ من الطبري من رضا أمير المؤمنين «ع» بقسمة الملك بينه و بين معاوية فعلى فرض صحته فإنما كان بعد حروب وقعت بينهما و تخاذل جنود أمير المؤمنين «ع» و تقاعسهم عن القتال، و إلّا فهو «ع» لم يكن يرضى بحكومة معاوية قطّ، كما يظهر من كتبه «ع» و خطبه.

و إجماع جميع الأمّة في مرحلة واحدة على إمام واحد مع اتساع البلدان و تباعدها و إن اشكل و تعسّر، و لكن يسهل ذلك إن وقع الانتخاب في مرحلتين أو مراحل، فينتخب الخبراء من قبل الناس، و ينتخب الإمام الأعظم من ناحية الخبراء المبعوثين لذلك.

هذا كله على فرض القدرة و الإمكان، و إلا فلو فرض عدم إمكان تأسيس دولة إسلامية واحدة تعم جميع المسلمين فلا إشكال في أن تأسيس دويلة صغيرة أو

دويلات على أساس موازين الإسلام أولى من إهمال الأمور حتى يتحكم على المسلمين و يتغلب عليهم الطواغيت و الجبابرة الأشرار. فيتعين ذلك دفعا للظلم و الفساد، فتدبر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 421

التنبيه الثاني- نقل كلام ابن طاوس:

اعلم أن مسألة ولاية الفقيه و إقامة الدولة الحقة المطابقة لموازين الإسلام من أعظم المسائل الأساسية في الإسلام، فإنها الوسيلة الوحيدة لحفظ بيضة الإسلام و نظام المسلمين و كيانهم و تنفيذ قوانين الإسلام و أحكامه و إجراء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمفهومهما الواسع. و واضح أن أهمية وجوب المقدمة بأهمية وجوب ذيها.

و لكن فقهاؤنا- رضوان اللّه عليهم- تركوا البحث فيها في الكتب الفقهية بحثا أساسيا واسعا مع ما رأوا من أن أخبارنا ملاء من إرجاع أمور كثيرة إلى السلطان أو الوالي أو الحاكم، و ذكر السّجن أو بيت المال و نحو ذلك من لوازم الحكومة. و هم أيضا أفتوا بمضامينها في الأبواب المختلفة من فقههم.

و السرّ في ذلك أن علماء السنة كان نظرهم واسعا في مسألة الحكومة و شرائط الحاكم، و كان الأكثر منهم يبرّرون الحكومات الدارجة الموجودة في أعصارهم.

و لكن نحن معاشر الشيعة الإمامية حسب اعتقادنا نرى الحكومة في عصر ظهور الأئمة «ع» من حقوقهم. و في عصر الغيبة كان الشيعة و فقهاؤهم مشرّدين غالبا في شدّة و تقية، فكانوا آئسين من رجوع الحكومة اليهم و يرون كأنه بمنزلة أمر ممتنع.

فكان البحث فيها و في فروعها و في شرائط الحاكم و نحو ذلك عندهم بحثا لغوا و بلا فائدة، فلذلك لم يبحث فيها إلا بعض فقهائنا بنحو التطفل و بالنسبة الى التصرفات الجزئية المحلية. فترى الشيخ الأعظم الأنصاري- قدس سره- مثلا يبحث فيها بحثا

ما في مكاسبه في مسألة التصرف في مال الطفل. فكأنّ ولاية الفقيه كانت عندهم نظير ولاية الأب و الجدّ محدودة بدائرة ضيّقة صغيرة، و لم يكن ينقدح في أذهانهم تصدي الفقيه العادل الاقامة دولة مقتدرة في بلاد المسلمين في قبال الدول الجائرة المقتدرة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 422

و قد بلغ يأس فقهائنا من رجوع الأمر إليهم و شدة التقية فيهم إلى حدّ ترى السيد ابن طاوس- قدّس سرّه- يرى نحو إقبال من الحكومة المغولية إليه و إلى علماء الشيعة و إطلاقها لسراحهم في الإرشاد و إجراء بعض الأحكام نحو عناية من اللّه- تعالى- به، و نحو قدرة له أخبر بها الإمام الصادق و تكون مقدمة لظهور وليّ الأمر «ع» و قيامه.

فقال في كتاب الإقبال في أعمال شهر الربيع الأول:

«وجدت حديثا في كتاب الملاحم للبطائني عن الصادق «ع» يتضمّن وجود الرجل من أهل بيت النبوة بعد زوال ملك بني العبّاس يحتمل أن يكون للإشارة إلينا و الإنعام علينا. و هذا ما ذكره بلفظه من نسخة عتيقة بخزانة مشهد الكاظم «ع».

و هذا ما رويناه و رأينا: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال: اللّه أجلّ و أكرم و أعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل، قال: قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما استريح إليه. قال: يا أبا محمّد، ليس يرى أمّة محمّد «ص» فرجا أبدا ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم. فإذا انقرض ملكهم أتاح اللّه لأمّة محمد «ص» رجلا (برجل خ. ل) منا اهل البيت يشير بالتقى، و يعمل بالهدى، و لا يأخذ في حكمه الرشى. و اللّه إني لأعرفه باسمه و اسم

أبيه. ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال و الشامتين، القائم العادل الحافظ لما استودع، يملأها قسطا و عدلا كما ملأها الفجّار جورا و ظلما. ثم ذكر تمام الحديث.

أقول: و من حيث انقرض ملك بني العباس لم أجد و لم أسمع برجل من أهل البيت يشير بالتقى، و يعمل بالهدى، و لا يأخذ في حكمه الرشى كما قد تفضّل اللّه به علينا باطنا و ظاهرا. و غلب ظني أو عرفت أن ذلك إشارة إلينا ... و قد رجوت أن يكون اللّه- تعالى- برحمته قد شرّفني بذكري في الكتب السالفة على لسان الصادق «ع» ...

و لم يتمكن أحد في هذه الدولة القاهرة (دولة مغول) من العترة الطاهرة كما تمكّنا نحن من صدقاتها المتواترة و استجلاب الأدعية الباهرة و الفرامين المتضمنة لعدلها و رحمتها المتظاهرة.» «1» انتهى كلام الإقبال.

______________________________

(1)- الإقبال/ 71 (طبعة أخرى/ 599)، الباب 4، فصل فيما نذكره مما يختص بيوم 13 من ربيع الأول.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 423

أقول: و بالجملة كان يأس أصحابنا من رجوع الحكومة إليهم سببا لعدم بحثهم في فروع الحكومة و شروطها بحثا واسعا، و لكن بعد ما شملت عناية اللّه للمسلمين في إيران الإسلامية، و نجحت ثورتهم بقيادة الأستاذ الإمام- مد ظله-، و خرجت إيران من تحت نير الاستبداد و الاستعمار الشرقي و الغربي، و انتقضت المعادلات السياسية الدارجة صار البحث في الحكومة الإسلامية بشؤونها المختلفة ضروريا. اللهم إلا أن يتفضل اللّه علينا بظهور امام العصر- عجّل اللّه تعالى فرجه- فيغنينا من هذه الأبحاث العريضة. و قد طرحنا في هذا الكتاب أبحاثا لعلها تكون ناقصة و غير ناضجة، و لا أدّعي صحة جميع ما تبادر

إلى ذهني. فأرجو من الفضلاء الكرام أن يتابعوا الأبحاث حتى تنحلّ المشكلات و الحوادث الواقعة بالتدريج في تدبير الأمور.

و إذا مثّلت لعقلك سعة الحكومة و كثرة مسائلها المستحدثة ظهر لك لزوم أن يكون مبدأ القرار و التصميم فيها واحدا، و أن الشركة تؤدّي إلى الاضطراب، و ان تدخّل كلّ فقيه يوجب الهرج و المرج. نعم، يجب قبل القرار و العزم المشاورة و تبادل الآراء مع المتخصصين في المسائل المختلفة، و لكن صاحب العزيمة رجل واحد، كما يأتي تفصيله في الباب السادس، فانتظر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 425

الفصل الثالث في ذكر أدلة القائلين بنصب الفقهاء عموما

قد عرفت إلى هنا

أولا: ضرورة الحكومة في جميع الأعصار و أن تعطيلها يساوق بنحو تعطيل الإسلام.

و ثانيا: أنّه يشترط في الحاكم الإسلامي ثمانية شروط لا تنطبق قهرا إلّا على الفقيه الجامع للشرائط.

و ثالثا: أن الولاية لا تنعقد إلّا بالنصب من العالي، أو بالانتخاب من قبل الأمّة على ما يأتي بيانه، و أنّ الانتخاب في طول النصب و في صورة عدمه.

و رابعا: أنّ نصب أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين من ولده ثابت عندنا بالأدلة القطعية، فلا اعتبار بالانتخاب في أعصارهم.

و خامسا: أنّ الظاهر من الأصحاب و الأساتذة أنّ الفقهاء أيضا منصوبون في عصر الغيبة بالنصب العام، فهم ولاة بالفعل عندهم بالنصب من قبل الأئمة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 426

المعصومين «ع» و عرفت منا إجمالا أنّ هذا إنّما يصحّ مع الإمكان ثبوتا، و قيام الدليل عليه إثباتا و الّا وصلت النوبة الى الانتخاب.

و قد مرّ في الفصل الثاني المناقشة في إمكان النصب عموما بحسب مقام الثبوت.

فالآن حان وقت البيان لما ذكروه من الأدلّة لذلك في مقام الإثبات، و هي أمور

فلنتعرض لها و لما أوردوا عليها من المناقشات:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 427

الأمر الأول: مقبولة عمر بن حنظلة
[المقبولة و سندها]

روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحا كما إلى السلطان أو إلى القضاة؛ أ يحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّا ثابتا له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه- تعالى-: «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.» قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران (إلى) من كان منكم ممّن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه، و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه، و هو على حد الشرك باللّه.» «1»

و رواه الشيخ أيضا في التهذيب في موضعين «2» و السند في أحدهما محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن بن شمّون، عن محمد بن عيسى. و في الآخر محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عيسى ...

و قد تلقى الأصحاب الرواية بالقبول حتّى اشتهرت بالمقبولة. و صفوان بن يحيى

______________________________

(1)- اصول الكافي 1/ 67، باب اختلاف الحديث، الحديث 10؛ و الفروع منه 7/ 412، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور من كتاب القضاة، الحديث 5؛ و الوسائل

18/ 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

(2)- تهذيب الأحكام 2/ 68 و 91 من طبعه القديم، المطابق مع 6/ 218 و 301، الحديث 514 و 845.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 428

من أصحاب الإجماع، و عن الشيخ في العدّة أنه لا يروي إلا عن ثقة «1».

و بالجملة، الظاهر أنّه لا بأس بالخبر من جهة السند و إن وقع بعض المناقشات في محمد بن عيسى، و داود بن الحصين، و عمر بن حنظلة:

اما محمد بن عيسى اليقطيني ففي تنقيح المقال أنّ فيه قولين:

الأوّل أنّه ضعيف. صرح به جمع، منهم الشيخ في فهرسته و في موضعين من رجاله. قال في الفهرست: «محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ضعيف، استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة و قال: لا أروي ما يختص بروايته. و قيل إنّه يذهب مذهب الغلاة.» الثاني أنّه ثقة. صرّح به النجاشي فقال: إنّه جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف، روى عن أبي جعفر الثاني مكاتبة و مشافهة. و قال الكشي: قال القتيبي: كان الفضل بن شاذان يحبّ العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه و يقول: ليس في أقرانه مثله «2».

أقول: أما استثناء ابن بابويه فالمستثنى عنده هو ما رواه محمد بن عيسى عن يونس، فلعلّه لم يكن هذا لاعتقاد ضعف فيه، بل للإشكال في سنّه و إدراكه ليونس. و أمّا الرمي بالغلوّ فلا يخفى أنّه شاع في تلك الأعصار رمي بعض الأصحاب الأجلاء أيضا بالغلوّ لاعتقادهم بثبوت بعض المقامات العالية للأئمة «ع». نظير ما ترى في أعصارنا من رمي بعض العرفاء و الفلاسفة بالكفر و الزندقة، فلعلّ المقام

كان من هذا القبيل، فتأمّل.

و أما داود بن الحصين الأسدي (بضم الحاء) ففي تنقيح المقال:

انّ الشيخ عدّه في رجاله من أصحاب الصادق و الكاظم «ع» و قال: إنّه واقفي.

و قال النجاشي: إنّه كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن، كان يصحب أبا العباس البقباق، له كتاب. «3»

______________________________

(1)- راجع عدة الأصول 1/ 386- 387، و تنقيح المقال 2/ 100- 101.

(2)- راجع تنقيح المقال 3/ 167.

(3)- راجع تنقيح المقال 1/ 408.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 429

هذا، و لا يخفى عدم التهافت بين الكلامين، لإمكان كونه واقفيا ثقة.

و أما عمر بن حنظلة، ففي تنقيح المقال:

«عدّه الشيخ تارة من أصحاب الباقر «ع» و أخرى من أصحاب الصادق «ع».

و شرح الحال أنّه لم ينصّ على الرجل في كتب الرجال بشي ء، و لكن روى في الكافي «1» في باب وقت الصلاة عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللّه «ع»: إذا لا يكذب علينا.

و في التهذيب «2» في باب العمل في ليلة الجمعة و يومها عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن إسماعيل الجعفي، عن عمر بن حنظلة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: القنوت يوم الجمعة؟ فقال: أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة. الحديث. و يفهم من هذين الحديثين توثيقه.» «3»

أقول: و يرد على التمسك بالخبرين أنّ في سند الأوّل يزيد بن خليفة، و هو واقفي على ما صرّح به الشيخ. «4» و لم يثبت وثاقته. و الخبر الثاني راويه نفس عمر بن

حنظلة؛ فكيف يثبت به وثاقته.

نعم، يمكن أن يجعل كثرة روايته عن الأئمة «ع» نحو شاهد على وثاقته، كما قيل.

و كيف كان، فالأصحاب تلقّوا الخبر بالقبول حتّى أطلقوا عليه مقبولة عمر بن حنظلة.

______________________________

(1)- الكافي 3/ 275، باب وقت الظهر و العصر، الحديث 1. (طبعه القديم 1/ 76).

(2)- تهذيب الأحكام 3/ 16، باب العمل في ليلة الجمعة و يومها، الحديث 57 (طبعه القديم 1/ 249).

(3)- تنقيح المقال 2/ 342.

(4)- رجال الطوسي/ 364، (عدّه في أصحاب الكاظم «ع»).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 430

مشهورة أبي خديجة
اشارة

و روى الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن أبي الجهم، عن أبي خديجة، قال: بعثني أبو عبد اللّه- عليه السلام- إلى أصحابنا فقال: قل لهم: «إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى بينكم في شي ء من الأخذ و العطاء أن تتحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق. اجعلوا بينكم رجلا ممّن قد عرفت حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته قاضيا. و إيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر.»

هكذا في التهذيب المطبوع بطبعتيه «1» و لكن في الوسائل: «فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» بإضافة كلمة: «عليكم». فلعله سهو من النسّاخ أو منه، أو أن نسخة التهذيب من صاحب الوسائل كانت كذلك «2».

و روى الصدوق بإسناده عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق «ع»: «إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.» و رواه الكليني عن الحسين بن

محمّد، عن معلّى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبي خديجة مثله إلّا أنّه قال: «شيئا من قضائنا.»

و رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن محمد، مثله. «3»

و أبو الجهم كنية لبكير بن أعين و ثوير بن أبي فاختة، و الأوّل ثقة و الثاني ممدوح.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام- طبعه القديم 2/ 92، كتاب القضاء؛ و طبعه الجديد 6/ 303، باب من الزيادات في القضايا و الأحكام، الحديث 53.

(2)- الوسائل 18/ 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.

(3)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 431

و أحمد بن عائذ أيضا ثقة «1».

و إنّما الإشكال في أبي خديجة، فعن الشيخ في الفهرست أنّه ضعيف، و عن النجاشي أنّه قال:

«ثقة ثقة، روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن «ع»، له كتاب.» «2» هذا.

تفسير الآيات الثلاث، و معنى أولي الأمر
[تمسّك الإمام «ع» في المقبولة بالآية الشريفة]

أقول: حيث إنّ الإمام «ع» تمسّك في المقبولة بالآية الشريفة من القرآن الكريم فالأولى التعرض لها و لمفادها مقدّمة، لنكون في بيان مفاد الخبرين على بصيرة من أمرنا. قال اللّه- تعالى- في سورة النساء: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللّٰهَ نِعِمّٰا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ سَمِيعاً بَصِيراً* يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، ذٰلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا* أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا

أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَ يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلٰالًا بَعِيداً.» «3»

و لا يخفى أنّ الآيات الثلاث مرتبطة بحسب المضمون جدّا.

[لأمانات في الآية مفهوم عام]

و الظاهر أن الأمانات في الآية مفهوم عام: تشمل أمانات الناس بينهم من الأموال و غيرها، و أمانات اللّه عند عباده من الكتاب العزيز و أوامره و نواهيه، و أمانته عند الولاة؛ فإن الإمامة أمانة إلهيّة عندهم، و هم مأمورون بأداء حقوق الرعيّة و العدل بينهم و اللطف بهم و حملهم على موجب الدين و الشريعة و توفير الصدقات و الغنائم عليهم و تسليم ودائع الإمامة إلى الإمام بعده.

______________________________

(1)- تنقيح المقال 1/ 181 و 197 و 63.

(2)- تنقيح المقال 2/ 5، و الفهرست للطوسي/ 79 (ط. اخرى/ 105) و رجال النجاشي/ 134.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 58 و 59 و 60.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 432

و إذا فرض كون الإمامة في مورد بالانتخاب فآراء الناس و بيعتهم أيضا أمانة منهم عند الوالي تستعقب تكليفا خطيرا عليه.

و الأئمة المعصومون من عترة النبي «ص» أيضا كانوا من أنفس الأمانات عند الناس، و من الأسف أنّ الأكثر خانوا في هذه الأمانة الإلهيّة.

و بالجملة، فالآية تدلّ على مفهوم عامّ و إن كان بعض المصاديق أنفس و أهمّ.

و الروايات الواردة من طرق الفريقين في المقام تحمل على بيان المصاديق المهمّة، و تكون من باب الجري و التطبيق فلا تفيد الحصر.

ففي المجمع: «قال أبو جعفر «ع»: إنّ أداء الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج من الأمانة.» «1»

و فيه أيضا: «روي عنهم «ع» أنّهم قالوا: آيتان إحداهما لنا و الأخرى لكم: قال اللّه- تعالى- إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا.

الآية. و قال: يٰا

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.

الآية.» «2»

و في نور الثقلين عن الكافي بسنده، عن بريد العجلى قال: سألت أبا جعفر «ع» عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»، قال: إيّانا عنى أن يؤدي الأوّل إلى الإمام الّذي بعده الكتب و العلم و السلاح. «وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» الذي في أيديكم، ثمّ قال للناس: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، إيّانا عنى خاصّة. أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا «3».

و في الدر المنثور عن زيد بن أسلم في قوله: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، قال:

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 63 (الجزء 3).

(2)- مجمع البيان 2/ 63 (الجزء 3).

(3)- نور الثقلين 1/ 497؛ و الكافي 1/ 276، كتاب الحجة، باب أن الإمام يعرف الإمام ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 433

«أنزلت هذه الآية في ولاة الأمر و فيمن ولّى من أمور الناس شيئا.»

و عن شهر بن حوشب، قال:

«نزلت في الأمراء خاصّة». و عن علي بن أبي طالب «ع» قال: «حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه و أن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقّ على الناس أن يسمعوا له و أن يطيعوا و أن يجيبوا إذا دعوا.» «1»

و في كتاب أمير المؤمنين «ع» إلى الأشعث بن قيس عامله على آذربيجان:

«و إن عملك ليس لك بطعمة، و لكنّه في عنقك أمانة.» «2»

فظهر بما ذكر أنّ الآية و إن كانت عامّة لفظا و مفهوما فتشمل

جميع الأمانات، و لكن الولاية المفوّضة من قبل اللّه- تعالى- أو من قبل الأمّة من أعظمها، و التكليف بالنسبة إليها خطير.

و لعلّ مقارنة الأمانة في الآية للحكم بالعدل قرينة على إرادة هذا المصداق قطعا، فيكون الحكم بالعدل من شئون الولاية و من فروعها و من مصاديق أداء الأمانة إلى أهلها. فتدبر. هذا كلّه بالنسبة إلى الأمانة.

و أمّا الحكم

فقال الراغب في المفردات:

«حكم، أصله: منع منعا لإصلاح، و منه سمّيت اللجام حكمة الدابة ... و حكمت الدابة: منعتها بالحكمة، و أحكمتها: جعلت لها حكمة ... و الحكم بالشي ء أن تقضي بأنّه كذا أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، قال- تعالى-: «وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.» ... و يقال: حاكم و حكّام لمن يحكم بين الناس، قال اللّه- تعالى-: «وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ.» و الحكم:

المتخصّص بذلك فهو أبلغ، قال اللّه- تعالى- تعالى-: «أَ فَغَيْرَ اللّٰهِ أَبْتَغِي حَكَماً»، و قال- عزّ و جلّ-: «فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا.» و إنما قال: حكما و لم يقل:

______________________________

(1)- الدر المنثور 2/ 175.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 839؛ عبده 3/ 7؛ لح/ 366، الكتاب 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 434

حاكما تنبيها أنّ من شرط الحكمين أن يتولّيا الحكم عليهم و لهم حسب ما يستصوبانه من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك.» «1»

و في المقاييس:

«الحاء و الكاف و الميم أصل واحد، و هو المنع، و أوّل ذلك الحكم و هو المنع من الظلم. و سمّيت حكمة الدابة لأنّها تمنعها ... و الحكمة هذا قياسها لأنها تمنع من الجهل ... و حكّم فلان في كذا إذا جعل أمره إليه.» «2»

و

في النهاية:

«في أسماء اللّه الحكم و الحكيم، هما بمعنى الحاكم و هو القاضي. و الحكيم: فعيل بمعنى فاعل أو هو الذي يحكم الأشياء و يتقنها ... و الحكم: العلم و الفقه و القضاء بالعدل و هو مصدر حكم يحكم ... يقال: أحكمت فلانا أي منعته، و به سمّي الحاكم لأنّه يمنع الظالم.» «3»

و في لسان العرب:

«و الحاكم: منفّذ الحكم، و الجمع حكام.» «4»

أقول: بالتّتبّع في الكتاب و السنة يظهر لك أنّ الحكم و الحكومة و الحاكم و الحكّام كان أكثر استعمالها في القضاء و القاضي، و ربّما استعملت في الولاية العامّة و الوالي أيضا.

و لعلّه من الأوّل قوله- تعالى-: «وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ النّٰاسِ بِالْإِثْمِ.» «5»

______________________________

(1)- مفردات الراغب/ 126.

(2)- مقاييس اللغة 2/ 91.

(3)- النهاية لابن الأثير 1/ 418.

(4)- لسان العرب 12/ 142.

(5)- سورة البقرة (2)، الآية 188.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 435

و عن ابن فضال نقلا عن خط أبي الحسن الثاني «ع» في تفسير هذه الآية:

«الحكام: القضاة.» «1»

و كذا قوله: «وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»، بل و قوله: «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ» بملاحظة مورد النزول كما يأتي عن قريب.

و قول الصادق «ع» في خبر سليمان بن خالد: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ (كنبيّ) أو وصيّ نبيّ.» «2» فتأمّل.

و قول أمير المؤمنين في خطابه لمالك لاختيار القضاة: «ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك ...» «3»

إلى غير ذلك من الاستعمالات.

و من قبيل الثاني ما في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة: «فأبدلهم العزّ مكان الذلّ، و الأمن مكان الخوف فصاروا ملوكا حكّاما، و أئمة

أعلاما ... فهم حكام على العالمين و ملوك في أطراف الأرضين.» «4»

و فيه أيضا: «فتقربوا إلى أئمة الضلالة و الدعاة إلى النار بالزور و البهتان، فولّوهم الأعمال و جعلوهم حكّاما على رقاب الناس.» «5»

و ما في البحار عن كنز الكراجكي، قال: قال الصادق «ع»: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 5، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

(2)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1009؛ عبده 3/ 104؛ لح/ 434، الكتاب 53.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 802؛ عبده 2/ 177؛ لح/ 296، الخطبة 192.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 666؛ عبده 2/ 214؛ لح/ 326، الخطبة 210.

(6)- بحار الأنوار 1/ 183، كتاب العلم، الباب 1 من أبواب العلم و آدابه، الحديث 92.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 436

و فيه أيضا عن الاختصاص: قال أبو عبد اللّه «ع»: «تكون شيعتنا في دولة القائم «ع» سنام الأرض و حكامها.» «1»

و فيه أيضا عن الخصال بسنده عن علي بن الحسين: «و يكونون حكام الأرض و سنامها.» «2»

و ما في إعلام الورى في خطبة أبي طالب عند تزويجه خديجة لرسول اللّه «ص»:

«الحمد للّه الذي جعلنا من زرع إبراهيم ... و أنزلنا حرما آمنا يجي ء إليه ثمرات كلّ شي ء، و جعلنا الحكّام على الناس.» «3»

إلى غير ذلك من موارد الاستعمال.

و بالجملة، فالحاكم قد يراد به القاضي، و قد يراد به الوالي. و كذا سائر المشتقّات.

و لا يخفى أن الاشتراك معنوي لا لفظي، إذ كلّ منهما بقراره و كلامه القاطع يمنع عن الفساد، و الأوّل شعبة من الثاني، و تكون قوّته الخارجية غالبا بقوّة

الوالي و جنوده، و إلّا فهو بنفسه لا قوّة له على المنع و التنفيذ.

و أما قوله: «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»، فقد مرّ تفسيره بالتفصيل في الباب الثاني.

و ملخّص ما ذكرناه هناك أنّ الأمر بإطاعة اللّه- تعالى- ناظر إلى إطاعته في أحكامه. و إطاعة الرسول و الأئمة «ع» في مقام بيان هذه الأحكام ليست أمرا وراء اطاعة اللّه، و أوامرهم في هذا المجال إرشاديّة لا مولويّة. نظير أوامر الفقيه.

نعم، للرسول غير مقام الرسالة مقام الإمامة و الولاية أيضا، و له «ص» و للأئمة بعده مضافا إلى بيان الأحكام الكليّة، أو امر مولوية صادرة عنهم بما أنّهم ولاة الأمر و ساسة العباد. فقوله: «أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» ناظر إلى هذا السنخ من

______________________________

(1)- بحار الأنوار 52/ 372، تاريخ الإمام الثاني عشر، (الباب 27) باب سيره و أخلاقه ...، الحديث 164.

(2)- بحار الأنوار 52/ 317، تاريخ الإمام الثاني عشر، (الباب 27) باب سيره و أخلاقه ...، الحديث 12.

(3)- إعلام الورى/ 85، الباب الخامس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 437

الأوامر الولائية، و لذا كرّرت لفظة: «أطيعوا».

و المحتملات في «أولي الأمر» ثلاثة:

الأوّل: أن يراد بهم جميع الأمراء و الحكّام مطلقا، كما لعلّه الظاهر ممّا روي عن أبي هريرة أنّه قال:

«هم الأمراء منكم.» «1»

الثاني: أن يراد بهم خصوص الأئمّة الاثني عشر المعصومين «ع» كما وردت بذلك روايات مستفيضة.

الثالث: أن يراد بهم بمناسبة الحكم و الموضوع كلّ من له حقّ الأمر و الحكم شرعا، فمن ثبت له هذا الحقّ شرعا وجبت لا محالة إطاعته في ذلك و إلّا لصار جعل هذا الحقّ له لغوا.

و حقّ الأمر و الحكم لا ينحصر في الإمام المعصوم، بل

يثبت لكلّ من كانت حكومته مشروعة بالنصب أو بالانتخاب.

فكما وجبت إطاعة أمير المؤمنين «ع» مثلا في أوامره الولائية تجب إطاعة المنصوبين من قبله، كمالك الأشتر مثلا.

قال الشيخ الأعظم الأنصاري «قده» في مكاسبه في معنى أولي الأمر:

«الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامّة الّتي لم تحمل في الشرع على شخص خاصّ.» «2»

و لا محالة يتقيّد الأمر بما إذا لم يكن معصية للّه، إذ ليس لوليّ الأمر حقّ الأمر

______________________________

(1)- الدر المنثور 2/ 176.

(2)- المكاسب للشيخ الأنصاري/ 153.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 438

بالمعصية.

و على ما ذكرنا فالفقيه الجامع للشرائط أيضا على فرض ولايته شرعا يصير مصداقا للآية قهرا.

و ما ورد من اختصاص الآية بالأئمة المعصومين «ع» فالمراد به الحصر الإضافي في قبال أئمة الجور المدّعين ما ليس لهم. و الحصر لا ينحصر في الحقيقي فقط.

و كيف يمكن الالتزام بولاية شخص و لو في ظرف خاصّ و لا تجب إطاعته؟ مع أنّ الغرض من جعل المنصب لا يحصل إلّا بالإطاعة و التسليم.

و إن شئت قلت: إنّ إطاعته إطاعة الإمام المعصوم أيضا، فإنّه منصوب من قبله أو مديم طريقته، فتدبر.

و المخاطب في قوله- تعالى-: «فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ» «1»، هم المؤمنون المنادون في صدر الآية، و الظاهر منه التنازع الواقع بين أنفسهم لا بينهم و بين أولي الأمر، كما يظهر من بعض علماء السنة.

و يظهر من خبر بريد العجلي أنّ هذا التفسير كان شائعا في عصر الإمام الباقر «ع» أيضا، فتصدّى هو «ع» لردّه حيث قال: «و كيف يأمرهم اللّه- عزّ و جلّ- بطاعة ولاة الأمر و يرخّص في منازعتهم؟ إنّما قيل ذلك

للمأمورين الذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.» «2»

فهو- تعالى- أوجب عليهم أن يردّوا المنازعات إلى اللّه و الرسول في قبال الذين يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ.

و لعل المراد بالردّ إلى اللّه و الرسول الأخذ بحكم اللّه المنزل على رسوله، و لذا لم يذكر أولوا الأمر ثانيا، إذ ليس لهم أن يشرّعوا حكما في قبال حكم اللّه- تعالى- و ليس إعمال الولاية إلا تطبيق ما حكم اللّه به، لا تشريع حكم جديد. أو لعلّهم لم يذكروا ثانيا لكونهم من فروع الرسول و أغصانه.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 59.

(2)- الكافي 1/ 276، كتاب الحجة، باب أن الإمام «ع» يعرف الإمام الذي ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 439

و ربما ينقدح في الذهن أنّ صدر الآية ذكر توطئة و تمهيدا للذيل، فيكون المراد أنّه لمّا كانت إطاعة اللّه و إطاعة رسوله و أولي الأمر واجبة فلا محالة يجب أن يكون المرجع في المنازعات هو اللّه و رسوله لا الطاغوت الذي أرادوا أن يتحاكموا إليه المذكور في الآية التالية، فتدبّر.

و امّا قوله- تعالى-: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ الآية»، ففي مجمع البيان:

«كان بين رجل من اليهود و رجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي: أحاكم إلى محمد «ص»، لأنه علم أنّه لا يقبل الرشوة و لا يجوز في الحكم، فقال المنافق: لا، بل بيني و بينك كعب بن الأشرف، لأنّه علم أنّه يأخذ الرشوة فنزلت الآية.» «1»

و الطاغوت: فعلوت من الطغيان للمبالغة، ففيه قلب كما لا يخفى. هذا.

و قد تحصّل ممّا ذكرناه أنّ الحكم بالعدل في الآية الأولى من الآيات الثلاث ظاهر في القضاء، و أنّ

مورد الآية الثالثة أيضا هو القضاء، كما أنّ التنازع المذكور في الآية الثانية أيضا يناسب القضاء.

و لكن لا يخفى أنّ القضاء بنفسه ليس قسيما للإمامة و الولاية، بل هو من شئون الإمامة، و كثيرا ما كان الإمام بنفسه يتصدّى له، و تصدّى القضاة له أيضا كان من جهة كونهم منصوبين من قبله.

و قد مرّ في خبر سليمان بن خالد قوله «ع»: «فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء» و في المقبولة: «فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة.» و رسول اللّه «ص» أيضا كان يقضي بإمامته و ولايته، و كذلك أمير المؤمنين «ع». و قال اللّه- تعالى- مخاطبا لداود النبيّ «ع»: «يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ.» «2»

ففرّع جواز الحكم و نفوذه على كونه خليفة.

فيظهر بجميع ذلك أن القضاء من شئون الإمامة و الخلافة.

و الآيات الثلاث كما مرّ مرتبطة بحسب المضمون، و قد مرّ تفسير الأمانة في الآية

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 66 (الجزء 3).

(2)- سورة ص (38)، الآية 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 440

الأولى بالإمامة و الولاية، و كون الحكم بالعدل متفرعا عليها.

و المذكور في الآية الثانية أيضا وجوب إطاعة الرسول و أولي الأمر، يعني الأئمة، و فرع عليها وجوب إرجاع التنازع إلى اللّه و الرّسول.

و يحتمل أن يراد بالتنازع في الآية الأعم من التنازع في الحكم الكلّي و في الموضوع المرتبط بالقضاء.

و الطاغوت في الآية الثالثة أيضا لكونه للمبالغة ظاهر في الوالي الجائر، إذ القاضي بما هو قاض لا قوّة له حتّى يطغى. و لو طغى يكون بالاعتماد على قوّة الوالي و جنوده.

و قال في مجمع البيان في تفسير الآية الأولى:

«أمر اللّه الولاة

و الحكّام أن يحكموا بالعدل و النصفة.»

و في تفسير الآية الثالثة:

«لما أمر اللّه أولي الأمر بالحكم و العدل و أمر المسلمين بطاعتهم وصل ذلك بذكر المنافقين.» «1»

و على هذا فتكون الآيات الثلاث مرتبطة إجمالا بمسألة الإمامة و الولاية الكبرى، و يكون أمر القضاء و الحكم بالعدل في المنازعات من فروعها و أحكامها.

كلام الأستاذ الإمام حول المقبولة:

إذا عرفت تفسير الآيات الثلاث إجمالا فلنرجع إلى بيان دلالة المقبولة، فنقول:

قال الأستاذ الإمام- مدّ ظله- في تقريب الاستدلال بها على نصب الفقيه واليا ما محصّله بتوضيح منّا:

«إن قول الراوي: «بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 63 و 66 (الجزء 3).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 441

القضاة»، لا شبهة في شموله للمنازعات التي يرجع فيها إلى القضاة، كدعوى أنّ فلانا مديون أو وارث مثلا و إنكار الطرف الآخر ممّا يحتاج إلى الترافع و إقامة البيّنة أو اليمين. و المنازعات التي يرجع فيها إلى الولاة و الأمراء، كالتنازع الحاصل بينهما لأجل عدم أداء دينه أو ميراثه بعد ما كان ثابتا و معلوما ممّا تحتاج إلى إعمال السلطة و القدرة فقط و يكون مرجعها الأمراء و السلاطين. فلو قتل ظالم شخصا من طائفة و وقع النزاع بين الطائفتين فلا مرجع لرفعه إلّا الولاة بقدرتهم. و لذا قال:

«فتحاكما إلى السلطان، أو الى القضاة» و من الواضح عدم تدخّل الخلفاء في ذلك العصر بل مطلقا في المرافعات التي ترجع فيها إلى القضاة، و كذلك العكس. و قول الإمام- عليه السلام-: «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت»، انطباقه على الولاة أوضح، بل لو لا القرائن لكان الظاهر منه

خصوص الولاة.

و كيف كان، فلا إشكال في دخول الطغاة من الولاة فيه، سيما مع مناسبات الحكم و الموضوع، و مع استشهاده بالآية التي هي ظاهرة فيهم في نفسها.

و قول الراوي بعد ذلك: «فكيف يصنعان» يكون استفسارا عن المرجع في البابين.

و اختصاصه بأحدهما سيّما القضاة في غاية البعد.

و قول الامام- عليه السلام-: «فليرضوا به حكما» يكون تعيينا للحاكم في التنازع مطلقا.

و لو توهّم من قوله: «فليرضوا» اختصاصه بمورد تعيين الحكم فلا شبهة في عدم إرادة خصوصه، بل ذكر من باب المثال، و إلّا فالرجوع إلى القضاة الذي هو المراد جزما لا يعتبر فيه الرضا من الطرفين.

فاتّضح من جميع ذلك أنّه يستفاد من قوله «ع»: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» أنه «ع» قد جعل الفقيه حاكما فيما هو من شئون القضاء، و ما هو من شئون الولاية.

فالفقيه ولي الأمر في البابين و حاكم في القسمين، سيّما مع عدوله «ع» عن قوله:

«قاضيا» إلى قوله: «حاكما.» بل لا يبعد أن يكون القضاء أيضا أعمّ من قضاء القاضي و من أمر الوالي و حكمه. قال اللّه- تعالى-: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 442

قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.» «1»

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في التعميم للبابين.

و يشهد لذلك أيضا مشهورة أبي خديجة التي مرّت، إذ الظاهر من صدرها إلى قوله:

«فإني قد جعلته قاضيا» هي المنازعات التي يرجع فيها إلى القضاة. و من تحذيره بعد ذلك من الإرجاع إلى السلطان الجائر و جعله مقابلا له بقوله «ع»: «و إيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر»، هي المنازعات التي يرجع فيها إلى

السلطان لرفع التجاوز و التعدّي لا لفصل الخصومة».

هذا ما ذكره الأستاذ الإمام- مدّ ظله- لتقريب الاستدلال بالمقبولة و المشهورة على نصب الفقيه واليا و قاضيا.

ثم تعرّض- مدّ ظله- لبعض الشبهات الواردة و الجواب عنه، فقال ما حاصله:

«ثمّ إنّه قد تنقدح شبهة في بعض الأذهان بأنّ أبا عبد اللّه «ع» في أيّام إمامته إذا نصب شخصا أو أشخاصا للإمارة أو القضاء كان أمده إلى زمان إمامته «ع»، و بعد وفاته يبطل النصب.

و فيها ما لا يخفى، فإنّه مع الغض عن أنّ مقتضى المذهب أنّ الإمام إمام حيّا و ميّتا و قائما و قاعدا، إنّ النصب لمنصب الولاية أو القضاء أو نصب المتولي للوقف أو القيم على السفهاء أو الصغار لا يبطل بموت الناصب. إذ من الضروري في طريقة العقلاء أنّه مع تغيير السلطان أو هيئة الدولة و نحوهما لا ينعزل الولاة و القضاة و غيرهم من المنصوبين. نعم للرئيس الجديد عزلهم متى أراد، و مع عدم العزل تبقى المناصب على حالها.

و في المقام لا يعقل هدم الأئمة اللاحقين لنصب الإمام الصادق «ع»، لأنّه يرجع إمّا إلى نصب غير الفقهاء العدول مع كونهم أصلح و أرجح، أو إلى إرجاع الشيعة إلى ولاة الجور و قضاته، أو إلى الإهمال لهذا الأمر الضروري الذي يحتاج إليه الأمم.

و الكل ظاهر الفساد.

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 443

فمن نصبه الإمام الصادق «ع» منصوب إلى زمان ظهور ولي الأمر- عليه السلام-.

و هنا شبهة أخرى أيضا، و هي أنّ الإمام و إن كان خليفة رسول اللّه و له نصب الولاة و القضاة لكن لم تكن يده مبسوطة، بل كان في سيطرة خلفاء الجور،

فلا أثر لجعل منصب الولاية لأشخاص لا يمكن لهم القيام بأمرها. و أمّا نصب القضاة فله أثر في الجملة.

و فيها أنّه مع وجود الأثر في الجملة لبعض الشيعة و لو سرّا إنّ لهذا الجعل سرّا سياسيا عميقا، و هو طرح حكومة عادلة إلهية و تهية بعض أسبابها حتّى لا يتحيّر المتفكّرون لو وفقهم اللّه لتشكيل حكومة إلهية.

و لقد تصدّى بعض المتفكّرين لطرح الحكومة و تخطيطها في السجن لرجاء تحقّقها في الآتي.

بل الغالب في العظماء من الأنبياء و غيرهم الشروع في الطرح أو العمل من الصفر تقريبا.

و أبو عبد اللّه «ع» قد أسّس بهذا الجعل أساسا قويما للأمّة و المذهب، بحيث لو نشر هذا الطرح و التأسيس في جامعة التشيع و أبلغه الفقهاء و المتفكّرون إلى الناس و لا سيّما إلى الجوامع العلميّة و ذوي الأفكار الراقية لصار ذلك موجبا لانتباه الأمّة و التفاتهم و قيام شخص أو أشخاص لتأسيس حكومة إسلامية عادلة تقطع أيادي الأجانب.» «1» انتهى كلامه- مدّ ظله-.

توضيح لكلام الأستاذ

أقول: قد صار حاصل كلامه- مد ظلّه- أنّ قول السائل: «فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة» بملاحظة أن فصل الخصومات كان من وظائف القضاة،

______________________________

(1)- كتاب البيع 2/ 478- 482.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 444

و أنّ سائر الأحكام المتوقّفة على إعمال القوّة و القدرة كانت من شئون الولاة. و كذا قول الإمام «ع»: «فإنّما تحاكم إلى الطاغوت» حيث استعمل لفظ الطاغوت و استشهد بالآية الشريفة، و كذا قوله: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» بدل قوله: «قاضيا» كل ذلك قرينة على أن المقصود هو تعيين المرجع لجميع الأمور المرتبطة بالولاة التي منها القضاء. فيراد بالحاكم مطلق من يرجع إليه في الأمور

للبتّ و القرار. و إلى هذا البيان أيضا يرجع كلام كل من استدل بالمقبولة في المقام، فتكون المقبولة دليلا على نصب الوالي و القاضي معا، لا بأن يستعمل لفظ الحاكم في المعنيين، بل لأنّ القضاء أيضا من شئون الولاة و لذا قد ينصبون القضاة لذلك و قد يتصدّون له بأنفسهم، كما كان يصنع أمير المؤمنين «ع». و قد مرّ في خبر سليمان بن خالد، عن الصادق «ع»: «إنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء» «1».

و بعبارة أخرى: ليس المراد أن هنا نصبين: نصب الفقيه واليا، و نصبه قاضيا و إن كان ربّما يوهم ذلك كلام الأستاذ- مدّ ظلّه- بل المراد نصبه واليا و لكنّ القضاء أيضا من شئون الوالي.

و يمكن أن يؤيّد كون المراد بالحاكم هو الوالي بقوله «ع»: «عليكم» فإنّ العلوّ إنّما يكون للوالي المتسلّط، و لو أريد القضاء فقط كان المناسب أن يقول: «بينكم.»

و قد مرّ منّا أيضا أنّ الظاهر كون الآيات الثلاث مرتبطة بمسألة الولاية.

و يظهر من قول الإمام «ع»: «من كان منكم»، اعتبار كون الوالي و القاضي للشيعة الإماميّة من الشيعة. و من قوله: «روى حديثنا»، كون روايات العترة و حديثهم أساس حكمه و قضائه. و لا يصدق هذا إلّا على المجتهد المستنبط من الأحاديث، إذ المقلّد أساس علمه فتوى مرجعه لا أحاديث أهل البيت.

و يظهر من قوله: «نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا» أيضا اعتبار الاجتهاد، إذ لا يصدق على المقلّد المحض أنّه نظر و عرف، فإنّ المتبادر من النظر في الشي ء إعمال الدقة فيه، و من معرفته الإحاطة به تفصيلا. و معنى النظر في حلالهم و حرامهم النظر

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب

صفات القاضي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 445

في الفتاوى و الأحكام الصادرة عن الأئمة «ع» و ليس هذا إلّا شأن المجتهد، كما لا يخفى.

و لو تعدّد المجتهد و اختلفوا في الفتيا كان المرجع أفقههم، كما يدلّ على ذلك ذيل المقبولة حيث قال: «فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال:

الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما، و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.» «1»

و لا يخفى انّ من قوله: «أفقههما» أيضا يستفاد اعتبار اصل الفقاهة هذا.

مناقشات حول كلام الاستاذ
اشارة

و لكن مع ذلك كلّه يمكن أن يناقش في الاستدلال بالمقبولة على نصب الفقيه واليا بوجوه:

الأول:

ما ذكرناه في الفصل السابق من الإشكال في النصب العامّ ثبوتا بشقوقه الخمسة، فراجع. و إذا فرض عدم الإمكان ثبوتا لم تصل النوبة إلى مقام الإثبات.

و لو فرض وجود ظاهر يدلّ عليه وجب تأويله بأن يحمل على بيان الصلاحية لا الفعلية، و إنّما تتحقق الفعلية بالرضا و الانتخاب و لذا قال: «فليرضوا به حكما.»

و انّما أمر بذلك ردعا عن انتخاب الجائر أو انتخاب غير من ذكره من الفقيه الواجد للشرائط، فتأمل.

الثاني:

أنّ الولاية بالنصب كانت ثابتة عندنا للإمام الصادق «ع» بنفسه،

______________________________

(1)- الكافي 1/ 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 446

و بعده أيضا للأئمة من ولده، فما معنى نصب الفقهاء ولاة بالفعل مع وجوده و ظهوره؟

و لو قيل بعدم السلطة له بالفعل، قلنا إنّ الفقيه المنصوب من قبله أيضا كذلك.

و السائل سأل عن المرجع للمحاكمات في عصر الإمام الصادق «ع»، فلا مجال لأن يقال إنّ النصب منه «ع» كان لعصر الغيبة فإن السؤال على هذا يبقى بلا جواب و يصير المقام من قبيل استثناء المورد و هو قبيح.

نعم يعقل نصب القاضي للمخاصمات الواقعة بين الشيعة لعصر الإمام الصادق «ع» أيضا بعد عدم جواز الرجوع إلى قضاة الجور.

و مورد السؤال أيضا التخاصم، كما أنّ مورد نزول الآية المستشهد بها أيضا كان هو النزاع و التخاصم، كما مرّ.

و المجعول في خبر أبي خديجة بنقليه أيضا هو منصب القضاء.

و المرجع للأمور الحسبيّة و ولاية الغيّب و القصّر و الممتنع أيضا كان هم القضاة، كما هو المتعارف في عصرنا أيضا. و قد ذكر الماوردي و أبو يعلى أن نظر القاضي يشتمل على عشرة أحكام أحدها فصل

الخصومات، فراجع «1».

و ذكر السلطان في المقبولة و مشهورة أبي خديجة أيضا كان من جهة أن المرجع للقضاء في الأمور المهمة المعتنى بها كان هو شخص السلطان، مضافا إلى أن التنفيذ و الإجراء أيضا كان بقدرته و قوّته، و لولاه لم يتمكّن القضاة من تنفيذ أحكامهم.

اللهم إلا أن يجاب عن هذا الإشكال بأنّه ليس المقصود الاستدلال بالمقبولة لجعل الولاية الكبرى للفقيه، بل الإمارة و العمل من قبل الإمام المعصوم، كما في العمّال المنصوبين من قبل الخلفاء. نظير مالك الأشتر من قبل أمير المؤمنين «ع».

فيصح نصب الفقهاء لذلك في عصر الحضور و عصر الغيبة معا غاية الأمر كون تصرّفاتهم في زمن عدم بسط اليد محدودة، فتأمّل.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 70، و الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 65.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 447

الثالث:

أنّ الظاهر أنّ الإمام الصادق «ع» لم يكن بصدد الثورة ضد السلطة الحاكمة في عصره لكى ينصب واليا في قبالها، لعدم مساعدة الظروف على ذلك.

بل كان بصدد رفع مشكلة الشيعة في عصره في باب المخاصمات. كيف؟ و لم يعهد تدخّله «ع» بنفسه في المسائل الولائية المرتبطة بالولاة مع كونه حقّا له عندنا، فكيف ينصب لذلك الفقهاء في عصره؟

و كون النصب لعصر الغيبة دون عصره مساوق للإعراض عن جواب السؤال و لاستثناء المورد و هو قبيح، كما مرّ.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ القضاء كما مرّ ليس منحازا عن الولاية الكبرى، بل هو من شئون الوالي. فالإمام «ع» جعل الولاية الكبرى للفقيه لعصره و لما بعده غاية الأمر أنّ هذا الجعل بالنسبة إلى عصره كان منشئا للأثر بالنسبة إلى خصوص القضاء و الأمور الحسبية فقط، و لعلّه في الأعصار المتأخّرة يفيد

بالنسبة الى جميع الآثار كما تراه في عصرنا حيث تهيأ الجوّ لإقامة دولة إسلامية في إيران.

و يكفي في الابتلاء بموضوع، الابتلاء ببعض شئونه.

و يؤيّد ذلك أنّه «ع» بعد ما أرجع المتخاصمين إلى من وجد الصفات المذكورة و أمر برضاهما به حكما قال: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما.» إذ الظاهر من هذا التعبير أنّ الذيل بمنزلة التعليل لما سبقه، و قد مرّ أن لفظة «عليكم» قرينة على إرادة الولاية و إلّا كان الأنسب أن يقول: «بينكم.» فيكون المراد: «إنّي جعلت الفقيه واليا عليكم»، فهو بجهة ولايته المشروعة يصحّ منه القضاء فيجب أن يرضوا به حكما.

و إنّما قال ذلك مع أنّ قضاء الوالي و قضاته نافذ و لا يشترط فيه رضا الطرفين، لأنّ الوالي المتسلّط و قضاته تكون لحكمهم ضمانة إجرائية و أمّا الوالي الذي نصبه الإمام الصادق «ع» فهو نظير نفس الإمام لم تكن ضمانة إجرائية لحكمه إلّا إيمان الشخص و رضاه، و لأجل ذلك أيضا عبّر بلفظ «الحكم»، الظاهر في قاضي التحكيم المنتخب برضا الطرفين.

و بالجملة، فالذيل كبرى كليّة ذكرت علّة للحكم، فيجب الأخذ بعمومها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 448

الرابع:

أنّ الحكومة و مشتقّاتها قد غلب استعمالها في الكتاب و السنة في خصوص القضاء، كقوله- تعالى-: «وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»، «1» و قوله:

«وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ النّٰاسِ بِالْإِثْمِ.» «2»

و في حديث ابن فضال نقلا عن خطّ أبي الحسن الثاني «ع» في تفسير الآية:

«الحكام: القضاة.» «3»

و قد مرّ في خبر سليمان بن خالد عن الإمام الصادق «ع»: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء.» «4» و قد مرّ في

أوائل هذا الفصل في تفسير الآيات الثلاث بعض كلمات أهل اللغة و موارد الاستعمال للحكم و الحاكم و الحكّام، فراجع.

بل يمكن أن يقال: إن إطلاق الحاكم و الحكّام على الوالي و الولاة كقوله «ع»:

«فصاروا ملوكا حكّاما، و أئمة أعلاما»، «5» و قوله: «و جعلوهم حكّاما على رقاب الناس» «6»، و قوله «ع»: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك» «7»، و نحو ذلك من موارد الاستعمال أيضا كان بملاحظة أنّ القضاء و فصل الخصومات كان من أهمّ شئون الولاة. و القضاة أيضا إنّما كانوا يتصدّون لذلك بنصبهم و بالنيابة عنهم.

و بالجملة، ليس إطلاق الحاكم على الوالي بالاشتراك اللفظي، أو بان ينخلع اللفظ عن معنى القضاء و يستعمل في الوالي مجازا. بل من جهة أنّ الوالي قاض حقيقة و أن القضاء من أهمّ شئونه و لا تتمّ الولاية إلّا به.

فيكون قوله: «حاكما» في المقبولة مساوقا لقوله: «قاضيا» في خبر أبي خديجة بنقليه.

______________________________

(1)- سورة النساء (4) الآية 58.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 188.

(3)- الوسائل 18/ 5، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

(4)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 802؛ عبده 2/ 177؛ لح/ 296، الخطبة 192.

(6)- نهج البلاغة، فيض/ 666؛ عبده 2/ 215، لح/ 326، الخطبة 210.

(7)- بحار الأنوار 1/ 183، كتاب العلم، الباب 1 من أبواب العلم و آدابه، الحديث 92.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 449

و التعليل كان بملاحظة أنّ القضاء لم يكن إلّا لنبيّ أو وصي نبيّ كما في خبر سليمان بن خالد و غيره، و لا يكون مشروعا إلّا باجازة الوصيّ و نصبه. و مورد السؤال

أيضا المنازعات. فالإمام الصادق «ع» أرجع المتنازعين من الشيعة إلى الفقيه و أمر بوجوب الرضا به حكما من جهة أنه- عليه السلام- بولايته المطلقة الثابتة عندنا جعله قاضيا، فصار قضاؤه بذلك مشروعا فلم يجز التخلّف عنه. و قد مرّ آنفا وجه الأمر بالرضا و التعبير بالحكم.

و ليس ذكر السلطان في المقبولة و خبر أبي خديجة دليلا على إرادة الأعمّ من القضاء بعد كون السؤال عن تكليف المتنازعين.

و إنّما ذكر السلطان من جهة أن الرجوع إلى القاضي المنصوب من قبل السلطان نحو رجوع إلى السلطان، و لأنّه ربّما كان السلطان بنفسه يتصدّى للقضاء في الأمور المهمّة.

و التنازع سواء كان لادعاء طرف و إنكار آخر أو كان لاستنكاف أحد عن أداء دينه بعد معلوميّته كان مرجعه القضاة، و كذلك جميع الأمور الحسبية كما هو المتعارف في أعصارنا أيضا. كما قد يشهد بذلك خبر إسماعيل بن سعد عن الرضا «ع»: «و عن الرجل يصحب الرجل في سفر فيحدث به حدث الموت و لا يدرك الوصية كيف يصنع بمتاعه و له أولاد صغار و كبار، أ يجوز أن يدفع متاعه و دوابّه إلى ولده الأكابر أو إلى القاضي، و إن كان في بلدة ليس فيها قاض كيف يصنع؟» «1»

إذ يظهر بذلك أنّ مرجع أمر الصغار كان هو القاضي. و قد مرّ الإشارة إلى كلام الماوردي و أبي يعلى و أنّهما جعلا تكليف القاضي أوسع من فصل الخصومات.

و على هذا فما ذكره الأستاذ الإمام- مدّ ظلّه- في بيان المقبولة من تقسيم التنازع الى قسمين و إرادة استفادة جعل الولاية الكبرى من هذا الطريق قابل للخدشة

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 475، الباب 88 من أحكام الوصايا، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 450

جدّا، فتأمّل.

و قد تحصّل ممّا ذكرناه بطوله أنّ المقبولة، و كذا خبر أبي خديجة بنقليه كليهما في مقام نصب القاضي للشيعة الإمامية لرفع مشاكلهم في الأمور التي كانت ترتبط بالقضاة بعد ما حرّم عليهم الرجوع الى قضاة الجور. فلا يصحّ الاستدلال بهما لإثبات الولاية المطلقة بالنصب.

فإن قلت: التعبير بالطاغوت و الاستشهاد بالآية الشريفة لا يناسبان إرادة خصوص القضاء.

قلت: الرجوع إلى قضاة الجور و الاعتناء بهم و بحكمهم كان في الحقيقة رجوعا إلى السلاطين. فإنّ القضاة كانوا من أذنابهم و منصوبين من قبلهم، و قوّتهم كانت بقوّتهم. ألا ترى أنّ من رجع إلى أحد العمّال في دولة و اعتنى به بما أنّه عامل هذه الدولة يصدق عليه أنّه اعتنى بهذه الدولة و أمضى مشروعيتها. و مورد نزول الآية أيضا كان هو القضاء، كما مرّ.

فان قلت: استعمال حرف الاستعلاء في قوله: «عليكم» يناسب الولاية المطلقة، لما مرّ من أنّ المناسب للقضاء أن يقال: «بينكم».

قلت: ليس استعمال حرف الاستعلاء في القضاء غلطا، إذ في القضاء أيضا يوجد نحو استيلاء و استعلاء. فإنّ القاضي المنصوب من قبل السلطان له علوّ و قدرة بقدرة من نصبه. و القاضي المنصوب من قبل الإمام الصادق «ع» أيضا له نحو قدرة معنوية لوجوب العمل بحكمه و التسليم له، فيصحّ استعمال حرف الاستعلاء على أيّ تقدير.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 451

الخامس:

أنّ الظاهر كون المخاطب في «منكم» و «عليكم» خصوص الشيعة الإماميّة الاثنى عشرية، كما يشهد بذلك كلمة: «أصحابنا» في كلام السائل.

و الشيعة في عصر الإمام الصادق «ع» كانوا قليلين جدّا مستهلكين بين سائر المسلمين، فلم يمكن تحقّق دولة و حكومة لهم.

فيعلم بذلك أنّ الإمام «ع» لم يكن بصدد نصب الوالي، بل كان غرضه رفع مشكلة الشيعة في منازعاتهم فأرجعهم إلى تعيين قاضي التحكيم بأن يختاروا رجلا منهم و يرضوا به حكما. و لو كان بصدد نصب الوالي لكان المناسب نصبه على جميع الأمّة لا على الشيعة فقط.

اللّهم إلّا أن يقال، كما مرّ في كلام الأستاذ- مدّ ظلّه-: إنّ نظر الإمام الصادق «ع» لم يكن مقصورا على عصره فقط، بل كان بصدد طرح حكومة عادلة إلهية و بيان شرائطها و مواصفاتها حتّى لا يتحيّر المفكّرون لو وفّقهم اللّه- تعالى- لإقامة دولة حقّة و لو في الأعصار الآتية. و يكفي في صحة هذا الجعل بنحو يشمل عصره أيضا ترتّب بعض الآثار في عصره، أعني الأمور المرتبطة بالقضاة من القضاء و الأمور الحسبيّة و نحوها، فتدبّر.

السادس:

سلّمنا أنّ الحكم بمشتقّاته بحسب الوضع و المفهوم يعمّ القضاء و غيره مما يشتمل على البتّ و الفصل و لكن لمّا كانت المقبولة سؤالا و جوابا متعرضة لمسألة المنازعة في الأموال و القضاء فيها، فالقضاء هو القدر المتيقن من الكلام، و لا دليل على إرادة الأعمّ.

و التمسك بالإطلاق إنّما يجري في الموضوعات لا في المحمولات.

فلو قيل: «النار حارة» بلا ذكر قيد نحكم بكون الموضوع طبيعة النار بإطلاقها فتشمل جميع الأفراد، و لا نحكم بكون المحمول جميع مراتب الحرارة و أفرادها. و لو قال المولى: «أكرم عالما» نجري فيه مقدّمات الحكمة فنقول: كان المولى في مقام البيان و جعل الموضوع لحكمه طبيعة العالم فيثبت الإطلاق، و نتيجته كفاية أيّ عالم كان.

و أما إذا قال: «زيد عالم» فلا يجري الإطلاق في المحمول، و لا نحكم بكونه عالما بكل ما يحتمل كونه عالما به.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 452

فكذلك إذا قال: «الفقيه حاكم أو خليفتي أو حجتي أو وارثي أو أميني أو نحو ذلك» لا يثبت به إلّا الحاكمية أو الخلافة أو نحوهما بالإجمال بلا عموم و شمول.

نعم، لو لم يوجد في البين قدر متيقّن و كان المولى في مقام بيان الوظيفة و التكليف حكمنا بالإطلاق و إلّا صار الجعل لغوا. و أمّا مع وجود القدر المتيقّن فلا لغويّة و لا إطلاق. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: إنّا لا نرى فرقا بين الموضوعات و بين المحمولات. إذ لو كان المولى في مقام الإهمال و الإجمال فلا إطلاق أصلا. و إن كان في مقام البيان فإن لم يوجد قدر متيقّن ثبت الإطلاق في كليهما. و إن وجد القدر المتيقّن في البين فإن قلنا بأنّ وجوده مضرّ بالإطلاق لم يثبت الإطلاق لا في الموضوع و لا في المحمول، و إن لم يكن مضرّا به ثبت الإطلاق في كليهما. فالفرق بينهما بلا وجه.

و الحقّ أنّه لو كانت هنا قرينة لفظية متّصلة أو لبّيّة بيّنة بحيث كانت كاللفظيّة المتّصلة منعت هذه من انعقاد الإطلاق قهرا.

و أمّا صرف وجود القدر المتيقّن بعد إعمال الدقّة فلا يصلح مانعا من انعقاد الإطلاق و لا حجّة لرفع اليد منه من غير فرق بين الموضوع و غيره.

فلو قال المولى: «جئني برجل راكبا» و كان في مقام البيان من كلّ جهة فكما تجري مقدّمات الحكمة في الرجل و يثبت فيه الإطلاق و نتيجته التخيير و العموم البدلي بالنسبة الى كلّ رجل فكذلك تجري في المجي ء به و في الركوب أيضا، فلا يتعيّن نحو خاصّ من المجي ء أو الركوب بل يتخيّر المكلف بين أنواع كلّ

منهما.

و لو قال: «أكرم عالما» فكما تجري مقدّمات الحكمة في الموضوع و نتيجته كفاية أيّ عالم كان فكذلك تجري في متعلّق الحكم أعني الإكرام و نتيجته كفاية أي نوع من الإكرام.

و في مقام الإنشاء قد يجعل المتعلق للحكم محمولا في القضية فيقال مثلا: «زيد مكرم» و يراد وجوب إكرامه فلو كان في مقام البيان يثبت الإطلاق في المحمول بلا إشكال.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 453

نعم، الإطلاق ربّما ينتج العموم الاستغراقي و ربّما ينتج العموم البدلي، و هذا بحسب اختلاف الموارد، كما لا يخفى.

هذا مضافا إلى أنّ قوله: «جعلته عليكم حاكما» يصير مفاده أنّ «حاكميّة الفقيه مجعولة» فتصير الحاكميّة موضوعا للجعل، اللّهم إلّا أن يقال هذا خلط بين الموضوع المصطلح في علم الأصول و الموضوع المصطلح في علم النحو، و الحاكميّة بحسب المفاد محمول على الفقيه و إن جعلت في القضية موضوعا.

و قد تلخّص ممّا ذكرناه هنا أنّ الحكم بالإطلاق مع تحقّق مقدّماته لا يفرق فيه بين الموضوع و بين غيره، و أنّ كون القضاء هو القدر المتيقّن من لفظ الحاكم في المقبولة لا يوجب حمله على خصوص القضاء، و كون المورد خصوص المنازعة أيضا لا يوجب الاختصاص فإنّ المورد لا يخصّص بعد كون الجواب عامّا. فالإشكال السادس مدفوع و باطل من أساسه.

السابع:

أنّ لفظ الحكم في المقبولة ظاهر في قاضي التحكيم، أي المحكّم من قبل المتخاصمين، فيكون المراد بالحاكم أيضا ذلك لتتلائم الجملتان.

و على هذا فليس في المقبولة نصب لا للوالي و لا للقاضي. و ليس لفظ: «الجعل» هنا بمعنى الإنشاء و الإيجاد، بل بمعنى القول و التعريف. فيصير محصّل كلام الإمام «ع» أنّي أقول لكم و أرشدكم أنّ

الرجل الكذائي صالح لأن تختاروه و ترضوا به حكما بينكم.

قال في لسان العرب في معاني الجعل:

«جعل الطين خزفا و القبيح حسنا: صيّره إيّاه. و جعل البصرة بغداد: ظنها إياه ...

و قوله: «و جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا»، قال الزجّاج: الجعل هاهنا بمعنى القول و الحكم على الشي ء. كما تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي قد و صفته بذلك و حكمت به.» «1»

______________________________

(1)- لسان العرب 11/ 111.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 454

أقول: يظهر من الأخبار المستفيضة أنّ القضاء لا يجوز و لا ينفذ إلّا من النبيّ أو الوصيّ، ففي خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» قال أمير المؤمنين «ع» لشريح: «يا شريح، قد جلست مجلسا لا يجلسه (ما جلسه خ. ل) إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ.» «1»

و في خبر سليمان بن خالد عنه «ع»، قال: «اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبيّ (كنبيّ خ. ل) أو وصيّ نبيّ.» «2»

و على هذا فلأحد أن يقول إنّ الإمام الصادق «ع» قد صار بصدد نصب الفقيه قاضيا ليصحّ و ينفذ قضاؤه، و في الحقيقة يصير وصيّا للوصيّ، و أوصى للمتخاصمين من الشيعة أن يختاروه و يرضوا به حكما في قبال قضاة الجور. و قد مرّ أن اعتبار الرضا لعلّه يكون من جهة أنّه ليس لقضاء هذا القاضي لعدم سلطته ضمانة إجرائية سوى رضا الطرفين و إيمانهما، و بهذه الملاحظة أيضا عبّر عنه بالحكم. فيصير مفاد كلام الإمام «ع» أنّه يحرم عليكم الرجوع إلى قضاة الجور، و يجب عليكم تحكيم رجل منكم وجد الصفات المذكورة، و يجب الرضا بقضائه لأنّي

جعلته قاضيا أو واليا فصار قضاؤه مشروعا نافذا بذلك.

و بالجملة، الظاهر من الجملة تحقّق النصب، كما هو الظاهر من مشهورة أبي خديجة أيضا. و جعل الجعل في الحديث بمعنى القول خلاف الظاهر جدّا. و ما ذكرناه في الفصل السابق من الخدشة ثبوتا في نصب الوالي بنحو العموم لا يجري في نصب القاضي، فإنّ عمل القاضي محدود فيمكن تعدد القضاة بتعدّد الفقهاء، و كلّ منهم يعمل بتكليفه في ظرف خاصّ و منطقة محدودة، و هذا بخلاف الولاية بالمفهوم الوسيع الشامل لجميع أعمال الولاة.

و الحاصل أنّه لا يترتب كثير إشكال على جعل الإمام الصادق «ع» جميع الفقهاء في عصره و الأعصار المتأخرة قضاة ينفذ قضاؤهم.

و أما جعل الجميع ولاة نافذي الكلمة في جميع ما يرجع إلى الولاة من الأمور فهو الذي يوجب الاختلاف و الهرج و المرج، كما مرّ.

______________________________

(1) الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

(2) الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 455

و قد طال الكلام في البحث في المقبولة، و تحصّل لك إمكان الخدشة في الاستدلال بها لنصب الفقهاء ولاة بالفعل.

نعم، بعد ما أثبتنا ضرورة الحكومة في جميع الأعصار و عدم جواز تعطيلها و دلّت المقبولة على حرمة التسليم للطواغيت و الرجوع اليهم يظهر منها قهرا أنّ المتعيّن للولاية هو الواجد للصفات التي ذكرها الإمام «ع»، فيجب على الأمّة انتخابه و لا مجال لانتخاب غيره.

و بالجملة، دلالة المقبولة على أنّ الصالح للولاية و المتعيّن لها إجمالا هو الفقيه الجامع للشرائط ممّا لا إشكال فيه، و انّما الإشكال في أنّ فعليتها تتحقّق بالنصب من قبل الإمام «ع» أو

بالانتخاب من قبل الأمّة.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّه إذا فرض عدم صحة القضاء بدون النصب و عدم نفوذه فعدم نفوذ الولاية بدون النصب يثبت بطريق أولى، فإن القضاء شأن من شئون الوالي و فرع من فروع الولاية، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 456

تتمة نقل كلام الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردي و نقده
اشارة

اعلم أنّ السيد الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه-،- على ما كتبنا عنه في سنة 1367 الهجرية القمرية في تقريرات لبحثه سميناه: البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر، المطبوع في تلك الأيّام- ذكر مقبولة عمر بن حنظلة دليلا على ولاية الفقيه، ثمّ ذكر كلاما في هذا الباب نرى هنا نقل ملخّصه تتميما للفائدة و أداء لبعض حقوقه- طاب ثراه- قال:

«إن اثبات ولاية الفقيه و بيان الضابطة لما يكون من شئون الفقيه و من حدود ولايته يتوقف على

تقديم أمور:
الأول: إنّ في المجتمع أمورا لا تكون من وظائف الأشخاص و لا ترتبط بهم،

بل تكون من الأمور العامّة الاجتماعية التي يتوقّف عليها حفظ نظام المجتمع، كالقضاء و الولاية على الغيّب و القصّر و نحوها و حفظ النظام الداخلي و سدّ الثغور و الأمر بالجهاد و الدفاع عند هجوم الأعداء و نحو ذلك، فليست هذه الأمور ممّا يتصدّى لها كل شخص بل تكون من وظائف قيّم المجتمع و من بيده أزمّة الأمور الاجتماعيّة.

الثاني: لا يبقى شك لمن تتبّع قوانين الإسلام و ضوابطه في أنّه دين سياسيّ اجتماعي،

و ليست أحكامه مقصورة على العباديات المحضة المشرّعة لتكميل الأفراد و تأمين سعادة الآخرة فقط، بل يكون أكثر أحكامه مرتبطة بسياسة المدن و تنظيم الاجتماع و تأمين سعادة هذه النشأة أو جامعة للحسنيين و مرتبطة بالنشأتين، و ذلك كأحكام المعاملات و السياسات و الجزائيات من الحدود و القصاص و الديات، و الأحكام القضائية، و الضرائب التي يتوقّف عليها حفظ دولة الإسلام كالأخماس

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 457

و الزكوات و نحوهما.

و لأجل ذلك اتّفق الخاصّة و العامّة على أنّه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس و زعيم يدبّر أمور المسلمين. بل هو من ضروريات الإسلام و إن اختلفوا في شرائطه و خصوصيّاته و أن تعيينه من قبل رسول اللّه «ص» او بالانتخاب العموميّ.

الثالث: لا يخفى أن سياسة المدن و تأمين الجهات الاجتماعيّة

في دين الإسلام لم تكن منحازة عن الجهات الروحانية و الشؤون المربوطة بتبليغ الأحكام و إرشاد المسلمين، بل كانت السياسة فيه من الصدر الأوّل مختلطة بالدّيانة و من شئونها.

فكان رسول اللّه «ص» بشخصه يدبّر أمور المسلمين و يسوسهم و يرجع إليه لفصل الخصومات و كان ينصب الحكّام و العمّال للولايات و يطلب الأخماس و الزكوات و نحوهما من الماليات، و هكذا كانت سيرة الخلفاء من بعده الراشدين و غيرهم و كانوا في بادي الأمر يعملون بالوظائف السياسية في مراكز الإرشاد و الهداية كالمساجد، فكان امام المسجد بنفسه أميرا لهم، و بعد ذلك أيضا استمرت السيرة على بناء المسجد الجامع قرب دار الإمارة. و كان الخلفاء و الأمراء بأنفسهم يقيمون الجمعات و الأعياد، بل و يدبّرون أمر الحج و مواقفه، حيث إنّ العبادات الثلاث مع كونها عبادية قد احتوت على فوائد سياسيّة لا يوجد نظيرها في غيرها.

و هذا النّحو من الخلط بين الجهات الروحيّة و الجهات السياسية من خصائص الإسلام و ميزاته.

الرابع: قد تلخص ممّا ذكرناه:

1- أنّ لنا حاجات اجتماعية تكون من وظائف سائس الاجتماع و قائده. 2- و أنّ الديانة المقدسة الإسلامية لم تهمل هذه الأمور، بل اهتمت بها أشدّ الاهتمام و شرّعت بلحاظها أحكاما كثيرة و فوّضت إجراءها إلى سائس المسلمين. 3- و أنّ سائس المسلمين في بادي الأمر لم يكن إلّا شخص النبيّ الأكرم «ص» ثمّ الخلفاء بعده.

و حينئذ فنقول: إنّه لمّا كان من معتقداتنا معاشر الشيعة الإماميّة أنّ خلافة رسول اللّه «ص» و زعامة المسلمين من بعده كانت للأئمة الاثني عشر «ع» و أن رسول اللّه «ص» لم يهمل أمر الخلافة بل عين لها من بعده أمير المؤمنين «ع» ثمّ انتقلت منه إلى أولاده عترة الرسول فكانوا هم المراجع الأحقّاء للأمور السياسيّة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 458

و الاجتماعيّة و كان على المسلمين الرجوع إليهم و تقويتهم في ذلك، فلا محالة كان هذا مركوزا في أذهان أصحاب الأئمة «ع» أيضا و كان أمثال زرارة و محمد بن مسلم من فقهاء أصحاب الأئمة و ملازميهم لا يرون المرجع لهذه الأمور إلّا الأئمة «ع» أو من نصبوه لذلك، فلذلك كانوا يراجعون إليهم فيما يتّفق لهم مهما أمكن كما يعلم ذلك بمراجعة أحوالهم.

إذا عرفت هذه المقدمات فنقول:

لمّا كان هذه الأمور و الحوائج الاجتماعيّة ممّا يبتلى بها الجميع مدّة عمرهم غالبا و لم يكن الشيعة في عصر الأئمة «ع» متمكنين من الرجوع إليهم «ع» في جميع الأحوال، كما يشهد بذلك مضافا إلى تفرقهم في البلدان عدم كون الأئمة «ع» مبسوطي اليد بحيث يرجع اليهم في كلّ وقت لأيّ حاجة اتّفقت، فلا محالة يحصل لنا القطع بأنّ أمثال زرارة و محمد بن مسلم و غيرهما من خواصّ الأئمة

«ع» سألوهم عمّن يرجع إليه في مثل تلك الأمور إذا لم يتمكّنوا منهم «ع»، و نقطع أيضا بأنّ الأئمة «ع» لم يهملوا هذه الأمور العامة البلوى التي لا يرضى الشارع بإهمالها بل نصبوا لها من يرجع إليه شيعتهم إذا لم يتمكّنوا منهم «ع» و لا سيّما مع علمهم «ع» بعدم تمكّن أغلب الشيعة من الرجوع إليهم بل عدم تمكّن الجميع في عصر الغيبة التي كانوا يخبرون عنها غالبا و يهيّئون شيعتهم لها.

و هل لأحد أن يحتمل انهم «ع» نهوا شيعتهم عن الرجوع إلى الطواغيت و قضاة الجور و مع ذلك أهملوا لهم هذه الأمور و لم يعيّنوا من يرجع إليه الشيعة في فصل الخصومات و التصرّف في أموال الغيّب و القصّر و الدفاع عن حوزة الإسلام و نحو ذلك من الأمور المهمّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها؟

و كيف كان، فنحن نقطع بأن صحابة الأئمة «ع» سألوهم عمّن يرجع إليه الشيعة في تلك الأمور مع عدم التمكن منهم «ع» و أنّ الأئمة «ع» أيضا أجابوهم و نصبوا للشيعة مع عدم التمكّن منهم «ع» أشخاصا يتمكّنون منهم إذا احتاجوا.

غاية الأمر سقوط تلك الأسئلة و الأجوبة من الجوامع الحديثيّة التي بأيدينا، و لم يصل إلينا إلّا ما رواه عمر بن حنظلة و أبو خديجة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 459

و إذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم «ع» و أنّهم لم يهملوا هذه الأمور المهمّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها (و لا سيما مع إحاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة) فلا محالة يتعيّن الفقيه لذلك، إذ لم يقل أحد بنصب غيره. فالأمر يدور بين عدم النصب و بين نصب الفقيه العادل، و إذا

ثبت بطلان الأوّل بما ذكرناه صار نصب الفقيه مقطوعا به و تصير مقبولة ابن حنظلة أيضا من شواهد ذلك.

و إن شئت ترتيب ذلك على النظم القياسي فصورته هكذا: إمّا إنّه لم ينصب الأئمة «ع» أحدا لهذه الأمور العامّة البلوى و أهملوها، و إما إنّهم نصبوا الفقيه لها، لكنّ الأوّل باطل فثبت الثاني.

فهذا قياس استثنائي مؤلّف من قضيّة منفصلة حقيقيّة، و حمليّة دلّت على رفع المقدّم، فينتج وضع التالي و هو المطلوب.

و بما ذكرناه يظهر أن مراده «ع» بقوله في المقبولة: «حاكما» هو الذي يرجع إليه في جميع الأمور العامّة الاجتماعيّة التي لا تكون من وظائف الأفراد و لا يرضى الشارع أيضا بإهمالها (و لو في عصر الغيبة و عدم التمكن من الأئمة «ع») و منها القضاء و فصل الخصومات، و لم يرد به خصوص القاضي.

و لو سلّم فنقول: إنّ المترائى من بعض الأخبار أنّه كان شغل القضاء ملازما عرفا لتصدّي سائر الأمور العامّة البلوى، كما يظهر من خبر إسماعيل بن سعد عن الرضا «ع»: «و عن الرجل يصحب الرجل في سفر فيحدث به حدث الموت و لا يدرك الوصية كيف يصنع بمتاعه و له أولاد صغار و كبار، أ يجوز أن يدفع متاعه و دوابّه إلى ولده الأكابر أو إلى القاضي، و إن كان في بلدة ليس فيها قاض كيف يصنع؟ ...» «1»

و بالجملة، كون الفقيه العادل منصوبا من قبل الأئمة «ع» لمثل تلك الأمور العامّة المهمّة التي يبتلى بها العامّة ممّا لا إشكال فيه إجمالا بعد ما بيّناه، و لا نحتاج في إثباته إلى مقبولة ابن

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 475، الباب 88 من أحكام الوصايا، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية،

ج 1، ص: 460

حنظلة. غاية الأمر كونها أيضا من الشواهد، فتدبّر.» «1»

أقول: أمّا ما ذكره- طاب ثراه-

من كون الأئمة الاثني عشر ولاة في الأمور السياسيّة و الاجتماعيّة بالاستحقاق و النصب فحقّ عندنا، و محلّ بحثه الكتب الكلاميّة.

و أمّا أنّ أصحاب الأئمة «ع» كانوا يرجعون إليهم فيما يتّفق لهم من هذه الأمور السياسية فأمر يحتاج إلى تتبّع، و لا يتيسّر لي ذلك فعلا.

و أمّا ما ذكره أخيرا من أنّ الأئمة «ع» إمّا إنّهم لم ينصبوا لهذه الأمور أحدا و أهملوها، أو إنّهم نصبوا الفقيه لذلك و إذا ثبت بطلان الأوّل صار نصب الفقيه مقطوعا به.

ففيه أنّ طريق انعقاد الولاية إن كان منحصرا في النصب من العالي كما هو الظاهر منه- طاب ثراه- بل من سائر الأعاظم المتعرضين للمسألة كان ما ذكره صحيحا.

و أمّا إن نوقش في ذلك و قيل بما قوّيناه من أنّها تنعقد بانتخاب الأمّة أيضا غاية الأمر كونه في طول النصب و في صورة عدمه فنقول: لعلّ الأئمة- عليهم السلام- أحالوا الأمور الولائيّة في عصر الغيبة إلى انتخاب الأمّة، غاية الأمر لزوم كون المنتخب واجدا للشرائط و الصفات التي اعتبرها الشارع في الوالي.

فعلى الأمّة في عصر الغيبة أن يختاروا فقيها جامعا للشرائط و يولّوه على أنفسهم.

و باختيارهم و توليتهم يصير واليا بالفعل. و لا يبقى محذور في البين، فانتظر ما نحرّره في الفصل الرابع من هذا الباب دليلا على صحّة الانتخاب و اعتباره.

______________________________

(1)- البدر الزاهر/ 52.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 461

الأمر الثاني: حديث اللهم ارحم خلفائي

مما استدلّ به على نصب الفقهاء ولاة بالفعل ما رواه الصدوق في آخر الفقيه، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم ارحم خلفائي.» قيل:

يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي يروون حديثي و سنّتى.» «1»

و رواه

أيضا في أواخر المعاني عن أبيه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن داود اليعقوبي، عن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب «ع» قال: «قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم ارحم خلفائي، اللّهم ارحم خلفائي، اللّهم ارحم خلفائي.» قيل له: يا رسول اللّه ...» «2»

و رواه في المجالس عن الحسين بن احمد بن إدريس، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن محمد بن حسان الرازي، عن محمد بن علي عن عيسى بن عبد اللّه العلوي العمري، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم ارحم خلفائي»- ثلاثا- قيل: يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: «الذين يبلّغون حديثي و سنّتي ثمّ يعلمونها أمّتي.» «3»

______________________________

(1)- الفقيه 4/ 420، باب النوادر، الحديث 5919.

(2)- معاني الأخبار 2/ 374، الباب 423 (باب معنى قول النبي: «اللهم ارحم خلفائي»- ثلاثا).

(3)- الأمالي للصدوق/ 109، المجلس 34، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 462

و رواه أيضا في العيون عن أبي الحسن محمد بن علي بن الشاه الفقيه المرورودي، قال: حدثنا أبو بكر بن محمد بن عبد اللّه النيسابوري، قال: حدثنا أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن عامر بن سليمان (سلمويه خ. ل) الطائي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثني علي بن موسى الرضا «ع».

و حدثنا أبو منصور أحمد بن ابراهيم بن بكر الخوري، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن هارون (مروان خ. ل) بن محمد الخوري، قال: حدثنا جعفر بن محمد

بن زياد الفقيه الخوري، قال: حدثنا أحمد بن عبد اللّه الهروي الشيباني، عن الرضا «ع».

و حدثني أبو عبد اللّه الحسين محمد الأشناني الرازي، قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء، عن علي بن موسى الرضا «ع»، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم ارحم خلفائي.» قيل له: «و من خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي و يروون أحاديثي و سنّتي فيعلّمونها الناس من بعدي.» «1»

و رواه في المستدرك عن صحيفة الرضا «ع» مثل ما في العيون، و عن عوالي اللئالي أيضا مثله. و زاد في آخره: «أولئك رفقائي في الجنة.» «2»

و في البحار عن منية المريد: قال رسول اللّه «ص»: «رحم اللّه خلفائي.» فقيل:

يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟ قال: «الذين يحيون سنّتي و يعلّمونها عباد اللّه.» «3»

و في كنز العمال: «رحمة اللّه على خلفائي. قيل: و من خلفاؤك يا رسول اللّه؟ قال: الذين يحيون سنّتي و يعلّمونها الناس.» (ابو نصر السجزى في الإبانة، و ابن عساكر، عن

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا 2/ 37، الباب 31، الحديث 94. و روى ما في الفقيه و المعاني و الأمالي و العيون في الوسائل 18/ 65 و 66 و 100 الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 50 و 53، و الباب 11 منها، الحديث 7. و جعل رواية المعاني مثل ما في العيون، و ليست كذلك على ما في العيون المطبوع، فراجع.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 182، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10 و 11.

(3)- بحار الأنوار 2/ 25 الباب 8 من كتاب العلم، الحديث 83، عن منية المريد/ 12.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 463

الحسن بن علي) «1»

و بالجملة، كثرة أسناد الحديث لعلّها توجب الاطمينان بصدوره إجمالا.

مضافا إلى أن الصدوق في الفقيه إذا أسند الحديث بنحو الجزم إلى المعصوم- عليه السلام- كما في المقام ظهر منه أنّه كان قاطعا بصدوره عنه أو كان له حجة شرعيّة على ذلك.

نعم، لو عبّر بقوله: «روي عنه» مثلا أمكن كون الإرسال مضرّا.

و قال «قده» في أوّل الفقيه:

«و لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتى به و أحكم بصحّته و أعتقد فيه أنّه حجة فيما بيني و بين ربّي. و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل و إليها المرجع.» «2»

هذا كله بالنسبة إلى سند الحديث.

و أما الدلالة فنقول: إنّ أمهات شئون النّبيّ الأكرم «ص» كانت ثلاثة:

الأوّل: تبليغ آيات اللّه و أحكامه و إرشاد الناس. الثّاني: فصل الخصومات و القضاء بينهم. الثالث: الولاية عليهم و تدبير أمورهم.

و إطلاق الخلافة عنه «ص» يقتضي العموم لجميع الشؤون الثلاثة لو لم نقل بكون الأخير هو القدر المتيقّن، إذ المعهود من لفظ الخلافة عنه في صدر الإسلام كان هو الخلافة عنه في الرئاسة العظمى على الأمّة و تدبير أمورهم. و الخلفاء جمع الخليفة.

و هل يحتمل أحد أنّ المفاد من لفظ الجمع كان يغاير المفاد من المفرد سنخا؟

و توهّم إرادة خصوص الأئمة الاثني عشر في غاية الوهن، إذ التعبير عنهم «ع»

______________________________

(1)- كنز العمال 10/ 229، الباب 3 من كتاب العلم من قسم الأقوال، الحديث 29209.

(2)- الفقيه 1/ 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 464

برواة الحديث غير معهود فإنّهم عترة النبي «ص» و آله و خزّان علمه.

و

ليس المراد من قوله «ع»: «يروون حديثي و سنّتي»: الحفّاظ لألفاظ الحديث نظير المسجّلات، بل المتفقّهون في أقواله و سنّته.

و يشهد لذلك قوله في بعض النقول: «فيعلمونها الناس من بعدي.» إذ التعليم شأن من درى الرواية و تفهّمها. بل ربّ راو لا يعلم بكون ما يرويه كلاما للنبيّ «ص» و سنّة له حقيقة، فإنّ تشخيص السنّة الصادقة عن الأخبار المختلقة أو المحرّفة، و معرفة ما هو الحقّ من الأخبار المتعارضة إنّما هو من شئون أهل الدراية و الفقه و أهل التحقيق و المعرفة، كما لا يخفى على علماء الرجال و الدراية.

هذا مضافا إلى أنّه بمناسبة الحكم و الموضوع يظهر لنا عدم إرادة الراوي المحض، إذ لا يناسب جعل منصب خلافة النّبيّ الأكرم «ص» لمن لا شأن له إلّا حفظ ألفاظ النبي «ص» بلا دراية و درك لمفاهيمها و تفقّه فيها، كما هو واضح.

فإن قلت: قوله: «يروون حديثي و سنّتي»، و كذلك قوله: «فيعلّمونها الناس من بعدي» قرينة على إرادة الخلافة في خصوص بيان الروايات و تعليم الأحكام.

قلت: أوّلا: لم يكن النّبيّ «ص» راويا حتّى يخلفه الرواة في الرواية.

و ثانيا: إنّ الظاهر أنّ الذيل ذكر معرّفا للخلفاء لا محدّدا للخلافة، فيكون المراد توصيف من له أهلية الخلافة عنه «ص» و إن كانت الخلافة مطلقة.

بل النّبيّ «ص» أيضا كان الملاك المهمّ لخلافته المطلقة عن اللّه معارفه و علومه و تعليماته، و كذلك أبونا آدم «ع».

أ لا ترى أنّ اللّه- تعالى- بعد ما قال للملائكة: «إنّي جاعل في الأرض خليفة»، و قال الملائكة: «نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك» قال- تعالى-: «وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلٰائِكَةِ فَقٰالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمٰاءِ هٰؤُلٰاءِ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ ...»

«1»؟ إذ يظهر من الآيات

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 30 و 31.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 465

أنّ الحجر الأساسي للخلافة عن اللّه هو الإحاطة العلمية، فتدبّر.

فإن قلت: إنّما ينعقد الإطلاق في الموضوعات بإجراء مقدّمات الحكمة و لا يجري في المحمولات؛ فإذا قال المولى: «أكرم عالما» ينعقد الإطلاق إذا كان في مقام البيان، بخلاف ما إذا قال: «زيد عالم»، فإنّه لا يحمل على كونه عالما بكلّ شي ء.

و الخلفاء في الحديث الشريف بمنزلة المحمول، فلا يؤخذ فيه بالإطلاق. و القدر المتيقّن منه هو الخلافة في التعليم و الإرشاد، كما يدلّ عليه ذيل الحديث.

قلت: قد مرّ هذا الاعتراض في عداد الاعتراضات على المقبولة، و قلنا هناك:

إنّا لا نرى فرقا بين الموضوع و المحمول في ذلك، إذ المولى إن لم يكن في مقام البيان لم ينعقد إطلاق أصلا. و إن كان في مقام البيان فإن لم يكن في البين قدر متيقّن حكمنا بالإطلاق حذرا من حمل كلامه على الإجمال و اللغوية. و إن وجد قدر متيقّن فإن أضرّ وجوده بالإطلاق أضرّ في المقامين، و إن لم يضرّ به لم يضرّ مطلقا فالفرق بين الموضوع و المحمول بلا وجه. و قد مرّ أنّ الحقّ أنّه لو كان هنا قرينة لفظيّة متصلة أو لبّية بيّنة بحيث كانت كاللفظيّة المتّصلة أضرّت هذه بانعقاد الإطلاق، و أمّا صرف وجود المتيقّن واقعا بعد إعمال الدقة فلا يضرّ بانعقاده، فتدبّر.

فإن قلت: مقتضى إطلاق الخلافة في المقام أن يكون للفقيه مثل ما للنبيّ الأكرم «ص» من الولاية و الأولويّة بالنسبة الى الأموال و النفوس. و بعبارة أخرى:

يكون الفقيه في خلافته عن رسول اللّه «ص» نظير أمير المؤمنين «ع» في

خلافته عنه، و هل يمكن الالتزام بذلك؟

قلت: نبوّته «ص» و رسالته من خصائصه التي لا يشاركه فيهما أحد، كما أنّ الفضائل المعنويّة و الكرامة الذاتيّة له و كذلك للأئمة المعصومين «ع» من خصائصهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 466

و لكنّ البحث ليس في هذه الكمالات الذاتيّة، بل الكلام هنا في الولاية الاعتباريّة الجعليّة التي بها يتكفّل الشخص بتدبير الأمور و سياسة البلاد و العباد و تنفيذ مقرّرات الإسلام و حدوده و تعيين الأمراء و القضاة و جباية الضرائب و نحو ذلك من وظائف الولاة.

و ليست الولاية الاعتباريّة كما مرّ في الباب الثاني ميزة و أثرة، بل هي مجرّد وظيفة و مسئوليّة خطيرة، و لا يفرق في ذلك بين النّبيّ «ص» و الأئمة «ع» بل و الفقيه الجامع للشرائط الذي تحمّل هذه المسؤوليّة، فله و عليه مثل ما لهم و عليهم فيما يرجع إلى الوظائف السياسيّة.

فهل لأحد أن يحتمل مثلا أنّ النّبيّ «ص» يجلد الزاني مأئة جلدة و الفقيه يجلده أقلّ من ذلك؟ أو أنّ ما يطلب منه النّبيّ «ص» الزكاة غير ما يطلب منه الفقيه؟ أو أنّ النّبي «ص» له أن يعيّن الأمراء و القضاة للبلاد و الفقيه ليس له ذلك؟ إلى غير ذلك من وظائف الولاة.

هذه غاية تقريب الاستدلال بالحديث الشريف، و لكن مع ذلك كلّه في النفس منه شي ء: فإنّ قوله «ع»: «فيعلّمونها الناس من بعدي» له ظهور قويّ في تحديد الخلافة و أن الغرض منها هو الخلافة عنه «ص» في التعليم و التبليغ. و الاحتفاف بما يصلح للقرينيّة مانع من انعقاد الإطلاق. فإثبات الخلافة عنه «ص» في الولاية و القضاء يحتاج إلى دليل أقوى من ذلك.

و عدم

وجود الذيل في بعض النقول لا يوجب الحكم بالإطلاق فيه، إذ الظاهر كون الجميع رواية واحدة ربّما نقلت تامّة و ربّما نقلت مقطّعة، و التقطيع في نقل الأحاديث كان شائعا، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 467

الأمر الثالث: حديث العلماء ورثة الأنبياء، و ما يقرب منه

1- ما رواه في الكافي عن محمد بن الحسن و علي بن محمد، عن سهل بن زياد.

و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا عن جعفر بن محمد الأشعري، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح. و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى عن القداح، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا إلى الجنّة، و إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به، و إنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء و من في الأرض حتّى الحوت في البحر، و فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، و إنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما و لكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر.» «1»

و الرواية ببعض طرقها صحيحة، كما لا يخفى على أهله.

و رواه في البحار عن أمالي الصدوق، عن المكتّب، عن عليّ، عن أبيه، عن القداح، عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه، و ذكر مثله.

و عن ثواب الأعمال، عن أبيه، عن عليّ، عن أبيه مثله. و عن بصائر الدرجات، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن القداح مثله «2».

و الظاهر سقوط حماد من سند الصدوق، كما يظهر من ملاحظة سند الكافي.

2- و في الكافي

عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن

______________________________

(1)- الكافي 1/ 34، كتاب فضل العلم، باب ثواب العالم و المتعلم، الحديث 1.

(2)- بحار الأنوار 1/ 164، الباب 1 من كتاب العلم، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 468

خالد، عن أبي البختري، عن أبي عبد اللّه، قال: «إن العلماء ورثة الأنبياء. و ذاك أن الأنبياء لم يورّثوا درهما و لا دينارا و إنّما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظّا وافرا. فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه، فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين.» «1»

و السند لا بأس به إلّا أبو البختري، فإنّه ضعيف اللّهم إلّا أن يكون نقل أحمد بن محمد بن عيسى و الكليني موجبا للوثوق بالصدور. و في العوائد عبّر عنه بالصحيحة و هو سهو.

3- و في نهج البلاغة: «و قال «ع»: إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به.» «2»

4- و في البحار عن العوالي، قال النبي «ص»: «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل.» «3»

5- و في فقه الرضا: «و روي أنّه (العالم) قال: منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل.» «4»

6- و في العوائد عن جامع الأخبار عن النبي «ص» أنّه قال: «أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي فأقول: علماء أمتي كسائر أنبياء قبلي.» «5»

و تقريب الاستدلال بهذه الروايات أنّ كون العلماء ورثة للأنبياء أو أولى الناس بهم أو كالأنبياء يقتضي أن ينتقل إليهم و يكون لهم كلّ ما كان للأنبياء من الشؤون إلّا ما ثبت عدم صحّة انتقاله أو عدم انتقاله. و إن شئت

قلت: المراد انتقال الشؤون العامّة إلى العلماء لا الشؤون الفرديّة.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 32. نقله الوسائل 18/ 53، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2، و رواه عن البصائر أيضا.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1129؛ عبده 3/ 171؛ لح/ 484، الحكمة 96. و رواه الآمدي أيضا في الغرر و الدرر 2/ 409، الحديث 3056، و ج 2/ 505، الحديث 3453.

(3)- بحار الأنوار 2/ 22، الباب 8 من كتاب العلم، الحديث 67.

(4)- فقه الرضا/ 338، في ذيل الديات، باب حق النفوس.

(5)- العوائد/ 186.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 469

و من الأنبياء نبيّنا «ص» و إبراهيم، و موسى و غيرهم ممّن كان لهم الولاية العامّة، و قد قال اللّه- تعالى- في حقّ نبيّنا «ص»: «النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم.»

و لا نريد بالولاية في المقام الولاية التكوينيّة أو الفضائل المعنويّة و الكمالات الذاتيّة غير القابلة للانتقال، بل الولاية الاعتباريّة القابلة للانتقال و التوارث عند العقلاء، كما يشهد له ما في نهج البلاغة: «أرى ترائي نهبا.» «1»

فإطلاق الروايات يقتضي انتقال الولاية التي كانت للنبيّ «ص» إلى علماء أمّته.

و الاعتراض بعدم جريان الإطلاق في المحمولات قد مرّ و مرّ الجواب عنه بعدم الفرق بينها و بين الموضوعات، فراجع ما ذكرناه في جواب المناقشة السادسة على المقبولة.

و دعوى كون المراد بالعلماء خصوص الأئمة الاثني عشر، كما ربّما يشهد بذلك ما في خبر جميل عن أبي عبد اللّه «ع»: «نحن العلماء و شيعتنا المتعلّمون و سائر الناس غثاء.» «2»

مدفوعة أوّلا: بعدم الدليل على الاختصاص. و خبر جميل لعلّه يراد به العلماء الكاملون في العلم و إلّا فيكثر ذكر العلماء و الفقهاء في الأخبار مع وجود القرائن على

عدم إمكان الانطباق على الأئمة الاثني عشر.

و ثانيا: بأن قوله «ع» في صحيحة القدّاح: «من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا إلى الجنّة» «3»، و قوله «ع» في خبر أبي البختري: «فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظّا وافرا ...» «4» ظاهران في عدم إرادة الأئمة «ع»، كما لا يخفى.

فإن قلت: المتبادر من قوله «ع»: «ورثة الأنبياء»، وراثتهم لهم بما هم أنبياء، أعني دخالة الوصف العنواني في الموضوع، و شأن الأنبياء بما هم أنبياء ليس إلّا الإنباء و التبليغ.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 46؛ عبده 1/ 26؛ لح/ 48، الخطبة 3.

(2)- الكافي 1/ 34، كتاب فضل العلم، باب أصناف الناس، الحديث 4.

(3)- الكافي 1/ 34. كتاب فضل العلم، باب ثواب العالم و المتعلم، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 53، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 470

قلت: بل المتبادر من لفظ الأنبياء في المقام كونه عنوانا مشيرا إلى الذوات الخارجيّة، فكأنّه قال: العلماء ورثة إبراهيم و موسى و عيسى و محمد «ص» مثلا.

و لو قيل كذلك كان الظاهر منه الوراثة في جميع شئونهم إلّا ما ثبت خلافه.

هذا مضافا إلى أنّ الموضوع لأولوية نبيّنا «ص» في الآية الشريفة هو عنوان نبوّته، فمقتضى وراثة العلماء منه انتقال الأولويّة إليهم.

هذه غاية تقريب الاستدلال بالروايات المذكورة.

و لكن لا يخفى أنّ الظاهر عدم كون الجملة إنشائية متضمّنة للجعل و التشريع، بل خبريّة حاكية عن أمر تكويني و هو انتقال العلم إلى العلماء. و لسان الروايات لسان بيان الفضيلة للعلم و التعلّم و الطالبين للعلم، كما يشهد بذلك قوله: «إنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما و لكن

ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر.» فالمراد بالوراثة هي الوراثة في العلوم و المعارف. و مع وجود هذه القرينة المتصلة يشكل الحمل على الإنشاء و إثبات جميع شئون الأنبياء لهم بالجعل و التشريع.

هذا مضافا إلى أنّ ما يشترك فيه جميع الأنبياء هو العلم بالمعارف و الأحكام.

و أمّا الولاية فلا دليل على ثبوتها للجميع و لا سيّما في الأنبياء الموجودين في عصر و صقع واحد، ككثير من أنبياء بني إسرائيل. و عدم دخالة الوصف العنواني في الموضوع و كونه عنوانا مشيرا خلاف الظاهر جدّا.

و كيف كان فالاستدلال بالروايات المذكورة لإثبات نصب الفقيه واليا بالفعل في غاية الإشكال، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 471

الأمر الرابع: حديث الفقهاء حصون الإسلام

روى في الكافي، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر «ع» يقول: «إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي كان يعبد اللّه عليها و أبواب السماء الّتي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء، لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها.» «1»

و ليس في السند من يناقش فيه إلّا علي بن أبي حمزة، و هو من عمد الواقفة.

و المشهور بين الفقهاء و علماء الرجال ضعفه، و لكن الراوي عنه هنا هو ابن محبوب و قد عدّوه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، مضافا إلى ما عن الشيخ في العدّة من أنّ الطائفة عملت بأخبار علي بن أبي حمزة، و عن ابن الغضائري في ابنه الحسن:

«أبوه أوثق منه.»

و روى عنه كثيرا الأعاظم من أصحابنا، كصفوان و ابن

أبي عمير و البزنطي و ابن محبوب و غيرهم من الأجلّاء «2»، فلعلّ ذلك كلّه يوجب الوثوق بخبره و إن كان فاسد المذهب، و لعلّ النقل كان في حال استقامته، فإنّ الوقف حدث بعد وفات الإمام الكاظم «ع». هذا.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 38، كتاب فضل العلم، باب فقد العلماء، الحديث 3.

(2)- راجع تنقيح المقال 2/ 262.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 472

و من المحتمل سقوط لفظ الفقيه من صدر الرواية، فإنّ الجهات المذكورة في الرواية تناسب موت الفقيه، و الذيل أيضا قرينة على ذلك، و كذلك قوله في مرسلة ابن أبي عمير، عن الصادق «ع»: «إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شي ء.» «1» هذا.

و قد روى الرواية بعينها في فروع الكافي عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد. و علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، قال:

سمعت أبا الحسن الأول «ع» يقول، و ذكر الحديث و أسقط لفظ الفقهاء. «2» و السند صحيح. و لكن إذا دار الأمر بين الزيادة و النقيصة فأصالة عدم الزيادة مقدمة عند العقلاء، لأنّ الخطأ بالسقط كثير بخلاف الزيادة فإنّها بلا وجه. و عرفت أنّ الأمور و الجهات المذكورة في الرواية و لا سيّما قوله: «ثلم في الإسلام ثلمة»، و قوله: «حصون الإسلام» إنّما تناسب موت الفقيه لا موت كلّ مؤمن. و مرسلة ابن أبي عمير أيضا شاهدة على ذلك، فتدبّر.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 472

و أما

بيان الدلالة، فنقول: إنّ الإسلام كما مرّ بالتفصيل في الباب الثالث ليس مقصورا على أحكام عباديّة و مراسيم شخصيّة فقط، بل له أحكام كثيرة- غاية الكثرة- في المعاملات، و الضرائب الإسلاميّة، و كيفية تنظيم العائلة، و سياسة المدن، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و الجهاد و الدفاع، و فصل الخصومات، و الحدود و القصاص و الديات و نحو ذلك.

و ليس حفظ الإسلام بالاعتزال في زاوية و التلاعب بالكتب فحسب. و إنّما يحفظ باستنباط الأحكام، و نشرها، و تعليمها، و تطبيقها على الحوادث الواقعة و الموضوعات المستحدثة، و إجرائها و تنفيذها، و بسط العدالة، و إجراء الحدود الشرعيّة، و سدّ الثغور، و دفع هجمات الأعداء و رفعها، و جمع الضرائب و صرفها في

______________________________

(1)- الكافي 1/ 38، كتاب فضل العلم، باب فقد العلماء، الحديث 2.

(2)- الكافي 3/ 254، باب النوادر من كتاب الجنائز، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 473

مصالح المسلمين. و لا يحصل جميع ذلك إلّا بإقامة الدولة و تحصيل القدرة و نصب العمّال و القضاة و نحو ذلك. و هكذا صنع رسول اللّه «ص» و «لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.» «1»

و هل يصدق على فقيه اعتزل الناس و قبع في زاوية من زوايا داره و لم يهتمّ بأمور المسلمين و لم يسع في إصلاح شئونهم بل أطلق المجال و العرصات لأعداء الإسلام و المسلمين فأغاروا عليهم و أراقوا دماءهم و أهلكوا الحرث و النسل و منعوا من بثّ الإسلام و إعلاء كلمته و نشر كتبه كما صنعت الصهاينة في فلسطين و لبنان، و الروس في أفغانستان مثلا- فهل يصدق على مثل هذا الفقيه أنّه حصن

الإسلام كحصن سور المدينة لها؟!

فالسعي في إقامة الدولة الحقّة واجب بلا إشكال و المكلف به جميع المسلمين، و القائد لهم في ذلك و المتصدّي لإقامتها هو الفقيه الجامع للشرائط.

و كما أنّ «الجنود بإذن اللّه حصون الرعيّة ... و ليس تقوم الرعيّة إلّا بهم» كما في نهج البلاغة «2» فكذلك الفقهاء يكون وزانهم وزان الجنود في حفظ الإسلام و المسلمين.

و قد قال أمير المؤمنين «ع»- على ما في نهج البلاغة-: «لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها.» «3»

فيظهر بذلك أنّ وظيفة العلماء في قبال تعدّي الظالمين و حرمان المظلومين خطيرة جدّا و لا يجوز لهم إهمال هذا السنخ من المسائل الاجتماعيّة.

هذه غاية تقريب الاستدلال بالحديث الشريف لنصب الفقهاء ولاة.

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 21.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1003؛ عبده 3/ 100؛ لح/ 432، الكتاب 53.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 52؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 50، الخطبة 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 474

و لكن لأحد أن يقول: نعم، الولاية على المسلمين حقّ للفقهاء، و هم المتعيّنون لإقامة الدولة و حفظ الإسلام و لكن لا يتعيّن كون ذلك بالنصب من قبل الأئمة «ع» قهرا، بل لعلّ المراد بذلك أنّه يجب عليهم ترشيح انفسهم و إعداد القوى، و يجب على المسلمين القيام و التعاون و انتخابهم لذلك. كما يجب على أهل المدينة و قيّمها بناء السور للمدينة حفظا لها من الهجمات. فيصير المنتخب بانتخاب الأمّة واليا. و كما أنّه ليس للمدينة إلا سور واحد فكذلك ليس لمجتمع المسلمين إلّا وال واحد بالفعل،

و هو الذي انتخبه المسلمون من بين الفقهاء، و الباقون لهم الصلاحيّة فقط. و قد مرّ في الفصل السابق الإشكال ثبوتا في النصب العامّ، فراجع.

نعم، لو تقاعس المسلمون عن العمل بهذه الوظيفة المهمّة وجب على الفقهاء التصدّي لشئونها حسبة، كما يأتي تفصيله.

و يمكن أن يقال أيضا إنّ المتبادر من حفظ الإسلام و القدر المتيقّن منه إنّما هو النشاط العلمى بالنسبة إلى أحكامه من الاستنباط و التفسير و التبليغ و دفع الشبهات عنها و نشر الكتب و نحو ذلك. و أمّا الإجراء و التنفيذ في المجتمع فهو أمر آخر لا يعلم كونه مشمولا للحديث.

و هل الإمام الصادق «ع» مثلا الذي بيّن معارف الإسلام و أحكامه و ربّى فقهاء كثيرين لم يكن حصنا للإسلام؟ اللّهم إلّا أن يقال: إنّ «الحصون» مطلق، فيشمل بإطلاقه حفظ الإسلام علما و سياسة و تنفيذا، فلا وجه للأخذ بالقدر المتيقّن منه، و الإمام الصادق «ع» قال: «لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود.» «1» كما مرّ في محلّه.

______________________________

(1)- الكافي 2/ 243، باب في قلة عدد المؤمنين، من كتاب الإيمان و الكفر، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 475

الأمر الخامس: حديث الفقهاء أمناء الرسل

روى في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا.

قيل: يا رسول اللّه، و ما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.» «1»

و رواه في المستدرك أيضا، عن دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن رسول اللّه «ص». «2»

و رواه أيضا عن نوادر الراوندي بإسناده الصحيح، عن

موسى بن جعفر، عن آبائه، عن رسول اللّه «ص» «3». و رواه في البحار عن نوادر الراوندي أيضا. «4» الّا انّ في الدعائم و النوادر: «فاحذروهم على أديانكم».

و في كنز العمال عن علي «ع»: «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا و يتّبعوا السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم» «5». هذا.

و سند الكلينيّ موثوق به قد اعتمد فقهاؤنا على هذا السند في الابواب المختلفة من الفقه.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 46، كتاب فضل العلم، باب المستاكل بعلمه ...، الحديث 5.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 187، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 437، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

(4)- بحار الأنوار 2/ 36، الباب 9 من كتاب العلم، الحديث 38.

(5)- كنز العمال 10/ 183، الباب 2 من كتاب العلم من قسم الأقوال، الحديث 28953.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 476

بيان الاستدلال بالرواية هو أنّ أهمّ شئون الرسل و منهم رسولنا الأكرم «ص» على ما مرّ منّا ثلاثة: بيان أحكام اللّه- تعالى-، و فصل الخصومات، و إجراء العدالة الاجتماعية بإقامة دولة حقّة على أساس أحكام اللّه- تعالى- و قوانينه العادلة كما صنع رسول اللّه «ص». و ليس شأن الرسل مجرد بيان أحكام اللّه فقط.

و على هذا فالفقيه إذا جعل أمينا للرسل صار أمينا لهم في جميع شئونهم العامّة على ما يقتضيه إطلاق اللفظ. و الاعتراض بعدم جريان الإطلاق في المحمولات قد مرّ الجواب عنه بالتفصيل، و أنّه لا فرق بينها و بين الموضوعات.

و قد مرّ في تفسير قوله- تعالى-: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا» أخبار يظهر منها كون الولاية من أوضح مصاديق الأمانة.

و مرّ

في رواية العلل في بيان علل جعل أولي الأمر قوله «ع»: «منها: أن الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود و أمروا أن لا يتعدّوا ذلك الحدّ لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدّي و الدخول فيما حظر عليهم.» فعبّر عن الوالي بالأمين.

و يمكن أن يقال: إنّ همّ كلّ رسول صلاح أمّته، و لا تصلح الأمّة و لا تبقى إلّا بدولة عادلة تدبّر أمورها و تضمّن بقاءها، فمعنى كون الفقهاء أمناء الرسل كونهم أمناء في حفظ الأمّة، و الأمانة المفوضة إلى الفقيه هي أمّة الرسول، فيجب تأمين صلاحها و بقائها بإقامة الدولة العادلة. هذا.

و لكن بعد اللتيا و التي، يمكن الخدشة في الاستدلال بالرواية على مسألة الولاية أوّلا بما مرّ من الإشكال ثبوتا. و ثانيا بأنّه بالتعمّق في ذيلها يظهر أنّ المراد بيان الفقيه الذي يعتمد عليه في بيان أحكام اللّه- تعالى-.

فالفقيه الملتزم بالدين المستقل بالرأي يكون أمينا يعتمد عليه في بيان الأحكام، و الفقيه الداخل في الدنيا المتبع للسلطان تجب الحذر منه في الدين فإنّ علماء السوء المرتزقة من السلاطين يحرّفون كلام اللّه و يأوّلونه على وفق أهواء

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 477

السلاطين فلا اعتبار لآرائهم و فتاواهم.

و الحاصل أنّ لفظ الأمناء و إن كان مطلقا و لكنّ احتفافه بما يصلح للقرينيّة، أعني قوله: «فاحذروهم على دينكم» يمنع من انعقاد الإطلاق. هذا مضافا إلى أنه «ص» لو قال: «أمنائي» أمكن ادعاء كونه إنشاء لنصب الفقهاء من أمّته، و أمّا قوله: «أمناء الرسل» فظهوره في الإنشاء ضعيف كما لا يخفى، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 478

الأمر السادس: حديث و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا

روى الصدوق في كتاب كمال الدين، قال: حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال:

سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان «ع»: «أمّا ما سألت عنه- أرشدك اللّه و ثبّتك- من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا و بني عمّنا ... و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه عليهم.» «1»

و في غيبة الشيخ الطوسي «قده»:

«أخبرني جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه و أبي غالب الزراري و غيرهما، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، و في آخره: «و أنا حجة اللّه عليكم.» «2»

و رواه في آخر الاحتجاج أيضا عن محمد بن يعقوب الكليني و قال: «و أنا حجة اللّه.» «3»

و سند الشيخ لا بأس به. و ابن عصام و إن لم يذكر في كتب الرجال بمدح و لكنّ كونه من مشايخ الصدوق و نقله عنه مترضيا عليه لعلّه يكفي في الاعتماد عليه.

و إنّما الاشكال في إسحاق بن يعقوب، فإنّه مجهول. و الرواية بمضمونها و إن

______________________________

(1)- كمال الدين 2/ 483، الباب 45، الحديث 4.

(2)- الغيبة للشيخ الطوسي/ 176.

(3)- الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 479

كانت تدلّ على جلالته، و لكن الراوي لها نفسه.

اللّهم إلّا أن يقال إن نقل الكليني عنه يدلّ على اعتماده عليه. و لكن في النفس منه شي ء و هو أنّ الكليني لم يذكر الرواية

في الكافي، فما هو الوجه في ذلك؟

و المراد برواة حديثنا في الحديث ليس الرواة لألفاظ حديثهم بلا تفهّم و تفقّه لمفاده نظير ضبط المسجلات، بداهة أن الإمام «ع» لم يرجع أصحابه إلى الروايات بل إلى الرواة، و قال: «إنهم حجتي» و لم يقل: «رواياتهم حجتي». و لا معنى لإرجاع الأصحاب إلى حفّاظ الألفاظ بلا درك لمفاهيمها، فلا محالة يراد بذلك الفقهاء المستند فقههم إلى روايات العترة، الحاكية لسنّة رسول اللّه «ص»، في قبال الفتاوى الصادرة عن الأقيسة و الاستحسانات الظنيّة غير المعتبرة.

قال الشيخ المحقّق الأنصاري «قده» في المكاسب في تقريب الاستدلال بالرواية على ولاية الفقيه:

«فإنّ المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس، مثل النظر في أموال القاصرين لغيبة أو موت أو صغر أو سفه.

و أمّا تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد من وجوه:

منها: أن الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة، لا الرجوع في حكمها إليه.

و منها: التعليل بكونهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه، فإنّه إنّما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر. فكان هذا منصب ولّاه الإمام من قبل نفسه لا أنّه واجب من قبل اللّه- سبحانه- على الفقيه بعد غيبة الإمام و إلّا كان المناسب أن يقول: إنهم حجج اللّه عليكم. كما وصفهم في مقام آخر بأنّهم أمناء اللّه على الحلال و الحرام.

و منها: أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعيّة إلى العلماء الذي هو من بديهيات الإسلام من السلف إلى الخلف ممّا لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتّى يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه، بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامّة

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 480

إلى رأي أحد و نظره فإنّه يحتمل أن يكون الإمام «ع» قد و كله في غيبته إلى شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان.

و الحاصل أنّ الظاهر أنّ لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه و لا بالمنازعات.» «1» انتهى بيانه «قده».

أقول: و إن شئت قلت: إطلاق الرجوع إلى رواة حديثهم يقتضي الرجوع إليهم في أخذ الروايات و في أخذ الفتاوى، و في فصل الخصومات و رفع المنازعات، و في تنفيذ الأحكام الشرعيّة و إجرائها و إعمال الولاية حسب اختلاف الحاجات و الموارد.

و ظاهر المقابلة بين حجيّة نفسه و حجّيتهم أيضا تساوي اللفظين بحسب المفهوم و الانطباق. و الإمام المعصوم حجة عندنا في الإفتاء و في القضاء و في إعمال الولاية، و لا يجوز التخلّف عنه في المراحل الثلاث بلا إشكال. فكلّ ما ثبت له من قبل اللّه- تعالى- من الشؤون الثلاثة يثبت للفقهاء أيضا من قبل الإمام «ع».

و الاعتراض بعدم جريان الإطلاق في المحمولات قد مرّ الجواب عنه بالتفصيل، و أنّه لا نرى فرقا بينها و بين الموضوعات. و على هذا فيجوز التّمسك بكل من إطلاق الحكم و إطلاق العلّة، أعني قوله: «فإنّهم حجّتي عليكم».

هذه غاية تقريب الاستدلال بالتوقيع الشريف.

أقول: يمكن أن يناقش في الاستدلال أوّلا: بما مرّ في الفصل السابق من الإشكال في مقام الثبوت، و أن جعل الولاية الفعليّة لجميع الفقهاء في عصر واحد بمحتملاته الخمسة قابل للخدشة، فراجع.

______________________________

(1)- المكاسب للشيخ الأنصاري/ 154.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 481

و ثانيا: أنّه بالرجوع الى التوقيع يظهر أنّ كتاب إسحاق بن يعقوب إلى الناحية المقدّسة كان مشتملا على أسئلة كثيرة

معهودة للسائل، و في كلّ جواب منه «ع» أشير الى سؤال منها. فاللام في قوله: «و أمّا الحوادث الواقعة» لعلّها إشارة إلى حوادث وقعت في السؤال و لا يعلم ما هي، فلعلّها كانت حوادث خاصّة فيشكل الحمل على الاستغراق. اللّهم إلّا أن يقال إنّ عموم التعليل يقتضي كونهم حجّة في جميع الحوادث، فتأمّل.

و ثالثا: أنّ القدر المتيقّن من الجواب بمناسبة الحكم و الموضوع هو الأحكام الشرعيّة للحوادث، فإن رواياتهم «ع» مناشئ و مدارك لاستنباط الأحكام الشرعيّة الكليّة. فالأخذ بالإطلاق مع وجود القدر المتيقّن و ما يصلح للقرينيّة مشكل، فتأمّل.

و رابعا: أنّ الظاهر من الحجيّة أيضا هو الاحتجاج بالنسبة إلى كشف الأحكام الكليّة الواقعيّة. و تعليل الإمام «ع» بكونهم حجّتي عليكم لعلّه من جهة أنّه «ع» هو المأمور أوّلا ببيان أحكام اللّه- تعالى- و الفقهاء نوّاب عنه في ذلك.

و خامسا: أنّ المراد بالحوادث التي أرجعها «ع» إلى الفقهاء لا يخلو إمّا أن يراد بها بيان الأحكام الكليّة للحوادث الواقعة، أو فصل الخصومات الجزئية و الأمور الحسبيّة الجزئية التي كان يرجع فيها أيضا إلى القضاة كتعيين الولي للقاصر و الممتنع، أو الحوادث الأساسيّة المرتبطة بالدول كالجهاد و علاقات الأمم و تدبير أمور البلاد و العباد و نحوها، فعلى الأوّلين لا يرتبط الحديث بأمر الولاية الكبرى، كما هو واضح. و على الثالث يحتاج في حلّ الحوادث إلى إقامة دولة و تحصيل قدرة.

فيصير مفاد الحديث وجوب الرجوع إلى الفقهاء و تقويتهم و تحصيل الشوكة لهم حتّى يتمكّنوا من حلّ الحادثة و إلّا كان الرجوع اليهم لغوا.

و على هذا فتحصل الولاية لهم بالانتخاب لا بالنصب. فلا مجال للاستدلال

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 482

بالتوقيع

الشريف على نصب الفقيه.

نعم، يدلّ على صلاحيّة الفقيه و أنّه المتعيّن للانتخاب، فلا يجوز الرجوع إلى غيره و انتخابه لذلك، فتأمّل.

1- و من قبيل التوقيع الشريف بوجه ما ما رواه الكشي بسنده عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم عنّا.» «1»

2- و في أواخر الاحتجاج عن الحسن العسكري «ع» في حديث طويل قيل لأمير المؤمنين «ع»: «من خير خلق اللّه بعد أئمة الهدى و مصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 108، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.

(2)- الاحتجاج للطبرسي 2/ 255 (من طبعه القديم).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 483

الأمر السابع: حديث العلماء حكّام على الناس

روى في الغرر و الدرر عن أمير المؤمنين «ع» قال: «العلماء حكّام على الناس.» «1»

أقول: قد مرّ في فصل اعتبار العلم في الوالي أنّ المحتملات في الرواية ثلاثة:

الأوّل: أن تحمل الجملة على الإخبار و يراد بها بيان فضل العلم و العلماء و أنّ العلماء بحسب الأغلب يحكمون على قلوب الناس، و الناس تبع لهم بالطبع من غير فرق بين المذاهب و الملل و بين طبقات المجتمع، فأهل كلّ مذهب و جميع طبقات المجتمع حتّى الملوك يكون الحاكم على عقولهم و أفكارهم علماءهم. بل لا ينحصر ذلك في علم الأديان أيضا، فالعلم بفنونه و شعبه يكون محكّما في المجتمع، و المجتمع بطبقاته المختلفة يعيش تحت ظلّ العلوم الرافعة لحاجاته. فالجملة نظير قوله «ع»:

«العلم حاكم و المال محكوم عليه.» «2»

الثاني: أن تحمل على الإنشاء و يراد بها جعل منصب الحكومة و الولاية للعلماء.

نظير جعلها لأمير المؤمنين «ع» بقوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه.»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 1/ 137، الحديث 506.

(2)-

نهج البلاغة، فيض/ 1155؛ عبده 3/ 187؛ لح/ 496، الحكمة 147.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 484

الثالث: أن تحمل على الإنشاء أيضا و يراد بها إيجاب انتخاب العلماء للحكومة و تعيّنهم لذلك بحكم الشرع.

و الاستدلال بالرواية على نصب الفقهاء يتوقّف على الاحتمال الثاني، و أن يراد بالعلماء فيها خصوص فقهاء الإسلام و لا دليل على تعيّنهما. و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. هذا مضافا إلى أن مقتضاه أن يكون أمير المؤمنين «ع» في هذه الجملة قد جعل منصب الحكومة لجميع العلماء في جميع الأعصار. فلو كان في عصر واحد ألف عالم مثلا يكون الجميع حكاما منصوبين، و هذا بعيد بل لعلّه مقطوع الفساد و قد مرّ الإشكال فيه ثبوتا في الفصل السابق، فراجع. هذا.

و في البحار عن كنز الكراجكي، قال: قال الصادق «ع»: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك.» «1» و لا يخفى أنّ قوله: «الملوك حكّام على الناس» يراد به الإخبار قطعا، فلعلّه قرينة على إرادة الإخبار في الجملة الثانية أيضا لوحدة السياق، بل قرينة على المراد في الخبر السابق أيضا. فلا مجال للاستدلال بالروايتين في المقام.

و قد مرّ شرح الروايتين في فصل اعتبار العلم في الحاكم أيضا، فراجع.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 1/ 183، الباب 1 من كتاب العلم، الحديث 92.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 485

الأمر الثامن: حديث مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء

روى في تحف العقول عن أبي عبد اللّه الحسين «ع» في خطبة طويلة يخاطب بها علماء عصره. قال: و يروى عن أمير المؤمنين «ع»: «... و أنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تشعرون. ذلك بأن مجاري الأمور و الأحكام

على أيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه. فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحقّ و اختلافكم في السنة بعد البيّنة الواضحة. و لو صبرتم على الأذى و تحمّلتم المؤونة في ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد و عنكم تصدر و إليكم ترجع، و لكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم ...» «1»

و حيث إنّ الرواية عالية المضامين، كثيرة البركات ذكرناها بطولها مع شرحها في الباب الرابع في فصل اعتبار العلم في الحاكم، فراجع ما ذكرناه هناك. و قد مرّ ما ذكره بعض الأعاظم من أنّ المراد بالعلماء باللّه في هذه الرواية خصوص الأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين- و عرفت أنّه خلاف الظاهر جدّا، فراجع هناك.

و المقصود بالعلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه: الفقهاء الملتزمون بالشريعة و التكاليف.

و الاستدلال بالرواية في المقام مبنيّ على كون المراد بالجملة نصب العلماء لتدبير أمور المسلمين.

و لكنّك عرفت بطلان ذلك، إذ لازمه أن يكون جميع العلماء المخاطبين في عصر

______________________________

(1)- تحف العقول/ 237.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 486

صدور هذه الخطبة حكّاما منصوبين مع أنّ الإمام المنصوب عندنا كان نفسه الشريف المخاطب لهم.

فالظاهر أنّ الجملة و إن كانت خبرية وقعت في مقام الإنشاء و بيان التكليف، فيراد أنّ المرجع لأمور المسلمين يجب أن يكون هم العلماء الملتزمين و لكنّ تفرّقهم في الحقّ و اختلافهم في السنة و فرارهم من الموت و إعجابهم بالحياة و بعبارة أخرى عدم التزامهم بتكاليفهم قد مكّن الظلمة من منزلتهم و سلّطهم على المسلمين.

و بالجملة، فالمقصود أنّ جريان الأمور يجب أن يكون بيد العلماء باللّه بأن يتّحدوا و يتعاونوا مع المسلمين فيقيموا دولة

عادلة و بقيادتهم و ثورتهم يخرجون الظلمة من عرصة السياسة و الحكم.

فالواجب على العلماء ترشيح أنفسهم للمناصب، و الواجب على المسلمين انتخابهم لذلك و تقويتهم و طرد الحكام غير المؤهلين.

و إن شئت قلت: إن الرواية في مقام بيان أنّ الحكومة على المسلمين للعلماء الأمناء، و أما كونها بالنصب أو بالانتخاب فمسكوت عنه، فلعلّها تكون بالانتخاب، فتدبّر.

فهذه روايات استدل بها الأصحاب على كون الفقهاء منصوبين للولاية في عصر الغيبة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 487

ذكر اخبار اخر ربما يتوهم دلالتها على النصب:

و هنا روايات كثيرة أيضا وردت من طرق الفريقين في فضل العلم و العالم ذكر المحقّق النراقي في العوائد بعضا منها في هذا الباب، فلنذكر بعضا من هذه الروايات في هذه المناسبة و إن كان لا دلالة لها على مسألة الولاية بوجه.

1- ففي العوائد عن المجمع، عن النبي «ص»: «فضل العالم على الناس كفضلي على أدناهم.» «1»

2- و في البحار عن منية المريد: قال مقاتل بن سليمان: وجدت في الإنجيل أنّ اللّه- تعالى- قال لعيسى «ع»: «عظّم العلماء و اعرف فضلهم، فإنّي فضّلتهم على جميع خلقي إلّا النبيّين و المرسلين كفضل الشمس على الكواكب، و كفضل الآخرة على الدنيا، و كفضلي على كلّ شي ء.» «2»

3- و فيه عن العوالي، قال النبي «ص»: «إنّ اللّه لا ينتزع العلم انتزاعا و لكن ينتزعه بموت العلماء حتّى إذا لم يبق منهم أحد اتّخذ الناس رؤساء جهالا، فأفتوا الناس بغير علم فضلّوا و أضلّوا.» «3»

4- و فيه عن العوالي، قال النبي «ص»: «فقيه واحد أشدّ على إبليس من ألف عابد.» «4»

______________________________

(1)- العوائد/ 186.

(2)- بحار الأنوار 2/ 25، الباب 8 من كتاب العلم، الحديث 91، و منية المريد/ 30.

(3)- بحار الأنوار

2/ 24، الباب 8 من كتاب العلم، الحديث 74.

(4)- بحار الأنوار 1/ 177، الباب 1 من كتاب العلم، الحديث 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 488

5- و في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري «ع»، قال: «و أشدّ من يتم هذا اليتيم يتيم ينقطع عن إمامه لا يقدر على الوصول إليه و لا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه. ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا، و هذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره، ألا فمن هداه و أرشده و علّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى. حدثني بذلك أبي، عن آبائه، عن رسول اللّه «ص».

و قال علي بن أبي طالب «ع»: من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا و أخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة و على رأسه تاج من نور يضي ء لأهل جميع تلك العرصات ...

قال الحسن بن علي «ع»: فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه الناشب في تيه الجهل يخرجه من جهله و يوضح له ما اشتبه عليه على فضل كافل يتيم يطعمه و يسقيه كفضل الشمس على السهى.

و قال الحسين بن علي «ع»: ما كفل لنا يتيما قطعته عنّا محبتنا باستتارنا فواساه من علومنا الّتي سقطت إليه حتّى أرشده و هداه إلّا قال اللّه- تعالى- له: يا أيّها العبد الكريم المواسي، أنا أولى بالكرم اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر و ضمّوا إليها ما يليق بها من سائر النعم ...

و قال موسى بن جعفر «ع»: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عنّا و عن

مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشدّ على إبليس من ألف عابد ...

و قال علي بن محمّد: لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه و الدّالّين عليه و الذابّين عن دينه بحجج اللّه ... لما بقي أحد إلّا ارتد عن دين اللّه ... أولئك هم الأفضلون عند اللّه- عز و جلّ.» «1»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في فضل العلم و العالم و التعليم.

______________________________

(1)- التفسير المنسوب الى الإمام العسكري «ع»/ 114 (- المطبوع بهامش تفسير علي بن إبراهيم)، ذيل الآية 83 من سورة البقرة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 489

أقول: عدم دلالة هذه الروايات على نصب الفقيه واليا واضح. بل نحن قد ناقشنا في دلالة الروايات السابقة التي استدلّ بها الأساتذة أيضا حتّى في المقبولة التي هي رأسها.

نعم، دلالة جميع هذه الروايات على تقدم الفقيه على غيره و صلاحيّته لذلك و أنّه أصلح من غيره ممّا لا إشكال فيها.

و قد مرّ بالتفصيل لزوم الحكومة و ضرورتها و عدم جواز إهمالها و أنّه يشترط في الحاكم شروط ثمانية منها الفقاهة بل الأفقهيّة، و أنّ الولاية تنعقد إمّا بالنصب من العالي أو بانتخاب الأمّة، فإن ثبت النصب فهو و إلّا وصلت النوبة إلى الانتخاب.

بل لو تقاعست الأمّة عن العمل بهذه الوظيفة المهمّة كان على الفقيه تصدّي شئون الولاية بقدر الإمكان حسبة. فالفقيه مقدم على غيره على أيّ حال.

و ليس عدم اطلاع الفقهاء غالبا على رموز السياسة و التدبير عذرا في انعزالهم عن ميدان السياسة، بل يجب عليهم تعلّمها و كسبها مقدّمة لأداء الواجب.

و بالجملة، فدلالة هذه الروايات بكثرتها على صلاحيّة الفقيه و أصلحيّته من غيره ممّا لا إشكال

فيها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 490

نقل كلام العوائد في المقام:

قال في العوائد- بعد ذكر الأخبار و دعوى أنّ كلّ ما كان للنبي «ص» و الإمام الذين هم سلاطين الأنام و حصون الإسلام فيه الولاية و كان لهم فللفقيه أيضا ذلك إلّا ما أخرجه الدليل من إجماع أو نص أو غيرهما- قال- رحمه اللّه-:

«فالدليل عليه بعد ظاهر الإجماع حيث نصّ به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات ما صرّح به الأخبار المتقدّمة من كونه وارث الأنبياء، أو أمين الرسل، و خليفة الرسول، و حصن الإسلام، و مثل الأنبياء و بمنزلتهم، و الحاكم و القاضي و الحجة من قبلهم، و أنّه المرجع في جميع الحوادث، و أنّ على يده مجاري الأمور و الأحكام، و أنّه الكافل لأيتامهم الذين يراد بهم الرعية.

فإنّ من البديهيّات الّتي يفهمه كلّ عاميّ و عالم و يحكم به، أنّه إذا قال نبيّ لأحد عند مسافرته أو وفاته: فلان وارثي، و مثلي و بمنزلتي، و خليفتي، و أميني، و حجّتي و الحاكم من قبلي عليكم، و المرجع لكم في جميع حوادثكم، و بيده مجاري أموركم و أحكامكم، و هو الكافل لرعيّتي، فإنّ له كلّ ما كان لذلك النبيّ في أمور الرعيّة و ما يتعلّق بأمّته، بحيث لا يشك فيه أحد و يتبادر منه ذلك.

كيف لا!؟ مع أنّ أكثر النصوص الواردة في حقّ الأوصياء المعصومين المستدلّ بها في مقامات إثبات الولاية و الإمامة المتضمنين لولاية جميع ما للنبيّ فيه الولاية ليس متضمنا لأكثر من ذلك سيما بعد انضمام ما ورد في حقّهم أنّهم خير خلق اللّه بعد الأئمة «ع»، و أفضل الناس بعد النّبيّين، و فضلهم على الناس كفضل

اللّه على كلّ شي ء، و كفضل الرسول على أدنى الرعيّة.

و إن أردت توضيح ذلك فانظر إلى أنّه لو كان حاكم أو سلطان في ناحية و أراد المسافرة إلى ناحية أخرى و قال في حقّ شخص بعض ما ذكر فضلا عن جميعه

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 491

فقال: فلان خليفتي، و بمنزلتي و مثلي، و أميني، و الكافل لرعيّتي، و الحاكم من جانبي و حجتي عليكم، و المرجع في جميع الحوادث لكم، و على يده مجاري أموركم و أحكامكم فهل يبقى لأحد شكّ في أنّ له فعل كلّ ما كان للسلطان في أمور رعيّة تلك الناحية إلّا ما استثناه؟ و ما أظنّ أحدا يبقى له ريب في ذلك و لا شكّ و لا شبهة.

و لا يضرّ ضعف تلك الأخبار بعد الانجبار بعمل الأصحاب و انضمام بعضها ببعض و ورود أكثرها في الكتب المعتبرة.» «1»

أقول: قد نقلنا كلام العوائد بطوله لأنّه أحسن بيان لدلالة الروايات السابقة، و لكن لا يخفى وجود مغالطة ما في البين، إذ ليست هذه الجملات مجتمعة متعاقبة في رواية واحدة حسبما سردها في العوائد. بل كلّ جملة منها ذكرت في رواية مستقلة مع قرينة متّصلة صالحة لتقييدها بجهة خاصّة غير جهة الولاية الكبرى، كما مرّ تفصيل ذلك.

فإن أراد «قده» الاستدلال بالروايات للنصب و الولاية الفعلية جرت المناقشات فيها.

نعم، إن أراد دلالتها على أصلحيّة الفقيه بل تعيّنه و أنّه على الانتخاب أيضا يكون مقدّما على غيره و متعيّنا لذلك صحّ ما ذكره.

و على هذا فالأحوط مع تعدّد الفقهاء الواجدين للشرائط تعيّن الإمامة لخصوص من انتخبته الأمّة لذلك، و عدم جواز مزاحمة غيره له بل عدم جواز تصرّف غير

المنتخب في شئون الولاية بدون إذن المنتخب بالفعل من غير فرق بين الأمور الماليّة و غيرها.

و يعجبني هنا نقل كلام للعوائد أيضا يناسب المقام، قال:

«نرى كثيرا من غير المحتاطين من أفاضل العصر و طلّاب الزمان إذا وجدوا في أنفسهم قوّة الترجيح و الاقتدار على التفريع يجلسون مجلس الحكومة و يتولّون أمور

______________________________

(1)- العوائد/ 188.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 492

الرعيّة، فيفتون لهم في مسائل الحلال و الحرام و يحكمون بأحكام لم يثبت لهم وجوب القبول عنهم كثبوت الهلال و نحوه و يجلسون مجلس القضاء و المرافعات و يجرون الحدود و التعزيرات و يتصرّفون أموال اليتامى و المجانين و السفهاء و الغيّاب و يتولّون أنكحتهم و يعزلون الأوصياء و ينصبون القوّام و يقسّمون الأخماس و يتصرّفون المال المجهول مالكه و يوجرون الأوقاف العامّة إلى غير ذلك من لوازم الرئاسة الكبرى، و تراهم ليس بيدهم فيما يفعلون دليل و لم يهتدوا في أعمالهم إلى سبيل، بل اكتفوا بما رأوا و سمعوا من العلماء الأطياب، فيفعلون تقليدا بلا اطلاع لهم على محطّ فتاويهم، فيهلكون و يهلكون. أذن اللّه لهم أم على اللّه يفترون؟» «1»

______________________________

(1)- العوائد/ 185.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 493

الفصل الرابع من الباب الخامس فيما يمكن أن يستدل به لصحّة انعقاد الإمامة بانتخاب الأمّة و هي أمور:

الأمر الأول: حكم العقل

الذي هو أمّ الحجج، فإنّه يحكم بالبداهة بقبح الفوضى و الهرج و الفتنة، و وجوب إقامة النظام و حفظ المصالح العامّة الاجتماعيّة، و بسط المعروف و رفع الظلم و الفساد، و الدفاع عن المجتمع في قبال الهجمات و الإغارات. و لا يحصل ذلك كلّه إلّا تحت ظل دولة صالحة عادلة نافذة ذات شوكة و قدرة تحقّق كيانهم.

و لا تستقرّ الدولة إلّا بخضوع الأمّة في قبالها و

الإطاعة لها، فيجب تحقيق جميع ذلك بحكم العقل. و كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع، كما قرّر في محلّه.

و الدولة لا تخلو من أن توجد بالنصب من قبل اللّه- تعالى- مالك الملوك و الأمّة، أو بقهر قاهر على الأمّة، أو بالانتخاب من قبلها.

فإن تحقّقت بالنصب فلا كلام لما قدّمناه و بيّناه مرارا من تقدّمه على الانتخاب، و لكنّ المفروض في المقام عدمه أو عدم ثبوته بالأدلة.

و الثاني ظلم على الأمّة يحكم العقل بقبحه، فإنّه خلاف سلطنة الناس على أموالهم و نفوسهم، و لا يحكم العقل أيضا بوجوب الخضوع و الإطاعة له.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 494

فيتعين الثالث، أعني الانتخاب و هو المطلوب.

و لأجل ذلك استمرت سيرة العقلاء في جميع الأعصار و الظروف على الاهتمام بذلك و تعيين الولاة و الحكام بانتخاب ما هو الأصلح و الأليق بنظرهم و إظهار التسليم و الإطاعة له بالبيعة و نحوها من الطرق، و لم تخل حياة البشر حتّى في الغابات و في العصور الحجرية أيضا من دويلة ما تحقّق كيانهم و تدافع عن مصالحهم.

و اللّه- تعالى- جعل في الإنسان غريزة الانتخاب، و مدح عباده على إعمال هذه الغريزة و انتخاب المصداق الأحسن فقال: «فَبَشِّرْ عِبٰادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.» «1»

الأمر الثاني: استمرار سيرة العقلاء

في جميع الأعصار و الظروف على الاستنابة في بعض الأعمال، و على تفويض ما يعسر إنفاذه مباشرة إلى من يقدر عليه و يتيسّر له. و من جملة ذلك، الأمور العامّة التي يحتاج اليها المجتمع أو خوطب بها المجتمع و يتوقّف إنفاذها على مقدّمات كثيرة و قوات متعاضدة، كالدفاع عن البلاد و إيجاد الطّرق و وسائل الارتباط و المخابرات العامّة و

نحوها ممّا لا يتيسّر لكلّ فرد فرد تحصيلها شخصا و مباشرة، فينتخبون لذلك واليا متمكنا و يفوضونها إليه و يساعدونه على تحصيلها. و من هذا القبيل أيضا إجراء الحدود و التعزيرات و فصل الخصومات، حيث إنّه لا يتيسّر لكلّ فرد فرد التصدّي لها، بل يوجب ذلك الهرج و المرج و اختلال النظام، فيفوض إجراؤها و تنفيذها إلى من يتبلور فيه كلّ المجتمع، و هو الوالي المنتخب من قبلهم. فوالي المجتمع كأنّه ممثل لهم و نائب عنهم في إنفاذ الأمور العامّة.

و الاستنابة و التوكيل أمر عقلائي استمرّت عليه السيرة في جميع الأعصار و أمضاه الشرع أيضا.

______________________________

(1)- سورة الزمر (39)، الآية 17 و 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 495

و في نهج البلاغة في كتاب له «ع» إلى أصحاب الخراج: «فإنّكم خزّان الرعيّة و وكلاء الأمّة و سفراء الأئمّة.» «1»

فعبّر «ع» عن أصحاب الخراج الذين هم شعبة من شعب الولاة بوكلاء الأمّة، فتأمّل.

الأمر الثالث: فحوى قاعدة السلطنة،

فإنّ العقل العملي يشهد و يحكم بسلطة الناس على الأموال التي حازوها أو أنتجوها بنشاطاتهم، و استمرّت سيرة العقلاء أيضا على الالتزام بذلك في حياتهم و معاملاتهم و يحكمون بحرمة التعدّي على مال الغير و كونه ظلما، و قد نفّذ الشرع أيضا ذلك بحيث صار هذا من مسلّمات فقه الفريقين يتمسّكون بها في الأبواب المختلفة.

و روى في البحار عن عوالي اللئالي، عن النبي «ص» أنّه قال: «إنّ الناس مسلّطون على أموالهم.» «2»

و في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه «ع»: «إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيّا. الحديث.» «3»

إلى غير ذلك من الروايات الّتي يستفاد منها هذه القاعدة الشاملة.

فإذا فرضنا أن الناس مسلّطون على

أموالهم بحيث يكون لهم التصرّف فيها إلّا ما حرّمه اللّه- تعالى- و ليس لغيرهم أن يتصرّفوا في مال الغير إلّا باذنه، فهم بطريق أولى مسلّطون على أنفسهم و ذواتهم. فإنّ السلطة على الذات قبل السلطة على المال بحسب الرتبة، بل هي العلّة و الملاك لها، حيث إنّ مال الإنسان محصول عمله،

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 984؛ عبده 3/ 90؛ لح/ 425، الكتاب 51.

(2)- بحار الأنوار 2/ 272، الباب 33 من كتاب العلم، الحديث 7.

(3)- الوسائل 13/ 381، الباب 17 من أحكام الوصايا، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 496

و عمله نتيجة فكره و قواه، فهو بملكه لذاته و فكره و قواه تكوينا يملك أمواله المنتجة منها. و اللّه- تعالى- خلق الإنسان مسلّطا على ذاته حرّا مختارا، فليس لأحد أن يحدّد حرّيات الأفراد أو يتصرّف في مقدّراتهم بغير إذنهم. و للأفراد أن ينتخبوا الفرد الأصلح و يولّوه على أنفسهم، بل يجب ذلك بعد ما حكم العقل بأنّ المجتمع لا بدّ له من نظام و حكم و أنّهما من ضروريات حياة البشر.

و لا يخفى أنّ توافق أنظار المجتمع و تعاضدها في تشخيص لياقة الشخص و كفايته يوجب كون التشخيص أقرب إلى الواقع و أوقع في النفوس و أشدّ بعثا على الإطاعة و الخضوع و انتظام أمر الأمّة.

نعم، مع وجود الإمام المنصوص عليه كما هو معتقدنا في الأئمّة الاثني عشر لا مجال للانتخاب، كما مرّ. كما أنّ شارع الإسلام بعد ما شرّع في الوالي شروطا خاصّة يجب أن يكون الانتخاب في إطارها و مع رعايتها، فلا يصحّ انتخاب الفاقد لها.

الأمر الرابع: إنّ انتخاب الأمّة للوالي و تفويض الأمور إليه و قبول الوالي لها نحو معاقدة

و معاهدة بين الأمّة و بين الوالي، فيدلّ على صحتها و نفاذها جميع

ما دلّ على صحّة العقود و نفاذها من بناء العقلاء، و قوله- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1»، و قول الإمام الصادق «ع» في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّه- عز و جل- فلا يجوز.» «2» و نحوه غيره بناء على شمول الشرط للقرار الابتدائي أيضا كما لا يبعد.

لا يقال: وجوب الوفاء بالعقد يتوقّف على كون العمل المعقود عليه تحت اختيار

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 1.

(2)- الوسائل 12/ 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 497

الطرفين و ممّا يقبل العقد عليه، و كون الولاية و الحكم في اختيار الأمّة و صحّة تفويضهم إيّاها إلى الغير أوّل الكلام.

فإنّه يقال: قد مرّ أنّ تعيين الوالي من قبل المجتمع و تفويض الولاية إلى الغير من قبلهم كان أمرا رائجا متعارفا في جميع الأعصار و القرون شائعا بين القبائل و العشائر و الأمم حتّى في الغابات و العصور الحجرية أيضا، و هي أمر اعتباري قابل للإنشاء و كانوا ينشئونها بالبيعة و نحوها.

و الآية الشريفة ناظرة إلى العقود العقلائية المتعارفة بينهم، فيستدلّ بها على صحّة كل عقد عقلائي إلّا ما دلّ الدليل على بطلانه كالانتخاب مع وجود النصّ على خلافه، فتدبّر.

الأمر الخامس: ما دلّ من الآيات و الروايات على الحث على الشورى

و الأمر بها في الأمر و الولاية كقوله- تعالى-: «وَ الَّذِينَ اسْتَجٰابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ.» «1»

و عن رسول اللّه «ص»: «إذا كانت أمراؤكم خياركم و اغنياؤكم سمحاءكم و أموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها.» «2»

و في العيون عن الرضا «ع» بإسناده عن النبي «ص» قال: «من جاءكم يريد أن

يفرّق الجماعة و يغصب الأمّة أمرها و يتولّى من غير مشورة فاقتلوه، فإنّ اللّه قد أذن ذلك.» «3»

إذ الظاهر منه ثبوت الولاية بالمشورة بناء على كون المراد المشورة في التصدّي لأصل الولاية لا المشورة في إعمالها. هذا.

______________________________

(1)- سورة الشورى (42)، الآية 38.

(2)- سنن الترمذي 3/ 361، الباب 64 من أبواب الفتن، الحديث 2368؛ و تحف العقول/ 36.

(3)- عيون أخبار الرضا 2/ 62، الباب 31، الحديث 254.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 498

و كلمة الأمر في الآية الشريفة و في الروايات ينصرف إلى الحكومة، أو هي القدر المتيقّن منه.

فعن رسول اللّه «ص»: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.» «1»

و في نهج البلاغة: «فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة.» «2»

و في كتاب الحسن المجتبى «ع» إلى معاوية: «ولّاني المسلمون الأمر بعده.» «3»

إلى غير ذلك من موارد استعمال الكلمة.

و على هذا فالولاية تنعقد بشورى أهل الخبرة و انتخابهم و يتعقّبه انتخاب الأمّة قهرا، فإنّ انتخاب أهل الخبرة لأحد إذا كانوا منتخبين من قبل الأمّة أو معتمدين عندها يستعقب بالطبع غالبا رضا الأمّة و انتخابها أيضا، كما هو المشاهد في جميع الملل.

و قد جعل أكثر المسلمين الشورى أساسا للخلافة بعد النبيّ الأكرم «ص»، و نحن الشيعة الإماميّة و إن ناقشناهم في ذلك لثبوت النصّ عندنا على ولاية أمير المؤمنين «ع» و الأئمة من ولده. و لكن عند فقد النصّ كما في عصر الغيبة إن قلنا بدلالة المقبولة و نظائرها على النصب العامّ فهو و إلّا وصلت النوبة إلى الشورى قهرا بمقتضى عموم الآية و الروايات.

لا يقال: الموضوع في الآية الأمور المضافة إلى المؤمنين. و كون الولاية منها أوّل الكلام لأنّها عهد اللّه- تعالى- كما يشهد

به قوله في قصّة إمامة إبراهيم و طلبه إيّاها لذرّيّته: «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ». فالولاية و الإمامة أمر اللّه و عهده، لا أمر المؤمنين.

فإنّه يقال: لا منافاة بين كونها أمر اللّه و عهده بعناية، و بين كونها من أمور الأمّة كما يشهد بذلك مضافا إلى وضوح ارتباطها بهم التعبيرات الواردة في الأخبار و قد مرّ بعض منها.

______________________________

(1)- صحيح البخاري 3/ 91، كتاب المغازي، باب كتاب النبي «ص» إلى كسرى و قيصر.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 49، الخطبة 3.

(3)- مقاتل الطالبيين/ 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 499

لا يقال: يحتمل أن يراد بالآية، الشورى في إجراء الأمر و تنفيذه لا في أصل عقده كما هو المراد قطعا في قوله- تعالى- مخاطبا لنبيّه: «وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ.» «1» اذ الولاية في عصر النّبيّ «ص» كانت له قطعا و كان هو بنفسه واليا على المسلمين بجعل اللّه- تعالى- و لكنّ اللّه أمره بالمشاورة معهم في تنفيذ الأمور و إجرائها إكراما لهم و لكونها أبعث لهم في مرحلة الإطاعة و العمل.

فإنّه يقال: إطلاق الآية يقتضي مطلوبيّة الشورى و نفاذها في أصل الولاية و في فروعها و إجرائها. و العلم بالمقصود في الآية الأخرى المخاطب بها شخص النّبيّ الأكرم «ص» لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق في هذه الآية.

نعم، يبقى الإشكال في كيفية إجراء الشورى و الجواب عن الاعتراضات التي أوردوها في المقام. و سيأتي التعرّض لها في فصل مستقل، فانتظر.

الأمر السادس: الآيات و الروايات المتضمّنة للتكاليف الاجتماعيّة

التي لوحظ فيها مصالح المجتمع الإسلامي بما هو مجتمع و خوطب بها الأمّة مع توقّف تنفيذها على القدرة و بسط اليد.

فإنّ المجتمع بما أنّه مجتمع

و إن لم يكن له بالنظر الدقّي الفلسفي وجود واقعي وراء وجودات الأفراد و لكنّه عند علماء الاجتماع يتمتّع بواقعيّة عرفيّة عقلائيّة.

و يعتبر له في قبال الفرد وجود، و عدم، و حياة، و موت، و رقيّ، و انحطاط، و حقوق و واجبات.

و قد اعتنى القرآن الكريم بتواريخ الأمم كاعتنائه بقصص الأشخاص. و الشريعة الإسلاميّة كما أوجبت على الفرد في حياته الفرديّة واجبات عباديّة و غيرها فكذلك

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 500

وضعت على عاتق المجتمع واجبات و تكاليف خوطبت بها الأمّة الاسلاميّة.

قال اللّه- تعالى-: «وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَكُمْ وَ لٰا تَعْتَدُوا.» «1»

و قال: «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ، فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.» «2»

و قال: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ ...» «3»

و قال: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.» «4»

و قال: «وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا جَزٰاءً بِمٰا كَسَبٰا نَكٰالًا مِنَ اللّٰهِ.» «5»

و قال: «إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ...» «6»

و قال: «الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ.» «7»

إلى غير ذلك من التكاليف التي خوطب بها المجتمع و روعي فيها مصالحه.

و حيث إنّ تنفيذها يتوقف على جماعة متفرغة لذلك و قدرة متركزة

و جهاز حكم يتولّى ذلك فلا محالة يجب على المجتمع الإسلامي أن يقوم بتشكيل دولة مقتدرة و يفوّض إليها مهمّة القيام بهذه التكاليف و الوظائف، إذ لا يعقل أن يتوجّه إلى المجتمع التكليف و لا يكون على عاتقه إعداد ما يتوقّف الامتثال عليه، فيجب عليه

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 190.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

(3)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

(4)- سورة آل عمران (3)، الآية 104.

(5)- سورة المائدة (5)، الآية 38.

(6)- سورة المائدة (5)، الآية 33.

(7)- سورة النور (24)، الآية 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 501

ذلك من جهة المقدّمية، و ليس لكلّ فرد التصدّي لأدائها ارتجالا، للزوم الهرج و المرج.

الأمر السابع: ما دلّ على استخلاف اللّه- تعالى- للإنسان

، و استعماره في أرضه، و وراثة الإنسان لها.

1- قال اللّه- تعالى-: «هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلٰائِفَ فِي الْأَرْضِ.» «1»

2- و قال: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا دَعٰاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفٰاءَ الْأَرْضِ.» «2»

3- و قال: «وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضىٰ لَهُمْ.» «3»

4- و قال: «وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلٰائِكَةِ إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» «4» بناء على إرادة نوع آدم لا شخصه كما قيل.

تقريب الاستدلال هو أنّ الخلافة عن اللّه- تعالى- في أرضه تستلزم بإطلاقها جواز تصرّف الإنسان فيها تكوينا بالإحياء و الاستنماء، و تشريعا بالحكومة عليها.

و قد فرّع اللّه- تعالى- جواز الحكم لداود في أرضه على جعله خليفة.

5- فقال: «يٰا دٰاوُدُ، إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ.» «5»

فيظهر من الآية الشريفة أنّه لو لا خلافته عن اللّه- تعالى- لم يحقّ له الحكم في أرضه.

______________________________

(1)- سورة فاطر

(35)، الآية 39.

(2)- سورة النمل (27)، الآية 62.

(3)- سورة النور (24)، الآية 55.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 30.

(5)- سورة ص (38)، الآية 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 502

6- و قال- تعالى-: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهٰا.» «1»

و عمران الأرض إنّما يكون بإحيائها و عمرانها تكوينا، و بإجراء العدل فيها.

فتشمل الآية للحكومة العادلة أيضا و لذا قال رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عدل أفضل من عبادة سبعين سنة. و حدّ يقام للّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.» «2»

هذا مضافا إلى أنّ العمران التكويني لا يحصل عادة إلّا في ظل نظام العدل و الحكومة الصالحة الحافظة للحقوق و المانعة عن الإفساد.

7- و قال- تعالى-: «وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ.» «3»

8- و قال: «قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّٰهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ، وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.» «4»

9- و قال: «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ.» «5»

و وراثة الأرض تقتضي عمرانها و إدارتها تكوينا، و تشريعا بالحكم فيها.

و بالجملة، يستفاد من هذه الآيات الشريفة أنّ للإنسان أن يزاول العمران و التّصرفات التكوينيّة في الأرض، و كذا الحكومة فيها و القيادة الاجتماعيّة بسبب خلافته عن اللّه- تعالى- و وراثته للأرض. هذا.

و لكن لأحد أن يمنع كون المقصود بالخلائف و الخلفاء الخلافة عن اللّه- تعالى-.

إذ لعلّ المراد بها خلافة جيل عن جيل و نسل عن نسل، نظير قوله: «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ*

______________________________

(1)- سورة هود (11)، الآية 61.

(2)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

(3)- سورة الأنبياء

(21)، الآية 105.

(4)- سورة الأعراف (7)، الآية 128.

(5)- سورة القصص (28)، الآية 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 503

وَ يَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مٰا يَشٰاءُ» «1»، و قوله: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتٰابَ» «2».

و أمّا قوله- تعالى-: «إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» «3» فيحتمل أن يراد به آدم النّبيّ «ص» و لا يسري إلى ولده. و ليس في اعتراض الملائكة بقولهم: «أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ»، دلالة على إرادة نوع آدم. إذ لعلّ اعتراضهم بذلك كان من جهة اطلاعهم على طبع آدم النّبي «ص» و أنّه بالطبع يولد له نسل يوجد فيهم الفساد و سفك الدماء، فتأمّل.

و يحتمل بعيدا أن يراد من الآية جعل آدم خليفة للجنّ و النسناس الذين كانوا قبله في الأرض، و الملائكة شاهدوا إفسادهم و سفكهم للدماء فقاسوا بهم أولاد آدم هذا.

و لأحد أيضا أن يمنع الإطلاق في قوله- تعالى-: «وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهٰا» أيضا بتقريب أن العمران ظاهر في التكوينيّ فقط، فلا تدلّ الآية على تفويض الحكومة الى الناس، و مثله الكلام في وراثة الأرض أيضا، فتدبّر.

الامر الثامن: ما في نهج البلاغة لما أرادوا بيعته بعد قتل عثمان

قال «ع»: «دعوني و التمسوا غيري ... و اعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم و لم أصغ إلى قول القائل و عتب العاتب، و إن تركتموني فأنا كأحدكم، و لعلّي أسمعكم و أطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، و أنا لكم وزيرا خير لكم منّي أميرا.» و نحوه في تاريخ الطبرى و الكامل لابن الاثير. «4»

يظهر من الحديث أنّ الأمر أمر المسلمين و أنّ توليته بأيديهم.

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 133.

(2)- سورة الأعراف (7)، الآية 169.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 30.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 271؛ عبده

1/ 182؛ لح/ 136، الخطبة 92. و نحوه في تاريخ الطبري 6/ 3076، و الكامل لابن الأثير 3/ 193.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 504

لا يقال: هذا منه «ع» جدل في قبال المنكرين لنصبه «ع».

فإنّه يقال: نعم، و لكنّه ليس جدلا بأمر باطل خلاف الواقع، بل النصّ كما عرفت مقدّم على الانتخاب، و حيث إنّهم لم يسلّموا نصبه «ع» ذكر الانتخاب المتأخّر عنه رتبة. و سيأتي توضيح ذلك في بحث البيعة، فانتظر.

الامر التاسع: ما في تاريخ الطبري بسنده عن محمد بن الحنفية،

قال:

«كنت مع أبي حين قتل عثمان فقام فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول اللّه «ص» فقالوا: إنّ هذا الرجل قد قتل، و لا بدّ للناس من إمام، و لا نجد اليوم أحدا أحقّ بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة و لا أقرب من رسول اللّه «ص». فقال: «لا تفعلوا، فإنّي أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا.» فقالوا: لا و اللّه، ما نحن بفاعلين حتّى نبايعك.

قال: «ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون خفيّا (خفيّة) و لا تكون إلّا عن رضى المسلمين.» «1»

فجعل- عليه السلام- لرضى المسلمين اعتبارا و جعل الإمامة ناشئة منه.

الأمر العاشر: ما في الكامل بعد ما مرّ منه:

«و لمّا أصبحوا يوم البيعة، و هو يوم الجمعة، حضر الناس المسجد و جاء عليّ «ع»

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 6/ 3066.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 505

فصعد المنبر و قال: «أيّها الناس- عن ملأ و أذن- إنّ هذا أمركم ليس لأحد فيه حقّ إلّا من أمّرتم، و قد افترقنا بالأمس على أمر و كنت كارها لأمركم فأبيتم إلّا أن أكون عليكم، ألا و إنّه ليس لي دونكم إلّا مفاتيح مالكم، و ليس لي أن آخذ درهما دونكم.» «1»

الأمر الحادي عشر: ما في نهج البلاغة:

«و إنّما الشورى للمهاجرين و الأنصار، فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما كان ذلك (للّه) رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، و ولّاه اللّه ما تولّى.» «2»

الأمر الثاني عشر: ما في كتاب أمير المؤمنين «ع» إلى شيعته:

«و قد كان رسول اللّه «ص» عهد إليّ عهدا فقال: يا بن أبي طالب لك ولاء أمّتي، فإن ولّوك في عافية و أجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم، و إن اختلفوا عليك فدعهم و ما هم فيه.» «3»

فإن الولاء و إن كان لأمير المؤمنين «ع» بالنصب عندنا و يدلّ عليه الخبر أيضا، و لكن يظهر منه أنّ لتولية الأمّة أيضا أثرا و أنّ الأمر أمرهم فيكون في طول النصّ و في الرتبة المتأخرة، فتأمّل.

______________________________

(1)- الكامل لابن الأثير 3/ 193. و رواه الطبري أيضا مقطعا 6/ 3077 و 3067.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 840؛ عبده 3/ 8؛ لح/ 367، الكتاب 6.

(3)- كشف المحجّة لابن طاوس/ 180.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 506

الأمر الثالث عشر: ما في شرح ابن أبي الحديد عن رسول اللّه «ص»

أنّه قال: «إن تولّوها عليّا تجدوه هاديا مهديّا.» «1»

فنسب «ص» التولية إلى الأمّة.

الأمر الرابع عشر: ما في كتاب الحسن بن علي- عليهما السلام- إلى معاوية:

«إنّ عليّا لما مضى لسبيله ... ولّاني المسلمون الأمر بعده ... فدع التمادي في الباطل و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي فإنّك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك.» «2»

يظهر من الحديث أنّ التولية حقّ للمسلمين. و الاعتراض على ذلك بكونه جدلا قد مرّ الجواب عنه و يأتي أيضا.

الأمر الخامس عشر: ما في كتاب صلح الحسن «ع» مع معاوية:

«صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه و سنة رسوله «ص» و سيرة الخلفاء الصالحين. و ليس

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 11/ 11.

(2)- مقاتل الطالبيين/ 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 507

لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد الى أحد من بعده عهدا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.» «1»

يظهر من الحديث أنّه مع عدم التمكّن من العمل بالنّصّ بأيّ دليل كان تصل النوبة إلى شورى المسلمين و آرائهم، فتأمّل.

الأمر السادس عشر: ما رويناه بطرق مختلفة عن رسول اللّه «ص» أنّه قال:

«ما ولّت أمّة قطّ أمرها رجلا و فيهم أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا.» «2»

إذ دلالته على كون الأمر أمر الأمة و أنّ توليته بأيديهم واضحة.

الأمر السابع عشر: ما في العيون عن الرضا «ع» بإسناده عن النبي «ص» قال:

«من جاءكم يريد أن يفرّق الجماعة و يغصب الأمّة أمرها و يتولّى من غير مشورة فاقتلوه.» «3»

إذ الظاهر من إضافة الأمر إلى الأمّة كون اختياره بيدها، فتأمّل.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 44/ 65 الباب 19 (باب كيفية المصالحة) من تاريخ الإمام الحسن المجتبى، الرقم 13.

(2)- كتاب سليم بن قيس/ 118، و غيره، فراجع فصل اعتبار العلم في الحاكم.

(3)- عيون أخبار الرضا 2/ 62، الباب 31، الحديث 254.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 508

الأمر الثامن عشر: ما مرّ عن البخاري و غيره من قول النبي «ص»:

«لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.» «1»

و دلالته كسابقه.

الأمر التاسع عشر: ما في كتاب سليم عن أمير المؤمنين «ع» قال:

«و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل ... أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدموا يدا و لا رجلا و لا يبدءوا بشي ء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما ورعا عارفا بالقضاء و السنّة يجمع أمرهم ...» «2»

حيث يظهر من الحديث وجوب اختيار الناس و كونه منشئا للأثر و لكن في الرتبة المتأخرة عن اختيار اللّه، فإذا لم يكن منصوب كما في زمان الغيبة مثلا فاختيار الناس هو الذي تنعقد به الإمامة، فراجع تمام الحديث.

الأمر العشرون: ما في كتاب أعاظم الكوفة إلى سيّد الشهداء «ع»

و ما في جوابه «ع»:

______________________________

(1)- صحيح البخاري 3/ 91 كتاب المغازي، باب كتاب النبي «ص» إلى كسرى و قيصر.

(2)- كتاب سليم بن قيس/ 182.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 509

ففي كتابهم إليه:

«أمّا بعد فالحمد للّه الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الأمّة فابتزّها أمرها و غصبها فيئها و تأمّر عليها بغير رضى منها.»

و في جوابه «ع» إليهم: «و إنّي باعث إليكم أخي و ابن عمّي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملأكم و ذوي الحجى و الفضل منكم على مثل ما قدّمت به رسلكم و قرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم وشيكا.» «1»

فأعاظم الكوفة أمثال حبيب بن مظاهر عدّوا الإمامة أمر الأمّة و اعتبروا فيها رضاها، و الإمام «ع» جعل الملاك رأي الملأ و ذوي الحجى و الفضل، أي أهل الحلّ و العقد المستعقب قهرا لرضا الأمّة و رأيها.

الأمر الحادي و العشرون:

ما في الدعائم عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: «ولاية أهل العدل الذين أمر اللّه بولايتهم، و توليتهم و قبولها و العمل لهم فرض من اللّه.» «2»

إذ الظاهر منه أنّ التولية من قبل الأمّة فريضة من اللّه- تعالى- فتكون صحيحة نافذة قهرا.

الأمر الثاني و العشرون:

ما في تاريخ اليعقوبي في غزوة موتة عن بعضهم ما ملخّصه أنّ رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- إرشاد المفيد/ 185، و الكامل لابن الأثير 4/ 20 و 21.

(2)- دعائم الإسلام 2/ 527، كتاب آداب القضاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 510

قال: «أمير الجيش زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب؛ فإن قتل فعبد اللّه بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون من أحبّوا.» «1»

فوّض «ص» انتخاب الأمير بعد ابن رواحة إلى أنفسهم، فيظهر منه صحة ذلك و انعقاد الإمارة له بأحكامها و لوازمها التي منها لزوم التسليم و الطاعة.

الأمر الثالث و العشرون: ما في سنن أبي داود بسنده عن أبي سعيد الخدري

أن رسول اللّه «ص» قال:

«إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم.» «2» و بسنده عن أبي هريرة عنه «ص» نحوه.

و في مسند أحمد عن عبد اللّه بن عمرو انّ رسول اللّه «ص» قال: «لا يحلّ لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلّا أمّروا عليهم أحدهم.» «3»

فيعلم بذلك أنّ الاجتماع لا يصلح و لا ينتظم إلّا بأمير و أنّه تصلح الأمّة لانتخابه إذا لم يكن منصوبا.

الأمر الرابع و العشرون: ما في معاهدة النبيّ «ص» مع أهل مقنا:

«و ان ليس عليكم أمير إلّا من أنفسكم أو من أهل رسول اللّه و السلام.» «4»

و ظاهره انتخابهم لأحد من أنفسهم.

______________________________

(1)- تاريخ اليعقوبي 2/ 49. و روى نحوه الماوردي أيضا في الأحكام السلطانية/ 13.

(2)- سنن أبي داود 2/ 34، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمّرون أحدهم.

(3)- مسند أحمد 2/ 177.

(4)- الوثائق السياسية/ 120، الرقم 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 511

إلى غير ذلك من الموارد التي يعثر عليها المتتبّع في خلال الروايات.

و اعلم أنّه ليس الغرض هو الاستدلال بكلّ واحد واحد من هذه الأخبار المتفرقة حتّى يناقش في سندها أو دلالتها، بل المقصود أنّه يستفاد من خلال مجموع هذه الأخبار الموثوق بصدور بعضها إجمالا كون انتخاب الأمّة أيضا طريقا عقلائيا لانعقاد الإمامة و الولاية، و قد أمضاه الشارع أيضا فلا ينحصر الطريق في النصب من طرف المقام العالي، و إن تقدّمت رتبته على الانتخاب و لا مجال للانتخاب مع وجوده.

الأمر الخامس و العشرون: فحوى ما أفتوا به من الاختيار و الانتخاب فيما إذا تعدّد المفتي

أو القاضي أو إمام الجماعة، و جواز انتخاب قاضي التحكيم من قبل المترافعين.

اللّهم إلّا أن يقال إن الانتخاب هنا بعد تحقّق النصب العامّ و تحقق المشروعية به.

الأمر السادس و العشرون: آيات و أخبار البيعة بكثرتها

على ما هو الأظهر من كونها من طرق إنشاء الولاية و عقدها.

و حيث إنّ البيعة بنفسها مسألة مهمّة اعتنى بها في الكتاب و السنّة فالأولى البحث فيها و في ماهيتها في فصل مستقلّ فنقول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 513

الفصل الخامس في البيعة

اشارة

هل البيعة وسيلة لإنشاء الولاية و إعطائها للوالي، أو أنّها وسيلة للاعتراف بالولاية المتحققة و تقوية لها، أو أنّها ميثاق بين فردين أو قبيلتين أو بين الوالي و أمّته بالنسبة إلى أمر ما من الأمور الإجرائيّة و التنفيذية، أو أنّها قد تكون لعقد الولاية و قد تكون لغيره؟ وجوه:

فلنتعرّض أوّلا لبعض الآيات و الروايات المتعرّضة لها، ثمّ نبحث في ماهيتها.

فنقول:

[بعض الآيات المتعرّضة للبيعة]

1- قال اللّه- عزّ و جلّ-: «لَقَدْ رَضِيَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثٰابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً.» «1»

2- و قال: «إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ، يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ، وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.» «2»

______________________________

(1)- سورة الفتح (48)، الآية 18.

(2)- سورة الفتح (48)، الآية 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 514

و الآيتان واردتان في بيعة الحديبية في السنة السادسة من الهجرة. و سمّيت بيعة الرضوان أخذا من الآية.

و المراد بما في قلوبهم هو الخوف من المشركين، أو صدق النيّة و الصبر.

و بالسكينة: سكون النفس و الطمأنينة. و قوله: «يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» تأكيد للجملة التي قبله، فكأنه جعل يده «ص» يد اللّه، أو أنّه لما جعل بيعته «ص» بيعة اللّه فكأنّه خيّل له- تعالى- يد وقعت فوق أيديهم في المبايعة. و قيل: معناه أنّ قوة اللّه- تعالى- في نصر نبيّه فوق نصرهم إيّاه، أي ثق بنصر اللّه لا بنصرتهم فلا يضرك نكثهم. و يحتمل أيضا أن يراد باليد القوة و القدرة، و يراد أنّ قوة اللّه فوق قوّتهم فهو يقوّيهم بقوّته. هذا.

و يظهر من الآية أنّ البيعة بنفسها و

إن كان لها أهميّتها و لكن طبعها يحتمل كلا من الوفاء و النكث. و الأجر العظيم إنّما هو في إبقائها بالوفاء. فلا اعتناء ببيعة من بايع رسول اللّه «ص» ثمّ نكثها و انقلب على عقبيه.

[بعض الروايات المتعرّضة للبيعة]

3- و في مسند أحمد:

«قلت لسلمة بن الأكوع على أيّ شي ء بايعتم رسول اللّه «ص» يوم الحديبية؟ قال:

بايعناه على الموت.» «1»

4- و فيه أيضا عن جابر:

«بايعنا نبيّ اللّه يوم الحديبية على أن لا نفرّ.» «2»

5- و في المجمع عن عبد اللّه بن معقل:

«لم يبايعهم على الموت و إنّما بايعهم على أن لا يفرّوا.» «3»

6- و قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا جٰاءَكَ الْمُؤْمِنٰاتُ يُبٰايِعْنَكَ عَلىٰ أَنْ لٰا يُشْرِكْنَ بِاللّٰهِ شَيْئاً وَ لٰا يَسْرِقْنَ وَ لٰا يَزْنِينَ وَ لٰا يَقْتُلْنَ أَوْلٰادَهُنَّ وَ لٰا يَأْتِينَ بِبُهْتٰانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لٰا يَعْصِينَكَ

______________________________

(1)- مسند أحمد 4/ 51. و نحوه في الدر المنثور 6/ 74 عن معقل بن يسار، و عن سمرة.

(2)- مسند أحمد 3/ 292.

(3)- مجمع البيان 5/ 117 (الجزء 9).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 515

فِي مَعْرُوفٍ فَبٰايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّٰهَ، إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.» «1»

7- و في تفسير نور الثقلين عن الكافي بسند صحيح، عن أبان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لما فتح رسول اللّه «ص» مكّة بايع الرجال ثمّ جاءت النساء يبايعنه، فأنزل اللّه- عزّ و جلّ-: «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ.» الآية ... قالت أمّ حكيم ... يا رسول اللّه، كيف نبايعك؟ قال: إنّني لا أصافح النساء، فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثمّ أخرجها فقال: أدخلن أيديكنّ في هذا الماء.» «2»

و روي فيه روايات أخر أيضا بهذا المضمون.

8- و روي

عن البخاري، عن عائشة، قالت: «كان النبي «ص» يبايع النساء بالكلام بهذه الآية أن لا يشركن باللّه شيئا. و ما مسّت يد رسول اللّه «ص» يد امرأة قطّ إلّا امرأة يملكها.» «3»

9- و روي أنّه «ص» كان إذا بايع النساء دعا بقدح فغمس يده فيه ثمّ غمسن أيديهنّ فيه. و قيل إنّه كان يبايعهن من وراء الثوب. «4»

و بالجملة، فبيعة رسول اللّه في الحديبية و في فتح مكة ذكرتا في القرآن، فيعلم بذلك كون البيعة من الأمور التي يهتمّ بها في الإسلام.

10- و في سيرة ابن هشام عن الزهري ما حاصله:

«إن رسول اللّه «ص» أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى اللّه و عرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم: ... إن نحن بايعناك على أمرك ثمّ أظهرك اللّه على من خالفك أ يكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: «الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء.»

قال: فقال: أ فتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك اللّه كان الأمر لغيرنا،

______________________________

(1)- سورة الممتحنة (60)، الآية 12.

(2)- نور الثقلين 5/ 307.

(3)- صحيح البخاري 4/ 247، كتاب الأحكام، باب بيعة النساء. و روى عنه في نور الثقلين 5/ 309.

(4)- نور الثقلين 5/ 309، تفسير سورة الممتحنة، الحديث 36، و مجمع البيان 5/ 276 (الجزء 9 من التفسير).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 516

لا حاجة لنا بأمرك. فأبوا عليه.» «1»

و الظاهر من لفظ الأمر هو القيادة و الحكومة، فيظهر من الرواية أنّ البيعة كانت على الحكم، أو على قبول الرسالة المستتبعة للحكم.

11- و فيه أيضا في بيعة العقبة الأولى:

«فبايعوا رسول اللّه «ص» على بيعة النساء، و ذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.» «2»

12- و عن عبادة

بن الصامت، قال:

«كنت فيمن حضر العقبة الأولى و كنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول اللّه «ص» على بيعة النساء، و ذلك قبل أن تفترض الحرب.» «3»

و المراد ببيعة النساء مضمون الآية في سورة الممتحنة، حيث لم يذكر فيها الجهاد.

13- و فيه في بيعة العقبة الثانية:

«فتكلم رسول اللّه «ص» فتلا القرآن و دعا إلى اللّه و رغّب في الإسلام ثمّ قال:

«أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم و أبناءكم.» قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثمّ قال: نعم ... فبايعنا يا رسول اللّه، فنحن و اللّه أبناء الحروب و أهل الحلقة ... قال كعب: و قد قال رسول اللّه: أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ... قال ابن إسحاق و حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنّ القوم لمّا اجتمعوا لبيعة رسول اللّه قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري اخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج، هل تدرون علا م تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر و الأسود من الناس ... قالوا: ابسط يدك فبسط يده فبايعوه ... فقال كعب بن مالك: فلمّا بايعنا رسول اللّه «ص» صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط: يا أهل الجباجب- و الجباجب: المنازل- هل لكم في مذمّم و الصباة

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 66.

(2)- سيرة ابن هشام 2/ 73.

(3)- سيرة ابن هشام 2/ 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 517

معه قد اجتمعوا على حربكم.» «1»

أقول: 14- و روى القصة في إعلام الورى، و في آخرها عن علي بن إبراهيم:

«فلما اجتمعوا و بايعوا رسول

اللّه صاح بهم إبليس يا معشر قريش و العرب، هذا محمد و الصباة من الأوس و الخزرج على هذه العقبة يبايعونه على حربكم.» «2»

15- و لمّا فتح رسول اللّه «ص» مكّة جلس للبيعة على الصّفا و عمر بن الخطاب تحته، و اجتمع الناس لبيعة رسول اللّه «ص» على الإسلام، فكان يبايعهم على السمع و الطاعة للّه و لرسوله فيما استطاعوا، فكانت هذه بيعة الرجال. و أما بيعة النساء فإنّه لمّا فرغ من الرجال بايع النساء فأتاه منهن نساء من نساء قريش ... «3»

هذا كلّه بعض ما يرتبط ببيعة النبي «ص» المذكورة في القرآن و الحديث.

16- و في الاحتجاج في قصّة غدير خم و خطبة النبي «ص» عن الباقر «ع»:

«و كذلك أخذ رسول اللّه «ص» البيعة لعليّ «ع» بالخلافة على عدد أصحاب موسى، فنكثوا البيعة ...

فأقمه للناس علما و جدّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقتهم و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة علي بن أبي طالب «ع» ... فأقم يا محمد عليّا علما و خذ عليهم البيعة ...

معاشر الناس، قد بيّنت لكم و أفهمتكم و هذا عليّ يفهمكم بعدي. ألا و إنّ عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على بيعته و الإقرار به ثمّ مصافقته بعدي. ألا و إنّي قد بايعت اللّه، و عليّ قد بايعني، و أنا آخذكم بالبيعة له عن اللّه- عزّ و جلّ-، و من نكث فإنّما

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 84.

(2)- إعلام الورى/ 40، الفصل السابع.

(3)- الكامل لابن الأثير 2/ 252.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 518

ينكث على نفسه ...

معاشر الناس، فاتّقوا اللّه و بايعوا عليّا أمير المؤمنين «ع» و الحسن و الحسين و الأئمّة، كلمة طيّبة باقية يهلك اللّه من غدر و يرحم اللّه من و فى ...

فنادته القوم سمعنا و أطعنا على أمر اللّه و أمر رسوله بقلوبنا و ألسنتنا و أيدينا، و تداكّوا على رسول اللّه و على عليّ «ع» فصافقوا بأيديهم ... و صارت المصافقة سنّة و رسما يستعملها من ليس له حقّ فيها.» «1» هذا.

17- و في إرشاد المفيد:

«و من كلامه (عليّ) «ع» حين تخلّف عن بيعته عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، و سعد بن أبي وقّاص، و محمد بن مسلمة، و حسّان بن ثابت، و أسامة بن زيد ما رواه الشعبي، قال: لمّا اعتزل سعد و من سمّيناه أمير المؤمنين، و توقّفوا عن بيعته حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس، إنّكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي، و إنّما الخيار للناس قبل أن يبايعوا؛ فإذا بايعوا فلا خيار لهم، و إنّ على الإمام الاستقامة و على الرّعيّة التسليم.

و هذه بيعة عامّة من رغب عنها رغب عن دين الإسلام و اتّبع غير سبيل أهله، و لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة، و ليس أمري و أمركم واحدا و إنّي أريدكم للّه و أنتم تريدونني لأنفسكم.» «2»

و روى القطعة الأخيرة في نهج البلاغة، فراجع «3».

18- و في نهج البلاغة: «فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها تقولون: البيعة، البيعة. قبضت يدي فبسطتموها و نازعتكم يدي فجذبتموها. اللّهم إنّهما قطعاني و ظلماني و نكثا بيعتي و ألّبا الناس عليّ.» «4»

______________________________

(1)- الاحتجاج للطبرسي 1/ 34- 41.

(2)- إرشاد المفيد/ 116.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 417؛ عبده

2/ 26؛ لح/ 194، الخطبة 136.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 420؛ عبده 2/ 28؛ لح/ 195، الخطبة 137، و لكن في الفيض و الصالح: «قبضت كفّي» بدل «قبضت يدي». و كذا في الصالح: «فجاذبتموها» بدل «فجذبتموها».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 519

أقول: العوذ جمع العائذ: الحديثة النتاج. و المطفل: ذات الطفل، و جمعها مطافيل. و التأليب: التحريض و الإفساد.

19- و في نهج البلاغة أيضا: «و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها فقبضتها ثمّ تداككتم عليّ تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتّى انقطعت النعل و سقط الرداء و وطئ الضعيف و بلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير و هدج إليها الكبير و تحامل نحوها العليل و حسرت إليها الكعاب.» «1»

أقول: الهدج: مشية الضعيف. و حسرت، أي كشفت الجواري عن وجوهها متوجّهة إلى البيعة. و الكعاب كسحاب: الجارية حين يبدو ثديها للنهود. و كشفهن حدث عن شوقهن و إسراعهن.

20- و في نهج البلاغة أيضا في كتابه «ع» إلى طلحة و الزبير: «أمّا بعد، فقد علمتما- و إن كتمتما- أنّى لم أرد الناس حتى أرادوني، و لم أبايعهم حتى بايعوني، و إنّكما ممّن أرادني و بايعني، و إنّ العامّة لم تبايعني لسلطان غالب و لا لعرض حاضر. فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا و توبا إلى اللّه من قريب. و إن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة و إسراركما المعصية.» «2»

21- و فيه أيضا في كتابه إلى معاوية: «إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يردّ، و إنّما الشورى

للمهاجرين و الأنصار، فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما كان ذلك (للّه) رضا. فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين و ولّاه اللّه ما تولّى.» «3»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 722؛ عبده 2/ 249؛ لح/ 350 و 351، الخطبة 229.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1035؛ عبده 3/ 122؛ لح/ 445، الكتاب 54.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 840؛ عبده 3/ 8؛ لح/ 366، الكتاب 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 520

22- و فيه أيضا في كتابه «ع» إلى معاوية: «لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النظر و لا يستأنف فيها الخيار. الخارج منها طاعن، و المرويّ فيها مداهن.» «1»

إلى غير ذلك ممّا ورد في بيعة أمير المؤمنين- عليه السلام-. و كتب التاريخ كالطبري و الكامل و الإرشاد، و كذا نهج البلاغة و غيرها من الكتب ملاء من ذلك، فراجع نهج البلاغة مضافا إلى ما مرّ، الخطب 8- 34- 37- 73- 136- 172- 173- 218، و الكتب 1- 8- 75 «2». و سيأتي بعضها في أثناء البحث.

23- و في إرشاد المفيد بسنده عن أبي إسحاق السبيعي و غيره، قالوا:

«خطب الحسن بن علي «ع» في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين «ع» ...

ثمّ جلس فقام عبد اللّه بن العباس «ره» بين يديه فقال: معاشر النّاس، هذا ابن نبيّكم و وصيّ إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس فقالوا: ما أحبّه إلينا و أوجب حقّه علينا، و بادروا إلى البيعة له بالخلافة.» «3»

24- و بعد ما كتب أهل الكوفة إلى الحسين بن علي «ع» أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ اللّه أن يجمعنا

بك على الحقّ، و بعث هو «ع» ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة رائدا و ممثّلا له أقبلت الشيعة تختلف إلى مسلم، فلمّا اجتمع اليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين «ع» و هم يبكون و بايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا، فكتب مسلم إلى الحسين «ع» يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم. «4»

و بيعتهم لا محالة كانت على قبول إمامة الحسين «ع» و طاعته.

25- و روى الصدوق في العيون بسنده إلى الريان بن شبيب:

أنّ المأمون لمّا أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين، و لأبي الحسن علي بن موسى الرضا «ع» بولاية العهد، و للفضل بن سهل بالوزارة، أمر بثلاثة كراسي

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 843؛ عبده 3/ 9؛ لح/ 367، الكتاب 7.

(2)- راجع نهج البلاغة، مع شرحه للشيخ محمد عبده، ج 1 ص 38، 80، 85 و 120، و ج 2 ص 26، 104، 105 و 228، و ج 3 ص 3، 9 و 149.

(3)- إرشاد المفيد/ 170.

(4)- راجع إرشاد المفيد/ 186.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 521

فنصبت لهم فلمّا قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر و يخرجون، حتّى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، فتبسم أبو الحسن «ع» ثمّ قال: كلّ من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنّه بايعنا بعقدها. فقال المأمون: و ما فسخ البيعة من عقدها؟ قال أبو الحسن «ع»: عقد البيعة من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، و فسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر. قال: فماج

الناس في ذلك و أمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن «ع».

و قال الناس: كيف يستحقّ الإمامة من لا يعرف عقد البيعة؟ إنّ من علم أولى بها ممّن لا يعلم. قال: فحمله ذلك على ما فعله من سمّه «ع».

و رواه عنه في نور الثقلين. «1»

26- و في خبر أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» في أمر القائم «ع»: «فو اللّه لكأنّي أنظر إليه بين الركن و المقام يبايع الناس بأمر جديد و كتاب جديد و سلطان جديد من السماء.» «2»

و لعلّ المراد بالأمر الجديد الحكومة الإسلاميّة الصالحة العادلة أو خالص الإسلام و مصفّاه الذي أتى به النبي «ص». و بالكتاب الجديد القرآن الكريم بشرحه و تفسيره بإملاء رسول اللّه «ص» و خطّ أمير المؤمنين «ع»، كما ورد بذلك أخبار كثيرة، و إلّا فالكتاب الذي بأيدينا حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

27- و في خبر عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «ينادى باسم القائم «ع» فيؤتى و هو خلف المقام فيقال له: قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع.» «3»

28- و في خبر السّراج، عن أبي عبد اللّه «ع»: «فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا 2/ 238، الباب 59، الحديث 2. و رواه عنه نور الثقلين 5/ 60.

(2)- غيبة النعماني/ 175 (طبعة أخرى/ 262)، الباب 14 (باب ما روي في العلامات ...)، الحديث 22.

(3)- غيبة النعماني/ 176 (طبعة أخرى/ 263)، الباب 14، الحديث 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 522

فيبايعه الناس و يتبعونه.» «1»

إلى غير ذلك من الروايات.

و

ليست البيعة في عصر ظهور المهدي «ع» للتقيّة أو الجدل بلا إشكال. فيعلم بذلك كون البيعة منشأ للأثر في تثبيت الحكومة و الخلافة قطعا، فتدبّر.

و كيف كان فقد ظهر بالآيات و الأخبار المتواترة إجمالا عناية النّبي «ص» و اهتمامه بالبيعة التي كانت نحو معاهدة بين الرئيس و أمّته قبل الهجرة و بعدها، و هكذا أمير المؤمنين و الأئمّة من ولده و المسلمون جميعا.

و الظاهر أنّها لم تكن من مخترعات الإسلام، بل كانت من رسوم العرب و عاداتها الممضاة في الإسلام، بل لعلّها كانت معمولا بها في سائر الأمم أيضا.

و قد أكّد الكتاب و السنّة وجوب الوفاء بها و حرمة نكثها، كما يظهر مما مرّ.

29- و في أصول الكافي عن محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «من فارق جماعة المسلمين و نكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه- عزّ و جلّ- أجذم.» «2»

و في ذيل الصفحة:

«في بعض النسخ: صفقة الإبهام. و الأجذم: المقطوع اليد.»

30- و عن الخصال أنّ النبي «ص» قال: «ثلاث موبقات: نكث الصفقة، و ترك السنّة، و فراق الجماعة.» «3»

______________________________

(1)- غيبة النعماني/ 181 (طبعة أخرى/ 270)، الباب 14، الحديث 43.

(2)- الكافي 1/ 405، كتاب الحجة، باب ما أمر النبي «ص» بالنصيحة لأئمة المسلمين، الحديث 5.

(3)- بحار الأنوار 27/ 68، الباب 3 (باب ما أمر به النبي ...) من كتاب الإمامة، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 523

الكلام في ماهيّة البيعة

لا يخفى انّ البيع و البيعة مصدران لباع، و حقيقتهما واحدة؛ فكما أنّ البيع معاملة خاصّة تنتج تبادل المالين فكذلك المبايع للرئيس كأنّه ببيعته له يجعل ماله و إمكاناته تحت تصرّفه و يتعهّد هو في قبال ذلك بالسعي في

إصلاح شئونه و تأمين مصالحه، فكأنّها نحو تجارة بينهما.

و أنت تعلم أنّ المتعاملين حسب المتعارف يتقاولان أوّلا في مقدار العوضين و خصوصيّاتهما، و يتعقب ذلك الرضا من الطرفين، و لكن المقاولة و الرضا من مقدّمات المعاملة، و حقيقة المعاملة إنّما تتحقق بإنشائها بالإيجاب و القبول أو بالمعاطاة أو بمصافقة الأيدي أو نحو ذلك.

فالمصافقة كانت من طرق إنشاء المعاملة عندهم، كما هو المعروف في أعصارنا أيضا في كثير من البلاد و القبائل، و كانت من أحكمها و أتقنها بحيث يقبح عندهم نقضها.

و على هذا فالذي ينسبق إلى الذهن في ماهية البيعة أنّها كانت وسيلة لإنشاء التولية بعد ما تحقّقت المقاولة و الرضا؛ فكانت القبائل إذا أحسّت بالاحتياج إلى رئيس لحفظ نظامها و الدفاع عنها في قبال الأجانب اجتمعت عند من تراه أهلا لذلك فتقاولوا و ذكروا الحاجات و الشروط، و بعد حصول التراضي كانوا ينشئون ما تقاولوا عليه و تراضوا به بمصافقة الأيدي. و بالإنشاء كانت تثبت الولاية، كما في البيع طابق النعل بالنعل. و كما أنّ المصافقة بالأيادي في البيع كانت إحدى الطرق للإنشاء و لكنّها أحكم الطرق عندهم فكذلك في الولاية، فلذا كانوا يهتمّون بخصوص البيعة.

فهذا، الذي نفهمه في تصوير ماهيّة البيعة، و لعلّه المستفاد من كلمات أهل اللغة أيضا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 524

1- قال الراغب في المفردات:

«بايع السلطان: إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، و يقال لذلك: بيعة و مبايعة.» «1»

2- و في نهاية ابن الأثير:

«و في الحديث أنّه قال: ألا تبايعوني على الإسلام، هو عبارة عن المعاقدة عليه و المعاهدة؛ كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه و أعطاه خالصة نفسه

و طاعته و دخيلة أمره. و قد تكرّر ذكرها في الحديث.» «2»

3- و في الصحاح:

«بايعته من البيع و البيعة جميعا، و التبايع مثله.» «3»

4- و في لسان العرب:

«و البيعة: الصفقة على إيجاب البيع، و على المبايعة و الطاعة. و البيعة: المبايعة و الطاعة. و قد تبايعوا على الأمر كقولك: أصفقوا عليه. و بايعه عليه مبايعة: عاهده.

و بايعته من البيع و البيعة جميعا، و التبايع مثله. و في الحديث أنه قال: ألا تبايعوني على الإسلام، هو عبارة عن المعاقدة و المعاهدة؛ كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه و اعطاه خالصة نفسه و طاعته و دخيلة أمره.» «4»

5- و في مقدمة ابن خلدون:

«فصل في معنى البيعة: اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة؛ كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه و أمور المسلمين، و لا ينازعه في شي ء من ذلك، و يطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط و المكره. و كانوا إذا بايعوا الأمير و عقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد فأشبه ذلك فعل البائع و المشتري فسمّى بيعة؛ مصدر باع. و صارت البيعة مصافحة بالأيدي. هذا مدلولها في عرف

______________________________

(1)- المفردات للراغب/ 66.

(2)- النهاية لابن الأثير 1/ 174.

(3)- الصحاح للجوهري 3/ 1189.

(4)- لسان العرب 8/ 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 525

اللغة و معهود الشرع، و هو المراد في الحديث في بيعة النّبيّ «ص» ليلة العقبة و عند الشجرة و حيثما ورد هذا اللفظ.» «1»

6- و قال العلّامة الطباطبائي- قدس سره- في تفسير الميزان:

«و الكلمة مأخوذة من البيع بمعناه المعروف؛ فقد كان من دأبهم أنّهم إذا أرادوا إنجاز البيع

أعطى البائع يده للمشتري، فكأنّهم كانوا يمثّلون بذلك نقل الملك بنقل التّصرّفات التي يتحقّق معظمها باليد إلى المشتري بالتصفيق. و بذلك سمّي التصفيق عند بذل الطاعة بيعة و مبايعة. و حقيقة معناه إعطاء المبايع يده للسلطان مثلا ليعمل به ما يشاء.» «2»

فإن قلت: ما ذكرت من كون التولية نحو عقد و تجارة بين الوالي و الأمّة و أنّ البيعة و المصافقة كانت وسيلة لإنشائها و تنجيزها كما في البيع و إن كان قريبا إلى الذهن و ربّما يلوح من كلمات أهل اللغة أيضا و لكن نحن نعلم أنّ الرسالة و الولاية لرسول اللّه «ص» و كذلك الإمامة لأمير المؤمنين و الأئمة من ولده عندنا لم تحصلا بتفويض الأمّة و بيعتهم بل بجعل اللّه- تعالى- و نصبه، بايعت الأمّة أم لا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 525

فأهل المدينة في بيعة العقبة الأولى أو الثانية مثلا لم يريدوا تفويض النبوّة أو الرئاسة إلى النّبيّ «ص» و إنّما بايعوه بعد قبول نبوّته و زعامته على العمل بما جاء به و الدفاع عنه، فكانت البيعة تأكيدا للاعتراف القلبي و ميثاقا بينهما على تنفيذ ما التزموا به.

قلت: نعم، رسول اللّه «ص» كان رسولا للّه و وليّا من قبل اللّه- تعالى- بلا إشكال و إن لم تبايعه الأمّة و لم تسلّم له، و كذلك الإمامة لأمير المؤمنين و الأئمة من ولده عندنا.

______________________________

(1)- مقدمة ابن خلدون/ 147، الفصل 29 من الفصل الثالث من الكتاب الأول.

(2)- تفسير الميزان 18/ 274، (في تفسير «إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا

يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ»).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 526

و لكن لما ارتكز في أذهان الناس على حسب عادتهم و سيرتهم ثبوت الرئاسة و الزعامة بتفويض الأمّة و بيعتهم و كانت البيعة أوثق الوسائل لإنشائها و تنجيزها في عرفهم طالبهم النبيّ «ص» بذلك لتحكيم ولايته خارجا، فإن تمسّك الناس بما عقدوه بأنفسهم و التزامهم بوفائه و احتجاجهم به أكثر و أوثق بمراتب.

فالمراد بالتأكيد إيجاد ما هو الوسيلة لتحقّق الولاية عند الناس أيضا ليكون تحقّق المسبّب أقوى و أحكم، و لا محالة يترتّب عليه الإطاعة و التسليم خارجا.

و الظاهر أن البيعة لرسول اللّه «ص» كانت على حكمه و ولايته لا على رسالته، إذ الرسالة يكفي فيها الإيمان و التصديق، فتدبّر.

و بالجملة، إذا كان لتحقّق أمر طريقان و كان أحدهما أعهد عند الناس و أوثق و أنفذ فإيجاده بالطريقين يوجب تأكّده قهرا، كما هو مقتضى اجتماع العلل على معلول واحد.

و قد عرفت منّا أنّ الإمامة كما تحصل بنصب اللّه تحصل بنصب الأمّة أيضا بالبيعة.

و على هذا فإمامة أمير المؤمنين «ع» و إن تحققت عندنا بنصب اللّه أو نصب الرسول، و لكن لمّا كان إنشاؤها و جعلها من قبل الأمّة بالبيعة ممّا يوجب تأكّدها و أوقعيتها في النفوس و استسلام الناس لها خارجا و إمكان الاحتجاج بها فلذا أخذ له رسول اللّه «ص» البيعة بعد نصبه على ما مرّ. و في سورة الفتح أطلق على البيعة عهد اللّه حيث قال: «وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ. الآية.» «1» و كم له مناسبة مع كلمة «عهدي» المراد به الإمامة في قوله «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ.» «2» فتدبر.

و لو قيل- كما لا يبعد- بكون البيعة وسيلة

لإنشاء الميثاق مطلقا و لو على بعض الأمور الجزئية الإجرائية.

______________________________

(1)- سورة الفتح (48)، الآية 10.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 527

قلنا: نفس الولاية و الرئاسة أيضا من أظهر مصاديق الميثاق، فإذا كان المقام مقام جعل الولاية كما في قصة غدير خم و في بيعة أمير المؤمنين «ع» بعد عثمان كانت البيعة حينئذ وسيلة لإنشاء الولاية.

و إنشاء ما جعله اللّه- تعالى- ممّا لا مانع منه، فإنّ الإنشاء خفيف المؤونة و الغرض منه تأكيد ما جعله اللّه- تعالى-.

و ما يقال من أن تمسّك أمير المؤمنين «ع» لإثبات خلافته في مكاتباته و مناشداته ببيعة المهاجرين و الأنصار وقع منه جدلا، فلا يراد منه أنّه- عليه السلام- لم يكن يرى للبيعة أثرا و أنّها كانت عنده كالعدم. بل الجدل منه «ع» كان في تسليم ما كان يزعمه الخصم من عدم النصب من قبل اللّه- تعالى-.

و قد مرّ منا أن الانتخاب من قبل الأمّة إنّما يعتبر في طول النصب من اللّه.

فلو كان هنا إمام منصوب من قبل اللّه- تعالى- فانتخاب الأمّة لغيره ممّا لا أثر له فإنّ أمر اللّه قبل أمرنا.

و كيف كان فالبيعة ممّا تتحقّق به الولاية إجمالا. كيف! و لو لم يكن لها أثر في تثبيت الإمامة و تحقيقها فلم طلبها رسول اللّه «ص» لنفسه و لأمير المؤمنين «ع»؟

و لم كان أمير المؤمنين «ع» يصرّ عليها في بعض الموارد؟ و لم يبايع صاحب الأمر «ع» بعد ظهوره بالسيف و القدرة؟

و ما قد يقال من أنّها لتأكيد النصب فمآله إلى ما نقول أيضا، إذ لو لم يكن يترتّب عليها تحقيق الإمامة لم تكن مؤكّدة فإنّ الشي ء الأجنبي عن الشي ء

لا يؤكّده و إنّما يطلق المؤكّد على السبب الوارد على سبب آخر.

نعم، البيعة باليد احدى الوسائل لإنشاء الولاية و تنجيزها و هي أتقنها عند الناس و لكن لا تتعين، لكفاية الإنشاء باللفظ و بالمكاتبة أيضا كما في البيع و سائر المعاملات. هذا.

و قد مرّ في خبر الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «من فارق جماعة المسلمين

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 528

و نكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه أجذم.» «1»

و عن النبي «ص» أنّه قال: «ثلاث موبقات: نكث الصفقة، و ترك السنّة، و فراق الجماعة.» «2»

[المراد بنكث البيعة]

و المراد بنكث الصفقة نقض الإمامة المستعقب للخروج عن الطاعة، فإنّ الإمامة كما عرفت منصب جعليّ اعتباريّ و إنّما تتبلور خارجا في طاعة الأمّة و تسليمهم. فالخروج عن طاعة الإمام نقض لإمامته خارجا، فتدبّر.

كما أنّ المراد بالإمام، الإمام العدل الواجد لشرائط الإمامة لا أمثال يزيد و الوليد.

و المراد بالجماعة جماعة الحقّ لا كلّ جماعة، كما يشهد بذلك مضافا إلى حكم العقل و مذاق الشرع أخبار مستفيضة كخبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن آبائه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «من فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. قيل: يا رسول اللّه و ما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة أهل الحقّ و إن قلّوا.» «3»

و في مرفوعة العلويّ قيل لرسول اللّه «ص»: ما جماعة أمّتك؟ قال: «من كان على الحقّ و إن كانوا عشرة.» «4»

و في مرفوعة ابن حميد: جاء رجل إلى أمير المؤمنين «ع» فقال: أخبرني عن السنّة و البدعة، و عن الجماعة و عن الفرقة. فقال أمير المؤمنين «ع»: «السنّة ما سنّ رسول اللّه «ص»،

و البدعة ما أحدث من بعده. و الجماعة أهل الحقّ و إن كانوا قليلا، و الفرقة أهل الباطل و إن كانوا كثيرا.» «5»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 405، كتاب الحجة، باب ما أمر النبي «ص» بالنصيحة لأئمة المسلمين، الحديث 5.

(2)- بحار الأنوار 27/ 68. الباب 3 (باب ما أمر به النبيّ ...) من كتاب الإمامة، الحديث 4.

(3)- بحار الأنوار 27/ 67. الباب 3 (باب ما أمر به النبيّ ...) من كتاب الإمامة، الحديث 1.

(4)- بحار الأنوار 2/ 266، الباب 32 (باب البدعة و السّنة ...) من كتاب الإمامة، الحديث 22.

(5)- بحار الأنوار 2/ 266، الباب 32 (باب البدعة و السّنة ...) من كتاب العلم، الحديث 23.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 529

و في كنز العمال عن سليم بن قيس العامري، قال: «سأل ابن الكوّاء عليّا عن السنّة و البدعة، و عن الجماعة و الفرقة. فقال: «يا ابن الكوّاء، حفظت المسألة فافهم الجواب: السنّة و اللّه سنّة محمّد «ص»، و البدعة ما فارقها. و الجماعة و اللّه مجامعة أهل الحقّ و إن قلّوا، و الفرقة مجامعة أهل الباطل و إن كثروا.» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار.

كيف! و قد ثار السبط الشهيد على يزيد و جماعته، و ثار زيد على هشام و جنده و القيام على الباطل و الفساد واجب مع القدرة كما مرّ في فصل الجهاد و يأتي في الفصل السادس أيضا بالتفصيل.

و قال الامام الصادق «ع» لسدير الصيرفي: «و اللّه يا سدير، لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود.» و كانت الجداء سبعة عشر. «2»

و عن أمير المؤمنين «ع» أنّه قال: «اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة و أولي

الأمر بالمعروف و العدل و الاحسان.» «3»

فأهل المنكر و الجور لا ولاية لهم و لا كرامة لجماعتهم.

______________________________

(1)- كنز العمال 1/ 378، الباب 2 من كتاب الإيمان من قسم الأفعال الحديث 1644.

(2)- الكافي 2/ 243، باب في قلة عدد المؤمنين من كتاب الإيمان و الكفر، الحديث 4.

(3)- نور الثقلين 1/ 501 في ذيل تفسير آية أطيعوا اللّه ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 531

الفصل السادس في ستّ عشرة مسألة مهمة يجب الالتفات إليها و البحث فيها

[خلاصة في نصب الإمام في كل زمان]

قد تحصّل لك مما ذكرناه بطوله أن الإمامة تنعقد بالنصّ بلا إشكال.

و الظاهر أن علماء السنة أيضا لا ينكرون صحة انعقادها بالنصّ و إنما ناقشوا في تحقق الصغرى.

و الظاهر من أصحابنا الإمامية المتعرضين لمسألة الإمامة عدم انعقادها بغير النص، و لكنّا قوّينا انعقاد الإمامة بالمعنى الأعم بانتخاب الأمّة أيضا، و لكن لا مطلقا بل في صورة عدم النص، و مع رعاية الشروط الثمانية التي مرّ اعتبارها في الإمام.

فالانتخاب مقيّد و محدود من وجهين، و يكون في الرتبة المتأخرة عنهما.

فمع وجود الإمام المنصوب كما هو معتقدنا في أمير المؤمنين و الأئمة المعصومين من ولده «ع» لا مجال لانتخاب غيره و لا يصير بذلك إماما مفترض الطاعة.

و في عصر الغيبة حيث إنّ الإمامة بالمعنى الأعم لا تتعطل و تجب إقامة الدولة الحقة في كلّ عصر و زمان- كما مرّ تفصيل ذلك- فلو فرض كون الفقهاء العدول الواجدين للشرائط منصوبين من قبل الأئمة «ع» لهذا المنصب فعلا و ثبت ذلك بالأدلة كما ادعاه الأعاظم الباحثون في المسألة فهو، و إلّا كانت ولاية الفقيه

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 532

الواجد للشرائط ثابتة بانتخاب الأمة و توليتها له، و وجب عليهم السعي في التعرف عليه و

ترشيحه لذلك و انتخابه بمرحلة واحدة أو بمرحلتين.

و قد مرّ في الفصل الثالث البحث الوافي فيما استدلوا به لنصب الفقيه من قبل الأئمة «ع» كمقبولة عمر بن حنظلة و نحوها، فراجع.

و قد يتوهّم أن طريق انعقاد الإمامة ينحصر في انتخاب الأمة فقط، و الذي ثبت بالنصّ من اللّه- تعالى- أو رسوله هو الترشيح و بيان الفرد الأصلح فقط، إذ ما لم يتحقق انتخاب الأمة و تسليمها و بيعتها لم تتحقق فعلية الإمامة و إمكان القبض و البسط و التصرفات الولائية.

أقول: قد مرّ منّا في التنبيه الرابع من تنبيهات الباب الثاني أن للإمامة مراتب ثلاث:

الأولى: مرتبة الصلوح و الشأنية.

الثانية: المنصب المجعول للشخص اعتبارا من قبل من له ذلك.

الثالثة: السلطة الفعلية الحاصلة بمبايعة الناس و متابعتهم. فأمير المؤمنين «ع» مثلا عندنا منصوب من قبل رسول اللّه «ص» في غدير خمّ و جعل له منصب الإمامة كما جعل للرسول منصب الأولوية و لإبراهيم الخليل منصب الإمامة، و كانت الولاية ثابتة لهم بالنصب و إن فرض انه لم يتابعهم أحد. و نظير ذلك ثبوت منصب الولاية شرعا للأب و الجد بالنسبة إلى مال الصغير و إن منعهما ظالم من التصرف فيه.

[أسئلة و اعتراضات]
اشارة

إذا عرفت ما ذكرناه فنقول هنا أسئلة و اعتراضات يجب الالتفات إليها و الجواب عنها:

الأولى: هل الترشيح بمقدار الكفاية للولاية الكبرى

و لشعبها من القضاء و الوزارة و إمارة الجند و نحوها لمن وجد الشرائط واجب و لا يجوز اعتزال الكل فيصيرون بذلك عصاة كما هو مقتضى الوجوب الكفائي، أو لا يجب ذلك بل- كما ربّما نسمعه من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 533

بعض المعاصرين- يكون الاعتزال عنها أحوط و إن بدا للإسلام و المسلمين ما بدا؟!

الثانية: ما هو الفرق بين الحكومة الاسلامية، و بين الحكومة الديموقراطية

المتداولة في عصرنا المعبّر عنها بحكومة الشعب على الشعب؟

الثالثة: هل الشروط الثمانية التي اعتبرناها في الوالي تجب رعايتها تكليفا فقط

بحيث يترتّب العصيان على تركها، أو انّه لا بدّ منها وضعا بحيث إن للمنتخب و إن أطبقت عليه الأمة لو فقد الشرائط أو بعضها لم يصر بالانتخاب إماما واجب الاطاعة و كان انتخابه كالعدم كما هو الظاهر من التعبير بالشرط؟

الرابعة: على فرض اللّابدّيّة الوضعية فهل هي شروط واقعية أو علمية فقط؟

فعلى الأوّل لو فرض رعايتها حين الانتخاب ثم انكشف الخلاف بطل الانتخاب و لم يترتب عليه أثر. و على الثاني لا يبطل كما في بعض شروط الصلاة أو شرط العدالة في إمام الجماعة مثلا.

الخامسة: إذا لم يوجد من يجتمع فيه جميع الشروط

- و المفروض أن الامامة و الولاية لا يجوز تعطيلها. فوجد بعض الشروط في بعض و بعضها في آخر كما إذا كان أحدهما أعلم مثلا و الآخر أقوى في التدبير أو أشجع فما هو التكليف حينئذ؟

و قد تعرّض للمسألة ابن سينا في الشفاء و الماوردي و أبو يعلى كما يأتي.

السادسة: قد يقال إنه لو كانت الشورى و الانتخاب من قبل الأمّة مصدرا للولاية شرعا

كان على شارع الإسلام تشفيف الأمّة بالنسبة إلى هذا الأمر المهمّ و بيان شرائطه و حدوده كمّا و كيفا، مع أنّك لا تجد في الكتاب و السنة إلّا مجرّد عنوان الشورى بنحو الإهمال و الإجمال بلا تعرض لمواردها و حدودها و كيفية أخذ الآراء و المقدار اللازم منها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 534

السابعة: إنّ من معضلات الانتخاب أنّ أكثر أفراد المجتمع جاهلون غالبا

بالنسبة إلى المسائل السياسية و أهلها و ليس لهم استقلال في التفكير فتغلب عليهم العواطف و الأحاسيس الآنيّة و تؤثّر فيهم الدعايات الكاذبة، و قد لا يكون للأكثر منهم التزام ديني و تعهد أخلاقي فيمكن اشتراء آرائهم بالتطميع المالي و الوعود البرّاقة أو التأثير عليهم بأساليب غريزية و إراءة الفتيات و الأفلام المنكرة و نحو ذلك، و قد لا تكون لهم شجاعة و قوة نفسانية فيؤثر فيهم النفوذ المحلّى و التهديدات و نحو ذلك، كما هو المشاهد في أعصارنا حتّى في بعض الأمم التي يدّعي أنها راقية. ففي الحقيقة لا تكون الآراء و الأصوات ناشئة عن انتخاب أصيل و اختيار من الناخبين.

الثامنة: هل الملاك في الانتخاب على القول به هو رأي الجميع، أو الأكثر،

أو جميع أهل الحل و العقد، أو أكثرهم، أو رأي الحاضرين في بلد الإمام كالمدينة مثلا في العصر الأوّل؟ ما هو الحقّ في المسألة؟

التاسعة: إن حصول الإطباق و الاتفاق مما يندر جدا بل لعلّه لا يقع،

و الأخذ بالأكثرية و لا سيما النسبية منها أو النصف بإضافة الواحد يوجب سحق حقوق الأقليّة و ضياعها، فكيف المخلّص؟

ثمّ إنه ليس هنا مجتمع إلّا و يوجد فيه الغائبون و القاصرون و من يولد بعد الانتخاب، فكيف ينفذ انتخاب غيرهم بالنسبة إليهم؟ و كيف تحفظ حقوقهم في الثروات و الأموال العامة كالمعادن و الغابات و المفاوز و نحوها مما خلقه اللّه لكافة الناس؟ فهذه مشكلة عظيمة ربما لم يجد المفكرون لها مخلصا مقنعا.

العاشرة: لو قيل باعتبار الأكثرية في قبال الأقليّة

فلو فرض أن المفكرين و المثقفين و أهل الصلاح و السداد في طرف الأقليّة، و الهمج الرعاع و ضعفاء العقول في طرف الأكثرية- كما لعلّه الغالب في كثير من البلاد- فهل تقدم الأكثريّة الكذائية على الأقليّة الصالحة؟ و بعبارة أخرى: هل الاعتبار بالكميّة أو بالكيفيّة؟

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 535

الحادية عشرة: إذا كان هنا أمور لا يجوز لآحاد الأمّة التصدّي لها و مباشرتها،

كإجراء الحدود و التعزيرات و القضاء و إصدار الأحكام الولائية في موارد الاضطرار مثلا، فكيف يجوز للحاكم المنتخب من قبل الأمّة التصدّي لها مع أن ولايته من قبلهم و هو فرع لهم؟ و كيف يزيد الفرع على الأصل و يتصدّى هو لما لم يكن لهم أن يتصدّوا له بأنفسهم و كيف يفوّضونه إليه؟

الثانية عشرة: على فرض كفاية رأي الأكثرية لو فرض تقاعس الأكثرية

و استنكافهم عن الاشتراك في الانتخابات فما هو التكليف؟ و هل يكفي حينئذ انتخاب الأقلية و ينفذ بالنسبة إلى الجميع أو يجبر الأكثرية من قبل الحاكم المتسلّط فعلا بالانتخاب السابق على الشركة في الانتخابات؟

الثالثة عشرة: إذا لم تقدم الأمّة على الانتخاب و لم يكن إجبارها،

و لم نقل بكون الفقيه منصوبا بالفعل من قبل الأئمة- عليهم السلام- فهل تبقى الأمور معطّلة أو يجب على كلّ فقيه من باب الحسبة التصدّي لما أمكنه من هذه الأمور؟

الرابعة عشرة: هل الانتخاب عقد جائز من قبيل التوكيل فيجوز للأمة فسخه و نقضه مهما أرادت،

أو هو عقد لازم من قبيل البيع و نحوه فلا يجوز نقضه إلّا مع تخلّف الوالي عمّا شرط عليه؟

الخامسة عشرة: هل يشترط في الناخبين أيضا شروط معيّنة وراء العقل و التميّز،

أو يكون الانتخاب حقّا لكلّ مسلم مميّز بل و غير المسلمين أيضا؟ و قد ذكر الماوردي و ابو يعلى شروطا للناخبين أيضا، كما يأتي.

السادسة عشرة: هل يجوز للأمّة مواجهة الإمام و الوالي و القيام و الثورة عليه

و الكفاح المسلح إذا فقد بعض الشرائط كالعدالة مثلا، أو لا يجوز، أو يفصل بين

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 536

الشروط، أو بين ما إذا خيف على بيضة الإسلام و أساسه و بين غيره، أو بين الأخطاء الجزئية و الانحرافات الأساسية؟

فهذه ستة عشر سؤالا سردناها بالإجمال فلنتعرض لها و لأجوبتها بالتفصيل.

فنقول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 537

[الجواب عن الأسئلة]
المسألة الأولى الظاهر أن وجوب الترشيح للولاية و لشعبها لمن يقدر عليها واضح،

إذ الحكومة كما عرفت من ضروريات حياة البشر، و عليها يتوقّف حفظ كيان الإسلام و المسلمين و حفظ ثغورهم و بلادهم و دفع الكفار و الطواغيت عنهم. و تعطيلها يوجب تضييع الحقوق و تعطيل الحدود و الأحكام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و بعبارة أخرى يوجب تعطيل الإسلام بمفهومه الوسيع.

فإن اخترنا كون الفقهاء الواجدين للشرائط منصوبين من قبل الأئمة- عليهم السلام- للولاية، فعليهم التصدّي لشئونها كفاية، و على المسلمين إطاعتهم و التسليم لهم فيما يرتبط بأمر الحكومة.

و إن قلنا بصلوحهم لذلك فقط، و أن الولاية الفعلية تتوقف على انتخاب الأمّة، فعليهم عرض أنفسهم و على المسلمين ترشيحهم و انتخابهم. و التارك لذلك من الفريقين مع الإمكان عاص بلا إشكال، كما هو مقتضى الوجوب الكفائي.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 538

المسألة الثانية تفترق الحكومة الإسلامية عن الحكومة الديموقراطية بوجهين أساسين:
الأول: أنّه يشترط في حاكم المسلمين مطلقا،

سواء كان بالنصب أو بالانتخاب، أن يكون أعلم الناس و أعدلهم و أتقاهم و أقواهم بالأمر و أبصرهم بمواقع الأمور و بالجملة أجمعهم للفضائل. ففي عصر النبي «ص» كان هو بنفسه إماما للمسلمين و أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و بعده كانت الإمامة عندنا حقّا للأئمة الاثني عشر «ع» على ما فصل في الكتب الكلامية. و في عصر الغيبة للفقيه العادل العالم بزمانه البصير بالأمور و الحوادث الحافظ لحقوق الناس حتّى الأقليّات غير المسلمة، فلا يجوز للأمّة انتخاب غيره. و قد مرّ تفصيل الشروط و أدلّتها في الباب السابق، فراجع.

و بالجملة في صورة عدم النصب تكون آراء الأمّة معتبرة و لكنّها في طول الشروط المذكورة و في الرّتبة المتأخرة عنها، فلا تصحّ إمامة الفاقد لها.

الثاني: أنّ الحكومة الإسلاميّة بشعبها الثلاث:

من التشريع و التنفيذ و القضاء تكون في إطار قوانين الإسلام و موازينه و ليس لها أن تتخلف عمّا حكم به الإسلام قيد شعرة. فالحكومة مشروطة مقيدة، و الحاكم في الحقيقة هو اللّه- تعالى- و الدين الحنيف بمقرراته الجامعة. و لذا يعبّر عنها بالحكومة الثئوقراطية في قبال الحكومة الديموقراطية. فالمراد بالحكومة الثئوقراطيّة حكومة القانون الإلهي، لا حكومة رجال الدين حكومة استبدادية على نحو ما كان لرجال الكنيسة و البابا في القرون الوسطى. هذا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 539

و لو فرض وجود أقلّيّات من غير المسلمين أيضاً. فالإسلام بقوانينه الجامعة قد ضمن حقوقهم أيضا على ما فصّل في محلّه.

قال اللّه- تعالى-: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ.»* و قال: «أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ.» «1»

و قال: «... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ ... وَ

مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.» «2»

و قال مخاطبا لنبيّه «ص»: «وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ... وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكَ.» «3»

إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

فهذان الأمران خصيصتان للحكومة الإسلامية.

و أما في الحكومة الديموقراطية الغربية فلا تقيد للشعب و لا للحاكم، لا بالنسبة إلى إيدئولوجية خاصة، و لا بالنسبة إلى المصالح النوعية و الفضائل الأخلاقيّة، بل ترى الشعب ينتخب من يجري و ينفّذ نواياه و أهواءه. و الحاكم لا يتخلف عن ذلك قهرا، فيكون الشعب بأهوائه منشأ للتشريع و التنفيذ معا. و الحاكم يكيّف نفسه وفق أهواء الشعب و إن خالفت مصالحهم الواقعية و مصالح النوع و الفضائل الأخلاقية.

فما أكثر الحكام الذين تجاوبوا مع أهواء شعبهم و تجاهلوا نداءات الضمير و الوجدان طمعا في الانتخاب المجدّد!!

و أما الحاكم الإسلامي فبعدله و تقواه لا يتخلف قهرا عن أحكام اللّه- تعالى- و عن الحق و الفضيلة، و لا يفكّر في الانتخاب المجدد إذا فرض توقفه على الانحراف

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 57 و 62.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 44، 45 و 47.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 48 و 49.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 540

و التخطّي عن الحقّ.

بل واضح أن انحرافه يوجب سقوط عدالته و عدم جواز انتخابه قهرا، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 541

المسألة الثالثة هل الشروط الثمانية التي اعتبرناها في الوالي تجب رعايتها تكليفا فقط حين الانتخاب،

أو لا بدّ منها وضعا بحيث يبطل

الانتخاب و لا تنعقد الإمامة بدونها؟

فنقول: أمّا على القول بنصب الفقهاء من قبل الأئمة المعصومين «ع» فلا إشكال في المسألة، إذا المنصوب هو العنوان الواجد للشرائط المذكورة على ما تقتضيه الأدلة، و غير الواجد لم ينصب فلا يكون واليا.

و أمّا على القول بالانتخاب فظاهر الآيات و الروايات المتعرضة للأوصاف أيضا كونها في مقام بيان الحكم الوضعي و أن الإسلام و الفقاهة و العدالة و غيرها شروط للوالي، فلا تنعقد الولاية لمن فقدها و إن اختاروه بآرائهم. فتأمّل في قوله- تعالى-:

«لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.» «1»

و قوله: «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ.» «2»

و قوله: «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «3»

و قوله حكاية عن يوسف النبي «ع»: «اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.» «4»

و قول الرسول الأكرم «ص»: «لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(3)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

(4)- سورة يوسف (12)، الآية 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 542

يحجزه عن معاصي اللّه، و حلم يملك به غضبه، و حسن الولاية على من يلي.» «1»

و قول أمير المؤمنين «ع»: «لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدماء و المغانم و الأحكام و إمامة المسلمين، البخيل فتكون في أموالهم نهمته، و لا الجاهل فيضلهم بجهله ...» «2»

و قول الإمام المجتبى «ع» في خطبته بمحضر معاوية: «إنما الخليفة من سار بكتاب اللّه و سنّة نبيّه «ص» و ليس الخليفة من سار بالجور.» «3»

و قول سيد الشهداء «ع» في جوابه لأهل الكوفة: «فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب، القائم

بالقسط، الدائن بدين الحقّ ...» «4»

الى غير ذلك من الآيات و الروايات المتعرضة للشرائط.

و الأمر و النهي في هذا السنخ من الأمور أيضا ظاهران في الإرشاد إلى الشرطيّة و المانعيّة. هذا.

و لكن المسألة لا تخلو من غموض، إذ لو فرض أن الأمّة و لو لعصيانهم اختاروا أميرا غير واجد للشرائط و أطبقوا عليه و انتخبوه و بايعوه، و فرض أنّه ينفّذ مقررات الإسلام و لا يتخلف عنها فهل تبطل إمامته و يجوز لهم نقض بيعته و التخلف عنه؟! مشكل جدّا، إذ الخطأ و الاشتباه و كذا العصيان مما يكثر وقوعها في أفراد البشر، و جواز نقض البيعة و التخلف عنها حينئذ يوجب تزلزل النظام و عدم قراره أصلا، فلا يقاس المقام بما إذا ظهر التخلف في المبيع ذاتا أو وصفا كما إذا باع الشي ء على أنه خلّ فبان أنه خمر أو على أنه صحيح فبان معيبا، حيث يحكمون فيهما بفساد البيع أو الخيار فيه، فتأمّل.

و بذلك يظهر وجه الإشكال في المسألة التالية أيضا.

قال الماوردي:

______________________________

(1)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام ...، الحديث 8.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 407؛ عبده 2/ 19؛ لح/ 189، الخطبة 131.

(3)- مقاتل الطالبيين/ 47.

(4)- إرشاد المفيد/ 186.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 543

«و لو ابتدءوا بيعة المفضول مع وجود الأفضل نظر؛ فإن كان ذلك لعذر دعا إليه- من كون الأفضل غائبا أو مريضا أو كون المفضول أطوع في الناس و أقرب في القلوب- انعقدت بيعة المفضول و صحت إمامته. و إن بويع لغير عذر فقد اختلف في انعقاد بيعته و صحة إمامته؛ فذهبت طائفة منهم الجاحظ إلى أن بيعته لا تنعقد لأنّ

الاختيار إذا دعا إلى أولى الأمرين لم يجز العدول عنه إلى غيره مما ليس بأولى كالاجتهاد في الأحكام الشرعية. و قال الأكثر من الفقهاء و المتكلمين تجوز إمامته و صحت بيعته و لا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإمامة، كما يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضول مع وجود الأفضل لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار و ليست معتبرة في شروط الاستحقاق.» «1»

و ما ذكره غير مورد البحث و لكنه يقرب منه كما لا يخفى.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 544

المسألة الرابعة هل الشروط واقعية أو علمية فقط

كما في اشتراط العدالة في إمام الجماعة؟

فنقول: إذا فرض استنباط الشرطية من الأدلة فظاهرها شرطية نفس هذه الأوصاف لا إحرازها و العلم بها كما هو واضح.

نعم، يقع الإشكال على الانتخاب، إذ لو أحرزت الأمة جامعيّة الفرد للشرائط و اختاروه بآرائهم ثم انكشف الخلاف فكيف ينقضون بيعتهم و يتخلفون عنها بعد ما جعلوه إماما و بايعوه؟ و هل لا يصير تجويز هذا الأمر وسيلة لتخلّف بعض الناس عن إمامهم مستمسكا بهذا العذر؟ فيلزم الهرج و المرج.

و بالجملة فالحكم في المسألتين لا يخلو من غموض.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 545

المسألة الخامسة إذا فرض وجود بعض الشرائط في بعض و بعضها في آخر

و لم يوجد الواجد للجميع فما هو التكليف حينئذ؟

قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«و لو كان أحدهما أعلم و الآخر أشجع روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت؛ فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور و ظهور البغاة كان الأشجع أحقّ. و إن كانت الحاجة إلى فضل العلم أدعى لسكون الدهماء و ظهور أهل البدع كان الأعلم أحق.»

و نحو ذلك في الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى الفرّاء «1».

و قال ابن سينا في الشفاء:

«و المعوّل عليه الأعظم، العقل و حسن الإيالة، فمن كان متوسطا في الباقي و متقدما في هذين بعد أن لا يكون غريبا في البواقي و صائرا إلى اضدادها فهو أولى ممن يكون متقدما في البواقي و لا يكون بمنزلته في هذين، فيلزم أعلمهما أن يشارك أعقلهما و يعاضده، و يلزم أعقلهما أن يعتضد به و يرجع إليه؛ مثل ما فعل عمر و عليّ- عليه السلام-.» «2»

أقول: عندنا فيما ذكره ابن سينا من المثال نقاش؛ و قد قال أمير المؤمنين «ع» على ما في نهج البلاغة: «و اللّه

ما معاوية بأدهى منّي و لكنّه يغدر و يفجر. و لو لا كراهيّة الغدر لكنت من أدهى الناس.» «3»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 7، و لأبي يعلى/ 24.

(2)- الشفاء/ 452 (طبعة أخرى/ 564)، أواخر الإلهيات، فصل في الخليفة و الإمام.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 648؛ عبده 2/ 206؛ لح/ 318، الخطبة 200.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 546

و قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه:

«و اعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين «ع» زعموا أن عمر كان أسوس منه «ع»، و إن كان هو أعلم من عمر، و صرّح الرئيس أبو علي بن سينا بذلك في الشفاء.» «1» هذا.

و موارد التزاحم لا تنحصر فيما ذكروه من الأمثلة بل هي كثيرة جدّا بلحاظ الشروط الثمانية المعتبرة في الإمام، كما لا يخفى.

و الظاهر أن هذا البحث لا مجال له على القول بالنصب من قبل الأئمة «ع»، إذ المستفاد من أدلّته المذكورة هو نصب الفقيه الجامع للشرائط و لا دليل على نصب غيره. فإذا لم يوجد الجامع لها فإن قلنا بصحة الانتخاب في هذه الصورة جرى البحث و إلّا وجب كفاية على من يقدر، التصدّي للشئون من باب الحسبة، كما يأتي وجهه. هذا.

و الظاهر صحة الانتخاب و عموم أدلته لهذه الصورة أيضا.

لا يقال: أدلة اعتبار الشروط الثمانية في الوالي مخصّصة لهذه العمومات بل لها نحو حكومة عليها.

فإنه يقال: لا يبعد كونها بنحو تعدّد المطلوب؛ فمع إمكان الشرائط يجب رعايتها وجوبا شرطيا و لا تنعقد الإمامة لغير الواجد، و لكن مع عدم التمكن منها يكون أصل انتخاب الحاكم مطلوبا شرعا لعدم جواز تعطيل الحكومة و شدة اهتمام الشارع بها.

و حمل المطلق على المقيّد

إنّما هو فيما إذا أحرزت وحدة الحكم في الجملتين، و في الأمور المهمّة الضرورية على أي تقدير، لا تحرز وحدته لاحتمال تعدد المطلوب؛ نظير ما إذا قال المولى لعبده: «أنقذ ابني الأسير بوسيلة كذا.» فإذا فرض أن العبد لا يتمكّن من الوسيلة الخاصّة السريعة فهل لا يجب عليه إنقاذه بغير هذه الوسيلة

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10/ 212.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 547

و يجوز له تركه رأسا؟ لا أظن أن أحدا يلتزم بذلك.

و لا يخفى أن الحكومة من هذا القبيل؛ فتأمّل في أدلّتها الدّالّة على ضرورتها و اهتمام الشارع بها و عدم جواز تعطيلها و لا سيّما مثل كلام أمير المؤمنين «ع»: «هؤلاء يقولون لا إمرة إلّا للّه و إنّه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر.» «1»

و قوله «ع»: «وال ظلوم خير من فتنة تدوم.» «2» إلى غير ذلك من الأدلة.

و على هذا فلا يجوز تعطيل الحكومة على أي حال و لكن يجب رعاية الشرائط مهما أمكن. و مع عدم التمكن من الواجد للجميع يجب رعاية الأهمّ فالأهمّ من ناحية نفس الشرائط و من ناحية الظروف و الحاجات. فالعقل و الإسلام و قوة التدبير بل و العدالة من أهم الشرائط، كما أن الحاجات و الظروف أيضا كما أشار إليه الماوردي و ابو يعلى مختلفة. و التشخيص لا محالة محوّل إلى الخبراء في كلّ عصر و مكان.

و من أهم موارد التزاحم و أكثرها ابتلاء التزاحم بين الفقاهة، و بين القوة و حسن التدبير كما تعرض له ابن سينا و إن ناقشنا في مثاله.

و لعلّ الثاني أهم، إذ النظام و تأمين المصالح و دفع الكفار و

الأجانب لا تحصل إلّا بالقوة و حسن التدبير و السياسة. و حيث فرض تحقق الإسلام و العدالة فيه فهما يلزمانه قهرا بتعلّم الأحكام من أهلها و عدم الإقدام بغير علم.

و يمكن أن يفصّل بحسب الشرائط و بحسب الأزمنة و الأمكنة، كما قال الماوردي و ابو يعلى.

فقد تكون الأوضاع بحرانية متأزّمة و الأجواء السياسية مسمومة، فيكون الاحتياج إلى القوة و حسن التدبير أكثر.

و قد يكون الأمر بالعكس، فتكون الشرائط و الأوضاع عاديّة و الأجواء سليمة و لكن الاحتياج إلى التقنين و التشريع و الاطلاع على الموازين الإسلاميّة بأدلّتها أو رفع الاشتباهات و البدع الظاهرة كثير جدّا، فتلزم الفقاهة و الاطلاع العميق على مقررات الإسلام و موازينه، فتدبر.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 125؛ عبده 1/ 87؛ لح/ 82، الخطبة 40.

(2)- الغرر و الدرر 6/ 236، الحديث 10109.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 548

المسألة السادسة قد يعترض بأنّه لو كانت الشورى و الانتخاب من قبل الأمّة مصدرا للولاية شرعا

كان على شارع الإسلام تثقيف الأمة و تنويرها بالنسبة إلى هذا الأمر المهمّ و بيان حدوده و شرائطه و كيفيّاته.

و يمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن عدم التحديد للشورى و الانتخاب بحسب الكيفية و مواصفات الناخب كما و كيفا و غير ذلك و عدم صوغهما في قالب معيّن يجب أن يعدّ من ميزات الشريعة السمحة السهلة و من مزاياها البارزة، حيث أراد الشارع بقاءها إلى يوم القيامة و انطباقها على مختلف الأعصار و البلاد و الظروف الاجتماعيّة و الإمكانات الموجودة.

فحال تعيين الوالي حال سائر شرائط الحياة و البقاء من الغذاء و اللباس و الدواء و السكنى و وسائل السفر و الاستضاءة و غير ذلك من لوازم المعيشة، حيث لا تتقدر بقدر خاص و شكل معين لاقتضاء كل ظرف شكلا

معيّنا.

فأنت ترى أن الانتخاب للوالي الأعظم و أخذ الآراء له بالوضع الممكن فعلا لم يكن متيسّرا في تلك الأعصار، و كل يوم توجد امكانيات جديدة.

و الأمّة الإسلامية حيث جاءت في آخر الزمان فقد انتهت إليها تجارب الأمم السابقة و امتازت عن سائر الأمم بحسب التفكير و التعقل، فيجوز بيان الأصول لها و إحالة الخصوصيّات إلى تشخيص المتشرعين أنفسهم.

و طبع الشريعة الباقية الدائمة يقتضي بيان الأصول و إحالة الأشكال و القوالب و الخصوصيات إلى المتشرعة المطلعين على الحاجات و الإمكانات و الظروف.

و أصل الشورى قد ورد في الكتاب و السنة مؤكدا كما مرّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 549

و في كلام أمير المؤمنين «ع»: «و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار؛ فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما كان ذلك (للّه) رضا.» «1»

و قال أيضا: «و لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل، و لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثمّ ليس للشاهد أن يرجع و لا للغائب أن يختار.» «2»

فهو «ع» تعرض لبعض خصوصيات الشورى أيضا و جعل الملاك شورى أهل الحلّ و العقد و أهل العلم و المعرفة، و لا يخفى أن شورى أهل الحلّ و العقد تستعقب غالبا رضا جميع الأمّة أو أكثرهم قهرا.

و لعل هذا كان في صورة عدم إمكان تحصيل آراء الأمة مباشرة، و أمّا مع إمكان تحصيلها بمرحلة واحدة أو بمرحلتين كما في أعصارنا فالواجب تحصيلها لتكون الحكومة أقوى و أحكم.

و كيف كان فما هو الواجب على الشارع الحكيم بيان أصل الشورى و الحثّ عليها؛ و قد بيّن. و أمّا الكيفيات و الخصوصيات و الشرائط فمفوضة إلى العقلاء

و أهل العلم الواقفين على حاجات الزمان و الظروف و الإمكانيّات.

و لا يخفى أنّ تبيين جميع الفروع و الأحكام في الإسلام من العبادات و المعاملات و السياسات و نحوها أيضا كان على هذا النحو. فكما أنّه ليس في الكتاب و السنة اقتصاد منظم مدوّن و إنّما وردت فيها كليات و أصول رتّبها و شرحها الفقهاء، و صاغها في القوالب الخاصّة علماء الاقتصاد حسب ظروف الزمان، فكذلك الأمر في الحكومة و الدولة، حيث ترى أصولها و شرائط الحاكم و مواصفاته مذكورة في الكتاب و السنة كما مرّ. و كذلك الشورى و بعض خصوصياتها.

فعلى الفقهاء جمع الأدلة و بيانها، و على المتخصصين في فنون السياسة و الواقفين على ظروف الزمان و إمكاناتها تطبيقها على أساس الإمكانات المختلفة المتكاملة بحسب الظروف و الأمكنة و الأزمنة كسائر الحاجات الاجتماعية و غيرها.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 840؛ عبده 3/ 8؛ لح/ 367، الكتاب 6.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 558؛ عبده 2/ 105؛ لح/ 248، الخطبة 173.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 550

و لم يكن الانتخاب على أساس الشورى أمرا مستحدثا بل كان رائجا بين العقلاء كما مرّ؛ ففوض الشرع إليهم الكيفيّات و الخصوصيّات.

و قد أراد شارع الإسلام انفتاح باب الاجتهاد و بقاء المجتهدين في جميع الأعصار ليبقى الفقه ناميا و يتكامل بتكامل الزمان و ظهور الموضوعات الحديثة.

و عن الإمام الصادق «ع»: «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول و عليكم أن تفرّعوا.» «1»

و عن الرضا «ع»: «علينا إلقاء الأصول و عليكم التفريع.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 41، الباب 6 من أبواب صفات القاضي (كتاب القضاء)، الحديث 51.

(2)- الوسائل 18/ 41، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 52.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 551

المسألة السابعة قد يقال إنّ من معضلات الانتخاب أنّ أكثر الناس بسطاء تؤثّر فيهم الدعايات الكاذبة،

أو لا يكون لهم تقوى فتشترى آراؤهم بالتطميع، أو لا يكون فيهم شجاعة و قوة نفسية فتشترى الآراء بالتهديدات.

و يمكن أن يجاب عن ذلك أولا: بالنقض بانتخاب المفتي و مرجع التقليد، حيث فوّض ذلك إلى الأمة و الطريق إليه هو العلم الشخصي، أو الشياع المفيد له، أو شهادة أهل الخبرة العدول.

و ثانيا: بأن جهل الناخبين و بساطتهم أو عدم صلاحهم لا يضرنا كثيرا بعد ما بيّنا أن المنتخب في الحكومة الإسلامية يشترط فيه شروط خاصة من الإسلام و العدالة و الفقاهة و غير ذلك من الشروط الثمانية، فلا تنعقد الولاية لفاقدها.

و في مقام العمل و التنفيذ أيضا يكون الحاكم مقيدا بموازين الإسلام و مقرراته و ليس له حرّية مطلقة.

نعم، يبقى احتمال اشتباه الناخبين أو تعمّدهم لانتخاب حاكم فاسد.

و يمكن أن يجبر ذلك بإحالة تشخيص واجد الشرائط الى هيئة متخصّصة، نظير هيئة المحافظة على الدستور الذين هم من أهل الخبرة في دستور إيران الإسلامية.

فلا يصلح للانتخاب و لا ينتخب إلّا من يرشّح من قبلهم لذلك.

نعم، ترد هذه الاعتراضات جدّا على الديموقراطية الغربية، حيث لا تقيد فيها

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 552

بإيدئولوجية خاصة. و الأساس و المحور فيها هو أهواء الناخبين و مشتهياتهم كيف ما كانت، فتدبّر.

و ثالثا: بأن لنا أن نشترط في الناخبين شروطا خاصة كما هو عند الماوردي و أبي يعلى؛ حيث شرطا فيهم العدالة و العلم و التدبير المؤديين إلى اختيار من هو للإمامة أصلح. و سيأتي بيانه في المسألة الخامسة عشرة. و لعل مرجع ذلك إلى كون الرأي لأهل الحل و العقد لا لجميع الأمّة. و

سيأتي البحث فيه.

و رابعا: أنّ معرفة الأمّة جميعا لشخص واحد و الاطلاع على حقيقة حاله و انتخابه مباشرة ممّا يمكن أن يصادف إشكالات و عقبات.

و لكن معرفة أهل كلّ بلد لفرد خبير أو أفراد خبراء من أهل بلدهم و صقعهم مما يسهل جدّا و لا سيما بعد الترشيح و الاعلام الصحيح من أهل الصلاح، فتنتخب الأمة الخبراء العدول، و الخبراء ينتخبون الوالي الأعظم فيكون الانتخاب ذا مرحلتين كما هو متعارف في أعصارنا و مذكور في دستور إيران الإسلامية لانتخاب القائد. «1»

و بالجملة، الأمة جميعا يشتركون في الانتخابات فلا تختص بأهل الحل و العقد، و لكن النتيجة تحصل في المرحلة الثانية. و الاطمينان بالصحة في هذه الصورة أكثر و أقوى بمراتب، إذ الخبراء قلّما يحتمل فيهم ما كان يحتمل في البسطاء من الأمّة.

و احتمال رعاية الخبراء لمصالحهم الفردية دون مصالح المجتمع و المصالح النفس الأمريّة، يدفعه اشتراط العدالة فيهم مضافا إلى الخبرة، فتدبّر.

______________________________

(1)- راجع دستور إيران الإسلامية، الأصل 107.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 553

المسألة الثامنة هل الملاك في الانتخاب آراء الجميع، أو الأكثر،
اشارة

أو جميع أهل الحلّ و العقد أو أكثرهم، أو آراء الحاضرين في بلد الإمام؟ وجوه.

و التحقيق أن يقال: إنه بعد ما أثبتنا صحة الانتخاب و انعقاد الإمامة به عند عدم النصّ نقول: إن حصول الإطباق و الاتفاق في مقام الانتخاب على فرد واحد ممّا يندر جدّا لو لم نقل بعدم وقوعه عادة و لا سيّما في المجتمعات الكبيرة و إن فرض كون جميعهم أهل علم و صلاح، أو قلنا بأن الرأي يختص بأهل العلم و الصلاح و لا اعتبار بآراء غيرهم.

و ذلك لاختلاف الأنظار و السلائق في هذا السنخ من الأمور. فلا مجال لحمل الأدلّة الدّالة

على صحة الإمامة بالانتخاب على صورة حصول الإطباق فقط.

و قد استمرت سيرة العقلاء في جميع الأعصار و الأصقاع على تغليب الأكثريّة

على الأقليّة في هذه الموارد، فتكون الأدلّة الشرعية التي أقمناها على صحة الانتخاب إمضاء لهذه السيرة قهرا.

و قد حكي:

أن النبي «ص» في غزوة أحد مع كون نظره «ص» الشخصي هو عدم الخروج من المدينة إلّا أنّه لما رأى «ص» أن رأي الأكثر هو الخروج أخذ بآرائهم و ترك رأيه و رأي الأقلّ. «1»

و بعبارة أخرى: بعد فرض ضرورة الحكومة في حفظ النظام و حفظ الحقوق،

______________________________

(1)- راجع الكامل لابن الأثير 2/ 150.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 554

و عدم تحقق النصب من العالي، و عدم تحقق الإطباق من قبل الأمة يدور الأمر بين تعطيل الحكومة أو الأخذ بآراء الأكثرية أو بآراء الأقليّة، و حيث إنّ الأوّل يوجب اختلال النظام و تضييع الحقوق بأجمعها فالأمر يدور بين الأخيرين، و لا إشكال في ترجّح الأكثريّة على الأقليّة من وجهين: من الوجهة الحقوقية و من جهة الكشف عن الواقع، إذ تأمين حقوق الأكثر أهمّ و أوجب، وجهة الكشف في آرائهم أيضا أقوى كما لا يخفى. فترجيح الأقليّة على الأكثرية يوجب ترجيح المرجوح على الراجح و هو قبيح.

و في نهج البلاغة: «و الزموا السواد الأعظم، فإن يد اللّه على الجماعة. و إيّاكم و الفرقة، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب.» «1»

و في مقبولة عمر بن حنظلة في الخبرين المتعارضين: «و يترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.» «2»

و روى الترمذي في الفتن من سننه عن رسول اللّه «ص»: «إنّ اللّه لا يجمع أمّتي- أو قال: أمّة محمّد- على ضلالة، و يد اللّه على الجماعة. و

من شذّ شذّ إلى النار.» «3»

و في كنز العمال، عن ابن عباس و ابن عمر: «لا يجمع اللّه أمر أمّتي على ضلالة أبدا، اتّبعوا السواد الأعظم يد اللّه على الجماعة. من شذ شذّ في النار.» «4»

و عن أسامة بن شريك: «يد اللّه على الجماعة، فإذا اشتذّ الشاذّ منهم اختطفه الشيطان، كما يختطف الذئب الشاة الشاذّة من الغنم.» «5»

فيستأنس من جميع ذلك أنّه في مقام تعارض الأكثرية و الأقليّة الشاذّة يؤخذ

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 392؛ عبده 2/ 11؛ لح/ 184، الخطبة 127.

(2)- الكافي 1/ 68، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.

(3)- سنن الترمذي 3/ 315، الباب 7 من أبواب الفتن، الحديث 2255.

(4)- كنز العمال 1/ 206، الباب 2 من كتاب الإيمان من قسم الأقوال، الحديث 1030.

(5)- كنز العمال 1/ 206، الباب 2 من كتاب الإيمان من قسم الأقوال، الحديث 1032.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 555

بالأكثريّة.

نعم، يقع الإشكال في سحق حقوق الأقليّة و الغيّب و القصّر و من يولد بعد الانتخاب. و يأتي الجواب عنه في المسألة الآتية.

و بالجملة، الاتفاق في مقام الانتخاب ممّا لا يحصل غالبا و لا يلزم قطعا، بل تتبع آراء الأكثريّة و تقدم على الأقليّة.

[اللازم هل هو شركة الأمّة في مرحلة واحدة لانتخاب الوالي مباشرة، أو في مرحلتين]

نعم، يقع الكلام في أنّ اللازم هل هو شركة الأمّة في مرحلة واحدة لانتخاب الوالي مباشرة، أو في مرحلتين بأن تنتخب العامّة الخبراء، و الخبراء ينتخبون الوالي الأعظم، أو أنّ الانتخاب وظيفة و حقّ لأهل الحلّ و العقد فقط، أو الحاضرين في بلد الإمام فقط إمّا لعدم إمكان شركة الجميع فيلزم تعطيل الإمامة و لو لمدّة أو لأنّه يشترط في الناخبين أن يكونوا أهل علم و عدالة و تدبير

فلا تصحّ شركة الجميع و لا تلزم؟ في المسألة وجوه:

1- ففي نهج البلاغة: «و لعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل. و لكن أهلها يحكمون على من غاب عنها، ثم ليس للشاهد أن يرجع و لا للغائب أن يختار.» «1»

و المراد بأهلها أهل الإمامة أو أهل المدينة المنوّرة. و لعلّ الثاني أظهر بقرينة قوله: «غاب عنها». و لازم الاحتمال الأوّل عدم كون العامّة أهلا لتعيين الإمامة أصلا، بل له أهل خاصّ فينطبق قهرا على أهل الحلّ و العقد المنطبق في ذلك العصر على المهاجرين و الأنصار.

و الظاهر أنّه «ع» أشار بقوله: «ليس للشاهد أن يرجع» إلى نكث طلحة و الزبير، و بقوله: «و لا للغائب أن يختار» إلى معاوية و أمثاله المتأبّين عن البيعة له.

2- و فيه أيضا في كتابه «ع» إلى معاوية: «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار و لا للغائب أن يردّ. و إنّما الشورى للمهاجرين

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 558؛ عبده 2/ 105؛ لح/ 248، الخطبة 173.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 556

و الأنصار؛ فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما كان ذلك (للّه) رضا. فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه. فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين و ولّاه اللّه ما تولّى.» «1»

و في كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم، و الإمامة و السياسة لابن قتيبة: «أمّا بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام، لأنّه بايعني القوم.» «2» و ذكرا نحو ما في نهج البلاغة.

و في

ذيل كلامه «ع» إشارة إلى قوله- تعالى-: «وَ مَنْ يُشٰاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدىٰ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مٰا تَوَلّٰى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً.» «3»

قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه:

«و اعلم أن هذا الفصل دالّ بصريحه على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة، كما يذكره أصحابنا المتكلمون ...

فأمّا الإمامية فتحمل هذا الكتاب منه «ع» على التقية و تقول: إنّه ما كان يمكنه أن يصرّح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال و يقول أنا منصوص عليّ من رسول اللّه «ص» و معهود إلى المسلمين أن أكون خليفة فيهم بلا فصل فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين و تفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة. و هذا القول من الإمامية دعوى لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها و يصار إليها، و لكن لا دليل لهم على ما يذهبون إليه من الأصول التي تسوقهم إلى حمل هذا الكلام على التقية.» «4»

أقول: دليل الإماميّة التصريحات الكثيرة منه «ص» على أمير المؤمنين «ع» في المواقف المختلفة من أوّل بعثته إلى حين وفاته، و قد ذكرنا نموذجا منها في أوائل

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 840؛ عبده 3/ 8؛ لح/ 366، الكتاب 6.

(2)- وقعة صفين/ 29، و الإمامة و السياسة 1/ 84.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 115.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14/ 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 557

الكتاب «1» في بيان قوله- تعالى-: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.»

و هو «ص» قد أراد إبرام ذلك بالكتابة عند وفاته، فدعا بدواة و قرطاس و لكنهم خالفوه في ذلك.

و كيف كان فعند الشيعة الإماميّة إمامة أمير المؤمنين «ع»

ثابتة بالنص، و كان «ع» يحاجّ بذلك في خطبه و كتبه أيضا. و كلامه في هذا المقام و في أمثاله صدر عنه تقية أو مماشاة و جدلا. و لكن قد عرفت منا أنّه ليس معنى الجدل هنا بطلان البيعة بالكليّة و كونها كالعدم، بل الاختيار و البيعة أيضا طريق إلى الإمامة و لكنه في طول النص و في صورة عدمه. فالمماشاة هنا ليست بتسليم ما ليس حقّا أصلا بل بتسليم عدم النصّ مع كونه ثابتا، فراجع ما حررناه في فصل البيعة.

و على أيّ حال فهذا الكلام منه «ع» أيضا يدل على عدم الاحتياج إلى بيعة جميع الأمّة و كفاية بيعة أهل الحل و العقد المنطبق في ذلك العصر على المهاجرين و الأنصار، كما لا يخفى.

3- و فيما وقع بين أمير المؤمنين «ع» و معاوية في صفين أنّ معاوية قال:

«إن كان الأمر كما يزعمون فما له ابتزّ الأمر دوننا على غير مشورة منّا و لا ممّن هاهنا معنا؟» فقال عليّ- عليه السلام-: «إنّما الناس تبع المهاجرين و الأنصار و هم شهود المسلمين في البلاد على ولايتهم و أمر دينهم، فرضوا بي و بايعوني و لست أستحلّ أن أدع ضرب معاوية يحكم على الأمّة و يركبهم و يشقّ عصاهم.» فرجعوا (أي القرّاء) إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال: «ليس كما يقول؛ فما بال من هاهنا من المهاجرين و الأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فيؤامروه.» فانصرفوا إلى عليّ «ع» فقالوا له ذلك و أخبروه فقال عليّ «ع»: «و يحكم، هذا للبدريين دون الصحابة. ليس في الأرض بدريّ إلّا قد بايعني و هو معي أو قد قام و رضى.» «2»

و قوله: «ضرب معاوية» أي مثله و شبيهه. و يحتمل

أن يكون بمعنى السير، و أن

______________________________

(1)- راجع ص 37 و ما بعدها من الكتاب.

(2)- وقعة صفين/ 189 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4/ 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 558

تكون الكلمة مصحّفة عن «حزب».

و الظاهر من كلامه «ع» أن حقّ البيعة و الرأي ليس لعامّة المسلمين، بل لفئة خاصّة منهم. و لعلّ الحصر بالبدريين كان لبقائهم على العدالة و الصرافة و الدفاع عن الحقّ، أو لكونهم من الصحابة الأوّلين السابقين، فكان وقوفهم و اطلاعهم على موازين الإسلام و أهدافه و أهداف النبي الأكرم أكثر.

4- و في تاريخ الخلفاء للسيوطي فيما وقع بعد قتل عثمان و بلوغ خبره إلى أمير المؤمنين «ع» قال:

«و جاء الناس يهرعون إليه فقالوا له: نبايعك، فمدّ يدك، فلا بدّ من أمير، فقال عليّ «ع»: «ليس ذلك إليكم، إنما ذلك إلى أهل بدر فمن رضي به أهل بدر فهو خليفة.» فلم يبق أحد من أهل بدر إلّا أتى عليّا فقالوا له: ما نرى أحدا أحقّ بها منك، مدّ يدك نبايعك، فبايعوه.» «1»

أقول: و العبارة صريحة في أنّ الانتخاب حقّ لفئة خاصة.

5- و في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة قريب من ذلك، قال:

«فقام الناس فأتوا عليّا «ع» في داره فقالوا: نبايعك، فمدّ يدك، لا بد من أمير فأنت أحق بها فقال: ليس ذلك إليكم، إنما هو لأهل الشورى و أهل بدر، فمن رضي به أهل الشورى و أهل بدر فهو الخليفة فنجتمع و ننظر في هذا الأمر، فأبى ان يبايعهم ...» «2»

6- و في الكامل لابن الأثير في خطاب أمير المؤمنين لابنه الحسن «ع»: «و أمّا قولك: «لا تبايع حتّى يبايع أهل الأمصار»، فإنّ

الأمر أمر أهل المدينة و كرهنا أن يضيع هذا الأمر.» «3»

و ظهوره في اختصاص الحقّ أيضا ظاهر.

______________________________

(1)- تاريخ الخلفاء/ 109.

(2)- الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1/ 47.

(3)- الكامل لابن الأثير 3/ 223.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 559

نعم، يحتمل بعيدا أن يكون هذا الكلام، و كذا قوله: «إنّما الناس تبع المهاجرين و الأنصار.» خبرا لا إنشاء. فهو- عليه السلام- بعد أن انعقدت إمامته بالنصّ أراد بيان أنّ بيعة أهل المدينة تكفي في تثبيت الأمر و ارتفاع الخلاف، لكون الناس تابعين لهم قهرا فلا حاجة إلى بيعة أهل الأمصار، و لم يرد بيان انعقاد الإمامة بالبيعة و أنّ البيعة حقّ أهل المدينة فقط، فتأمّل.

7- و في تاريخ الطبري بعد قتل عثمان:

«فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى، و أنتم تعقدون الإمامة، و أمركم عابر على الأمّة؛ فانظروا رجلا تنصبونه و نحن لكم تبع. فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به راضون.» «1» و نحوه في الكامل «2».

8- ما مرّ من جواب سيد الشهداء «ع» لكتب أهل الكوفة: «و إنّي باعث إليكم أخي و ابن عمّي و ثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل. فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم و ذوي الحجى و الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم وشيكا.» «3»

إلى غير ذلك من الروايات و الكلمات الظاهرة في اختصاص الشورى و البيعة بالمهاجرين و الأنصار، أو بأهل المدينة، أو بالبدريين، أو بأهل الحجى و الفضل و أن الإمامة تنعقد ببيعتهم خاصة و لا يحتاج إلى بيعة العامة و رضاهم.

و ما يختلج بالبال عاجلا

في هذه الروايات أمور:

الأوّل: أن يحمل جميع هذه الروايات و أمثالها مما مرّ في فصل البيعة على التقية أو كونها من باب الجدل.

______________________________

(1) تاريخ الطبري 6/ 3075 طبع ليدن؛.

(2) الكامل لابن الأثير 3/ 192.

(3)- إرشاد المفيد/ 185، و الكامل لابن الأثير 4/ 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 560

أقول: قد عرفت منّا أنّ إمامة أمير المؤمنين و الأئمّة من ولده «ع» عندنا كانت بالنص و أن الإمامة تنعقد بالانتخاب و البيعة أيضا و لكن في صورة عدم النص.

فالجدل في هذه الروايات ليس بتسليم ما ليس بحقّ أصلا، بل بتسليم كون المورد مورد عدم النص و الاحتياج إلى الانتخاب.

الثاني: أن يقال إنّ الشورى بطبعها تستدعي كون المشاور من أهل الخبرة و الاطلاع و لا سيما في الأمور المهمة كالولاية، فليس لكل أحد الشركة في الشورى و انتخاب الوالي، بل يشترط في الناخب أن يكون من أهل العلم و التدبير و العدالة كما قاله الماوردي و أبو يعلى.

و حيث إن المهاجرين و الأنصار كانوا في المدينة مع النبي «ص» في جميع المواقف و المراحل و كانوا واقفين على سننه و أهدافه فلذلك خصّوا بهذا الأمر.

و لعلّ التخصيص بالبدريين في بعض الروايات كان باعتبار كونهم من الصحابة الأوّلين، فكان وقوفهم و اطلاعهم أكثر أو لبقائهم على صفة العدالة و الدفاع عن الحق و إظهاره.

و بالجملة، فانتخاب الوالي يرتبط بأهل الخبرة و أهل الحلّ و العقد لا بالجميع.

فوزانه وزان جميع الأمور التخصّصية التي يرجع فيها إلى الأخصّاء.

الثالث: أن يقال: إنّ انتخاب الوالي حقّ لجميع الأمّة لا لفئة خاصّة، و لكنه يجب أن يكون بمرحلتين: فالعامّة تنتخب الخبراء العدول، و الخبراء ينتخبون الإمام و الوالي؛

فإن معرفة العامة لشخص واحد و الاطلاع على حقيقة حاله و انتخابه مباشرة مما يمكن أن يواجه ببعض العقبات، إذ لعلّ الأكثر جاهلون بالسياسة و أهلها، أو تغلب عليهم العواطف الآنية و تؤثّر فيهم الدعايات، أو لا يكون لهم تديّن و تقوى فتشترى آراؤهم بالتطميع و الوعود البرّاقة، أو لا يكون لهم قوة و شجاعة فيؤثّر فيهم التهديدات. فلا يبقى اطمينان بهذا النحو من الانتخاب العمومي.

فلا محالة يكون الانتخاب المباشر حقّا لخصوص الخبراء و أهل الحل و العقد

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 561

بشرط التقوى و العدالة. و العامّة تنتخب الخبراء أو ترضى بانتخابهم. و معرفة كلّ فرد لفرد من أهل صقعه و بلده مما يسهل جدّا.

بل في تلك الأعصار السابقة لم يكن اشتراك الجميع في الانتخابات ميسورا أصلا، لبعد البلاد و فقد الوسائل؛ كما قال أمير المؤمنين «ع»: «لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامّة الناس فما إلى ذلك سبيل.» «1»

و لكن كان انتخاب المهاجرين و الأنصار السابقين موردا لرضا العامّة. فكان هذا في حكم وقوع الانتخاب بمرحلتين.

و أما في أعصارنا فحيث يمكن اشتراك الجميع فلا محالة يرشّح الخبراء العدول فينتخبون من قبل الأمّة، ثمّ ينتخب الخبراء الإمام و القائد الأعظم، كما هو المقرّر في دستور إيران الإسلامية.

و بالجملة، حيث إنّ الأمر أمر جميع الأمّة فالواجب رضا الجميع بل شركتهم مع الإمكان و لو بمرحلتين، و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ.» «2» و الظاهر منه اتحاد مرجع الضميرين؛ فكما أن الأمر أمر جميع الأمّة فالشورى أيضا يجب أن تكون بينهم جميعا.

نعم، ظاهر بعض الروايات التي مرّت ربّما لا يساعد على هذا المعنى، إذ الظاهر

منها كون انتخاب الوالي من وظائف أهل الحلّ و العقد و لا يرتبط بالعامّة أصلا بل عليهم القبول و التسليم.

و لكنّ الاحتياط و الحرص على استحكام الأمر و الحكومة يقتضيان شركة الجميع و لكن بمرحلتين جمعا بين الحقين و الدليلين. اللّهم إلّا أن تكون الأمّة بأجمعها أو بأكثريتها على درجة عالية من التعقّل و الوعي السياسي و التقوى و العدالة، فيكفي حينئذ الانتخاب مباشرة في مرحلة واحدة. فكأن الجميع صاروا حينئذ من أهل

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 558؛ عبده 2/ 105؛ لح/ 248، الخطبة 173.

(2)- سورة الشورى (42)، الآية 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 562

الحلّ و العقد، فتدبّر.

ثم على فرض كون الانتخاب حقا للجميع فلا محالة تتساوى فيه جميع الطبقات من الغنى و الفقير، و الشيخ و الشابّ، و الأسود و الأبيض، و الشريف و الوضيع، كسائر الأحكام من النكاح و الطلاق و الإرث و الحدود و القصاص و الديات و نحو ذلك، فإن الاختلاف الطبقي لا أثر له في الإسلام.

بل لعلّه لا فرق في المقام بين الرجل و المرأة، فإن اختلافهما في بعض الأحكام بدليل، لا يقتضي إسراءه إلى المقام. و القاعدة تقتضي التساوي إلّا فيما ثبت خلافه.

و السرّ في ذلك أن الولاية نظام للمجتمع، و المرأة جزء منه، كما هو واضح.

مضافا إلى أن انتخاب الحاكم من قبيل التوكيل و يجوز للمرأة توكيل غيرها بلا إشكال، فتأمّل.

و ما مرّ من عدم صحة ولايتها لا يدلّ على عدم الرأي لها في عداد الرجال، لوضوح الفرق بين المقامين. و قد بايع رسول اللّه «ص»- بعد فتح مكة و البيعة لرجالها- النساء أيضا بأمر من اللّه- تعالى- في الكتاب الكريم «1»

كما مرّ. اللّهم إلّا أن يقال إن البيعة له كانت بيعة الإطاعة و التسليم لا بيعة الانتخاب و التعيين، و لم يعهد بعده «ص» شركة النساء في البيعة لتعيين الولاة. هذا.

و أما شمول ما ورد من النهي عن مشاورتهن للمقام فغير واضح، إذ المقام يرتبط بالنظام الذي هي جزء منه، كما عرفت. و من المحتمل أن يكون النهي مختصا بما إذا كانت المشورة مقدمة للتصميم و القرار في الأمور المهمّة و اقتنع بالمشورة معها، و حيث إن الإحساس فيها يغلب على الفكر فلا محالة لا يصلح رأيها بانفرادها لأن يكون منشأ للقرار، فتأمل. هذا.

و لو قلنا باشتراط العلم و التدبير و العدالة في الناخب كما سيأتي البحث فيه فلا محالة يقع التفاوت بين واجد الصفات و فاقدها.

______________________________

(1)- سورة الممتحنة (60)، الآية 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 563

المسألة التاسعة [أن الاتفاق ممّا لا يحصل غالبا]

و ممّا يعترض به على الشورى و الانتخاب أن الاتفاق ممّا لا يحصل غالبا.

و الأخذ بالأكثريّة و لا سيما النسبية منها أو النصف بإضافة الواحد يوجب ضياع حقوق الأقليّة.

و في خبر الكناسي، عن أبي جعفر «ع»: «لا تبطل حقوق المسلمين فيما بينهم.» «1»

و في خبر أبي عبيدة، عن أبي جعفر «ع»: «لا يبطل حق امرئ مسلم.» «2»

هذا مضافا إلى أنّه قلّما يوجد مجتمع لا يكون فيه الغيّب و القصّر و من يولد بعد الانتخابات فكيف ينفذ انتخاب غيرهم بالنسبة اليهم؟ و كيف يحفظ حقوقهم في الأموال العامّة التي خلقها اللّه- تعالى- لكافة الناس كالمعادن و المفاوز و الغابات و نحوها؟

و لا يجري هذا الإشكال في الإمام المنصوب من قبل اللّه- تعالى- و لو بالواسطة، فإنّه- تعالى- مالك الملوك و حكمه نافذ في

حق الجميع بلا إشكال. هذا.

و يمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن الإنسان مدني بالطبع و له مضافا إلى الحياة الفردية و الحياة العائلية حياة اجتماعية. و لا تتم له الحياة إلا في ظل المجتمع بإمكانيّاته. و لازم استقرار الاجتماع و انتظامه تحديد المصالح و الحرّيّات الفردية في إطار المصالح الاجتماعية.

______________________________

(1)- الوسائل 14/ 210، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث 9.

(2)- الوسائل 19/ 65، الباب 35 من أبواب القصاص، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 564

و دخول الإنسان في الحياة الاجتماعية و في ظل المجتمع يقتضي طبعا التزامه بكلّ لوازمها. و إذا بدت فكرتان مختلفتان في حفظ النظام و تأمين المصالح العامة فحفظ النظام و استقراره يتوقّف قهرا على ترجيح إحداهما على الأخرى في مقام العمل.

و في هذه الصورة لا مناص من تغليب الأكثريّة على الأقليّة، و عليه استمرت سيرة العقلاء أيضا في جميع الأعصار و الأمصار كما مرّ. إذ تغليب الأقليّة ترجيح للمرجوح على الراجح و العقل يحكم بقبحه.

فالأقليّة الداخلة في المجتمع بدخولها فيه كأنّها التزمت بقبول فكرة الأكثرية في مقام العمل، و التنازل عن فكرة نفسها عند تزاحم الفكرتين.

ففي الحقيقة وقع الإطباق و الاتفاق على الأخذ بفكرة الأكثريّة في مقام العمل و إن أذعنت الأقليّة ببطلانها ذاتا.

نظير ما إذا استدعى الإنسان تبعية دولة خاصّة، فإنّها تقتضي التزامه بمقررات هذه الدولة. أو ساهم في مؤسسة تجارية مبتنية على برنامج خاصّ، فإنّ نفس مساهمته في هذه المؤسسة التزام منه ببرامجها و أحكامها.

و بالجملة، لكل من أقسام الحياة الفردية و العائلية و الاجتماعية لوازم و أحكام.

و التزام الإنسان بكل منها و وروده فيها التزام منه بآثارها

و لوازمها. فكما أنّ التزامه بالحياة العائليّة التزام منه بآثارها من تحديد الحريات الفرديّة و الالتزام بأداء حقوق العائلة من الزوجة و الأولاد، فكذلك وروده في الحياة الاجتماعية و الاستمتاع من إمكانياتها التزام منه بلوازمها، و من جملتها قبول فكرة الأكثريّة و ترجيحها عند التزاحم في المسائل الاجتماعية المختلفة التي من أهمّها مسألة انتخاب الحاكم. فإنّه أمر أذعن به العقلاء و اختاروه حلا للمعضلة، حيث إن الأمر يدور بين اختلال النظام أو الأخذ بإحدى الفكرتين، و الأوّل ممّا لا يجوز عقلا و شرعا، فيتعيّن الأخذ بالاكثريّة، لترجّح آراء الأكثريّة على آراء الأقليّة من وجهين، كما مرّ.

و قد مرّ بالتفصيل بيان استمرار سيرة العقلاء على تعيين الحاكم بالانتخاب، و أقمنا أدلّة كثيرة على إمضاء الشارع لهذه الطريقة عند فقد النص. و حصول

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 565

الاتفاق في مقام الانتخاب لحاكم خاص ممّا يقلّ و يندر جدّا لو لم نقل بعدم وقوعه عادة، فلا مجال لحمل الأدلّة على هذه الصورة فلا محالة يكفي الأكثريّة. و الشارع الحكيم أمضى هذه السيرة بلوازمها.

ثم لو قلنا بالانتخاب بمرحلة واحدة مباشرة فالمراد بالأكثريّة فيها أكثريّة المجتمع. و إن قلنا بمرحلتين فالمراد بها في المرحلة الأولى أكثرية المجتمع و في المرحلة الثانية أكثريّة أهل الخبرة. هذا.

و كما أن حصول الاتفاق مما لا يقع عادة فعدم وجوب الغيّب و القصّر و من يولد بعد الانتخاب أيضا ممّا لا يقع عادة و لا سيّما في المجتمع الكبير. فيعلم بذلك نفوذ انتخاب الأكثرية بالنسبة إلى الأقليّة، و كذا بالنسبة إلى الغيّب و القصّر و المتولّد بعد الانتخاب. كلّ ذلك لاستمرار سيرة العقلاء على ذلك و إمضاء الشارع

الحكيم لها بما مرّ من الأدلّة.

و السرّ في جميع ذلك أنّ المجتمع بما أنّه مجتمع له لوازم و أحكام خاصّة عند العقلاء، و لا يحصل النظم و الاستقرار فيه إلّا مع الالتزام بها. و المفروض أن الشارع المقدس أيضا أمضاها حفظا للنظام و الحقوق بقدر الإمكان.

و لا يضرّ تضرّر الأقليّة أو القصّر أحيانا في ظل المجتمع و مقرّراته بعد ما يكون غنمهما ببركة المجتمع أكثر بمراتب. و من له الغنم فعليه الغرم؛ يحكم بذلك الوجدان و العقل.

و قد عرفت أن الأولى و الأحوط كون الانتخاب للوالي بمرحلتين؛ فالعامّة ينتخبون الخبراء العدول، و الخبراء ينتخبون الوالي. و عقل الخبراء و الوالي و عدالتهم يقتضيان رعايتهم لحقوق الغيّب و القصّر و من يولد بعد الانتخاب أيضا حتّى في الثروات العامّة كالمعادن و المفاوز و نحوهما، فتدبّر.

فإن قلت: قد ورد في آيات كثيرة من الكتاب العزيز نفي العلم أو العقل عن الأكثر، كقوله- تعالى-: «قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ اللّٰهِ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لٰا يَعْلَمُونَ.» «1»

______________________________

(1)- سورة الأعراف (7)، الآية 187.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 566

و قوله: «وَ لٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لٰا يَعْقِلُونَ.» «1»

إلى غير ذلك من الآيات الشريفة، فكيف تقول باعتبار آراء الأكثريّة و إثبات الولاية بها؟

قلت: يظهر بالمراجعة أنّ موارد الآيات المذكورة هي المسائل الغيبية التي أخفى علمها عن العامة، كصفات الباري و أفعاله و مسائل القضاء و القدر و خصوصيّات القيامة، أو التقاليد و عادات الجاهليّة المخالفة للعقل و الوجدان و نحو ذلك.

فلا تشمل العقود و المقرّرات الاجتماعية التي لا محيص عنها في استقرار الحياة ثمّ لا مجال فيها لتقديم الأقليّة على الأكثريّة.

كيف! و إلّا لزم تعطيل الحكومة أو تقديم المرجوح على الراجح، و كلاهما واضح البطلان.

ثمّ لو فرض إطلاق الآيات المذكورة بحيث تشمل المسائل الحقوقيّة و الاجتماعية أيضا و عدم انصرافها عنها فنقول: إنّ الأقليّة العالمة العاقلة ليست متميزة منحازة، بل هي متفرقة منتشرة في خلال المجتمع، فإذا انقسم المجتمع إلى أكثريّة و أقليّة في الانتخابات فلا محالة يكون عدد أهل العلم و العقل في طرف الأكثريّة أكثر من عددهم في الطرف الآخر، فيكون الرجحان لآراء الأكثريّة أيضا. و هذا واضح لمن تدبّر. و عليك بالرجوع إلى ما حرّرناه في المسألة الثامنة أيضا لاشتباك المسألتين ارتباط كلّ منهما بالأخرى.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 103.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 567

المسألة العاشرة [لو فرض أنّ أهل التفكير و الصلاح كانوا في طرف الأقليّة]

على القول باعتبار الأكثريّة- كما اخترناه- فلو فرض أنّ أهل التفكير و السداد و الثقافة و الصلاح كانوا في طرف الأقليّة، و كان الهمج الرعاع و ضعفاء العقول في طرف الأكثريّة- كما لعلّه الغالب في كثير من البلاد- فهل تقدّم هذه الأكثريّة الكذائية على الأقليّة الصالحة أيضا؟ و بعبارة أخرى هل الاعتبار حينئذ بالكميّة أو بالكيفية؟

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأن ما فرضته نادر جدّا، إذ لا ننكر إمكان كون أكثر الناس في زمان أو مكان خاصّ بسطاء غير مطّلعين على فنون السياسة أو غير صالحين و لكن الأقليّة المفكرة الصالحة كما مرّ ليست متميّزة منحازة بل هي منتشرة في خلال المجتمع، فإذا افترقت الأمّة فرقتين في مقام الانتخاب فبالطبع يكون عدد الأفراد الصالحين المفكرين في خلال الأكثريّة أكثر من عددها في طرف الأقليّة، فيكون الرجحان لآراء الأكثريّة أيضا و لو بلحاظ أفرادها المفكرين الصالحين.

نعم، لو فرض انحياز الأقليّة الصالحة

المفكرة في مقام الانتخاب أمكن القول بتقدمها على الأكثريّة غير الصالحة و لا سيّما على القول باشتراط العدالة و العلم و التدبير في الناخبين كما قال به الماوردي و أبو يعلى، أي على القول بكون الانتخاب حقّا لأهل الحل و العقد كما مرّ بيانه في المسألة الثامنة.

و يمكن أن يحمل كلام أمير المؤمنين «ع»: «و إنما الشورى للمهاجرين و الأنصار، فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما كان ذلك (للّه) رضا» «1» على هذا الفرض حيث إن

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 840؛ عبده 3/ 8؛ لح/ 367، الكتاب 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 568

المهاجرين و الأنصار و لا سيما البدريين منهم كانوا هم الواقفين على مذاق الشرع و سياسة الإسلام، و كانوا منحازين عن سائر الفرق الذين كانوا حديثي العهد بالإسلام و لم يتركز الإسلام بعد في أعماق قلوبهم، فتأمّل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 569

المسألة الحادية عشرة [كيف يجوز للحاكم المنتخب التصدّي لأمور الأمة و هو فرع لهم و الفرع لا يزيد على الأصل]

إذا كان هنا أمور لا يجوز لآحاد الأمّة التصدّي لها و مباشرتها كإجراء الحدود و التعزيرات و القضاء و اصدار الأحكام الولائية في موارد الاضطرار و نحو ذلك فكيف يجوز للحاكم المنتخب من قبل الأمّة التصدّي لها و هو فرع لهم و منصوب من قبلهم، و الفرع لا يزيد على الأصل؟

و يمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ التكاليف الشرعيّة على قسمين: تكاليف فرديّة، و تكاليف اجتماعيّة. فالصّلاة مثلا تكليف فرديّ و إن كان الخطاب فيها بلفظ العموم و الجمع كقوله: «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ.»* «1» فإنه ينحلّ إلى أوامر متعددة بعدد المكلفين و العامّ فيها عامّ استغراقيّ.

و أما التكاليف الاجتماعية فهي الوظائف التي خوطب بها المجتمع بما هو مجتمع و

روعي فيها مصالحه و العامّ فيها عامّ مجموعيّ.

ففي قوله- تعالى-: «وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا» «2»، و قوله: «الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ» «3»، و قوله: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ» «4»، و قوله: «وَ قٰاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمٰا يُقٰاتِلُونَكُمْ كَافَّةً» «5»، و نحو ذلك يكون الخطاب متوجها إلى المجتمع و يكون التكليف على عاتقه بما هو مجتمع، و ليس التكليف متوجها الى

______________________________

(1)- سورة الروم (30)، الآية 31 و سورة المزمّل (73)، الآية 20.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 38.

(3)- سورة النور (24)، الآية 2.

(4)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

(5)- سورة التوبة (9)، الآية 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 570

كلّ فرد فرد. فلا محالة يجب أن يكون المتصدّي لامتثاله قيّم المجتمع و من يتمثّل و يتبلور فيه المجتمع إمّا بجعل اللّه- تعالى- أو بانتخاب نفس الأمّة.

هذا مضافا إلى أنّ تنفيذ كلّ واحد من هذه التكاليف يستدعي تشخيص الموضوع و إحرازه، و الأنظار في هذه الموارد تختلف كثيرا، و أكثر الناس لا يخلون من الأهواء و كثيرا ما يستعقب تصدّي كلّ فرد لها التنازع و الخصام و الهرج و المرج، فلأجل ذلك منع الشارع من تصدّي الأفراد لها بل جعلها وظيفة لممثّل المجتمع، قطعا لمادة النزاع و الفساد.

و أنت ترى أن العقلاء ربّما يحيلون الأمور التي لا يتّفق فيها الآراء و يتنافس فيها الأهواء إلى شخص معتمد متفق عليه و يظهرون التسليم له في كلّ ما حكم به، فيرتفع بذلك النزاع و التشاجر. فهذا أمر استقرت عليه سيرتهم.

و بالجملة، الشارع الحكيم وضع هذه التكاليف على عاتق المجتمع رعاية لمصالحه،

فيجب أن يتصدّى لها ممثّل المجتمع و من صار قيّما له، إمّا بجعل اللّه- تعالى-، أو بانتخاب المجتمع. فلا يجوز تصدّي الأفراد لها لعدم كون التكليف متوجها الى الأفراد و لاستلزامه التنازع و الفساد، فارتفع الإشكال من أصله و أساسه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 571

المسألة الثانية عشرة على فرض تقاعس الأكثرية و استنكافهم عن الاشتراك في الانتخابات فما هو التكليف حينئذ،

و هل يكفي انتخاب الأقليّة و ينفذ على الجميع أو يجبر الأكثرية على الاشتراك؟

و يمكن أن يجاب بأنّه بعد ما ثبتت ضرورة الحكومة و كونها من أهم الفرائض لتوقّف حفظ الحقوق و تنفيذ سائر الفرائض عليها فإن كان هنا حاكم منصوص عليه فهو، و إلّا وجب على من وجد فيه الشرائط، ترشيح نفسه لذلك و وجب على سائر المسلمين السعي لتعيينه و انتخابه.

و التقاعس عن ذلك معصية كبيرة فيجوز للحاكم المنتخب في المرحلة السابقة إجبارهم على ذلك، كما هو المتعارف في بعض البلاد في عصرنا.

و لو فرض عدم إمكان ذلك فتقاعس الأكثريّة و ابتدر الأقليّة إلى الانتخاب فإن كان منتخبهم واجدا للشرائط وجب على الأكثريّة إمّا التسليم له أو انتخاب فرد آخر واجد للشرائط و يصير التسليم له على الفرض الأوّل انتخابا له في الحقيقة.

بل لو فرض عصيان الجميع و عدم إمكان إجبارهم وجب على من وجد فيه الشرائط التصدّي لوظائف الحكومة حسبة بنحو الوجوب الكفائي، كما يأتي بيانه و وجب على الآخرين مساعدته على ذلك.

و الظاهر وضوح كل ذلك بعد ما بيّناه من ضرورة الحكومة في جميع الأعصار و عدم جواز تعطيلها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 572

المسألة الثالثة عشرة إذا لم تقدم الأمّة على الانتخاب

و لم يمكن إجبارهم و لم نقل بكون الفقيه منصوبا بالفعل من قبل الأئمة «ع» فهل تبقى الأمور العامة معطّلة، أو يجب من باب الحسبة تصدّي كلّ فقيه لما أمكنه من هذه الأمور؟

أقول: الظاهر عدم الإشكال في وجوب تصدّي الفقهاء الواجدين للشرائط للأمور المعطّلة من باب الحسبة إذا أحرز عدم رضا الشارع الحكيم بإهمالها و تركها في أيّ ظرف من الظروف.

و لا تنحصر الأمور الحسبيّة في الأمور الجزئية، كحفظ أموال الغيّب

و القصّر مثلا. إذ حفظ نظام المسلمين و ثغورهم و دفع شرور الأعداء عنهم و عن بلادهم و بسط المعروف فيهم و قطع جذور المنكر و الفساد عن مجتمعهم من أهم الفرائض و من الأمور الحسبيّة التي لا يرضى الشارع الحكيم بإهمالها قطعا، فيجب على من تمكّن منها أو من بعضها التصدّي للقيام بها و إذا تصدّى واحد منهم لذلك وجب على باقي الفقهاء فضلا عن الأمة مساعدته على ذلك.

و العجب ممّن يهتمّ بحفظ دراهم معدودة للصغير أو الغائب من باب الحسبة و لا يهتمّ بحفظ كيان الإسلام و نظام المسلمين و ثغورهم و بلادهم، و هل هذا إلّا نحو من قصور الفهم و عدم نيل بمذاق الشرع و أهدافه؟!

و الفقهاء العدول الواجدون للشرائط هم القدر المتيقّن لهذه الأمور، لصلوحهم للحكومة و تحقّق الشرائط فيهم على ما مرّ من الأدلّة. فهم مقدّمون على غيرهم كما لا يخفى.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 573

فإن قلت: إذا سلّمنا أن شئون الحكومة لا تتعطّل على أيّ حال و أنّه إذا فقد النصّ و الانتخاب وجب على الفقهاء التصدّي لها حسبة فلأحد أن يقول: لا يبقى على هذا وجه لوجوب إقدام الأمّة على الانتخاب، إذ المفروض عدم تعطل الحكومة.

قلت: فعليّة الحكومة تحتاج إلى قوّة و قدرة حتّى يتمكّن الحاكم من إجراء الحدود و تنفيذ الأحكام، و واضح أن بيعة الأمّة و انتخابهم ممّا يوجب قوّة الحكومة و نجدتها. و أمّا المتصدّي حسبة فكثيرا ما لا يجد قدرة تنفيذية فيتعطّل قهرا كثير من الشؤون، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 574

المسألة الرابعة عشرة هل الانتخاب للوالي عقد جائز

من قبيل الوكالة فيجوز للأمّة فسخه و نقضه مهما

أرادت، أو هو عقد لازم من قبيل البيع فلا يجوز نقضه إلّا مع تخلّف الوالي عمّا شرط عليه و تعهّده؟

أقول: كنت قد كتبت في سالف الزمان في هامش كتابي المسمّى بالبدر الزاهر المطبوع سابقا ما هذا لفظه:

«و أما الانتخاب العمومي فلا يغني عن الحق شيئا و لا يلزم الوجدان أحدا على إطاعة منتخب الأكثرية، إذ المنتخب بمنزلة الوكيل، و الموكل ليس ملزما على إطاعة وكيله، بل له أن يعزله متى شاء. هذا بالنسبة إلى الأكثرية، و أما بالنسبة إلى الأقليّة فالأمر أوضح، إذ لا يجب على أحد بحسب الوجدان أن يطيع وكيل غيره.

و على هذا فيختلّ النظام فلا بدّ لتنظيم الاجتماع من وجود سائس تجب بحسب الوجدان إطاعته و ينفّذ حكمه و لو كان بضرر المحكوم عليه، و ليس ذلك إلّا من كانت حكومته و ولايته بتعيين اللّه- تعالى- و من شئون سلطنته المطلقة و لو بوسائط كالفقيه العادل المنصوب من قبل الأئمة «ع» المتعيّنين بتعيين رسول اللّه «ص» الذي جعله اللّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.» «1» هذا ما كتبناه سابقا.

و قد كنت أرى آنذاك أن الانتخاب و البيعة لا تؤثر شيئا و لا تعطي لصاحبها حقّا حتّى مع عدم النّصّ فضلا عن وجوده.

و لكن التعمق في أدلّة إقامة الدولة و نصوص البيعة و استقرار السيرة عليها و غير

______________________________

(1)- البدر الزاهر/ 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 575

ذلك كما مرّ منّا بالتفصيل يلزمنا بالقول بصحّة الانتخاب مع عدم وجود النصّ.

و بما أنّ النصّ على نصب أمير المؤمنين «ع» و الأئمة من ولده «ع» ثابت عندنا بلا إشكال فلا مجال للانتخاب مع وجودهم و ظهورهم.

أما في أعصارنا فمع عدم النصّ

يصحّ الانتخاب أو يجب لما أقمناه من الأدلّة، و يكون عقدا شرعيا بين الأمّة و بين المنتخب يجب الوفاء به بحكم الفطرة مضافا إلى قوله- تعالى-: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.» «1»

و كما أن الوجدان يلزمنا بإطاعة الإمام المنصوب يلزمنا بإطاعة الإمام المنتخب أيضا، فإن طبع ولاية الأمر إذا كانت عن حقّ يقتضي الإطاعة و إلّا لما تمّ الأمر و لما حصل النظام. و الشرع أيضا بإمضائه للانتخاب يلزمنا بالإطاعة. و قد استظهرنا في تفسير قوله- تعالى-: «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» «2» شمول الآية بعمومها لكل من صار ولي الأمر عن حقّ و إن كان بالانتخاب إذا كان واجدا للشرائط و كان انتخابه على أساس صحيح، فراجع. «3»

و بالجملة لا فرق في حكم الوجدان بين الإمام المنصوب و الإمام المنتخب مع فرض صحّة الانتخاب و إمضاء الشرع له.

و الانتخاب و إن أشبه الوكالة بوجه بل هو قسم من الوكالة بالمعنى الأعمّ، أعني إيكال الأمر إلى الغير أو تفويضه إليه، و في كتاب أمير المؤمنين «ع» إلى أصحاب الخراج «فإنكم خزّان الرعيّة و وكلاء الأمّة و سفراء الأئمة.» «4»

و لكن إيكال الأمر إلى الغير قد يكون بالإذن له فقط، و قد يكون بالاستنابة بأن يكون النائب وجودا تنزيليا للمنوب عنه و كأنّ العمل عمل المنوب عنه، و قد يكون بإحداث الولاية و السلطة المستقلة للغير مع قبوله.

و الأوّل ليس عقدا، و الثاني عقد جائز على ما ادّعوه من الإجماع، و أمّا الثالث

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 1.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 59.

(3)- راجع ص 64 و ما بعدها من الكتاب.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 984؛ عبده 3/ 90؛ لح/ 425، الكتاب 51.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 576

فلا دليل على جوازه بل إطلاق قوله- تعالى-: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «1» يقتضي لزومه.

كيف و استيجار الغير للعمل أيضا نحو توكيل له مع لزومه قطعا. و قد مرّ في فصل البيعة أن البيعة و البيع من باب واحد و المادّة واحدة؛ فحكمها حكمه و البيع لازم قطعا.

و طبع الولاية أيضا يقتضي اللزوم و الثبات و إلّا لم يحصل النظام. و سيرة العقلاء أيضا استقرت على ترتيب آثار اللزوم عليها، بحيث يذمّون الناقض لها- اللهم إلا مع تخلف الوالي عن تكاليفه و تعهداته- و قد مرّ في خبر الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «من فارق جماعة المسلمين و نكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه أجذم.» «2» و في نهج البلاغة:

«و أمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، و النصيحة في المشهد و المغيب، و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين آمركم.» «3»

نعم، لو كان الانتخاب موقتا فالولاية تنقضي بانقضاء الوقت، كما لا يخفى.

هذا.

و أمّا كفاية آراء الأكثريّة و نفاذها حتّى بالنسبة إلى الأقليّة فقد مرّ بيانه في المسألة التاسعة، و محصّله أنّ الفرد بدخوله في الحياة الاجتماعية قد التزم بكل لوازمها التي منها تغليب الأكثريّة على الأقليّة عند التزاحم، فالأقليّة في الحقيقة قد التزمت بالتنازل عن فكرة نفسها و قبول فكرة الأكثرية في مقام العمل و إن اعتقدت بطلانها ذاتا. ففي الحقيقة وقع الإطباق و الاتّفاق على كون فكرة الأكثريّة مدار العمل، فلا إشكال.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 1.

(2)- الكافي 1/ 405 كتاب الحجة، باب ما أمر النبي بالنصيحة لأئمة المسلمين، الحديث 5.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 114؛ عبده 1/ 80؛ لح/ 79، الخطبة 34.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 577

المسألة الخامسة عشرة هل يشترط في الناخب شرط خاصّ،

أو يكون الانتخاب حقّا لكلّ مسلم مميّز، بل و غير المسلمين أيضا إذا كانوا في بلاد المسلمين و في ذمّتهم؟

قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«فصل: فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد و طلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط فرضها عن الكافة. و إن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان: أحدهما: أهل الاختيار حتى يختاروا إماما للامة، و الثاني: أهل الإمامة حتّى ينتصب أحدهم للإمامة ...

فأمّا أهل الاختيار فالشروط المعتبرة فيهم ثلاثة: أحدها: العدالة الجامعة لشروطها، و الثاني: العلم الذي يتوصّل به إلى معرفة من يستحقّ الإمامة على الشروط المعتبرة فيها، و الثالث: الرأي و الحكمة المؤدّيان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح و بتدبير المصالح أقوم و أعرف. و ليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزية يقدّم بها عليه. و إنما صار من يحضر ببلد الإمام متولّيا لعقد الإمامة عرفا لا شرعا، لسبوق علمهم بموته، و لأنّ من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده.» «1»

و قال القاضي أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية:

«و هي فرض على الكفاية، مخاطب بها طائفتان من الناس: إحداهما: أهل الاجتهاد (الاختيار. ظ) حتى يختاروا. و الثانية: من يوجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة. أمّا أهل الاختيار فيعتبر فيهم ثلاثة شروط: أحدها:

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 578

العدالة. و الثاني: العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحقّ الإمامة. و الثالث:

أن يكون من أهل الرأي و التدبير المؤدّيين إلى اختيار من هو للإمامة أصلح. و ليس لمن كان في بلد

مزية على غيره من أهل البلاد يتقدّم بها. و إنّما صار من يختصّ ببلد الامام متولّيا لعقد الإمامة، لسبق علمه بموته، و لأنّ من يصلح للخلافة في الغالب موجودون في بلده.» «1»

أقول: حيث إن الإمام المنتخب يشترط فيه الفقاهة و العدالة و السياسة و نحوها كما مرّ، و حيث إنّ المترقب منه هو تنفيذ قوانين الإسلام و أحكامه و إدارة شئون المسلمين على أساس مقرراته العادلة لا كيف ما شاء و أراد، فلا محالة قد يقرب في الذهن اشتراط كون الناخب عادلا ملتزما مطّلعا على أحوال الرجال و أوصافهم.

و إلّا فلو كان الأكثر غير مبالين بمقررات الإسلام أو كانوا من البسطاء و الجهّال فلربّما باعوا آراءهم و أصواتهم بمتاع الدنيا و شئونها، أو اغترّوا بالدعايات الكاذبة، أو تأثّروا بالتهديدات، و أنتج ذلك كلّه انتقال الملك و القدرة إلى أهل الجور و الفساد كما نشاهده في أكثر البلاد.

و قد مرّ في المسألة الثامنة الروايات من نهج البلاغة و غيره، الدّالّة على كون الشورى و البيعة و الرأي للمهاجرين و الأنصار، أو لأهل المدينة، أو للبدريين، أو لأهل الحجى و الفضل، فراجع.

و هذا كله يدلّ على ما ذكرناه؛ فإن المهاجرين و الأنصار كانوا من أهل الخبرة و من أهل الحل و العقد. و أهل المدينة المنوّرة و البدريون كانوا مع النبي «ص» في جميع المواقف و المراحل، فكانوا مطّلعين على سننه و أهدافه و إلّا فليس لمدينة يثرب بما هي هي خصوصية بلا إشكال. هذا.

و في أعصارنا يمكن حلّ المشكلة بأن يحال إلى هيئة المحافظة على الدستور- و هم فقهاء عدول من أهل الخبرة- تعيين الواجدين للشروط من المرشحين و إعلامهم

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 19.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 579

للأمّة فتنتخب الأمّة واحدا منهم، كما في دستور إيران بالنسبة إلى رئيس الجمهورية، أو بأن يتحقّق الانتخاب بمرحلتين فتنتخب الأمّة الخبراء، و الخبراء الإمام، كما في دستور إيران في انتخاب القائد و الزعيم. فيندر الاشتباه و الخطأ حينئذ، إذ معرفة أهل كلّ بلد لفرد خبير من أهل بلدهم و صقعهم أيسر من معرفة المستحق للولاية الكبرى، فتأمّل.

و كيف كان فإحالة الانتخاب إلى العامّة بلا تحديد في البين مع فرض كون الأكثر من أهل الأهواء و الأجواء أو جهلاء بالمصالح و المفاسد مشكلة جدّا. و في كلام سيد الشهداء- عليه السلام- حينما نزل كربلاء: «الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق على ألسنتهم؛ يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون.» «1»

نعم، لو فرض كون الأكثر أهل عدالة و علم و وعي سياسي لم يبق إشكال في البين، كما لا يخفى. و عليك بمراجعة ما حرّرناه في المسألة الثامنة.

______________________________

(1)- نفس المهموم/ 111.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 580

المسألة السادسة عشرة هل يجوز للأمّة الكفاح المسلّح و الخروج على الحاكم المتسلّط
اشارة

إذا فقد بعض الشرائط كالعدالة مثلا، أو لا يجوز، أو يفصل بين الشروط المهمّة و غيرها، أو بين ما إذا خيف على أساس الإسلام و بيضته و بين غيره، أو بين الأخطاء الجزئية و الانحرافات الأساسيّة؟ وجوه.

و ربما ظهر حكم المسألة إجمالا ممّا ذكرناه في الباب الثالث في فصل الجهاد و في فصل توجيه الأخبار التي ربّما يدّعى ظهورها في وجوب السكوت و السكون في عصر الغيبة، و في الباب الرابع حينما تعرضنا لاشتراط العدالة في الحاكم «1».

و لكن الأولى أن نتعرض للمسألة هنا بصورة مستقلة، و نكتفي فيها ببيان متوسط و نحيل التفصيل إلى

محلّه، فنقول:

قد يظهر من بعض الأخبار و الفتاوى من السنة وجوب الإطاعة و التسليم في قبال الحاكم و إن كان جائرا فاجرا

، و عدم جواز الخروج عليه. فلنذكر من ذلك بعض النماذج:

1- فروى مسلم في صحيحه بسنده عن حذيفة بن اليمان، قال: «قلت:

يا رسول اللّه، إنا كنّا بشرّ فجاء اللّه بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟

قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شرّ؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي و لا يستنّون بسنّتي و سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع

______________________________

(1)- راجع الفصل 6 من الباب الرابع.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 581

يا رسول اللّه إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع و تطيع للأمير، و إن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع.» «1»

أقول: لو كان هنا إمام عادل حقّ ضرب ظهر رجل مجرم حدّا أو تعزيرا و أخذ منه الزكاة مثلا و لو قهرا عليه فإطاعته واجبة قطعا.

و أما الطواغيت الشياطين الذين لا يهتدون بهدى النبي «ص» فكيف يجب إطاعتهم مع ظلمهم و تعدّيهم؟ و هل لا يكون هذا الأمر مخالفا لصريح القرآن الكريم الناهي عن إطاعة المسرف المفسد؟ و سيأتي توضيحه.

2- و روى فيه أيضا بسنده أنّ سلمة بن يزيد الجعفي سأل رسول اللّه «ص» فقال: «يا نبي اللّه، أ رأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقّهم و يمنعونا حقّنا فما تأمرنا؟

فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس و قال: «اسمعوا و أطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم.» «2»

و في رواية أخرى فيه: «فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول اللّه «ص»:

اسمعوا و أطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم.» «3»

3- و فيه أيضا عن عبادة بن الصامت، قال: «دعانا رسول اللّه «ص» فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع و الطاعة في منشطنا و مكرهنا و عسرنا و يسرنا و أثرة علينا و أن لا ننازع الأمر أهله. قال: «إلّا أن تروا كفرا بواحا عندكم من اللّه فيه برهان.» «4»

قال النووي في شرحه:

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1476، كتاب الإمارة، الباب 13، الحديث 1847.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1474، كتاب الإمارة، الباب 12، الحديث 1846.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1475، كتاب الإمارة، الباب 12، في حديث آخر ذيل حديث 1846.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1470، كتاب الإمارة، الباب 8، في حديث آخر ذيل حديث 1840 (الرقم 42).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 582

«في معظم النسخ بواحا بالواو، و في بعضها براحا، و الباء مفتوحة فيهما و معناهما كفرا ظاهرا.» «1»

4- و فيه أيضا عن عوف بن مالك، عن رسول اللّه «ص» قال: «خيار أئمتكم الذين تحبّونهم و يحبّونكم و يصلّون عليكم و تصلّون عليهم. و شرار أئمتكم الذين تبغضونهم و يبغضونكم و تلعنونهم و يلعنونكم. قيل: يا رسول اللّه، أ فلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. و إذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله و لا تنزعوا يدا من طاعة.» «2»

5- و فيه أيضا عن أمّ سلمة أن رسول اللّه «ص» قال: «ستكون أمراء فتعرفون و تنكرون. فمن عرف برئ و من أنكر سلم، و لكن من رضي و تابع. قالوا: أ فلا نقاتلهم؟ قال:

لا، ما صلّوا.» «3»

قيل: إن المراد بقوله: «فمن عرف برئ» أنّ من

عرف المنكر فله طريق إلى البراءة من إثمه و عقوبته بأن يغيّره بيده أو بلسانه أو بقلبه.

و في رواية أخرى: «فمن كره فقد برئ.» «4» و عليه فالمعنى واضح.

6- و فيه أيضا عن ابن عباس، عن رسول اللّه «ص»، قال: «من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنّه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلّا مات ميتة جاهلية.» «5»

7- و فيه أيضا عن نافع، قال: جاء عبد اللّه بن عمر إلى عبد اللّه بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن و سادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدّثك حديثا سمعت

______________________________

(1)- شرح صحيح مسلم للنووي 8/ 34 (المطبوع بهامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.).

(2)- صحيح مسلم 3/ 1481، كتاب الإمارة، الباب 17، الحديث 1855.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1480، كتاب الإمارة، الباب 16، الحديث 1854.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1481، كتاب الإمارة، الباب 16.

(5)- صحيح مسلم 3/ 1478، الباب 13 من كتاب الإمارة، الحديث 1849.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 583

رسول اللّه «ص» يقوله، سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي اللّه يوم القيامة لا حجّة له، و من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.» «1»

و في حاشية الصحيح:

«قال السنوسي: و في هذا دليل على أن مذهب عبد اللّه بن عمر كمذهب الأكثرين في منع القيام على الإمام و خلعه إذا حدث فسقه، أمّا إذا كان فاسقا قبل عقدها فاتفقوا على أنّها لا تنعقد له، لكن إذا انعقدت له تغلّبا أو اتفاقا و وقعت كما اتفق ليزيد صار بمنزلة

من حدث فسقه بعد انعقادها له، فيمتنع القيام عليه.

و يدلّ على ذلك ذكر ابن عمر الحديث في سياق الإنكار على ابن مطيع في قيامه على يزيد.

و قد احتج من أجاز القيام بخروج الحسين، و ابن الزبير، و أهل المدينة على بني أمية.

و احتج الأكثر على المنع بأنّه الظاهر من الأحاديث كما ترى، و بأن القيام ربما أثار فتنة و قتالا و انتهاك حرم، كما اتفق ذلك في وقعة الحرّة.» «2»

أقول: فاجعة الحرّة من أفجع الحوادث التاريخية التي سوّدت تاريخ يزيد و بني أميّة بعد فاجعة كربلاء فقد هجم فيها جند يزيد بن معاوية بأمره على مدينة الرسول و مهبط الوحي و فيها صحابة النبي «ص» من المهاجرين و الأنصار و التابعون لهم بإحسان و أهل بيت رسول اللّه «ص» فقتلوا فيها آلافا من المسلمين و أغاروا عليهم و أباح يزيد المدينة لجنده ثلاثة أيّام حتّى روي أنّها ولدت ألف امرأة في واقعة الحرة من غير أزواج.

كما هجم جند يزيد على مكّة بالمجانيق و العرادات و هدموا البيت الشريف و أحرقوه. و قد أفرط يزيد في سفك الدماء و شرب المسكرات و الفسق و الفجور.

و عبد اللّه بن مطيع كان ممن ثار على يزيد لذلك، فأنكر ذلك عليه عبد اللّه بن

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1478، الباب 13 من كتاب الإمارة، الحديث 1851.

(2)- حاشية الصحيح 6/ 22 (المجلد الثاني)، باب الأمر بلزوم الجماعة (من طبعة أخرى بمصر).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 584

عمر و خطّأه. و تخطئته له في الحقيقة تخطئة لقرّة عين الرسول السبط الشهيد أيضا في قيامه و ثورته.

ثم لو صحّ ما حدثه ابن عمر من لزوم كون البيعة

في العنق فما هو عذره و عذر أمثاله في التخلّف عن بيعة أمير المؤمنين «ع»؟!

و أعجب من ذلك التخلّف عن بيعة مظهر الزهد و التقوى و باب علم النبي «ص»، و البيعة لمثل حجاج سفّاك الدماء بمسّ رجله كما في ابن أبي الحديد «1».

كما أن من أظهر مظالم التاريخ تخطئة الخروج على مثل يزيد من جانب، و تبرير عمل الخارجين على أمير المؤمنين أخي رسول اللّه «ص» مع بيعة المهاجرين و الأنصار له من جانب آخر مع ما ترتب على خروجهم من إهدار دماء المسلمين في الجمل و صفين. و كيف لم يمسّ هذا الخروج قداسة الخارجين و كرامتهم! هذا.

8- و في كتاب الخراج لأبي يوسف القاضي، عن الحسن البصري، قال رسول اللّه «ص»: «لا تسبّوا الولاة، فإنّهم إن أحسنوا كان لهم الأجر و عليكم الشكر و إن أساءوا فعليهم الوزر و عليكم الصبر، و إنّما هم نقمة ينتقم اللّه بهم ممن يشاء فلا تستقبلوا نقمة اللّه بالحميّة و الغضب و استقبلوها بالاستكانة و التضرع.» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 1، ص: 584

9- و في سنن أبي داود، عن أبي هريرة، قال رسول اللّه «ص»: «الجهاد واجب عليكم مع كلّ أمير برّا كان أو فاجرا، و الصلاة واجبة عليكم خلف كلّ مسلم برّا كان أو فاجرا و إن عمل الكبائر.» «3»

إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في وجوب التسليم لحكام الجور و عدم جواز الخروج عليهم.

و هذه الروايات تشبه بوجه الأخبار المستفيضة الواردة بطرقنا المذكورة في الباب

______________________________

(1)- شرح

نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13/ 242.

(2)- كتاب الخراج لأبي يوسف/ 10.

(3)- سنن أبي داود 2/ 17، كتاب الجهاد، باب في الغزو مع أئمة الجور.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 585

الثالث عشر من جهاد الوسائل و الباب الثاني عشر من جهاد المستدرك المستدلّ بها على وجوب السكوت و السكون في عصر الغيبة، و قد ذكرنا المراد منها بالتفصيل في الفصل الرابع من الباب الثالث من هذا الكتاب، فراجع.

نعم، ظاهر هذه الأخبار الواردة بطرقنا- لو سلّم ظهورها- ليس إلّا عدم جواز التحرك و الخروج ضدّ الطواغيت. و أمّا الأخبار الواردة من طرق السنة فظاهر كثير منها وجوب الإطاعة و التسليم أيضا في قبالهم. هذا.

10- و في شرح النووي لصحيح مسلم في ذيل ما مرّ من رواية عبادة بن الصامت، قال:

«و معنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم و لا تعترضوا عليهم إلّا أن تروا منهم منكرا محقّقا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم و قولوا بالحق حيث ما كنتم، و أمّا الخروج عليهم و قتالهم فحرام بإجماع المسلمين و إن كانوا فسقة ظالمين. و قد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، و أجمع أهل السنة أنّه لا ينعزل السلطان بالفسق.

و أمّا الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنّه ينعزل و حكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله مخالف للإجماع.

قال العلماء: و سبب عدم انعزاله و تحريم الخروج عليه ما يترتّب على ذلك من الفتن و إراقة الدماء و فساد ذات البين فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه ...

فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم: يجب خلعه إلّا أن يترتّب عليه فتنة و حرب، و قال

جماهير أهل السنة من الفقهاء و المحدثين و المتكلّمين: لا ينعزل بالفسق و الظلم و تعطيل الحقوق و لا يخلع و لا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه و تخويفه للأحاديث الواردة في ذلك.» «1»

11- و حكى العلامة الأميني- طاب ثراه- في الغدير عن الباقلاني في التمهيد أنه قال:

______________________________

(1)- شرح صحيح مسلم للنووي 8/ 34، (المطبوع بهامش إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 586

«قال الجمهور من أهل الإثبات و أصحاب الحديث: لا ينخلع الإمام بفسقه و ظلمه بغصب الأموال، و ضرب الأبشار، و تناول النفوس المحرّمة، و تضييع الحقوق و تعطيل الحدود، و لا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه و تخويفه و ترك طاعته في شي ء ممّا يدعو إليه من معاصي اللّه. و احتجّوا في ذلك بأخبار كثيرة متظافرة عن النبي «ص» و عن الصحابة في وجوب طاعة الأئمة و إن جاروا و استأثروا بالأموال.» «1»

12- و قال القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي في الأحكام السلطانية:

«و قد روي عن الإمام أحمد ألفاظ تقتضي إسقاط اعتبار العدالة و العلم و الفضل فقال- في رواية عبدوس بن مالك القطان-: «و من غلبهم بالسيف حتّى صار خليفة و سمّي أمير المؤمنين لا يحلّ لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيت و لا يراه إماما عليه، برّا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين.» و قال أيضا في رواية المروزي: «فإن كان أميرا يعرف بشرب المسكر و الغلول يغزو معه، إنّما ذاك له في نفسه.» «2»

13- و قال فيه أيضا:

«و إذا وجدت هذه الصفات حالة العقد ثمّ عدمت بعد العقد نظرت فإن كان جرحا في عدالته و هو

الفسق، فإنّه لا يمنع من استدامة الإمامة، سواء كان متعلقا بأفعال الجوارح و هو ارتكاب المحظورات و إقدامه على المنكرات اتباعا لشهوته أو كان متعلقا بالاعتقاد و هو المتأوّل لشبهة تعرض يذهب فيها إلى خلاف الحق.» «3»

14- و في المغني لابن قدامة الحنبلي حكاية عن أحمد:

«فإن كان القائد يعرف بشرب الخمر و الغلول يغزى معه، إنما ذلك في نفسه.

و يروى عن النبي «ص»: إن اللّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.» «4»

______________________________

(1)- الغدير 7/ 137، عن التمهيد/ 186.

(2)- الأحكام السلطانية/ 20.

(3)- الأحكام السلطانية/ 20.

(4)- المغنى لابن قدامة 10/ 371.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 587

15- و في العقد الفريد:

«قالوا: إذا زادك السلطان إكراما فزده إعظاما، و إذا جعلك عبدا فاجعله ربّا.» «1»

فهذه نماذج من الروايات و الفتاوى المحكية عن السنة الظاهرة في عدم جواز الخروج على الوالي إذا صار فاسقا أو جائرا بل يجب التسليم له و إطاعته و الصبر عليه. و قد رأيت بعضهم أنّه ادعى الإجماع على ذلك.

16- نعم، حكى أبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن مخالفة أبي حنيفة لما ذكر فقال نقلا عنه:

«كان مذهبه مشهورا في قتال الظلمة و ائمة الجور، و لذلك قال الأوزاعي: احتملنا أبا حنيفة على كلّ شي ء حتى جاءنا بالسيف، يعني قتال الظلمة، فلم نحتمله.

و كان من قوله: وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فرض بالقول، فإن لم يؤتمر له فبالسيف على ما روي عن النبي «ص».

و سأله إبراهيم الصائغ- و كان من فقهاء أهل خراسان و رواة الأخبار و نسّاكهم- عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فقال: هو فرض و حدّثه بحديث عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي «ص»

قال: «أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب و رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف و نهاه عن المنكر فقتل.»

فرجع إبراهيم إلى مرو و قام إلى أبي مسلم صاحب الدولة فأمره و نهاه و أنكر عليه ظلمه و سفكه الدماء بغير حقّ فاحتمله مرارا ثمّ قتله.

و قضيّته في أمر زيد بن علي مشهورة و في حمله المال إليه و فتياه الناس سرّا في وجوب نصرته و القتال معه و كذلك أمره مع محمد و إبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن.

و قال لأبي إسحاق الفزاري حين قال له: لم أشرت على أخي بالخروج مع إبراهيم حتّى قتل؟ قال: مخرج أخيك أحبّ إليّ من مخرجك، و كان أبو إسحاق قد خرج إلى البصرة. و هذا إنّما انكره عليه اغمار أصحاب الحديث الذين بهم فقد الأمر

______________________________

(1)- العقد الفريد 1/ 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 588

بالمعروف و النهي عن المنكر حتّى تغلّب الظالمون على أمور الإسلام.» «1»

أقول: الظاهر أن مراده بأصحاب الحديث: الحنابلة الآخذون بظواهر ما مرّ من الأخبار.

17- و قال أبو الحسن الماوردي في الأحكام السلطانية:

«و الذي يتغيّر به حاله فيخرج به عن الإمامة شيئان: أحدهما: جرح في عدالته، و الثاني: نقص في بدنه. فأمّا الجرح في عدالته و هو الفسق فهو على ضربين:

أحدهما: ما تابع فيه الشهوة. و الثاني: ما تعلّق فيه بشبهة.

فأمّا الأوّل منهما فمتعلق بأفعال الجوارح و هو ارتكابه للمحظورات و إقدامه على المنكرات تحكيما للشهوة و انقيادا للهوى؛ فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة و من استدامتها، فاذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلّا بعقد جديد.

و قال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة من غير أن يستأنف له عقد و لا بيعة، لعموم ولايته و لحوق المشقة في استيناف بيعته.

و أمّا الثاني منهما فمتعلق بالاعتقاد المتأوّل بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق.

فقد اختلف العلماء فيها، فذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة و من استدامتها و يخرج بحدوثه منها، لأنه لما استوى حكم الكفر بتأويل و غير تأويل وجب أن يستوي حال الفسق بتأويل و غير تأويل. و قال كثير من علماء البصرة: إنّه لا يمنع من انعقاد الإمامة و لا يخرج به منها، كما لا يمنع من ولاية القضاء و جواز الشهادة.» «2»

18- و قال أبو محمد ابن حزم الأندلسي- بعد ما صار بصدد توجيه الروايات التي مرّت:

«و الواجب إن وقع شي ء من الجور و إن قلّ أن يكلّم الإمام في ذلك و يمنع منه،

______________________________

(1)- أحكام القرآن للجصاص 1/ 81.

(2)- الأحكام السلطانية/ 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 589

فإن امتنع و راجع الحق و أذعن للقود من البشرة أو من الأعضاء، و لإقامة حدّ الزنا و القذف و الخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه و هو إمام كما كان، لا يحلّ خلعه. فان امتنع من إنفاذ شي ء من هذه الواجبات عليه و لم يراجع وجب خلعه و إقامة غيره ممّن يقوم بالحق، لقوله- تعالى-: «تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ.» «1» و لا يجوز تضييع شي ء من واجبات الشرائع.» «2»

19- و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول أمير المؤمنين «ع»: «لا تقاتلوا الخوارج بعدي» قال:

«و عند أصحابنا أن الخروج

على أئمة الجور واجب، و عند أصحابنا أيضا أنّ الفاسق المتغلّب بغير شبهة يعتمد عليها لا يجوز أن ينصر على من يخرج عليه ممّن ينتمي إلى الدين و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، بل يجب أن ينصر الخارجون عليه و إن كانوا ضالّين في عقيدة اعتقدوها بشبهة دينية دخلت عليهم، لأنّهم أعدل منه و أقرب إلى الحق. و لا ريب في تلزم الخوارج بالدين، كما لا ريب في أن معاوية لم يظهر عنه مثل ذلك.» «3»

20- و عن شرح المقاصد لإمام الحرمين:

«إن الإمام إذا جار و ظهر ظلمه و غشّه، و لم يرعو لزاجر عن سوء صنيعه فلأهل الحلّ و العقد التواطؤ على ردعه و لو بشهر السلاح و نصب الحروب.» «4»

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 2.

(2)- الفصل في الملل و الأهواء و النحل 4/ 175.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5/ 78.

(4)- نظام الحكم و الإدارة في الإسلام لباقر شريف القرشى/ 54.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 590

البحث في أمرين
اشارة

و كيف كان فهناك أمران يجب البحث فيهما إجمالا:

الأول: أنّه لا يجوز إطاعة الجائر الفاسق في فسقه و جوره.

الثاني: أنّه هل يجوز القيام و الكفاح المسلّح ضده أم لا؟

أما الأمر الأول [إنه لا يجوز إطاعة الجائر الفاسق في فسقه و جوره]

فنقول: إن الحاكم الفاسق الجائر لا يجب بل لا يجوز إطاعته فيما أمر به من الجور و المعصية. و الظاهر عدم الإشكال في ذلك. و يكفيك:

1- قوله- تعالى-: «وَ مَنْ يُشٰاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدىٰ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مٰا تَوَلّٰى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً.» «1» فتأمّل.

2- و قوله- تعالى-: «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «2»

3- و قوله- تعالى- في اعتذار أهل النار: «وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا.» «3»

الى غير ذلك من الآيات التي مرّت في الباب السابق.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 115.

(2)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

(3)- سورة الأحزاب (33)، الآية 67.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 591

4- و في نهج البلاغة: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.» «1»

5- و عن الفقيه، قال: و من ألفاظ رسول اللّه «ص»: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.» «2»

6- و عن العيون بسنده عن الرضا، عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«من أرضى سلطانا بما أسخط اللّه خرج من دين اللّه.» «3»

7- و في الوسائل عن أبي جعفر «ع» في قول اللّه- تعالى-: «اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ»، قال: «و اللّه ما صلّوا لهم و لا صاموا و لكن أطاعوهم في معصية اللّه.» «4»

8- و في صحيح مسلم بسنده عن ابن عمر، عن النبي «ص» أنه قال: «على

المرء المسلم السمع و الطاعة فيما أحبّ و كره، إلّا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة.» «5»

9- و فيه أيضا بسنده عن عليّ «ع»: «إنّ رسول اللّه «ص» بعث جيشا و أمّر عليهم رجلا فأوقد نارا و قال: ادخلوها فأراد ناس أن يدخلوها و قال الآخرون: إنّا قد فررنا منها. فذكر ذلك لرسول اللّه «ص» فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: «لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، و قال للآخرين قولا حسنا، و قال: لا طاعة في معصية اللّه، إنّما الطاعة في المعروف.» «6»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1167؛ عبده 3/ 193؛ لح/ 500، الحكمة 165.

(2)- الوسائل 11/ 422، الباب 11 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 7.

(3)- الوسائل 11/ 422، الباب 11 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 9.

(4)- الوسائل 18/ 96، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 25.

(5)- صحيح مسلم 3/ 1469، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1839. و روى نحوه البخاري أيضا 4/ 234، كتاب الأحكام.

(6)- صحيح مسلم 3/ 1469، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1840، و نحوه رواية أخرى عنه «ع».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 592

10- و في كنز العمّال عن أحمد عن أنس، قال: «لا طاعة لمن لم يطع اللّه.» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار المتظافرة، فراجع.

و أمّا ما دلّ على وجوب إطاعة أولي الأمر فإنّما يدلّ على وجوب الإطاعة و التسليم لمن يكون له ولاية الأمر و حقّ الأمر، و الجائر الفاسق ليس وليّا للأمر بمقتضى ما مرّ من الأدلّة على شرائط الوالي، و ليس لأحد حقّ الأمر فيما نهى اللّه عنه، فتدبر.

و

أما ما على أفواه بعض أعوان الظلمة من أن المأمور معذور فاعتذار شيطاني لا أساس له لا في الكتاب و السنة، و لا في العقل و الفطرة.

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 67، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14872.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 593

الأمر الثاني [هل يجوز القيام و الكفاح المسلّح ضد الحاكم الجائر أم لا]
اشارة

إن الحاكم إذا صدرت عنه معصية أو صار جائرا بعد ما كانت حكومته مشروعة في بادئ الأمر فالظاهر أنّه لا يمكن القول بانعزاله عن الولاية قهرا، أو بجواز الخروج عليه بمجرد صدور معصية جزئية أو ظلم منه في مورد خاص أو صدور أمر منه بهما مع بقاء النظام على ما كان عليه من كونه على أساس موازين الإسلام.

و هذا من غير فرق بين أن تكون المعصية الجزئية في محاوراته و أموره الشخصيّة أو في تكاليفه بالنسبة إلى المجتمع، و من غير فرق في ذلك بين الوالي الأعظم المنتخب و بين الوزراء و المدراء و الأمراء و العمّال المنصوبين من قبله.

بداهة أنّ الحكّام غير المعصومين يكثر منهم صدور الهفوات و الأخطاء و المزالق و لا سيّما من العمّال المنصوبين من قبل الوالي الأعظم، و ربّما يكون لبعضهم اعتذار أو تأويل أو اختلاف في الفتوى أو في تشخيص الموضوع.

فالحكم بالانعزال القهري أو الخروج عليهم، بل العصيان و التخلّف عن أوامرهم المشروعة بلا ضابطة معينة يكون مخلا بنظام المسلمين و وحدتهم و يوجب الفوضى و الهرج و المرج و إراقة الدماء و إثارة الفتن في كلّ صقع و ناحية في كلّ يوم بل في كلّ ساعة، و لا سيّما بالنسبة إلى الأمراء و العمال لكثرتهم و كثرة المزالق فيهم.

بل يمكن الخدشة في صدق عنوان الفاسق أو

الجائر أو الظالم على هذا الشخص، إذ المتبادر من هذه العناوين هو الوصف الثبوتي و الملكة، لا صدور المبدأ و لو دفعة ما، فتأمّل. بل ربما يصح إطلاق العادل عليه أيضا بناء على كونه عبارة عن الملكة.

فالظاهر في هذه الموارد بقاء المنصب المفوض إليه و وجوب النصح و الإرشاد و وجوب إطاعتهم فيما يرتبط بشؤون الأمّة من التكاليف و إن لم تجز إطاعتهم في الجور

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 594

و المعصية، كما مرّ.

و بالجملة، التخلفات عن الموازين الشرعية مختلفة؛ فقد يكون التخلف جزئيّا في مورد خاصّ، و قد يكون انحرافا أساسيّا.

و الظاهر أنّه يجري في المسألة، المراتب المذكورة في باب النهي عن المنكر من الإنكار بالقلب و باللسان ثمّ باليد بمراتبها بقدر الإمكان إلى أن تصل النوبة في النهاية إلى الخروج و القيام بالسيف بل المسألة من مصاديق الباب بمفهومه الوسيع.

و في الحديث أنّه قيل لرسول اللّه «ص»: «أيّ الجهاد أحبّ إلى اللّه- عزّ و جلّ-؟» فقال «ص»: «كلمة حق تقال لإمام جائر.» «1»

و عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «الدين النصيحة.» قلنا: لمن؟ قال: «للّه و لكتابه و لرسوله و لأئمة المسلمين و عامّتهم.» «2»

و الحاصل أنّه إذا أخطأ الحاكم خطأ جزئيا أو عصى معصية جزئية لا تمسّ أصول الشريعة و مصالح الإسلام و المسلمين بل كان أساس عمله و حكمه الكتاب و السنة فلا يجب بل لا يجوز الخروج عليه و لا يحكم بانعزاله أيضا، و إنّما يجب الإرشاد و النصح مع احتمال الإصرار. نعم، في الوزراء و المدراء و العمال يجوز للوالي الأعظم عزلهم إذا رآه صلاحا.

و أما إذا انحرف الحاكم انحرافا أساسيّا عن موازين

الإسلام و العدالة و صار متهتكا و جعل أساس حكمه الاستبداد و الهوى، و جعل مال اللّه دولا و عباده خولا، أو صار عميلا للاستعمار و منفّذا لأهواء الكفرة و الأجانب و تغلّبوا من هذا الطريق على سياسة المسلمين و ثقافتهم و اقتصادهم، و لم يرتدع هو بالنصح و التذكير بل لم يزده ذلك إلّا عتوا و استكبارا- و إن فرض أنّه يظهر الإسلام باللسان بل و يتعبّد ببعض المراسيم الظاهريّة من الصلاة و الحج و الشعارات الإسلاميّة، كما تراه و نراه في أكثر الملوك و الرؤساء في بلاد المسلمين في أعصارنا- ففي الوزراء و الأمراء و العمال يرفع

______________________________

(1)- مسند أحمد 5/ 251.

(2)- صحيح مسلم 1/ 74، كتاب الإيمان، الباب 23، الحديث 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 595

أمرهم إلى الوالي الذي نصبهم حتّى يكون هو الذي يعزلهم إن رآه صلاحا. و في الوالي الأعظم يجوز بل يجب السعي في خلعه و رفع يده و لو بالكفاح المسلّح مع حفظ المراتب، و لكن يجب إعداد الأسباب: من إيجاد الوعي السياسي في الأمّة و تشكيل الفئات و الأحزاب و الجمعيات و اللجان و تهية القوى و المعدّات خفية أو علنا حسب اقتضاء الشرائط و الظروف. فإن حصل المقصود بالتكتل و المظاهرات فهو، و إلّا فبالكفاح المسلّح. فتجب رعاية المراتب و الأخذ بالأقل ضررا و الأكثر نفعا إلى أن يحصل النصر و الظفر. بل الظاهر أنه ينعزل قهرا و إن لم تقدر الأمّة على خلعه؛ فليست حكومته حينئذ حكومة مشروعة.

و يدلّ على جواز ما ذكر بل وجوبه أمور:
الأول: آيات شريفة من الكتاب العزيز و روايات مستفيضة
اشارة

يستفاد منها ذلك و لو بالملازمة.

[الآيات]

1- كقوله- تعالى-: «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ.» «1»

دلّ على أنّ الظالم لا ينال الإمامة التي هي عهد اللّه. و إطلاق الآية يشمل الحدوث و البقاء معا.

2- و قوله: «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ.» «2»

و حيث لا محيص عن الدولة و الحكومة لما مرّ من الأدلّة، و لا يجوز تصدّي الظالم لها

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 124.

(2)- سورة الهود (11)، الآية 113.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 596

و لا الركون إليه بمقتضى الآيتين الشريفتين فلا محالة يجب نفيه و خلعه مع القدرة حتّى تخلفه الحكومة العادلة الصالحة.

3- و قوله- تعالى- في قصة طالوت و داود: «فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّٰهِ وَ قَتَلَ دٰاوُدُ جٰالُوتَ وَ آتٰاهُ اللّٰهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّٰا يَشٰاءُ. وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعٰالَمِينَ.» «1»

يظهر من الآية الشريفة أنّ اللّه- تعالى- بفضله على العالمين يسلّط أهل الصلاح أمثال داود و طالوت على من يفسد في الأرض ليقطعوا جذور الفساد. و لا يختصّ هذا بزمان دون زمان أو بلد دون بلد؛ فإنّ فضله عامّ للعالمين جميعا إلى يوم القيام.

4- و قوله: «وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوٰامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَوٰاتٌ وَ مَسٰاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللّٰهِ كَثِيراً، وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ.» «2»

يظهر من الآية الشريفة أن اللّه- تعالى- يبغض الفساد و هدم المساجد و المعابد، و

يحبّ أن يقوم أهل الصلاح الذين إن تمكّنوا في الأرض و صاروا حكّاما فيها أقاموا فرائض اللّه- تعالى- يقوموا فينصروا اللّه- تعالى- بدفع أهل الفساد و حفظ المعابد و إقامة دعائم الدين و فرائضه. و لا يخفى أن دفع أهل الفساد ربّما لا يتحقق إلّا بالكفاح المسلّح.

5- و قوله- تعالى-: «لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْمِيزٰانَ لِيَقُومَ النّٰاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللّٰهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ.» «3»

يستفاد من الآية الشريفة أنّ من الأهداف في إرسال الرسل و إنزال الكتب

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 251.

(2)- سورة الحج (22)، الآية 40 و 41.

(3)- سورة الحديد (57)، الآية 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 597

قيام الناس بالقسط، و أن اللّه- تعالى- أنزل الحديد ضمانة لإجراء ذلك، فيجب تحقيقه و لو بالكفاح المسلّح، و يكون هذا القيام و الكفاح نصرا للّه- تعالى- و لرسله، فتدبّر في الآية الشريفة و غيرها.

6- و قوله- تعالى-: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مٰا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ، وَ يُرِيدُ الشَّيْطٰانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلٰالًا بَعِيداً.» «1»

يظهر من الآية وجوب الكفر بالطاغوت و حرمة التحاكم إليه، و إذا حرم التحاكم إليه فلا محالة وجب إسقاطه من عرش القدرة حتّى تخلفه حكومة صالحة عادلة، إذ لا محيص عن وجود الحكم و الحاكم قطعا.

7- و قوله: «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «2»

8- و قوله: «وَ لٰا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا

قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَ اتَّبَعَ هَوٰاهُ وَ كٰانَ أَمْرُهُ فُرُطاً.» «3»

9- و قوله حكاية عن أهل النار: «وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا.» «4»

10- و قوله: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لٰا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً.» «5»

إلى غير ذلك من الآيات الناهية عن إطاعة أهل الإثم و الفساد. هذا.

[الروايات]

11- و في الخصال بسنده عن عليّ «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: يا عليّ، أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصى اللّه و يطاع أمره ...» «6»

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 60.

(2)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

(3)- سورة الكهف (18)، الآية 28.

(4)- سورة الأحزاب (33)، الآية 67.

(5)- سورة الإنسان (76)، الآية 24.

(6)- الخصال 1/ 206.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 598

12- و في الخطبة القاصعة من نهج البلاغة: «ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم و كبرائكم! الذين تكبروا عن حسبهم و ترفعوا فوق نسبهم و ألقوا الهجينة على ربّهم، و جاحدوا اللّه على ما صنع بهم، مكابرة لقضائه و مغالبة لآلائه. فإنّهم قواعد أساس العصبية و دعائم أركان الفتنة و سيوف اعتزاء الجاهلية. فاتّقوا اللّه و لا تكونوا النعمة عليكم أضدادا و لا لفضله عندكم حسّادا، و لا تطيعوا الأدعياء الذين شربتم بصفوكم كدرهم، و خلطتم بصحتكم مرضهم، و أدخلتم في حقكم باطلهم، و هم أساس الفسوق و أحلاس العقوق، اتخذهم إبليس مطايا ضلال و جندا بهم يصول على الناس و تراجمة ينطق على ألسنتهم استراقا لعقولكم و دخولا في عيونكم و نفثا في أسماعكم.» «1»

فتأمل في هذا الحديث الشريف، و انظر كيف ينطبق مضامينه على الرؤساء الطغاة الحاكمين في أعصارنا. و كيف يصول بهم

الشيطان على الناس!!

و حيث لا تجوز إطاعتهم- و المفروض أنّ الحكومة ممّا لا محيص عنها و لا تتمّ هي إلّا بالإطاعة و التسليم- فلا محالة يجب اسقاط الحكومة المسرفة الفاسدة لتخلفها الحكومة العادلة الصالحة المفترض طاعتها. و إسقاطها من عرش القدرة لا يتحقق غالبا إلّا بالكفاح المسلح.

فإن قلت: لعلّ النهي في الآيات و الروايات متوجّه إلى إطاعة أهل الإثم و الفساد في خصوص ما أمروا به من الإثم، و قد مرّ حكمها في الأمر الأوّل، فلا ينافي ذلك بقاء حكومتهم و وجوب طاعتهم في الشؤون الاجتماعيّة التي يتوقّف عليها حفظ النظام.

قلت: ظاهر الآيات و الروايات حرمة طاعتهم بنحو الإطلاق في كلّ ما أمروا به.

و أنت ترى أنّ أهل الفساد و التزوير كثيرا ما يستفيدون حتى من الأمور العبادية و مظاهر الشرع المبين استفادة سياسية شيطانية، و ربّما أحكموا بذلك قواعد ملكهم ليكثروا فيها الفساد. فلا تستغرب أن ينهى الشارع عن إطاعتهم بالكليّة حتّى في الأمور التي تكون صلاحا بالذات حذرا من استحكام دولتهم و حكومتهم بذلك،

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 785؛ عبده 2/ 166؛ لح/ 289، الخطبة 192.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 599

فتدبّر فإن في دلالة بعض ما ذكر على المقصود نوع خفاء.

الثاني: إن الحكومة الإسلاميّة إنّما شرعت لتنفيذ أحكام الإسلام و إقامة العدل في الأمّة

، كما يشهد بذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع». فإنّه بعد ما حكم ببناء الإسلام على خمس و سئل «ع» عن أفضلها قال: «الولاية أفضل، لأنها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن.» «1»

و في رواية المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين «ع»: «أوّلها الصلاة ثمّ الزكاة ثمّ الصيام ثمّ الحج ثمّ الولاية، و هي خاتمتها و الحافظة لجميع الفرائض و السنن.» «2»

و في رواية العيون و

العلل جعل الرضا «ع» علّة جعل الإمام المنع عن الفساد و إقامة الحدود و الأحكام و أنّه لو لم يجعل لهم إماما لدرست الملّة و ذهب الدين و غيّرت السنن و الأحكام، و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبهوا ذلك على المسلمين. «3»

و في خبر عبد العزيز بن مسلم: «إنّ الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين. إنّ الإمامة أسّ الإسلام الناميّ و فرعه الساميّ. بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام و منع الثغور و الأطراف.

الحديث.» «4»

إلى غير ذلك من الروايات الدالة على الغرض من الإمامة و الحكومة الحقّة،

______________________________

(1)- الكافي 2/ 18، باب دعائم الإسلام من كتاب الإيمان و الكفر، الحديث 5.

(2)- راجع الدليل الثامن مما ذكرناه دليلا لضرورة الحكومة.

(3)- راجع الدليل الثالث من أدلة ضرورة الحكومة.

(4)- الكافي 1/ 200، باب نادر جامع في فضل الإمام و صفاته من كتاب الحجة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 600

و سيجي ء بعضها في أوائل الباب السادس.

و على هذا فإذا انحرفت الحكومة عن المسير المقرر لها و لم يترتب عليها الآثار المترقبة منها كان حفظها و بقاؤها و وجوب الإطاعة و التسليم لها ناقضا للغرض المطلوب، فيجب إسقاطها و تعيين حاكم صالح لئلا يتعطل الإسلام و حدوده.

الثالث: ما دلّ من الآيات و الروايات من طرق الفريقين على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

بمفهومهما الوسيع، أعني السعي في إشاعة المعروف و بسطه و قطع جذور المنكر و الفساد مهما أمكن.

فإذا انحرف الحاكم عن مسير الحقّ و العدالة و أشاع البدع و المنكرات بجنوده و قدرته- و الناس على دين ملوكهم بالطبع- فلا محالة يجب على

المسلمين مواصلة العمل لتحقيق أهداف الأنبياء و المرسلين من السعي في بسط المعروف و رفع المنكرات و دفعها مع القدرة و الإمكان، و لكن مع رعاية المراتب؛ فإذا لم يؤثّر النصح و الإرشاد و التهديد و الوعيد فلا محالة تصل النوبة إلى المظاهرات الجماعيّة، ثمّ القيام و الكفاح المسلّح، قطعا لمادّة الفساد. نعم، يجب أن يكون القيام و الكفاح تحت نظام صحيح و قيادة رجل عالم عادل يقود الثوّار، كيلا يلزم الهرج و المرج.

1- ففي خبر جابر، عن أبي جعفر «ع»: «فأنكروا بقلوبكم و ألفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم و لا تخافوا في اللّه لومة لائم.» «1»

2- و في خبر يحيى الطويل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ما جعل اللّه بسط اللسان و كفّ اليد، و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفان معا.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 403، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 404، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 601

3- و روى الصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد «ع» قال: «قال أمير المؤمنين «ع»: «إن اللّه لا يعذب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّا من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهارا فلم تغيّر ذلك العامّة استوجب الفريقان العقوبة من اللّه- عزّ و جلّ-.» قال: و قال رسول اللّه «ص»: «إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّا لم يضرّ إلّا عاملها، فإذا عمل بها علانية و لم يغيّر عليه أضرّت بالعامّة.» قال جعفر بن محمد «ع»: «و ذلك أنّه يذلّ بعمله دين

اللّه و يقتدي به أهل عداوة اللّه.» «1»

4- و في مرفوعة محمد بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ما أقرّ قوم بالمنكر بين أظهرهم لا يغيّرونه إلّا أوشك أن يعمّهم اللّه بعقاب من عنده.» «2»

5- و في مسند أحمد بسنده عن رسول اللّه «ص» يقول: «إنّ اللّه- عزّ و جلّ- لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة حتّى يروا المنكر بين ظهرانيهم و هم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللّه الخاصّة و العامّة.» «3»

6- و عن الطبري في تاريخه، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: إني سمعت عليّا «ع» يقول- يوم لقينا أهل الشام: «أيّها المؤمنون، إنّه من رأى عدوانا يعمل به و منكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ. و من أنكره بلسانه فقد أجر، و هو أفضل من صاحبه. و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين.» «4»

7- و في نهج البلاغة: «و لعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ و خابط الغيّ من ادهان و لا إيهان، فاتّقوا اللّه عباد اللّه و امضوا في الذي نهجه لكم، و قوموا بما عصبه بكم فعليّ ضامن

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 407، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 408، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 3.

(3)- مسند أحمد 4/ 192.

(4)- الوسائل 11/ 405، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي و ...، الحديث 8. و رواه أيضا في نهج البلاغة، فيض/ 1262؛ عبده 3/ 243؛ لح/ 541، الحكمة

373.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 602

لفلجكم آجلا إن لم تمنحوه عاجلا.» «1»

و أمير المؤمنين «ع»: إمام المتقين و أسوة المؤمنين، و إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به فيجب التأسي بهداه.

8- و في الوسائل بسنده، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «الخير كلّه في السيف و تحت ظلّ السيف، و لا يقيم الناس إلّا السيف، و السيوف مقاليد الجنّة و النار.» «2»

9- و في صحيح مسلم بسنده، عن رسول اللّه «ص»: «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان.» «3»

10- و فيه أيضا بسنده، عن جابر بن عبد اللّه، يقول: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة.» «4»

11- و فيه أيضا بسنده، عن جابر بن سمرة، عن النبي «ص» أنّه قال: «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم الساعة.» «5»

12- و في سنن أبي داود بسنده، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إنّ أوّل ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول:

يا هذا، اتّق اللّه ودع ما تصنع فإنّه لا يحلّ لك، ثمّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و شريبه و قعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض.» ثمّ قال: «لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم إلى قوله: فاسقون.» ثمّ قال: «كلّا و اللّه لتأمرن بالمعروف و لتنهون عن المنكر و لتأخذن على يدي الظالم و لتأطرنّه على الحقّ أطرا و

لتقصرنه على الحقّ

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 87؛ عبده 1/ 58؛ لح/ 66، الخطبة 24. و في الفيض و الصالح هكذا: «فاتقوا اللّه عباد اللّه و فروا إلى اللّه من اللّه و ...».

(2)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(3)- صحيح مسلم 1/ 69، كتاب الإيمان، الباب 20، الحديث 49.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1524، كتاب الإمارة، الباب 53، الحديث 1923.

(5)- صحيح مسلم 3/ 1524، كتاب الإمارة، الباب 53، الحديث 1922.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 603

قصرا.» «1»

أقول: لتأطرنه على الحقّ اي لتردنه عليه.

و رواه أيضا بسند آخر عن النبي «ص» نحوه، و زاد: «أو ليضربنّ اللّه بقلوب بعضكم على بعض ثمّ ليلعننكم كما لعنهم.» «2»

13- و فيه أيضا بسنده، عن قيس، قال: قال أبو بكر- بعد أن حمد اللّه و أثنى عليه: يا أيّها الناس، إنّكم تقرؤون هذه الآية و تضعونها على غير مواضعها: «عليكم أنفسكم، لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم.» قال عن خالد: و إنّا سمعنا النبي «ص» يقول: «إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمّهم اللّه بعقاب.» و قال عمرو عن هشيم: و إنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثمّ يقدرون على أن يغيّروا ثمّ لا يغيّروا إلا يوشك أن يعمّهم اللّه منه بعقاب.» «3»

14- و فيه أيضا بسنده، عن جرير، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول:

«ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيّروا عليه فلا يغيروا إلّا أصابهم اللّه بعذاب من قبل أن يموتوا.» «4»

أقول: و ربّما لا يقدر كلّ فرد فرد منفردا و لكن

يقدرون مع التجمع و التشكل، فيجب عليهم ذلك مقدمة لتحصيل القدرة، فإنّ المقدور بالواسطة مقدور.

15- و في سنن ابن ماجة، عن رسول اللّه «ص»، قال: «لا تزال طائفة من أمّتي

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 436، كتاب الملاحم، باب الأمر و النهي.

(2)- سنن أبي داود 2/ 436، كتاب الملاحم، باب الأمر و النهي.

(3)- سنن أبي داود 2/ 436، كتاب الملاحم، باب الأمر و النهي.

(4)- سنن أبي داود 2/ 437، كتاب الملاحم، باب الأمر و النهي.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 604

قوّامة على أمر اللّه لا يضرّها من خالفها.» «1»

16- و في الدّر المنثور، عن رسول اللّه «ص»: «إنّ رحى الإسلام ستدور؛ فحيث ما دار القرآن فدوروا به يوشك السلطان و القرآن أن يقتتلا و يتفرقا. إنّه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم و لهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم و إن عصيتموهم قتلوكم» قالوا:

يا رسول اللّه، فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونوا كأصحاب عيسى «ع»: نشروا بالمناشير و رفعوا على الخشب. موت في طاعة خير من حياة في معصية.» «2»

17- و في نهج السعادة مستدرك نهج البلاغة: قال أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» محزونا يتنفّس فقال: «كيف أنتم و زمان قد أظلّكم؟

تعطّل فيه الحدود و يتّخذ المال فيه دولا و يعادى فيه أولياء اللّه و يوالى فيه أعداء اللّه؟ قلنا:

يا أمير المؤمنين، فإن أدركنا ذلك الزمان فكيف نصنع؟ قال: «كونوا كأصحاب عيسى «ع»: نشروا بالمناشير و صلبوا على الخشب. موت في طاعة اللّه- عزّ و جلّ- خير من حياة في معصية اللّه.» «3»

18- و في كنز العمّال: «سيكون عليكم أئمّة يملكون أرزاقكم، يحدّثونكم فيكذبونكم

و يعملون فيسيؤون العمل، لا يرضون منكم حتى تحسّنوا قبيحهم و تصدّقوا كذبهم، فأعطوهم الحقّ ما رضوا به فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد.» (طب، عن أبي سلالة) «4»

إلى غير ذلك من الأخبار التي مرّ بعضها في ذيل الرواية السادسة من الفصل الرابع من الباب الثالث، فراجع.

و لا يخفى أن إطلاق هذه الروايات يشمل محلّ البحث و إن لا يخل بعضها عن إشكال. و ضعف السند في بعضها لا يضرّ بعد معاضدة بعضها لبعض و العلم إجمالا بصدور بعضها، فتأمّل.

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 1/ 5، باب اتباع سنة رسول اللّه «ص»، الحديث 7.

(2)- الدرّ المنثور 2/ 301.

(3)- نهج السعادة 2/ 639.

(4)- كنز العمال 6/ 67، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14876.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 605

الرابع: قيام سيد الشهداء- عليه السلام- و ثورته على يزيد بن معاوية،

مع أنه كان يحكم باسم الإسلام و اسم خلافة النبي «ص»، و ربّما كان يقيم شعائر اللّه من الصلاة و الحج و نحوهما. و الحسين الشهيد عندنا إمام معصوم، و عمله حجة شرعية كقوله، إذ الإمام إنّما جعل إماما ليؤتمّ به و يهتدى بهداه، و قد بيّن هو «ع» أهدافه من ثورته في خطبه التي ألقاها في مسيره:

فروى الطبري في تاريخه و ابن الأثير في الكامل أن الحسين «ع» خطب أصحابه و أصحاب الحرّ، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: «أيها الناس، إن رسول اللّه «ص» قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه، ناكثا لعهد اللّه، مخالفا لسنة رسول اللّه «ص»، يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقّا على اللّه أن يدخله مدخله. ألا و إن

هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن، و أظهروا الفساد، و عطلوا الحدود، و استأثروا بالفي ء، و أحلّوا حرام اللّه و حرّموا حلاله، و أنا أحقّ من غيّر.» «1»

و روى الطبري أيضا عنه «ع» في خطبة خطبها بذي حسم: «ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به، و أنّ الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّا؛ فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلّا برما.» «2» و رواه في تحف العقول أيضا إلّا أنّه قال:

«لا أرى الموت إلّا سعادة» و زاد في آخره: «إنّ الناس عبيد الدنيا، و الدين لعق على ألسنتهم:

يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون.» «3»

و هو- عليه السلام- من العترة، و عترة النبي «ص» أحد الثقلين، و قد أوصى

______________________________

(1)- تاريخ الطبري (طبع ليدن) 7/ 300، و الكامل لابن الأثير 4/ 48.

(2)- تاريخ الطبري 7/ 301.

(3)- تحف العقول/ 245.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 606

النبي «ص» في الحديث المتواتر بين الفريقين بالتمسّك بهما. فقوله «ع» حجة بلا إشكال، مضافا إلى أنّه «ع» روى الحديث عن النبي «ص». و نقله عنه لا يقلّ عن نقل سائر الرواة عنه «ص» بلا إشكال.

و ما رواه عنه «ص» عامّ يبيّن التكليف لجميع المسلمين في جميع الأعصار في قبال سلاطين الجور و طواغيت الزمان، و لا يختصّ بفريق خاصّ أو عصر خاصّ.

و هل لا يكون أكثر من يحكم في هذه الأعصار باسم الإسلام من مصاديق ما حكاه هو «ع» عن رسول اللّه «ص» و ممّن يسير في طريق يزيد و أمثاله؟!

و في تحف العقول أيضا عنه «ع»- في كتابه إلى أهل

الكوفة لمّا سار إليهم و رأى خذلانهم إيّاه-: «أمّا بعد فتبّا لكم أيّتها الجماعة و ترحا! حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناكم موجفين. سللتم علينا سيفا كان في أيماننا، و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوّنا و عدوّكم؛ فأصبحتم إلبا لفّا على أوليائكم و يدا لأعدائكم، بغير عدل أفشوه فيكم و لا لأمل أصبح لكم فيهم، و عن غير حدث كان منّا و لا رأي تفيّل عنّا. الحديث.» «1»

أقول: تبّا أي هلاكا و خسرانا. و الترح بفتحتين: ضدّ الفرح. و الإيجاف:

الإسراع. حششتم: أوقدتم. و الإلب بالكسر: الجماعة. و اللّف: المجتمعون. و تفيّل رأيه: أخطأ و ضعف.

الخامس: ثورة زيد بن عليّ بن الحسين و خروجه على هشام بن عبد الملك.

و قد أمضى عمله و قدّسه أئمتنا الأطهار «ع» و علماؤنا الأخيار، كما مرّ تفصيله في الفصل الرابع من الباب الثالث، فراجع.

______________________________

(1)- تحف العقول/ 240.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 607

و من جملة الروايات التي ذكرناها هناك صحيحة عيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه «ع»، و فيها: «إن اتاكم آت منّا فانظروا على أيّ شي ء تخرجون، و لا تقولوا: خرج زيد؛ فإنّ زيدا كان عالما و كان صدوقا، و لم يدعكم إلى نفسه، و إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمد «ص». و لو ظفر لوفى بما دعاكم إليه. إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه ...» «1»

و في رواية أخرى، عن الصادق «ع»: «إن عمّي كان رجلا لدنيانا و آخرتنا. مضى و اللّه عمّي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول اللّه «ص» و عليّ و الحسن و الحسين- صلوات اللّه عليهم-.» «2»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصّة زيد و شأنه و ثورته، و قد مرّ كثير منها.

السادس: ثورة الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، شهيد فخّ.

و قد قام في المدينة في خلافة موسى الهادي و استشهد بفخّ- موضع أو بئر على فرسخ من مكة. و لم يعرف من أئمتنا- عليهم السلام- حديث ظاهر في قدحه، بل وردت روايات كثيرة تدل على تقديسه و تقديس قيامه نذكرها من كتاب مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني:

1- ما رواه بسنده، عن زيد بن علي، قال: انتهى رسول اللّه «ص» إلى موضع فخّ فصلّى بأصحابه صلاة الجنازة، ثمّ قال: «يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان و حنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 36، الباب 13 من أبواب جهاد العدو،

الحديث 1.

(2)- عيون أخبار الرضا 1/ 252، الباب 25، الحديث 6.

(3)- مقاتل الطالبيين/ 289.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 608

2- ما رواه بسنده، عن أبي جعفر محمد بن علي «ع»، قال: «مرّ النبي «ص» بفخّ فنزل فصلّى ركعة، فلمّا صلّى الثانية بكى و هو في الصلاة، فلما رأى الناس النبي «ص» يبكي بكوا، فلمّا انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لمّا رأيناك تبكي بكينا يا رسول اللّه. قال: «نزل عليّ جبرئيل لمّا صلّيت الركعة الأولى فقال: يا محمد، إنّ رجلا من ولدك يقتل في هذا المكان. و أجر الشهيد معه أجر شهيدين.» «1»

3- ما رواه بسنده، عن النضر بن قرواش، قال: أكريت جعفر بن محمد «ع» من المدينة إلى مكة، فلمّا ارتحلنا من بطن مرّ قال لي: «يا نضر، إذا انتهيت إلى فخّ فأعلمني ... فتوضأ و صلّى ثمّ ركب فقلت له: جعلت فداك رأيتك قد صنعت شيئا، أ فهو من مناسك الحج؟ قال: «لا، و لكن يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.» «2»

4- ما رواه بسنده، عن إبراهيم بن إسحاق القطّان، قال: سمعت الحسين بن علي، و يحيى بن عبد اللّه يقولان:

«ما خرجنا حتّى شاورنا أهل بيتنا، و شاورنا موسى بن جعفر «ع» فأمرنا بالخروج.» «3»

5- ما رواه عن جماعة، قالوا:

«جاء الجند بالرءوس إلى موسى و العباس و عندهم جماعة من ولد الحسن و الحسين، فلم يتكلم أحد منهم بشي ء إلّا موسى بن جعفر «ع»، فقال له: هذا رأس الحسين. قال: «نعم، إنّا للّه و إنا إليه راجعون. مضى و اللّه مسلما صالحا صوّاما قوّاما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر. ما كان في

أهل بيته مثله. فلم يجيبوه بشي ء.» «4»

و لم يكن خروجه للدعوة إلى نفسه بل كان يدعو إلى الرضا من آل محمد، نظير

______________________________

(1)- مقاتل الطالبيين/ 290.

(2)- مقاتل الطالبيين/ 290.

(3)- مقاتل الطالبيين/ 304.

(4)- مقاتل الطالبيين/ 302.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 609

ما صنعه زيد في دعوته:

6- فروى أبو الفرج أيضا بسنده، عن أرطاة، قال:

«لمّا كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخّ قال: «ابايعكم على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه «ص»، و على أن يطاع اللّه و لا يعصى، و أدعوكم إلى الرضا من آل محمد، و على أن نعمل فيكم بكتاب اللّه و سنة نبيّه «ص» و العدل في الرعية و القسم بالسويّة ...» «1»

هذا. و لكن في أسناد الروايات ضعف، و مؤلف الكتاب من بني مروان ينتهي نسبه إلى مروان الحمار، و في المذهب زيدي.

السابع: ما رواه في الكافي، عن سدير الصيرفي،

قال: «دخلت على أبي عبد اللّه «ع» فقلت له: و اللّه ما يسعك القعود. فقال: و لم يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك و شيعتك و انصارك. و اللّه لو كان لأمير المؤمنين «ع» مالك من الشيعة و الأنصار و الموالي ما طمع فيه تيم و لا عديّ. فقال: يا سدير، و كم عسى أن تكونوا؟ قلت: مأئة ألف. قال: مأئة ألف؟

قلت: نعم، و مأتي ألف. قال: مأتي الف؟ قلت: نعم و نصف الدنيا. قال: فسكت عنّي ثمّ قال: يخفّ عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟ قلت: نعم. فأمر بحمار و بغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار، فقال: يا سدير، ترى أن تؤثرني بالحمار؟ قلت: البغل أزين و أنبل. قال: الحمار أرفق بي. فنزلت فركب الحمار و ركبت البغل فمضينا فحانت الصلاة فقال: يا سدير،

أنزل بنا نصلّي، ثمّ قال: هذه أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها. فسرنا حتّى صرنا إلى أرض حمراء و نظر إلى غلام يرعى جداء فقال: و اللّه يا سدير، لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. و نزلنا و صلينا فلمّا فرغنا من

______________________________

(1)- مقاتل الطالبيين/ 299.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 610

الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر.» «1»

و لم يكن مراده «ع» لا محالة مطلق من يطلق عليهم اسم الشيعة، بل الشيعة الخلّص المواتين لهم «ع» في جميع المراحل، و هم قليلون جدّا و لا سيّما في تلك الأعصار.

فيظهر من الحديث الشريف أنّه يجب القيام في قبال حكّام الجور مع وجود القدرة و أنّ قعود أئمتنا «ع» لم يكن إلّا لعدم القوّة و العدّة.

و في نهج البلاغة: «فنظرت فإذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت.» «2»

و قال الشارح المعتزلي في شرحه:

«فأمّا قوله: «لم يكن لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت» فقول ما زال عليّ «ع» يقوله، و لقد قاله عقيب وفاة رسول اللّه «ص»، قال: لو وجدت أربعين ذوي عزم. ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفين و ذكره كثير من أرباب السيرة.» «3»

و الإمام المجتبى أيضا قام و جاهد إلى أن خان أكثر جنده و لحقوا بمعاوية، فلم يتمكّن من مواصلة الجهاد.

فلم يكن أئمتنا- عليهم السلام- ذوي سياسات متضادة، كما قد يتوهّم، بل هم نور واحد و سياستهم كانت واحدة في قبال سلاطين الجور و الطواغيت، و إنّما الشروط و الظروف كانت مختلفة، فتدبر.

______________________________

(1)- الكافي 2/ 242، كتاب الإيمان و الكفر، باب في قلّة

عدد المؤمنين، الحديث 4.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 92؛ عبده 1/ 62؛ لح/ 68، الخطبة 26.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 611

الثامن: ما في نهج البلاغة: «لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر

، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ...» «1»

أقول: الكظّة بالكسر و التشديد: البطنة و ما يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام. و السغب: الجوع.

و فيه أيضا: «سمعت رسول اللّه «ص» يقول- في غير موطن: لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع.» «2»

و في الوسائل عن الإمام الصادق «ع»: «ما قدّست أمّة لم يؤخذ لضعيفها من قويّها غير متعتع.» «3»

و في سنن ابن ماجة عن أبي سعيد الخدري، عن النبي «ص»: «إنّه لا قدّست أمّة لا يأخذ الضعيف فيها حقّه غير متعتع.» «4»

فيظهر من هذه الأحاديث أنّه لا يحلّ للإنسان المسلم و لا سيّما العالم الذي ينفذ أمره و حكمه بالطبع أن يقعد في بيته و لا يبالي بما يقع و يشاهده في المجتمع من الجور و الظلم و الإغارة على حقوق الضعفاء، و التبعيضات غير العادلة، و لا محالة ربّما ينجرّ التدخل في ذلك إلى الكفاح المسلّح.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 52؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 50، الخطبة 3.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1021؛ عبده 3/ 113؛ لح/ 439، الكتاب 53.

(3)- الوسائل 11/ 395، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 9.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 810، كتاب الصدقات، باب لصاحب الحق سلطان، الحديث 2426.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 612

التاسع: ما دلّ على جزاء المحارب و المفسد في الأرض.

قال اللّه- تعالى-: «إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ

عَظِيمٌ، إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ...» «1»

إذ لا فرق في الساعي بالفساد بين أن يكون فردا عاديا أو يكون صاحب قدرة و سلطة، بل الفساد في الثاني أكثر، فيجب مع الإمكان مجازاته بالقيام و الخروج عليه، فتأمّل.

العاشر: إن جواز قتال البغاة بل وجوبه ممّا دلّ عليه الكتاب و السنة،

و أفتى به فقهاء الفريقين كما حقق في محلّه، و مرّ منّا أيضا إجمالا في الفصل السابع من الباب الثالث.

قال اللّه- تعالى-: «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ، فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.» «2»

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 33 و 34.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 613

و تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعليّة بل يدلّ عليها. فيعلم بذلك أنّ الملاك في وجوب القتال أو جوازه هو البغي و الطغيان، سواء كان من ناحية طائفة على أخرى، أو من ناحية الأفراد أو الطوائف على الولاة، أو من ناحية الولاة على الأمّة. و لذلك ترى أنّه مع كون المنصوص في الآية هو بغي طائفة على أخرى تعدّى الأصحاب و الفقهاء منه إلى بغي الفرد أو الطائفة على الإمام. و من لفظ الآية الشريفة اقتبسوا اسم البغاة.

نعم، يمكن المناقشة في استفادة الوجوب من الأمر في الآية، إذ الأمر الواقع في مقام توهّم الحظر لا يستفاد منه أزيد من الجواز، و لكنّ الجواز يكفينا في المقام.

فإن قلت: مورد آية البغي، و كذا آية المحاربة التي مرّت هو صورة وجود الهجوم و إشعال نار الفتنة و الحرب فعلا، فحكم اللّه- تعالى- بإطفائها بالقتال و الجزاء. و أمّا الحاكم

الجائر فهو لتسلّطه خارجا لا يحتاج إلى الحرب و الهجوم، بل الخروج عليه إشعال لنائرة الحرب، و موجب لإراقة الدماء و تلف الأموال و النفوس، فلا مجال للتمسك بالآيتين في المقام.

قلت: تنفيذ مقرّرات الإسلام و بسط الحقّ و العدالة و حفظ الحدود و الحقوق من أهم أهداف الإسلام و واجباته، فإذا انحرف الحاكم عن مسير الحقّ و الإسلام و ضيّع الحدود و الحقوق و إن تسمّى باسم الإسلام فلا محالة يحصل في نطاق حكمه و ملكه الفساد و الفحشاء و البغي على الضعفة كثيرا، بل ربّما خيف منه و من عمّاله على بيضة الإسلام و كيان المسلمين، و أيّ بغي أشدّ و أفحش من ذلك؟

و المراجع إلى الكتاب و السنة و إلى تاريخ صدر الإسلام يظهر له أن حفظ الإسلام و بسطه و حفظ الحدود و الحقوق من أهم الفرائض، فيجب السعي فيه و في رفع الفساد و إن استلزم ذلك فداء الأموال و النفوس في هذا الطريق. هذا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 614

الحادي عشر: ما دلّ على حرمة إعانة الظالم و مساعدته

، بل و حبّ بقائه. و الأخبار في هذا الباب كثيرة من طرق الفريقين، فلنذكر بعضها:

1- فروى الترمذي في الفتن بسنده، عن كعب بن عجرة، عن النبي «ص»، قال: «سيكون بعدي أمراء؛ فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس منّي و لست منه و ليس بوارد عليّ الحوض.» «1»

2- و في مسند أحمد بسنده، عن جابر بن عبد اللّه أن النبي «ص» قال لكعب بن عجرة: «أعاذك اللّه من إمارة السفهاء.» قال: و ما إمارة السفهاء؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهداي و لا يستنّون بسنّتي؛ فمن صدّقهم بكذبهم و أعانهم

على ظلمهم فأولئك ليسوا منّي و لست منهم و لا يردوا عليّ حوضي، و من لم يصدقهم بكذبهم و لم يعنهم على ظلمهم فأولئك منّي و أنا منهم و سيردوا عليّ حوضي.» «2»

3- و في صحيحة أبي حمزة، عن علي بن الحسين «ع»: «إيّاكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين.» «3»

4- و في خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه «ع»: «العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم.» «4»

5- و عن سليمان الجعفري، قال: قلت لأبي الحسن الرضا «ع»: ما تقول في

______________________________

(1)- سنن الترمذي 3/ 358، الباب 62 من أبواب الفتن، الحديث 2360.

(2)- مسند أحمد 3/ 321.

(3)- الوسائل 12/ 128، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(4) الوسائل 12/ 128، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 615

أعمال السلطان؟ فقال: «يا سليمان، الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر، و النظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار.» «1»

و واضح أنّ المراد به السلطان الجائر.

6- و في خبر ابن أبي يعفور، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك إنّه ربّما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟

فقال أبو عبد اللّه «ع»: «ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أنّ لي ما بين لابتيها، لا و لا مدّة بقلم؛ إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يحكم اللّه بين العباد.»

«2»

7- و في خبر السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواة، أو ربط كيسا، أو مدّ لهم مدّة قلم؛ فاحشروهم معهم.» «3»

8- و في خبر آخر: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الظلمة و أعوان الظلمة و أشباه الظلمة، حتى من برى لهم قلما و لاق لهم دواة. قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمي بهم في جهنّم.» «4»

9- و في حديث آخر: «من مشى الى ظالم ليعينه و هو يعلم انه ظالم فقد خرج من الإسلام.» «5»

10- و عن رسول اللّه «ص» في خبر المناهي: «ألا و من علّق سوطا بين يدي سلطان

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 138، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12.

(2)- الوسائل 12/ 129، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(3)- الوسائل 12/ 130، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 11.

(4)- الوسائل 12/ 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 16.

(5)- الوسائل 12/ 131، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 616

جعل اللّه ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار، طوله سبعون ذراعا، يسلطه اللّه عليه في نار جهنّم و بئس المضير.» «1»

11- و عن الكاهلي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «من سوّد اسمه في ديوان الجبّارين من ولد فلان حشره اللّه يوم القيامة حيرانا.» «2»

12- و عن زياد بن أبي سلمة، قال: دخلت على أبي الحسن موسى «ع» فقال لي: «يا زياد، إنّك لتعمل عمل السلطان؟» قال:

قلت: أجل. قال لي: و لم؟ قلت: أنا رجل لي مروة و عليّ عيال و ليس وراء ظهري شي ء. فقال لي: «يا زياد، لأن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلّا لما ذا؟» قلت: لا أدري جعلت فداك. قال: «إلّا لتفريج كربة عن مؤمن أو فكّ أسره أو قضاء دينه. يا زياد، إنّ أهون ما يصنع اللّه- جلّ و عزّ- بمن تولّى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق ...» «3»

13- و عن صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل «ع» فقال لي: يا صفوان، كلّ شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا. قلت: جعلت فداك أيّ شي ء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون. قلت: و اللّه ما أكريته أشرا و لا بطرا، و لا للصيد و لا للّهو، و لكني أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكّة، و لا أتولّاه بنفسي و لكن أبعث معه غلماني. فقال لي: يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟

قلت: نعم، جعلت فداك. قال: فقال لي: أ تحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟ قلت:

نعم، قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار ...» «4»

14- و عن عياض، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 130، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10.

(2)- الوسائل 12/ 134، الباب 44 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(3)- الوسائل 12/ 140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 9.

(4)- الوسائل 12/ 131، الباب 42 من

أبواب ما يكتسب به، الحديث 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 617

أن يعصى اللّه.» «1»

15- و عن سهل بن زياد- رفعه- عن أبي عبد اللّه «ع»- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ»- قال: هو الرجل يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده إلى كيسه فيعطيه.» «2»

إلى غير ذلك من الروايات الدالة على حرمة إعانة الظالمين و مساعدتهم و حبّ بقائهم.

و لا يخفى أنّ التسليم للظالم و إطاعته في أوامره الولائية من أشدّ مراتب الإعانة و المساعدة. و حيث إنّ الحكومة ممّا لا بدّ منها كما مرّ و إطاعة الحاكم في الأوامر الولائية من لوازم الحكومة و مقوّماتها فلا محالة يستلزم ذلك وجوب السعي في إسقاط الحكومة الظالمة الجائرة، حتّى يخلفها حكومة عادلة مطاعة فيحصل النظام و ينفّذ الإسلام، فتدبّر.

قال في تفسير المنار- في ذيل تفسيره لآية المحاربة:

«و من المسائل المجمع عليها قولا و اعتقادا: «أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، و إنّما الطاعة في المعروف»، و أنّ الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتدّ عن الإسلام واجب، و أن إباحة المجمع على تحريمه كالزنا و السكر و استباحة إبطال الحدود و شرع ما لم يأذن به اللّه كفر و ردّه، و أنّه إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع و حكومة جائرة تعطّله وجب على كلّ مسلم نصر الأولى ما استطاع. و أنه إذا بغت طائفة من المسلمين على أخرى و جرّدت عليها السيف و تعذّر الصلح بينهما فالواجب على المسلمين قتال الباغية المعتدية حتّى تفي ء إلى أمر اللّه.

و ما ورد في الصبر على أئمة الجور إلّا إذا كفروا معارض

بنصوص أخرى، و المراد به اتقاء الفتنة و تفريق الكلمة المجتمعة. و أقواها حديث: «و أن لا تنازع الأمر أهله إلّا أن تروا كفرا بواحا.» قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية. و مثله كثير.

و ظاهر الحديث أن منازعة الإمام الحق في إمامته لنزعها منه لا يجب إلّا إذا كفر

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 134، الباب 44 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

(2)- الوسائل 12/ 133، الباب 44 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 618

كفرا ظاهرا و كذا عمّاله و ولاته.

و أمّا الظلم و المعاصي فيجب إرجاعه عنها مع بقاء إمامته و طاعته في المعروف دون المنكر، و إلّا خلع و نصب غيره.

و من هذا الباب خروج الإمام الحسين سبط الرسول- صلّى اللّه عليه و آله و سلم- على إمام الجور و البغي، الذي ولي أمر المسلمين بالقوّة و المكر: يزيد بن معاوية- خذله اللّه، و خذل من انتصر له من الكرامية و النواصب، الذين لا يزالون يستحبّون عبادة الملوك الظالمين، على مجاهدتهم لإقامة العدل و الدين. و قد صار رأي الأمم الغالب في هذا العصر وجوب الخروج على الملوك المستبدّين المفسدين. و قد خرجت الأمّة العثمانية على سلطانها عبد الحميد خان فسلبت السلطة منه و خلعته بفتوى من شيخ الإسلام.» «1»

و قد نقلنا كلامه بطوله تأييدا لكثير مما ذكرناه.

خلاصة

و كيف كان، فقد تحصّل ممّا ذكرناه في هذه المسألة بطولها أنّ أخطاء الحاكم الذي بدت حكومته مشروعة إن كانت جزئية شخصية لا تمسّ كرامة الإسلام و المسلمين، فالحكم بانعزاله أو جواز الخروج عليه لذلك مشكل بل لعلّه لا يخرج بذلك من العدالة بناء على

كونها عبارة عن الملكة. و لو سلّم فالواجب في قباله النصح و الإرشاد، و يبعد جدّا أن تصل النوبة في مثله إلى الخروج عليه و الكفاح المسلّح.

و أمّا إذا انحرف الحاكم انحرافا كلّيّا و صار أساس حكمه الاستبداد و الأهواء، بحيث صدق على حكومته حكومة الجور و الفساد و انطبق عليه عنوان الطاغوت، فحينئذ يجري فيه مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ربّما تصل النوبة إلى الكفاح المسلّح و إسقاطه و إقامة دولة حقّة مكانه. و أقمنا على ذلك أحد عشر وجها.

______________________________

(1)- تفسير المنار 6/ 367.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 619

و بعض الوجوه و إن كان قابلا للمناقشة و لكن يظهر من المجموع و من تتّبع آيات الجهاد و أخباره و موارده، و من أدلّة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و من سيرة النبي «ص» و الأئمة «ع» و لا سيّما أمير المؤمنين و السبط الشهيد- عليهما السلام- أنّ إقامة الحكومة الحقة و قطع جذور الفساد و الجور مطابق لروح الإسلام و مذاق الشرع، فيجب إعداد مقدّماتها و الإقدام عليها بقدر الوسع. و يختلف ذلك من ناحية المقدمات، و من ناحية كيفيّة العمل بحسب الزمان و المكان و الظروف و الإمكانيات.

و أمّا الأخبار الّتي حكيناها في صدر المسألة من صحيح مسلم و غيره فإن أريد بها ما ذكرناه من التفصيل فهو، و إلّا وجب ردّ علمها إلى أهلها.

و لعل بعضها و بعض ما ورد من طرقنا- ممّا مرّ في الفصل الرابع من الباب الثالث- لعلّها من بقايا ملفّقات مرتزقة السلاطين و حكّام الجور.

فانظر إلى أمثال هذه الروايات المرويّة عن لسان النبي الأكرم و الصحابة، و إلى

الفتاوى الّتي صدرت على أساسها أو على غير أساس و قد أوجبت على المسلمين السكوت بل التسليم و الإطاعة في قبال يزيد و أمثاله، الذين غلبوا على ولاية أمور المسلمين بالسيف بلا نصّ و لا بيعة و استمرت سيرتهم على الظلم و الاستعباد و قتل الأخيار و التجاهر بالفسق و الفجور.

فانظر و فكّر فيما جرّته هذه الفتاوى على المسلمين من ضعف، و انحطاط، و تشتّت، و خمود روح الثورة، و تسلّط الكفّار و الصهاينة و الطواغيت- عملاء الشرق و الغرب- عليهم و على بلادهم. و قد ثارت الأمم المنحطّة في البلاد الغربيّة يوما فيوما على الملوك الجبابرة، فتقدّمت في المدنيّة و العلوم و الصنائع، و بقيت الشعوب المسلمة الراقية ببركة الإسلام تحت سيطرة الجبابرة الظالمين المترفين بسبب تأييد علماء السوء، الذين باعوا آخرتهم و حرّيتهم بدنياهم الدنيّة.

و بعد ما تيقظت أمّة إيران المسلمة من سباتها و ثارت على عملاء الكفر فعوضا عن تأييدها و اللحاق بها هجموا عليها، فيا بعدا لعملاء الكفر و علماء السوء المبررين لجناياتهم و مظالمهم! اللّهم فخلّص المسلمين من شرورهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 1، ص: 620

و ليس كلّ ما يروى و ينسب إلى النبي الأكرم «ص» أو إلى الأئمة أو الصحابة بصحيح، بل يجب عرضه على الكتاب العزيز؛ فما خالفه زخرف و باطل. و يجب على أهل النظر التتبّع و تشخيص الغثّ من السمين و الصحيح من السقيم.

و في نهج البلاغة: «إنّ في أيدي الناس حقّا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و عامّا و خاصّا، و محكما و متشابها، و حفظا و وهما. و لقد كذب على رسول اللّه «ص» على

عهده حتّى قام خطيبا فقال: من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار. و إنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالإسلام لا يتأثّم و لا يتحرّج يكذب على رسول اللّه «ص» متعمّدا. فلو علم الناس أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه و لم يصدّقوا قوله و لكنّهم قالوا: صاحب رسول اللّه رآه و سمع منه و لقف عنه، فيأخذون بقوله و قد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك ...» «1»

و إذا كان هذا حال عصر أمير المؤمنين «ع» مع قربه من عصر النبي «ص» فكيف بأعصار حكّام الجور من الأمويين و العباسيين و سلاطين عصورهم و ظهور أهل الأهواء و تقرّبهم منهم كثيرا. و قد ضبط المورّخون أحوال كثير من الوضّاعين، فراجع «2».

و في كنز العمال، عن أبي هريرة: «إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنّه لصّ.» «3»

و الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

تمّ الجزء الأوّل من الكتاب، و يتلوه إن شاء اللّه الجزء الثانى، و أوّله الباب السادس منه.

______________________________

(1) نهج البلاغة، فيض/ 665؛ عبده 2/ 214؛ لح/ 325، الخطبة 210.

(2) راجع كتب الرجال من الفريقين، و من جملة كتب السنة: كتاب «الضعفاء» لابن حبان، و «الحافل المذيل على الكامل» لابن عدي، و «ميزان الاعتدال»، و «لسان الميزان».

(3) كنز العمال 10/ 186، الباب 2 من كتاب العلم من قسم الأقوال، الحديث 28973.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

الجزء الثاني

الباب السّادس في حدود ولاية الفقيه و اختياراته، و واجبات الحاكم الإسلامي تجاه الإسلام و الأمّة، و واجبات الأمّة تجاهه

اشارة

و ليس غرضنا في هذا الباب شرح التكاليف بالتفصيل

في تمام المراحل، فإنه بنفسه يستوعب مجلدات ضخمة، بل نقتصر على ذكر بعض الكلمات و بعض الآيات و الروايات المتعرضة لذلك مع شرح و توضيح يناسب هذا الكتاب، و نشير إجمالا إلى السلطات الثلاث التي لا بدّ منها في كلّ حكومة، و إلى بعض المؤسّسات و المراتب الإدارية و الوظائف المهمّة.

و يشتمل هذا الباب على خمسة عشر فصلا:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 3

الفصل الأوّل في أهداف الدولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلامي التصدّي له في حكومته

[الحاكم في الحقيقة هو اللّه تعالى و أساس الحكم هو ما أنزل اللّه]

اعلم أنّه قد ظهر لك في مطاوي البحث إلى هنا أنّ الحكومة الإسلاميّة ليس يراد بها السلطة على المسلمين و بلادهم و الحكم عليهم بما يريده الحاكم و يهواه كيف ما كان، نظير ما يشاهد من الملوك و الرؤساء في غالب البلاد، حيث يعاملون الناس معاملة المالك مع مملوكه.

بل المراد بها تنفيذ أحكام الإسلام و حدوده، و إدارة شئون الأمّة على أساس ضوابط الإسلام و قوانينه العادلة، فإنّ الإسلام دين جامع واسع كافل لجميع ما يحتاج إليه الإنسان في مراحل حياته الفرديّة و العائليّة و الاجتماعيّة، و يتوقّف عليه خيره و سعادته في الدارين، و قد روعي فيه حقوق جميع الأفراد و الفئات حتّى الأقليّات غير المسلمة.

ففي الحقيقة الحاكم هو اللّه- تعالى- كما قال: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ»*، و قال:

«أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ» «1»، و الحكومة الإسلامية قوّة منفذة لأحكامه- عزّ و جلّ-، و تتصدّى

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 57 و 62.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 4

لمصالح الأمّة على أساس ضوابط الإسلام.

و ليست حكومة استبدادية ديكتاتورية. و لذا نعبّر عن الحاكم الإسلامي بالإمام و الوالي و الراعي، و عن الأمّة بالرعيّة. فهو إمام لأنّه أسوة يقتدى به، و وال لأنّه

يتولّى مصالح الأمّة كما يتولّى متولى الوقف مثلا مصالحه، و راع لأنّه يرعاهم في جميع مراحلهم حتى لا يعتري عليهم الفساد و الضرر.

و لا يلتفت عندنا إلى الحكومة بما هي مقام و شأن يتفاخر به و تكون حملا و عبأ ثقيلا على ظهر الأمّة، بل يلتفت إليها بما هي وظيفة و مسئولية خطيره على عاتق الحاكم تحقّق بها مصالح الأمّة و يرفع بها عن الأمّة إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم وراثة أو تقليدا أو تحميلا.

فيفترق نظام الحكم الإسلامي عن أنظمة الحكم الدارجة في العالم بوجهين أساسيين كما مرّ:

الأوّل: أنّ أساس الحكم الإسلامي هو أحكام اللّه- تعالى- و قوانينه العادلة.

الثاني: أنّ الحاكم يشترط فيه أن يكون فقيها عادلا بصيرا لا يهمّه إلّا إجراء أحكام اللّه و إدامة طرق الأنبياء و الأئمة «ع».

و النبيّ الأكرم «ص» كان هو أوّل من أقام الدولة الإسلاميّة و كان هو بنفسه يتولّى في جنب رسالته الخطيرة إدارة شئون المسلمين: السياسيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و العسكريّة، و يعيّن الأمراء و القضاة و الجباة للنواحي و البلاد، و يرسم لهم منهجهم في الحكم و السياسة. و الحكم الذي قام به النبي «ص» في عصره كان حكما فريدا في الحياة لم تعرف البشرية إلى الآن شبيها له في سهولته و سذاجته و ما وجد فيه الناس من عدل و حريّة و مساواة و إيثار.

و كان «ص» رءوفا بهم و حريصا عليهم يطلب خيرهم و رشادهم و يرفع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم. و لشدّة رأفته و رحمته و أخلاقه الكريمة جذب الناس إلى الإسلام و خلع سلاح أعدائه الّذين جمعوا قواهم و إمكاناتهم ضدّ تقدمه؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 5

فتراه «ص» بعد ما فتح مكّة و سلّطه اللّه على أعدائه الألدّاء خاطبهم فقال: «يا معشر قريش، ما ترون انّي فاعل بكم؟ قالوا خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم. قال: اذهبوا، فأنتم الطلقاء.» «1»

فعفا «ص» عنهم و فيهم أمثال أبي سفيان، و صفوان بن أميّة و غيرهما من الرؤساء، و قد أمكنه اللّه منهم، و لم ينتقم حتى من وحشي قاتل عمّه حمزة، و من هند مع ما صنعت في أحد بأجساد القتلى و جسد حمزة و كبده.

و لم يكن أساس حكمه «ص» إلّا ما أنزله اللّه- تعالى-:

1- قال اللّه- تعالى- في سورة النساء: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ.» «2»

2- و قال في سورة المائدة: «وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ، وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ. الآية.» «3»

3- «وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ، وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكَ. الآية» «4»

4- «أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» «5»

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

وظائف الحاكم الإسلامي:
[كلام الماوردي في وظائف الحاكم]

و كيف كان فلنتعرض لوظائف الحاكم الإسلامي و واجباته، فنقول:

______________________________

(1)- الكامل لابن الأثير 2/ 252، (ذكر فتح مكّة).

(2)- سورة النساء (4)، الآية 105.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 48.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 49.

(5)- سورة المائدة (5)، الآية 50.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 6

قال الماوردي:

«و الذي يلزمه من الأمور العامّة عشرة أشياء:

أحدها: حفظ الدين على أصوله المستقرّة و ما أجمع عليه سلف الأمّة،

فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجّة و بيّن له الصواب، و أخذه بما يلزمه من الحقوق و الحدود، ليكون الدين محروسا من خلل، و الأمّة ممنوعة من زلل.

الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين و قطع الخصام بين المتنازعين حتّى تعمّ النصفة، فلا يتعدّى ظالم و لا يضعف مظلوم.

الثالث: حماية البيضة و الذبّ عن الحريم، ليتصرف الناس في المعايش و ينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.

و الرابع: إقامة الحدود، لتصان محارم اللّه- تعالى- عن الانتهاك و تحفظ حقوق عباده من إتلاف و استهلاك.

و الخامس: تحصين الثغور بالعدّة المانعة و القوّة الدافعة حتى لا تظهر الأعداء بغرّة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما.

و السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمّة، ليقام بحقّ اللّه- تعالى- في إظهاره على الدين كلّه.

و السابع: جباية الفي ء و الصدقات على ما أوجبه الشرع نصّا و اجتهادا من غير خوف و لا عسف.

و الثامن: تقدير العطايا و ما يستحق في بيت المال من غير سرف و لا تقتير و دفعه في وقت لا تقديم فيه و لا تأخير.

التاسع: استكفاء الأمناء و تقليد النصحاء فيما يفوّضه إليهم من الأعمال و يكله إليهم من الأموال، لتكون الأعمال بالكفاية مضبوطة، و الأموال بالأمناء محفوظة.

العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور و تصفّح الأحوال لينهض بسياسة الأمّة و حراسة الملّة، و لا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة، فقد يخون الأمين و يغشّ الناصح، و قد قال اللّه- تعالى-: «يٰا دٰاوُدُ، إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 7

فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ

وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ.» «1» فلم يقتصر اللّه- سبحانه- على التفويض دون المباشرة و لا عذره في الاتّباع حتى وصفه بالضلال.

و هذا و إن كان مستحقا عليه بحكم الدين و منصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكلّ مسترع.

قال النّبيّ «ص»: «كلّكم راع و كلّكم مسئول عن رعيّته.» «2» ...

و إذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمّة فقد أدّى حقّ اللّه- تعالى- فيما لهم و عليهم، و وجب له عليهم حقّان: الطاعة و النصرة ما لم يتغيّر حاله.» «3»

و ذكر قريبا من ذلك أبو يعلى الفراء الحنبلي في كتابه المسمّى بالأحكام السلطانية أيضا. «4»

و الرجلان كانا في عصر واحد، إذ وفاة الماوردي كانت في «450 ه»، و وفاة أبي يعلى في «458 ه» و تقارب كتابيهما في العبارات يوجب العلم بأخذ أحدهما من الآخر، فلعلّ أبا يعلى أخذ من الماوردي.

[الآيات التي تعرّضت لوظائف الحاكم الإسلاميّ]

و قد تعرّضا كما ترى لأصول واجبات الحكومة الإسلامية، فالأولى أن نذكر بعض الآيات و الروايات المبيّنة للأهداف من الحكومة الإسلامية و واجباتها؛ فخير الكلام ما صدر عن منبع الوحي. و قد مضى أكثر هذه الروايات فيما مضى و لكن التكرار قد يجب و لا محيص عنه، كما ترى نظيره في الكتاب الكريم، حيث إنّه ملي ء من التكرار في القصص و الآيات المذكّرة، فنقول:

1- قال اللّه- تعالى-: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلٰالَ الَّتِي كٰانَتْ عَلَيْهِمْ، فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ وَ اتَّبَعُوا النُّورَ

______________________________

(1)- سورة ص (38)، الآية 26.

(2)- مسند أحمد 2/

111؛ و صحيح البخاري 1/ 160، كتاب الجمعة؛ و صحيح مسلم 3/ 1459، كتاب الإمارة، الباب 5، الحديث 1829.

(3)- الأحكام السلطانيّة للماوردي/ 15.

(4)- الأحكام السلطانيّة/ 27.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 8

الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.» «1»

فالآية تعرضت لخمس من الأمور المهمّة الّتي كان النبيّ «ص» يهتمّ بها و يستمرّ عليها في حياته في قبال الأمّة، و هو «ص» أسوة حسنة لكلّ من يتصدّى للحكومة الإسلامية، فيجب عليه أن يتأسّى به في ذلك.

و المعروف ما تعرفه الفطرة و العقول السليمة و أمر به الشرع لذلك. و المنكر ما تنكره العقول السليمة و نهى عنه الشريعة المطهرة.

فعلى الحاكم الإسلامي أن يجعل الجوّ بقدرته و نفوذه جوّا إسلاميّا سالما ينتشر فيه المعروف بشعبه و تنقطع فيه جذور المنكر و الفساد.

و لعلّ المراد بالأغلال هو الأعمّ من الرسوم و القيود الخرافية الطائفة، و من الأحكام الصعبة المشروعة في شريعة اليهود أو التي حرّمها إسرائيل على نفسه.

و في الحديث عن أبي أمامة عن النبيّ «ص»: «إنّي لم أبعث باليهودية و لا بالنصرانيّة، و لكن بعثت بالحنيفية السمحة.» «2»

2- و قال- تعالى-: «وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللّٰهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ.» «3»

فالناصرون للّه- تعالى- المنصورون من قبله هم الّذين إن تمكّنوا في الأرض و حكموا عليها أقاموا و نفّذوا فرائض اللّه من الصلاة و الزكاة و نحوهما و أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر.

3- و قال: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ؟!» «4»

بناء على كون المراد التصدي للولاية،

كما لعلّه الظاهر، اللّهم إلّا أن يقال إنّ السياق يأباه، فتأمّل.

______________________________

(1)- سورة الأعراف (7)، الآية 157.

(2)- مسند احمد 5/ 266.

(3)- سورة الحج (22)، الآية 40- 41.

(4)- سورة محمد (47)، الآية 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 9

4- و قال: «وَ إِذٰا تَوَلّٰى سَعىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهٰا وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ* وَ إِذٰا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّٰهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهٰادُ» «1»

و الظاهر أنّ المراد بالتولّي هو التصدّي للحكم و الولاية بقرينة قوله: «يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ» و قوله: «أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ.»

فالحاكم الإسلامي يحرم عليه الإفساد و التعدّي على الحرث و النسل، يعني الأموال و النفوس، و يجب عليه أن يكون خاضعا مستسلما في قبال الذكرى و النصح.

فتدبّر في كلامه- تعالى- و انظر كيف بلي المسلمون في أعصارنا بالحكّام الطغاة الذين خمّر في طبعهم الإفساد و هتك الأموال و الأعراض و النفوس، و لا يسمحون لأحد الوعظ و النصيحة. و ليس ذلك إلّا بتفرّق المسلمين و اختلافهم، و فرارهم من الموت و إعجابهم بالدنيا و شئونها، و إنّ اللّه- تعالى- «لٰا يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ» «2»

[الروايات التي تعرّضت لوظائف الحاكم الإسلاميّ]

5- و لمّا بعث رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل إلى اليمن وصّاه فقال: «يا معاذ، علّمهم كتاب اللّه، و أحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة. و أنزل الناس منازلهم: خيرهم و شرّهم.

و أنفذ فيهم أمر اللّه و لا تحاش في أمره و لا ماله أحدا، فإنّها ليست بولايتك و لا مالك، و أدّ إليهم الأمانة في كلّ قليل و كثير. و عليك بالرفق و العفو في غير ترك الحقّ، يقول الجاهل:

قد تركت من حقّ اللّه. و اعتذر إلى أهل عملك من كلّ أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتّى يعذروك.

و أمت أمر الجاهلية إلّا ما سنّه الإسلام. و أظهر أمر الإسلام كلّه صغيره و كبيره. و ليكن أكثر همّك الصلاة، فإنّها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين. و ذكّر الناس باللّه و اليوم الآخر. و اتبع الموعظة، فإنّه أقوى لهم على العمل بما يحبّ اللّه. ثم بثّ فيهم المعلّمين. و اعبد اللّه الّذي إليه ترجع. و لا تخف في اللّه لومة لائم.

و أوصيك بتقوى اللّه، و صدق الحديث، و الوفاء بالعهد، و أداء الأمانة، و ترك الخيانة، و لين الكلام، و بذل السلام، و حفظ الجار، و رحمة اليتيم، و حسن العمل، و قصر الأمل، و حبّ الآخرة،

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 205- 206.

(2)- سورة الرعد (13)، الآية 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 10

و الجزع من الحساب، و لزوم الايمان، و الفقه في القرآن، و كظم الغيظ، و خفض الجناح.

و إيّاك ان تشتم مسلما، أو تطيع آثما، أو تعصي إماما عادلا، أو تكذّب إماما صادقا، أو تصدّق كاذبا. و اذكر ربّك عند كلّ شجر و حجر. و أحدث لكلّ ذنب توبة: السرّ بالسرّ و العلانية بالعلانية.

يا معاذ، لو لا أنّني أرى ألّا نلتقي إلى يوم القيامة لقصّرت في الوصية، و لكنّني أرى أن لا نلتقي أبدا.

ثمّ اعلم يا معاذ، أنّ أحبّكم إليّ من يلقاني على مثل الحال التي فارقني عليها.» «1»

و ذكر في كنز العمّال حديثين طويلين في بعث معاذ يشتملان على أكثر مضمون هذا الحديث و زيادات نافعة، فراجع «2».

و قد ذكرنا الحديث بطوله لما يتضمّن من النصائح

العالية النافعة لكلّ من يتصدّى لعمل من أعمال الدولة الإسلاميّة.

و قد دلّ على أنّ من تكاليف الحاكم الإسلامي في نطاق حكومته: 1- تعليم كتاب اللّه. 2- تأديب الناس على الأخلاق الصالحة الفاضلة. 3- الفرق بين خير الناس و شرهم بالتقدير عن الخير و إكرامه، و تأنيب الشر و مجازاته. 4- إجراء المساواة في حكم اللّه و ماله بالنسبة إلى الجميع بلا استثناء لأحد. 5- أداء الأمانة إلى أهلها و إن قلّت. 6- الرفق و العفو بالنسبة إلى المسي ء ما لم يستلزم ترك حقّ. 7- تداوم الوعظ و التذكير. 8- بثّ المعلّمين فيهم لنشر العلوم.

و لا يخفى مناسبة الجملة الأخيرة في الحديث لما صار إليه أمر معاذ في النهاية.

6- و في رواية أنّه «ص» قال لمعاذ: «فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم صدقة؛ تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم طاعوا لك بذلك فإيّاك و كرائم أموالهم، و اتّق دعوة المظلوم فإنّه ليس بينه و بين اللّه حجاب.» «3»

يظهر من الرواية أنّ المكلف إذا أدّى واجب ماله فالتعدّي إلى سائر أمواله من

______________________________

(1)- تحف العقول/ 25.

(2)- كنز العمال 10/ 594- 595، باب غزواته و بعوثه ... من كتاب الغزوات و الوفود من قسم الأفعال، الحديث 30291 و 30292.

(3)- صحيح البخاري 3/ 73، كتاب المغازي، بعث أبي موسى و معاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 11

أشدّ الظلم.

7- و في رواية أخرى: «إنّ رسول اللّه «ص» حين بعث معاذا أوصاه و عهد إليه ثمّ قال له: يسّر و لا تعسّر، و بشّر و لا تنفّر.» «1»

8- و بعث رسول اللّه «ص» عمرو بن حزم واليا على بني

الحارث ليفقّههم في الدين و يعلّمهم السنّة و معالم الإسلام، و يأخذ منهم صدقاتهم. و كتب له كتابا عهد اليه فيه عهده و أمره فيه بأمره:

«بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* هذا بيان من اللّه و رسوله، يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، عهد من محمد النبي رسول اللّه «ص» لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى اللّه في أمره كلّه، فإنّ اللّه مع الذين اتّقوا و الذين هم محسنون. و أمره أن يأخذ بالحقّ كما أمره اللّه، و أن يبشّر الناس بالخير و يأمرهم به، و يعلّم الناس القرآن و يفقّههم فيه. و ينهى الناس؛ فلا يمسّ القرآن إنسان إلّا و هو طاهر. و يخبر الناس بالذي لهم و الذي عليهم. و يلين للناس في الحقّ، و يشتدّ عليهم في الظلم، فإنّ اللّه كره الظلم و نهى عنه فقال: «ألا لعنة اللّه على الظالمين». و يبشّر الناس بالجنّة و بعملها، و ينذر الناس النار و عملها. و يستألف الناس حتّى يفقّهوا في الدين، و يعلّم الناس معالم الحجّ و سنّته و فريضته، و ما أمر اللّه به في الحجّ الأكبر و الحج الأصغر، و هو العمرة.

و ينهى الناس أن يصلّي أحد في ثوب واحد صغير، إلّا أن يكون ثوبا يثني طرفيه على عاتقيه، و ينهى الناس أن يحتبى أحد في ثوب واحد يفضي بفرجه إلى السماء. و ينهى أن يعقص أحد شعر رأسه في قفاه. و ينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل و العشائر. و ليكن دعواهم إلى اللّه- عزّ و جلّ- وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى اللّه و دعا إلى القبائل و العشائر فليقطفوا بالسيف حتّى

تكون دعواهم إلى اللّه وحده لا شريك له.

و يأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم و أيديهم إلى المرافق و أرجلهم إلى الكعبين و يمسحون برؤوسهم كما أمرهم اللّه و أمر بالصلاة لوقتها، و إتمام الركوع و السجود و الخشوع، و يغلّس

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 4/ 237.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 12

بالصبح، و يهجّر بالهاجرة حين تميل الشمس، و صلاة العصر و الشمس في الأرض مدبرة، و المغرب حين يقبل الليل لا يؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، و العشاء أوّل الليل. و أمر بالسعي إلى الجمعة إذ نودي لها، و الغسل عند الرواح إليها.

و أمره أن يأخذ من المغانم خمس اللّه، و ما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين و سقت السماء، و على ما سقى الغرب نصف العشر. و في كل عشر من الإبل شاتان، و في كلّ عشرين أربع شياه. و في كلّ أربعين من البقر بقرة، و في كلّ ثلاثين من البقر تبيع، جذع أو جذعة. و في كلّ أربعين من الغنم سائمة وحدها، شاة. فانها فريضة اللّه التي افترض على المؤمنين في الصدقة، فمن زاد خيرا فهو خير له.

و أنّه من أسلم من يهوديّ أو نصرانيّ إسلاما خالصا من نفسه و دان بدين الإسلام فإنّه من المؤمنين؛ له مثل ما لهم، و عليه مثل ما عليهم. و من كان على نصرانيته أو يهوديّته فإنّه لا يردّ عنها.

و على كلّ حالم: ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد، دينار واف أو عوضه ثيابا. فمن أدّى ذلك فإنّ له ذمّة اللّه و ذمّة رسوله. و من منع ذلك فإنّه عدوّ للّه و لرسوله

و للمؤمنين جميعا. صلوات اللّه على محمد و السلام عليه و رحمة اللّه و بركاته.» «1»

و إنّما نقلنا الحديث بطوله لأنّه على ما قالوا أجمع و أطول كتاب حفظ التاريخ نصّه من كتبه «ص». و اعتنى به أرباب السنن و المسانيد في الأبواب المختلفة من الفقه، و ادّعى بعض إجماع الصدر الأوّل على الأخذ به و إن قطعوه على الأبواب و اختلفوا في بعض ألفاظه.

و عن النووي في التهذيب في ترجمة عمرو بن حزم قال:

«استعمله النبي «ص» على نجران باليمن و هو ابن سبع عشرة سنة، و بعث معه كتابا فيه الفرائض و السنن و الصدقات و الجروح و الديات.» «2»

و النكات المهمّة في هذا العهد أوّلا: الأخذ بالحقّ على نحو ما أمر اللّه به، لا على نحو إعمال الرأي و السليقة الشخصية.

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 4/ 241؛ و تاريخ الطبري 4/ 1727- 1729.

(2)- راجع التراتيب الإداريّة 1/ 168.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 13

و ثانيا: البشارة بالخير و الأمر به.

و ثالثا: تعليم القرآن و تفهيمهم مطالبه المتنوعة.

و رابعا: إرشاد الناس إلى ما ينفعهم و ما يضرّهم.

و خامسا: إعمال الرفق و اللين مع المحقّ، و إعمال الشدّة في قبال الظلم.

و سادسا: التبشير و الإنذار.

و سابعا: تأليف القلوب و تشويقها ليرغبوا في تعلّم الدين و التفقّه فيه.

و ثامنا: تعليم معالم الحجّ و سائر الفرائض و السنن. إلى غير ذلك ممّا اشتمل عليه.

و من هذا العهد و سابقه يعلم إجمالا ما يترقبه رسول اللّه «ص» ممّن يصير واليا على البلاد الإسلامية.

9- و في نهج البلاغة: «اللّهم إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، و لا التماس شي ء من

فضول الحطام، و لكن لنردّ المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك و تقام المعطّلة من حدودك.» «1»

و قد مرّ نحو ذلك عن تحف العقول في خطبة تنسب إليه تارة، و إلى سيد الشهداء «ع» أخرى «2».

و يظهر من هذا الكلام أنّ أمير المؤمنين «ع» لم يكن ساكتا في قبال ما كان يقع، بل كان منه مطالبة و محاجّة، و لكن لا للتنافس و طلب الدنيا و المقام، بل لإحياء معالم الدين و الإصلاح في البلاد و رفع الظلم و إقامة الحدود المعطّلة.

10- و فيه أيضا: «قال عبد اللّه بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين «ع» بذي قار و هو يخصف نعله، فقال لي: «ما قيمة هذه النعل؟» فقلت: لا قيمة لها. فقال- عليه السلام-: و اللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلّا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا.» «3»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 406؛ عبده 2/ 19؛ لح/ 189، الخطبة 131.

(2)- راجع تحف العقول/ 239.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 111؛ عبده 1/ 76؛ لح/ 76، الخطبة 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 14

فهذا الكلام باختصاره جامع لجميع ما يكون على عهدة الحاكم الإسلامي، أي: «إقامة الحقّ و دفع الباطل.»

11- و فيه أيضا: «لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة بوجود الناصر و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت آخرها بكأس أوّلها، و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.» «1»

أقول: الكظّة بالكسر و تشديد الظاء: البطنة و ما يعتري الإنسان عند الامتلاء من الطعام. و السغب: الجوع. و عفطة

العنز: ما تنثره من أنفها.

يظهر من الحديث الشريف أنّ المسلمين- و لا سيّما أهل العلم الواقفين على مذاق الشرع و حثّه على العدالة الاجتماعية- لا يجوز لهم السكوت في قبال التفاوت الفاحش الطبقي المنتج من غصب الأقوياء لحقوق الضعفاء و المستضعفين.

و إحقاق الحقوق لا يمكن إلّا بتحصيل القوّة و القدرة، فبذلك يظهر وجوب إقامة الدولة الحقّة و إحقاق الحقوق في ضوئها.

و اعلم أنّ اللّه- تعالى- لم يخلق الإنسان من دون أن يخلق له ما يحتاج إليه في عيشته و ما يتوقّف عليه حياته. و لو ترى الفقر الشديد و النقص الفاحش في بعض منهم فإنّما نشأ من ظلم بعضهم لبعض أو من كفرانهم نعم اللّه- تعالى- و عدم الاستفادة منها بالاستخراج و الاستنتاج:

ففي سورة إبراهيم قال بعد ذكر أصول نعمه: «وَ آتٰاكُمْ مِنْ كُلِّ مٰا سَأَلْتُمُوهُ، وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّٰهِ لٰا تُحْصُوهٰا، إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَظَلُومٌ كَفّٰارٌ.» «2»

و الظاهر أن المقصود بالسؤال هو الحاجة التكوينية الكامنة في الذوات؛ فاللّه- تعالى- علّل النقص الموجود بالأمرين، أعني الظلم و الكفران، فتدبّر في الآيات الشريفة.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 52؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 50، الخطبة 3.

(2)- سورة إبراهيم (14)، الآية 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 15

و في نهج البلاغة: «إنّ اللّه- سبحانه- فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلّا بما متّع به غنيّ، و اللّه- تعالى- سائلهم عن ذلك.» «1» هذا.

12- و في نهج البلاغة أيضا في ردّ الخوارج: «هؤلاء يقولون: لا إمرة إلّا للّه، و إنّه لا بدّ للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر، و يبلّغ اللّه فيها الأجل و

يجمع به الفي ء و يقاتل به العدوّ و تأمن به السبل و يؤخذ به للضعيف من القويّ حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر.» «2»

13- و فيه أيضا فيما ردّه «ع» على المسلمين من قطائع عثمان: «و اللّه لو وجدته قد تزوج به النساء و ملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة، و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق.» «3»

يظهر من الحديث الشريف أنّ من وظائف الحاكم الإسلامي ردّ الأموال العامّة المغصوبة المتعلقة بالمجتمع إلى أهلها. و يأتى في الفصل الذى نعقده لوجوب اهتمام الإمام بأموال المسلمين شرح للخطبة و تتميم لها و روايات أخرى لها عن شرح ابن أبي الحديد و كتاب دعائم الإسلام، فانتظر.

14- و فيه أيضا: «إنّه ليس على الإمام إلّا ما حمّل من أمر ربّه، إلّا البلاغ في الموعظة و الاجتهاد في النصيحة و الإحياء للسنّة و إقامة الحدود على مستحقّيها و إصدار السهمان على أهلها.» «4»

15- و فيه أيضا في خطابه «ع» لعثمان: «فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه إمام عادل هدي و هدى؛ فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة.» «5»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1242؛ عبده 3/ 231؛ لح/ 533، الحكمة 328.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 125؛ عبده 1/ 87؛ لح/ 82، الخطبة 40.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 66؛ عبده 1/ 42؛ لح/ 57، الخطبة 15.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 311؛ عبده 1/ 202؛ لح/ 152، الخطبة 105.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 526؛ عبده 2/ 85؛ لح/ 234، الخطبة 164.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 16

يظهر بذلك أنّ من تكاليف الإمام العادل إحياء السنّة و إماتة البدع.

16- و فيه أيضا: «أيّها الناس، إنّ لي عليكم

حقّا، و لكم عليّ حقّ، فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم، و تعليمكم كيلا تجهلوا، و تأديبكم كيما تعلموا. و أمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، و النصيحة في المشهد و المغيب، و الإجابة حين أدعوكم و الطاعة حين آمركم.» «1» و مفاد الحديث واضح، هذا.

و نهج البلاغة ملي ء من هذا القبيل من الكلمات المتعرضة لتكاليف الحاكم و لا سيّما كتابه «ع» لمالك الأشتر «2»، فراجع.

17- و في الغرر و الدرر للآمدي عن أمير المؤمنين «ع»: «على الإمام أن يعلّم أهل ولايته حدود الإسلام و الإيمان.» «3»

و المراد بأهل ولايته جميع من يكون تحت لواء حكومته.

18- و قد مرّ في كلام له «ع» أرسله إلى معاوية: «و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل، ضالّا كان أو مهتديا مظلوما كان أو ظالما حلال الدم أو حرام الدم أن لا يعملوا عملا و لا يحدثوا حدثا و لا يقدّموا يدا و لا رجلا و لا يبدءوا بشي ء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما و رعا عارفا بالقضاء و السنّة، يجمع أمرهم، و يحكم بينهم، و يأخذ للمظلوم من الظالم حقّه، و يحفظ أطرافهم و يجبى فيئهم و يقيم حجّتهم (حجّهم و جمعتهم- البحار) و يجبى صدقاتهم.» «4»

19- و مرّ عن كتاب المحكم و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني، عن أمير المؤمنين «ع»: «لا بدّ للأمّة من إمام يقوم بأمرهم، فيأمرهم و ينهاهم و يقيم فيهم الحدود و يجاهد العدوّ و يقسم الغنائم و يفرض الفرائض و يعرّفهم أبواب ما فيه صلاحهم و يحذّرهم ما فيه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 114؛ عبده 1/ 80؛ لح/ 79،

الخطبة 34.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 991؛ عبده 3/ 92؛ لح/ 426، الكتاب 53.

(3)- الغرر و الدرر 4/ 318، الحديث 6199.

(4)- كتاب سليم بن قيس/ 182؛ و بحار الأنوار 8/ 555 (ط. القديم).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 17

مضارّهم، إذ كان الأمر و النهي أحد أسباب بقاء الخلق و إلّا سقطت الرغبة و الرهبة، و لم يرتدع و لفسد التدبير و كان ذلك سببا لهلاك العباد. فتمام أمر البقاء و الحياة في الطعام و الشراب و المساكن و الملابس و المناكح من النساء و الحلال و الحرام، الأمر و النهي، إذ كان- سبحانه- لم يخلقهم بحيث يستغنون عن جميع ذلك، و وجدنا أوّل المخلوقين و هو آدم «ع» لم يتمّ له البقاء و الحياة إلّا بالأمر و النهي.» «1»

20- و في الخبر الطويل الذي رواه عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا «ع»: «إنّ الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين. إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي و فرعه السامي. بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات، و إمضاء الحدود و الأحكام، و منع الثغور و الأطراف. الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه و يدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة.» «2»

21- و في خبر فضل بن شاذان، عن الرضا «ع» الذي مرّ: فإن قال: فلم جعل أولي الأمر و أمر بطاعتهم، قيل: لعلل كثيرة:

منها: أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود و أمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم

يكن يثبت ذلك و لا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيه أمينا ... يمنعهم من التعدّي و الدخول فيما حظر عليهم، لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذّته و منفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الأحكام.

و منها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل بقوا و عاشوا إلّا بقيّم و رئيس، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه و لا قوام لهم إلّا به فيقاتلون به عدوّهم و يقسمون به فيئهم و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم.

و منها: أنّه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملّة و ذهب الدين و غيّرت

______________________________

(1)- المحكم و المتشابه/ 50؛ و بحار الأنوار 90/ 41 (طبعة ايران 93/ 41)، كتاب القرآن. و فيه «في أمر البقاء» بدل «فتمام أمر البقاء».

(2)- الكافي 1/ 200، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام ...؛ و رواه في تحف العقول/ 438.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 18

السنّة (السنن- العلل). و الأحكام و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبّهوا ذلك على المسلمين، لأنّا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف أهوائهم و تشتت أنحائهم (حالاتهم- العلل)، فلو لم يجعل لهم قيّما حافظا لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بيّنا و غيّرت الشرائع و السنن و الأحكام و الإيمان و كان في ذلك فساد الخلق أجمعين.» «1»

22-

و قد مرّ خبر حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللّه، و حلم يملك به غضبه، و حسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم.»

و في رواية أخرى: «حتّى يكون للرعية كالأب الرحيم.» «2»

فيجب أن يكون الوالي على الأمّة بمنزلة الأب الرحيم الذي قد أشرب في قلبه محبّة الأولاد و اللطف بهم فيجبر ضعفهم و نقصهم بقوّته و إمكاناته و لا يواجههم بالخشونة و الغضب.

23- و في خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ (كنبيّ خ. ل) أو وصيّ نبيّ.» «3»

فمن واجبات الإمام فصل الخصومات و رفع المنازعات الواقعة في الأمّة بالحق و العدالة مباشرة أو بالتسبيب.

24- و في كنز العمّال: «على الوالي خمس خصال: جمع الفي ء من حقّه، و وضعه في حقّه، و أن يستعين على أمورهم بخير من يعلم، و لا يجمّرهم فيهلكهم، و لا يؤخّر أمرهم لغد.» (و لا يؤخّر أمر يوم لغد خ. ل) (عق عن وائلة) «4».

قال في النهاية:

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا 2/ 100 (من نسخة مخطوطة مصححة)، الباب 34، الحديث 1؛ و علل الشرائع 1/ 95 (طبعة أخرى 1/ 253)، الباب 182، الحديث 9.

(2)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 8.

(3)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(4)- كنز العمال 6/ 47، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء، الفصل 3 في أحكام الإمارة، الحديث 14789.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 19

«تجمير الجيش: جمعهم في الثغور و حبسهم عن العود إلى أهلهم.» «1»

25- و قد مرّ روايات مستفيضة دالّة على أنّ الإمامة نظام الأمّة، و في بعضها:

«و مكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمّه، فإذا انقطع النظام تفرّق الخرز و ذهب ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبدا.» «2»

فعلى إمام المسلمين جمع أمرهم و توحيد كلمتهم و قطع جذور الاختلاف و التفرق عن مجتمعهم حتى يكونوا كيد واحدة على من سواهم و يكون ببركته «مثل المؤمنين في توادّهم و تعاطفهم و تراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شي ء تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمّى.» «3»

[الآيات و الروايات التي تعرّضت لتكليف المسلمين و إمامهم في السياسة الخارجيّة]

و هاهنا آيات و روايات كثيرة أيضا يستفاد منها تكليف المسلمين و إمامهم في السياسة الخارجيّة و في علاقاتهم مع سائر الأمم و المذاهب نذكر هنا بعضا منها و التفصيل يأتي في فصل مستقل، فانتظر.

26- قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا بِطٰانَةً مِنْ دُونِكُمْ، لٰا يَأْلُونَكُمْ خَبٰالًا. وَدُّوا مٰا عَنِتُّمْ. قَدْ بَدَتِ الْبَغْضٰاءُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ، وَ مٰا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ. قَدْ بَيَّنّٰا لَكُمُ الْآيٰاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.» «4»

27- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ.

وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسٰارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشىٰ أَنْ تُصِيبَنٰا دٰائِرَةٌ. فَعَسَى اللّٰهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نٰادِمِينَ.» «5»

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 1/ 292.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 442؛ عبده 2/ 39؛ لح/ 203، الخطبة 146.

(3)- مسند أحمد 4/ 270، عن رسول اللّه «ص».

(4)- سورة آل عمران

(3)، الآية 118.

(5)- سورة المائدة (5)، الآية 51 و 52.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 20

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الناهية عن موالاة الكفّار و موادّتهم.

28- و قال اللّه- تعالى-: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.» «1»

فالعلاقة الموجبة لسلطة الكفّار على المسلمين كما نشاهدها في أعصارنا منهيّ عنها جدّا، و قد أمر اللّه- تعالى- بالقتال و جهاد الكفّار و المنافقين و الغلظة عليهم و إعداد القوّة في قبالهم، كما نطقت بذلك الآيات و الروايات الكثيرة و قد مرّ بعضها في فصل الجهاد من هذا الكتاب، فراجع. هذا.

و في قبال جميع ذلك وردت أدلّة تدلّ على المهادنة و المعاملة معهم بالبرّ و القسط إذا لم يقاتلوا المسلمين في دينهم و لم يخرجوهم من ديارهم:

29- قال اللّه- تعالى-: «لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ قٰاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ وَ ظٰاهَرُوا عَلىٰ إِخْرٰاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ.» «2»

30- و قال بعد ما أمر بإعداد القوّة في قبال الكفّار: «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.» «3»

31- و قد وادع رسول اللّه «ص» أهل أيلة و كتب لهم: «بسم اللّه الرحمن الرحيم هذه أمنة من اللّه و محمّد النّبيّ رسول اللّه ليوحنّة بن روبة و أهل أيلة و لسفنهم و لسيارتهم و لبحرهم و لبرّهم. ذمّة اللّه و ذمّة محمد النّبيّ «ص» و لمن كان معهم من كلّ مارّ الناس من أهل الشام و اليمن

و أهل البحر ...» «4»

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(2)- سورة الممتحنة (60)، الآية 8 و 9.

(3)- سورة الانفال (8)، الآية 61.

(4)- الاموال لأبي عبيد/ 258.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 21

32- و في كتاب النبي «ص» لأهل نجران و هم نصارى: «و لنجران و حاشيتها جوار اللّه و ذمّة محمّد النبيّ رسول اللّه على أنفسهم و ملّتهم و أرضهم و أموالهم و غائبهم و شاهدهم و عيرهم و بعثهم و أمثلتهم، لا يغيّر ما كانوا عليه و لا يغيّر حقّ من حقوقهم و أمثلتهم، لا يفتن أسقف من أسقفيّته و لا راهب من رهبانيّته و لا واقه من وقاهيته على ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ...» «1»

قال في الأموال:

«الواقه: وليّ العهد بلغتهم.»

33- و في عهد طويل كتبه النبي «ص» لليهود حين ما قدم المدينة: «و إنّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين، لليهود دينهم، و للمسلمين دينهم، مواليهم و أنفسهم إلّا من ظلم و أثم ...» «2»

و سيأتي تفصيله.

إلى غير ذلك من المعاهدات الواقعة بين رسول اللّه «ص» و بين أهل الكتاب أو بين المشركين، و كذلك ما ورد من الروايات الكثيرة في حرمة أهل الذمّة و حفظ حقوقهم. فإنّه يستفاد من جميع ذلك أنّ الواجب على إمام المسلمين أن تكون علاقته مع سائر الأمم و المذاهب بالقسط و العدل و رعاية الحقوق من الطرفين؛ لا بأن يضيّع حقوقهم المدنيّة و الاجتماعيّة، و لا بأن يتخذوا بطانة و يجعل لهم سبيل و استيلاء على المسلمين في السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو نحو ذلك. هذا.

فهذه آيات و روايات كثيرة جمعناها هنا، يستفاد من جميعها سنخ تكاليف

الإمام و واجباته في نطاق الإسلام و في تجاه الأمّة.

[العناوين المتحصّلة من الآيات و الروايات في وظائف الحاكم الإسلاميّ]

و المتحصّل من جميعها مع التحفّظ على التعبيرات الواقعة فيها خمسة عشر عنوانا، و لعلّ بعضها متداخلة كما ترى و لكن نذكر الجميع حفظا للتعبيرات:

1- جمع أمر المسلمين و حفظ نظامهم، و منع الثغور و الأطراف، و الدفاع عنهم

______________________________

(1)- فتوح البلدان للبلاذري/ 76 و نحوه في الاموال لأبي عبيد/ 244.

(2)- سيرة ابن هشام 2/ 149.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 22

و قتال مقاتليهم و البغاة عليهم.

2- الإصلاح في البلاد و إيجاد الأمن فيها و في السبل.

3- أن يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم من الرسوم و القيود و العادات و التقاليد الباطلة.

4- أن يعلّمهم الكتاب و السنّة و حدود الإسلام و الإيمان، و يبيّن لهم الحلال و الحرام و ما ينفعهم و يضرّهم.

و يعمّم التعليم و التربية ببثّ المعلّمين فيهم و تأليف الناس جميعا ليرغبوا في تعلّم الدين و التفقّه فيه.

5- إقامة فرائض اللّه و شعائره من الصلاة و الحج و غيرهما، و تأديب الناس على الأخلاق الفاضلة.

6- إقامة السنّة و إماتة البدع، و الذبّ عن دين اللّه و حفظ الشرائع و السنن عن التغيير و التأويل و الزيادة و النقصان.

7- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمفهومهما الوسيع، أعني السعي في إشاعة المعروف و بسطه، و مكافحة أنواع المنكر و الظلم و الفساد.

8- منع الظلم و إحقاق حقوق الضعفاء من الأقوياء و إعمال الشدّة في قبال الظالمين.

9- القضاء بالعدل و إقامة حدود اللّه و أحكامه.

10- ردّ ما غصب من بيت المال و الأموال العامّة، و إجراء المساواة في حكم اللّه و ماله، و رفع التبعيضات الظالمة

التي توجب كظّة الظالمين و سغب المظلومين.

11- جباية الفي ء و الصدقات على نحو ما أمر اللّه به و توفيرها على مستحقّيها من الأشخاص و المصارف العامة.

12- تتابع الوعظ و التذكير و الإنذار و التبشير.

13- التمييز بين الأخيار من الناس و الأشرار منهم بإكرام الخير و الإحسان اليه، و تأنيب الشر و مجازاته.

14- إعمال الرفق و العفو في غير ترك الحقّ، فيكون للرعيّة كالوالد الرحيم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 23

15- حسن العلاقة مع سائر الأمم و المذاهب بالسلم و البرّ و القسط و حفظ الحقوق المتقابلة في النفوس و الملة و الأراضي و الأموال إذا لم يقاتلوا المسلمين و لم يخرجوهم من ديارهم، لا بأن يتّخذهم الوالي بطانة أو يجعل لهم سبيلا على المسلمين و شئونهم.

فهذه خمسة عشر عنوانا لما يجب على الحاكم الإسلامي بالأصالة، اقتبسناها ممّا ذكر من الآيات و الروايات. و لم نرد الاستقصاء فيها، بل ذكر نماذج.

و الجامع لجميع هذه العناوين هو الأمور المتعلّقة بمجتمع المسلمين بما هو مجتمع، أي بنحو العامّ المجموعي لا الاستغراقي، كحفظ نظامهم، و أمن بلادهم و سبلهم، و دفع الأعداء عنهم و إعداد القوى في قبالهم، و تعليمهم و هدايتهم، و إقامة السنة و إماتة البدع و إقامة فرائض اللّه و شعائره فيهم، و إجراء حدود اللّه و أحكامه، و فصل الخصومات بينهم، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و جباية الفي ء و الصدقات و حفظ الأنفال و الأموال العامّة و إيصالها إلى أهلها، و تنظيم علاقتهم مع سائر الأمم و نحو ذلك مما يتعلّق بالمجتمع بما هو مجتمع و لا يكون متعلّقا بشخص خاص.

و الخطابات الواردة في الكتاب و السنّة

في هذا السنخ من الأمور أيضا توجّهت إلى المجتمع كذلك لا بنحو العموم الاستغراقي.

و على هذا فيكون المتصدي لها من يتمثل فيه المجتمع، أعني الحاكم المنتخب من قبل اللّه- تعالى- أو من قبلهم. و لعلّ قول أمير المؤمنين «ع» على ما في نهج البلاغة: «إلّا أن أقيم حقّا أو أدفع باطلا» باختصاره و جامعيّته يعمّ جميع ما ذكرنا، و إن شئت فعبّر «حراسة الدين و سياسة الدنيا»، فتأمّل.

و أمّا تعيين السلطات الثلاث و رعاية المواصفات المعتبرة فيها و مراقبة أعمالها و بعث العيون عليها و نحو ذلك فليست هذه الأمور من أهداف الحكومة و واجباتها بالأصالة، بل هي من قبيل المقدمات الواقعة في طريق تحصيل الأهداف.

و إن شئت قلت: هي قوام الحكومة لا من أهدافها، و البحث فيها يأتي في الفصول الآتية. هذا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 24

و إذا كانت هذه برامج الحكومة الإسلامية و أهدافها و كان المسؤول المنفّذ لها هو الإمام المعصوم أو الفقيه العادل البصير بالأمور و الواجد لسائر ما ذكرناه من الشروط الثمانية فأيّ شي ء يوجب الوحشة و الفرار منها؟ و هل لا يكون المخالف لإقامتها من عملاء الاستعمار أو ممّن يريد الإقدام على الظلم أو على الفساد و الفحشاء و الفرار من حدود اللّه و أحكامه؟ هذا.

[هنا ظهر أمران]
اشارة

و بما ذكرناه من الآيات و الروايات المبيّنة لتكاليف الحاكم الإسلامي و واجباته يظهر لك أمران:

الأوّل: ان الإمام و الحاكم الإسلامي قائد و مرجع للشئون الدينيّة و السياسية معا،

و ليس الدين منفكا عن السياسة على ما ربّما يسمع من بعض نواعق الاستعمار و أبواقه.

و على التفكيك بينهما أيضا يكون بناء الكنيسة و عملها لما نسبوه إلى السيد المسيح «ع» من قوله: «أعطوا لقيصر ما لقيصر و ما للّه للّه.» «1»

نعم، ساحة الدين الحقّ بريئة من السياسة الحديثة المبنيّة على المكر و الشيطنة و الهضم للحقوق و البراعة في الكذب و الخداع.

و أمّا السياسة بمعنى حفظ نظام المسلمين و حقوقهم و سيادتهم و إصلاح شئونهم العامّة بشعبها المختلفة و الدفاع عنهم على أساس ما أنزل اللّه- تعالى- من الأحكام فهي داخلة في نسج الإسلام و نظامه، كما مرّ بالتفصيل في الباب الثالث من الكتاب.

______________________________

(1)- إنجيل مرقس، الباب 12، الرّقم 17؛ و إنجيل متى، الباب 22، الرّقم 21؛ و إنجيل لوقا، الباب 20، الرّقم 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 25

و من الأسف أنه قد يتفوّه بالانفكاك المذكور بعض البسطاء و المقلّدة من المسلمين أيضا ممّن لم يعرف الدين و لا السياسة.

و كيف كان فبالجمع بين الشؤون الدينيّة و السياسيّة في الروايات المذكورة يعرف أنّ إمام المسلمين هو المرجع لهم في دينهم و ثقافتهم و سياستهم و الدفاع عنهم، كما كان كذلك النبي «ص».

نعم، ليس معنى ذلك أنّ الإمام بنفسه يتصدّى لجميع الشؤون بالمباشرة. بل كلّما اتسع نطاق الملك و زادت التكاليف تكثّرت الدوائر و المؤسسات و الأجهزة، و توجد قهرا سلطات تشريعيّة و تنفيذيّة و قضائيّة على أساس الحاجة، و يحال كلّ أمر إلى مؤسّسة تناسبه. و لكنّ الإمام و الحاكم بمنزلة رأس

المخروط يحيط بجميعها و يشرف على الجميع إشرافا تامّا، فهو المسؤول و المكلّف كما يأتي بيان ذلك في بعض الفصول الآتية.

الأمر الثاني: انّ الحاكم إنّما يتصدّى و يتدخّل في الأمور العامّة الاجتماعية التي لا بدّ منها
اشارة

للمجتمع بما هو مجتمع، و لا ترتبط بشخص خاص حتى يكون هو المتصدّي لها.

و أمّا الأمور و الأحوال غير العامّة كالزراعة و الصناعة و التجارة و الأرزاق و المسكن و المصنع و اللباس و الزواج و التعليم و التعلّم و المسافرات و الاحتفالات و نحو ذلك من الأمور المتعلّقة بالأشخاص و العائلات فالناس في انتخابها و انتخاب أنواعها و كيفيّاتها أحرار، و لكلّ منهم أن يختار ما يريده و يهواه ما لم يكن فيه منع شرعي.

فمصالح الأفراد و المجتمعات تقضي بترك الأفراد أحرارا في نشاطاتهم، و يكتفى بمساعدتهم و مراقبتهم فحسب، إذ يساعد ذلك على الابتكار و كثرة الإنتاج و التقدّم،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 26

و التحديد يوجب أن يفقد الشخص اعتماده على النفس و أن لا يزدهر الاستعدادات في مجالات الحياة.

اللّهم إلّا إذا فرض شي ء منها في مورد خاص موجبا للإضرار بالمجتمع أو ببعض الأفراد؛ فللحاكم حينئذ تحديده في ذلك المورد بمقدار يدفع به الضرر.

و بالجملة، يجب أن يكون البناء في هذه الأمور و الأحوال الشخصيّة على الإطلاق و الحرّية إلّا في موارد الضرورة، لا على المنع و التحديد إلّا بإذن الحكومة.

نعم، يتوقع من الحكومة بل ربما يتعين عليها بالنسبة إلى هذه الأمور التخطيط الكلي و التعليم و الإرشاد و الهداية إلى أنواعها و طرق تحصيلها و بيان أنفعها و الأصلح منها، و الإعانة و إيجاد الإمكانات لها لدى الاحتياج، و المنع عمّا حرّمه اللّه- تعالى- من الربا و الاحتكار و التطفيف و الغشّ و الخيانة و

نحو ذلك. و أمّا الإجبار على بعض الأنواع و سلب الحرّيات فمخالف لطبع الأمّة و لمذاق الشرع إلّا مع الضرورة. هذا.

و لكنّك تشاهد أنّ أكثر الحكومات الدارجة في أعصارنا ربّما يتدخّلون في هذه الأمور و يحدّدون الاختيارات و الحريّات التي جعلها اللّه- تعالى- في طباع البشر.

و يوجب تدخّلهم ذلك:

أولا: كراهة الأمّة و بغضاءها في قبال الحكومة.

و ثانيا: كثرة العصيان و الهتك لها.

و ثالثا: احتياج الحكومة إلى استخدام موظّفين كثيرين للتدخّل و التحديد و المراقبة.

و رابعا: إلى وضع ضرائب كثيرة فوق طاقة الأشخاص لمصارف الموظّفين و أجهزتهم. فلا تنتج هذه التدخّلات إلّا البغضاء و التنافر و الخصام المتتابع بين الحكومة و بين الأمّة بلا ضرورة.

هذا مضافا إلى أنّ سلب الحرية في الأمور الإنتاجيّة و الصناعية و التحديد فيها كما أشرنا إليه يوجب قلّة الإنتاج جدّا، فإنّ العلاقة النفسية و الحرية الطبيعية أقوى باعث يحفز الإنسان إلى الصناعة و الإنتاج و تحمّل المشاقّ في سبيلهما.

و من الأسف أنّ أكثر هذه التحديدات و التدخّلات إنّما تقع في بعض البلاد

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 27

الإسلاميّة و الحكومات الدارجة فيها. و ربّما تقع بإلقاء شياطين الاستعمار و إيحائهم إلى عملائهم، أو بتقليد بعض البسطاء من الحكّام لبعض آخر. مع أنّك ترى أن رءوس الكفر و الاستعمار قد أطلقوا أممهم و تابعوا أهواءهم، فهل لا يكون هذا إلّا نحو مكر مكروه لعدم راحة الأمّة الإسلاميّة و عدم استقرار نظامهم و عدم ثبات دويلاتهم؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار! هذا.

و أسوأ من هذه التدخّلات و التحديدات مباشرة الدولة بنفسها للزراعة و التجارة و الصناعات؛ فقد عقد ابن خلدون في مقدّمته فصلا بديعا بعنوان أنّ التجارة من

السلطان مضرّة بالرعايا مفسدة للجباية.

و محصل كلامه:

«أنّ تصدي السلطان للتجارة و الفلاحة غلط عظيم، و إدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعدّدة، و منها أنّ له القدرة و المال الكثير فيجعل السوق تحت قبضته و اختياره، فلا يحصل أحد من التجار على غرضه في شي ء من حاجاته فيدخل على النفوس من ذلك غمّ و نكد، و يدخل به على الرعايا من العنت و المضايقة و فساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السعي و يؤدّي إلى فساد الجباية، فإنّه إذا انقبض الفلّاحون عن الفلاحة و قعد التجّار عن التجارة ذهبت الجباية جملة أو دخلها النقص المتفاحش. و إذا قايس السلطان بين ما يحصل له من الجباية و بين هذه الأرباح وجدها بالنسبة إلى الجباية أقلّ من القليل. ثمّ فيه التعرّض لأهل عمرانه و اختلال الدولة بفسادهم و نقصه، فإنّ الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة و التجارة نقصت و تلاشت بالنفقات، و كان فيها إتلاف أحوالهم.» «1»

هذا.

و لنذكر مثالين من تحديد النبي «ص» و تدخّله بما أنّه كان واليا و حاكما في هذا السنخ من الأمور مقتصرا على قدر الضرورة:

______________________________

(1)- مقدمة ابن خلدون/ 197، الفصل 41 من الفصل 3 من الكتاب الأوّل (طبعة أخرى/ 281، الفصل 40).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 28

[مثالين في تدخّل النبي «ص» بما أنّه كان واليا في الأمور الاجتماعية الصغيرة]
الأوّل:

ما رواه في الوسائل بسنده، عن علي بن أبي طالب «ع» أنّه رفع الحديث إلى رسول اللّه «ص» أنّه «ص» مرّ بالمحتكرين، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق و حيث تنظر الأبصار إليها. فقيل لرسول اللّه «ص»: لو قوّمت عليهم، فغضب رسول اللّه «ص» حتّى عرف الغضب في وجهه، فقال: أنا أقوّم عليهم؟! إنّما السعر إلى

اللّه؛ يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء.» «1»

و في رواية حذيفة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «نفد الطعام على عهد رسول اللّه «ص»، فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه، قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء إلّا عند فلان فمره ببيعه. قال: فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: يا فلان، إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفد إلّا شي ء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه.» «2»

فانظر انّه «ص» بمقتضى الضرورة ألزم البيع في مورد الاحتكار و لكنّه لم يسعّر، إذ لم تكن فيه ضرورة في ذلك العصر، فأحال ذلك إلى ما تقتضيه طبيعة العرض و الطلب. و يأتي منّا البحث في مسألة الاحتكار و التسعير في فصل مستقل، فانتظر.

الثاني:

ما رواه المشايخ الثلاثة بسند معتبر، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: «إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، و كان منزل الأنصاري بباب البستان فكان يمرّ به إلى نخلته و لا يستأذن. فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلمّا تأبّى

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 317، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 12/ 317، الباب 29 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 29

جاء الأنصاري إلى رسول اللّه «ص» فشكا إليه و خبّره الخبر، فأرسل إليه رسول اللّه «ص» و خبّره بقول الأنصاري و ما شكا و قال: إذا أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه، فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك (مذلّل- يب) في الجنة، فأبى أن يقبل.

فقال

رسول اللّه «ص» للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنّه لا ضرر و لا ضرار.» «1»

و في رواية أخرى لزرارة عنه «ع» نحوه، و فيه: «فقال له رسول اللّه «ص» خلّ عنه و لك مكانه عذق في مكان كذا و كذا. فقال: لا. قال: فلك اثنان. قال: لا أريد. فلم يزل يزيده حتّى بلغ عشرة أعذاق. فقال: لا. قال: فلك عشرة أعذاق في مكان كذا و كذا. فأبى. فقال:

خلّ عنه و لك مكانه عذق في الجنّة. قال: لا أريد. فقال له رسول اللّه «ص»: إنّك رجل مضارّ، و لا ضرر و لا ضرار على مؤمن. الحديث» «2»

و الظاهر أنّ المراد بالضرر هو النقص في المال أو في النفس، و الضرار أعمّ منه، فيشمل مطلق التضييق. أو انّ الضرر فعل الواحد، و الضرار فعل الاثنين كما في النهاية. «3» و قيل غير ذلك. و العذق كفلس: النخلة و بالكسر: العرجون بما فيه من الشماريخ.

و كيف كان فهو «ص» لم يأمر بقلع الشجرة في بادئ الأمر، بل أمر بالاستيذان، ثمّ ساومه حتّى بلغ به من الثمن عشرة أعذاق، فلمّا أبى ذلك و أبى العذق في الجنة أيضا و رأى منه اللجاجة اضطرّ إلى الحكم بقلع الشجرة لقلع جذر الفساد و قطع رجاء المفسد.

فإن قلت: لم لم يحكم هو «ص» بالبيع جبرا و قهرا عليه فإن الحاكم وليّ الممتنع؟

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.

(2)- الكافي 5/ 294، كتاب المعيشة، باب الضرار، الحديث 8.

(3)- النهاية لابن الأثير 3/ 81.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 30

قلت: يظهر من معاملة سمرة مع رسول اللّه «ص» و الأنصاري أنه لم يكن

يتعبّد بالبيع و رفع المزاحمة عن الأنصاري و إن حكم به النبي «ص» و دفع إليه الثمن، فتدبّر. هذا.

و في مسند أحمد بن حنبل روى بسنده عن عبادة بن الصامت، عن رسول اللّه «ص» حديثا طويلا يشتمل على قضايا كثيرة و فيه: «و قضى أن لا ضرر و لا ضرار.» «1»

و هل يراد بقوله: «لا ضرر» نفي الضرر ادعاء، يعني نفي الحكم الضرري، أو يكون نهيا إلهيّا نظير سائر النواهي الشرعية، أو يكون نهيا ولائيا من قبل النبيّ الأكرم «ص» كما ربّما يشهد بذلك التعبير بالقضاء منه «ص»، فيكون نظير سائر النواهي الصادرة في مقام إعمال الولاية؟ وجوه. و للبحث فيه محل آخر.

و كيف كان فالأحكام الولائية الصادرة عن اضطرار إنّما تتقدّر بقدر الاضطرار و الضرورة.

______________________________

(1)- مسند أحمد 5/ 327.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 31

الفصل الثاني في الشورى

اشارة

و فيها جهات من البحث:

1- اهتمام الإسلام بالاستشارة:
[التشاور و القرآن]

لا يخفى أنّ بناء الحكم الإسلامي على إعمال التشاور و تبادل الآراء في الأمور، و الاجتناب عن الاستبداد و الديكتاتورية.

و الإسلام- على ما يظنّ- أوّل نظام قانوني حثّ على الشورى في مجال الحكم و تدبير الأمور، حينما كان العصر عصر الحكومات الاستعبادية الديكتاتورية.

فترى في القرآن الكريم سورة باسم الشورى عدّ فيها التشاور في الأمور في عداد الفرائض و الخلقيات المرغّب فيها، فقال- تعالى-: «وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ، وَ إِذٰا مٰا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ* وَ الَّذِينَ اسْتَجٰابُوا لِرَبِّهِمْ، وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ، وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ، وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ.» «1»

______________________________

(1)- سورة الشورى (42)، الآية 37 و 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 32

و قد بلغت الشورى من الأهميّة بحيث أمر اللّه- تعالى- نبيّه الأكرم «ص» مع عصمته و اتّصاله بمنبع الوحي أن يشاور أصحابه و يحصّل آراءهم، و استمرت سيرته «ص» على ذلك و إن كان العزم و القرار النهائي له «ص».

فقال- تبارك و تعالى-: «وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.» «1»

و لفظ الأمر و إن كان بحسب اللغة و المفهوم يعمّ جميع الشؤون الفردية و الاجتماعيّة من السياسة و الاقتصاد و الثقافة و الدفاع، و تحسن المشاورة أيضا في جميع ذلك حتى في الشؤون الفرديّة المهمة، و لكن المتبادر منه و المتيقّن هو الحكومة و الإمارة بشعبها التي من أهمّها مسألة الحرب و الدفاع، كما يشهد بذلك ما عن رسول اللّه «ص»: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة.» «2» و ما عن أمير المؤمنين «ع»: «فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة. الحديث.» «3» و ما عن

الإمام المجتبى «ع» في كتابه إلى معاوية: «ولّاني المسلمون الأمر بعده.» «4» إلى غير ذلك من موارد استعمال كلمة الأمر.

و وقوع قوله- تعالى-: «و شاورهم في الأمر» في سياق الآيات الحاكية عن غزوة أحد لا يدلّ على اختصاص الكلمة بالحرب و الأمور الدفاعية، و لا على اختصاص مشاورة النبي «ص» بها، و إن كانت الحرب بنفسها من أهمّ شئون الحكومة و من أحوجها إلى التشاور. هذا.

و ينبغي أن يزداد إعجابنا بهذا الدستور القرآني إذا مثّلنا لعقولنا الوضع الحاكم في تلك الأعصار في الحكومات الدارجة، حيث لم يكن لعامّة الناس وعي سياسي يحفزهم إلى التدخل في الأمور و مطالبته، و كان للحكّام عند أكثرهم قداسة ذاتية تقربهم من الآلهة و تفرض التسليم لهم بلا نقد و اعتراض، و المسلمون كانوا خاضعين لرسول اللّه «ص» لا يتوقّعون منه «ص» تشريكهم في الأمر و الحكم؛ ففي هذا الظرف

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 159.

(2)- صحيح البخاري 3/ 91، كتاب المغازي، باب كتاب النبي «ص» إلى كسرى و قيصر.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 31؛ لح/ 49، الخطبة 3.

(4)- مقاتل الطالبيين/ 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 33

تشاهد القرآن الكريم يؤكّد على مشاورة النبي «ص» المسلمين و على مشاورة بعضهم بعضا لتصير الشورى أساسا خالدا في الشريعة الإسلامية.

و السرّ في ذلك أنّ الشورى توجب تبادل الأفكار و تلاقحها و اتضاح الأمر و اطمينان الخاطر بعدم الاشتباه و الخطأ.

ففي الأمور المهمّة نظير تدبير أمور الأمّة و مسائل الحرب و الدفاع و نحوها لا محيص عنها و لعلّ تركها يكون ظلما على المجتمع و الأمّة.

نعم، تعيين شخص الإمام إن وقع من قبل اللّه- تعالى-

أو من قبل الرسول الأكرم أو الإمام المعصوم فلا يبقى معه مجال للشورى في أصله، فإنّ أمر اللّه حاكم على كلّ شي ء و قد مرّ بالتفصيل، فراجع. هذا.

و أمّا الأخبار الواردة في الحثّ على الشورى و الاهتمام بها

ففي غاية الكثرة من طرق الفريقين، فلنذكر بعضها:

1- ما رواه في العيون عن الرضا «ع» بإسناده عن النبي «ص»، قال: من جاءكم يريد أن يفرّق الجماعة و يغصب الأمّة أمرها و يتولّى من غير مشورة فاقتلوه، فإن اللّه قد أذن ذلك.» «1»

يظهر من الحديث الاهتمام بالمشورة في التصدّي لأصل الولاية أو في اعمالها، و لعلّ الثاني أظهر.

هذا و لكن الظاهر أنّ جواز القتل يرتبط بتفريق الجماعة و غصب أمر الأمّة، لا بترك المشورة فقط، فتدبّر.

2- ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا كانت أمراؤكم خياركم و أغنياؤكم سمحاءكم و أموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها ...» «2» و رواه في تحف العقول أيضا عن النبي «ص» «3».

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا 2/ 62، الباب 31، الحديث 254.

(2)- سنن الترمذي 3/ 361، أبواب الفتن، الباب 64، الحديث 2368.

(3)- تحف العقول/ 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 34

3- ما رواه في البحار عن الخصال، عن الصادق «ع»، قال: «لا يطمعنّ القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة.» «1»

4- ما رواه في الوسائل عن أبي هريرة، قال: سمعت أبا القاسم «ع» يقول:

«استرشدوا العاقل و لا تعصوه فتندموا.» «2»

5- و فيه أيضا عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: فيما أوصى به رسول اللّه «ص» عليا «ع» قال: «لا مظاهرة أوثق من المشاورة، و لا عقل كالتدبير.» «3»

أقول: التدبير: ملاحظة دبر الشي ء و عاقبته.

6- و فيه أيضا عن جعفر بن

محمد، عن أبيه «ع»، قال: «قيل: يا رسول اللّه، ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي و اتباعهم.» «4»

7- و فيه أيضا عن معمر بن خلاد، قال: هلك مولى لأبي الحسن الرضا «ع» يقال له: سعد، فقال له: أشر عليّ برجل له فضل و أمانة، فقلت: أنا أشير عليك؟ فقال شبه المغضب: «إنّ رسول اللّه «ص» كان يستشير أصحابه ثمّ يعزم على ما يريد.» «5»

يظهر من الحديث أنّ الاستشارة كانت من سيرة النبي «ص» و كان يداوم عليها.

8- و في نهج البلاغة: «لا مظاهرة أوثق من المشاورة.» «6»

9- و فيه أيضا: «من استبدّ برأيه هلك، و من شاور الرجال شاركها في عقولها.» «7»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 72/ 98 (طبعة ايران 75/ 98)، كتاب العشرة، الباب 48، الحديث 2.

(2)- الوسائل 8/ 409، الباب 9 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 8/ 424، الباب 21 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 8/ 424، الباب 21 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 1.

(5)- الوسائل 8/ 428، الباب 24 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 1.

(6)- نهج البلاغة، فيض/ 1139؛ عبده 3/ 177؛ لح/ 488، الحكمة 113.

(7)- نهج البلاغة، فيض/ 1165؛ عبده 3/ 192؛ لح/ 500، الحكمة 161.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 35

10- و فيه أيضا: «و الاستشارة عين الهداية، و قد خاطر من استغنى برأيه.» «1»

11- و فيه أيضا: «من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ.» «2»

12- و فيه أيضا: «فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، و لا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي، و لا التماس إعظام لنفسي،

فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل، فإنّي لست بفوق أن أخطئ و لا آمن ذلك من فعلي إلّا أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي.» «3»

فليتنبّه شيعة أمير المؤمنين المدّعون للاقتداء به، و ليتدبّروا في هذه الكلمات الصادرة عن باب علم النبي «ص» و أخيه و وزيره، و لا يستنكفوا عن المشاورة و لا يستثقلوا عن الحقّ الذي ربّما يقال لهم، حتّى ممّن هو دونهم بحسب العناوين الرسميّة الاعتباريّة.

13- فروى الحسن بن جهم، قال: «كنّا عند أبي الحسن الرضا «ع» فذكر أباه «ع» فقال: كان عقله لا توازن به العقول و ربّما شاور الأسود من سودانه. فقيل له تشاور مثل هذا؟ فقال: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- ربّما فتح على لسانه. قال: فكانوا ربّما أشاروا عليه بالشي ء فيعمل به من الضيعة و البستان.» «4»

14- و في آخر الفقيه في وصية أمير المؤمنين «ع» لابنه محمد بن الحنفية: «اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض ثم اختر أقربها إلى الصواب و أبعدها من الارتياب.» (إلى أن قال): «قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه و من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ.» «5»

______________________________

(1)- نهج البلاغة/ فيض/ 1181؛ عبده 3/ 200؛ لح/ 506، الحكمة 211.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1169؛ عبده 3/ 193؛ لح/ 501، الحكمة 173.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 686؛ عبده 2/ 226؛ لح/ 335، الحكمة 216.

(4)- الوسائل 8/ 428، الباب 24 من ابواب احكام العشرة، الحديث 3.

(5)- الفقيه 4/ 385 و 388، باب النوادر، الحديث 5834.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 36

15- و في الغرر و الدرر للآمدي عن أمير المؤمنين «ع»: «أفضل الناس رأيا من لا يستغني عن رأي مشير.» «1»

16- و فيه أيضا: «إنّما حضّ على المشاورة لأنّ رأي المشير صرف و رأي المستشير مشوب بالهوى.» «2»

17- و فيه أيضا: «حقّ على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء و يضمّ إلى علمه علوم الحكماء.» «3»

18- و فيه أيضا: «من لزم المشاورة لم يعدم عند الصواب مادحا و عند الخطأ عاذرا.» «4»

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب.

و قال قائل في هذا الشأن:

اقرن برأيك رأي غيرك و استشر فالحق لا يخفى على الاثنين للمرإ مرآة تريه وجهه و يرى قفاه بجمع مرآتين

و قال آخر:

شاور سواك إذا نابتك نائبة يوما و إن كنت من أهل المشورات فالعين تنظر منها ما دنا و نأى و لا ترى نفسها إلّا بمرآة

هذا.

و الظاهر أنّ عمدة مشاورة النبي الأكرم «ص» كانت مع وجوه القبائل لجلب أنظارهم و إعطاء الشخصيّة لهم و إظهار الاعتماد عليهم، و لا محالة كانت نفس هذا العمل من أقوى العوامل المؤثّرة في قوّة عزمهم و تحرّكهم و متابعتهم في جميع المراحل.

و أمّا غيره «ص» من الحكّام غير المعصومين فاللازم أن يكون لهم مشاورون

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 2/ 429، الحديث 3152.

(2)- الغرر و الدرر 3/ 92، الحديث 3908.

(3)- الغرر و الدرر 3/ 408، الحديث 4920.

(4)- الغرر و الدرر 5/ 406، الحديث 8956.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 37

أخصّائيون في الأمور العامّة المهمّة من السياسة و الاقتصاد و الثقافة و الدفاع، فيطرح لهم المسائل و يطلب منهم تبادل الآراء و استحصال الفكر الصحيح في كل مسألة

و تنظيم البرامج و الخطوط الكليّة لإدارة النفوس و البلاد.

و ليحذر الحاكم من الإعجاب بالنفس و بأفكار نفسه، بل يستمع الآراء المختلفة و يقلّب وجوه الرأي، و بعد التأمّل و التعمّق فيها يختار ما هو الأصلح في مجالات الحكم، و لا يتبادر إلى التصميم و القرار قبل المشاورة و تبادل الأفكار و تلاقحها، فإنّ الجواد قد يكبو و الصارم قد ينبو، و ضرر الخطأ و الاشتباه من العظيم عظيم.

نعم، لما كان المسؤول و المكلّف هو الحاكم فالملاك بعد المشاورة و استماع الأنظار المختلفة هو تشخيص نفسه، و لا يتعيّن عليه متابعة الأكثريّة، و لا يلزم من ذلك كون الشورى بلا فائدة، إذ يترتّب عليها مضافا إلى جلب أنظار المشاورين و إعطاء الشخصيّة لهم نضج الفكر و الاطلاع على جوانب الأمر و عواقبه حتّى يختار ما هو الأصلح بعد التأمّل في الأنظار المختلفة و المقايسة بينها.

و في نهج البلاغة: «و قال- عليه السلام- لعبد اللّه بن العباس و قد أشار عليه في شي ء لم يوافق رأيه: لك أن تشير عليّ و أرى، فإن عصيتك فأطعني.» «1»

و بالجملة فالإمام أو الأمير المسؤول هو الذي يختار و يعزم بعد إنضاج الفكر بالمشاورة.

و اعتبار الأكثريّة إنّما يكون فيما إذا كان المسؤول هو الأمّة أو أهل الحلّ و العقد، كما في انتخاب الإمام أو الممثّلين، و كما في التقنين في مجلس الشورى؛ ففي هذه الموارد يكون الملاك آراء الجميع أو الأكثريّة، كما لا يخفى.

و أمّا جعل الإمامة و الولاية للشورى لا للشخص- كما قد يتلقّى بألسنة بعض المتثقّفين و كنت أنا أيضا في مجلس الخبراء مدافعا عن هذه الفكرة- فالظاهر أنّه مخالف لسيرة العقلاء و المتشرعة، و ليس أمرا صالحا

لإدارة البلاد و العباد و لا سيّما في

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1239؛ عبده 3/ 230؛ لح/ 531، الحكمة 321.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 38

المواقع الحسّاسة الخطيرة، حيث يتوقّف مضيّ الأمور فيها على وحدة مركز القرار و التصميم.

و عن أمير المؤمنين «ع»: «الشركة في الملك تؤدي إلى الاضطراب.» «1»

و اللّه- تعالى- خاطب نبيّه «ص» فقال: «وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ.» فجعل العزم و القرار في النهاية لشخص النبي الأكرم «ص» فتأمّل.

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 2/ 86، الحديث 1941.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 39

2- مواصفات من يستشار

1- معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «استشر في أمرك الذين يخشون ربهم.» «1»

2- الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال علي «ع»: «شاور في حديثك الذين يخافون اللّه.» «2»

3- سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «استشر العاقل من الرجال الورع، فإنّه لا يأمر إلّا بخير، و إيّاك و الخلاف، فإنّ مخالفة الورع العاقل مفسدة في الدين و الدنيا.» «3»

4- منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «مشاورة العاقل الناصح رشد و يمن و توفيق من اللّه، فإذا أشار عليك الناصح العاقل فإيّاك و الخلاف، فإنّ في ذلك العطب.» «4»

5- المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «ما يمنع أحدكم إذا ورد عليه ما لا قبل له به أن يستشير رجلا عاقلا له دين و ورع، ثمّ قال أبو عبد اللّه «ع»: أما إنّه إذا فعل ذلك لم يخذله اللّه بل يرفعه اللّه و رماه بخير الأمور و

أقربها إلى اللّه.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 426، الباب 22 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 8/ 426، الباب 22 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 8/ 426، الباب 22 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 5.

(4)- الوسائل 8/ 426، الباب 22 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 6.

(5)- الوسائل 8/ 426، الباب 22 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 40

6- الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال: إنّ المشورة لا تكون إلّا بحدودها، فمن عرفها بحدودها و إلّا كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها له، فأوّلها أن يكون الذي تشاوره عاقلا، و الثانية أن يكون حرّا متديّنا، و الثالثة أن يكون صديقا مؤاخيا، و الرابعة أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثمّ يسرّ ذلك و يكتمه. فإنّه إذا كان عاقلا انتفعت بمشورته، و إذا كان حرّا متديّنا أجهد نفسه في النصيحة لك، و إذا كان صديقا مؤاخيا كتم سرّك إذا اطلعته عليه، و إذا اطلعته على سرّك فكان علمه به كعلمك به تمّت المشورة و كملت النصيحة.» «1»

و قد نقلنا هذه الأخبار الستة من الوسائل.

7- و في الغرر و الدرر: «أفضل من شاورت ذو التجارب، و شرّ من قارنت ذو المعايب.» «2»

8- و فيه أيضا: «جهل المشير هلاك المستشير.» «3»

9- و فيه أيضا: «خير من شاورت ذووا النهى و العلم و أولوا التجارب و الحزم.» «4»

10- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك الاشتر: «و لا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزيّن لك الشره

بالجور؛ فإنّ البخل و الجبن و الحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظنّ باللّه.» «5»

11- الحسن بن راشد، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «يا حسن، إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف، و لكن اذكرها لبعض إخوانك، فإنّك لن تعدم خصلة من خصال أربع: إمّا كفاية بمال، و إمّا معونة بجاه، أو دعوة تستجاب، أو مشورة برأي.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 426، الباب 22 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 8.

(2)- الغرر و الدرر 2/ 456، الحديث 3279.

(3)- الغرر و الدرر 3/ 367، الحديث 4767.

(4)- الغرر و الدرر 3/ 428، الحديث 4990.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 998؛ عبده 3/ 97؛ لح/ 430، الكتاب 53.

(6)- الوسائل 2/ 631، الباب 6 من أبواب الاحتضار، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 41

12- و في البحار عن العلل بسنده عن عمّار الساباطي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «يا عمّار، إن كنت تحبّ أن تستتبّ لك النعمة و تكمل لك المروّة و تصلح لك المعيشة فلا تستشر العبد و السفلة في أمرك؛ فإنّك إن ائتمنتهم خانوك، و إن حدّثوك كذبوك، و إن نكبت خذلوك، و إن و عدوك موعدا لم يصدقوك.» «1»

13- و قد مرّ في حديث وصايا النبي «ص» لعليّ: «يا عليّ ليس على النساء جمعة و لا جماعة ... و لا تستشار.» «2»

14- و مرّ عن نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين «ع» إلى ابنه الحسن «ع»:

«إيّاك و مشاورة النساء، فإنّ رأيهنّ إلى أفن و عزمهنّ إلى وهن.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 72/ 99 (طبعة ايران 75/ 99)، كتاب العشرة، الباب 48، الحديث 9.

(2)- الفقيه 4/

364، باب النوادر، الحديث 5762.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 938؛ عبده 3/ 63؛ لح/ 405، الكتاب 31.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 42

3- حقّ المستشير على المشير و بالعكس

1- تحف العقول في رسالة الحقوق المروية عن علي بن الحسين «ع»: «و أمّا حقّ المستشير فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة و أشرت عليه بما تعلم أنّك لو كنت مكانه عملت به. و ذلك ليكن منك في رحمة و لين، فإنّ اللين يؤنس الوحشة، و إنّ الغلظ يوحش موضع الأنس. و إن لم يحضرك له رأي و عرفت له من تثق برأيه و ترضى به لنفسك دللته عليه و أرشدته اليه، فكنت لم تأله خيرا و لم تدّخره نصحا، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.

و أمّا حقّ المشير عليك فلا تتهمه فيما لا يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك. فإنّما هي الآراء و تصرّف الناس فيها و اختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتّهمت رأيه، فأمّا تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممّن يستحقّ المشاورة. و لا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه و حسن وجه مشورته، فإذا وافقك حمدت اللّه و قبلت ذلك من أخيك بالشكر و الإرصاد بالمكافأة في مثلها إن فزع إليك، و لا قوّة إلّا باللّه.» «1»

2- و في سنن أبي داود بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«المستشار مؤتمن.» «2»

و مثله في سنن ابن ماجة عن أبي هريرة، و كذا عن أبي مسعود عنه «ص». و في سفينة البحار عن أمير المؤمنين «ع» «3».

3- و في سفينة البحار للمحدث القمي عن أبي عبد اللّه «ع»: «من استشار أخاه

______________________________

(1)-

تحف العقول/ 269.

(2)- سنن أبي داود 2/ 626، كتاب الادب، باب في المشورة.

(3)- سنن ابن ماجة 2/ 1233، كتاب الأدب، الباب 37، الحديث 3745 و 3746؛ و سفينة البحار 1/ 718.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 43

فلم يمحضه محض الرأي سلبه اللّه- عزّ و جلّ- رأيه.» و رواه في الوسائل إلّا أنّه قال:

«فلم ينصحه محض الرأي.» «1»

4- و في الغرر و الدرر: «ظلم المستشير ظلم و خيانة.» «2»

5- و فيه أيضا: «على المشير الاجتهاد في الرأي و ليس عليه ضمان النجح.» «3»

6- و فيه أيضا: «من غشّ مستشيره سلب تدبيره.» «4»

______________________________

(1)- سفينة البحار 1/ 718، باب الشين بعده الواو؛ و الوسائل 8/ 427، الباب 23 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 2.

(2)- الغرر و الدرر 4/ 272، الحديث 6037.

(3)- الغرر و الدرر 4/ 316، الحديث 6194.

(4)- الغرر و الدرر 5/ 217، الحديث 8055.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 44

4- ذكر بعض موارد استشارة النبي «ص» تتميما للفائدة
الأوّل في غزوة البدر:

ففي كتاب المغازي للواقدي:

«قالوا: و مضى رسول اللّه «ص» حتّى إذا كان دوين بدر أتاه الخبر بمسير قريش، فأخبرهم رسول اللّه «ص» بمسيرهم و استشار رسول اللّه «ص» الناس، فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثمّ قام عمر فقال فأحسن، ثمّ قال: يا رسول اللّه، إنّها و اللّه قريش و عزّها، و اللّه ما ذلّت منذ عزّت، و اللّه ما آمنت منذ كفرت، و اللّه لا تسلم عزّها أبدا، و لتقاتلنّك، فاتّهب لذلك اهبته و أعدّ لذلك عدّته. ثمّ قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول اللّه، امض لأمر اللّه؛ فنحن معك. و اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيّها: «فاذهب أنت و ربّك فقاتلا، إنّا

هاهنا قاعدون.» «1» و لكن اذهب أنت و ربّك فقاتلا، إنّا معكما مقاتلون. و الذي بعثك بالحقّ لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك- و برك الغماد من وراء مكّة بخمس ليال من وراء الساحل ممّا يلي البحر و هو على ثمان ليال من مكّة إلى اليمن- فقال له رسول اللّه خيرا و دعا له بخير. ثمّ قال رسول اللّه «ص»: أشيروا عليّ أيّها الناس! و إنّما يريد رسول اللّه «ص» الأنصار. و كان يظن أنّ الأنصار لا تنصره إلّا في الدار، و ذلك أنّهم شرطوا له أن يمنعوه ممّا يمنعون منه أنفسهم و أولادهم. فقال رسول اللّه «ص»: أشيروا عليّ. فقام سعد بن معاذ فقال: أنا أجيب عن الأنصار،

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 24.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 45

كأنّك يا رسول اللّه تريدنا. قال: أجل. قال: إنّك عسى أن تكون خرجت عن أمر قد أوحي إليك في غيره، و إنا قد آمنّا بك و صدقناك، و شهدنا أنّ كلّ ما جئت به حقّ و أعطيناك مواثيقنا و عهودنا على السمع و الطاعة، فامض يا نبيّ اللّه، فو الذي بعثك بالحقّ لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل، وصل من شئت، و اقطع من شئت، و خذ من أموالنا ما شئت، و ما أخذت من أموالنا أحبّ إلينا ممّا تركت. و الذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قطّ، و مالي بها من علم، و ما نكره أن يلقانا عدوّنا غدا، إنّا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعلّ اللّه يريك منّا ما تقرّ به عينك ... قالوا فلمّا فرغ سعد من المشورة قال

رسول اللّه «ص»: سيروا على بركة اللّه، فإنّ اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين، و اللّه لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم. قال: و أرانا رسول اللّه «ص» مصارعهم يومئذ.» «1»

و روى نحوه علي بن إبراهيم في تفسيره في تفسير سورة الأنفال «2».

و في مسند أحمد:

«استشار رسول اللّه «ص» الناس في الأسارى يوم بدر.» «3»

الثاني في غزوة أحد:

ففي سيرة ابن هشام:

«قال رسول اللّه «ص» للمسلمين: إني قد رأيت و اللّه خيرا؛ رأيت بقرا، و رأيت في ذباب سيفي ثلما، و رأيت انّي أدخلت يدي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة ... فإن رأيتم

______________________________

(1)- المغازي 1/ 48.

(2)- تفسير علي بن إبراهيم/ 238.

(3)- مسند أحمد 3/ 243.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 46

أن تقيموا بالمدينة و تدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا بشرّ مقام، و إن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها. و كان رأي عبد اللّه بن أبيّ بن سلول مع رأي رسول اللّه «ص»؛ يرى رأيه في ذلك و ألّا يخرج إليهم، و كان رسول اللّه «ص» يكره الخروج.

فقال رجال من المسلمين ممّن أكرم اللّه بالشهادة يوم أحد و غيره ممّن كان فاته بدر: يا رسول اللّه، اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنّا جبنّا عنهم و ضعفنا.

فقال عبد اللّه بن أبيّ بن سلول: يا رسول اللّه، أقم بالمدينة لا تخرج إليهم؛ فو اللّه ما خرجنا منها إلى عدوّ لنا قطّ إلّا أصاب منا و لا دخلها علينا إلّا أصبنا منه ...

فلم يزل الناس برسول اللّه «ص» الذين كان من أمرهم حبّ لقاء القوم حتّى دخل رسول اللّه «ص» بيته فلبس لأمته ... ثمّ خرج عليهم و قد ندم الناس، و قالوا:

استكرهنا رسول اللّه «ص» و

لم يكن لنا ذلك. فلمّا خرج عليهم رسول اللّه «ص» قالوا: يا رسول اللّه، استكرهناك و لم يكن ذلك لنا، فإن شئت فاقعد، صلى اللّه عليك. فقال رسول اللّه «ص»: ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتّى يقاتل.

فخرج رسول اللّه «ص» في ألف من أصحابه.» «1»

و في المغازي بعد نقل رؤيا النبيّ:

«و قال النبي «ص»: أشيروا عليّ. و رأى رسول اللّه «ص» ألّا يخرج من المدينة لهذه الرؤيا.» ثمّ ذكر القصّة بالتفصيل، فراجع «2».

فهو «ص» مع ما كان يرى من عدم الخروج من المدينة لمّا رأى إصرار أكثر أصحابه على الخروج و حرصهم على الشهادة في سبيل اللّه ترك رأي نفسه و تابع رأيهم، حرصا على حفظ حرمتهم و إبقاء لروح الإيثار و الشجاعة المحياة في نفوسهم.

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 3/ 66.

(2)- المغازي للواقدي 1/ 209.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 47

الثالث في غزوة الأحزاب (الخندق):

ففي المغازي:

«ندب رسول اللّه «ص» الناس و أخبرهم خبر عدوّهم، و شاورهم في أمرهم بالجدّ و الجهاد، و وعدهم النصر إن هم صبروا و اتّقوا، و أمرهم بطاعة اللّه و طاعة رسوله، و شاورهم رسول اللّه «ص». و كان رسول اللّه «ص» يكثر مشاورتهم في الحرب، فقال: أ نبرز لهم من المدينة، أم نكون فيها و نخندقها علينا، أم نكون قريبا و نجعل ظهورنا إلى هذا الجبل؟ فاختلفوا؛ فقالت طائفة: نكون مما يلي بعاث إلى ثنيّة الوداع، إلى الجرف، فقال قائل: ندع المدينة خلوفا، فقال سلمان يا رسول اللّه، إنا إذ كنّا بأرض فارس و تخوفنا الخيل خندقنا علينا، فهل لك يا رسول اللّه أن نخندق؟

فأعجب رأي سلمان المسلمين و ذكروا حين دعاهم النبي «ص» يوم

أحد أن يقيموا و لا يخرجوا، فكره المسلمون الخروج و أحبّوا الثبات في المدينة.» «1»

الرابع في غزوة الأحزاب أيضا:

حينما اشتدّ الأمر على رسول اللّه «ص» و أصحابه:

ففي المغازي أيضا ما ملخّصه:

«حصر رسول اللّه «ص» و أصحابه بضع عشرة حتّى خلص إلى كلّ امرئ منهم الكرب، فأرسل رسول اللّه «ص» إلى عيينة بن حصن و إلى الحارث بن عوف و قال لهما: أ رأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم و تخذّلان بين الأعراب؟

______________________________

(1)- المغازي للواقدي 1/ 444، (الجزء الثاني).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 48

قالا: تعطينا نصف تمر المدينة، فأبى رسول اللّه «ص» أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك.

و جاءا في عشرة من قومهما حين تقارب الأمر، فجاءوا و قد أحضر رسول اللّه «ص» أصحابه، و أحضر الصحيفة و الدواة.

فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول اللّه «ص» فقال: يا رسول اللّه، إن كان أمرا من السماء فامض له، و إن كان غير ذلك فو اللّه لا نعطيهم إلّا السيف، متى طمعوا بهذا منّا؟

فأسكت رسول اللّه «ص» و دعا سعد بن معاذ و سعد بن عبادة، فاستشارهما في ذلك و هو متكئ عليهما و القوم جلوس، فتكلم بكلام يخفيه، و أخبرهما بما قد أراد من الصلح.

فقالا: إن كان أمرا من السماء فامض له، و إن كان أمرا لم تؤمر فيه و لك فيه هوى فامض لما كان لك فيه هوى، فسمعا و طاعة، و إن كان إنّما هو الرأي فما لهم عندنا إلّا السيف، و أخذ سعد بن معاذ الكتاب.

فقال رسول اللّه «ص»: إنّي رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة فقلت: أرضيهم و لا أقاتلهم.

فقالا: يا رسول اللّه، إن كانوا ليأكلون

العلهز في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منّا قط أن يأخذوا تمرة إلّا بشرى أو قرى! فحين أتانا اللّه- تعالى- بك، و أكرمنا بك، و هدانا بك نعطى الدنيّة! لا نعطيهم أبدا إلّا السيف.

فقال رسول اللّه «ص»: شقّ الكتاب. فتفل سعد فيه ثم شقّه، و قال: بيننا السيف.» «1»

و في النهاية:

«العلهز: هو شي ء يتّخذونه في سني المجاعة، يخلطون الدم بأوبار الإبل ثمّ يشوونه بالنار و يأكلونه، و قيل: كانوا يخلطون فيه القردان.» «2»

______________________________

(1)- المغازي للواقدي 1/ 477، (الجزء الثاني).

(2)- النهاية لابن الأثير 3/ 293.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 49

أقول: الظاهر أنّ ما كان منه «ص» أوّلا مع عيينة و الحارث لم يكن إلّا مجرد المقاولة و المفاوضة، و لم يكن غرضه «ص» إلّا حفظ كيان الأنصار و حقن دمائهم، فلمّا رأى قوّتهم و شدّة بأسهم أحال الأمر إليهم. فهو «ص» لم يخلف وعدا جازما و لا أقدم على ما لا يصحّ، بل أخذ بعد المشاورة بما ظهر كونه أصلح.

و كيف كان فالظاهر كما مرّ أنّ عمدة مشاورة النبي «ص» كانت مع وجوه القبائل لجلب أنظارهم و إظهار الاعتماد عليهم، تقوية لعزمهم و تحرّكهم، و إلّا فهو «ص» كان متّصلا بمنبع الوحي و كان الحقّ واضحا له. فما كان استشارته «ص» أمّته إلّا وزان استشارة اللّه إيّاه: ففي مسند أحمد، عن حذيفة، عنه «ص» أنّه قال: «إنّ ربّي- تبارك و تعالى- استشارني في أمّتي ما ذا أفعل بهم؟ فقلت:

ما شئت أي ربّ، هم خلقك و عبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له كذلك، فقال: لا أحزنك في أمّتك. الحديث.» «1»

الخامس في قصة الحديبية:

ففي سنن البيهقي بسنده عن المسوّر بن مخرمة و مروان بن

الحكم، قالا:

خرج رسول اللّه «ص» زمن الحديبية في بضع عشرة مأئة من أصحابه، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول اللّه «ص» الهدي و أشعره و أحرم بالعمرة، و بعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش.

و سار رسول اللّه «ص» حتّى إذا كان بوادي الأشطاط قريب من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال: إني تركت كعب بن لؤي و عامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش و جمعوا لك جموعا و هم مقاتلوك و صادّوك عن البيت.

______________________________

(1)- مسند أحمد 5/ 393.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 50

فقال النبي «ص»: أشيروا عليّ، أ ترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين و إن نجوا تكن عنقا قطعها اللّه، أو ترون أن نؤمّ البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه؟

فقال أبو بكر: اللّه و رسوله أعلم يا نبيّ اللّه، إنّما جئنا معتمرين و لم نجئ نقاتل أحدا، و لكن من حال بيننا و بين البيت قاتلناه.

فقال النبي «ص» فروحوا إذا. قال الزهري: و كان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدا قطّ كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللّه.» «1»

السادس في غزوة الطائف:

و بعد ما حاصر رسول اللّه «ص» الطائف «قيل إنّه استشار نوفل بن معاوية الدئلي في المقام عليهم، فقال: يا رسول اللّه ثعلب في جحر؛ إن أقمت عليه أخذته، و إن تركته لم يضرّك، فأذّن بالرحيل.» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 50

إلى غير ذلك من الموارد التي ربما يعثر

عليها المتتبع.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 218. كتاب الجزية، باب المهادنة على النظر للمسلمين.

(2)- الكامل لابن الأثير 2/ 267، (في ذكر حصار الطائف).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 51

الفصل الثالث في أنّ المسؤول في الحكومة الإسلاميّة هو الإمام، و السلطات الثلاث أياديه و أعضاده

اعلم أنّ المستفاد من الآيات و الروايات التي مرّت في بيان تكاليف الحاكم و كذلك من سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» هو أنّ الإمام و الحاكم في الحكومة الإسلامية يكون هو المكلّف و المسؤول لحفظ كيان المسلمين و تدبير أمورهم و إصلاح شئونهم على أساس ضوابط الإسلام و مقرراته.

فهو المكلف بإصلاح الملك و المسؤول عن فساده.

و لكنّه إذا اتّسعت حيطة ملكه و الاحتياجات و التكاليف المتوجّهة إليه احتاج قهرا إلى تكثير المشاورين و الأيادي و العمّال في شتّى الدوائر المختلفة، و لا محالة يفوّض كلّ أمر إلى فرد متخصّص أو دائرة تناسبه. و من هنا تنشأ السلطات الثلاث.

فليس وزان الحاكم الإسلامي وزان الملك في الحكومة المشروطة الدارجة في أعصارنا في بعض البلاد كإنكلترا مثلا، حيث ترى أنّه لا يكون إلّا وجودا تشريفيا يتمتّع من أعلى الإمكانيات و أغلاها من دون أن يتحمّل أيّة مسئوليّة علمية أو

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 52

نشاطية نافعة، و إنّما تتوجّه المسؤوليّات و التكاليف من أوّل الأمر إلى السلطات الثلاث.

و بالجملة، فالمسؤول و المكلّف في الحكومة الإسلاميّة هو الإمام الصلاة و الحاكم، و السلطات الثلاث أياديه و أعضاده، و يكون هو بمنزلة رأس المخروط مشرفا على الجميع شرافا تامّا.

1- ففي خبر عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا «ع»: «بالإمام تمام الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات و إمضاء الحدود و الأحكام

و منع الثغور و الأطراف.

الإمام يحلّ حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه و يقيم حدود اللّه و يذبّ عن دين اللّه ...» «1»

2- و مرّ في خبر فضل بن شاذان، عن الرضا «ع» في حكمة جعل الإمام:

«فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد و يقيم فيهم الحدود و الأحكام ... فيقاتلون به عدوّهم و يقسّمون به فيئهم و يقيم لهم جمعتهم و جماعتهم و يمنع ظالمهم من مظلومهم.» «2»

3- و في خبر المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين «ع»: «لا بدّ للأمّة من إمام يقوم بأمرهم، فيأمرهم و ينهاهم و يقيم فيهم الحدود و يجاهد فيهم العدوّ و يقسّم الغنائم و يفرض الفرائض و يعرفهم أبواب ما فيه صلاحهم و يحذّرهم ما فيه مضارهم ...» «3»

4- و في خبر سليم عنه «ع»: «يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا عالما و رعا عارفا بالقضاء و السنّة يجمع أمرهم و يحكم بينهم، و يأخذ للمظلوم من الظالم حقّه، و يحفظ أطرافهم و يجبي فيئهم و يقيم حجّتهم (حجّهم و جمعتهم- البحار) و يجبي صدقاتهم.» «4»

إلى غير ذلك ممّا ورد في بيان واجبات الإمام و تكاليفه، حيث يظهر منها أن

______________________________

(1)- الكافي 1/ 200، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام، الحديث 1.

(2)- عيون أخبار الرضا 2/ 101، الباب 34، الحديث 1.

(3)- المحكم و المتشابه/ 50؛ و في بحار الأنوار 90/ 41 (طبعة ايران 93/ 41)، كتاب القرآن، باب ما ورد في أصناف آيات القرآن. و لكن في البحار: «و يجاهد العدوّ»، بدل «و يجاهد فيهم العدوّ».

(4)- كتاب سليم بن قيس/ 182.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 53

المسؤول هو الإمام و الحاكم، و قد نسب

جميع الأعمال و النشاطات إليه.

5- و يشهد لذلك أيضا ما رواه الكليني بسنده عن المعلّى بن خنيس، قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع» يوما: جعلت فداك، ذكرت آل فلان و ما هم فيه من النعيم، فقلت: لو كان هذا إليكم لعشنا معكم. فقال «ع»: هيهات يا معلّى، أما و اللّه لو كان ذاك ما كان إلّا سياسة الليل و سياحة النهار و لبس الخشن و أكل الجشب، فزوي ذلك عنا. فهل رأيت ظلامة قطّ صيّرها اللّه- تعالى- نعمة إلّا هذه؟» «1»

فالمعلّى تمنّى أن تكون الحكومة للإمام الصادق «ع» ليعيش هو أيضا في ضوئها مرفّها، و الامام «ع» نبّهه على خطأه و اشتباهه و أنّه لو كان الأمر كذلك كان على الإمام صرف الليل في التدبير و السياسة و ترسيم الخطوط، و صرف النهار في التحرك و السياحة للإشراف على المسؤولين و الموظّفين و الاطلاع على أوضاع البلاد و العباد، و مع هذا كلّه يكون في المعيشة في سطح ضعفة الناس بلبس الخشن و أكل الجشب.

6- و في وصية الإمام الكاظم «ع» لهشام بن الحكم: «و يجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيّته و لا يتكبّر عليهم.» «2»

7- و في كتاب أمير المؤمنين «ع» لمالك حين ولّاه مصر بعد ذكر العمّال و انتخابهم قال: «ثمّ تفقّد أعمالهم، و ابعث العيون من أهل الصدق و الوفاء عليهم. فإنّ تعاهدك في السرّ لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة و الرفق بالرعيّة، و تحفّظ من الأعوان. فإنّ أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه و أخذته بما أصاب من عمله، ثمّ نصبته بمقام المذلّة

و وسمته بالخيانة و قلّدته عار التّهمة.» «3»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 410، كتاب الحجة، باب سيرة الإمام في نفسه ...، الحديث 2.

(2)- تحف العقول/ 394.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1011؛ عبده 3/ 106؛ لح/ 435، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 54

8- و فيه أيضا: «و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك و تجلس لهم مجلسا عامّا فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك، حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول في غير موطن: «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع.»

ثمّ احتمل الخرق منهم و العيّ، و نحّ عنهم الضيق و الأنف يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته و يوجب لك ثواب طاعته. و أعط ما أعطيت هنيئا، و امنع في إجمال و إعذار.

ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها؛ منها: إجابة عمّا لك بما يعيا عنه كتّابك. و منها:

إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك.» «1»

أقول: التعتعة في الكلام: التردّد فيه من عجز. و الخرق بالضم: العنف و الشدة. و العيّ بالكسر: العجز عن النطق. و الأنف محركة: الاستنكاف و الاستكبار. و أكناف الرحمة: أطرافها. و تخرج: تضيق.

9- و فيه أيضا: «و مهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه الزمته.» «2»

10- و في نهج البلاغة أيضا في كتاب له «ع» إلى عبد اللّه بن عباس عامله على البصرة: «فاربع ابا العباس- رحمك اللّه- فيما جرى على لسانك و يدك من خير و شر؛ فإنّا شريكان في ذلك، و كن عند صالح ظنّي

بك و لا يفيلنّ «3» رأيي فيك. و السّلام.» «4»

إلى غير ذلك من الروايات الدالة على مسئولية الإمام بشخصه، و منها الحديث النبويّ المشهور المرويّ من طرق السنة الذي رواه البخاري و مسلم و أحمد و غيرهم:

11- ففي البخاري بسنده عن عبد اللّه بن عمر، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «كلّكم راع، و كلكم مسئول عن رعيّته: الإمام راع و مسئول عن رعيّته، و الرجل راع في

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1021؛ عبده 3/ 112؛ لح/ 439، الكتاب 53.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1016؛ عبده 3/ 109؛ لح/ 437، الكتاب 53.

(3)- قال: أخطأ و ضعف.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 868؛ عبده 3/ 21؛ لح/ 376، الكتاب 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 55

أهله و هو مسئول عن رعيّته، و المرأة راعية في بيت زوجها و مسئولة عن رعيّتها، و الخادم راع في مال سيّده و مسئول عن رعيّته. قال: و حسبت أن قد قال: و الرجل راع في مال أبيه و مسئول عن رعيّته، و كلّكم راع و مسئول عن رعيّته.» «1»

و روى نحوه مسلم، و أحمد، فراجع «2».

و بالجملة، يظهر من جميع هذه الروايات أنّ الإمام و الحاكم الإسلامي هو المسؤول و المكلّف بإدارة الأمور العامّة؛ فالوزراء و العمّال و الكتّاب و الجنود و القضاة أعوانه و أياديه، و يجب عليه الإشراف عليهم و على أعمالهم، و ليس له سلب المسؤوليّة عن نفسه.

و قد صرّح بما ذكرناه الماوردي و أبو يعلى، حيث ذكرا فيما يلزم الإمام من الأمور العامّة مباشرة نفسه بمشارفة الأمور:

قال الماوردي في عداد ما يلزم الإمام:

«العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور و تصفّح الأحوال، لينهض بسياسة الأمّة

و حراسة الملّة. و لا يعوّل على التفويض تشاغلا بلذّة أو عبادة؛ فقد يخون الأمين و يغشّ الناصح، و قد قال اللّه- تعالى-: «يٰا دٰاوُدُ، إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ، وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ.» فلم يقتصر اللّه- سبحانه- على التفويض دون المباشرة و لا عذره في الاتّباع حتّى وصفه بالضلال.

و هذا و إن كان مستحقّا عليه بحكم الدين و منصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكلّ مسترع. قال النبي «ص»: «كلّكم راع و كلّكم مسئول عن رعيّته.» ...» «3»

______________________________

(1)- صحيح البخاري 1/ 160، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى و المدن.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1459، كتاب الإمارة، الباب 5، الحديث 1829؛ و مسند أحمد 2/ 111.

(3)- الأحكام السلطانيّة للماوردي/ 16؛ و ذكر أبو يعلى أيضا نحو ذلك في الأحكام السلطانيّة/ 28.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 57

الفصل الرّابع في بيان إجمالي لأنواع السلطات و الدوائر في الحكومة الإسلامية

اشارة

و هو مع بساطته فصل طويل.

قد عرفت في مطاوي بعض الفصول السابقة أنّه ليس معنى ولاية الإمام أو الفقيه تصدّيه بنفسه لجميع الأعمال و الشؤون مباشرة، بل كلّما اتّسع نطاق الملك و تكثّرت الاحتياجات و التكاليف تكثّرت السلطات و الدوائر و فوّض كلّ أمر إلى دائرة تناسبه. و لكنّ الإمام أو الفقيه الواجد للشرائط بمنزلة رأس المخروط يشرف على جميعها إشرافا تامّا و هو المسؤول العالي و هو الذي تتوقّع منه الأمّة سياسة البلاد و العباد. و سائر المسؤولين بمراتبهم أياديه و أعضاده.

و أصول السلطات في الحكومة ثلاثة: التشريعية و التنفيذية و القضائية.

إذ تدبير أمور الأمّة يتوقّف أوّلا: على ترسيم الخطوط الكليّة و تعيين المقرّرات.

و ثانيا: على إجراء المقرّرات و الخطوط المعيّنة في شتّى الأمور

الواجبة على الحكومة.

و ثالثا: على فصل خصومات الأمّة و القضاء بينهم في المنازعات. فإلى هذه

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 58

السلطات الثلاث يرجع جميع تكاليف الحاكم في نطاق حكومته حتّى إن دائرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحسبة و الإذاعة و التلفزيون أيضا تعدّ من شعب التنفيذ. و إنّما عدّ القضاء سلطة مستقلّة لأنّ شأنه الحكم لا التنفيذ و الإجراء، و للاهتمام بشأنه، و لأنّ المقصود عموم سلطته حتّى بالنسبة إلى أعضاء سلطة التنفيذ و التشريع أيضا، و لذا يحال تعيين القضاة إلى نفس الإمام لا رئيس سلطة التنفيذ، فتدبّر، و بالجملة، فهنا سلطات ثلاث:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 59

الأولى: السلطة التشريعيّة و فيها جهات من البحث:
1- في بيان الحاجة إليها و حدودها و تكاليفها:
اشارة

فنقول: قد اصطلح على هذه السلطة في عصرنا مجلس الشورى و القوة المقنّنة، و تعدّ من أهمّ الأركان في الحكومات الديموقراطية الدارجة.

و الحاجة إليها مع فرض اتساع نطاق الملك و كثرة الحوادث الواقعة و الحاجة إلى ترسيم المخطّطات الكثيرة في غاية الوضوح لا نحتاج فيها إلى بيان.

لكن لا يخفى عليك وجود التفاوت الأساسي بين السلطة التشريعيّة في الحكومة الإسلاميّة، و بين ما تعارف في الحكومات الدارجة العصريّة: إذ النوّاب في الحكومات الدارجة لا يلتزمون بشي ء إلّا بما يرونه مصلحة لناخبيهم فقط، و يبدعون القوانين على حسب أهوائهم و إن باينت العقل و الشرع.

و أمّا في الحكومة الإسلاميّة فالأساس هو ضوابط الإسلام و أحكام اللّه- تعالى- النازلة على رسوله الأكرم «ص» في شتّى المسائل المرتبطة بالحياة بشؤونها المختلفة.

و لا يحقّ لأحد و إن بلغ ما بلغ من العلم و الثقافة و القدرة أن يشرّع حكما أو يبدع قانونا بارتجال. حتّى إنّ النبيّ

الأكرم «ص» بعلوّ شأنه و قربه من اللّه- تعالى- أيضا يكون تابعا لما أنزله اللّه- تعالى- حاكما على أساسه.

قال اللّه- تعالى-: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ.»* و قال: «أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ.» «1»

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 57 و 62.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 60

و قال: «وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ، وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ إِلَيْكَ ... أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ؟» «1»

و ما سمعت منّا سابقا من تقسيم الأحكام إلى أحكام إلهية كان الرسول داعيا إليها و واسطة لإبلاغها، و كانت الأوامر الصادرة عنه في بيان هذه الأحكام أوامر إرشاديّة محضة، و إلى أحكام سلطانية مولويّة صدرت عنه بما أنّه كان وليّ أمر المسلمين و حاكمهم، فليس معنى ذلك أنّه «ص» كان يحكم في القسم الثاني بما يريده و يهواه، و أنّه كان له أن يحكم بأحكام مضادّة لأحكام اللّه- تعالى- ناسخة لها. بل الظاهر أنّ القسم الثاني كان أحكاما عادلة موسمية من قبيل الصغريات و المصاديق للأحكام الكليّة الشاملة النازلة من قبل اللّه- تعالى- على قلبه الشريف.

فالروح الحاكم على مجتمع المسلمين ليس إلّا ما أنزله اللّه- تعالى- حتّى فيما ربّما نسمّيها بالأحكام الثانوية، فإنّها أيضا مستفادة من كبريات كليّة أنزلها اللّه- تعالى- على نبيّه، فتدبّر. هذا.

و المأخذ لأحكام اللّه- تعالى-، كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و السنّة القويمة، و العقل الخالي عن شوائب الأوهام و التعصّبات الكاشف عن حكم اللّه- تعالى-. و المستخرج لها من هذه المآخذ هم الفقهاء الأمناء على حلاله و

حرامه.

و ليس عمل مجلس الشورى في الحكومة الإسلاميّة إلّا المشاورة في ترسيم الخطوط و البرامج الصحيحة العادلة للبلاد و العباد و لا سيّما القوّة التنفيذية على أساس ضوابط الإسلام المستخرجة باجتهاد الفقهاء.

فللحكم الشرعي ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التشريع.

و هو حقّ للّه- تعالى- الذي يملك البلاد و العباد،

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 49 و 50.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 61

و يطّلع على مصالحهم و مفاسدهم و مضارّهم و منافعهم. و لا يشركه في ذلك أحد من خلقه.

الثانية: مرحلة استنباط الأحكام و استخراجها من منابعها الصحيحة،

و الإفتاء بها. و مرجعها الفقهاء العدول.

الثالثة: مرحلة ترسيم الخطوط الكليّة

و البرامج الصحيحة للبلاد و المسؤولين على ضوء الفتاوى المستخرجة من قبل الفقهاء. لا بتطبيق قوانين الإسلام كيف ما كان على المشاكل و أهواء الأمّة، بل بتطبيق المشاكل و الحوادث الواقعة على قوانين الإسلام بواقعيتها و قداستها، و بين الطريقين بون بعيد، كما لا يخفى.

نعم، يعتبر فيها فهم الوقائع و الحوادث و ادراك حقيقتها أيضا، لاختلاف الأحكام الشرعيّة بتفاوت الوقائع قهرا.

فقوانين الإسلام و مقرراته هي الأساس، و المسلمون جميعا لها تبع في شتّى المسائل من العبادة و الثقافة و الاقتصاد و السياسة و نحو ذلك، و ليس لمجلس الشورى التخلّف عنها.

و بالجملة ليس لمجلس الشورى في الحكومة الإسلامية التقنين و التشريع بارتجال أو على حسب أهواء الأمّة، بل على أساس ضوابط الإسلام.

و لا يلزم من ذلك ضيق المجال أو انسداد الطرق في بعض الأحيان، إذ الإسلام بجامعيّته و خاتميّته قد التفت إلى جميع جوانب الحياة و حاجاتها، و جميع الظروف و الحالات حتّى موارد الضرر و الضرورة، و العسر و الحرج، و تزاحم الموضوعات و الملاكات و نحو ذلك.

و قد مرّ عن النبي «ص» أنّه قال في خطبته في حجة الوداع: «يا أيّها الناس و اللّه ما من شي ء يقرّبكم من الجنّة و يباعدكم من النار إلّا و قد أمرتكم به. و ما من شي ء يقرّبكم من النار و يباعدكم من الجنّة إلّا و قد نهيتكم عنه.» «1»

______________________________

(1)- أصول الكافي 2/ 74، كتاب الإيمان و الكفر، باب الطاعة و التقوى، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 62

و في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع»: قال أمير المؤمنين «ع»:

«الحمد للّه

الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بينت للأمّة جميع ما تحتاج إليه.» «1»

و في خبر حماد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «ما من شي ء إلّا و فيه كتاب أو سنّة.» «2»

و في خبر المعلّى بن خنيس، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا و له أصل في كتاب اللّه- عزّ و جلّ-، و لكن لا تبلغه عقول الرجال.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع.

2- انتخاب النوّاب لمجلس الشورى:

قد عرفت في الفصل السابق أنّ المسؤول و المكلّف في الحكومة الإسلاميّة هو الإمام و الحاكم و أنّ السلطات الثلاث بمراتبها أياديه و أعضاده.

و على هذا فطبع الموضوع يقتضي أن يكون انتخاب أعضاء مجلس الشورى بيده و باختياره، لينتخب من يساعده في العمل بتكاليفه.

نعم، لمّا كان الغرض من مجلس الشورى التشاور و اتخاذ القرار في الأمور العامّة المتعلّقة بالأمّة، فلو أمكن أن يفوّض إليها انتخاب الأعضاء و تكون السلطة التشريعية منبثقة عن إرادتها و اختيارها كاختيار نفس الوالي عند عدم النصّ كان ذلك أولى و أوقع في نفوس الأمّة و أدعى لهم إلى الاحترام بالقرارات المتّخذة و التسليم في قبالها، بل يجري ذلك في انتخاب بعض الوزراء و الأمراء أيضا كما هو المتعارف في بعض البلاد.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام 6/ 319، آخر كتاب القضايا و الأحكام، باب الزيادات، الحديث 86.

(2)- الكافي 1/ 59، كتاب فضل العلم، باب الردّ إلى الكتاب و السّنة، الحديث 4.

(3)- الكافي 1/ 60، كتاب فضل العلم، باب الردّ إلى الكتاب و السنّة، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 63

و لعلّ آية الشورى و قاعدة السلطنة و توجّه الخطابات القرآنية المتضمّنة للأمور العامّة كآيات

القتال و الجهاد و إعداد القوى و حدّ السرقة و الزنا و نحو ذلك إلى المجتمع أيضا تناسب ذلك.

إذ الأمر إذا كان أمر الأمّة و التكليف تكليفها فالتصميم و اتخاذ القرار فيه أيضا يناسب أن يكون من قبل ممثّلي الأمّة.

و لكن الإمام العادل لو رأى عدم تهيّؤ الأمّة لانتخاب الأعضاء أو لم يكن لهم رشد و وعي سياسي لانتخاب الرجال الصالحين أو كانوا في معرض التهديدات و التطميعات و اشتراء آرائهم بذلك كان للإمام الذي فرض علمه و عدله و حسن ولايته انتخاب الأعضاء بنفسه. اللّهم إلّا أن يشترط عليه حين انتخابه على القول بصحّته كون انتخاب فريق الشورى بيد الأمّة لا بيده، فتدبّر.

ثمّ إنّ اتفاق الآراء في مجلس الشورى ممّا لا يحصل غالبا، فلا محالة يكون الاعتبار بآراء الأكثريّة كما هو المتعارف في جميع الاجتماعات و الأحزاب السياسيّة.

و الإشكال في ذلك بلزوم سحق حقوق الأقليّة و ضياع حقوق الغيّب يظهر الجواب عنه بما مرّ مستقصى في مسألة انعقاد الإمامة بانتخاب الأمّة، فراجع الفصل السادس من الباب الخامس.

3- مواصفات الناخبين و المنتخبين:

لا إشكال في أنّ الناخب يعتبر فيه البلوغ و العقل و الرشد الفكري بحيث يقدر على تشخيص من يكون أصلح لتحمّل هذه المسؤوليّة الخطيرة المتعلّقة بمصالح الأمّة.

و اللازم في المنتخب أن يكون بالغا عاقلا متدينا و رعا عالما بزمانه مطلعا على حاجات الأمّة شجاعا قادرا على أخذ التصميم و القرار.

و قد مرّ في الفصل الثاني أخبار مستفيضة تدلّ على مواصفات من يستشار.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 64

و سيأتي في هذا الفصل شرائط الوزراء و العمّال.

و كأنّ النائب في مجلس الشورى مشاور و عامل، فيعتبر فيه مواصفات كليهما.

و لكنّك ترى أنّ المتعارف

في أكثر الممالك و البلاد أنّهم يراعون في المنتخب الاعتبارات القوميّة و العنصريّة و العشائريّة، و كون الشخص ذا شهرة قومية و جبروت و ثروة، من دون أن يراعوا علمه و دينه و تقواه و شجاعته و كفايته و قدرته على الدفاع عن الإسلام و حقوق المسلمين.

و كثيرا ما يقع من هذه الناحية سقوط الملك و ضياع حقوق الأمّة و سلطة الطواغيت و الجبابرة، بل و نفوذ الأجانب و تدخّلهم في شئون المسلمين و بلادهم.

و ربّما توسلوا لذلك باشتراء آراء الناخبين أو بالتمويه عليهم و إغوائهم. فيجب على الناخبين الدقّة و التشاور في انتخاب النوّاب للمجلس و عدم الوقوع تحت تأثير الأجواء الكاذبة و الدعايات الباطلة و التهديدات و التطميعات الماديّة. اللّهم فاعذنا من شياطين الجنّ و الإنس.

4- منابع الحكم الإسلامي و مصادره:
[الكتاب العزيز، و السنّة القويمة بأقسامها]

قد مرّ منّا أن أساس الحكومة الإسلاميّة هو قوانين الإسلام و مقرّراته في شتّى مسائل الحياة، و أنّ منابعها و مصادرها هي الكتاب العزيز، و السنّة القويمة بأقسامها من قول المعصوم و فعله و تقريره الثابتة بطريق صحيح معتبر، و حكم العقل القطعي الخالي عن شوائب الأوهام و التعصّبات، كالحسن و القبح العقليّين و كالملازمات العقليّة القطعيّة. و هذه الثلاثة ممّا اتفق عليها الشيعة و السنّة.

و ما يرى في بعض الكلمات من التشكيك في حجّيّة العقل مطلقا فهو بظاهره كلام واه لا يعتنى به، إذ لو حصل بحكم العقل القطعي القطع بحكم الشارع فلا مجال لإنكار حجّيّته، فإن القطع حجة ذاتا، و العقل أمّ الحجج و أساسها. و هل يثبت التوحيد و النبوّة و حجّيّة كتاب اللّه و سنّة رسول اللّه إلّا من طريق العقل؟

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 65

و في

خبر عن الإمام الصادق «ع» قال: «العقل دليل المؤمن.» «1»

و في خبر آخر عنه «ع» قلت له: ما العقل؟ قال: «ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان.» «2»

و في خبر هشام بن الحكم، عن موسى بن جعفر «ع»: «يا هشام، إنّ للّه على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة و حجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمّة- عليهم السلام-، و أمّا الباطنة فالعقول.» «3»

و بالجملة، فأصل حجية العقل القطعي إجمالا ممّا لا مجال للإشكال فيه و إن وقع الإشكال في بيان مصاديقه. و للبحث فيه محل آخر. و كذا لا إشكال في حجيّة الكتاب و السنّة إجمالا على من أذعن بالإسلام و النبوّة.

نعم،

هنا أمور اختلف في حجّيتها الفريقان:
الأول- الإجماع بما هو إجماع و اتّفاق:

فعلماء السنّة يعتبرون إجماع الفقهاء بما هو إجماع حجّة مستقلة. و يستندون في ذلك إلى آيات و روايات:

أهمّها قوله- تعالى-: «وَ مَنْ يُشٰاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدىٰ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مٰا تَوَلّٰى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سٰاءَتْ مَصِيراً.» «4»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 25، كتاب العقل و الجهل، الحديث 24.

(2)- الكافي 1/ 11، كتاب العقل و الجهل، الحديث 3.

(3)- الكافي 1/ 16، كتاب العقل و الجهل، الحديث 12.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 115.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 66

و ما رووه عن النبي «ص» من قوله: «لا تجتمع أمّتي على ضلالة أو خطأ.»

فروى ابن ماجة في سننه، عن أنس بن مالك، عنه «ص» أنّه قال: «إنّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة، فإذا رأيتم اختلافا فعليكم بالسواد الأعظم.» «1»

و روى الترمذي بسنده، عن ابن عمر أن رسول اللّه «ص» قال: «إنّ اللّه لا يجمع أمّتي- أو قال: أمّة محمد- على ضلالة، و

يد اللّه على الجماعة، و من شذّ شذّ إلى النار.» «2»

و لم أجد في كتب الحديث للسنّة ما يشتمل على لفظ الخطأ، نعم هو مذكور في كتب الاستدلال.

و أمّا علماء الشيعة الإماميّة فيقولون: لا موضوعيّة للإجماع بما هو إجماع و اتفاق عندنا. نعم، لو اتفقت الأمّة على قول بحيث لا يشذّ منها أحد فلا محالة يكون الإمام المعصوم من العترة الطاهرة داخلا فيها، فيكون حجّة لذلك. كما أنّه كذلك لو كانت كثرة القائل في المسألة بحيث يحدس منها تلقي المسألة عن النبيّ «ص» أو عن الإمام المعصوم «ع» حدسا قطعيّا، فيكون الإجماع كاشفا عن الحجّة، أعني قول المعصوم، و ذلك إنّما يكون في المسائل الأصليّة المأثورة المتلقّاة يدا بيد عن المعصومين- عليهم السلام- المذكورة في كتب القدماء من أصحابنا المعدّة لنقل هذه المسائل، لا في المسائل التفريعيّة الاستنباطيّة التي أعمل فيها الرأي و النظر.

و بالجملة، فالحجة في الحقيقة هو قول المعصوم المكشوف به؛ إمّا بدخوله في المجمعين أو بالحدس عن قوله لا الإجماع بما هو إجماع.

فوزان الإجماع حينئذ وزان الخبر الواحد الصحيح الكاشف عن السنّة القويمة، فليس في عرض السنّة بل في طولها و يكون حجّة عليها.

قال الفقيه الهمداني في مبحث صلاة الجمعة من مصباح الفقيه:

«المدار في حجّية الإجماع على ما قرّرناه في محلّه و استقرّ عليه رأي المتأخّرين ليس على اتّفاق الكلّ بل و لا اتّفاقهم في عصر واحد، بل على استكشاف رأي المعصوم

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 2/ 1303، كتاب الفتن، باب السواد الأعظم، الحديث 3950.

(2)- سنن الترمذي 3/ 315، أبواب الفتن، الباب 7، الحديث 2255.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 67

بطريق الحدس من فتوى علماء الشيعة الحافظين

للشريعة. و هذا ممّا يختلف باختلاف الموارد؛ فربّ مسألة لا يحصل فيها الجزم بموافقة الإمام «ع» و إن اتفقت فيها آراء جميع الأعلام، كبعض المسائل المبتنية على مبادي عقليّة أو النقليّة القابلة للمناقشة. و ربّ مسألة يحصل فيها الجزم بالموافقة و لو من الشهرة.» «1» هذا

و أمّا آية المشاقّة فأجيب عنها بوجوه: منها: أنّا لا نسلّم أنّ سبيل المؤمنين هو إجماعهم، بل لعلّ المراد به هو سبيلهم بما هم مؤمنون، أي سبيل الإيمان بالرسول في قبال مشاقّته «ص»، و قد حقّق في محلّه أنّ ذكر الوصف يشعر بالعلّيّة و الدخالة، فمرجع ذلك إلى سنّة الرسول «ص» و ليس أمرا وراءها.

و في المستصفى للغزالي، قال:

«و الذي نراه أنّ الآية ليست نصّا في الغرض، بل الظاهر أنّ المراد بها أنّ من يقاتل الرسول و يشاقّه و يتّبع غير سبيل المؤمنين في مشايعته و نصرته و دفع الأعداء عنه نولّه ما تولّى. فكأنّه لم يكتف بترك المشاقّة حتّى تنضمّ إليه متابعة سبيل المؤمنين في نصرته و الذبّ عنه و الانقياد له فيما يأمر و ينهى. و هذا هو الظاهر السابق إلى الفهم، فإن لم يكن ظاهرا فهو محتمل.» «2» هذا.

و أمّا الرواية الّتي استندوا إليها فلم تثبت عندنا بسند يعتمد عليه.

و في سنن ابن ماجة قد حكى في ذيل الحديث عن الزوائد:

«في إسناده أبو خلف الأعمى، و اسمه حازم بن عطاء، و هو ضعيف، و قد جاء الحديث بطرق في كلّها نظر. قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي.» «3»

نعم، في تحف العقول في رسالة الإمام الهادى «ع» إلى أهل الأهواز، قال:

______________________________

(1)- مصباح الفقيه- كتاب الصلاة/ 436.

(2)- المستصفى للغزالي 1/ 175.

(3)- سنن ابن ماجة 2/ 1303، كتاب

الفتن، الباب 8، الحديث 3950.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 68

«و قد اجتمعت الأمّة قاطبة لا اختلاف بينهم أنّ القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، و في حال اجتماعهم مقرّون بتصديق الكتاب و تحقيقه، مصيبون مهتدون، و ذلك بقول رسول اللّه «ص»:

«لا تجتمع أمّتي على ضلالة» فأخبر أنّ جميع ما اجتمعت عليه الأمّة كلّها حقّ.» «1»

أقول: على فرض صحّة الحديث فظاهره إطباق جميع الأمّة؛ فلا يختص بالفقهاء و المجتهدين، كما لا يختصّ بعلماء السنّة فقط، بل يعمّ جميع طوائف المسلمين و منهم الشيعة الإمامية بأئمتهم الاثنى عشر، و قد مرّ منّا أنّ اتّفاق جمع يوجد فيه الإمام المعصوم حجّة عندنا بلا إشكال، فتدبّر.

الثاني- القياس و الاستحسانات الظنية:

فأكثر علماء السنة يعتمدون عليهما، حيث إنّهم تركوا التمسك بأقوال العترة و لم يتمكّنوا من استنباط الفروع المبتلى بها من الكتاب و السنّة النبويّة الواصلة اليهم، فلجئوا إلى الآراء و الاستحسانات، و لكن أخبار أهل البيت- عليهم السلام- و الروايات الحاكية لسيرتهم مليئة بالمعارف و الأحكام و الآداب، بحيث تشفي العليل و تروي الغليل و معها لا تصل النوبة إلى القياس و الاستحسانات الظنية.

و النبي «ص» جعل العترة قرين الكتاب في وجوب التمسك بهما على ما دلّ عليه حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين.

و قد استفاضت بل تواترت أخبارنا على عدم حجّيّة القياس و الآراء الظنّيّة، فراجع «2».

______________________________

(1)- تحف العقول/ 458.

(2)- راجع الوسائل 18/ 20، الباب 6 من أبواب صفات القاضي؛ و مستدرك الوسائل 3/ 175، الباب 6 من أبواب صفات القاضي.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 69

و من جملة أخبار الباب ما رواه الكليني بسنده، عن عيسى بن عبد

اللّه القرشي، قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد اللّه «ع» فقال له: يا أبا حنيفة، بلغني أنّك تقيس؟ قال:

نعم. قال: لا تقس، فانّ أوّل من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار و خلقته من طين.

فقاس ما بين النار و الطين. و لو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف فضل ما بين النورين و صفاء أحدهما على الآخر.» «1»

و منها: ما رواه بسند صحيح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«إنّ السنّة لا تقاس. ألا ترى أنّ المرأة تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، يا أبان، إنّ السنّة إذا قيست محق الدين.» «2»

و منها: موثقة مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّ عليا «ع» قال:

«من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس. و من دان اللّه بالرأي لم يزل دهره في ارتماس.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و في سنن الدارمي عن ابن سيرين، قال:

«أوّل من قاس إبليس. و ما عبدت الشمس و القمر إلّا بالمقاييس.» «4»

و عن الحسن أنّه تلا هذه الآية: «خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»* قال:

«قاس إبليس، و هو أوّل من قاس.» «5»

و في إعلام الموقعين بسنده عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: قال رسول اللّه «ص»: «تفترق أمّتي على بضع و سبعين فرقة، أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم؛ يحرّمون به ما أحلّ اللّه و يحلّون ما حرّم اللّه.» «6»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 58، كتاب فضل العلم، باب البدع و الرأي و المقاييس، الحديث 20.

(2)- الوسائل 18/ 25، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

(3)- الوسائل 18/ 25، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11.

(4)- سنن الدارمي 1/ 65، باب

تغيّر الزمان و ما يحدث فيه.

(5)- سنن الدارمي 1/ 65، باب تغيّر الزمان و ما يحدث فيه.

(6)- إعلام الموقعين 1/ 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 70

و الظاهريون من فقهاء السنّة و بعض المعتزلة أيضا ينكرون العمل بالقياس و الرأي:

قال ابن حزم الأندلسي في المحلّى:

«و لا يحلّ القول بالقياس في الدين و لا بالرأي، لأنّ أمر اللّه- تعالى- عند التنازع بالردّ إلى كتابه و الى رسوله «ص» قد صحّ، فمن ردّ إلى قياس و إلى تعليل يدعيه، أو إلى رأي فقد خالف أمر اللّه- تعالى- المعلّق بالإيمان و ردّ إلى غير من أمر اللّه- تعالى- بالردّ إليه، و في هذا ما فيه، قال عليّ: و قول اللّه- تعالى-: «مٰا فَرَّطْنٰا فِي الْكِتٰابِ مِنْ شَيْ ءٍ»، و قوله- تعالى-: «تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ»، و قوله- تعالى-: «لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»، و قوله- تعالى-: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» إبطال للقياس و للرأي.» «1»

الثالث- أقوال العترة الطاهرة:

لا يخفى أن قول النبي «ص» و فعله و تقريره من السنّة قطعا و تكون حجّة بلا إشكال. و بعض علماء السنة يعدّون أقوال الصحابة بل و أعمالهم أيضا حجّة.

و أمّا الشيعة الإماميّة فيعدّون أقوال الأئمة الاثنى عشر من العترة و كذا أفعالهم و تقريرهم حجّة، لعصمتهم عندنا، و لأنّهم عترة النبي «ص» و قد عدّ النبي «ص» عترته عدلا للكتاب العزيز و قرينا له في خبر الثقلين المتواتر بين الفريقين.

و قد تعرض له أكثر أرباب الصحاح و السنن و المسانيد، فراجع.

و من ذلك ما رواه الترمذي بسنده، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من

الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض، و عترتي أهل بيتي. و لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.» «2»

______________________________

(1)- المحلّى لابن حزم 1/ 56، المسألة 100.

(2)- سنن الترمذي 5/ 328، أبواب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي «ص»، الحديث 3876.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 71

و دلالة الخبر على حجّيّة أقوال العترة ظاهرة، لإيجاب التمسك بهم و بالكتاب العزيز.

و مسألة حجيّة أقوالهم غير مسألة الإمامة و الخلافة، فإنّ الأولى مسألة أصوليّة و الثانية مسألة كلاميّة.

و في كنز العمال، عن أبي سعيد، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيّها الناس إنّي تارك فيكم أمرين، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا، و أحدهما أفضل من الآخر: كتاب اللّه هو حبل اللّه الممدود من السماء إلى الأرض، و أهل بيتي عترتي. ألا و إنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض.» (ابن جرير) «1».

إلى غير ذلك من الأخبار من طرق الفريقين.

و عترة النبي «ص» أهل بيته، و أهل البيت أدرى بما في البيت. و هم لا يحدّثون إلّا بما سمعوه من آبائهم عن النبي «ص»، كما دلّ على ذلك بعض الأخبار:

ففي خبر هشام بن سالم، و حماد بن عثمان و غيره، قالوا: سمعنا أبا عبد اللّه «ع» يقول: «حديثي حديث أبي، و حديث أبي حديث جدّي، و حديث جدّي حديث الحسين، و حديث الحسين حديث الحسن، و حديث الحسن حديث أمير المؤمنين «ع»، و حديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه «ص»، و حديث رسول اللّه «ص» قول اللّه- عزّ و جلّ.» «2»

و لا يخفى أنّ محل البحث في هذه المسائل هو علم الكلام و علم أصول الفقه، و

غرضنا هنا ليس إلّا إشارة إجماليّة إليها، فراجع مظانّها.

5- الاستنباط و الاجتهاد:

أمّا الاستنباط، ففي لسان العرب:

______________________________

(1)- كنز العمال 1/ 381، الباب 2 من كتاب الإيمان و الإسلام من قسم الأفعال، الحديث 1657.

(2)- الوسائل 18/ 58، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 72

«نبط الماء ينبط و ينبط نبوطا: نبع. و كلّ ما أظهر فقد أنبط. و استنبطه و استنبط منه علما و خبرا و مالا: استخرجه. و الاستنباط: الاستخراج. و استنبط الفقيه: إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده و فهمه. قال اللّه- عزّ و جلّ-: «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.» «1»

أقول: فكأنّ حكم اللّه- تعالى- ماء حياة أو شي ء نفيس دفين في خلال مصادره و منابعه يستخرجه الفقيه منها.

و أمّا الاجتهاد، ففي لسان العرب:

«الاجتهاد و التجاهد: بذل الوسع و المجهود. و في حديث معاذ: «أجتهد رأيي.»

الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر، و هو افتعال من الجهد: الطاقة، و المراد به ردّ القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب و السنّة، و لم يرد الرأي الذي رآه من قبل نفسه من غير حمل على كتاب أو سنّة.» «2»

أقول: أمّا الحديث الذي أشار إليه فهو ما رواه أبو داود و الترمذي و غيرهما: ففي سنن أبي داود بسنده عن أناس من أصحاب معاذ بن جبل أنّ رسول اللّه «ص» لمّا أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال:

«أقضي بكتاب اللّه.» قال: «فإن لم تجد في كتاب اللّه؟» قال: «فبسنّة رسول اللّه «ص» قال: «فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه «ص» و لا في كتاب اللّه؟» قال: «أجتهد رأيي و لا

آلو.» فضرب رسول اللّه «ص» صدره و قال: «الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضي رسول اللّه.» «3»

و أمّا قوله: «من طريق القياس»، فلعلّه أراد به أعمّ من القياس و الاستحسانات العقليّة الظنية.

______________________________

(1)- لسان العرب 7/ 410.

(2)- لسان العرب 3/ 135.

(3)- سنن أبي داود 2/ 272، كتاب الاقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 73

و قد صار لفظ الاجتهاد، و كذا الرأي في أعصار أئمتنا- عليهم السلام- ظاهرين في هذا المعنى. و بهذا المعنى وقع النهي عنهما في رواياتنا «1».

و أمّا الاجتهاد بمعنى إفراغ الوسع و الطاقة في استنباط الأحكام من أدلّتها الشرعيّة من الكتاب و السنّة و العقل القطعي فهو أمر واجب ضروري لا منع فيه و ليس لأحد إنكاره.

و عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول و عليكم أن تفرّعوا.» «2»

و عن الرضا «ع»: «علينا إلقاء الأصول و عليكم التفريع.» «3»

و الروايات الواردة في الإرجاع إلى الكتاب و السنّة في غاية الكثرة. و على هذا فالاجتهاد عندنا غير الاجتهاد باصطلاح السنّة.

و أمّا ما ذكره أخيرا فكأنّه أراد به نفي إرادة التصويب. و البحث فيه يأتي في العنوان التالي.

6- التخطئة و التصويب:

لا يخفى أنّ المسائل الدينية على قسمين: فقسم منها مسائل أصليّة ضرورية أجمع عليها جميع فرق المسلمين و دلّ عليها نصّ الكتاب العزيز أو السنّة المتواترة القطعية أو العقل السليم، و القسم الآخر فروع اجتهاديّة استنباطيّة تحتاج إلى إعمال الاجتهاد و النظر و استنباطها من الأصول المبيّنة في الكتاب و السنة أو من حكم العقل القطعي.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 18/ 20، الباب 6 من ابواب صفات القاضي.

(2)- الوسائل 18/ 41، الباب

6 من ابواب صفات القاضي، الحديث 51.

(3)- الوسائل 18/ 41، الباب 6 من ابواب صفات القاضي، الحديث 52.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 74

أمّا القسم الأول، فلا خلاف فيها و لا إشكال و لا مجال فيها للاجتهاد و الاستنباط.

و أمّا القسم الثاني المتوقف على إعمال الاجتهاد و النظر، فلا محالة قد يقع فيها الخلاف لاختلاف في معاني بعض الألفاظ، أو للاختلاف في صحة الحديث و ضعفه، أو لاختلاف الروايات المنقولة، أو للاختلاف في أسباب الترجيح عند التعارض، أو للاختلاف في حجيّة بعض الأمور و عدم حجّيتها كالمفاهيم و خبر الواحد و الإجماع و لا سيّما المنقول منه و الشهرة بقسميها و كحجيّة أقوال الأئمة الطاهرين من العترة الثابتة عندنا و حجّيّة أقوال الصحابة عند بعض السنّة، و حجيّة القياس و الاستحسانات الظنيّة عندهم و نحو ذلك. و يرجع الجميع إلى الاختلاف في الدرك أو المدرك.

و في هذا القسم قد وقع البحث في أنّ الآراء المستنبطة المختلفة كلّها حقّ و صواب، أو أنّ الحقّ واحد منها و الباقون مخطئون و إن كانوا معذورين؟

فاتّفق أصحابنا الإماميّة على أنّ للّه- تعالى- في كلّ واقعة خاصّة حكما واحدا يشترك فيه الجميع. و جميع المسلمين مأمورون أوّلا و بالذات بالعمل به. فالدين في جميع المراحل واحد و الشرع واحد و الحقّ واحد، و إنّما الاختلاف وقع في إحراز الواقع و استنباطه من منابعه، فأصابه بعض و أخطأه بعض آخر.

فليست الاجتهادات المختلفة في مسألة واحدة يمثّل كلّها حكم اللّه المنزل على رسوله و إن جاز العمل بها لأهلها في الظاهر، و إنّما تكون آراء الفقهاء و المجتهدين طرقا محضة قد تصيب الواقع و قد تخطئه، كما

أنّ العلم الذي هو أمّ الحجج و تكون حجيّته ذاتية يكون كذلك، و كذلك سائر الطرق و الأمارات العقلائية و الشرعية.

فكأنّ حكم اللّه الواقعي دفين في خلال مبانيه و مصادره و يستخرجه الفقيه باستنباطه؛ فقد يعثر عليه و قد يخطئ، و يكون للمصيب أجران و للمخطئ أجر واحد.

فليس الحكم الواقعي تابعا لمفاد الطريق، مجعولا على وفقه كيفما كان، كما لا يوجب قيام الطريق على خلاف الواقع تبدّل الواقع و انقلابه إلى مفاد الطريق.

هذا ما عليه أصحابنا الإماميّة. فهم بأجمعهم ينكرون التصويب. و يسمّون

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 75

بذلك مخطّئة.

و أمّا علماء السنّة ففيهم خلاف: بعضهم مخطّئة، و بعض منهم مصوّبة: قال الامام فخر الدين الرازي في بحث الاجتهاد من كتاب المحصول:

«فإن لم يكن للّه- تعالى- فيها حكم فهذا قول من قال: «كلّ مجتهد مصيب.» و هم جمهور المتكلّمين منّا كالأشعري و القاضي أبي بكر، و من المعتزلة كأبي الهذيل و أبي علي و أبي هاشم و اتباعهم.» «1»

و قال الإمام الغزالي في المستصفى:

«الذي ذهب إليه محقّقوا المصوّبة أنّه ليس في الواقعة التي لا نصّ فيها حكم معين يطلب بالظنّ، بل الحكم يتبع الظن. و حكم اللّه على كلّ مجتهد ما غلب على ظنّه، و هو المختار، و إليه ذهب القاضي.» «2»

أقول: عمدة نظر المصوّبة كان إلى تصويب آراء الصحابة و أفعالهم. فكانوا يظنّون أنّ مطلق من صاحب النبيّ «ص» فهو ممّن لم يخطئ أبدا فضلا عن أن يصدر عنه فسق أو جور.

و لكنّ الحقّ في المسألة هو ما عرفته من أصحابنا الإمامية من القول بالتخطئة.

و قال ابن حزم الأندلسي في المحلّى:

«مسألة: و الحقّ من الأقوال في واحد منها

و سائرها خطأ ... فصحّ أنّ الحقّ في الأقوال ما حكم اللّه- تعالى- به فيه، و هو واحد لا يختلف، و انّ الخطأ ما لم يكن من عند اللّه- عزّ و جلّ-.

و من ادّعى أن الأقوال كلّها حقّ و أنّ كلّ مجتهد مصيب فقد قال قولا لم يأت به قرآن و لا سنّة و لا إجماع و لا معقول، و ما كان هكذا فهو باطل.» «3»

______________________________

(1)- المحصول/ القسم الثالث من الجزء الثاني/ 47.

(2)- المستصفى 2/ 363.

(3)- المحلّى لابن حزم 1/ 70، المسألة 109.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 76

و في الفقه الإسلامي و أدلّته للدكتور وهبة الزحيلي بعد ذكر المخطئة، قال:

«و هم جمهور المسلمين، منهم الشافعيّة و الحنفيّة على التحقيق، الذين يقولون بأنّ المصيب في اجتهاده واحد من المجتهدين، و غيره مخطئ، لأنّ الحقّ لا يتعدّد.» «1»

و لكن في المستصفى للغزالي بعد ذكر الاجتهاد و التصويب و التخطئة، قال:

«و قد اختلف الناس فيها، و اختلفت الرواية عن الشافعي و أبي حنيفة» «2». هذا.

و يدلّ على التخطئة- مضافا إلى وضوحها، فإنّ الاجتهاد في الحكم و استنباطه متفرع على وجوده واقعا في الرّتبة السابقة، فلا يعقل كونه تابعا له- روايات:

1- ففي صحيح مسلم، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، عن رسول اللّه «ص» في وصاياه لمن أمّره أميرا على جيش أو سريّة: «و إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم اللّه فلا تنزلهم على حكم اللّه و لكن أنزلهم على حكمك، فإنّك لا تدري أ تصيب حكم اللّه فيهم أم لا.» «3»

2- و روى الترمذي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران

و إذا حكم فأخطأ فله أجر واحد.» «4»

3- و في نهج البلاغة: «ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا، و إلههم واحد، و نبيّهم واحد، و كتابهم واحد ...» «5»

4- و في الدر المنثور بإسناده عن الشعبي، قال: سئل أبو بكر عن الكلالة فقال:

______________________________

(1)- الفقه الإسلامي و أدلّته 1/ 72.

(2)- المستصفى 2/ 363.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1358، كتاب الجهاد، الباب 2، ذيل الرقم 1731.

(4)- سنن الترمذي 2/ 393، أبواب الأحكام، الباب 2، الحديث 1341.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 74؛ عبده 1/ 50؛ لح/ 60، الخطبة 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 77

«إنّي سأقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن اللّه وحده لا شريك له، و إن كان خطأ فمنّي و من الشيطان، و اللّه منه بري ء، أراه ما خلا الوالد و الولد.» «1»

5- و قال عمر لكاتبه:

«اكتب: هذا ما رأى عمر. فإن كان صوابا فمن اللّه، و إن كان خطأ فمنه.» «2»

6- و قال ابن مسعود في المفوضة:

«أقول فيها برأيي. فإن كان صوابا فمن اللّه، و إن كان خطأ فمنّي و من الشيطان.

و اللّه و رسوله عنه بريئان.» «3»

7- و في كنز العمال:

«اقض بينهما يا عمرو، فإذا قضيت بينهما القضاء فلك عشر حسنات، و إن اجتهدت فأخطأت فلك حسنة.» (حم طب، عن عمرو) «4».

8- و فيه أيضا:

«اجتهد، فإذا أصبت فلك عشر حسنات، و إن أخطأت فلك حسنة.» (عد، عن عقبة بن عامر) «5»

9- و فيه أيضا عن موسى بن ابراهيم، عن رجل من آل ربيعة أنّه

بلغه أنّ أبا بكر حين استخلف قعد في بيته حزينا، فدخل عليه عمر فأقبل عليه يلومه و قال:

أنت كلّفتني هذا الأمر، و شكا إليه الحكم بين الناس فقال له عمر: أو ما علمت انّ رسول اللّه «ص» قال: «إنّ الوالي إذا اجتهد فأصاب الحقّ فله أجران و إن اجتهد فأخطأ الحقّ فله أجر واحد.» فكأنّه سهّل على أبي بكر. (ابن راهويه و خيثمة في فضائل الصحابة

______________________________

(1)- الدر المنثور 2/ 250.

(2)- المحصول للإمام الرازي/ القسم الثالث من الجزء الثاني/ 70 (في الاجتهاد).

(3)- المحصول/ القسم الثالث من الجزء الثاني/ 71 (في الاجتهاد).

(4)- كنز العمال 6/ 99، الباب 2 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الاقوال، الحديث 15018.

(5)- كنز العمال 6/ 99، الباب 2 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 15019.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 78

هب) «1».

10- و في ديباجة الموطأ لمالك المطبوع بمصر: «قال معن بن موسى:

سمعت مالكا يقول: إنّما أنا بشر أخطئ و أصيب، فانظروا في رأيي فما وافق السنّة فخذوا به.» «2» هذا.

و لعلّ ما قد يتلقّى بالألسن و الأفواه حتّى من بعض الشيعة أيضا من قولهم:

«هذا ما أفتى به المفتي، و كلّ ما أفتى به المفتي فهو حكم اللّه في حقّي» يكون كلاما ورثوه من أهل التصويب، و إلّا فهو بظاهره ممنوع، فإنّ حكم اللّه لا يكون تابعا لإفتاء الفقيه كما مرّ.

نعم، الأنبياء كلّهم و النبي الأكرم «ص» و كذا الأئمة الاثنا عشر من العترة عندنا معصومون من الذنوب و من الخطأ، و محلّ البحث فيه الكتب الكلاميّة، فراجع.

7- انفتاح باب الاجتهاد المطلق:

قد ظهر بما مرّ أنّ أساس الحكومة الحقّة و أساس جميع أعمال المسلمين في

جميع شئونهم هو أحكام اللّه- تعالى- التي نزلت على رسوله الكريم بالوحي و يشترك فيها الجميع. و أنّ منابعها و مصادرها هي الكتاب العزيز، و السنّة القويمة، و العقل القطعي الخالي عن الأوهام.

فيجب أوّلا و بالذات الرجوع إلى هذه المنابع و أخذ الأحكام منها.

فمن كان قادرا على الرجوع إليها و الاستنباط منها عمل على وفق ما استنبط و استفاد. و من لم يقدر على الاستنباط رجع إلى فتوى من استنبط، رجوع الجاهل في

______________________________

(1)- كنز العمال 5/ 630، الباب 1 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14110.

(2)- الموطأ لمالك 1/ ج. (- أدبه مع آل رسول اللّه و كرم أخلاقه).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 79

كلّ فنّ تخصّصي إلى العالم الخبير به. و في الحقيقة هو طريق علمه العادي بالأحكام و لكن بنحو الإجمال.

و ليس لفتوى الفقيه موضوعيّة و سببيّة، بل هو طريق محض كسائر الطرق العقلائيّة و الشرعيّة قد يصيب و قد يخطئ.

و الأحوط بل الأقوى في المسائل الخلافية هو الرجوع إلى الأعلم، كما هو طريقة العقلاء في تقديم الأعلم على غيره في المسائل المهمّة المختلف فيها.

و على هذا فليس لمجتهد خاصّ و فقيه مخصوص خصوصيّة. و قد كثر الفقهاء من الشيعة و كذا من السنّة في جميع الأعصار.

و ربّما اختلف الفقهاء في الفتاوى و منابعها و في طريق الاستنباط و كيفيّتها كما مرّ.

و الخلاف في علماء السنة أكثر، حيث إنّ الشيعة تقيّدوا في فتاويهم بالكتاب، و بالنصوص من النبي «ص» أو الأئمة الاثنى عشر «ع».

و أمّا فقهاء السنّة فحيث اعتمد أكثرهم على القياس و الاستحسانات الظنيّة و المناطات الحدسية تشتتت آراؤهم و جاؤوا كثيرا بفتاوى

متناقضة متهافتة. و كم تدخّلت التعصّبات أو أيادي السياسة و الحكومات الدارجة في بعض البلاد و المناطق في تفضيل بعض الآراء على بعض، بل و في تحريم بعض المذاهب الفقهيّة و تعذيب متابعيها و الإلزام بأخذ مذهب آخر، كما شهد بذلك التاريخ، و الناس كانوا غالبا على دين ملوكهم.

و ربّما استعانوا في إعمال سياساتهم ببعض العلماء و العملاء أيضا، إلى أن استقرت آراء علمائهم و حكّامهم في النهاية على حصر المذاهب في المذاهب الأربعة الدارجة لهم فعلا، أعني مذاهب أبي حنيفة، و مالك، و الشافعي، و أحمد بن حنبل.

و في رياض العلماء للمتتبع الخبير الميرزا عبد اللّه الأفندي الأصفهاني نقلا من كتاب «تهذيب الأنساب و نهاية الأعقاب» تأليف أحد من بني أعمام السيد المرتضى «ره» ما ملخّصه أنّه:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 80

«اشتهر على ألسنة العلماء أنّ العامّة في زمن الخلفاء لمّا رأوا تشتّت المذاهب في الفروع و اختلاف الآراء، بحيث لم يمكن ضبطها فقد كان لكلّ واحد من الصحابة و التابعين و من تبعهم مذهب برأسه في المسائل الشرعيّة و الأحكام الدينيّة، التجئوا إلى تقليلها فأجمعوا على أن يجمعوا على بعض المذاهب ...

فالعامّة أيضا لمّا اضطربت اتّفقت كلمات رؤسائهم و عقيدة عقلائهم على أن يأخذوا من أصحاب كلّ مذهب خطيرا من المال و يلتمسوا آلاف ألف دراهم و دنانير من أرباب الآراء في ذلك المقال.

فالحنفية، و الشافعيّة، و المالكية، و الحنبلية لوفور عدّتهم و بهور عدّتهم جاؤوا بما طلبوه، فقرّروهم على عقائدهم.

و كلّفوا الشيعة، المعروفة في ذلك العصر بالجعفرية، لمجي ء ذلك المال الذي أرادوا منهم، و لمّا لم يكن لهم كثرة مال توانوا في الإعطاء و لم يمكنهم

ذلك.

و كان ذلك في عصر السيد المرتضى «ره» و هو قد كان رأسهم و رئيسهم، و قد بذل جهده في تحصيل ذلك المال و جمعه من الشيعة فلم يتيسّر له، حتّى إنّه كلّفهم بأن يجيئوا بنصف ما طلبوه و يعطي النصف الآخر من خاصّة ماله، فما أمكن للشيعة هذا العطاء. فلذلك لم يدخلوا مذهب الشيعة في تلك المذاهب، و أجمعوا على صحّة خصوص الأربعة و بطلان غيرها. فآل أمر الشيعة إلى ما آل في العمل بقول الآل السادة الأنجاب.

و العامّة قد جوّزوا الاجتهاد في المذهب و لم يجوّزوا الاجتهاد من المذهب، حتّى إنّهم لم يجوزوا تلفيق أقوال هذه الأربعة و القول في بعض المسائل بقول بعض و في بعضها بقول الآخر. و استمرّوا على هذا الرأي إلى يومنا هذا، و لم يخالفهم أحد منهم في تلك الأعصار المتمادية سوى محيي الدّين العربي المعاصر لفخر الدين الرازي، حيث خالفهم في الفروع؛ فتارة يقول بقول واحد من هؤلاء الأئمة الأربعة في مسألة و يقول في مسألة أخرى بقول الآخر، و تارة يخترع في بعض المسائل و ينفرد بقول

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 81

لم يدخل في تلك الأقاويل.» «1» انتهى كلام رياض العلماء.

و في روضات الجنّات بعد نقل ما في رياض العلماء، قال:

«و يؤيد هذا التفصيل ما ذكره صاحب «حدائق المقرّبين»: أنّ السيد المرتضى «ره» واطأ الخليفة- و كأنّه القادر باللّه المتقدم إليه الإشارة- على أن يأخذ من الشيعة مأئة ألف دينار ليجعل مذهبهم في عداد تلك المذاهب و ترفع التقيّة و المؤاخذة على الانتساب إليهم، فتقبّل الخليفة، ثمّ إنّه بذل لذلك من عين ماله ثمانين ألفا، و طلب من الشيعة

بقية المال فلم يفوا به.» «2»

و كيف كان فالمقصود من الاجتهاد هو استخراج أحكام اللّه- تعالى- و إحرازها.

و المنابع لها هي الأدلّة الأربعة من الكتاب، و السنة، و العقل، و الإجماع على القول به. و هي- بحمد اللّه- باقية لنا، و قد شرّحت و فسّرت و تنقّحت أكثر مما كانت في عصر الأئمة الأربعة للسنّة.

و قد تقدّم الفقهاء الأربعة و تأخّر عنهم فقهاء كثيرون و يوجدون في أعصارنا أيضا، و لم يكن الفقهاء الأربعة معاصرين للنّبيّ «ص»، و لا ورّاث علمه بلا واسطة، بل تأخّروا عنه «ص» بأكثر من قرن، و لم يجعل اللّه- تعالى- العلم و الاجتهاد ملكا طلقا لبعض دون بعض، و لم يرد آية و لا رواية على تعيّن الأربعة، و لا دلّ عليه دليل من العقل.

فبأيّ وجه ينسدّ باب الاجتهاد من الكتاب و السنّة، و يتعيّن التقليد منهم، أو الاجتهاد في نطاق مذاهبهم فقط؟! و هل كان يوحى إليهم و لا يوحى إلى غيرهم؟! أو كان لهم نبوغ علمي و شرائط غير طبيعية لا توجد لغيرهم أبدا؟! و هل يكون إلزام الخليفة العباسي حجة شرعية لا تجوز مخالفتها؟!

و بالجملة، نحن لا نرى وجها مبرّرا لحصر الاجتهاد المطلق و الاستنباط من

______________________________

(1)- رياض العلماء 4/ 33.

(2)- روضات الجنّات 4/ 308.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 82

الكتاب و السنة على فئة خاصّة عاشوا بعد النبي «ص» بأكثر من قرن، و لم يتميّزوا قطّ بخصائص غير عادية لا توجد لغيرهم إلى يوم القيامة، و قد سبقهم أساتذتهم، و تقدّمهم و عاصرهم أئمة أهل البيت- عليهم السلام-، و لحقهم فقهاء كثيرون ملكوا علوم القدماء و تجاربهم و أضافوا إليها استنباطات

جديدة و يكونون أعلم بشرائط الزمان و أعرف بحاجاته و خصوصياته.

و في كتاب نظم الحكم و الإدارة في الشريعة الإسلامية تأليف علي علي منصور:

عن أبي حنيفة أنّه كان يقول: «علمنا هذا رأي لنا و هو أحسن ما قدرنا عليه؛ فمن جاءنا بأحسن منه فهو الصواب. و لا يحلّ لأحد أن يقول بقولنا حتّى يعلم من أين قلنا.»

و كان مالك يقول: «إنّما أنا بشر؛ أخطئ و أصيب، فانظروا في رأيي، فإن وافق الكتاب و السنّة فخذوا به، و ما لم يوافقهما فاتركوه.»

و كان الشافعي يقول لأتباعه: «لا تقلّدوني في كلّ ما أقول، و انظروا في ذلك، فإنّه دين.»

و يقول الإمام أحمد بن حنبل: «لا تقلّدوني، و لا مالكا، و لا الشافعي، و لا الثوري.

و خذوا من حيث أخذوا.» «1»

و في ديباجة المغني لابن قدّامة نقلا عن أبي حنيفة أنّه قال:

«لا يحلّ لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم مأخذه من الكتاب و السنّة و إجماع الأمّة و القياس الجليّ في المسألة.» «2»

و في كتاب «السنّة» لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل بسنده أنّ أبا حنيفة قال لأبي يوسف:

«يا يعقوب لا ترو عنّي شيئا، فو اللّه ما أدري أ مخطئ أم مصيب.» «3»

و في الفقه الإسلامي و أدلّته عن الشافعي أنه قال:

______________________________

(1)- نظم الحكم و الإدارة في الشريعة الإسلامية/ 35.

(2)- المغني 1/ 14.

(3)- السنة 1/ 226.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 83

«إذا صحّ الحديث فهو مذهبي. و اضربوا بقولي عرض الحائط.» «1»

و في ذيل مبادي نظم الحكم في الإسلام:

«كان الإمام أحمد يقول: لا تقلّد في دينك الرجال، فإنّهم لن يسلموا من أن يغلطوا. و من ترك الحديث و أخذ

بقول الرجال فقد ترك من لا يغلط إلى من يغلط.» ... إن أبا حنيفة كان يقول: «هذا رأيي؛ فمن جاء برأي خير منه قبلته.»

و إن الإمام أحمد كان يقول: «لا تقلّدني، و لا تقلّد مالكا، و لا الشافعي، و لا الثوري.

و تعلّم كما تعلّمنا.» «2»

إلى غير ذلك ممّا حكي عن الأئمة الأربعة في شأن آرائهم و فتاواهم.

نعم، الأئمة الاثنا عشر من العترة الطاهرة «ع» لهم ميز بلا ريب، لأنّهم أهل البيت، و أهل البيت أدرى بما في البيت، و قد جعلهم رسول اللّه «ص» عدلا للكتاب العزيز و قرينا له في حديث الثقلين المتواتر بطرق الفريقين. و قد رواه في عبقات الأنوار من طرق علماء السنّة عن خمسة و ثلاثين من الصحابة عنه «ص».

و قد مرّ نقل بعض أسناده في الباب الثاني من هذا الكتاب، و بيان دلالته على حجّيّة أقوال العترة الطاهرة، و أنّها غير مسألة الإمامة المختلف فيها بين الفريقين، فراجع.

و في نهج البلاغة: «هم موضع سرّه و لجأ أمره و عيبة علمه و موئل حكمه و كهوف كتبه و جبال دينه. بهم أقام انحناء ظهره و أذهب ارتعاد فرائصه ... لا يقاس بآل محمد «ص» من هذه الأمّة أحد، و لا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا. هم أساس الدين و عماد اليقين. إليهم يفي ء الغالي، و بهم يلحق التالي و لهم خصائص حقّ الولاية و فيهم الوصية و الوراثة.» «3»

و فيه أيضا: و من خطبة له- عليه السلام- يذكر فيها آل محمد- صلّى اللّه عليه و آله و سلم-: «هم عيش العلم و موت الجهل يخبرهم حلمهم عن علمهم (و ظاهرهم عن باطنهم)

______________________________

(1)- الفقه الإسلامي و أدلّته 1/ 37.

(2)-

مبادي نظم الحكم في الإسلام لعبد الحميد المتولي/ 327.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 44؛ عبده 1/ 24؛ لح/ 47، الخطبة 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 84

و صمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه. هم دعائم الإسلام و ولائج الاعتصام.

بهم عاد الحقّ في نصابه، و انزاح الباطل عن مقامه، و انقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية و رعاية لا عقل سماع و رواية، فإنّ رواة العلم كثير و رعاته قليل.» «1»

و في مستدرك الحاكم النيسابوري بسنده، عن أبي ذر، قال: سمعت النبي «ص» يقول: «ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه؛ من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق.» «2»

و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، و أهل بيتي أمان لأمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في حقّهم- عليهم السلام-.

و قال العلّامة شرف الدين الموسوي في كتاب المراجعات:

«و المراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمّتهم، و ليس المراد جميعهم على سبيل الاستغراق، لأنّ هذه المنزلة ليست إلّا لحجج اللّه و القوّامين بأمره خاصّة، بحكم العقل و النقل. و قد اعترف بهذا جماعة من أعلام الجمهور. ففي الصواعق المحرقة لابن حجر: و قال بعضهم: يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان، علماؤهم لأنّهم الذين يهتدى بهم كالنجوم، و الذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون ...» «4»

أقول: و لا أظنّ أنّ أحدا من المسلمين المنصفين يجترئ على تفضيل الأئمّة الأربعة في

فقه السنّة على الأئمّة الطاهرة من عترة النبي «ص» و أهل بيته في العلم و الفضائل.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 825؛ عبده 2/ 259؛ لح/ 357، الخطبة 239.

(2)- مستدرك الحاكم 3/ 151، كتاب معرفة الصحابة.

(3)- مستدرك الحاكم 3/ 149، كتاب معرفة الصحابة.

(4)- المراجعات/ 76 (المراجعة الثامنة).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 85

نعم، سياسة الأمويّين و العباسيّين في عصرهم صنعت ما صنعت بالعترة و الآل، و ما أدراك ما السياسة، و ما الذي يتعقبها إذا كانت شيطانية!! فتدبّر في المقام و احتط لدينك.

و قد ظهر لك بما ذكرناه أنّ حصر الاجتهاد في الأئمّة الأربعة لأهل السنّة لا أساس له في الشريعة و أنّه قبل أن يكون أمرا دينيّا فقهيّا كان أمرا سياسيّا متطوّرا على حسب تطوّر السياسة في الأزمنة و الأمكنة. و الأئمة الأربعة بأنفسهم أيضا بريئون منه، فراجع الكتب المتعرضة لتاريخ المذاهب الأربعة و المتمذهبين بها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 86

8- التقليد و أدلّته
[معنى التقليد و منشأه]

لا يخفى أنّ استنباط الأحكام الشرعية و استخراجها من أدلّتها و منابعها يكون بتصدّي المجتهد الفقيه العالم بالكتاب، و السنّة، و أحكام العقل القطعية، و ما يتوقّف عليه الاستنباط من العلوم المختلفة.

فمن يكون مجتهدا فعليه الاستنباط و العمل بما فهمه و استنبطه، أو الاحتياط في مقام العمل.

و من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد فلا محالة يحتاط في العمل مع الإمكان أو يرجع إلى فتوى من اجتهد و استنبط.

و على هذا فعلى النوّاب في مجلس الشورى أيضا الرجوع في تخطيطهم و برامجهم السياسية إلى فتاوى المجتهد الواجد للشرائط. و الأحوط بل الأقوى في المسائل الخلافية رعاية الأعلميّة أيضا على ما يقتضيه ارتكاز العقلاء و سيرتهم، كما

أنّه المتعيّن لأمر الولاية أيضا إذا وجد سائر الشرائط كما مرّ.

و قد استقرّت سيرة العقلاء في جميع الأعصار و الأمصار من جميع الأمم و المذاهب على رجوع الجاهل في كلّ فنّ إلى العالم الخبير المتخصّص فيه إذا كان ثقة، و قد يعبّر عنه بأهل الخبرة.

فالمريض يرجع إلى الطبيب الحاذق الثقة و يعمل برأيه. و المتعاملان يرجعان في معاملاتهما إلى المتخصص في معرفة الأمتعة و قيمها. و هكذا في سائر الأمور التخصصية.

بل لا يمكن أن يستقيم نظام بدون التقليد إجمالا، إذ لا يوجد مجتمع يستطيع جميع أفراده تحصيل المعرفة التفصيلية بجميع ما يتّصل بحياتهم من الهندسة و الطبّ و أصول

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 87

الصناعات و الحرف الضروريّة.

و استمرّت سيرة أصحاب النبي «ص» و الأئمة «ع» أيضا على استفتاء بعضهم من بعض و العمل بقوله و فتياه من دون ردع منهم «ع».

و التقليد المذموم في الكتاب العزيز هو تقليد الأبناء للآباء أو الاتباع للرؤساء تعصّبا، أي تقليد الجاهل لجاهل مثله أو لفاسق غير مؤتمن، لا رجوع الجاهل في كل فنّ إلى العالم الخبير فيه إذا كان ثقة؛ فإنّه أمر فطريّ ضروريّ لا محيص عنه للمجتمعات و إن كانت في أعلى مراتب الرقي. و في الحقيقة ليس هذا تقليدا بل كسب علم بنحو الإجمال.

فالمجتهد يعرف حكم الواقعة بنحو التفصيل، و المقلّد برجوعه إلى العالم الثقة يكسب العلم أو الوثوق به إجمالا، و يعمل بما حصل له من العلم.

و الإشكال في السيرة بأنّها إنّما تفيد إذا اتصلت بعصر الأئمة «ع» و لم يردعوا عنها، و الاجتهاد بنحو يوجد في أعصارنا من إعمال الدقّة و استنباط الفروع من الأصول الكليّة لم يعهد

وجوده في تلك الأعصار، مدفوع. إذ التفريع على الأصول، و كذا مقايسة الأخبار المتعارضة و إعمال الترجيح فيها كان متعارفا بين أصحاب الأئمة «ع» أيضا، كما يشهد بذلك قوله «ع»: «إنّما علينا أن نلقى إليكم الأصول و عليكم أن تفرعوا» «1» هذا.

ما استدلوا به على حجّيّة فتوى الفقيه:
اشارة

و استدلوا على حجّيّة فتوى الفقيه مضافا إلى السيرة المذكورة ببعض الآيات و الروايات أيضا:

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 41، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 51.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 88

[الآيات]

1- فمن الآيات قوله- تعالى-: «وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ إِلّٰا رِجٰالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ». «1»

بتقريب أنّ وجوب السؤال يستلزم وجوب القبول و ترتيب الأثر عليه و إلّا وقع لغوا، و إذا وجب قبول الجواب وجب قبول كلّ ما يصحّ أن يسأل عنه، إذ لا خصوصيّة لسبق السؤال.

2- و منها قوله- تعالى-: «وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً، فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.» «2»

بتقريب أنّ الظاهر من الآية بمقتضى كلمة «لو لا» وجوب النفر، فتجب الغاية و غاية الغاية أيضا، أعني التفقّه و الإنذار و حذر القوم، و لأنّ طبع الحذر يناسب اللزوم. و المراد بالإنذار بقرينة لفظ التفقّه في الدين هو بيان الأحكام الشرعية، فذكر اللازم و أريد الملزوم. فتدل الآية على وجوب ترتيب الأثر على قول الفقيه المبيّن للأحكام. و إن شئت قلت إذا وجب بيان الأحكام وجب ترتيب الأثر و إلّا وقع لغوا.

3- و منها قوله: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ.» «3»

فإنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول بعد الإظهار و إلّا لزم اللغو.

4- و منها قوله- تعالى- حكاية عن إبراهيم الخليل: «يٰا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جٰاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مٰا لَمْ يَأْتِكَ، فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرٰاطاً سَوِيًّا.» «4»

______________________________

(1)- سورة النحل

(16)، الآية 43.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 122.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 159.

(4)- سورة مريم (19)، الآية 43.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 89

دلّت الآية على وجوب إطاعة العالم في علمه و المتابعة له. إلى غير ذلك من الآيات.

[الروايات]
اشارة

و أمّا الروايات فهي في غاية الكثرة و تنقسم إلى طوائف سبع.

الطائفة الأولى: ما ورد في مدح الرواة

و الترغيب في نشر الأحاديث و بيان الأحكام الشرعية، و هي كثيرة:

5- فمنها ما رواه الرضا «ع» عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «اللّهم ارحم خلفائي»- ثلاث مرات- فقيل له: يا رسول اللّه و من خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي و يروون عنّي أحاديثي و سنّتي، فيعلمونها الناس من بعدي.» «1»

و قد مرّت أسانيد الحديث و شرحه في الفصل الثالث من الباب الخامس في الاستدلال به لإثبات ولاية الفقيه، و قلنا هناك أنّه ليس المراد به الحفّاظ لألفاظ الحديث نظير المسجّلات، بل المتفقّهون في أقواله «ص» و سنّته، فراجع ما حررناه هناك.

6- و منها خبر عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت الرضا «ع» يقول:

«رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا.» قلت: و كيف يحيى أمركم؟ قال: «يتعلّم علومنا و يعلّمها الناس.» «2»

و تقريب الاستدلال بالحديثين يظهر ممّا مرّ و إن كان في الجميع إشكال يأتي بيانه.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 66، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 53.

(2)- الوسائل 18/ 102، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 90

الطائفة الثانية من الروايات: ما ورد من الأئمة- عليهم السلام- من إرجاع شيعتهم إلى الفقهاء منهم

بنحو العموم:

7- منها ما في توقيع صاحب الزمان- عليه السلام- الذي رواه الصدوق في كتاب كمال الدين، عن محمد بن محمد بن عصام الكليني، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان «ع»، و فيه: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، و أنا حجّة اللّه عليهم.» و رواه الشيخ أيضا في الغيبة بسنده

عن الكليني.

و رواه الطبرسي في آخر الاحتجاج أيضا عنه «1».

و قد مرّ البحث في سند الحديث و متنه في الفصل الثالث من الباب الخامس في إثبات ولاية الفقيه، و قلنا هناك أنّ إسحاق بن يعقوب مجهول، و أنّ الرواية و إن دلّت على جلالته و لكن الراوي لها نفسه. و نقل الكليني عنه و إن أشعر باعتماده عليه و لكن الرواية لم تذكر في الكافي و لا ندري ما هو الوجه في ذلك؟!

و كيف كان فالظاهر أنّ المراد بالرواة في الحديث هم الفقهاء المستند علمهم و فقههم إلى روايات أهل البيت، في قبال أهل القياس و الاجتهادات الظنّيّة.

و احتمال العهد و عدم العموم في الحوادث لا يضرّ بالاستدلال بعد عموم التعليل، أعني قوله «ع»: «فإنّهم حجّتي عليكم.» فهم بجعله «ع» صاروا حجّة علينا، كما هو حجّة اللّه المطلق. و اطلاقه يقتضي جواز الرجوع إلى فقهاء الشيعة و الأخذ

______________________________

(1)- كمال الدين/ 483، باب ذكر التوقيعات ...، الحديث 4، و الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 91

بقولهم، سواء حصل العلم أو الوثوق من قولهم أم لا، فيكون حجة مطلقا.

8- و منها ما في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري- عليه السلام-: «فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه، و ذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم.» «1»

و رواه الطبرسي أيضا في أواخر الاحتجاج عنه «ع» «2».

و الراوي لهذا التفسير هو الصدوق- عليه الرحمة- عن أبي الحسن محمد بن القاسم المفسّر الأسترآبادي الخطيب، قال: حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد

بن زياد و أبو الحسن علي بن محمد بن سيّار. و الثلاثة كلّهم مجاهيل و إن تكلّف في تنقيح المقال لتوثيقهم «3».

و مجرّد رواية الصدوق عنهم لا يدلّ على توثيقهم، فإنّه في غير الفقيه روى عن غير الموثقين كثيرا، بل فيه أيضا.

و قد قطع جمع من الأعلام منهم ابن الغضائري بكون التفسير موضوعا، و قالوا إنّ فيه مطالب لا يناسب صدورها عن الإمام- عليه السلام-.

و أمّا دلالة الرواية فواضحة. و إطلاقها يدلّ على حجّية قول الفقيه الواجد للشرائط مطلقا؛ حصل الوثوق من قوله أم لا. و لعلّ عدم إيجاب التقليد من جهة التخيير بينه و بين الاحتياط.

9- و منها ما رواه الكشّي بسنده، عن أحمد بن حاتم بن ماهويه، قال: كتبت إليه، يعني أبا الحسن الثالث «ع» أسأله عمّن آخذ معالم ديني، و كتب أخوه أيضا بذلك، فكتب «ع» إليهما: «فهمت ما ذكرتما، فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا، و كلّ كثير القدم في أمرنا، فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه- تعالى-.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 95، الباب 10 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20.

(2)- الاحتجاج للطبرسي/ 255 (طبعة أخرى 2/ 263).

(3)- راجع تنقيح المقال 3/ 175 و 336، و 2/ 305.

(4)- الوسائل 18/ 110، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 92

و المراد بأخيه على ما قيل فارس أو طاهر بن حاتم. و أحمد بن حاتم مجهول.

و هل المراد بأخذ معالم الدين تعلّمها، أو أخذها تعبّدا و إن لم يحصل العلم و الوثوق؟ فعلى الثاني يكون وزان الخبر وزان الروايتين السابقتين. و لو أريد بمعالم الدين الأعمّ من الأصول و الفروع كما هو

الظاهر يرد عليه أنّ التقليد التعبّدي لا يجزي في الأصول إلّا أن تخصّص الرواية بالنسبة إلى أصول الدين بدليل آخر، فتدبّر.

فهذه ثلاث روايات ضعيفة من حيث السند، و لكن لها دلالة على حجّية قول الفقيه مطلقا و إن لم يحصل علم أو وثوق.

الطائفة الثالثة: ما ورد من الأئمّة- عليهم السلام- من إرجاع بعض الشيعة إلى بعض،

و بيان وثاقتهم و أمانتهم. و هي أيضا كثيرة:

10- فمنها ما رواه الكليني، عن محمد بن عبد اللّه الحميري و محمد بن يحيى جميعا، عن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي الحسن «ع»، قال سألته و قلت: من أعامل أو عمّن آخذ و قول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، و ما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له و أطع، فإنّه الثقة المأمون.

و أخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمد «ع» عن مثل ذلك، فقال له: العمري و ابنه ثقتان.

فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان، و ما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما و أطعهما، فإنّهما الثقتان المأمونان ...» و رواه الشيخ أيضا في كتاب الغيبة «1».

و الرواية صحيحة. و أحمد بن إسحاق شيخ القميّين من خواصّ أبي محمد «ع».

______________________________

(1)- الكافي 1/ 329، كتاب الحجة، باب في تسمية من رآه، الحديث 1؛ و الوسائل 18/ 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 93

و المراد بالعمري و ابنه: عثمان بن سعيد العمري و ابنه محمد بن عثمان، و كلاهما من نوّاب الناحية المقدسة.

و هل الرواية في مقام جعل الحجيّة التعبّديّة لروايتهما أو لفتواهما، أو تكون إمضاء لما استقرّت عليه السيرة من العمل بقول الثقة المأمون رواية أو فتوى، و

إنّما تعرضت لكون الرجلين من مصاديق ما استقرت عليه السيرة؟ وجهان.

ظاهر تعليل الإمام- عليه السلام- هو الثاني. إذ التعليل يقع عادة بذكر كبرى كليّة ارتكازيّة معلومة للمخاطب. و سبق العهد بكبرى كليّة شرعيّة بهذا المضمون بعيد جدا.

ثمّ هل تكون الرواية دليلا لحجيّة رواية الثقة أو فتواه، أو كلتيهما؟ لعلّ الظاهر هو الأخير. إذ الفتوى في تلك الأعصار كانت قليلة المؤونة؛ فإن ذكر الرواية بقصد الحكاية عن الإمام كان رواية، و إن ذكرها بقصد الحكاية عمّا فهمه و أدركه من الحكم الشرعي كان فتوى.

11- و منها ما رواه الكشي بسنده، عن شعيب العقرقوفي، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»، ربّما احتجنا أن نسأل عن الشي ء، فمن نسأل؟ قال: «عليك بالأسدي، يعني أبا بصير.» «1»

12- و منها ما رواه الكشي أيضا، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إنّه ليس كلّ ساعة ألقاك و لا يمكن القدوم، و يجي ء الرجل من أصحابنا فيسألني و ليس عندي كلّ ما يسألني عنه؟ فقال: «ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي، فإنّه سمع من أبي و كان عنده وجيها.» «2»

و الرواية بنفسها شاهدة على أنّ رجوع بعض الأصحاب إلى بعض و الاستفتاء منه كان أمرا متعارفا.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 103، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15.

(2)- الوسائل 18/ 105، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 23.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 94

13- و منها ما رواه أيضا عن يونس بن يعقوب، قال: كنّا عند أبي عبد اللّه «ع» فقال: «أ ما لكم من مفزع؟ أ ما لكم من مستراح تستريحون إليه؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النضري؟»

«1»

14- و منها ما رواه عن عليّ بن المسيّب الهمداني، قال: قلت للرضا «ع»:

«شقتي بعيدة و لست أصل إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: «من زكريا بن آدم القميّ المأمون على الدين و الدنيا.» قال عليّ بن المسيّب: فلمّا انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه «2».

15- و منها ما رواه عن عبد العزيز بن المهتدي و الحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا «ع»، قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كلّ ما احتاج إليه من معالم ديني، أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟

فقال: نعم. «3»

16- و منها ما رواه أيضا عن عبد العزيز بن المهتدي- و كان خير قميّ رأيته، و كان وكيل الرضا «ع» و خاصّته- قال: سألت الرضا «ع» فقلت: إنّي لا ألقاك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال: «خذ عن يونس بن عبد الرحمن.» «4»

17- و منها ما رواه أيضا عن عبد العزيز بن المهتدي، قال: قلت للرضا «ع»: إنّ شقّتي بعيدة فلست أصل إليك في كلّ وقت، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين؟ قال: نعم. «5»

أقول: الشقّة بالضم و التشديد: المسافة التي يشقّها المسافر.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 105، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 24.

(2)- الوسائل 18/ 106، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.

(3)- الوسائل 18/ 107، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33.

(4)- الوسائل 18/ 107، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 34.

(5)- الوسائل 18/ 107، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 95

18- و يشبه هذه الطائفة ما رواه الكشي بسنده عن جميل بن دراج، قال:

سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ بالجنة: بريد بن معاوية العجلي، و أبو بصير ليث بن البختري المرادي، و محمد بن مسلم، و زرارة. أربعة نجباء أمناء اللّه على حلاله و حرامه.

لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة و اندرست.» «1»

19- و ما رواه بسنده عن سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ما أجد أحدا أحيا ذكرنا و أحاديث أبي «ع» إلّا زرارة، و أبو بصير ليث المرادي، و محمد بن مسلم، و بريد بن معاوية العجلي. و لو لا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين و أمناء أبي على حلال اللّه و حرامه ...» «2» هذا.

و الظاهر أنّ هذه الأحاديث بكثرتها ليست في مقام جعل الحجّية التعبّديّة لخبر الثقة أو فتواه، بل مفادها إمضاء السيرة المستمرة و بيان المصداق لموضوعها، فتدبّر.

الطائفة الرابعة: ما اشتمل على الأمر بالإفتاء و الترغيب فيه:

20- فمنها ما رواه الشيخ الطوسي، عن أبي جعفر الباقر «ع» أنّه قال لأبان بن تغلب: «اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس، فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك.» «3»

21- و منها ما رواه الكشي بسنده، عن معاذ بن مسلم النحوي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «بلغني أنّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟» قلت: نعم و أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إنّي أقعد في المسجد فيجي ء الرجل فيسألني عن الشي ء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون. و يجي ء الرجل أعرفه بمودّتكم

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 103، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 14.

(2)- الوسائل 18/ 104، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 21.

(3)- الفهرست للطوسي/

17 (طبعة أخرى/ 41).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 96

و حبّكم، فأخبره بما جاء عنكم. و يجي ء الرجل لا أعرفه و لا أدري من هو، فأقول:

جاء عن فلان كذا و جاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك. فقال لي:

«اصنع كذا، فإنّي كذا أصنع.» و رواه الصدوق في العلل أيضا. «1»

22- و منها ما في نهج البلاغة في كتابه إلى قثم بن عباس، و هو عامله على مكّة:

«أمّا بعد، فأقم للناس الحجّ، و ذكّرهم بأيّام اللّه و اجلس لهم العصرين فأفت المستفتي و علّم الجاهل و ذاكر العالم.» «2»

و يشبه هذه الطائفة ما في قصّة بعث رسول اللّه «ص» مصعب بن عمير و عمرو بن حزم:

23- ففي سيرة ابن هشام في قصّة بيعة العقبة: «قال ابن إسحاق: فلمّا انصرف عنه القوم بعث رسول اللّه «ص» معهم مصعب بن عمير ... و أمره أن يقرئهم القرآن و يعلّمهم الإسلام و يفقّههم في الدين.» «3»

24- و في السيرة، و الطبري: «و بعث رسول اللّه «ص» عمرو بن حزم واليا على بنى الحارث ليفقّههم في الدين و يعلّمهم السنّة و معالم الإسلام.» «4»

إذ تفهيم فروع الدين و الأحكام لم يكن إلّا بالإفتاء فيها، كما لا يخفى.

و تقريب الاستدلال بهذه الروايات أنّ فائدة الإفتاء هي ترتيب الأثر عليه و العمل على طبق الفتوى، و إلّا وقع لغوا. فبدلالة الاقتضاء يفهم جواز العمل به.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 108، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 36.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1062؛ عبده 3/ 140؛ لح/ 457، الكتاب 67.

(3)- سيرة ابن هشام 2/ 76.

(4)- سيرة ابن هشام 4/ 241؛ و نحوه في تاريخ الطبري 4/ 1727.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 97

الطائفة الخامسة من الروايات: ما دلّ على حرمة الإفتاء بغير علم،

حيث يستفاد منها جواز أصل الإفتاء و صحّته:

25- فمنها ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بسنده، عن حمزة بن حمران، قال:

«سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «من استأكل بعلمه افتقر.» قلت: إنّ في شيعتك قوما يتحمّلون علومكم و يبثّونها في شيعتكم، فلا يعدمون منهم البرّ و الصلة و الإكرام؟

فقال: «ليس أولئك بمستأكلين، إنّما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدى من اللّه ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا.» «1»

26- و منها ما رواه الكليني بسند صحيح، عن أبي عبيدة، قال: قال أبو جعفر «ع»: «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه.» «2»

إلى غير ذلك من الروايات، فراجع.

الطائفة السادسة: ما دلّ على أنّ الإفتاء و الأخذ به كان متعارفا

و لم يردع عنه الأئمّة بل قرّروه:

27- فمنها خبر علي بن أسباط، قال: قلت للرضا «ع»: يحدث الأمر لا أجد بدّا

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 102، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 12.

(2)- الوسائل 18/ 9، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 98

من معرفته، و ليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: فقال:

«ايت فقيه البلد فاستفته من أمرك، فإذا أفتاك بشي ء فخذ بخلافه، فإنّ الحقّ فيه.» «1»

و لعلّ الراوي كان بلغه حديثان متعارضان في المسألة، و في مثله يحمل الموافق لأهل الخلاف على صدوره تقيّة، أو أنّه في عصر الرضا «ع» كان بناء فقهاء السلاطين على الإفتاء بخلاف أهل البيت.

28- و منها ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، رفعه، قال: سألت امرأة أبا عبد اللّه «ع» فقالت: إنّي كنت أقعد في نفاسي

عشرين يوما حتّى أفتوني بثمانية عشر يوما؟ فقال أبو عبد اللّه «ع»: و لم أفتوك بثمانية عشر يوما؟ فقال رجل للحديث الّذي روي عن رسول اللّه «ص» ...» «2»

إلى غير ذلك من الروايات التي يظهر منها إمضاء الإمام و تقريره لأصل الإفتاء و الأخذ به.

الطائفة السابعة: ما دلّ على إرجاع أمر القضاء إلى الفقهاء من الشيعة

و إيجاب القبول لحكمهم:

29- فمنها ما مرّ من مقبولة عمر بن حنظلة في حكم المتنازعين، و فيها: «ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا؛ فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما. فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرادّ على اللّه و هو على حدّ الشرك باللّه.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 83، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 33.

(2)- الوسائل 2/ 613، الباب 3 من أبواب النفاس، الحديث 7.

(3)- الوسائل 18/ 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 99

30- و منها خبر أبي خديجة، و فيه: «اجعلوا بينكم رجلا ممّن قد عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته قاضيا.» «1»

و تقريب الاستدلال بها أنّ القضاء يلازم الإفتاء؛ فإذا كان القضاء نافذا و لم يجز ردّه لزم منه كون الإفتاء أيضا نافذا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 99

فهذه سبع طوائف من الروايات التي ربّما استدل بها على حجيّة فتوى المجتهد لمن رجع إليه و قلّده.

المناقشة في أدلّة التقليد:

أقول: التقليد المصطلح عليه في أعصارنا عبارة عن الأخذ بقول الفقيه العادل تعبّدا، و إن فرض أنّه لم يحصل للمقلّد الوثوق و الاطمينان بمطابقته للواقع. فيكون قول الفقيه العادل و فتياه حجّة تأسيسية تعبّدية، نظير حجّيّة البيّنة الثابتة بخبر مسعدة بن صدقة.

و لا يخفى أنّ إثبات ذلك بالآيات المذكورة و أكثر الروايات

التي مرّت مشكل، لعدم كونها في مقام جعل التكليف الظاهريّ للجاهل و أنّه متعبّد بالأخذ بأقوال العلماء و فتاواهم و إن لم يحصل له وثوق بكونها مطابقة للواقع.

بل الظاهر من آية السؤال أنّ الجاهل يجب عليه السؤال حتى يحصل له العلم و لو بنحو الإجمال. و يشهد لذلك أنّ الظاهر منها بقرينة المورد كون المقصود هو السؤال عن مواصفات الأنبياء التي لا يجزي فيها الظن و التقليد قطعا.

و المراد بأهل الذكر على هذا أهل الكتاب من اليهود، كما عن ابن عباس

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6. و لفظة «عليكم» بعد قوله «جعلته» ليست في التهذيب بطبعيه، و إن وجدت في الوسائل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 100

و مجاهد. و في بعض الأخبار أنّ المراد بأهل الذكر هم الأئمة الاثنا عشر- عليهم السلام- «1».

و كيف كان فلا ترتبط بباب التقليد التعبّدي.

هذا مضافا إلى أنّ الآية في مقام بيان وجوب السؤال، لا وجوب العمل بما أجيب حتى يتمسك بإطلاقه لصورة عدم حصول الوثوق و العلم أيضا. و يكفي في عدم لغوية السؤال ترتب فائدة ما عليه، و هو العمل بالجواب مع الوثوق.

و بذلك يظهر الجواب عن آية الكتمان أيضا.

و أمّا آية النفر، فمحطّ النظر فيها هو بيان وجوب تعلّم العلوم الدينيّة و التفقّه فيها بالنفر إلى مظانّها، ثمّ نشرها في البلاد ليعمّ العلم جميع العباد فيتعلّم غير النافرين من النافرين لعلّهم يحذرون.

و ليست في مقام جعل الحجّيّة التعبّديّة لقول الفقيه و بيان وجوب الحذر من قوله مطلقا حتّى يتمسّك بإطلاقه لصورة عدم حصول العلم و الوثوق أيضا.

نعم، يحصل غالبا للجهال العلم العادي و سكون النفس

بصحّة ما أنذروا به إجمالا إذا كان المنذر ثقة من أهل الخبرة. و يكفي هذا قطعا، إذ العلم حجّة ذاتا و يكون عند العقلاء أعمّ ممّا لا يحتمل فيه الخلاف أصلا، أو يكون احتمال الخلاف فيه ضعيفا جدّا بحيث لا يعتنى به و يكون وجوده كالعدم، و نعبّر عنه بالوثوق و الاطمينان و سكون النفس و نحو ذلك.

و يشهد لعدم كون الآية في مقام بيان الحكم الظاهري التعبّدي رواية عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي عبد اللّه «ع» الواردة في تفسيرها، قال «ع»: «فأمرهم أن ينفروا إلى رسول اللّه «ص» فيتعلّموا ثمّ يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم.» «2» فالغرض هو التعلّم ثمّ التعليم، لا التعبّد المحض.

______________________________

(1)- راجع اصول الكافي 1/ 210، كتاب الحجّة، باب أن أهل الذكر ... هم الأئمة.

(2)- الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 101

و يشهد له أيضا الاستدلال بها في أخبارنا لوجوب نفر البعض لمعرفة الإمام ثم تعريفه للباقين. «1»

مع وضوح أنّ الإمامة من المسائل الاعتقاديّة التي لا يجري و لا يجزي فيها التعبّد و التقليد.

و بذلك يظهر الأمر في قول الخليل «ع» لأبيه أيضا، إذ ليس مراده المتابعة التعبّدية، فإنّ التوحيد و نفي الشرك من أصول الدين و لا مجال للتعبّد فيه.

و كذلك الكلام في الطائفة الأولى من الروايات، فإن المقصود فيها بثّ العلم و نشره، و لذا قال: «فيعلّمونها الناس من بعدي.» فلا ربط لها بالتقليد التعبّدي.

و أمّا الطائفة الثالثة الواردة في إرجاع بعض الشيعة إلى بعض، فالظاهر أنّها ليست بصدد التأسيس و جعل الحجية لقول الفقيه أو الراوي تعبّدا، بل تكون إمضاء لما استقرّت عليه السيرة

من الأخذ بقول الخبير الثقة و بيانا لكون الأفراد المذكورة من مصاديق موضوعها.

هذا مضافا إلى امكان منع كونها مرتبطة بباب الاجتهاد و الإفتاء، بل لعلّها مرتبطة بباب الرواية. و بين البابين بون بعيد. فإنّ الراوي يحكي عن الإمام، و المفتي يحكي عن فهم نفسه و رأيه. اللّهم إلّا أن يقال بعمومها لكلا البابين.

و أمّا ما دلّ على الترغيب في الإفتاء أو جوازه أو تقريره، فلا يدلّ على وجوب القبول و التعبّد به مطلقا، لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، بل لعلّ الواجب هو العمل بالفتوى بعد حصول الوثوق بمطابقته للواقع، كما عليه السيرة.

و ليست فائدة الإفتاء منحصرة في التعبّد به بنحو الإطلاق حتّى يحكم بذلك بدلالة الاقتضاء.

______________________________

(1)- أصول الكافي 1/ 378، كتاب الحجة، باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 102

و أما ما دلّ على إرجاع أمر القضاء إلى الفقهاء فالتعدّي منه إلى غير باب القضاء متوقّف على إلغاء الخصوصيّة و القطع بعدم دخالتها، و هو ممنوع. لارتباط القضاء بالمتنازعين، فلا يمكن فيه الاحتياط، و فصل الخصومة ممّا لا محيص عنه. ففي مثله يكون حكم الفقيه نافذا حتّى مع العلم بالخلاف أيضا فضلا عن صورة الشكّ.

و بالجملة، إثبات التقليد التعبّدي بهذه الآيات و الروايات مشكل.

نعم، الطائفة الثانية من الروايات، أعني التوقيع الشريف و ما في تفسير الإمام و خبر أحمد بن حاتم بن ماهويه ظاهرة في جعل الحجّية لقول الفقيه الثقة و جواز العمل بقوله مطلقا و إن لم يحصل العلم و الوثوق، فيكون حجّة تأسيسيّة شرعية.

و لكن الإشكال في سندها، كما مرّ. فإثبات هذا الحكم الأساسيّ بمثل هذه الروايات الضعيفة غير

المذكورة في الكتب الأربعة التي عليها المدار مشكل.

فالعمدة في الباب هي بناء العقلاء و سيرتهم

على رجوع الجاهل في كلّ فن إلى العالم فيه. و لا مجال للإشكال فيها، لحصولها في جميع الأعصار و الأمصار و جميع الأمم و المذاهب.

و قد استقرّت سيرة الأصحاب أيضا في عصر النبي «ص» و الأئمة «ع» على رجوع الجاهل إلى العالم و الاستفتاء منه و العمل بما سمعه من الخبير الثقة.

و لكن ليس بناء العقلاء مبنيّا على التعبّد من ناحية الآباء أو الرؤساء، و لا على إجراء دليل الانسداد و أنّهم مع الالتفات إلى انسداد باب العلم اضطرّوا إلى العمل بالتقليد و الظنّ، و لا على اعتماد كلّ فرد في عمله على عمل سائر العقلاء و بنائهم.

بل من جهة اعتماد كلّ فرد في عمله هذا على علم نفسه و الإدراك الحاصل في ضميره. فالمراد بناء العقلاء بما هم عقلاء، حيث إنّ الجاهل برجوعه إلى الخبير الثقة يحصل له الوثوق و الاطمينان، و هو علم عادي تسكن به النفس، و العلم حجّة عند العقل.

فيرجع بناء العقلاء هنا إلى حكم العقل، حيث إنّهم لا يتقيّدون في نظامهم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 103

بالعلم التفصيلي المستند إلى الدليل في جميع المسائل، بل يكتفون بالعلم الإجمالي أيضا. كما لا يتقيّدون بما لا يحتمل فيه الخلاف أصلا، بل يكتفون بالوثوق و العلم العادي أيضا، أي ما يكون احتمال الخلاف فيه ضعيفا جدا. و ليس في هذا تعبّد أصلا، لعدم التعبّد في عمل العقلاء بما هم عقلاء.

فإذا فرض أنّه في مورد خاص لم يحصل لهم الوثوق الشخصي بقول أهل الخبرة لجهة من الجهات- كما ربما يتّفق ذلك في المسائل التفريعيّة الدقيقة الخلافيّة- فإن لم يكن الموضوع

مهمّا و جاز فيه التسامح أمكن أيضا العمل رجاء. و أمّا إذا كان الموضوع من الأمور المهمّة التي لا يتسامح فيها كالمريض الدائر أمره بين الحياة و الموت مثلا فلا محالة يحتاطون حينئذ إن أمكن، أو يرجعون فيه إلى خبير آخر أو شورى طبيّة مثلا.

و لا يخفى أن مسائل الدين و الشريعة كلّها مهمّة لا يجوز لها فيها التسامح و التساهل.

و بالجملة، فالملاك في بناء العقلاء و عملهم حصول الوثوق الشخصيّ. و ليس هذا تقليدا تعبديّا، بل هو علم عادي بنحو الإجمال يكتفي به العقلاء.

و بعبارة أخرى، إن كان التقليد عبارة عن العمل بقول الغير من دون مطالبة الدليل فهذا يكون تقليدا، و أمّا إذا كان عبارة عن الأخذ بقول الغير تعبّدا فعمل العقلاء ليس تقليدا، إذ ليس بينهم تعبّد.

و يجري ما ذكرناه في جميع الأمارات العقلائيّة التي لا تأسيس فيها للشارع، فإنّ العقلاء لا يعتمدون عليها إلّا مع حصول الوثوق و العلم العادي.

فإن قلت: المعتبر في إحراز الواقعيّات و إن كان هو الوثوق الشخصي و العلم العادي، و لكنّ بناء العقلاء في مقام الاحتجاج الدائر بين الموالي و العبيد هو الاحتجاج بقول الخبير الثقة مطلقا، فلا يسمع اعتذار العبد في مخالفته لقول الخبير الثقة بأنّه لم يحصل له الوثوق شخصا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 104

قلت: لا نسلّم الفرق بين المقامين؛ فلو فرض أنّ المولى فوّض أمر ابنه إلى عبده، فمرض الابن و ذهب به العبد إلى طبيب، فصادف أنّ العبد تردّد في صحّة طبابته لجهة من الجهات، و كان يتمكّن من الاحتياط أو الرجوع إلى طبيب آخر أو شورى طبيّة، فترك ذلك و عمل بقول الطبيب الأوّل و

اتّفق أنّ الابن مات لذلك، فإذا اطّلع المولى على تفصيل الواقعة فهل ليس له أن يعاتب العبد؟ و هل يسمع اعتذار العبد بأنّه عمل بتكليفه من الرجوع إلى الطبيب؟

و الحاصل أنّ الرجوع إلى فقهاء أصحاب النبي «ص»، و كذا أصحاب الأئمة- عليهم السلام- أمثال زرارة، و محمّد بن مسلم، و بريد العجلي، و ليث بن البختري المرادي، و يونس و غيرهم من بطانة الأئمة «ع» كان أمرا متعارفا، كما تعارف إرجاع الأئمة «ع» أيضا إليهم، و لكن لم يكن الاجتهاد في تلك الأعصار بحسب الغالب مبتنيا على المباني الصعبة الدقيقة، بل كان خفيف المؤونة جدّا، فكان يحصل الوثوق غالبا للمستفتي و كان يعمل بوثوقه و اطمينانه الحاصل من فتوى الفقيه.

فكذلك في أعصارنا لو حصل الوثوق بصحّة فتوى المفتي و كونه مطابقا للواقع، كما لعلّه الغالب أيضا للأغلب، صحّ الأخذ به.

و في الحقيقة العمل إنّما يكون بالوثوق الذي هو علم عاديّ تسكن به النفس، لا بالتقليد و التعبّد.

و أمّا إذا لم يحصل الوثوق في مورد خاصّ لجهة من الجهات، فالعمل به تعبّدا مشكل.

نعم، لو ثبت جعل الشارع قول الفقيه حجّة تأسيسيّة تعبّدية، نظير جعل البينة حجّة في الدعاوي، صحّ العمل به و إن لم يحصل الوثوق، بل و إن حصل ظنّ ما بالخلاف، و لكن إثبات ذلك مشكل. إذ ما استدلّ به من الآيات و الروايات لإثبات ذلك إمّا أن تكون مرتبطة بباب التعليم و التعلّم، أو تكون إرشادا إلى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 105

ما عليه بناء العقلاء و سيرتهم، أو تكون في مقام بيان المصاديق لذلك، أو يكون سندها مخدوشا، فتدبّر. هذا.

و لكن لقائل أن يقول: إنّ مقتضى

ما ذكرت وجوب الاحتياط فيما إذا لم يحصل الوثوق الشخصي من قول الثقة أو فتواه أو غيرهما من الأمارات مطلقا، سواء كان الشك في ثبوت التكليف أو في سقوطه بعد ثبوته، و سواء كان الموضوع من الأمور المهمّة كالدماء و الفروج أو من غيرها، و لا نظنّ أحدا يلتزم بذلك.

فالحقّ في المسألة هو التفصيل؛ فإن كان الشك في سقوط التكليف بعد ثبوته و لو بالعلم الإجمالي وجب الاحتياط أو العمل بأمارة شرعيّة أو عقلائيّة توجب العلم أو الوثوق بالامتثال. و كذلك الكلام إذا كان الشك في أصل ثبوت التكليف و لكن الموضوع كان من الأمور المهمة. و أمّا في غيرها فتجري البراءة العقلية و الشرعية. نعم، مع وجود الأمارة الشرعية أو العقلائية على التكليف يجب الأخذ بها و إن لم يحصل الوثوق الشخصي، إذ مع وجودها يحكم العقلاء بجواز احتجاج المولى على العبد، و لا يسمع اعتذاره بعدم حصول الوثوق له شخصا، فتدبّر. هذا.

كلام ابن زهرة في التّقليد:

و قد ناسب في المقام نقل كلام ابن زهرة في أوائل الغنية، قال:

«فصل: لا يجوز للمستفتي تقليد المفتي، لأنّ التقليد قبيح. و لأنّ الطائفة مجمعة على أنّه لا يجوز العمل إلّا بعلم.

و ليس لأحد أن يقول: قيام الدليل و هو إجماع الطائفة على وجوب رجوع العامي إلى المفتي و العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه يؤمنه من الإقدام على قبيح و يقتضي إسناد عمله إلى علم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 106

لأنّا لا نسلّم إجماعها على العمل بقوله مع جواز الخطأ عليه، و هو موضع الخلاف.

بل إنما أمروا برجوع العامي إلى المفتي فقط، فأمّا ليعمل بقوله تقليدا فلا.

فإن قيل: فما الفائدة في رجوعه إليه إذا لم

يجز له العمل بقوله؟

قلنا: الفائدة في ذلك أن يصير له بفتياه و فتيا غيره من علماء الإمامية سبيل إلى العلم بإجماعهم فيعمل بالحكم على يقين.» «1» انتهى كلام الغنية.

ثمّ على فرض دلالة الآيات و الروايات و السيرة على الحجّيّة التعبّدية لقول الفقيه فالاطلاع عليها و تحقيق دلالتها خارج من وسع العامي لتوقّف ذلك على الاجتهاد في هذه المسألة. اذ التقليد فيها يوجب التسلسل، كما لا يخفى. كما أن جواز العمل بالاحتياط و تشخيص موارده و كيفيته أيضا يتوقف على الاجتهاد في هذه المسألة أو التقليد فيها.

فلا يبقى للعاميّ في بادي الأمر إلّا الرجوع إلى أهل الخبرة و العمل بقوله بعد حصول الوثوق و الاطمينان الذي هو علم عاديّ، و حجّيته تكون ذاتية، فتدبّر.

و أمّا ما قد يرى من بعض العوام من التعبّد المحض بفتوى المجتهد مطلقا من دون التفات إلى أنّه يطابق الواقع أم لا، بل و إن التفتوا إلى ذلك و شكّوا في مطابقته له، فلعلّه من جهة ما لقّنوا كثيرا بأنّ تكليف العامي ليس إلّا العمل بفتوى المجتهد، و أنّ ما أفتى به المفتي فهو حكم اللّه في حقّه مطلقا. و الظاهر أنّ هذه الجملة تكون من بقايا إلقاءات المصوّبة، و إن تردّدت على ألسنتنا أيضا. هذا.

طريق آخر إلى مسألة التقليد:

و لكن هنا طريق آخر إلى مسألة التقليد ربّما ينقدح في بعض الأذهان، و إن كان لا يخلو من إشكال. و هو أنّ المناصب الثلاثة أعني بيان الشريعة، و أمر

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 485.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 107

القضاء، و الولاية الكبرى كلّها اجتمعت في عصر النبي الأكرم «ص» للنبي «ص». و في عصر الأئمة الاثنى عشر أيضا كانت الثلاثة

لهم عندنا. و في الحقيقة كان بيان الأحكام و القضاء أيضا من شئون من له الولاية و الإمامة الحقّة.

فكذلك في عصر الغيبة أيضا يكون المرجع للقضاء و للإفتاء من له الولاية الكبرى، أعني الفقيه الجامع للشرائط التي مرّت بالتفصيل. حيث إنّ الدين و السياسة في الشريعة الإسلامية متلازمان. فالمتصدي لإدارة شئونهما يجب أن يكون شخصا واحدا جامعا لصفات الإفتاء و القضاء و الولاية، و إن توقفت إدارة كلّ منها على الاستعانة بالآخرين.

و يشهد لذلك مجموع الآيات و الروايات التي مرّت منّا في الفصل الأوّل من هذا الباب، حيث ذكر فيها جهات الدين و السياسة توأما.

و يدلّ عليه أيضا ما مرّ من قوله «ص»: «اللّهم ارحم خلفائي.» ثلاث مرّات فقيل له: «يا رسول اللّه، و من خلفاؤك؟» قال: «الذين يأتون من بعدي و يروون عنّي أحاديثي و سنّتي، فيعلّمونها الناس من بعدي.» «1»

حيث إنّ المتبادر من خلفائه خلفاؤه في جميع شئونه العامّة، فتشمل الثلاثة.

و كذا قوله «ع» في التوقيع الذي مرّ: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، و أنا حجة اللّه عليهم.» «2»

إذ المراد بالحوادث، الأمور الحادثة للمسلمين في كلّ عصر و زمان إذا أشكل عليهم تشخيص هويّتها أو الأحكام المنطبقة عليها.

فيعلم بذلك أنّ المرجع للعلم بالكليات المأثورة و للعلم بالحوادث الواقعة شخص واحد. فصاحب العصر- عجل اللّه فرجه- جعل الفقيه المبتني فقهه على روايات أهل البيت مرجعا لكلا الأمرين من الإفتاء و الولاية.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 66، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 53.

(2)- الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9. و اعتمد في النقل على كمال الدين/ 484.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 2، ص: 108

و كذلك ما مرّ في كلام سيد الشهداء «ع» من قوله: «ذلك بأنّ مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه الأمناء على حلاله و حرامه.» «1» فجعل منصب الولاية لمن له حقّ الإفتاء.

و هكذا مقبولة عمر بن حنظلة «2». إذ منصب القضاء أو الولاية المجعولة فيها يلازم دائما الإفتاء أيضا.

و بالجملة، المناصب الثلاثة متلازمة، و كلّها مجعولة لشخص واحد، فيكون منصب الإفتاء أيضا مجعولا تعبّديّا. و لا محالة يشترط في المفتي شروط خاصّة أيضا ذكروها في محلّها.

و بالجملة مرجعيّة الفتوى ليست إلّا تداوم مقام الولاية و الإمامة، و لأجل ذلك أجمع فقهاؤنا على عدم جواز تقليد الميت. هذا.

و لكن قد مرّ منّا الإشكال في انحصار طريق الإمامة في النصب، و في دلالة الأدلّة عليه ثبوتا و إثباتا. و لعلّ الشارع المقدّس أحال تعيين الوالي في عصر الغيبة إلى انتخاب الأمّة مع رعاية الشرائط المعتبرة، و أمر الإفتاء إلى ما استقرّت عليه السيرة كما مرّ بيانها، فتدبّر.

و حيث إنّ الوالي المنتخب يراعى فيه الشروط الثمانية التي مرّت و منها الفقاهة بل الأعلميّة مع الإمكان فلا محالة مع كون الأعلم واجدا لسائر الشرائط يتعيّن انتخابه للولاية، فتجتمع المناصب الثلاثة لواحد قهرا. و هو الأنسب لمصالح الإسلام و المسلمين، حيث إنّ المقصود جمع أمر المسلمين و توحيد كلمتهم، و لا يحصل ذلك إلّا بوحدة الإمام و القائد.

______________________________

(1)- تحف العقول/ 238.

(2)- الوسائل 18/ 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 109

و لكن اللازم هو أن يستعين الإمام في كلّ شأن من الشؤون الثلاثة بأهل الخبرة فيه.

ففي الإفتاء أيضا يلزم أن يدعو جماعة

من أهل الفتوى و النظر و يعقد شورى فتوى يرجع إليها في المسائل المعضلة، فلا يفتي فيها إلّا بعد تلاقح الأفكار و استماع الأنظار المختلفة، إذ ربّما هلك من استبدّ برأيه.

بل ربّما يتوقّف الإفتاء في بعض المسائل السياسية أو الاقتصاديّة أو العسكريّة المستحدثة على معرفة خصوصيّات الموضوعات المستحدثة و الإحاطة بأطرافها و نواحيها أيضا، فيجب الاستمداد من المتخصصين فيها؛ فلربّما يؤثّر ذلك في معرفة الحكم الشرعي المنطبق عليها، فتدبّر.

و قد طال البحث في هذه المسألة فأعتذر من القرّاء الكرام.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 110

الثانية من السلطات الثلاث: السلطة التنفيذية و فيها جهات من البحث:
1- المراد منها و الحاجة اليها و مراتبها:

المراد بهذه السلطة هم الوزراء و الأمراء و المدراء و العمّال و الضبّاط و الكتّاب في الشؤون المختلفة و الدوائر المتفرقة في البلاد و النواحي. و أهمّها و أعلى مراتبها في أعصارنا هي الوزارة. و ليس اسم الوزارة أمرا مستحدثا بعد النبي «ص» كما توهّم.

1- فقد ترى أنّ موسى «ع» استدعى من ربّه وزارة أخيه و قال على ما في القرآن الكريم: «وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هٰارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.» «1»

2- و قال- تعالى-: «وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسَى الْكِتٰابَ وَ جَعَلْنٰا مَعَهُ أَخٰاهُ هٰارُونَ وَزِيراً.» «2»

3- و عن أمير المؤمنين أنّ النبي «ص» قال مخاطبا لعشيرته في قصّة دعوته لهم: «فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيّي و خليفتي فيكم؟» فقال أمير المؤمنين «ع» قلت: «أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه.» قال: فأخذ برقبتي ثمّ قال: «إنّ هذا أخي و وصيّي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوا.» «3»

______________________________

(1)- سورة طه (20)، الآيات 29- 32.

(2)- سورة الفرقان (25)، الآية 35.

(3)- تاريخ الطبري 3/

1172؛ و الكامل لابن الأثير 2/ 63؛ و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13/ 211.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 111

4- و في أواخر الخطبة القاصعة من نهج البلاغة أنّ النبيّ «ص» قال لعليّ «ع»: «انّك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبيّ و لكنّك وزير.» «1»

5- و في مسند أحمد بسنده عن علي «ع»، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «ليس من نبيّ كان قبلي إلّا قد أعطي سبعة نقباء وزراء نجباء. و إنّي أعطيت أربعة عشر وزيرا نقيبا نجيبا:

سبعة من قريش، و سبعة من المهاجرين.» «2»

6- و فيه أيضا بسنده عن علي «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إنّه لم يكن قبلي نبيّ إلّا قد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، و إنّي أعطيت أربعة عشر: حمزة و جعفر و عليّ و حسن و حسين و أبو بكر و عمر و المقداد و عبد اللّه بن مسعود و أبو ذر و حذيفة و سلمان و عمّار و بلال.» «3»

7- و فيه أيضا عن عائشة قالت: قال رسول اللّه «ص»: «من ولّاه اللّه- عزّ و جلّ- من أمر المسلمين شيئا فأراد به خيرا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره، و إن ذكر أعانه.» «4»

8- و في سنن أبي داود بسنده عن عائشة قالت: قال رسول اللّه «ص»: «إذا أراد اللّه بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكّره، و إن ذكر أعانه. و إذا أراد اللّه به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكّره، و إن ذكر لم يعنه.» «5»

9- و في البحار عن اعلام الدين، قال النبيّ «ص»: «ما

من أحد ولّى شيئا من أمور المسلمين فأراد اللّه به خيرا إلّا جعل اللّه له وزيرا صالحا، إن نسي ذكّره، و إن ذكر أعانه، و إن همّ بشرّ كفّه و زجره.» «6»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 812؛ عبده 2/ 183؛ لح/ 301، الخطبة 192.

(2)- مسند أحمد 1/ 88.

(3)- مسند أحمد 1/ 148.

(4)- مسند أحمد 6/ 70.

(5)- سنن أبي داود 2/ 118، كتاب الخراج، باب في اتخاذ الوزير.

(6)- بحار الأنوار 72/ 359 (طبعه ايران 75/ 359)، كتاب العشرة، الباب 81 (باب أحوال الملوك و الأمراء) الحديث 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 112

10- و فيه أيضا عن أمالي الصدوق بسنده، عن المفضل، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إذا أراد اللّه- عزّ و جلّ- برعيّة خيرا جعل لها سلطانا رحيما، و قيّض له وزيرا عادلا.» «1»

11- و في مسند أحمد بسنده، عن أبي هريرة، عن النبيّ «ص»، قال: «ويل للوزراء! ليتمنى أقوام يوم القيامة أنّ ذوائبهم كانت معلّقة بالثريّا يتذبذبون بين السماء و الأرض و إنّهم لم يلوا عملا.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

فما في مقدمة ابن خلدون:

«كان رسول اللّه «ص» يشاور أصحابه و يفاوضهم في مهمّاته العامّة و الخاصّة ...

و لم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين، لذهاب رتبة الملك بسذاجة الإسلام.» «3»

واضح الفساد. هذا.

و روى الشيخ عبد الحي الكتّاني عن القاضي أبي بكر بن العربي في أحكام القرآن أنّ:

«الوزارة عبارة عن رجل موثوق به في دينه و عقله يشاوره الخليفة فيما يعنّ له من الأمور.» «4»

و ذكر الماوردي في الأحكام السلطانية في اشتقاق اسم الوزارة ثلاثة أوجه:

«احدها: أنّه مأخوذ من الوزر و هو الثقل، لأنّه يحمل عن الملك أثقاله.

الثّاني:

أنّه مأخوذ من الوزر و هو الملجأ، و منه قوله- تعالى-: «كَلّٰا لٰا وَزَرَ». «5» أي لا ملجأ. فسمّي بذلك لأنّ الملك يلجأ إلى رأيه و معونته.

و الثالث: أنّه مأخوذ من الأزر و هو الظهر، لأنّ الملك يقوى بوزيره، كقوة البدن بالظهر.» «6»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 72/ 340 (طبعة ايران 75/ 340)، كتاب العشرة، الباب 81، الحديث 19.

(2)- مسند أحمد 2/ 521.

(3)- المقدمة لابن خلدون/ 166، الفصل 35 (طبعة أخرى/ 237، الفصل 34) من الفصل 3 من الكتاب الأول.

(4)- التراتيب الإدارية 1/ 17.

(5)- سورة القيامة (75)، الآية 11.

(6)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 24.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 113

و كيف كان فمهمّة السلطة التنفيذيّة بمراتبها من الوزارة و غيرها تنفيذ القوانين و التصميمات المتّخذة من قبل السلطة التشريعيّة في شتّى مسائل الحياة.

و الاحتياج إليها واضح، فإنّ القانون مهما كان صالحا راقيا فهو بنفسه لا يكفي في إصلاح شئون المجتمع و رفع حاجاته العامّة ما لم يكن هنا مسئول يلتزم بإجرائه و تنفيذه. و لا يمكن أن يفوّض تنفيذ التكاليف العامّة المتعلقة بالمجتمع، مثل نظم البلاد و إيجاد الأمن فيها و الدفاع عنها و إجراء الحدود و التعزيرات و نحو ذلك، إلى عامّة المجتمع. فإنّه يوجب إهمال كثير من الأمور و الفوضى و الاختلاف، فلا بدّ من أن يفوّض كلّ قسمة منها إلى مسئول خاصّ يكون متخصّصا فيها و يصير ملتزما بإجرائها.

و لا تتحدّد السلطة التنفيذية بشكل خاصّ أو عدد خاصّ أو مرتبة خاصّة. بل كلّما اتسع نطاق الملك و حيطته و تشعبت مسائل الحياة و احتياجاتها تشعّبت الدوائر و كثر العمّال قهرا.

نعم، تجب رعاية القصد فيها و الاحتراز عن الإفراط و التفريط.

فإنّ كثرة العمّال و الموظّفين توجب كثرة الدوائر و تفرّقها و تضييع أوقات المراجعين و وضع ضرائب كثيرة على عاتق المجتمع. و كلّ ذلك خسارة.

و قد كانت الحكومة في عصر النبي «ص» في غاية السذاجة و البساطة، فكان هو «ص» بنفسه يتولّى قسما كبيرا من الشؤون السياسيّة و القضائيّة و الاقتصاديّة و العسكرية. نعم، كان يفوّض بعض التكاليف و المسؤوليّات أيضا إلى الأفراد الصالحين للقيام بها حسب الضرورة و الحاجة، فكان يعيّن الولاة على البلاد، و الجباة على الصدقات، و الأمراء للسرايا و في بعض الغزوات و يرسم لهم تكاليفهم و منهجهم كما ضبطها التواريخ.

و كذلك نشاهد السذاجة فيما بعده و في خلافة أمير المؤمنين «ع» أيضا مع سعة نطاق الملك و كثرة البلاد. فالمهمّ هو إنجاح الطلبات و رفع الحاجات و العمل بالتكاليف بأسهل الطرق و في أسرع الأوقات و الأزمان بأقلّ المؤونات.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 114

و بذلك يستقرّ الملك و يكتسب رضا الأمّة الذي يكون ضمانة لبقاء الدولة و الأمن.

قال أمير المؤمنين على ما في نهج البلاغة في كتابه للأشتر النخعي: «و ليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ و أعمّها في العدل و أجمعها لرضا الرعيّة، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة، و إنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامة.» «1»

2- مصدر السلطة التنفيذية:

لا يخفى أنّ الوزراء و العمّال بأصنافهم و مراتبهم إمّا أن ينتخبوا من قبل الامام و الوالي الأعظم، أو من قبل مجلس الشورى، أو من قبل الأمّة مباشرة، أو بالتبعيض فينتخب بعض المراتب من قبل الأمّة بالمباشرة و بعضها من قبل الوالي أو المجلس، كما هو المتعارف في بعض البلاد. و لا محالة ينتهي

جميع ذلك إلى انتخاب الأمّة قهرا إذا فرض كون انتخاب الوالي و كذا المجلس من قبلها.

و قد عرفت في الفصل الثالث أنّ المكلّف و المسؤول في الحكومة الإسلاميّة أوّلا و بالذات هو الإمام و الوالي، و أنّ السلطات الثلاث أياديه و أعضاده.

و على هذا فطبع الموضوع يقتضي أن يكون انتخاب هذه السلطة أيضا بيده لينتخب من يراه مساعدا له في تكاليفه مسانخا له في فكره و سليقته، اللّهم إلّا أن يشترط عليه أمر آخر.

و المتعارف في بلادنا ترشيح الوزراء من قبل الوالي أو رئيس الجمهوريّة المنتخب و عرضهم على المجلس للتعيين و يكون للمجلس الردّ و القبول. و يكون انتخاب سائر العمّال من شئون الوزراء على حسب أعمالهم و مسئوليّاتهم. و لا ضير في ذلك بعد تشريعه في مجلس الخبراء و رعاية الشرائط المعتبرة عقلا و شرعا.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 996؛ عبده 3/ 95؛ لح/ 429، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 115

3- مواصفات الوزراء و العمّال و الأمراء بمراتبهم:
[شروط في الولاة و الوزراء و العمّال]

لا يخفى أنّ أكثر المشاكل التي تعانيها أنظمة الحكم في العالم ترجع إلى سوء انتخاب الوزراء و الأمراء و العمّال قصورا أو تقصيرا، و إلى فساد المسؤولين أو عدم كفايتهم، فيوجب ذلك تشتت الأمور و عدم انسجام الملك و بغضاء الأمّة المنتهية إلى ثورتها أحيانا.

و العقل و الشرع يحكمان باعتبار شروط و مواصفات في الولاة و الوزراء و العمّال تجب رعايتها و إعمال الدقّة في تحقيقها، و يكون إهمالها خيانة بالإسلام و الأمّة.

و عمدتها العقل الوافي و الإيمان و التخصص و التجربة و القدرة على التصميم و العمل و الوثاقة و الأمانة و أن لا يكون من أهل الحرص و الطمع.

و قسّم الماوردي الوزارة على قسمين:

«وزارة

تفويض، و وزارة تنفيذ. فأمّا وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوّض إليه تدبير الأمور برأيه و إمضائها على اجتهاده.»

قال:

«و يعتبر في تقليد هذه الوزارة شروط الإمامة إلّا النسب وحده، لأنّه ممضى الآراء و منفّذ الاجتهاد، فاقتضى أن يكون على صفات المجتهدين.»

و قال في وزارة التنفيذ إنّه

«يراعى فيه سبعة أوصاف:

أحدها: الأمانة، حتى لا يخون فيما قد اؤتمن عليه و لا يغشّ فيما قد استنصح فيه.

و الثاني: صدق اللهجة، حتّى يوثق بخبره فيما يؤدّيه و يعمل على قوله فيما ينهيه.

و الثالث: قلّة الطمع، حتّى لا يرتشي فيمايل و لا ينخدع فيتساهل.

و الرابع: أن يسلم فيما بينه و بين الناس من عداوة و شحناء، فإنّ العداوة تصدّ عن التناصف و تمنع من التعاطف.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 116

و الخامس: أن يكون ذكورا لما يؤديه إلى الخليفة و عنه، لأنه شاهد له و عليه.

و السادس: الذكاء و الفطنة، حتى لا تدلّس عليه الأمور فتشتبه و لا تموّه عليه فتلتبس، فلا يصح مع اشتباهها عزم و لا يصلح مع التباسها حزم ...

و السابع: أن لا يكون من أهل الأهواء فيخرجه الهوى من الحقّ إلى الباطل و يتدلّس عليه المحق من المبطل، فإنّ الهوى خادع الألباب و صارف له عن الصواب، و لذلك قال النبي «ص»: «حبّك الشي ء يعمي و يصمّ.» ...

فإن كان هذا الوزير مشاركا في الرأي احتاج إلى وصف ثامن، و هو الحنكة و التجربة التي تؤدّيه إلى صحّة الرأي و صواب التدبير، فإن في التجارب خبرة بعواقب الأمور.» «1»

و ذكر نحو ذلك أبو يعلى الفراء أيضا «2». هذا.

[الولاة في الآيات]

و قد مرّ ذكر الشروط الثمانية المعتبرة في الولاة،

و بيان حكم العقل، و الآيات و الروايات الدالّة على اعتبارها في الباب الرابع. و لعلّه يستفاد من كثير منها أدلّة المقام أيضا، فلنذكر بعضها هنا مضافا إلى ما ورد في خصوص الوزراء و الأمراء:

1- قال اللّه- تعالى-: «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.» «3»

2- و قال: «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «4»

و الوزراء و الأمراء و العمّال يراد إطاعتهم في نطاق عملهم، فلا يجوز أن ينتخبوا من المسرفين المفسدين.

3- و قال: «أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مٰا لَكُمْ، كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟» «5»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 22 و 26 و 27.

(2)- الأحكام السلطانيّة لأبي يعلى/ 29، 31.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(4)- سورة الشعراء (26)، الآية 151- 152.

(5)- سورة القلم (68)، الآية 35- 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 117

4- و قال: «أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً، لٰا يَسْتَوُونَ.» «1»

5- و قال: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لٰا يَعْلَمُونَ؟ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ.» «2»

6- و قال: «وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ قِيٰاماً». «3»

7- و قال حكاية عن يوسف النبيّ «ص»: «اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ، إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ». «4»

8- و قال حكاية عن بنت شعيب النبي «ص»: «قٰالَتْ إِحْدٰاهُمٰا يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ.» «5»

[الولاة في الروايات]

9- و قد مرّ في صحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبد اللّه «ع»: «انظروا لأنفسكم، فو اللّه إنّ الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه و يجي ء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان

فيها.» «6»

10- و في أصول الكافي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح.» «7»

11- و فيه أيضا عن طلحة بن زيد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول:

«العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق؛ لا يزيده سرعة السير إلّا بعدا.» «8»

______________________________

(1)- سورة السجدة (32)، الآية 18.

(2)- سورة الزمر (39)، الآية 9.

(3)- سورة النساء (4)، الآية 5.

(4)- سورة يوسف (12)، الآية 55.

(5)- سورة القصص (28)، الآية 26.

(6)- الوسائل 11/ 35، الباب 13 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(7)- أصول الكافي 1/ 44، كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، الحديث 3.

(8)- الكافي 1/ 43، كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 118

12- و فيه أيضا عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.» «1»

[الولاة في كلام أمير المؤمنين في عهده إلى الأشتر]

13- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك الأشتر: «إنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام، فلا يكوننّ لك بطانة فإنّهم أعوان الأثمة و إخوان الظلمة. و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم، و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه. أولئك أخفّ عليك مئونة و أحسن لك معونة ...

و لا يكوننّ المحسن و المسي ء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلّا منهم ما ألزم نفسه ...

فولّ من جنودك أنصحهم

في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا، و أفضلهم حلما، ممّن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء، و ممّن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف. ثمّ الصق بذوي (المروءات) الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة، ثمّ أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة، فانّهم جماع من الكرم و شعب من العرف ...

ثم انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختبارا و لا تولّهم محاباة و أثرة، فإنّهم (فإنّهما خ. ل) جماع من شعب الجور و الخيانة. و توخّ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة و القدم في الإسلام المتقدّمة، فإنّهم أكرم أخلاقا و أصحّ أعراضا و أقلّ في المطامع إشرافا و أبلغ في عواقب الأمور نظرا. ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق، فإنّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم، و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم و حجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ...

ثمّ انظر في حال كتّابك، فولّ على أمورك خيرهم، و اخصص رسائلك الّتي تدخل فيها مكائدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق، ممّن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ و لا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمّا لك عليك و إصدار جواباتها على

______________________________

(1)- الكافي 1/ 26، كتاب العقل و الجهل، الحديث 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 119

الصواب عنك ...

ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك و استنامتك و حسن الظنّ منك، فإنّ الرجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنعهم و حسن خدمتهم، و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شي ء، و لكن

اختبرهم بما ولّوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرا و أعرفهم بالأمانة وجها، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك للّه و لمن ولّيت أمره.» «1»

14- و في نهج البلاغة أيضا: «لا يقيم أمر اللّه سبحانه إلّا من لا يصانع و لا يضارع و لا يتبع المطامع.» «2»

15- و فيه أيضا: «آلة الرئاسة سعة الصدر.» «3»

[الولاة في كلمات أمير المؤمنين القصار]

و في الغرر و الدرر للآمدي الجامع لكلمات أمير المؤمنين «ع» كلمات كثيرة يستفاد منها مواصفات الحكّام و الوزراء و الأمراء و العمّال، و ما ينبغي أن يكونوا عليها نذكر بعضا من ذلك:

16- كقوله: «العدل نظام الإمرة.» «4»

17- و قوله: «الإنصاف زين الإمرة.» «5»

18- و قوله: «آفة الوزراء خبث السريرة.» «6»

19- و قوله: «آفة الزعماء ضعف السياسة.» «7»

20- و قوله: «آفة العمران جور السلطان.» «8»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 999؛ عبده 3/ 97؛ لح/ 430، الكتاب 53.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1137؛ عبده 3/ 176؛ لح/ 488، الحكمة 110.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1169؛ عبده 3/ 194؛ لح/ 501، الحكمة 176.

(4)- الغرر و الدرر 1/ 198، الحديث 773.

(5)- الغرر و الدرر 1/ 230، الحديث 923.

(6)- الغرر و الدرر 3/ 102، الحديث 3929.

(7)- الغرر و الدرر 3/ 103، الحديث 3931.

(8)- الغرر و الدرر 3/ 109، الحديث 3954.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 120

21- و قوله: «إذا ملك الأراذل هلك الأفاضل.» «1»

22- و قوله: «إذا استولى اللئام اضطهد الكرام.» «2»

23- و قوله: «تولّى الأراذل و الأحداث الدول دليل انحلالها و إدبارها.» «3»

24- و قوله: «حسن السياسة قوام الرعيّة.» «4»

25- و قوله: «حسن السياسة يستديم الرئاسة.» «5»

26- و قوله: «حسن التدبير و تجنّب التبذير من حسن السياسة.» «6»

27- و قوله:

«حسن العدل نظام البريّة.» «7»

28- و قوله: «خير السياسات العدل.» «8»

29- و قوله: «دولة العادل من الواجبات.» «9»

30- و قوله: «خور «10» السلطان أشدّ على الرعيّة من جور السلطان.» «11»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 3/ 129، الحديث 4033.

(2)- الغرر و الدرر 3/ 129، الحديث 4035.

(3)- الغرر و الدرر 3/ 295، الحديث 4523.

(4)- الغرر و الدرر 3/ 384، الحديث 4818.

(5)- الغرر و الدرر 3/ 385، الحديث 4820.

(6)- الغرر و الدرر 3/ 385، الحديث 4821.

(7)- الغرر و الدرر 3/ 385، الحديث 4819.

(8)- الغرر و الدرر 3/ 420، الحديث 4948.

(9)- الغرر و الدرر 4/ 10، الحديث 5110.

(10)- «الخور» بفتحتين: الضعف.

(11)- الغرر و الدرر 3/ 442، الحديث 5047.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 121

31- و قوله: «دولة اللئام مذلّة الكرام.» «1»

32- و قوله: «دول الفجّار مذلّة الأبرار.» «2»

33- و قوله: «دول اللئام من نوائب الأيّام.» «3»

34- و قوله: «دولة الأوغاد مبنيّة على الجور و الفساد.» «4»

35- و قوله: «زوال الدول باصطناع السفل.» «5»

36- و قوله: «شرّ الناس من يظلم الناس.» «6»

37- و قوله: «شرّ الملوك من خالف العدل.» «7»

38- و قوله: «شرّ الولاة من يخافه البري ء.» «8»

39- و قوله: «شرّ الوزراء من كان للأشرار وزيرا.» «9»

40- و قوله: «شرّ الأمراء من كان الهوى عليه أميرا.» «10»

41- و قوله: «شرّ الأمراء من ظلم رعيّته.» «11»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 4/ 10، الحديث 5113.

(2)- الغرر و الدرر 4/ 11، الحديث 5115.

(3)- الغرر و الدرر 4/ 11، الحديث 5116.

(4)- الغرر و الدرر 4/ 11، الحديث 5118.

(5)- الغرر و الدرر 4/ 112، الحديث 5486.

(6)- الغرر و الدرر 4/ 164، الحديث 5676.

(7)- الغرر و الدرر 4/ 165، الحديث 5681.

(8)- الغرر و

الدرر 4/ 166، الحديث 5687.

(9)- الغرر و الدرر 4/ 167، الحديث 5692.

(10)- الغرر و الدرر 4/ 167، الحديث 5693.

(11)- الغرر و الدرر 4/ 172، الحديث 5717.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 122

42- و قوله: «فقدان الرؤساء أهون من رئاسة السفل.» «1»

43- و قوله: «كيف يعدل في غيره من يظلم نفسه.» «2»

44- و قوله: «من حسنت سياسته وجبت طاعته.» «3»

45- و قوله: «من أحسن الكفاية استحقّ الولاية.» «4»

46- و قوله: «من لم يصلح نفسه لم يصلح غيره.» «5»

47- و قوله: «وزراء السوء أعوان الظلمة و إخوان الأثمة.» «6»

48- و قوله: «ولاة الجور شرار الأمّة و أضداد الأئمّة.» «7»

49- و قوله: «لا يكون عمران حيث يجور السلطان.» «8»

50- و قوله: «ليكن أحبّ الناس إليك و أحظاهم لديك أكثرهم سعيا في منافع الناس.» «9»

51- و قوله: «ليكن أحظى الناس منك أحوطهم على الضعفاء و أعملهم بالحقّ.» «10»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 4/ 424، الحديث 6569.

(2)- الغرر و الدرر 4/ 564، الحديث 6996.

(3)- الغرر و الدرر 5/ 211، الحديث 8025.

(4)- الغرر و الدرر 5/ 349، الحديث 8692.

(5)- الغرر و الدرر 5/ 415، الحديث 8990.

(6)- الغرر و الدرر 6/ 239، الحديث 10121.

(7)- الغرر و الدرر 6/ 239، الحديث 10122.

(8)- الغرر و الدرر 6/ 404، الحديث 10791.

(9)- الغرر و الدرر 5/ 49، الحديث 7377.

(10)- الغرر و الدرر 5/ 50، الحديث 7383.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 123

52- و قوله: «ليكن أخطى الناس عندك أعملهم بالرفق.» «1»

53- و قوله: «ليكن أبغض الناس إليك و أبعدهم منك أطلبهم لمعايب الناس.» «2»

54- و فيما رواه ابن أبي الحديد في آخر شرحه من الحكم المنسوبة إلى

أمير المؤمنين «ع» قوله: «لا تقبلنّ في استعمال عمّالك و أمرائك شفاعة إلّا شفاعة الكفاية و الأمانة» «3»

55- و قوله: «من علامات المأمون على دين اللّه بعد الإقرار و العمل، الحزم في أمره و الصدق في قوله، و العدل في حكمه، و الشفقة على رعيّته، لا تخرجه القدرة إلى خرق، و لا اللين إلى ضعف، و لا تمنعه العزّة من كرم عفو، و لا يدعوه العفو إلى إضاعة حقّ، و لا يدخله الإعطاء في سرف، و لا يتخطّى به القصد إلى بخل، و لا تأخذه نعم اللّه ببطر.» «4»

أقول: الخرق بالضم: ضد الرفق. و القصد: الاعتدال بين الإفراط و التفريط.

56- و في دعائم الإسلام عن عليّ «ع»: أنّه كتب إلى رفاعة قاضيه على الأهواز: «اعلم يا رفاعة، إنّ هذه الإمارة أمانة، فمن جعلها خيانة فعليه لعنة اللّه إلى يوم القيامة، و من استعمل خائنا فإنّ محمدا «ص» بري ء منه في الدنيا و الآخرة.» «5»

[الولاة في كلام النبيّ ص و سائر الأئمة]

57- و في البحار عن الغوالي، عن النبي «ص»: «أصلح وزيرك، فإنّه الذي يقودك إلى الجنّة و النار.» «6»

58- و فيه أيضا عن رسالة الغيبة للشهيد الثاني بسنده إلى الإمام الصادق «ع»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 5/ 49، الحديث 7375.

(2)- الغرر و الدرر 5/ 50، الحديث 7378.

(3)- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 20/ 276 (الحديث 184).

(4)- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 20/ 255 (الحديث 6).

(5)- دعائم الإسلام 2/ 531، كتاب آداب القضاة، الحديث 1890.

(6)- بحار الأنوار 74/ 165 (طبعة ايران 77/ 165)، كتاب الرّوضة، الباب 7 (باب ما جمع من مفردات كلماته «ص»).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 124

في رسالته إلى النجاشي والي الأهواز:

«فأمّا من تأنس به و تستريح إليه و تلجئ أمورك إليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الأمين الموافق لك على دينك، و ميّز عوامّك و جرّب الفريقين، فإن رأيت هنالك رشدا فشأنك و إيّاه.» «1»

59- و فيه أيضا عن الخصال بسنده عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا يطمعنّ ذو الكبر في الثناء الحسن ... و لا المعاقب على الذنب الصغير في السؤدد، و لا القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة.» «2»

60- و في تحف العقول عن الإمام الصادق «ع»: «و ليس يحبّ للملوك أن يفرّطوا في ثلاث: في حفظ الثغور، و تفقّد المظالم، و اختيار الصالحين لأعمالهم.» «3»

61- و في البحار عن أمالي الطوسي بسنده، عن أبي ذرّ أنّ النبي «ص» قال:

«يا با ذرّ، إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، إنّي أراك ضعيفا، فلا تأمرنّ على اثنين و لا تولّين مال يتيم.» «4»

62- و في صحيح مسلم بسنده، عن أبي ذرّ أنّ رسول اللّه «ص» قال: «يا أبا ذرّ، إنّي أراك ضعيفا، و إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين و لا تولّين مال يتيم.» «5»

63- و فيه أيضا بسنده، عن أبي ذرّ، قال: قلت: يا رسول اللّه، أ لا تستعملني؟

قال: فضرب بيده على منكبي، ثمّ قال: «يا با ذرّ، إنّك ضعيف و إنّها أمانة و إنّها يوم القيامة خزي و ندامة إلّا من أخذها بحقّها و أدّى الذي عليه فيها.» «6»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 72/ 361 (طبعة ايران 75/ 361)، كتاب العشرة، الباب 81 (باب أحوال الملوك و الأمراء)، الحديث 77.

(2)- بحار الأنوار 72/ 67 (طبعة ايران 75/ 67)، كتاب العشرة، الباب 44 (باب الأدب و من عرف قدره)، الحديث 4.

(3)- تحف العقول/

319.

(4)- بحار الأنوار 22/ 406، تاريخ نبيّنا، الباب 12 (باب كيفية إسلام أبي ذر)، الحديث 20، و ج 72/ 342 (طبعة إيران 75/ 342)، كتاب العشرة، الباب 81 (باب أحوال الملوك و الأمراء)، الحديث 27.

(5)- صحيح مسلم 3/ 1458، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، الحديث 1826.

(6)- صحيح مسلم 3/ 1457، كتاب الإمارة باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، الحديث 1825.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 125

64- و فيه أيضا بسنده عن أبي موسى، قال: دخلت على النبي «ص» أنا و رجلان من بني عمّي فقال أحد الرجلين: يا رسول اللّه، أمّرنا على بعض ما ولّاك اللّه- عزّ و جلّ-. و قال الآخر مثل ذلك، فقال «ص»: «إنّا و اللّه لا نولّي على هذا العمل أحدا سأله و لا أحدا حرص عليه.» «1»

65- و في سنن البيهقي بسنده عن ابن عباس، عن رسول اللّه «ص»: «من استعمل عاملا من المسلمين و هو يعلم أنّ فيهم أولى بذلك منه و أعلم بكتاب اللّه و سنّة نبيه فقد خان اللّه و رسوله و جميع المسلمين.» «2»

66- و في كنز العمّال، عن حذيفة: «أيّما رجل استعمل رجلا على عشرة أنفس علم أنّ في العشرة أفضل ممّن استعمل فقد غشّ اللّه و غشّ رسوله و غشّ جماعة المسلمين.» «3»

67- و فيه أيضا، عن ابن عباس: «من استعمل رجلا من عصابة و فيهم من هو أرضى للّه منه فقد خان اللّه و رسوله و المؤمنين.» «4»

68- و فيه أيضا، عن واثلة: «على الوالي خمس خصال: جمع الفي ء من حقّه و وضعه في حقّه، و أن يستعين على أمورهم بخير من يعلم، و لا يجمّرهم فيهلكهم،

و لا يؤخر أمرهم لغد.» «5»

69- و فيه أيضا عن أبي هريرة: «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، و وزراء فسقة، و قضاة خونة، و فقهاء كذبة. فمن أدركهم فلا يكوننّ لهم عريفا و لا جابيا و لا خازنا و لا شرطيا.» «6»

إلى غير ذلك من الآيات و الروايات الكثيرة التي يستفاد منها و لو بالالتزام مواصفات الحكّام و الوزراء و الأمراء و العمّال و أنّه يجب على المسؤولين رعايتها في

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1456، كتاب الإمارة باب النهي عن طلب الإمارة و الحرص عليها.

(2)- سنن البيهقي 10/ 118، كتاب آداب القاضي، باب لا يولي الوالي امرأة و لا فاسقا و لا جاهلا أمر القضاء.

(3)- كنز العمال 6/ 19، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14653.

(4)- كنز العمال 6/ 25، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14687.

(5)- كنز العمال 6/ 47، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14789.

(6)- كنز العمال 6/ 77، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14909.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 126

انتخابهم. و مع ذلك كلّه فقد غفل الأكثر في البلاد الإسلاميّة عن ذلك، و كم قد وردت و ترد من قبل ذلك خسارات على الأمّة، فتدبّر. هذا.

و في منهاج البراعة:

«قد قيل لحكيم: ما بال انقراض دولة آل ساسان؟ قال: لأنّهم استعملوا أصاغر العمّال على أعاظم الأعمال فلم يخرجوا من عهدتها، و استعملوا أعاظم العمّال على أصاغر الأعمال فلم يعتنوا عليها، فعاد وفاقهم الى الشتات و نظامهم الى البتات.» «1»

و نذكر في الخاتمة أمرين مناسبين للبحث:
الأوّل: في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة قال:

«استكتب أبو موسى الأشعري نصرانيا. فكتب

إليه عمر: اعزله و استعمل بدله حنيفيّا. فكتب له أبو موسى إنّ من غنائه و خيره و خبرته كيت و كيت. فكتب له عمر: ليس لنا أن نأتمنهم و قد خوّنهم اللّه، و لا أن نرفعهم و قد وضعهم اللّه، و لا أن نستنصحهم في الدين و قد وترهم الإسلام، و لا أن نعزّهم و قد أمرنا بأن يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون. فكتب أبو موسى: إنّ البلد لا يصلح إلّا به. فكتب اليه عمر: مات النصراني. و السلام.» «2»

أقول: فعلى شيعة الخليفة الثاني في البلاد الإسلامية أن يعتبروا بذلك و يقلّلوا من تسليطهم اليهود و النصارى على أراضي المسلمين و بلادهم و سياستهم و اقتصادهم و ثقافتهم، و ان يستحيوا من اللّه- تعالى- و من أولياء اللّه و من أممهم و يرجعوا إلى قداستهم الإسلامية. و لا يقبل اللّه قطّ اعتذارهم بالخشية من أن تصيبهم دائرة من قبل ذلك، فتدبّر.

______________________________

(1)- منهاج البراعة 11/ 144.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 127

الثاني: قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«حكي أنّ المأمون كتب في اختيار وزير: إنّي التمست لأموري رجلا جامعا لخصال الخير ذا عفّة في خلائقه و استقامة في طرائقه قد هذّبته الآداب و أحكمته التجارب، إن اؤتمن على الأسرار قام بها. و إن قلّد مهمّات الأمور نهض فيها، يسكته الحلم و ينطقه العلم و تكفيه اللحظة و تغنيه اللمحة. له صولة الأمراء و أناة الحكماء و تواضع العلماء و فهم الفقهاء، إن أحسن إليه شكر، و إن ابتلي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يسترقّ قلوب الرجال بخلابة لسانه و حسن بيانه.» «1»

أقول: لو

فرض كون وزراء الحاكم بهذه الصفات التي ذكرها المأمون فمرحبا بهذا الحاكم و طوبى لمن يعيش في ظلّ حكمه.

4- إشارة إلى دوائر من السلطة التنفيذية:

لا يخفى أنّ المقصود بالسلطة التنفيذية هي الدوائر و المؤسسات التي تباشر إجراء الأهداف و التكاليف العامّة التي تكون على عهدة الحاكم سوى أمر القضاء و توابعه الذي لأهميّته يعدّ سلطة مستقلّة، كما سيأتي. و قد مرّ بيان تكاليف الحاكم و واجباته.

و على هذا فوزارة الدفاع و المؤسسات المرتبطة بتعليم الجنود و تمرينهم و إعداد القوى و تقوية الصنائع العسكرية و حفظ الثغور و الأطراف، و دوائر إيجاد الأمن في السبل و في البلاد، و دائرة التعليم و التربية، و إدارة الكلّيات و الجوامع و الحوزات العلميّة الدينيّة، و دائرة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و دائرة الحسبة بشعبها، و الوزارة الخارجيّة و تنظيم العلاقات مع سائر الأمم و البلاد، و الوزارة المالية المتصدية لجمع الفي ء و الخراج و الصدقات و صرفها في مصارفها المقرّرة و نحو ذلك من الأمور العامّة كلّها تكون من شعب سلطة التنفيذ. و نحن لا نبحث في هذا الكتاب إلّا في

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 128

بعض من ذلك، نذكره بعد ذلك في فصول مستقلة. إذ ذكره هنا في هذا الفصل يوجب طول الفصل و ملال القارئ.

5- ذكر بعض من ولّاه النبي «ص» على النواحي:

أخذنا ذلك من كتاب التراتيب الإدارية للشيخ عبد الحيّ الكتاني «1» بنحو التلخيص:

«قال الزرقاني في شرح المواهب: أمراؤه- عليه السلام-: ولاته الذين ولّاهم على البلاد و القضاء و الصدقات. الأمراء الذين وجّههم رسول اللّه «ص» على الجهات كثيرون، منهم أمير مكّة عتّاب بن أسيد.

1- قال ابن جماعة: أمّر رسول اللّه «ص» عتّاب بن أسيد على مكّة و إقامة الموسم و الحج بالمسلمين سنة ثمان. قلت: «قال ابن القيّم في الهدى: و هو دون

العشرين سنة.»

2- و في صبح الأعشى لمّا أسلم بادان نائب كسرى ولّاه النّبيّ «ص» على جميع مخاليف اليمن. و كان منزله بصنعاء مملكة التبابعة. و بقي حتّى مات بعد حجّة الوداع.

3- فولّى النبيّ «ص» ابنه شهر بن بادان على صنعاء. و ولّى على كلّ جهة واحدا من أصحابه.

4- و في ترجمة عبد اللّه بن جحش من الإصابة عن البغوي أنّه أوّل أمير في الإسلام.

5- و ترجم في الإصابة لعامر بن شهر الهمذاني أنّه أحد عمّال النبي «ص» على اليمن.

6- و ترجم فيها أيضا لعبد اللّه بن عمرو بن سبيع الثعلبي، فذكر عن الشعبي: أنّ

______________________________

(1)- التراتيب الإداريّة 1/ 240.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 129

المصطفى «ص» استعمله على بني تغلبة و عبس و بني عبد اللّه بن غطفان.

7- و في ترجمة أبي موسى الأشعري أنّه «ع» استعمله على بعض اليمن، كزبيد و عدن و أعمالهما.

8- و ترجم في الإصابة للحارث بن بلال المارني (المزني) أنّه كان عامل رسول اللّه «ص» على نصف جديلة بني طيّئ.

9- و ترجم للحرث بن نوفل الهاشمي أنّه ولّاه المصطفى «ع» بعض أعمال مكّة.

و عن ابن سعد: صحب الحارث المصطفى «ع» فاستعمله على بعض عمله بمكّة، و أقرّه أبو بكر و عمر و عثمان.

10- و ترجم لحصين بن نيار فقال: كان أحد عمّال النبي «ص».

11- و ترجم للحارث بن عبد المطلب أنّه صحب المصطفى «ع» و استعمله على بعض أعمال مكّة و ولّاه أبو بكر و عثمان. ثم حرّر أنّ الترجمة لحفيده الحارث بن نوفل السابق.

12- و ترجم لرافع بن عمرو الطائي، فذكر أنّ الحاكم خرّج أنّه لمّا كانت غزوة السلاسل استعمل رسول اللّه «ص»

عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر و عمر.

13- و ترجم فيها لزياد الباهلي، والد الهرماس، فذكر عن الدارقطني عن الهرماس، قال: أتيت رسول اللّه «ص» مع أبي، فولّاه على عشيرته من باهلة.

14- و ترجم للسائب بن عثمان عن ابن إسحاق أنّه استعمله النبيّ «ص» على المدينة في غزوة بواط.

15- و ترجم لسعد الدوسي، قال: أتيت رسول اللّه «ص» فأسلمت، فاستعملني على قومي و جعل لهم ما أسلموا عليه من أموالهم. الحديث.

16- و ترجم أيضا لسعيد بن خفّاف التميمي أنّه كان عاملا للنبيّ «ص» على بطون تميم، و أقرّه أبو بكر.

17- و ترجم لسعد بن عبد اللّه بن ربيعة أنّه «ص» استعمله على الطائف.

18- و ترجم لسلمة بن يزيد الجعفي أنّه «ع» استعمله على مروان و كتب له كتابا.

19- و ترجم لصيفي بن عامر من بني ثعلبة فقال: أمّره النّبيّ «ص» على قومه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 130

20- و ترجم للضحاك بن قيس فقال فيه: عامل النبيّ «ص».

21- و ترجم لامرئ القيس بن الأصبغ الكلبي فقال: كان زعيم قومه، و بعثه النّبيّ «ص» عاملا على كلب في حين إرساله إلى قضاعة.

22- و ترجم للحارث بن بلال المزني فقال: عامل رسول اللّه «ص».

23- و ترجم لعبد الرحمن بن إيزي الخزاعي فنقل عن ابن السكن فقال: استعمله النبيّ «ص» على خراسان.

24- و ترجم عثمان بن أبي العاص فقال: استعمله «ص» على الطائف و أقرّه أبو بكر و عمر.

25- و في عكاشة بن ثور أنّه كان عامل المصطفى «ص» على السكاسك و السكون.

26- و في العلاء بن الحضرمي أنّه «ص» استعمله على البحرين.

27- و في عمرو بن حزم الأنصاري: استعمله «ص»

على نجران، و روى عنه كتابا كتبه له في الفرائض و الزكاة و الديات و غير ذلك. و في أسد الغابة: استعمله «ص» على أهل نجران، و هو ابن سبع عشرة سنة، بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا.

28- و في عمرو بن الحكم القضاعي: أنّه «ص» بعثه عاملا على بني القيس.

29- و في عمرو بن سعيد بن العاص: كان النّبيّ «ص» استعمله على وادي القرى و غيرها و قبض و هو عليها.

30- و في عمرو بن محجوب العامري أنّه كان من عمّال النّبيّ «ص».

31- و في عوف الوركاني: أنّه كان من عمّال رسول اللّه «ص».

32- و في عبد اللّه بن زيد الكندي: أنّه كان عامل المصطفى على اليمن.

33- و في عبد اللّه بن سوار: أنّه من عمّال المصطفى «ص» على البحرين.

34- و في فروة بن مسيك: استعمله المصطفى «ص» على مراد و مذحج و زبيد كلّها.

35- و في مردة بن نفاتة السّلولي: أنّه قدم على النبيّ «ص» في جماعة من بني

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 131

سلول فأسلموا و أمّره عليهم.

36- و ترجم السيوطي في درّ السحابة لأبي جديع المرادي فقال: إنّه كان عاملا للنبيّ «ص» و إنّه كان من أهل مصر.

37- و في ترجمة قضاعة بن عامر الدوسي: أنّه كان عامل النبيّ «ص» على بني أسد.

38- و في الترجمة بعدها أنّه ولّى عليهم أيضا سنان بن أبي سنان.

39- و في ترجمة قيس بن مالك الأرحبى: أنّه لمّا أسلم و أسلم قومه كتب له عهدا على قومه همذان: عربها و مواليها و خلائطها أن يسمعوا له و يطيعوا، و أنّ لهم ذمّة اللّه ما أقاموا الصلاة.

40- و

في مالك بن عوف النصري: استعمله «ص» على من أسلم من قومه و من تلك القبائل من أعماله، فكان يقاتل بهم ثقيف.

41- و في المنذر بن ساوي الدارمي: كان عامل النبيّ «ص» على هجر.

42- و في ترجمة أبي هيضم المزني: دعا رسول اللّه «ص» فقال: اللّهم إنّي مستعمله على هذا الوادي.

43- و في ترجمة سواد بن عزية البلوي الأنصاري: كان عامل رسول اللّه «ص» على خيبر.

44- و في ترجمة عمر بن أبي ربيعة الشاعر: أنّ المصطفى «ص» ولّى والده عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي الجند (بفتح الجيم و النون: بلد باليمن و مخاليفها).

45- و في السيرة الشاميّة تراجم تضمّنت تأمير النبيّ «ص» خالد بن الوليد على صنعاء و أعمالها.

46- و تاميره للمغافر بن أبي أميّة المخزومي على كندة.

47- و تأميره زياد بن لبيب على حضرموت.

48- و تأميره لأبي موسى الأشعري على زبيد و عدن و ريع الساحل.

49- و معاذ بن جبل على الجند.

50- و أبا سفيان على نجران.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 132

51- و أبا زيد بن سفيان على غيرها.» «1»

6- ذكر بعض من بعثه رسول اللّه «ص» على الصدقات:

في سيرة ابن هشام:

«قال ابن إسحاق: و كان رسول اللّه «ص» قد بعث أمراءه و عمّاله على الصدقات، إلى كلّ ما أوطأ الإسلام من البلدان:

1- فبعث المهاجر بن أبي أميّة بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنسي و هو بها.

2- و بعث زياد بن لبيد أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت و على صدقاتها.

3- و بعث عديّ بن حاتم على طيّئ و صدقاتها و على بني أسد.

4- و بعث مالك بن نويرة- قال ابن هشام: اليربوعي- على صدقات بني حنظلة.

5- و فرّق صدقة بني سعد على رجلين

منهم، فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها.

6- و قيس بن عاصم على ناحية.

7- و كان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين.

8- و بعث عليّ بن أبي طالب «ع» إلى أهل نجران ليجمع صدقتهم و يقدّم عليه بجزيتهم.» «2»

9- أقول: و في التراتيب الإدارية عن الاستبصار:

«أنّ رسول اللّه «ص» استعمل عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري على نجران و هو ابن سبع عشرة سنة ليفقّههم في الدين و يعلّمهم القرآن و يأخذ صدقاتهم و ذلك سنة عشر.» «3»

______________________________

(1)- التراتيب الإداريّة 1/ 240- 245.

(2)- سيرة ابن هشام 4/ 246.

(3)- التراتيب الإدارية للكتاني 1/ 44.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 133

10- و فيه أيضا عن الاستيعاب:

«أنّ رسول اللّه «ص» بعث معاذ بن جبل قاضيا على الجند من اليمن يعلّم الناس القرآن و شرائع الإسلام و يقضي بينهم و جعل إليه قبض الصدقات من العمّال الذين باليمن عام فتح مكّة.» «1»

7- في عدد غزوات النبي «ص» و سراياه:

في أوّل كتاب المغازي للواقدي بعد ما عدّ مغازي النبيّ «ص» و سراياه و ذكرها بأساميها و مواضعها و تواريخها قال:

«فكانت مغازي النبيّ «ص» الّتي غزا بنفسه سبعا و عشرين غزوة. و كان ما قاتل فيها تسعا: بدر القتال، و أحد، و المريسيع، و الخندق، و قريظة، و خيبر، و الفتح، و حنين، و الطائف. و كانت السرايا سبعا و أربعين سريّة.» «2»

و ذكر نحو ذلك ابن سعد في الطبقات «3».

و في التراتيب الإدارية قال:

«فصل في مخرج النبيّ «ص» بنفسه و كم غزوة غزاها: قال في الاستيعاب: أكثر ما قيل في ذلك أنّ غزواته بنفسه كانت ستة و عشرين غزوة. و كانت أشرف غزواته و أعظمها حرمة عند اللّه و عند

رسوله و عند المؤمنين غزوة بدر الكبرى، حيث قتل صناديد قريش و ظهر دينه من يومئذ ... قال أبو عمر بن عبد البرّ في الاستيعاب:

كانت بعوثه «ص» و سراياه خمسة و ثلاثين، من بين بعث و سرية. و قال غيره:

بلغت ستّا و خمسين، كما ذكر الحافظ الدمياطي. و قيل: ثمانيا و أربعين. و قيل:

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية للكتّاني 1/ 43.

(2)- المغازي 1/ 7.

(3)- الطبقات 2/ 1 (القسم الأوّل من الجزء الثاني).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 134

سبعا و أربعين. و قيل: ستّا و ثلاثين.» «1»

أقول: و في تحف العقول فيما روي عن أبي الحسن الثالث «ع»، قال: «و كان المتوكّل نذر أن يتصدّق بمال كثير إن عافاه اللّه من علّته. فلمّا عوفي سأل العلماء عن حدّ المال الكثير، فاختلفوا و لم يصيبوا المعنى. فسأل أبا الحسن «ع» عن ذلك، فقال «ع»: «يتصدّق بثمانين درهما.» فسأل عن علّة ذلك؟ فقال: إنّ اللّه قال لنبيّه «ص»: لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة. فعددنا مواطن رسول اللّه «ص» فبلغت ثمانين موطنا و سمّاها اللّه كثيرة. فسرّ المتوكّل بذلك.» «2»

8- ذكر من استخلفه رسول اللّه «ص» على المدينة أو على أهله حينما خرج من المدينة:

قال الواقدي في المغازي:

«قالوا: و استخلف رسول اللّه «ص» في مغازيه على المدينة: في غزوة ودّان، سعد بن عبادة، و استخلف في غزوة بواط سعد بن معاذ، و في طلب كرز بن جابر الفهري زيد بن حارثة، و في غزوة ذي العشيرة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، و في غزوة بدر القتال أبا لبابة بن عبد المنذر العمريّ، و في غزوة السويق أبا لبابة بن عبد المنذر العمريّ، و في غزوة الكدر ابن أمّ مكتوم المعيصي، و في غزوة ذي أمرّ عثمان بن عفّان،

و في غزوة بحران ابن أمّ مكتوم، و في غزوة أحد ابن أمّ مكتوم، و في غزوة حمراء الأسد ابن أمّ مكتوم، و في غزوة بني النضير ابن أمّ مكتوم، و في غزوة بدر الموعد عبد اللّه بن رواحة، و في غزوة ذات الرقاع عثمان بن عفان، و في غزوة دومة

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية 1/ 313.

(2)- تحف العقول/ 481.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 135

الجندل سباع بن عرفطة، و في غزوة المريسيع زيد بن حارثة، و في غزوة الخندق ابن أمّ مكتوم، و في غزوة بني قريظة ابن أمّ مكتوم، و في غزوة بني لحيان ابن أمّ مكتوم، و في غزوة الغابة ابن أمّ مكتوم، و في غزوة الحديبية ابن أمّ مكتوم، و في غزوة خيبر سباع بن عرفطة الغفاري، و في عمرة القضية أبا رهم الغفاري، و في غزوة الفتح و حنين و الطائف ابن أمّ مكتوم، و في غزوة تبوك ابن أمّ مكتوم، و يقال: محمد بن مسلمة الأشهلي، و في حجة رسول اللّه «ص» ابن أمّ مكتوم.» «1»

و في التراتيب الإدارية:

«كان يستخلف المصطفى «ص» في كلّ غزواته. و آخرها غزوة تبوك استخلف محمد بن مسلمة الانصاري.

و في الإصابة نقلا عن ابن عبد البرّ و جماعة من أهل العلم بالنسب و السير: أنّ النبي «ص» استخلف ابن أمّ مكتوم ثلاث عشرة مرّة حتّى في تبوك و خروجه لحجة الوداع و في خروجه إلى بدر، ثمّ استخلف أبا لبابة لمّا ردّه من الطريق.

و فيها أيضا في ترجمة جعال بن سراقة الضمري نقلا عن ابن إسحاق: لما غزا رسول اللّه «ص» بني المصطلق في شعبان سنة ستّ استعمل على المدينة

جعالا الضمري.

و فيها لمّا ترجم لسباع بن عرفطة الغفاري ذكر أنّه «ص» استخلفه على المدينة لمّا ذهب لغزوة خيبر.

و فيها في ترجمة أبي رهم الغفاري: استخلفه النبي «ص» على المدينة في غزوة الفتح.

و في المواهب و شرحها: و استخلف النبي «ص» على المدينة في غزوة تبوك على ما قال ابن هشام محمّد بن مسلمة الأنصاري. قال الدمياطي تبعا للواقدي و هو عنده أثبت ممّن قال: استخلف عليّا أو سالما أو ابن أمّ مكتوم. و لكن قال الحافظ زين الدين العراقي في ترجمة عليّ «ع» من شرح التقريب: لم يتخلّف عليّ «ع» عن المشاهد إلّا تبوك، فإنّ النبيّ «ص» خلّفه على المدينة كما رواه عبد الرزاق في

______________________________

(1)- المغازى 1/ 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 136

مصنفه بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص. و لفظه: إنّ رسول اللّه «ص» لمّا خرج إلى تبوك استخلف على المدينة علي بن أبي طالب.

و في الاستيعاب: كان رسول اللّه «ص» لمّا قدم المدينة يستخلف عليّا في أكثر غزواته.

و في محاضرات الأبرار للشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي: نوّابه «ص» الذين استعملهم على المدينة في وقت خروجه لغزوة أو عمرة: أبو لبابة، و بشير بن المنذر، و عثمان بن عفان، و عبد اللّه بن أمّ مكتوم، و أبو ذرّ، و عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي سلول، و سباع بن عرفطة، و نميلة بن عبد اللّه الليثي، و عريف بن أضبط الديلمي، و أبو رهم، و محمد بن مسلمة الأنصاري، و زيد بن حارثة، و السائب بن عثمان بن مظعون، و أبو سلمة بن عبد الأسد، و سعد بن عبادة، و أبو دجانة الساعدي.

ثمّ فصّل ولاية كلّ واحد من هؤلاء.

باب في الرجل يستخلفه الإمام على أهله إذا سافر:

خلّف المصطفى في غزوة تبوك علي بن أبي طالب على أهله، و أمره بالقيامة فيهم.

قلت: في المواهب نقلا عن شرح التقريب: إنّ النبي «ص» استخلف عليّا «ع» على المدينة و خلّفه على عياله.

قال الزرقاني: خلّفه على عياله فقال: يا عليّ، اخلفني في أهلي، و اضرب و خذ و أعط. ثمّ دعا نساءه فقال: اسمعن لعليّ و اطعن ...

و أخرج ابن إسحاق عن سعد بن أبي وقاص: خلّف «ص» عليّا على أمر أهله، و أمره بالإقامة فيهم.» «1»

أقول: لسنا نحن فيما نقلناه من ذكر عمّال النّبيّ «ص» و أمرائه و خلائفه و غزواته و سراياه بصدد سرد المسائل التاريخية و تمييز الصحيح منها من السقيم. بل الغرض أن يتّضح للقارئين الكرام إجمالا أنّ رسول اللّه «ص» أتى بدين و سلطة

______________________________

(1)- التراتيب الإداريّة 1/ 314- 316.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 137

دينية معا، و أنّه كان صاحب شريعة و مؤسّس حكومة و دولة.

فما قد يتوهّم من أنّه «ص» لم يكن إلّا نذيرا و بشيرا للبشر، و أنّه لم يكن من برامجه الحكومة و لوازمها ناش من الغفلة أو الجهل بموازين الإسلام و قوانينه الشاملة لجميع مجالات الحياة، و من الجهل بسيرته «ص» و سنّته، فتدبّر.

9- ذكر بعض من بعثه النبي «ص» إلى الملوك للدعوة إلى الإسلام:

قال ابن هشام في السيرة:

«بعث رسول اللّه «ص» رسلا من أصحابه، و كتب معهم كتبا إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام:

1- فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، ملك الروم.

2- و بعث عبد اللّه حذافة السهمي إلى كسرى، ملك فارس.

3- و بعث عمرو بن أميّة الضمري إلى النجاشي، ملك الحبشة.

4- و بعث

حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس، ملك الإسكندرية.

5- و بعث عمرو بن العاص السهمي إلى جيفر و عياذ ابنى الجلندي الأزديين، ملكي عمان.

6- و بعث سليط بن عمرو، أحد بني عامر بن لؤي، إلى ثمامة بن أثال، و هوذة بن علي الحنفيين، ملكي اليمامة.

7- و بعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي العبدي، ملك البحرين.

8- و بعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغسّاني، ملك تخوم الشام.» «1»

و في التراتيب الإدارية للكتّاني:

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 4/ 254.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 138

9- «و بعث المهاجر بن أبي أميّة المخزومي إلى الحارث، ملك اليمن. قال ابن جماعة: بعث رسول اللّه «ص» ستّة نفر في يوم واحد في المحرّم سنة سبع. و في شرح الزرقاني على المواهب و شرح الألفية لابن كيران: و بعث ستّة نفر في يوم واحد إلى الملوك و أصبح كلّ منهم يتكلّم بلسان القوم الذين بعث إليهم، كذا لابن سعد و غيره، و هذه معجزة أخرى.» «1»

10- ذكر من بعثه النبي «ص» إلى الجهات يعلّم الناس القرآن و يفقّههم في الدين:

نذكر ذلك أيضا بالتلخيص من كتاب التراتيب الإدارية:

1- فمنهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف. في سيرة ابن إسحاق: لمّا انصرف النبيّ «ص» من القوم الذين بايعوه في العقبة الأولى- قال: و هم اثنا عشر- بعث معهم مصعبا و أمره أن يقرئهم القرآن و يعلّمهم الإسلام و يفقههم في الدين، و كان يسمّى المقرئ بالمدينة.

قلت: في الاستبصار لابن قدّامة المقدسي: لمّا قدم مصعب بن عمير المدينة نزل على أسعد بن زرارة، فكان يطوف به على دور الأنصار يقرئهم القرآن و يدعوهم إلى اللّه- عزّ و جلّ-، فأسلم على يديهما جماعة منهم سعد بن معاذ

و أسيد بن حضير و غيرهما.

2- و منهم معاذ بن جبل. في الاكتفاء: استخلف رسول اللّه «ص» عتّاب بن أسيد على مكّة، و خلّف معه معاذ بن جبل يفقّه الناس في الدين و يعلّمهم القرآن. و في الاستيعاب: بعثه النبيّ «ص» قاضيا على الجند من اليمن يعلّم الناس القرآن و شرائع الإسلام و يقضي بينهم، و جعل إليه قبض الصدقات من العمّال الذين

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية 1/ 194.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 139

باليمن عام فتح مكّة.

3- و منهم عمرو بن حزم الخزرجي. في الاستيعاب: استعمله النبيّ «ص» على نجران ليفقّههم في الدين و يعلّمهم القرآن و يأخذ صدقاتهم، و ذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا، و كتب له كتابا في الفرائض و السنن و الصدقات و الديات.

4- و منهم أبو عبيدة بن الجرّاح. أخرج أحمد في مسنده، عن أنس، قال: لمّا وفد أهل اليمن على رسول اللّه «ص» قالوا: ابعث معنا رجلا يعلّمنا السنّة و الإسلام.

فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال: هذا أمين هذه الأمّة. و سيّره إلى الشام أميرا، فكان فتح أكثر الشام على يده.

5- و منهم رافع بن مالك الأنصاري. ترجمه في الإصابة فذكر عن ابن إسحاق: أنّه أوّل من قدم المدينة بسورة يوسف و أنّ الزبير بن بكّار روى في أخبار المدينة أنّ رافعا لمّا لقي المصطفى «ص» بالعقبة أعطاه ما أنزل إليه في العشر سنين التي خلت، فقدم به رافع إلى المدينة ثمّ جمع قومه فقرأ عليه في موضعه.

6- و منهم أسيد بن حضير. ترجم في الإصابة لإبراهيم بن جابر فقال: كان من جملة العبيد الذين نزلوا على النبيّ

«ص» أيّام حصاره الطائف، فأعتقه و بعثه إلى أسيد بن حضير و أمره أن يمونه و يعلّمه. ذكره الواقدي.

7- و ترجم في الإصابة أيضا للأزرق بن عقبة الثقفي، فذكر أنّه ممّن نزل على النّبيّ «ص» في حصار الطائف و أنّه أسلم و أعتقه و سلّمه لخالد بن سعيد بن العاص ليمونه و يعلّمه. «1»

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية 1/ 42- 44.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 140

الثالثة من السلطات الثلاث: السلطة القضائية و فيها جهات من البحث:
1- الحاجة إليها:

لا يخفى على من راجع تواريخ الأمم و الأجيال في العالم أنّ لأمر القضاء و فصل الخصومات مكانة خاصّة حسّاسة في جميع الأمم و المجتمعات البشرية. إذ عليه و على سلامة نظامه تبنى سلامة المجتمع و أمنه و استقرار العدل فيه و حفظ الحقوق و الحرمات.

و لو لم ينسجم انسجاما سالما، أو فوّض أمره إلى غير أهله فشا الجور و الفساد و ضاعت الحقوق و ضعفت الدولة. بل ربّما أعقب ذلك سقوطها و زوالها.

و السرّ في ذلك أنّ عالم الطبيعة عالم التزاحم و التصادم، و الإنسان في طبعه مجبول على الولع و الطمع، و قد زيّن له حبّ الشهوات من النساء و الضياع و الأموال، و «يشيب ابن آدم و تشبّ فيه خصلتان: الحرص و طول الأمل.» «1»

فربّما يستفيد الشخص من قوّته و قدرته أو من غفلة غيره استفادة سوء فينزو على أموال الناس و حقوقهم. هذا.

مضافا إلى أنّه قد يشتبه الأمر عليه فيتسلّط على مال غيره عن جهل و شبهة، و يستعقب ذلك التنازع و البغضاء، بل ربّما يؤول الأمر إلى القتال و إتلاف النفوس و الأموال.

فلا محيص عن وجود سلطة عالمة عادلة نافذ الأمر تصلح بينهم أو تقضي بينهم

______________________________

(1)- جامع السعادات 3/

37؛ عن النبيّ «ص».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 141

بالحقّ و العدل فيرتفع النزاع و يجد كلّ ذي حقّ حقّه.

و لأجل ذلك ترى الشريعة الإسلاميّة قد حثّ على الصلاح و الإصلاح و نفي الإيمان عمّن لم يحكّم هذه السلطة و لم يسلّم لها تسليما، و أكّد في سلامة سلطة القضاء و تفويضها إلى أهلها.

1- قال اللّه- تعالى-: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ.» «1»

2- و قال: «فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ.» «2»

3- و في نهج البلاغة عن رسول اللّه «ص»: «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة و الصيام.» «3»

4- و قال- تعالى-: «فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.» «4»

2- القضاء للّه و لرسوله و للأنبياء و الأوصياء، و كان الأنبياء و الأئمة يتصدّون له:

لمّا كان الأصل الأوّلي كما مرّ يقتضي عدم ثبوت الولاية لأحد على أحد إلّا للّه- تعالى- أو لمن ولّاه اللّه أو أجاز له و نفّذه، و القضاء أيضا شعبة من شعب الولاية بل من أهمّها و يكون ملازما للتصرّف في سلطة الغير، فلا محالة لا يصح القضاء و لا ينفذ إلّا من قبل اللّه- تعالى- مالك الجميع أو من ولّاه اللّه أو أجاز له ذلك و لو بالواسطة باسمه و شخصه أو بعنوان عامّ:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 141

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 10.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 1.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 977؛ عبده 3/ 85؛ لح/ 421، الكتاب 47.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 65.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 142

1- قال اللّه- تعالى-: «إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ، يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفٰاصِلِينَ.» «1»

2- و قال: «وَ اللّٰهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ، وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لٰا يَقْضُونَ بِشَيْ ءٍ، إِنَّ اللّٰهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.» «2»

3- و قال: «وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.» «3»

4- و في خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين، لنبي (كنبيّ) أو وصي نبيّ.» «4»

5- و في خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع» لشريح: «يا شريح، قد جلست مجلسا لا يجلسه (ما جلسه) إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ، أو شقيّ.» «5»

6- و في مصباح الشريعة عن الصادق «ع»: «و الحكم لا يصحّ إلّا بإذن من اللّه و برهانه.» «6»

و كان من شئون الأنبياء و تكاليفهم أيضا فصل الخصومات و القضاء بين الناس بالعدل. و النبيّ الأكرم «ص» أيضا كان يمارس بنفسه أمر القضاء على أساس ما أنزله اللّه عليه:

7- قال اللّه- تعالى-: «يٰا دٰاوُدُ، إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ.» «7»

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 57.

(2)- سورة غافر (40)، الآية 20.

(3)- سورة الأحزاب (33)، الآية 36.

(4)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(5)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

(6)- مصباح الشريعة/ 41، الباب 63 في الفتيا (طبع بيروت/ 16، الباب 6 في الفتيا.).

(7)- سورة ص (38)، الآية 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية،

ج 2، ص: 143

فاللّه- تعالى- فرع جواز حكم داود على جعله خليفة له- تعالى- فيظهر من ذلك عدم نفوذ حكمه لو لا ذلك.

8- و قال: «وَ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، وَ كُنّٰا لِحُكْمِهِمْ شٰاهِدِينَ.» «1»

9- و قال مخاطبا لنبيّنا: «فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ، وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.» «2»

10- و في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «في كتاب علي «ع» أنّ نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربّه فقال: يا ربّ، كيف أقضي فيما لم أر و لم أشهد؟ قال:

فأوحى اللّه إليه: احكم بينهم بكتابي و اضفهم إلى اسمي، فحلفهم (تحلفهم خ. ل) به، و قال: هذا لمن لم تقم له بيّنة.» «3»

11- و في حديث آخر عنه «ع»، قال: «في كتاب عليّ «ع» أنّ نبيّا من الأنبياء شكا إلى ربه القضاء فقال: كيف أقضي بما لم تر عيني و لم تسمع أذني؟ فقال: اقض عليهم بالبيّنات و أضفهم إلى اسمي يحلفون به. الحديث.» «4»

12- و في خبر هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان و بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنّما قطعت له به قطعة من النار.» «5»

أقول: «لحن الرجل» من باب علم: فطن بحجته و انتبه.

______________________________

(1)- سورة الأنبياء (21)، الآية 78.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 65.

(3)- الوسائل 18/ 167، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 167، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.

(5)- الوسائل 18/

169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 144

13- و في سنن أبي داود بسنده عن أمّ سلمة، قالت: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّما أنا بشر، و إنّكم تختصمون إليّ و لعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حقّ أخيه بشي ء فلا يأخذ منه شيئا فإنّما أقطع له قطعة من النار.» «1»

و رواه أيضا مالك في أوّل الأقضية من الموطأ عن أمّ سلمة عنه «ص» «2».

و قد كان رسول اللّه «ص» يبعث القضاة إلى النواحي أيضا، فيتولّون هذه المهمّة بنصبه و أمره:

14- ففي سنن أبي داود أيضا بسنده عن عليّ «ع»، قال: «بعثني رسول اللّه «ص» إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول اللّه، ترسلني و أنا حديث السن و لا علم لي بالقضاء؟ فقال: إنّ اللّه سيهدي قلبك و يثبّت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء، قال: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد.» «3»

أقول: و قال عمر بن الخطاب في حقّه: «عليّ اقضانا.» «4»

15- و فيه أيضا بسنده عن أناس من أصحاب معاذ بن جبل أنّ رسول اللّه «ص» لمّا أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب اللّه. قال: «فإن لم تجد في كتاب اللّه؟» قال: فبسنّة رسول اللّه «ص». قال: «فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه «ص» و لا في كتاب اللّه؟» قال: أجتهد رأيي و لا آلو. فضرب رسول اللّه «ص» صدره

و قال: «الحمد للّه الذي وفق رسول رسول اللّه لما يرضى رسول اللّه.» «5»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 270، كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ.

(2)- الموطأ للمالك 2/ 106، كتاب الأقضية، باب الترغيب في القضاء بالحقّ.

(3)- سنن أبي داود 2/ 270، كتاب الأقضية، باب كيف القضاء.

(4)- مسند أحمد 5/ 113.

(5)- سنن أبي داود 2/ 272، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 145

16- و في سنن ابن ماجة بسنده عن معاذ بن جبل، قال: لمّا بعثني رسول اللّه «ص» إلى اليمن قال: «لا تقضينّ و لا تفصلنّ إلّا بما تعلم. و إن أشكل عليك أمر فقف حتّى تبيّنه أو تكتب إليّ فيه.» «1»

17- و في كنز العمال عن عليّ «ع»، قال: قلت: «يا رسول اللّه، إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره و لا سنّة كيف تأمرني؟ قال: تجعلونه شورى بين أهل الفقه و العابدين من المؤمنين و لا تقضي فيه برأي خاصّة.» (طس و أبو سعيد في القضاة) «2»

أقول: و الخبران يوهنان ما في خبر معاذ من قوله: «أجتهد رأيي و لا آلو.»

فيظهر منهما عدم الاعتبار بالرأي.

و كيف كان فأمر القضاء عظيم، و هو من أعظم شعب الولاية و يكون تصرّفا في سلطة الغير. فالأصل يقتضي عدم صحّته و نفوذه إلّا أن يكون من قبل اللّه- تعالى- مالك الملك و الملكوت أو من ولّاه اللّه- تعالى- أو أجاز له ذلك من نبيّ أو وصيّ نبيّ.

و الظاهر أنّ المقصود بالوصيّ الوارد في الرواية هو الأعمّ من الوصاية بلا واسطة أو معها، جعلت لشخص خاصّ أو لعنوان عامّ معرّف بالمواصفات،

فيشمل الفقهاء الواجدين للشرائط المجاز لهم القضاء في عصر الغيبة أيضا، فإنّ حاجة الناس إلى القضاء في كلّ عصر واضحة كما مرّ، و لا يمكن تعطيله و إهماله في عصر من الأعصار، كما لا يجوز تعطيل الولاية الكبرى، فيتعيّن له الفقيه الجامع للشرائط فإنّه القدر المتيقّن. و يستفاد أيضا من مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة أبي خديجة المتقدّمتين، حيث منع الإمام فيهما من الرجوع إلى قضاة الجور و أرجع شيعته إلى من يعرف أحكامهم «ع». و ظاهرهما اعتبار الاجتهاد و الفقاهة في القاضي، كما يأتي

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 1/ 21، المقدمة، باب اجتناب الرأي و القياس، الحديث 55.

(2)- كنز العمال 5/ 812، الباب 2 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14456.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 146

بيانه عن قريب.

و ظاهر الخبرين جعل المنصب من قبله «ع» و تفريع جواز التحاكم إلى الفقيه على جعله- عليه السلام-، فيظهر من ذلك أنّه لو لا نصبه و جعله إيّاه قاضيا لم يجز الرجوع إليه و لم يكن قضاؤه شرعيا نافذا.

3- شرائط القاضي و مواصفاته:

قد ظهر بما مرّ أوّلا: أنّ الأصل يقتضي عدم نفوذ القضاء إلّا فيما قام الدليل عليه.

و ثانيا: أنّ المستفاد من الآيات و الروايات كون القضاء للّه و لرسوله و لأوصيائه.

و ثالثا: أنّه لا يمكن القول بتعطيله في عصر الغيبة، فيجوز للفقيه الواجد للشرائط التصدّي له لأنّه القدر القدر المتيقن و لدلالة المقبولة و المشهورة و غيرهما عليه كما يأتي بيانه. فلا محالة يراد بالوصيّ في الرواية ما يشمل الوصاية بعنوان عامّ أيضا، أو يكون مستثنى ممّا دلّ على الحصر.

بل يمكن القول بأنّ الحاكم المنتخب من قبل الأمّة أيضا-

بعد فرض صحّة انتخابه و كونه واجدا للشرائط التي منها الفقاهة و إمضاء الشرع لذلك- يصير بحكم الوصيّ، فتدبّر.

إذا عرفت هذا فقد حان الوقت لبيان الواصفات المعتبرة فيمن يقلّد أمر القضاء و يتولّى له، فنقول:

1- قال المحقّق في القضاء من الشرائع:

«و يشترط فيه البلوغ و كمال العقل و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العلم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 147

و الذكورة.» «1»

و في المسالك في شرح العبارة:

«هذه الشرائط عندنا موضع وفاق.» «2»

2- و قال العلّامة في القواعد:

«و يشترط فيه البلوغ و العقل و الذكورة و الإيمان و العدالة و طهارة المولد و العلم.» «3»

3- و في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة:

«و لا يولّى قاض حتّى يكون بالغا عاقلا مسلما حرّا عدلا عالما فقيها و رعا.» «4»

4- و في المنهاج للنووي في فقه الشافعية:

«و شرط القاضي: مسلم مكلّف حرّ ذكر عدل سميع بصير ناطق كاف مجتهد.» «5»

5- و في بداية المجتهد لابن رشد:

«فأمّا الصفات المشترطة في الجواز فأن يكون حرّا مسلما بالغا ذكرا عاقلا عدلا ...

و اختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد، فقال الشافعي: يجب أن يكون من أهل الاجتهاد و مثله حكى عبد الوهّاب عن المذهب. و قال أبو حنيفة: يجوز حكم العامّيّ ... و كذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور: هي شرط في صحّة الحكم. و قال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال. قال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كلّ شي ء.» «6»

6- و قال أبو الحسن الماوردي في الأحكام السلطانية ما ملخّصه:

«و لا يجوز أن يقلّد القضاء إلّا من تكاملت فيه شروطه، و هي سبعة:

فالشرط الأوّل:

أن يكون رجلا. و هذا الشرط يجمع البلوغ و الذكورية.

و الشرط الثاني: العقل. و هو مجمع على اعتباره. و لا يكتفى فيه بالعقل الذي يتعلّق

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 67.

(2)- المسالك 2/ 351.

(3)- القواعد 2/ 201.

(4)- راجع المغني لابن قدّامة 11/ 380.

(5)- المنهاج/ 588، (كتاب القضاء).

(6)- بداية المجتهد 2/ 449، كتاب الأقضية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 148

به التكليف من علمه بالمدركات الضرورية، حتّى يكون صحيح التمييز جيّد الفطنة بعيدا من السهو و الغفلة يتوصّل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل و فصل ما أعضل.

و الشرط الثالث: الحرية.

و الشرط الرابع: الإسلام ... و لا يجوز أن يقلّد الكافر القضاء على المسلمين و لا على الكفّار، و قال أبو حنيفة: يجوز تقليده القضاء بين أهل دينه.

و الشرط الخامس: العدالة. و هي معتبرة في كلّ ولاية. و العدالة أن يكون صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفا عن المحارم متوقّيا المآثم، بعيدا من الريب، مأمونا في الرضا و الغضب، مستعملا لمروءة مثله في دينه و دنياه.

و الشرط السادس: السلامة في السمع و البصر، ليصحّ بهما إثبات الحقوق و يفرّق بين الطالب و المطلوب، و يعرف المحقّ من المبطل. فإن كان ضريرا كانت ولايته باطلة. و جوّزها مالك، كما جوّز شهادته.

و الشرط السابع: أن يكون عالما بالأحكام الشرعيّة. و علمه بها يشتمل على علم أصولها و الارتياض بفروعها.» «1»

7- و قال أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية:

«لا يجوز تقليد القضاء إلّا لمن كملت فيه سبع شرائط: الذكورية و البلوغ، و العقل، و الحريّة، و الإسلام، و العدالة، و السلامة في السمع و البصر، و العلم.» «2»

و لا يخفى أنّ ما ذكره ثمانية لا سبعة، اللّهم إلّا ان

يعدّ الأوّلان واحدا، كما في الماوردي.

ثم أقول: أمّا اعتبار البلوغ و العقل فلقصور الصغير و المجنون و كونهما مولّى عليهما مسلوبي العبارة و الأفعال شرعا، و إذا لم تنفذ عبارتهما في حقّ أنفسهما فكيف تنفذ في حقّ الغير.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 65.

(2)- الأحكام السلطانية/ 60.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 149

و أمّا الإيمان فإن أريد به ما في قبال الكفر فيدلّ على اعتباره كلّ ما دلّ على حرمة تولّى الكفّار، و قوله- تعالى-: «لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.» «1» و ما عن النبي «ص»: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه.» «2» و القضاء على المؤمن سبيل عليه و علوّ، نعم، لا يجري هذا في القضاء على الكافر. هذا مضافا إلى وضوح الحكم و أنّ الكافر ليس نبيّا و لا وصيّا.

و إن أريد بالإيمان كونه إماميّا فيدلّ على اعتباره- مضافا إلى أصالة عدم الانعقاد مع الشك- قوله «ع»: «منكم» في خبر أبي خديجة، و كذا المقبولة كما يأتي بيانه «3».

هذا مضافا إلى أنّ القضاء يجب أن يكون على أساس مذهب المترافعين، فطبع الموضوع يقتضي أن يكون القاضي لهم منهم. و لعلّ القاضي في كلّ مذهب يناسب أن يكون من أنفسهم، فتدبّر.

و أمّا العدالة فيدلّ على اعتبارها- مضافا إلى الأصل المشار إليه، و إلى وضوحه، و إلى كثير ممّا دلّ على اعتبارها في الولاية من الآيات و الروايات، فراجع الفصل السادس من الباب الرابع- خصوص خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ (كنبيّ خ. ل) أو وصيّ نبيّ.» «4»

و يدل عليه خبر أبي خديجة و

كذا المقبولة أيضا.

و أمّا طهارة المولد، و كذا الذكورة فيدلّ على اعتبارهما ما دلّ على اعتبارهما في

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 141.

(2)- الفقيه 4/ 334، كتاب الفرائض، باب ميراث أهل الملل، الحديث 5719.

(3)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5، و 18/ 99، الباب 11 منها، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 150

الوالي، فراجع الفصل العاشر و الحادي عشر من ذلك الباب.

و في اعتبار الحرّية كلام، و قد مرّ البحث فيه في الفصل الثاني عشر من ذلك الباب، و مرّ أنّ موضوع البحث منتف في أعصارنا.

و أمّا السمع و البصر فإن توقف عليهما معرفة المحقّ و المبطل و القضاء بالحقّ و العدل لزم رعايتهما و إلّا فلا دليل على اعتبارهما بالخصوص، فتدبّر.

4- اعتبار العلم في القاضي:

و أمّا العلم فيدلّ على اعتباره إجمالا- مضافا إلى الأصل، و إلى وضوح ذلك لتوقّف القضاء بالحقّ عليه، و إلى كثير من أدلّة اعتباره في الوالي من الآيات و الروايات الّتي مرّت- خصوص خبري أبي خديجة و كذا مقبولة عمر بن حنظلة كما يأتي، و خبر سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ (كنبيّ) أو وصيّ نبيّ.» «1»

و ما رواه الكليني مرفوعا، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «القضاة أربعة: ثلاثة في النار و واحد في الجنّة: رجل قضى بجور و هو يعلم فهو في النار، و رجل قضى بجور و هو لا يعلم فهو في النار، و رجل قضى بالحقّ و هو لا يعلم فهو

في النار، و رجل قضى بالحقّ و هو يعلم فهو في الجنّة.» «2»

و روى أبو داود في السنن بسنده عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبيّ «ص»، قال: «القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة و اثنان في النار: فأمّا الذي في الجنّة فرجل عرف الحقّ فقضى به، و رجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النار، و رجل قضى للناس على جهل فهو في

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 151

النار.» «1»

و في نهج البلاغة في صفة من يتصدّى للقضاء و ليس أهلا له: «و رجل قمش جهلا موضع في جهّال الأمّة، عاد في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة. قد سمّاه أشباه الناس عالما و ليس به. بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر، حتّى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره.

فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثّا من رأيه ثمّ قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ: فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب.

جاهل خبّاط جهالات عاش ركّاب عشوات. لم يعضّ على العلم بضرس قاطع. يذري الروايات إذراء الريح الهشيم. لأملئ- و اللّه- بإصدار ما ورد عليه و لا هو أهل لما فوّض إليه. لا يحسب العلم في شي ء ممّا أنكره، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره. و

إن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه. تصرخ من جور قضائه الدماء، و تعجّ منه المواريث.» «2»

و روى نحوه الكليني في الكافي، فراجع «3».

أقول: قمش جهلا: جمعه. موضع فيهم: أي مسرع. و الأغباش جمع الغبش بالتحريك: الظلمات. عاد فيها: أي مسرع فيها. و روي غارّ بالتشديد، أي غافل. عم بما في عقد الهدنة: جاهل بمصالح السكون و الدّعة. و يحتمل أن يراد أنّه غافل عمّا في التسامح و التساهل من المفاسد و المضارّ، و لعلّه أظهر. الآجن: الماء المتغير. الحشو:

فضل الكلام. و الرثّ: الخلق البالي. و الخبّاط، مبالغة الخابط: السائر على غير هدى. و العاشي: الأعمى أو ضعيف البصر. و العشوة: ركوب الأمر على غير هدى.

و الهشيم: ما يبس من النبت و تفتّت. و العجّ: رفع الصوت.

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 268، كتاب الأقضية باب في القاضي يخطئ.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 71؛ عبده 1/ 47؛ لح/ 59، الخطبة 17.

(3)- راجع أصول الكافي 1/ 55، كتاب فضل العلم، باب البدع و الرأي و المقاييس، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 152

فليتأمّل شيعة أمير المؤمنين- عليه السلام- المتصدّون لأمر القضاء في هذه الخطبة الشريفة، و ليلتفتوا إلى موقع عملهم و سلطتهم على دماء الناس و الأعراض و الأموال و أنّ أمرها لشديد عند اللّه- تعالى- فعليهم الدقّة و الاحتياط، و ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط.

و عن المفيد في المقنعة، عن النّبيّ «ص»، قال: «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكّين.» «1»

و في رواية أنس بن مالك، عن النبيّ «ص»: «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس، فإمّا إلى الجنّة و إمّا إلى

النار.» «2»

و روى الترمذي بسنده عن رسول اللّه «ص»: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله، فإنّ الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.» «3» هذا.

و لكن لمّا كان أمر القضاء عظيما لا ينسجم نظام بلاد المسلمين و حفظ حقوقهم إلّا به فالمتصدّي له إذا كان أهلا له و راعى جانب الدقّة و الاحتياط في عمله فلا محالة كان أجره عند اللّه أيضا عظيما. و لا يجوز لمن يقدر عليه و يوجد فيه الشرائط أن يتركه إلّا مع وجود الكفاية.

و عن رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة.» «4» هذا.

و ذكر أمير المؤمنين- عليه السلام- في كتاب كتبه لمالك الأشتر مواصفات من يريد أن يختاره للقضاء، فقال: «ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممّن

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 8، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 8.

(2)- الوسائل 18/ 167، الباب 12 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

(3)- سنن الترمذي 2/ 438، أبواب الحدود، الباب 2، الحديث 1447.

(4)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 153

لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم و لا يتمادى في الزلّة، و لا يحصر من الفي ء إلى الحقّ إذا عرفه، و لا تشرف نفسه على طمع، و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه. و أوقفهم في الشبهات، و آخذهم بالحجج، و أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشف الأمور، و أصرمهم عند اتّضاح الحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل.

ثمّ أكثر تعاهد قضائه

و افسح له في البذل ما يزيل علّته، و تقلّ معه حاجته إلى الناس. و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا. فإنّ هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى و تطلب به الدنيا.» «1»

أقول: أمحكه: جعله محكان، أي عسر الخلق. حصر كفرح: ضاق صدره و التبرّم: الملل و التضجّر. لا يزدهيه إطراء: لا يستخفّه كثرة الثناء عليه.

فعلى حكّام المسلمين و ولاتهم أن يهتمّوا بأمر القضاء و القضاة، كما اهتمّ به أمير المؤمنين «ع»، و أمر مالكا بالاهتمام بهم و بما يزيل علّتهم و حاجاتهم.

و في كنز العمّال: «إذا أراد اللّه بقوم خيرا ولّى عليهم علماؤهم و جعل المال في سمحائهم. و إذا أراد اللّه بقوم شرّا ولّى عليهم سفهاءهم و قضى بينهم جهّالهم و جعل المال في بخلائهم.» (فر، عن مهران) «2»

5- هل يعتبر في علم القاضي كونه عن اجتهاد؟
اشارة

هل يعتبر في القاضي أن يكون علمه عن اجتهاد، أو يكفي التقليد أيضا؟ و على الأوّل فهل يعتبر كونه مجتهدا مطلقا، أو يكفي التجزّي؟

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1009؛ عبده 3/ 104؛ لح/ 434، الكتاب 53.

(2)- كنز العمال 6/ 7 الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14595.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 154

[كلمات الأصحاب]

1- قال الشيخ في الخلاف:

«و لا يجوز أن يتولّى القضاء إلّا من كان عارفا (عالما خ. ل) بجميع ما وليّ، و لا يجوز أن يشذّ عنه شي ء من ذلك، و لا يجوز أن يقلّد غيره ثمّ يقضي به. و قال الشافعي:

ينبغي أن يكون من أهل الاجتهاد و لا يكون عامّيّا، و لا يجب أن يكون عالما بجميع ما وليه. و قال في القديم مثل ما قلناه. و قال أبو حنيفة: يجوز أن يكون جاهلا بجميع ما وليه إذا كان ثقة و يستفتى الفقهاء و يحكم به، و وافقنا في العامّي أنّه لا يجوز أن يفتي. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

2- و قال في القضاء من النهاية:

«و ينبغي أن لا يتعرّض للقضاء أحد حتى يثق من نفسه بالقيام به. و ليس يثق أحد بذلك من نفسه حتّى يكون عاقلا كاملا، عالما بالكتاب و ناسخه و منسوخه، و عامّه و خاصّه، و ندبه و إيجابه، و محكمه و متشابهه، عارفا بالسنّة و ناسخها و منسوخها، عالما باللغة، مضطلعا بمعاني كلام العرب، بصيرا بوجوه الإعراب، ورعا من محارم اللّه- تعالى-، زاهدا في الدنيا، متوفّرا على الأعمال الصالحات، مجتنبا للكبائر و السيئات، شديد الحذر من الهوى، حريصا على التقوى. فإذا كان بالصفات التي ذكرناها جاز له

أن يتولّى القضاء و الفصل بين الناس.» «2»

و قد ذكر نحو ذلك أستاذه الشيخ المفيد «قده» في المقنعة، فراجع «3». و يأتي كلام الشيخ في المبسوط أيضا.

3- و قال ابن زهرة في الغنية:

«يجب في المتولّي للقضاء أن يكون عالما بالحقّ في الحكم المردّد إليه، بدليل إجماع الطائفة. و أيضا فتولية المرء ما لم يعرفه قبيحة عقلا و لا يجوز فعلها. و أيضا فالحاكم مخيّر في الحكم عن اللّه- تعالى- و نائب عن رسول اللّه «ص» و لا شك في قبح ذلك من دون العلم. و أيضا قوله- تعالى-: «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ.»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 309، كتاب القضاء، المسألة 1.

(2)- النهاية/ 337.

(3)- المقنعة/ 111.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 155

و من حكم بالتقليد لم يقطع على الحكم بما أنزل اللّه- تعالى-.» «1»

4- و قال المحقّق في قضاء الشرائع:

«و كذا لا ينعقد لغير العالم المستقلّ بأهليّة الفتوى، و لا يكفيه فتوى العلماء. و لا بدّ أن يكون عالما بجميع ما وليه و يدخل فيه أن يكون ضابطا، فلو غلب عليه النسيان لم يجز نصبه.» «2»

5- و قال في المسالك:

«المراد بالعالم هنا المجتهد في الأحكام الشرعية، و على اشتراط ذلك في القاضي إجماع علمائنا. و لا فرق بين حالة الاختيار و الاضطرار.» «3»

6- و في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك و غيرها الإجماع عليه من غير فرق بين حالتي الاختيار و الاضطرار.» «4»

7- و قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«و جوّز أبو حنيفة تقليد القضاء ممّن ليس من أهل الاجتهاد ليستفتي في أحكامه و قضاياه. و الذي عليه جمهور الفقهاء أنّ ولايته باطلة و أحكامه مردودة.»

«5»

8- و في كتاب الأقضية من بداية المجتهد:

«و اختلفوا في كونه من أهل الاجتهاد، فقال الشافعي: يجب أن يكون من أهل الاجتهاد، و مثله حكى عبد الوهاب عن المذهب. و قال أبو حنيفة: يجوز حكم العامي.» «6»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 562.

(2)- الشرائع 4/ 67.

(3)- المسالك 2/ 351.

(4)- الجواهر 40/ 15.

(5)- الأحكام السلطانية/ 66.

(6)- بداية المجتهد 2/ 449.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 156

ما يستدلّ به على اعتبار الاجتهاد في القاضي:

أقول: قد يستدلّ على اعتبار الاجتهاد في القاضي- مضافا إلى الأصل الحاكم بعدم صحّة القضاء و نفوذه إلّا فيما ثبت بالدليل، و إلى الاجماع المدّعى في الخلاف و الغنية و المسالك و غيرها و إن أمكن المناقشة في تحققه بنحو يفيد- بمقبولة عمر بن حنظلة، و خبري أبي خديجة، و توقيع صاحب الأمر- عجل اللّه تعالى فرجه-:

أمّا المقبولة فهي ما رواه الكليني بسند لا بأس به، عن عمر بن حنظلة، قال:

«سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان و إلى القضاة، أ يحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت. و ما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّا ثابتا له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت و قد أمر اللّه أن يكفر به، قال اللّه- تعالى-: «يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.» «1»

قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران (إلى) من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ، و

الرادّ علينا الرادّ على اللّه، و هو على حد الشرك باللّه.

قلت: فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما و اختلفا فيما حكما، و كلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما، و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ...» «2»

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 60.

(2)- أصول الكافي 1/ 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10؛ و الوسائل 18/ 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 157

و قد مرّ البحث في سند الحديث في الفصل الثالث من الباب الخامس، فراجع.

و مرّ أنّه و إن استدلوا بالحديث لإثبات منصبي الولاية و القضاء للفقيه و لكنّ القدر المتيقّن منه هو القضاء فقط على فرض دلالته على النصب، كما لعلّه الظاهر من قوله: «فإنّي قد جعلته.»

و تقريب الاستدلال به للمقام هو أنّ الظاهر من قوله: «روى حديثنا» كون حديث العترة الطاهرة أساس حكمه و قضائه، في قبال من كان يعتمد على القياس و الاستحسانات الظنّيّة. و مقتضى ذلك كونه مجتهدا، إذ منبع علم المقلّد هو فتوى المجتهد لا الأحاديث الصادرة عنهم- عليهم السلام-.

و الظاهر من قوله «ع»: «نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا» أيضا كونه من أهل النظر و المعرفة بالنسبة إلى أحكام الأئمة «ع» و فتاواهم الصادرة عنهم في الحلال و الحرام، و أن يعلم أنّ ما يحكم به هو حكمهم «ع». و ظاهر ذلك أيضا اعتبار الاجتهاد، إذ لا يصدق على المقلّد لغيره أنّه نظر و عرف، فإنّ المعرفة إنّما تصدق مع

الإحاطة بجميع خصوصيّات الشي ء و مميّزاته. ففرق بين العلم الإجمالي بوجود الشي ء، و بين معرفته بخصوصيّاته.

و تشخيص أحكام الأئمة «ع» و فتاواهم في الحلال و الحرام من خلال أحاديثهم المرويّة، و لا سيّما إذا كانت متعارضة بحسب الظاهر أو محتاجة إلى الشرح و التفسير لا يتيسّر إلّا لمن كان له ملكة الاجتهاد و الفقاهة.

و كذلك قوله «ع» في جواب سؤال السائل عن صورة اختلاف الرجلين: «الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث»

و قول السائل في ذيل الحديث: «أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنّة» كلّ ذلك ممّا يظهر منه اعتبار الفقاهة في من نصبه الإمام الصادق «ع» للقضاء بالنصب العامّ.

و احتمال أنّ الاجتهاد أخذ طريقا لا موضوعا، فالملاك هو الاطلاع على الأحكام و وقوع القضاء على وفق الحقّ و لو كان عن تقليد، مخالف لظاهر الحديث جدّا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 158

و العلم الاجتهادي بالأحكام علم تفصيلي و إحاطة تفصيليّة بها، و من المحتمل جدّا موضوعيّة ذلك لهذا المنصب الشريف.

و أمّا خبرا أبي خديجة فالأولى منهما ما رواه عن الإمام الصادق «ع» أنّه قال:

«إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.» «1»

و الثانية ما رواه فقال: «بعثني أبو عبد اللّه «ع» إلى أصحابنا فقال: «قل لهم:

إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شي ء من الأخذ و العطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق. اجعلوا بينكم رجلا ممّن قد عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته قاضيا. و إيّاكم أن يخاصم

بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر.» «2»

و تقريب الاستدلال بهما أيضا واضح و لا سيّما الثاني، لظهور المعرفة في الإحاطة بالشي ء بجميع خصوصيّاته. و من المحتمل جدّا اتّحاد الخبرين، فيشكل الاعتماد على ظهور الأوّل منهما في كفاية التجزّي كما يأتي بيانه.

و أمّا التوقيع فهو ما رواه إسحاق بن يعقوب، عن صاحب الزمان «ع» من قوله «ع»: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه عليهم.» «3»

بناء على شموله للإفتاء و الولاية و القضاء، كما مرّ بيانه في فصل اثبات الولاية به.

و تقريب الاستدلال أنّ الإرجاع وقع إلى رواة الحديث، و المقلّد ليس مبنى علمه الأحاديث كما مرّ.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(2)- الوسائل 18/ 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6. و لفظة «عليكم» بعد قوله «جعلته» ليست في التهذيب بطبعيه، و ان وجدت في الوسائل.

(3)- الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9. و اعتمد في النقل على كمال الدين/ 484.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 159

فهذه روايات يمكن أن يستدل بها لاعتبار الاجتهاد في القاضي.

بل يمكن أن يقال: إنّ العالم في خبر سليمان بن خالد: «فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء،» «1» و في غيره من الأخبار أيضا منصرف إلى العلم عن اجتهاد، إذ المقلد لا يطلق عليه أنّه عالم إلّا بنحو من العناية. هذا.

كلام صاحب الجواهر: [في عدم اعتبار الاجتهاد في القاضي]

و لكن في الجواهر ما حاصله و ملخّصه:

«إنّ المستفاد من الكتاب و السنّة صحّة الحكم بالحقّ و العدل و القسط من كلّ مؤمن.

قال اللّه- تعالى-: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، وَ

إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.» «2»

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ لِلّٰهِ شُهَدٰاءَ بِالْقِسْطِ، وَ لٰا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلىٰ أَلّٰا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ» «3»

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَ لَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ. إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّٰهُ أَوْلىٰ بِهِمٰا، فَلٰا تَتَّبِعُوا الْهَوىٰ أَنْ تَعْدِلُوا.» «4»

و مفهوم قوله: «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ* ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ* ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 58.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 8.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 135.

(5)- سورة المائدة (5)، الآية 44، 45 و 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 160

و قال علي «ع»: «الحكم حكمان: حكم اللّه، و حكم الجاهلية. فمن أخطأ حكم اللّه حكم بحكم الجاهلية.» «1»

و قال أبو جعفر «ع»: «الحكم حكمان: حكم اللّه- عزّ و جلّ-، و حكم أهل الجاهلية.

و قد قال اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» و أشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.» «2»

إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على أنّ المدار هو الحكم بالحقّ الذي هو عند محمّد و أهل بيته. و لا ريب أنّه يندرج في ذلك من سمع منهم- عليهم السلام- أحكاما خاصّة مثلا، و حكم بها بين الناس و إن لم يكن له مرتبة الاجتهاد.

و في خبر أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من

قضايانا، فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.» «3»

بناء على إرادة الأعمّ من المجتهد منه، بل لعلّ ذلك أولى من الأحكام الاجتهادية الظنّيّة.

بل قد يقال باندراج من كان عنده أحكامهم بالاجتهاد الصحيح أو التقليد الصحيح و حكم بها بين الناس كان حكما بالحقّ و القسط و العدل.

نعم، قد يقال بتوقّف صحّة ذلك على الإذن منهم- عليهم السلام-، لخبر سليمان بن خالد «4» و غيره ممّا يقتضي توقّف الحكم و ترتّب الأثر عليه على الإذن و النصب.

اللّهم إلّا أن يقال بأنّ النصوص دالّة على الإذن منهم- عليهم السلام- لشيعتهم الحافظين لأحكامهم في الحكم بين الناس بأحكامهم الواصلة إليهم بقطع أو اجتهاد صحيح أو تقليد كذلك.

و في خبر عبد اللّه بن طلحة «5» الوارد في اللّص الداخل على المرأة و قتل ولدها و أخذ

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 7.

(2)- الوسائل 18/ 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 8.

(3)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(4)- الوسائل 18/ 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.

(5)- الوسائل 19/ 45، الباب 23 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 161

ثيابها عن الصادق «ع» أمر السائل بالقضاء بينهم بما ذكره الإمام- عليه السلام-.

و إنّما شدّة الإنكار في النصوص على المعرضين عنهم المستغنين عنهم بآرائهم و قياساتهم.

قال الحلبي: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: «ربّما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشي ء فيتراضيان برجل منّا؟ فقال: ليس هو ذاك. إنّما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف و السوط.» «1»

و لو سلّم عدم ما يدلّ على الإذن

فليس في شي ء من النصوص ما يدلّ على عدم جواز الإذن لهم في ذلك.

بل قد يدّعى أنّ الموجودين في زمن النّبيّ «ص» ممّن أمر بالترافع إليهم قاصرون عن مرتبة الاجتهاد، و إنّما يقضون بين الناس بما سمعوه من النّبيّ «ص».

و نصب خصوص المجتهد في زمان الغيبة بناء على ظهور النصوص فيه لا يقتضي عدم جواز نصب الغير. و يمكن بناء ذلك- بل لعلّه الظاهر- على إرادة النصب العامّ في كلّ شي ء على وجه يكون له ما للإمام- عليه السلام-. و حينئذ فتظهر ثمرة ذلك بناء على عموم هذه الرئاسة أنّ للمجتهد نصب مقلّده للقضاء بين الناس بفتاواه التي هي حلالهم و حرامهم.

و أمّا دعوى الإجماع الّتي قد سمعتها فلم أتحقّقها، بل لعلّ المحقّق عندنا خلافها خصوصا بعد أن حكى في التنقيح عن المبسوط أقوالا ثلاثة: أوّلها جواز كونه عامّيا و يستفتي الفقهاء و يقضي بفتواهم، بناء على كون فتاوى المجتهد أحكامهم- عليهم السلام- فالقضاء حينئذ بها.

خصوصا إذا قلنا أنّ القضاء في زمن الغيبة من باب الأحكام الشرعية لا النصب القضائي، و أنّ ذلك هو المراد من قوله «ع»: «جعلته قاضيا و حاكما.» فإنّ الفصل بها حينئذ من المقلّد كالفصل بها من المجتهد. إذ الجميع مرجعه إلى القضاء بين الناس بحكم أهل البيت، و اللّه العالم.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 5، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 8.

(2)- الجواهر 40/ 15- 20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 162

انتهى ما في الجواهر بتلخيص منا. و قد ذكرناه بطوله لاشتماله على عمدة ما يمكن أن يستدلّ به لعدم اعتبار الاجتهاد في القاضي.

الجواب عمّا في الجواهر: [في عدم اعتبار الاجتهاد في القاضي]

أقول: محصّل ما استدلّ به في الجواهر لعدم اعتبار الاجتهاد في

القاضي أمور:

الأوّل: إطلاق ما دلّ على الحكم بالحقّ و العدل و القسط.

الثاني: مفهوم الآيات الثلاث.

الثالث: ما دلّ على أنّ المدار هو الحكم بالحقّ.

الرابع: خبر أبي خديجة.

الخامس: خبر عبد اللّه بن طلحة.

السادس: خبر الحلبي.

السابع: أنّ الموجودين في عصر النّبيّ «ص» ممّن أمر بالترافع إليهم كمعاذ بن جبل و غيره من الصحابة كانوا قاصرين عن مرتبة الاجتهاد.

الثامن: أنّ نصب خصوص المجتهدين في عصر الغيبة لا يقتضي عدم جواز نصب الغير.

التاسع: أنّ مقتضى عموم ولاية الفقيه أنّ له نصب مقلّده للقضاء.

العاشر: عدم ثبوت الإجماع المدّعى على اعتبار الاجتهاد.

الحادي عشر: أنّ القضاء في عصر الغيبة من باب بيان الأحكام الشرعية لا النصب القضائي.

و يرد على الأول أوّلا: أنّها في مقام بيان أنّ الحكم يجب أن يكون بالحقّ و العدل و القسط، لا في مقام بيان من له الحكم و شرائطه، فلا إطلاق لها من هذه الجهة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 163

و ثانيا: قد مرّ منّا سابقا أنّ الأحكام العامّة المتعلّقة بالمجتمع بما هو مجتمع تتوجّه إلى ممثل المجتمع و من يتبلور فيه المجتمع، و هو الحاكم. فلا يجوز للآحاد التصدّي لها، للزوم الهرج و المرج.

و يؤيّد ذلك أنّ الخطاب في الآية الأولى يتوجّه إلى من عنده الأمانات، و قد فسّرت في أخبار الفريقين بالامارة و الولاية، كما مرّ شرح ذلك في الفصل الثالث من الباب الخامس، فراجع.

فالمخاطب في الآية هم الحكّام و الولاة لا جميع الناس، فتأمّل.

و في رواية معلّى بن خنيس، عن الصادق «ع» قال: قلت له: قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.» فقال: «عدل الإمام أن

يدفع ما عنده إلى الإمام الذي بعده و أمرت الأئمّة أن يحكموا بالعدل، و أمر الناس أن يتّبعوهم.» «1»

يظهر من الحديث أنّ المخاطب في الآية و المكلّف بالتكليفين هو الإمام، فتدبّر.

و يرد على الثاني أنّ الآيات الثلاث في مقام بيان حرمة الحكم بغير ما أنزل اللّه لا في مقام بيان من له الحكم و شرائطه، فلا يستفاد منها جوازه لكلّ أحد، لعدم الإطلاق من هذه الجهة.

و يرد على الثالث ما مرّ على الأوّل، فراجع.

و يرد على الرابع أنّ العلم بشي ء من قضاياهم بما هي قضاياهم «ع» يختص بالفقيه، أو منصرف إليه لما مرّ من انصراف لفظ العلم و العالم عن المقلّد التابع لغيره.

نعم، يستفاد من هذه الرواية على فرض صحّتها كفاية التجزي، فلا يعتبر كونه مجتهدا مطلقا.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 164

و يرد على الخامس أنّها قضية في واقعة خاصّة، فلعلّ المخاطب كان مجتهدا.

و الاجتهاد في تلك الأعصار كان خفيف المؤونة و لم يكن يتوقّف على علوم و مقدّمات كثيرة كما في أعصارنا. فمن كان يقدر على استنباط أحكام اللّه- تعالى- من الروايات الصادرة عن النبيّ «ص» و الأئمّة «ع» و كان يتّصف بكونه ممّن روى حديثهم و نظر في حلالهم و حرامهم و عرف أحكامهم كان يصدق عليه أنّه فقيه مجتهد. و كثير من أصحاب النبيّ «ص» و الأئمّة «ع» كانوا كذلك. هذا.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يكون القضاء في قوله «ع»: «اقض على هذا كما وصفت لك» بمعنى بيان الحكم الشرعي لا القضاء الاصطلاحي بمعنى إعمال الولاية و إنشاء الحكم، فتأمّل.

و أمّا السادس، أعني خبر الحلبي

فتقريب الاستدلال به أنّ الإمام- عليه السلام- ترك الاستفصال. و ترك الاستفصال يقتضي العموم، فيشمل غير المجتهد أيضا. كما أنّ حصر عدم الجواز في من يجبر على حكمه بالسيف يدلّ على جواز غيره مطلقا.

و السند صحيح رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي. هذا.

و لكن يرد عليه أوّلا: أنّ الخبر ليس نصّا في القضاء، فلعلّ الرجل الذي كانا يتراضيان به كان يصلح بينهما بما يرتضيان به، كما هو المتعارف كثيرا في من ينتخب حكما من قبل المتنازعين في أعصارنا.

و ثانيا: أنّ قوله «ع»: «ليس هو ذاك» قرينة على كون الكلام مسبوقا بكلام لم ينقل لنا، و لعلّه كان فيه قرينة على المراد. و معه يشكل الاعتماد على ترك الاستفصال.

و ثالثا: أنّه يمكن أن يقال إنّ الخبر ليس في مقام بيان عقد الإثبات حتّى يتمسّك بالإطلاق فيه، بل عقد النفي أعني عدم صلاحية من يجبر الناس على حكمه

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 165

في تلك الأعصار لأمر القضاء.

و الحصر فيه إضافي قطعا، ضرورة عدم جواز الرجوع إلى قضاة أهل الخلاف و سائر من لا يوجد فيه شرائط القاضي و إن لم يكن من أهل السيف و السوط أيضا، فلا يدلّ الحصر على جواز غيره مطلقا.

و رابعا: أنّ العموم على فرض ثبوته يخصّص بالمقبولة و غيرها ممّا دلّ على اعتبار الاجتهاد.

و يرد على السّابع ما مرّ من كون الاجتهاد في تلك الأعصار خفيف المؤونة.

أ لا ترى أنّ رسول اللّه «ص» لمّا قال لمعاذ: «بما تقضي» قال: «بكتاب اللّه و سنّة رسول اللّه.» و الاجتهاد في تلك الأعصار لم يكن إلّا فهم الكتاب و

السنّة و الاستنباط منهما، فتدبّر.

و يرد على الثامن أنّ ظاهر المقبولة و المشهورة حصر القضاء شرعا في من وجد الصفات المذكورة، حيث إنّ الظاهر منهما كونهما في مقام التحديد و بيان شرائط القاضي و من يجوز التحاكم إليه شرعا، لا مجرّد ما اعتبره الإمام «ع» بنفسه في موضوع نصبه، فتأمّل.

و بذلك يظهر الجواب عن التاسع أيضا و سيأتي تفصيل لذلك، فانتظر.

و أمّا ما ذكره عاشرا من نفي الإجماع فلعلّه صحيح لا لوجود القائل بالخلاف فينا كما يتوهّم من نقله لكلام المبسوط، بل لأنّ الملاك في حجّيّة الإجماع كما مرّ أن يحدس منه عن قول المعصوم «ع» حدسا قطعيّا. و ثبوته هنا مشكل، لعدم تعرّض كثير من القدماء للمسألة و إن تعرض لها بعض. هذا. و لكن لا يضرّنا ذلك بعد ما مرّ من اقتضاء الأصل و كذا المقبولة اعتبار الاجتهاد.

و ليعلم أنّ ظاهر كلام المبسوط أيضا اتّفاق أصحابنا على اعتبار الاجتهاد.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 166

و القائل بعدم اعتباره إنّما هو من أهل الخلاف كأبي حنيفة و أصحابه.

قال في المبسوط:

«القضاء لا ينعقد لأحد إلّا بثلاث شرائط: أن يكون من أهل العلم، و العدالة، و الكمال. و عند قوم بدل كونه عالما أن يكون من أهل الاجتهاد. و لا يكون عالما حتّى يكون عارفا بالكتاب و السنّة و الإجماع و الاختلاف و لسان العرب، و عندهم و القياس.

فأما الكتاب فيحتاج أن يعرف من علومه خمسة أصناف: العام و الخاص، و المحكم و المتشابه، و المجمل و المفسّر، و المطلق و المقيد، و الناسخ و المنسوخ ...

و أمّا السنّة فيحتاج أيضا أن يعرف فيها خمسة أصناف: المتواتر و الآحاد، و المرسل

و المتصل، و المسند و المنقطع، و العام و الخاصّ، و الناسخ و المنسوخ ...

و في الناس من أجاز أن يكون القاضي عامّيا و يستفتي العلماء و يقضي به. و الأوّل هو الصحيح عندنا.» «1»

أقول: العالم على ما ذكره «قده» في بيان مفهومه مساوق للمجتهد المطلق، فلم يذكر في المسألة أقوالا ثلاثة على ما حكاه في الجواهر عن التنقيح بل قولين:

اعتبار الاجتهاد، و عدمه. و ظاهره اتّفاق الشيعة على الأوّل. فقوله: «و عند قوم بدل كونه عالما أن يكون من أهل الاجتهاد» ليس قولا آخر، بل تعبير آخر عن القول الأوّل.

و قوله: «و في الناس من أجاز أن يكون القاضي عامّيا» لا يراد به علماء الشيعة بل علماء أهل الخلاف كأبي حنيفة و أصحابه كما مرّ.

و كيف كان فلم نجد من قدماء الأصحاب من يصرّح بعدم اعتبار الاجتهاد في القاضي. و قد مرّ عن النهاية و كذا المقنعة ما يستفاد منه اعتبار الاجتهاد و قدرة الاستنباط من الكتاب و السنّة، من دون أن يعبّر بلفظ الاجتهاد، فراجع.

______________________________

(1)- المبسوط 8/ 99- 101.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 167

و يرد على الحادي عشر أنّه خلاف ظاهر المقبولة و المشهورة، فإنّ الظاهر منهما هو نصبه قاضيا و حاكما. و لا يصحّ القول باختصاصهما بزمان الحضور، إذ لا يمكن القول بتعطيل أمر القضاء بآثاره في عصر الغيبة و كون المسلمين محرومين من هذا الأمر الضروري المتوقّف عليه حفظ الحقوق و النظام طول غيبة الإمام الثاني عشر «ع» و إن طالت ما طالت. هذا.

كلام بعض الأساتذة في كتابه جامع المدارك:

و لكن قال بعض الأساتذة- طاب ثراه- في كتابه جامع المدارك في شرح المختصر النافع ما محصّله بتوضيح منّا:

«المعروف أنّ القضاء

منصب من المناصب الشرعية، إذ هو ولاية و سلطة على الغير في نفسه أو ماله أو أمر من أموره، كولاية الأب و الجد، و ليس هو مثل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و الظاهر من المقبولة بقرينة الذيل، أعني قوله: «فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما و اختلفا فيما حكما، و كلاهما اختلفا في حديثكم؟ قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث» كون المورد من الشبهات الحكمية و الاختلاف في الحكم. و القضاء فيها بإنشاء الحكم و الإلزام من قبل الحاكم لا يتصوّر، إذ الإلزام فيها ثابت من ناحية الشارع فلا يعقل إلزام مولوى فوق إلزامه، و لا يكون أمر الحاكم فيها إلّا إرشادا إلى حكم الشارع. نظير الأمر بالمعروف، و أوامر الفقيه في مقام بيان الأحكام، بل أوامر النبيّ «ص» و الأئمّة «ع» في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى- أيضا.

فلو تنازع الوارث و الأجنبيّ الموهوب له في مرض الموت في كون منجّزات المريض من الثلث أو من الأصل، أو اختلف الوراث في حرمان الزوجة من أراضي غير

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 168

الرباع فحكم الحاكم بالخروج من الثلث أو الأصل أو حرمان الزوجة و عدم حرمانها ليس أزيد من بيان الحكم الإلهي الثابت له من طرف الشرع. و على هذا فالمقبولة ترتبط بباب الاستفتاء و الإفتاء لا القضاء المشتمل على إعمال الولاية.

نعم، في الاختلاف الموضوعيّ يتصوّر إعمال الولاية، كما لو اختلف المتنازعان في مال و كان أحدهما مدّعيا و الآخر منكرا فتفصل الخصومة بقضاء الحاكم بعد إقامة البيّنة أو اليمين و ينفذ القضاء فيها حتّى

في حقّ من يقطع بالخلاف، إذ الواقع غير مشخّص للقاضي و المقصود فيها رفع النزاع و التخاصم بالموازين المشروعة.

هذا مضافا إلى أنّه إذا فرضنا كون الاختلاف في الحكم الشرعي الكلّي فكيف يمكن المراجعة فيه إلى الحاكم مع اختلاف الحاكم و المحكوم عليه بحسب الاختلاف في الحجّة الشرعيّة اجتهادا أو تقليدا؟ و كيف ينفذ حكم الحاكم في حقّ من يراه باطلا بحسب اجتهاده أو تقليده؟ و المذكور في المقبولة أنّه إذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه، و المحكوم عليه في الشبهة الحكميّة ربّما لا يرى الحكم حكمهم «ع» بل على خلاف حكمهم.

و يمكن أن يقرّر الإشكال بوجه ثالث، و هو أنّ الظاهر من الرواية كون الموضوع لوجوب القبول و التسليم تشخيص كون الحكم حكمهم- عليهم السلام-. و الظاهر من ذلك تشخيص المتنازعين و اعتقادهما لا تشخيص الحاكم و اعتقاده، و إذا فرض تشخيصهما لذلك كان الإلزام من هذه الناحية لا من ناحية حكم الحاكم، فلا يكون حكمه إلّا من قبيل الأمر بالمعروف لا من باب إعمال الولاية. و لا يفرّق فيه بين أن يكون الحاكم مجتهدا مطلقا أو متجزّيا أو مقلّدا، إذ المتخاصمان لا يأخذان إلّا بما ثبت كونه حكم اللّه بنظرهما و اعتقادهما. و كيف كان فالمقبولة ترتبط بباب الإفتاء لا بباب القضاء.

فإن قلت: قوله: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» ظاهر في جعل المنصب، فلا يناسب باب الإفتاء.

قلت: لعلّ الجعل هنا بمعنى القول و التعريف، كما مرّ عن لسان العرب عن الزجاج في قوله- تعالى-: «وَ جَعَلُوا الْمَلٰائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ إِنٰاثاً»،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 169

فراجع.» «1» انتهى كلامه قدّس سرّه بتوضيح منّا.

أقول:

يمكن أن يجاب عن إشكاله- طاب ثراه- أوّلا: بأنّ الظاهر من قول السائل: «بينهما منازعة في دين أو ميراث» كون النزاع في الموضوع لا في الحكم، إذ الاختلاف و التنازع في الدين يقع بحسب الموضوع غالبا. و الظاهر من قول الإمام- عليه السلام-: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» أيضا هو جعل المنصب. و احتمال كون الجعل بمعنى القول و التعريف بعيد جدّا.

فالمقبولة تشتمل على ثلاث قطعات: صدرها مرتبط بباب القضاء في الموضوعات، أو الأعمّ منها و من الأحكام. و الوسط، أعني قوله: «فإن كان كلّ رجل اختار رجلا ...» يرتبط باختلاف المجتهدين في الحكم و ترجيح أحدهما على الآخر بالأفقهية و غيرها. و الذيل يرتبط بباب اختلاف الحديثين و بيان المرجّحات للحديث من الشهرة و موافقة الكتاب و نحوها، فراجع. و كون رواية واحدة مشتملة على أحكام و مسائل متعدّدة مختلفة غير عزيز، كما يظهر بالتّتبّع.

و ثانيا: بمنع ما ذكره أخيرا، إذ ليس المراد تشخيص المتنازعين بكون حكم الحاكم حكمهم- عليهم السلام- في كلّ واقعة واقعة، بل المراد أن يكون حكم الحاكم مستندا إلى حديثهم- عليهم السلام- في قبال الأحكام المستندة إلى الأقيسة و الاستحسانات الظنّيّة، كما يشهد بذلك ردعه «ع» عن الرجوع إلى قضاة الجور، و إرجاعه إلى من روى حديثهم و نظر في حلالهم و حرامهم. فإذا كان الحاكم من شيعتهم- عليهم السلام- فلا محالة يكون حكمه كذلك.

و ثالثا: أنّ كون الأمر أو النهي في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إرشاديا أيضا قابل للمنع، بل لعلّه يكون مولويّا مؤكّدا لأمر الشارع و نهيه، كما لعلّه يشهد

______________________________

(1)- جامع المدارك 6/ 3 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2،

ص: 170

بذلك قوله- تعالى-: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.» حيث إنّه- تعالى- ذكر الأمر و النهي بعد إثبات مرتبة من الولاية لكلّ أحد على أحد حتّى يحقّ له الأمر و النهي.

و لعلّ القضاء في الشبهات الحكميّة و الاختلاف الحكمي أيضا كذلك و يكون نافذا واجب الإطاعة. فإذا فرض اختلاف الزوجة و سائر الورثة في أراضي غير الرباع بحسب الحكم الشرعي اجتهادا أو تقليدا فهل يوجد طريق لفصل الخصومة إلّا المراجعة إلى قاض عادل مجتهد يحكم بينهم و يقطع نزاعهم و إن كان فتواه مخالفا لفتوى أحد المتخاصمين أو مرجعه؟

و بالجملة فصدر المقبولة يرتبط بباب القضاء قطعا على ما هو الظاهر منها، فتدبّر.

و قد ظهر بما ذكرناه بالتفصيل إمكان الخدشة في جميع ما ذكره في الجواهر لجواز تصدّي المقلّد لأمر القضاء.

كلام للفاضل النراقي في المستند:

و في المستند- بعد ما نسب إلى المشهور اعتبار الاجتهاد و استدلّ له بالإجماع المنقول و بالأصل و باشتراط الإذن و لم يثبت لغير المجتهد- قال ما حاصله:

«إن كان مرادهم نفي قضاء غير المجتهد الذي لم يقلّد حيّا أو ميتا بتقليد حيّ بل رجع إلى ظواهر الأخبار و كتب الفقهاء من غير قوّة الاجتهاد فهو كذلك و لا ينبغي الريب فيه.

و إن كان مرادهم نفي قضاء غير المجتهد مطلقا فبعد ما علمت من عدم حجّية الإجماع المنقول يعلم ضعف الأدلّة، لأنّ المقلّد إذا علم فتوى مجتهد في جميع تفاصيل واقعة حادثة بين متنازعين من مقلّديه يعلم حكم اللّه في حقّهما، فذلك المقلّد عارف عالم بحكم الشارع في حقّهما فيكون مأذونا بالأخبار المتقدّمة عالما بالحكم خارجا من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص:

171

تحت الأصل، إلّا أن يتحقّق إجماع على خلافه و هو غير محقّق. كيف؟! و كلمات أكثر القدماء خالية عن ذكر المجتهد أو ما يرادفه.

إلّا أنّه يمكن أن يقال: إنّ أكثر تلك الأخبار و إن كان مطلقا شاملا للمقلّد المذكور أيضا إلّا أنّ قوله «ع» في المقبولة: «ممّن قد روى حديثنا» و في التوقيع:

«فارجعوا إلى رواة أحاديثنا» مقيّد بالمجتهد، إذ المتبادر منه الراوي للحديث المستنبط المستخرج منه الأحكام على الطريق الذي ارتضاه الشارع.

و يدلّ على التخصيص أيضا المروي في مصباح الشريعة «1» المنجبر ضعفه بما ذكر أنّه قال أمير المؤمنين علي «ع» لقاض: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال:

فهل أشرفت على مراد اللّه- عزّ و جلّ- في أمثال القرآن؟ قال: لا، قال: إذا هلكت و أهلكت. و المفتي يحتاج إلى معرفة معاني القرآن و حقائق السنن و مواطن (بواطن خ. ل) الإشارات و الآداب و الإجماع و الاختلاف، و الاطلاع على أصول ما اجتمعوا (أجمعوا خ. ل) عليه و ما اختلفوا فيه، ثمّ إلى حسن الاختيار، ثمّ إلى العمل الصالح، ثمّ الحكمة، ثمّ التقوى. و قال الصادق «ع»: «لا يحلّ الفتيا لمن لا يستفتى (لا يصطفي خ. ل) من اللّه- عزّ و جلّ- بصفاء سرّه و إخلاص عمله و علانيته و برهان من ربّه في كلّ حال، لأنّ من أفتى فقد حكم و الحكم لا يصحّ إلّا بإذن من اللّه و برهانه.» «2»

أقول: تسليمه- قدّس سرّه- صدق عنوان العارف العالم على المقلّد بعيد من مثله و لا سيما لفظ العارف، حيث عرفت أنّ المعرفة لا تطلق إلّا مع الإحاطة بجميع خصوصيّات الشي ء و مميّزاته، و المقلّد ليس كذلك.

و أبعد من ذلك احتمال شمول

الروايات الواردة في فضل العلماء و الإرجاع إليهم المستدلّ بها للولاية و الإذن في القضاء لمن علم الحكم عن تقليد. هذا.

و أمّا ما رواه الكشي في عروة القتّات بسنده عن أحمد بن الفضل الكناسي، قال: قال

______________________________

(1)- مصباح الشريعة/ 41- 42 الباب 63 في الفتيا. (ط بيروت/ 16- 17، الباب 6 في الفتيا).

(2)- المستند 2/ 517.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 172

لي أبو عبد اللّه «ع»: «أيّ شي ء بلغني عنكم؟» قلت: ما هو؟ قال: «بلغني أنّكم أقعدتم قاضيا بالكناسة.» قال: قلت: نعم جعلت فداك، ذاك رجل يقال له: عروة القتّات و هو رجل له حظّ من عقل نجتمع عنده فنتكلّم و نتسائل ثمّ نردّ ذلك إليكم. قال:

«لا بأس.» «1» فليس دالّا على جواز تصدّى العاميّ للقضاء، بل دلالته على عدم الجواز أظهر. يظهر لك ذلك من اعتراض الإمام «ع» و من جواب الراوي، حيث يستفاد منه عدم تحقّق قضاء جازم، فتدبّر.

6- هل للفقيه أن ينصب المقلّد للقضاء؟

قد يقال إنّ الأدلّة الدالّة على الإذن كما مرّ و إن كانت تختصّ بالفقهاء و المجتهدين، و لكن يجوز للمجتهد المأذون فيه نصب مقلّده العالم بمسائل القضاء عن تقليد لأمر القضاء، بتقريب أنّ للنبيّ «ص» و الوصيّ بمقتضى الولاية المطلقة نصب كلّ أحد لذلك و إن لم يكن مجتهدا. و كلّ ما كان لهما كان للفقيه الجامع للشرائط أيضا، لعموم أدلّة الولاية و النيابة.

فإن قلت: لا نسلّم جواز نصب العاميّ من قبل النبيّ «ص» أو الوصيّ، لدلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد في المنصوب له.

قلت: إنّ المقبولة لا تدلّ إلّا على نصب الفقيه، و أمّا كون ذلك بإلزام شرعي و كون الفقاهة معتبرا بحكم الشرع فممنوع. فلعلّ الإمام الصادق «ع»

حيث أراد النصب بنحو عامّ راعى في نصبه جانب الاحتياط، فلم ينصب غير الفقيه حذرا من أن يتمتّع بهذا النصب بعض من لا يكون أهلا للقضاء، و على هذا فلا مانع من

______________________________

(1)- اختيار معرفة الرجال/ 371.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 173

نصب غير الفقيه أيضا بحسب الشرع و لا سيّما إذا كان لفرد خاصّ يكون تحت إشراف الوالي، كما كان شريح تحت إشراف أمير المؤمنين «ع».

هذا.

و لكن يمكن أن يقال- مضافا إلى ما مرّ من ظهور المقبولة في كون الإمام «ع» بصدد بيان شرائط القاضي و من يجوز التحاكم إليه شرعا لا شرائط المنصوب من قبله فقط- إنّ المستفاد من خبري سليمان بن خالد و إسحاق بن عمار المتقدّمين اختصاص القضاء شرعا بالنبيّ و الوصيّ، فلا أهلية لغيرهما له، غاية الأمر استثناء الفقيه الجامع للشرائط بالدليل فلا دليل على استثناء غيره. بل لعلّ الفقيه أيضا كما مرّ يكون من مصاديق الوصيّ، فإنّه وصيّ الوصيّ بمقتضى أدلّة الولاية و لا سيّما قوله: «اللّهم ارحم خلفائي»، فلا استثناء أصلا، فتأمّل.

و كيف كان فلا دليل على صحّة قضاء المقلّد و استثنائه. و لا يكفي في ذلك عموم دليل الولاية، إذ الولاية لا تتحقّق واقعا فيما لا شرعيّة له و مقتضى مفهوم الحصر في الخبرين عدم شرعيّة قضاء غير النّبيّ و الوصيّ. فبين الدليلين عموم من وجه فيتعارضان في نصب المقلّد للقضاء، إذ مقتضى عموم الولاية شرعيّته، و مقتضى عموم مفهوم الحصر عدم شرعيّته، و بعد تساقط الدليلين يرجع إلى الأصل في المسألة، و مقتضاه عدم الصحّة و الشرعيّة، فتأمّل.

7- هل يجوز للمجتهد أن يوكّل العاميّ المقلّد للقضاء؟

قد يقال سلّمنا أنّ القضاء منصب لا يصحّ جعله لغير الفقيه على ما

مرّ، و لكن يجوز للفقيه أن يوكّل المقلّد العالم بمسائل القضاء عن تقليد لذلك بإطلاق أدلة الوكالة. فهو يقضي في الوقائع نيابة عن الفقيه الذي وكّله. و لعلّ قوله «ع» في قصة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 174

اللّصّ الوارد على المرأة و قتل ولدها: «اقض على هذا كما وصفت لك» «1» كان من هذا القبيل.

و أجيب عن ذلك بمنع الإطلاق فيما توهّم إطلاقه من أدلّة الوكالة كصحيحة معاوية بن وهب و جابر بن يزيد جميعا عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتّى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها» «2»

و صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»: «في رجل وكّل آخر على وكالة في أمر من الأمور ... قال: نعم، إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، و الوكالة ثابتة حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة.» «3»

إذ التمسّك بالإطلاق يتوقّف على كون الخبرين في مقام البيان من هذه الجهة، و ليست الروايتان في مقام بيان ما فيه الوكالة، بل بيان أنّ الوكالة بعد ثبوتها تبقى ما لم يبلغه العزل، فتدبّر.

و توهّم كون التوكيل من الأمور العقلائية غير المحتاجة إلى دليل شرعي، بل يكفي فيها عدم الردع، مدفوع أوّلا بأنّ التمسك ببناء العقلاء إنّما يصحّ فيما ثبت بناؤهم و استقرّت سيرتهم عليه حتّى في عصر النبي «ص» و الأئمة «ع»، كما في العقود و الإيقاعات المتعارفة و الوكالة في أمثالها.

و أمّا الوكالة في القضاء فلم يثبت كونها أمرا متعارفا في تلك الأعصار. و ثبوت السيرة في

بعض مصاديق الوكالة لا يكفي لإثبات السيرة و الإمضاء في غيره.

و ثانيا على فرض ثبوت السيرة فما دلّ على حصر القضاء في النبيّ و الوصيّ،

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 45، الباب 23 من ابواب قصاص النفس، الحديث 2.

(2)- الوسائل 13/ 285، الباب 1 من أحكام الوكالة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 286، الباب 2 من أحكام الوكالة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 175

و كذا المقبولة و نحوها يكفي في الردع عنها.

و بالجملة قد تحصّل لك مما مرّ بطوله أنّ القضاء أوّلا و بالذات للّه- تعالى- و لرسله و للأوصياء. و ثبوته لغيرهم يحتاج إلى دليل. و الأصل عدم نفوذه إلّا من أهله.

و القدر المتيقّن ممّن ثبت له في عصر الغيبة هم الفقهاء. و يشهد لذلك المقبولة و المشهورة و غيرهما من الأدلة.

و الاحتياط الذي يحكم به العقل و الشرع في باب الدماء و الأموال و الأعراض أيضا يقتضي رعاية هذا الشرط.

و قد ترى أنّ شريحا مع سابقته في أمر القضاء اشترط عليه أمير المؤمنين «ع» أن لا ينفذ القضاء حتّى يعرضه عليه:

ففي صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لما ولّى أمير المؤمنين «ع» شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتّى يعرضه عليه.» «1»

فهو- عليه السلام- كان يلتفت إلى أهميّة أمر القضاء، و أنّ له ارتباطا عميقا بالنفوس المحترمة و الأعراض و الأموال فتجب الدقّة و الاحتياط فيها.

و على هذا فإذا لم يوجد قضاة مجتهدون واجدون للشرائط بقدر المحاكم الدارجة كما لعلّه كذلك في عصرنا فالأحوط إن لم يكن أقوى تصدّي بعض من يقدر و يطلع على موازين القضاء إجمالا و لو عن تقليد لأمر التحقيق

و تهيّة المقدّمات، ثمّ يحال القضاء و الحكم الجازم إلى القاضي المجتهد الواجد للشرائط. و يجب على المجتهدين التصدّي لذلك و قبوله بقدر الكفاية، كما هو واضح. هذا.

و لكن لو لم يتيسّر ذلك بأيّ علة كان فلا يبعد أن يقال إنّه حيث لا يتصوّر حكومة إسلامية بدون سلطة القضاء و ربما كان ضرر تعطيل القضاء و إهماله كثيرا جدّا بحيث يخاف منه على بيضة الإسلام و كيان المسلمين ففي هذه الصورة يجوز بل يجب على الفقيه المتصدّي للحكومة الإسلامية نصب بعض الملتزمين المحتاطين ممّن

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 6، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 176

يطّلع على الموازين و لو عن تقليد أو توكيله بمقدار الضرورة، و لكن يراقب أعمالهم و على فرض الخطأ يجبر أخطاءهم. و وجه ذلك واضح بعد فرض الضرورة و الأهميّة.

و باب التزاحم باب واسع في الفقه يحلّ به كثير من الحوادث الواقعة.

و في الحديث عن الإمام الصادق «ع»: «ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه.» «1»

و ليس أمر القضاء بأهمّ من الإمامة الكبرى، و لو فرض عدم وجود الفقيه الواجد للشرائط لأن يتصدّى لها فلا شك في وجوب تصدّي المؤمنين العدول الواقفين على مصالح الإسلام و المسلمين لها، و لا يجوز تعطيلها أو إحالة أمور المسلمين إلى الطغاة الظالمين، فتدبّر.

8- هل يجزي التجزّي في الاجتهاد؟

على فرض اعتبار الاجتهاد في القاضي فهل يجزي التجزّي فيه، أو يعتبر كونه مجتهدا مطلقا، أو يفصّل بين وجود المطلق و عدمه؟ وجوه. و اختار التفصيل في كفاية الأحكام «2»

أقول: قد يقع الإشكال في أصل فرض التجزّي في الاجتهاد بتقريب أنّ الاجتهاد إن كان

عبارة عن الاستنباط الفعلي للأحكام بأن يستخرجها من أدلّتها التفصيلية بالفعل أمكن فيه التجزّي و التبعّض، و أمّا إذا أريد به ملكة الاستنباط و القدرة عليه فهي أمر بسيط، و أمرها دائر بين الوجود و العدم، فلا يتصوّر فيه تبعيض.

______________________________

(1)- الوسائل 16/ 137، الباب 12 من كتاب الايمان، الحديث 18.

(2)- كفاية الأحكام/ 261.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 177

اللّهم إلّا أن يقال إنّ مباني مسائل الفقه بحسب السهولة و الغموض مختلفة، و لعلّ استنباط بعض المسائل يتوقّف على إدراك بعض المباني الصعبة الدقيقة و الإحاطة بها، و بعضها يبتني على المباني السهلة الساذجة، و الأفراد بحسب مراتب الإدراك مختلفون فيمكن التجزّي و التبعيض. و تحقيق البحث موكول إلى محل آخر.

و كيف كان فاستدلّ في الكفاية لكفاية التجزّي بخبر أبي خديجة عن الصادق «ع»:

«انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.» «1»

و لا يعارضه المقبولة الظاهرة في اعتبار الاجتهاد المطلق بمنطوقها بل بمفهومها، فيقدّم منطوق خبر أبي خديجة على مفهوم المقبولة لكونه أظهر. و إن شئت قلت: إنّه يخصّص إطلاق مفهوم المقبولة بمنطوق الخبر.

و لكن يرد على ذلك أوّلا أنّ إطلاق الخبر يقتضي كفاية التجزّي و إن تمكّنا من المجتهد المطلق.

و ثانيا أنّ خبر أبي خديجة ورد بنقل آخر و فيه: «اجعلوا بينكم رجلا ممّن قد عرف حلالنا و حرامنا، فإنّي قد جعلته قاضيا.» «2»

و ظاهره اعتبار الاجتهاد المطلق كالمقبولة.

و كون النقلين روايتين مستقلتين صادرتين حتّى يؤخذ بكلّ منهما مشكل، إذ من المحتمل قريبا كونهما رواية واحدة وقع الاختلاف فيها من ناحية الرواة.

فلا مجال للاستدلال بها للمقام، فيرجع إلى الأصل في المسألة، و

مقتضاه عدم الكفاية.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، الحديث 5.

(2)- الوسائل 18/ 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6. و لفظة «عليكم» بعد قوله «جعلته» ليست في التهذيب بطبعيه و إن وجدت في الوسائل. و اعتمد في النقل على التهذيب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 178

و ربّما يقال: إنّ الظاهر من قوله: «عرف أحكامنا» و «عرف حلالنا و حرامنا»، هو المعرفة الفعليّة التفصيليّة، و من الواضح ندرة تحقّق ذلك بالنسبة إلى جميع الأحكام فيجزي التجزّي بحسب الفعليّة قطعا.

و لا بأس بهذا القول، فتدبّر.

9- هل يتعين الأعلم مع الإمكان أو لا؟
[كلمات الأصحاب]

قال المحقق في قضاء الشرائع:

«إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما فإن قلّد الأفضل جاز. و هل يجوز العدول إلى المفضول؟ فيه تردّد. و الوجه الجواز، لأنّ خلله ينجبر بنظر الإمام.» «1»

و قال في المسالك ما ملخّصه:

«لا إشكال في رجحان تقديم الأعلم لكن هل يتعيّن ذلك؟ فيه قولان مرتّبان على أنّ المقلّد هل يجب عليه تقليد الأعلم أم يتخيّر؟ فيه قولان للأصوليين و الفقهاء:

أحدهما: الجواز، لاشتراك الجميع في الأهليّة، و لما اشتهر من أنّ الصحابة كانوا يفتون مع اشتهارهم بالاختلاف في الأفضلية و لم ينكر عليهم أحد من الصحابة، فيكون إجماعا منهم.

و الثاني: و هو الأشهر بين الأصحاب المنع، لأنّ الظنّ بقول الأعلم أقوى، و اتباع الأقوى أولى. و لأنّ أقوال المفتين بالنسبة إلى المقلّد كالأدلّة، فكما يجب العمل بالدليل الراجح يجب تقليد الأفضل. و رواية عمر بن حنظلة عن الصادق «ع» صريحة في هذا.

و في كل واحد من أدلة الجانبين نظر ...» «2»

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 69.

(2)- المسالك 2/ 353.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية،

ج 2، ص: 179

أقول: إن كان اختلاف المتخاصمين يرجع إلى الاختلاف في الحكم الشرعي الكلّي فترتّب اعتبار الأعلميّة في القاضي بينهما على اعتبارها في أمر التقليد واضح. و أمّا إذا كان اختلافهما في الموضوعات و كانت الشبهة موضوعيّة كما هو الغالب في الدعاوى فالترتّب على تلك المسألة غير واضح. هذا.

و لكن الأصل في المسألة يقتضي اعتبار الأعلميّة، فإنّه القدر المتيقّن.

[دليل القائل بعدم الاعتبار]

و للقائل بعدم الاعتبار أن يستدلّ بوجهين:

الأوّل: إطلاق المقبولة و المشهورة و التوقيع الشريف و نحوها ممّا استفيد منه ولاية الفقيه و الإذن له في القضاء. بل المشهورة بأحد النقلين تدلّ على كفاية التجزّي أيضا كما مرّ، فيكفي المطلق غير الأعلم بطريق أولى.

و دعوى عدم كون المقبولة و المشهورة في مقام البيان من هذه الجهة بل في مقام الردع عن الرجوع إلى قضاة الجور، مدفوعة. إذ الظاهر كونهما في مقام بيان عقد النفي و عقد الإثبات معا، و لا سيّما المقبولة فإنّها تشتمل على سؤالين و جوابين مستقلين: الأوّل: للردع عن الرجوع إليهم، و الثاني: للإرجاع إلى الفقهاء من شيعتهم، فراجع.

الثاني: استقرار السيرة في زمان النبيّ «ص» و الأئمة «ع» على الرجوع و الإرجاع إلى آحاد الصحابة من غير لحاظ الأعلميّة مع وضوح اختلافهم في الفضيلة، بل النبيّ «ص» أرجع بنفسه إلى بعض الصحابة مع وجود نفسه و وجود أمير المؤمنين «ع» الذي قال: هو «ص» في حقّه: «أقضاهم علي بن أبي طالب.» «1»

هذا.

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 1/ 55، المقدمة، الباب 11، الحديث 154.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 180

ما يستدلّ به على اعتبار الأعلميّة:

و يستدلّ على اعتبار الأعلميّة بأمور:

الأوّل: الأصل.

و يرد عليه أنّ الأصل لا يقاوم ما مرّ من الدليلين.

الثاني: ما في الجواهر من:

«الإجماع المحكيّ عن المرتضى في ظاهر الذريعة و المحقّق الثاني في صريح حواشي الجهاد من الشرائع على وجوب الترافع ابتداء إلى الأفضل و تقليده، بل ربّما ظهر من بعضهم أنّ المفضول لا ولاية له أصلا مع وجود الأفضل.» «1»

و يرد عليه عدم ثبوت الإجماع المفيد، بل المحقّق عدمه لعدم كون المسألة معنونة في كتب القدماء من أصحابنا. و قد مرّ

أنّ المقبولة و قد مرّ أن المقبولة و غيرها تشمل الأعلم و غيره، و عليه استقرّت السيرة أيضا.

و في الدروس:

«لو حضر الإمام في بقعة و تحوكم إليه فله ردّ الحكم إلى غيره إجماعا، فإنّ النبيّ «ع» كان يردّ الحكم إلى عليّ «ع» في مواضع.» «2»

و في الجواهر:

«لم نتحقّق الإجماع عن المحقّق الثاني، و إجماع المرتضى مبنيّ على مسألة تقليد

______________________________

(1)- الجواهر 40/ 45.

(2)- الدروس/ 171.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 181

المفضول الإمامة العظمى مع وجود الأفضل، و هو غير ما نحن فيه.» «1»

الثالث: أنّ الظنّ بقول الأعلم أقوى، و ترجيح المرجوح قبيح.

و يرد عليه مضافا إلى منع القوّة دائما إذ لعلّ المفضول يوافق كثيرا من أفاضل الأموات، أنّه لا دليل على تعيّن الأخذ بهذا الرجحان هنا بعد احتمال وجود الرجحان في تسهيل الأمر على الناس بالتخيير بين الأفضل و غيره. و إطلاق المقبولة و غيرها شاهد بذلك.

الرابع: ما في كتاب أمير المؤمنين «ع» لمالك: «ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم و لا يتمادى في الزلّة ...» «2»

و يرد عليه أنّه لا دلالة فيه على اعتبار الأعلميّة، إذ المراد بالأفضل في كلامه «ع» من اشتمل على صفات كماليّة عديدة ذكرها «ع»، كما يظهر بالمراجعة. و لو سلّم شمول إطلاقه للأعلميّة أيضا فهو في مقام بيان وظيفة الوالي، فلا يدلّ على تكليف المتخاصمين، فتأمّل.

الخامس: بعض الروايات الدالة على تقديم الأفقه على غيره:

ففي مقبولة عمر بن حنظلة السابقة: «قلت: فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في

حديثكم؟ قال: الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما،

______________________________

(1)- الجواهر 40/ 45.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1009؛ عبده 3/ 104؛ لح/ 434، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 182

و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.» «1»

و روى الصدوق بإسناده عن داود بن الحصين، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف، فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما، عن قول ايّهما يمضى الحكم؟ قال: «ينظر إلى أفقههما و أعلمهما بأحاديثنا و أورعهما فينفذ حكمه، و لا يلتفت إلى الآخر.» و رواه الشيخ أيضا «2».

و روى الشيخ بإسناده عن موسى بن أكيل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل عن رجل يكون بينه و بين أخ له منازعة في حقّ فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما. قال: و كيف يختلفان؟ قال: حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان. فقال: «ينظر إلى أعدلهما و أفقههما في دين اللّه فيمضى حكمه.» «3»

و من المحتمل رجوع الروايات الثلاث إلى قصّة واحدة، فإنّ الراوي عن عمر بن حنظلة كما مرّ هو داود بن الحصين، فلعلّ رواية الصدوق نقل بالمعنى لقطعة من الرواية الأولى و سقط عمر بن حنظلة من سندها، و موسى بن أكيل لم يكن سائلا بل كان حاضرا في المجلس حين ما سأل ابن حنظلة، فتدبّر.

نقل كلام صاحب العروة و نقده:

قال صاحب العروة في كتاب القضاء من ملحقاتها بعد اختيار تقديم الأعلم في البلد أو ما يقرب منه:

«لكون الإطلاقات مقيّدة بالأخبار الدالّة على الرجوع إلى المرجّحات عند اختلاف

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 75، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث

1. و يعتمد في النقل على الكافي 1/ 47، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، الحديث 10.

(2)- الوسائل 18/ 80، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 20.

(3)- الوسائل 18/ 88، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 183

الحاكمين من الأفقهية و الأصدقيّة و الأعدليّة ...

و دعوى أنّ مورد أخبار المرجّحات التي هي العمدة في المقام خصوص صورة اختيار كلّ من المترافعين حاكما، أو صورة رضاهما بحكمين فاختلفا فلا دلالة فيها على وجوب الرجوع إلى الأعلم مطلقا، مدفوعة بأنّ الظاهر منها أنّ المدار على الأرجح عند التعارض مطلقا، كما هو الحال في الخبرين المتعارضين بل في صورة عدم العلم بالاختلاف أيضا، لوجوب الفحص عن المعارض.

لكنّ هذا إذا كان مدرك الحكم هو الفتوى و كان الاختلاف فيها، بأن كانا مختلفين في الحكم من جهة اختلاف الفتوى. و أمّا إذا كان أصل الحكم معلوما و كان المرجع إثبات الحقّ بالبيّنة و اليمين و الجرح و التعديل و نحو ذلك فلا دلالة في الأخبار على تعيّن الأعلم.» «1»

أقول: ما ذكره «قده» من عدم دلالة الروايات بالنسبة إلى الشبهة الموضوعيّة التي هي أكثر موارد الترافع واضح.

و أمّا ما ذكره من الدلالة في الشبهة الحكميّة مطلقا فيمكن المناقشة فيه، إذ مورد الروايات كما ذكر هو صورة اختيار كلّ منهما حاكما، أو رضاهما معا بحاكمين و اختلف الحاكمان في حكمهما. و حيث لا يرتفع التخاصم حينئذ إلّا بتعيّن أحدهما فلا محالة حكم الإمام «ع» بإعمال الترجيح و تقديم الأفقه الأعدل فلا دلالة لها على تعيّن اختياره في بادي الأمر و عدم جواز رضاهما بغير الأفقه.

بل المفروض في المقبولة اختيار أحدهما

لغير الأفقه، و لو لم يجز ذلك لكان على الإمام «ع» الردع عنه لا الاقتناع ببيان حكم اختلافهما فقط بإعمال الترجيح.

هذا مضافا إلى أنّ المستفاد من هذه الروايات هو الترجيح بالأعدليّة و الأصدقيّة و نحوهما أيضا، و لم نجد أحدا يفتي بتعيّنها في الابتداء.

نعم، لو قلنا في مسألة التقليد بتعيّن تقليد الأعلم، كما هو الأقوى في صورة

______________________________

(1)- ملحقات العروة الوثقى لآية اللّه المرحوم السيد محمد كاظم اليزدي 3/ 8 و 9، كتاب القضاء الفصل 1، المسألة 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 184

العلم باختلافهما تفصيلا أو إجمالا في المسائل المبتلى بها، فالمترافعان لو جهلا حكم المسألة و كان غرضهما تحصيل العلم بها فلا محالة يجب عليهما من أوّل الأمر الرجوع إلى الأعلم. و أمّا إذا علما بها عن اجتهاد أو تقليد صحيح و اختلفا في النظر، كما إذا كان نظر الورثة كون منجّزات المريض من الثلث و نظر الموهوب له في مرض الموت كونها من الأصل فاحتاجا إلى الترافع و القضاء، فلا دليل حينئذ على تعيّن الرجوع إلى الأعلم، بل إطلاق المقبولة و غيرها يقتضي العدم، فتأمّل.

و كيف كان فمقتضى إطلاق المقبولة و المشهورة و التوقيع الشريف ممّا دلّ على الإذن في القضاء هو كفاية الاجتهاد و عدم اعتبار الأعلميّة و لم نجد ما يوجب رفع اليد عن هذا الإطلاق، فالظاهر عدم اعتبارها. و لو سلّم فالظاهر أنّ المراد به هو الأعلم في البلد و ما يقرب منه لا مطلقا كما هو واضح. هذا كلّه في مسألة القضاء.

و أمّا مسألة التقليد فللتفصيل فيها محل آخر. و ملخّص الكلام فيها أنّه إن كان المستند للتقليد هي الروايات كالتوقيع الشريف و

رواية تفسير الإمام و نحوهما فالإطلاق فيها يقتضي العموم و عدم تعيّن الأعلم.

و أمّا إذا قلنا بكون المستند فيه هو بناء العقلاء في رجوع الجاهل في كلّ فنّ إلى أهل الخبرة فيه و أنّه ليس للشرع فيه تأسيس فالظاهر أنّ العقلاء مع العلم باختلاف أهل الخبرة كالأطبّاء مثلا تفصيلا أو إجمالا في المسائل المبتلى بها لهذا المقلّد يقدّمون الأعلم على غيره، بل لعلّهم كذلك مطلقا في المسائل المهمّة كالمريض الذي يخاف عليه التلف اللّهم إلّا إذا كان فتوى غير الأعلم مطابقا للاحتياط أو حصل منه وثوق و اطمينان أقوى.

نعم، في المسائل الساذجة غير المهمة ربّما يرجعون فيها إلى غير الأعلم أيضا، لكونه أسهل أو أقرب أو أخفّ مئونة و نحو ذلك.

و لا يخفى أنّ المسائل الدينية كلّها مهمّة عند الشارع و المتشرعة. و الاشتغال اليقيني بها يقتضي تحصيل البراءة اليقينيّة، و أصالة عدم الحجّيّة أيضا تقتضي تعيّن الأعلم، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 185

10- اهتمام الإسلام بالقسط و العدل و الحكم بالحقّ:
[الآيات]

1- قال اللّه- تعالى-: «لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْمِيزٰانَ لِيَقُومَ النّٰاسُ بِالْقِسْطِ، وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ.» «1»

يظهر من الآية الشريفة أنّ من الأهداف الأساسيّة لبعث الرسل و إنزال الكتب و وضع الموازين المقرّرة هو القسط، و قد جعل اللّه الحديد و السلاح ضمانة لتنفيذها و إجرائها.

2- و قال: مخاطبا للنبيّ الأكرم «ص»: «وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.» «2»

3- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ لِلّٰهِ شُهَدٰاءَ بِالْقِسْطِ، وَ لٰا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلىٰ أَلّٰا تَعْدِلُوا، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ، وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا تَعْمَلُونَ.» «3»

4-

و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَ لَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ، إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللّٰهُ أَوْلىٰ بِهِمٰا، فَلٰا تَتَّبِعُوا الْهَوىٰ أَنْ تَعْدِلُوا، وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيراً.» «4»

5- و قال: «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ.» «5»

6- و قال: «فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.» «6»

______________________________

(1)- سورة الحديد (57)، الآية 25.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 42.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 8.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 135.

(5)- سورة الأعراف (7)، الآية 29.

(6)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 186

7- و قال: «وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ بِالْقِسْطِ، لٰا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا، وَ إِذٰا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ.» «1»

8- و قال: «وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيٰامَةِ فَلٰا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا وَ كَفىٰ بِنٰا حٰاسِبِينَ.» «2»

9- و قال: «لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.» «3»

10- و قال: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا، وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللّٰهَ نِعِمّٰا يَعِظُكُمْ بِهِ، إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ سَمِيعاً بَصِيراً.» «4»

11- و قال: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ، وَ يَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.» «5»

12- و قال: «فَلِذٰلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ، وَ قُلْ آمَنْتُ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنْ كِتٰابٍ، وَ

أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللّٰهُ رَبُّنٰا وَ رَبُّكُمْ، لَنٰا أَعْمٰالُنٰا وَ لَكُمْ أَعْمٰالُكُمْ.» «6»

13- و قال: «وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ.» «7»

14- و قال: «يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لٰا تَتَّبِعِ

______________________________

(1)- سورة الأنعام (6)، الآية 152.

(2)- سورة الأنبياء (21)، الآية 47.

(3)- سورة الممتحنة (60)، الآية 8.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 58.

(5)- سورة النحل (16)، الآية 90.

(6)- سورة الشورى (42)، الآية 15.

(7)- سورة المائدة (5)، الآية 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 187

الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ بِمٰا نَسُوا يَوْمَ الْحِسٰابِ.» «1»

إلى غير ذلك من الآيات الآمرة بالعدل و القسط و الحكم بالحقّ.

[الروايات]

15- و في نهج البلاغة فيما ردّه أمير المؤمنين «ع» من قطائع عثمان: «و اللّه لو وجدته قد تزوج به النساء و ملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة. و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق.» «2»

أقول: و وجهه أنّه إذا كان الحاكم على النظام هو العدل ففي ظلّه تحفظ و تصان حقوق جميع الأفراد و الطبقات، و أمّا إذا فشا الجور و الظلم صار مثله مثل النار إذا أصابت الديار يحرق بها الرطب و اليابس.

16- و في نهج البلاغة أيضا مخاطبا لزياد عامله على فارس و أعمالها: «استعمل العدل و احذر العسف و الحيف، فإنّ العسف يعود بالجلاء، و الحيف يدعو إلى السيف.» «3»

أقول: العسف: الشدّة في غير حقّ. و الجلاء: التفرّق و ترك الأوطان. و الحيف:

الميل إلى

الظلم. و ظلم الحاكم و عمّاله هو العامل الأساسي لثورة الأمّة و قيامهم بالسيف في قبال الحكومة.

17- و في أصول الكافي عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «العدل أحلى من الشهد و ألين من الزبد و أطيب ريحا من المسك.» «4»

18- و في الوسائل عن أبي إبراهيم «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-:

______________________________

(1)- سورة ص (38)، الآية 26.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 66؛ عبده 1/ 42؛ لح/ 57، الخطبة 15.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1304؛ عبده 3/ 266؛ لح/ 559، الحكمة 476.

(4)- أصول الكافي 2/ 147، كتاب الإيمان و الكفر، باب الإنصاف و العدل، الحديث 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 188

«يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا.»* قال: «ليس يحييها بالقطر، و لكن يبعث اللّه رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل.» «1»

19- و فيه عن رسول اللّه «ص»: «ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 188

و حدّ يقام للّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا.» «2»

20- و في نهج البلاغة خطابا لعثمان: «فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه، إمام عادل هدي و هدى، فأقام سنّة معلومة و أمات بدعة مجهولة.» «3»

21- و في سنن الترمذي عن رسول اللّه «ص»: «إنّ أحبّ الناس إلى اللّه يوم القيامة و أدناهم منه مجلسا إمام عادل. و أبغض الناس إلى اللّه- تعالى- و أبعدهم منه مجلسا إمام جائر.» «4»

22- و فيه أيضا عنه «ص»: «اللّه مع القاضي ما لم يجر، فإذا

جار تخلّى عنه و لزمه الشيطان.» «5»

23- و في الوسائل عنه «ص»: «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس فإمّا إلى الجنّة و إمّا إلى النار.» «6»

24- و في تفسير مجمع البيان في تفسير قوله- تعالى-: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا»، قال:

«ورد في الآثار أنّ صبيّين ارتفعا إلى الحسن بن علي «ع» في خطّ كتباه و حكّماه في ذلك ليحكم أيّ الخطّين أجود، فبصر به عليّ «ع» فقال: يا بنيّ انظر كيف تحكم، فإنّ هذا حكم و اللّه سائلك عنه يوم القيامة.» «7»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 526؛ عبده 2/ 85؛ لح/ 234، الخطبة 164.

(4)- سنن الترمذي 2/ 394، أبواب الأحكام، الباب 4، الحديث 1344.

(5)- سنن الترمذي 2/ 395، أبواب الأحكام، الباب 4، الحديث 1345.

(6)- الوسائل 18/ 167، الباب 12 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

(7)- مجمع البيان 2/ 64. (الجزء 3).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 189

25- و في الوسائل عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه- عزّ و جلّ- فهو كافر باللّه العظيم.» «1»

26- و في نهج البلاغة: «و أيم اللّه لأنصفنّ المظلوم من ظالمه، و لأقودنّ الظالم بخزامته حتّى أورده منهل الحقّ و إن كان كارها.» «2»

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة في وجوب العدل و بركات العدل و العادل، و ذمّ الجور و الجائر، فراجع مظانّها. هذا.

و ليس معنى العدالة تساوي الأفراد في المواهب و الأعمال و

المناصب، بل المراد بها إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، و تقديم الضوابط و الموازين التي شرّعها اللّه- تعالى- على أساس الطبائع و القابليات على الأهواء و العلاقات الشخصيّة، و إلّا فالمناصب و الأعمال إنّما تفوّض على أساس القابليّات. و عدم رعاية الاستعدادات و القابليّات و الاختصاصات المكتسبة فيها ظلم على الشخص و على الأمّة.

و قد مرّ عن رسول اللّه «ص»: «من استعمل رجلا من عصابة و فيهم من هو أرضى للّه منه فقد خان اللّه و رسوله و المؤمنين.» «3» و نحوه غيره.

و في نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك: «و لا يكوننّ المحسن و المسي ء عندك بمنزلة سواء، فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الإساءة و ألزم كلّا منهم ما ألزم نفسه.» «4»

يعني أنّ المسي ء بإساءته ألزم نفسه استحقاق اللوم و العقاب، و المحسن بإحسانه ألزمها استحقاق الكرامة و الثواب. هذا.

و في ظلّ العدل الاجتماعي و إعطاء المناصب و الأعمال على أساس القابليّات

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 18، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 417؛ عبده 2/ 26؛ لح/ 194، الخطبة 136.

(3)- كنز العمال 6/ 25، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14687.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1000؛ عبده 3/ 98؛ لح/ 430، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 190

و التخصّصات تنمو القابليّة و تبرز الاستعدادات الكامنة قهرا.

نعم، جميع آحاد المجتمع و طبقاته متشاركون و متساوون أمام القانون، كما يأتي بيانه في البند الآتي.

11- المساواة أمام القانون:

يتميّز الحكم الإسلامي عن غيره بأنّه لا يفرّق فيه بين أفراد المجتمع و طبقاته في تطبيق القوانين الحقوقيّة و

الجزائيّة عليهم و إخضاعهم لها. فلا فرق فيه بين القويّ و الضعيف، و الرئيس و المرؤوس، و الراعي و الرعيّة، و العربي و الأعجمي، و الأسود و الأحمر، و الغنيّ و الفقير، بل و البرّ و الفاجر. فالقانون للجميع واحد و الحاكم واحد و المحكمة واحدة.

نعم، للتّقوى كرامتها و قداستها المعنوية كما قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ، إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ.» «1»

و عن رسول اللّه «ص»: «أيّها الناس، ألا إنّ ربّكم واحد و إنّ أباكم واحد. ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ و لا عجميّ على عربي، و لا لأسود على أحمر و لا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى.» «2»

كما أنّ الأعمال و المناصب لا تنال إلّا بالقابليّات و المؤهّلات و ليست جزافية كما مرّ آنفا، و لكن القوانين الحقوقيّة و الجزائية شاملة للجميع على وزان واحد، و لا يوجب الاختلاف في النسب أو اللون أو الوطن أو اللغة أو المنصب تفاوتا فيها:

1- فنرى الكتاب الكريم يقول في باب القصاص حاكيا عن التوراة: «وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ،

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 13.

(2)- تفسير القرطبي 16/ 342. (في تفسير سورة الحجرات).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 191

وَ الْجُرُوحَ قِصٰاصٌ. فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّٰارَةٌ لَهُ، وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ.» «1»

فلم يفرّق فيه بين نفس و نفس.

2- و عن النبيّ «ص»: «الناس كأسنان المشط سواء.» «2»

3- و عنه أيضا: «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه

من القويّ غير متتعتع.» «3»

4- و قد جسّد النبيّ «ص» هذه المساواة على نفسه في قصّته مع سوادة: ففي سفينة البحار: «سوادة بن قيس هو الذي قال للنبيّ «ص» في أيّام مرضه «ص»:

يا رسول اللّه، إنّك لمّا أقبلت من طائف استقبلتك و أنت على ناقتك العضباء و بيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب و أنت تريد الراحلة فأصاب بطني، فأمره النبيّ «ص» أن يقتصّ منه فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه، فكشف عن بطنه، فقال سوادة: أ تأذن لي أن أضع فمي على بطنك، فأذن له، فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه من النار يوم النار، فقال «ص»:

يا سوادة بن قيس، أ تعفو أم تقتص؟ فقال: بل أعفو يا رسول اللّه. فقال: اللّهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيّك محمد «ص».» «4»

5- و في صحيح مسلم: «إنّ قريشا أهمّهم شأن المرأة المخزوميّة التي سرقت، فقالوا من يكلّم فيها رسول اللّه «ص»، فقالوا: و من يجتري عليه إلّا أسامة حبّ رسول اللّه «ص»، فكلّمه أسامة، فقال رسول اللّه «ص»: أتشفع في حدّ من حدود اللّه؟

ثمّ قام فاختطب فقال: أيّها الناس، إنّما أهلك الذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، و أيم اللّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 45.

(2)- الفقيه 4/ 379، باب النوادر، الحديث 5798.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1021؛ عبده 3/ 113؛ لح/ 439، الكتاب 53.

(4)- سفينة البحار 1/ 671. (باب السين، سوادة بن قيس.).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 192

لقطعت يدها.» «1»

6- و في صحيحة محمد بن قيس، عن

أبي جعفر «ع»، قال: «كان لأمّ سلمة زوج النبيّ «ص» أمة فسرقت من قوم، فأتى بها النبيّ «ص» فكلّمته أمّ سلمة فيها، فقال النبيّ «ص»:

يا أمّ سلمة، هذا حدّ من حدود اللّه لا يضيع، فقطعها رسول اللّه «ص».» «2»

7- و روى الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال أمير المؤمنين «ع» لعمر بن الخطّاب: ثلاث إن حفظتهنّ و عملت بهنّ كفتك ما سواهنّ، و إن تركتهنّ لم ينفعك شي ء سواهنّ.

قال: و ما هنّ يا أبا الحسن؟ قال: «إقامة الحدود على القريب و البعيد، و الحكم بكتاب اللّه في الرضا و السخط، و القسم بالعدل بين الأحمر و الأسود.» قال عمر: لعمري لقد أوجزت و أبلغت.» «3»

8- و في حديث أنّ إحدى بنات أمير المؤمنين «ع» استعارت من أمين بيت المال علي بن أبي رافع عقد لؤلؤ كان فيه، عارية مضمونة، فقال له أمير المؤمنين «ع»: «أ تخون المسلمين؟» فقال: معاذ اللّه أن أخون المسلمين، فقال:

كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني و رضاهم؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّها ابنتك و سألتني أن أعيرها إيّاه تتزيّن به، فأعرتها إيّاه عارية مضمونة مردودة، فضمنته في مالي و عليّ أن أردّه سليما إلى موضعه.

قال: فردّه من يومك، و إيّاك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي ثمّ أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذا أوّل هاشميّة قطعت يدها في سرقة.

قال: فبلغ مقالته ابنته فقالت له: يا أمير المؤمنين: أنا ابنتك و بضعة منك، فمن أحقّ بلبسه منّي؟

فقال لها أمير المؤمنين «ع»: يا بنت علي بن أبي طالب، لا تذهبنّ بنفسك عن الحقّ، أ كلّ نساء المهاجرين تتزيّن

في هذا العيد بمثل هذا؟!

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1315، كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف و غيره، الحديث 1688.

(2)- الوسائل 18/ 332، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 156، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 193

قال: فقبضته منها و رددته إلى موضعه «1».

9- و في كتاب لأمير المؤمنين «ع» إلى بعض عمّاله حين اختطف بعض ما كان عنده من أموال المسلمين: «و اللّه لو أنّ الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة و لا ظفرا منّي بإرادة حتّى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما.» «2»

10- و في البحار عن المناقب:

«بلغ معاوية أنّ النجاشي هجاه قدّس قوما شهدوا عليه عند عليّ «ع» أنّه شرب الخمر، فأخذه عليّ «ع» فحدّه، فغضب جماعة على عليّ «ع» في ذلك، منهم طارق بن عبد اللّه النهدي، فقال: يا أمير المؤمنين ما كنّا نرى أنّ أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العقل و معادن الفضل سيّان في الجزاء حتّى ما كان من صنيعك بأخي الحارث- يعني النجاشي- فأوغرت صدورنا و شتتت أمورنا، و حملتنا على الجادّة الّتي كنّا نرى أنّ سبيل من ركبها النار. فقال عليّ «ع»: «إنّها لكبيرة إلّا على الخاشعين.» يا أخا بني نهد، هل هو إلّا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرمة اللّه فأقمنا عليه حدّها زكاة له و تطهيرا؟ يا أخا بني نهد، إنّه من أتى حدّا فأليم (فأقيم) كان كفّارته. يا أخا بني نهد، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه العظيم: «و لا يجرمنّكم شنآن

قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى.»

فخرج طارق و النجاشي معه إلى معاوية و يقال: إنّه رجع.» «3»

فالنجاشي مع كونه من أشراف شيعة عليّ «ع» و ممّن هجا معاوية لأجله «ع» لمّا قام عليه الشهود بشرب الخمر أقام «ع» عليه الحدّ، و بذلك جسّد «ع» العدالة و المساواة أمام القانون.

11- و من أظهر مظاهر العدل و المساواة أنّ أمير المؤمنين- عليه السلام- في عصر

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام 10/ 151، كتاب الحدود، باب من الزيادات، الحديث 37؛ و الوسائل 18/ 521، الباب 26 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 957؛ عبده 3/ 74؛ لح/ 414، الكتاب 41.

(3)- بحار الأنوار 41/ 9، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 100، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 194

خلافته و حكومته حضر مجلس القضاء عند شريح القاضي و جلس في جنب يهودي مخاصم؛ ففي البحار أيضا، عن المناقب، عن حلية الأولياء و نزهة الأبصار:

«أنّه مضى عليّ «ع» في حكومة إلى شريح مع يهودي فقال: يا يهوديّ، الدرع درعي و لم أبع و لم أهب. فقال اليهودي: الدرع لي و في يدي، فسأله شريح البيّنة، فقال «ع»: هذا قنبر و الحسين يشهدان لي بذلك. فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز لأبيه. و شهادة العبد لا تجوز لسيّده و إنّهما يجرّان إليك. فقال أمير المؤمنين «ع»:

ويلك يا شريح، أخطأت من وجوه: أمّا واحدة فأنا إمامك تدين اللّه بطاعتي و تعلم أنّي لا أقول باطلا، فرددت قولي و أبطلت دعواي، ثمّ سألتني البيّنة فشهد عبد، و أحد سيدي شباب أهل الجنة فرددت شهادتهما، ثمّ ادّعيت عليهما أنّهما يجرّان إلى أنفسهما. أما إنّي

لا أرى عقوبتك إلّا أن تقضي بين اليهود ثلاثة أيّام، أخرجوه. فأخرجه إلى قبا، فقضى بين اليهود ثلاثا ثمّ انصرف. فلمّا سمع اليهودي ذلك قال: هذا أمير المؤمنين جاء إلى الحاكم و الحاكم حكم عليه، فأسلم ثمّ قال: الدرع درعك سقطت يوم صفين من جمل أورق فأخذتها.» «1» هذا.

12- و في نهج البلاغة و من كلام له- عليه السلام- لمّا عوتب على التسوية في العطاء: «أ تأمرونّي أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟ و اللّه ما أطور به ما سمر سمير، و ما أمّ نجم في السماء نجما. لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف و إنّما المال مال اللّه! ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع صاحبه في الدنيا و يضعه في الآخرة و يكرمه في الناس و يهينه عند اللّه. و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و لا عند غير أهله إلّا حرّمه اللّه شكرهم و كان لغيره ودّهم، فإن زلت به النعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشرّ خدين و ألأم خليل.» «2»

أقول: قوله «ما أطور به ما سمر سمير»، أي لا أفعله و لا أقاربه مدى الدهر. و الخدين:

الصديق.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 41/ 56، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 105، الحديث 6.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 389؛ عبده 2/ 10؛ لح/ 183، الخطبة 126.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 195

13- و في كنز العمّال: «إيّاكم و الإقراد، يكون أحدكم أميرا أو عاملا فتأتي الأرملة و اليتيم و المسكين فيقال: اقعد حتّى ننظر في حاجتك فيتركون مقردين لا تقضى لهم حاجة و لا يؤمروا فينفضّوا، و يأتي الرجل الغنيّ الشريف

فيقعده إلى جانبه ثمّ يقول: ما حاجتك؟ فيقول:

حاجتي كذا و كذا فيقول: اقضوا حاجته و عجّلوا.» (حل عن أبي هريرة) «1»

أقول: أقرد الرجل: إذا سكت ذلّا، كما في النهاية. «2»

14- و في خاتمة هذا البحث نذكر تفسيرا ذكره أمير المؤمنين «ع» للحقّ، و هو من أبلغ الكلمات و ألطفها في بيان أنّ جميع آحاد الناس في عرض واحد أمام الحقّ و القانون، قال «ع»:

«أمّا بعد فقد جعل اللّه- سبحانه- لي عليكم حقّا بولاية أمركم، و لكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم. فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف، و أضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، و لا يجري عليه إلّا جرى له. و لو كان لأحد أن يجري له و لا يجرى عليه لكان ذلك خالصا للّه- سبحانه- دون خلقه، لقدرته على عباده و لعدله في كلّ ما جرت عليه صروف قضائه.» «3»

و خلاصة الكلام أنّ الإسلام جاء و البشر أجناس متفرّقون يتعادون و يتفاضلون في الأنساب و الألوان و اللغات و الأوطان، و الأديان و المذاهب و المشارب، و الشعوب و القبائل، و الحكومات و السياسات، يقاتل كلّ فريق منهم من خالفه في شي ء من هذه العلاقات البشرية، فدعاهم إلى الوحدة و التآخي و المساواة أمام القوانين العادلة الصالحة لحفظ الحقوق و إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.

فمن الأسف عدم معرفة المسلمين لبرامج الإسلام و عدم التفاتهم إلى مزاياها، و اغترارهم بما ورد من الغرب و الشرق.

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 29 الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 14705.

(2)- النهاية لابن الأثير 4/ 36.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 681؛ عبده 2/ 223؛ لح/ 332، الخطبة 216.

دراسات في ولاية الفقيه

و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 196

12- استقلال القاضي:

لا يخفى أنّ انسجام النظام و سلامة الملك و المجتمع يتوقّف على سلامة أمر القضاء و قوّته، كما مرّ.

و لا يحصل ذلك إلّا باستقلال القاضي و قوّته في السياسة و الاقتصاد حتّى لا يطمع أحد في إجباره و إخضاعه أو استمالته و إطماعه.

و قد ألفت أمير المؤمنين «ع» إلى هذه النكتة المهمّة في عهده إلى مالك، فقال عقيب الإشارة إلى مواصفات من ينتخب للقضاء: «ثمّ أكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيل علّته و تقلّ معه حاجته إلى الناس. و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا.» «1»

و بالجملة، فيجب أن يكون القاضي مستقلا في الفكر و الإرادة، قويّا في التصميم و القرار، غير متأثّر بشي ء من السلطات السياسيّة و الاقتصاديّة.

و إنّما عدّت سلطة القضاء مستقلة عن سلطة التنفيذ لئلا تتأثّر عنها و لتعمّ سلطته مراتب سلطة التنفيذ فيها منها جميع الوزراء و العمّال و الأمراء، بل قد رأيت أنّ أمير المؤمنين «ع» أيضا في عصر خلافته حضر مجلس قضاء شريح مع خصمه اليهودي. فيعلم بذلك أهميّة موقعية القاضي. و لو لا ذلك لأثّرت السلطات السياسيّة أو الاقتصاديّة في أمر القضاء و القضاة، فتدبّر.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1010؛ عبده 3/ 105؛ لح/ 435، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 197

13- بعض آداب القضاء:

و نكتفي في هذا المجال بذكر بعض الأخبار و كلام الشيخ في النهاية، و التفصيل يطلب من محلّه:

1- روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأوّل حتّى تسمع من

الآخر، فإنّك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء.» «1»

2- و روى الصدوق بسنده، عن الرضا «ع»، عن آبائه، عن علي «ع»، قال:

قال النبيّ «ص» لمّا وجّهني إلى اليمن: «إذا تحوكم إليك فلا تحكم لأحد الخصمين دون أن تسأل من الآخر. قال: فما شككت في قضاء بعد ذلك.» «2»

3- و روى العياشي، عن الحسن، عن عليّ «ع»: أنّ النبيّ «ص» بعثه ... فقال:

«إنّ الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتّى تسمع الآخر، فإنّه أجدر أن تعلم الحقّ.» «3»

4- صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان أمير المؤمنين «ع» لا يأخذ بأوّل الكلام دون آخره.» «4»

5- و روى السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «من ابتلى

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 158، الباب 4 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

(2)- الوسائل 18/ 159، الباب 4 من أبواب آداب القاضي، الحديث 6.

(3)- الوسائل 18/ 159، الباب 4 من أبواب آداب القاضي، الحديث 7.

(4)- الوسائل 18/ 158، الباب 4 من أبواب آداب القاضي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 198

بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة و في النظر و في المجلس.» «1»

6- و بهذا الإسناد أنّ رجلا نزل بأمير المؤمنين «ع» فمكث عنده أيّاما ثمّ تقدّم إليه في خصومة (حكومة خ. ل) لم يذكرها لأمير المؤمنين «ع» فقال له: «اخصم أنت؟» قال: نعم. قال:

«تحوّل عنّا، فإنّ رسول اللّه «ص» نهى أن يضاف الخصم إلّا و معه خصمه.» «2».

7- و روى السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من ابتلى بالقضاء فلا يقضي و هو غضبان.» «3»

8- و روى الكليني: قال

أمير المؤمنين «ع» لشريح: «لا تشاور (لا تسارّ) أحدا في مجلسك. و إن غضبت فقم، و لا تقضينّ و أنت غضبان.» قال: و قال أبو عبد اللّه «ع»: «لسان القاضي وراء قلبه، فإن كان له قال، و إن كان عليه أمسك.» «4»

9- و روى الكليني بسنده، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت عليّا «ع» يقول لشريح: «انظر إلى أهل المعك و المطل و دفع حقوق الناس من أهل المقدرة و اليسار ممّن يدلي بأموال الناس إلى الحكّام، فخذ للناس بحقوقهم منهم و بع فيها العقار و الديار. فإنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم» و من لم يكن له عقار و لا دار و لا مال فلا سبيل عليه. و اعلم أنّه لا يحمل الناس على الحقّ إلّا من ورعهم عن الباطل.

ثم واس بين المسلمين بوجهك و منطقك و مجلسك حتّى لا يطمع قريبك في حيفك و لا ييأس عدوّك من عدلك.

و ردّ اليمين على المدّعي مع بيّنته، فإنّ ذلك أجلى للعمى و أثبت في القضاء.

و اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود في حدّ لم يتب منه أو معروف بشهادة زور، أو ضنين.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 157، الباب 3 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 157، الباب 3 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 156، الباب 2 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 156، الباب 2 من أبواب آداب القاضي، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 199

و إيّاك و التضجّر و التأذّي في مجلس القضاء، الذي أوجب اللّه فيه الأجر و يحسن فيه الذخر لمن قضى بالحقّ.

و

اعلم أنّ الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا حرّم حلالا أو أحلّ حراما، و اجعل لمن ادعى شهودا غيّبا أمدا بينهما (بينهم)، فإن أحضرهم أخذت له بحقّه، و إن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية.

و إيّاك أن تنفذ قضية في قصاص أو حدّ من حدود اللّه أو حقّ من حقوق المسلمين حتّى تعرض ذلك عليّ ان شاء اللّه. و لا تقعد في مجلس القضاء حتّى تطعم.» و رواه الشيخ و الصدوق أيضا «1».

10- و في سنن أبي داود بسنده، عن عبد اللّه بن الزبير، قال: «قضى رسول اللّه «ص» أنّ الخصمين يقعدان بين يدي الحكم.» «2»

11- و فيه أيضا:

«دخل رجلان من أبواب كندة، و أبو مسعود الأنصاري جالس في حلقة، فقالا:

ألا رجل ينفّذ بيننا؟ فقال رجل من الحلقة: أنا. فأخذ أبو مسعود كفّا من حصى فرماه به و قال: مه، إنّه كان يكره التسرّع إلى الحكم.» «3»

12- و في سنن الترمذي بسنده، عن أبي هريرة، قال: «لعن رسول اللّه «ص» الراشي و المرتشي في الحكم.» «4»

13- و في الوسائل، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و أمّا الرشا في الحكم فهو الكفر باللّه.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 155، الباب 1 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(2)- سنن أبي داود 2/ 271، كتاب الأقضية، باب كيف يجلس الخصمان بين يدي القاضي.

(3)- سنن أبي داود 2/ 269، كتاب الأقضية، باب في طلب القضاء و التسرّع إليه.

(4)- سنن الترمذي 2/ 397، أبواب الأحكام، الباب 9، الحديث 1351.

(5)- الوسائل 18/ 163، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 200

14- و في كنز العمال، عن أمّ سلمة: «من ابتلي بالقضاء

بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه و إشارته و مقعده و مجلسه.» «1»

15- و فيه أيضا عن أمّ سلمة: «من ابتلى بالقضاء بين المسلمين فلا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لم يرفع على الآخر.» «2»

16- و فيه أيضا عن ابن عمر: «لا يضيفنّ ذو سلطان خصما و لا يدنيه منه و لا يسمع منه إلّا و خصمه معه.» «3»

17- و فيه أيضا عن أبي سعيد: «لا يقضي القاضي بين اثنين إلّا و هو شبعان ريّان.» «4»

هذا.

18- و في نهاية الشيخ الطوسي «قده»:

«و إذا أراد أن يجلس للقضاء ينبغي أن ينجز حوائجه التي تتعلّق نفسه بها ليفرغ للحكم و لا يشتغل قلبه بغيره، ثمّ يتوضّأ وضوء الصلاة و يلبس أحسن ثيابه و أطهرها، و يخرج إلى المسجد الأعظم في البلد الذي يحكم فيه، فإذا دخله صلّى ركعتين، و يجلس مستدبر القبلة لتكون وجوه الخصم إذا وقفوا بين يديه مستقبلة القبلة.

و لا يجلس و هو غضبان و لا جائع و لا عطشان و لا مشغول القلب بتجارة و لا خوف و لا حزن و لا فكر في شي ء من الأشياء، و ليجلس و عليه هدي و سكينة و وقار ...

و إذا دخل عليه الخصمان فلا يبدأ أحدهما بالكلام. فإن سلّما أو سلّم أحدهما ردّ السلام دون ما سواه، و ليكن نظره إليهما واحدا و مجلسهما بين يديه على السواء.

و لا ينبغي للحاكم أن يسأل الخصمين بل يتركهما حتى يبدءا بالكلام.» «5»

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 102، الباب 2 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 15032.

(2)- كنز العمّال 6/ 102، الباب 2 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 15033.

(3)- كنز العمال 6/

103، الباب 2 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 15037.

(4)- كنز العمال 6/ 103، الباب 2 من كتاب الإمارة و القضاء من قسم الأقوال، الحديث 15040.

(5)- النهاية/ 337.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 201

14- في تكاليف القاضي و اختياراته:

قال الماوردي في الاحكام السلطانية ما ملخّصه:

«فصل: و لا تخلو ولاية القاضي من عموم أو خصوص، فإن كانت ولايته عامّة مطلقة فنظره مشتمل على عشرة أحكام:

أحدها: فصل في المنازعات و قطع التشاجر و الخصومات، إمّا صلحا عن تراض أو إجبارا بحكم باتّ.

و الثاني: استيفاء الحقوق ممّن مطل بها و إيصالها إلى مستحقّيها بعد ثبوت استحقاقها من أحد وجهين: اقرار، أو بيّنة.

و اختلف في جواز حكمه فيها بعلمه فجوزه مالك و الشافعي في أحد قوليه. و قال أبو حنيفة: يجوز أن يحكم بعلمه فيما علمه في ولايته و لا يحكم بما علمه قبلها.

و الثالث: ثبوت الولاية على من كان ممنوع التصرّف بجنون أو صغر، و الحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس حفظا للأموال على مستحقّيها.

و الرابع: النظر في الأوقاف بحفظ أصولها و تنمية فروعها و القبض عليها و صرفها في سبلها. فإن كان عليها مستحقّ للنظر فيها راعاه، و إن لم يكن تولّاه.

و الخامس: تنفيذ الوصايا على شروط الموصي فيما أباحه الشرع و لم يحظره. فإن كان فيها وصيّ راعاه، و إن لم يكن تولّاه.

و السادس: تزويج الأيامى بالأكفاء إذا عدّ من الأولياء و دعين إلى النكاح.

و لا يجعله أبو حنيفة من حقوق ولايته لتجويزه تفرّد الأيّم بعقد النكاح.

و السابع: اقامة الحدود على مستحقيها، فإن كانت من حقوق اللّه- تعالى- تفرّد باستيفائه من غير طالب إذا ثبت بإقرار أو بيّنة، و

إن كان من حقوق الآدميّين كان موقوفا على طلب مستحقّه. و قال أبو حنيفة لا يستوفيها معا إلّا بخصم مطالب.

و الثامن: النظر في مصالح عمله من الكفّ عن التعدّي في الطرقات و الأفنية

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 202

و إخراج ما لا يستحقّ من الأجنحة و الأبنية، و له أن ينفرد بالنظر فيها و إن لم يحضره خصم. و قال أبو حنيفة: لا يجوز النظر فيها إلّا بحضور خصم مستعد.

و التاسع: تصفّح شهوده و أمنائه و اختبار النائبين عنه من خلفائه في إقرارهم و التعويل عليهم مع ظهور السلامة و الاستقامة و صرفهم و الاستبدال بهم مع ظهور الجرح و الخيانة.

و العاشر: التسوية في الحكم بين القويّ و الضعيف و العدل في القضاء بين المشروف و الشريف، و لا يتبع هواه في تقصير المحقّ أو ممايلة المبطل، قال اللّه- تعالى-: «يٰا دٰاوُدُ، إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ. إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ بِمٰا نَسُوا يَوْمَ الْحِسٰابِ.» «1» الخ.» «2»

و ذكر نحو ذلك أيضا أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية، فراجع. «3»

أقول: فيظهر من ذلك أنّ عمل القاضي في تلك الأعصار لم يكن منحصرا في القضاء و فصل الخصومات فقط، بل كان هو المرجع أيضا في الأمور العامّة الحسبيّة التي لا مناص عن إجرائها و لا يجوز إهمالها و ليس لها مسئول خاصّ. و ربّما يصير تصدّي آحاد الناس لها و مباشرتهم لتنفيذها موجبا للتنازع و التشاجر. و كذلك المتعارف في أعصارنا أيضا كما تراه. و نحو ذلك إقامة الحدود و التعزيرات، بل و

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و لعلّ المراد بلفظ الحاكم المعوّل إليه الأمور الحسبيّة العامّة في كلمات فقهائنا في الأبواب المختلفة من الفقه أيضا هو الفقيه بما أنّه منصوب للقضاء.

و هو المحتمل بل المظنون أيضا في قول الإمام الصادق «ع» في المقبولة: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» بقرينة مورد السؤال، و قوله في مشهورة أبي خديجة: «فإنّي

______________________________

(1)- سورة ص (38)، الآية 26.

(2)- الأحكام السلطانية/ 70.

(3)- الأحكام السلطانية/ 65.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 203

قد جعلته قاضيا.»

1- و في خبر إسماعيل بن سعد، قال: سألت الرضا «ع» عن رجل مات بغير وصية و ترك أولادا ذكرانا و إناثا و غلمانا صغارا، و ترك جواري و مماليك، هل يستقيم أن تباع الجواري؟ قال: نعم.

و عن الرجل يصحب الرجل في سفره فيحدث به حدث الموت، و لا يدرك الوصية، كيف يصنع بمتاعه و له أولاد صغار و كبار، أ يجوز أن يدفع متاعه و دوابّه إلى ولده الكبار أو إلى القاضي؟ فان كان في بلدة ليس فيها قاض كيف يصنع؟ و إن كان دفع المال إلى ولده الأكابر و لم يعلم به فذهب فلم يقدر على ردّه كيف يصنع؟

قال: إذا أدرك الصغار و طلبوا فلم يجد بدّا من إخراجه، إلّا أن يكون بأمر السلطان.

و عن الرجل يموت بغير وصية و له ورثة صغار و كبار، أ يحلّ شراء خدمه و متاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولّاه قاض قد تراضوا به و لم يستأمروا الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس به إذا رضي الورثة و قام

عدل في ذلك «1».

يظهر من هذا الخبر أيضا أنّ التصدّي لأمور الصغار في تلك الأعصار كان من شئون القضاة.

و لعلّ المراد بالسلطان في الخبر أيضا هو القاضي المتسلّط لا الخليفة، و بقوله في آخر الخبر: «قام عدل» هو العدل من القضاة لا أيّ عدل كان، فتأمّل.

2- و في خبر محمد بن إسماعيل بن بزيع، قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص. فرفع أمره إلى قاضي الكوفة، فصيّر عبد الحميد القيّم بماله ... قال:

فذكرت ذلك لأبي جعفر «ع» و قلت له: يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي إلى أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهنّ؟ أو قال: يقوم بذلك رجل

______________________________

(1)- فروع الكافي 7/ 66 (ط. القديم 2/ 253)، كتاب الوصايا، باب من مات على غير وصية ...، الحديث 1؛ و الوسائل 13/ 475، الباب 88 من كتاب الوصايا، الحديث 3؛ و الوسائل 12/ 270، الباب 16 من أبواب عقد البيع، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 204

منّا فيضعف قلبه لأنهنّ فروج فما ترى في ذلك؟ قال: فقال: إذا كان القيم به مثلك و مثل عبد الحميد فلا بأس «1».

يظهر من الحديث أن التصدّي لأمور من لم يوص أيضا كان من شئون القضاة في تلك الأعصار.

3- و في رواية حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع»: من يقيم الحدود؟ السلطان أو القاضي؟ فقال: «إقامة الحدود إلى من إليه الحكم.» «2»

و المراد بمن إليه الحكم هو القاضي الذي حكم في الواقعة، كما لا يخفى. هذا.

و لكن قال الكتّاني:

«قال ابن العربي في الأحكام: الحدود على قسمين: الأوّل إيجابها و ذلك للقضاة، و تناول استيفائها و قد

جعله النبيّ «ص» لقوم منهم علي بن أبي طالب و محمد بن مسلمة.» «3»

يظهر من ذلك أنّ للوالي و الإمام تفويض إقامة الحدود إلى غير من قضى بها، و هو الموافق للقاعدة أيضا فإنّ الجميع من شئون الوالي يفوّض ما شاء منها إلى من شاء ممّن يراه صالحا له. هذا.

و يتفرّع على ما ذكرنا من شئون القضاة أنّه إذا منع أئمّتنا المعصومون- عليهم السلام- من الرجوع إلى قضاة عصرهم من قضاة الجور و أرجعوا شيعتهم إلى فقهاء الشيعة كما في المقبولة و المشهورة فيمكن أن يستفاد من ذلك إرجاعهم إليهم في كلّ ما كان يرجع فيها إلى هؤلاء القضاة من فصل الخصومات و التصدّي للأمور الحسبيّة و إقامة الحدود الشرعيّة و التعزيرات و الإشراف على الوصايا و الأوقاف و نحو ذلك.

اللهم إلّا أن يجعل كون مورد السؤال هي المنازعات قرينة على إرادة خصوص فصل الخصومات، فتأمّل.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 270، الباب 16 من أبواب عقد البيع، الحديث 2.

(2)- الوسائل 18/ 338، الباب 28 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3)- التراتيب الإدارية 1/ 313.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 205

و يظهر بما ذكر أيضا أنّ ما ذكره الأستاذ الإمام- مدّ ظلّه- في بيان مفاد المقبولة و تقريب دلالتها على نصب الفقيه للقضاء و الولاية الكبرى معا، بتقسيم المنازعات و إرجاع بعضها إلى القضاة و بعضها إلى الولاة، محلّ إشكال، فإن المنازعات و لو كانت للمطل و الظلم على الضعيف كانت إلى القضاة.

و قد مرّ تفصيل الكلام في الفصل الثالث من الباب الخامس في تقريب دلالة المقبولة على الولاية، فراجع.

15- في ولاية المظالم: [و هي المرجع الأعلى للشكايات أو لمظالم نفس القضاة]
[كلام الماوردي في ذلك]

قد عقد الماوردي في الأحكام السلطانية بعد باب القضاء بابا باسم ولاية المظالم،

و مثله أبو يعلى الفراء في كتابه. و هي- كما يظهر لك ممّا نذكر- تكون من متمّمات القضاء و تكون المرجع الأعلى للشكايات و المظالم الّتي لا يقدر القضاة على حلّها، أو لمظالم نفس القضاة.

و نظيرها في عصرنا و بلادنا- بوجه ما- مجموع الديوان العالي و المحكمة العليا، و ديوان العدالة، و إدارة التفتيش عن مظالم الموظّفين. و لعلّها بوحدتها تتضمّن جميع ذلك.

قال الماوردي ما ملخّصه:

«و نظر المظالم هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، و زجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفة، قليل الطمع، كثير الورع، لأنّه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة و ثبت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين، و أن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين.

فإن كان ممن يملك الأمور العامّة كالوزراء و الأمراء لم يحتج النظر فيها إلى تقليد، و كان له بعموم ولايته النظر فيها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 206

و إن كان ممّن لم يفوّض إليه عموم النظر احتاج إلى تقليد و تولية إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدمة ...

فقد نظر رسول اللّه «ص» المظالم في الشرب الذي تنازعه الزبير بن العوّام و رجل من الأنصار، فحضره بنفسه فقال للزبير: «اسق أنت يا زبير ثمّ الأنصاري.» فقال الأنصاري: إنّه لابن عمّتك يا رسول اللّه. فغضب من قوله و قال: «يا زبير أجره على بطنه حتى يبلغ الماء إلى الكعبين.»

و إنّما قال: أجره على بطنه أدبا له لجرأته عليه. و اختلف لم أمره بإجراء الماء إلى الكعبين هل كان حقّا بيّنه لهما حكما أو كان مباحا فأمر به زجرا؟ على

جوابين.

و لم ينتدب للمظالم من الخلفاء الأربعة احد، لأنّهم في الصدر الأوّل مع ظهور الدين عليهم بين من يقوده التناصف الى الحقّ أو يزجره الوعظ عن الظلم، و انما كانت المنازعات تجري بينهم في أمور مشتبهة يوضحها حكم القضاء ...

ثمّ زاد من جور الولاة و ظلم العتاة ما لم يكفهم عنه إلّا أقوى الأيدي و أنفذ الأوامر.

فكان عمر بن عبد العزيز أوّل من ندب نفسه للنظر في المظالم، فردّها و راعى السنن العادلة و أعادها. و ردّ مظالم بني أميّة على أهلها حتّى قيل له- و قد شدّد عليهم فيها و أغلظ- إنّا نخاف عليك من ردّها العواقب، فقال: كلّ يوم أتّقيه و أخافه دون يوم القيامة لا وقيته!

ثم جلس لها من خلفاء بني العباس جماعة فكان أوّل من جلس لها المهدي، ثمّ الهادي، ثمّ الرشيد، ثمّ المأمون، فآخر من جلس لها المهتدي حتّى عادت الأملاك إلى مستحقّيها.

و قد كان ملوك الفرس يرون ذلك من قواعد الملك و قوانين العدل الذي لا يعمّ الصلاح إلّا بمراعاته، و لا يتمّ التناصف إلّا بمباشرته.

و كانت قريش في الجاهليّة حين كثر فيهم الزعماء و انتشرت فيهم الرئاسة و شاهدوا من التغالب و التجاذب ما لم يكفهم عنه سلطان قاهر عقدوا حلفا على ردّ المظالم و إنصاف المظلوم من الظالم ...

و اجتمعت بطون قريش فتحالفوا في دار عبد اللّه بن جدعان على ردّ المظالم بمكّة و أن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 207

لا يظلم أحد إلّا منعوه و أخذوا للمظلوم حقّه.

و كان رسول اللّه «ص» يومئذ معهم قبل النبوة و هو ابن خمس و عشرين سنة فعقدوا حلف الفضول في دار عبد اللّه

بن جدعان، فقال رسول اللّه «ص» ذاكرا للحال:

لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلف الفضول ما لو دعيت إليه لأجبت و ما أحبّ أنّ لي به حمر النعم.» «1» و أتى بقصته و ما يزيده الإسلام إلّا شدة ...

و هذا و إن كان فعلا جاهليا دعتهم إليه السياسة فقد صار بحضور رسول اللّه «ص» له و ما قاله في تأكيد أمره حكما شرعيّا و فعلا نبويّا.

فصل: فإذا نظر في المظالم من انتدب لها جعل لنظره يوما معروفا يقصده فيه المتظلّمون و يراجعه فيه المتنازعون، ليكون ما سواه من الأيّام لما هو موكول إليه من السياسة و التدبير إلّا أن يكون من عمّال المظالم المنفردين لها فيكون مندوبا للنظر في جميع الأيّام. و ليكن سهل الحجاب، نزه الأصحاب.

و يستكمل مجلس نظره بحضور خمسة أصناف لا يستغني عنهم و لا ينتظم نظره إلّا بهم:

أحدهم: الحماة و الأعوان، لجذب القوى و تقويم الجري ء.

و الصنف الثاني: القضاة و الحكّام، لاستعلام ما يثبت عندهم من الحقوق و معرفة ما يجري في مجالسهم بين الخصوم.

و الصنف الثالث: الفقهاء، ليرجع إليهم فيما أشكل.

و الصنف الرابع: الكتّاب، ليثبتوا ما جرى بين الخصوم.

و الصنف الخامس: الشهود، ليشهدهم على ما أوجبه من حقّ و أمضاه من حكم.

و الذي يختصّ بنظر المظالم يشتمل على عشرة أقسام:

فالقسم الأوّل: النظر في تعدّي الولاة على الرعيّة و أخذهم بالعسف في السيرة.

فهذا من لوازم النظر في المظالم الذي لا يقف على ظلامة متظلّم، فيكون لسيرة

______________________________

(1)- في نهاية ابن الأثير 3/ 456 في لغة فضل: «و فيه «شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت.» يعني حلف الفضول، سميّ به تشبيها

بحلف كان قديما بمكّة أيّام جرهم على التناصف و الأخذ للضعيف من القوي، و للغريب من القاطن، قام به رجال من جرهم كلّهم يسمى الفضل، منهم الفضل بن الحارث، و الفضل بن وداعة، و الفضل بن فضالة.»

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 208

الولاة متصفّحا و عن أحوالهم مستكشفا ليقويهم إن أنصفوا و يكفهم إن عسفوا، و يستبدل بهم إن لم ينصفوا ...

و القسم الثاني: جور العمّال فيما يجبونه من الأموال، فيرجع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمّة فيحمل الناس عليها و يأخذ العمّال بها و ينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه إلى بيت المال أمر بردّه و إن أخذوه لأنفسهم استرجعه لأربابه ...

و القسم الثالث: كتّاب الدواوين، لأنّهم أمناء المسلمين على ثبوت أموالهم فيما يستوفونه له و يوفونه منه، فيتصفّح أحوال ما وكّل إليهم فإن عدلوا بحقّ من دخل أو خرج إلى زيادة أو نقصان أعاده إلى قوانينه و قابل على تجاوزه ...

و هذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج والي المظالم في تصفّحها إلى متظلّم.

و القسم الرابع: تظلّم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخّرها عنهم و إجحاف النظر بهم، فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل فيجريهم عليه و ينظر فيما نقصوه أو منعوه من قبل فإن أخذه ولاة أمورهم استرجعه منهم، و إن لم يأخذوه قضاه من بيت المال.

كتب بعض ولاة الأجناد إلى المأمون أنّ الجند شعبوا و نهبوا. فكتب إليه: لو عدلت لم يشعبوا و لو وفيت لم ينهبوا، و عزله عنهم، و أدرّ عليهم أرزاقهم.

و القسم الخامس: ردّ الغصوب، و هي ضربان:

أحدهما: غصوب سلطانية قد تغلب عليها ولاة الجور كالأملاك المقبوضة عن أربابها إمّا لرغبة فيها و إمّا

لتعدّ على أهلها. فهذا إن علم به والي المظالم عند تصفّح الأمور أمر بردّه قبل التظلّم إليه، و إن لم يعلم به فهو موقوف على تظلّم أربابه ...

و الضرب الثاني من الغصوب ما تغلب عليها ذوو الأيدي القويّة و تصرّفوا فيه تصرّف الملّاك بالقهر و الغلبة. فهذا موقوف على تظلّم أربابه و لا ينتزع من يد غاصبه إلّا بأحد أربعة أمور: و إمّا باعتراف الغاصب، و إمّا بعلم والي المظالم، و إمّا ببيّنة تشهد على الغاصب و إمّا بتظاهر الأخبار الذي ينفي عنها التواطؤ.

و القسم السادس: مشارفة الوقوف، و هي ضربان: عامة و خاصة، فأمّا العامّة فيبدأ بتصفّحها و إن لم يكن فيها متظلّم ليجريها على سبيلها و يمضيها على شروط

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 209

واقفها ... و أمّا الوقوف الخاصّة فإنّ نظره فيها موقوف على تظلّم أهلها عند التنازع فيها لوقفها على خصوم متعيّنين ...

و القسم السابع: تنفيذ ما وقف القضاة من أحكامها، لضعفهم عن إنفاذها و عجزهم عن المحكوم عليه لتعزّزه و قوّة يده أو لعلوّ قدره و عظم خطره ...

و القسم الثامن: النظر فيما عجز عنه الناظرون من الحسبة في المصالح العامّة، كالمجاهرة بمنكر ضعف عن دفعه و التعدّي في طريق عجز عن منعه و التحيّف في حقّ لم يقدر على ردّه ...

و القسم التاسع: مراعاة العبادات الظاهرة، كالجمع و الأعياد و الحجّ و الجهاد من تقصير فيها و إخلال بشروطها، فإنّ حقوق اللّه أولى أن تستوفى و فروضه أحقّ أن تؤدّى.

و القسم العاشر: النظر بين المتشاجرين و الحكم بين المتنازعين، فلا يخرج في النظر بينهم عن موجب الحقّ و مقتضاه. و لا يسوغ أن

يحكم بينهم إلّا بما يحكم به الحكّام و القضاة، و ربّما اشتبه حكم المظالم على الناظرين فيها فيجورون في أحكامها و يخرجون إلى الحدّ الذي لا يسوغ فيها.

و الفرق بين نظر المظالم و نظر القضاة من عشرة أوجه:

أحدها: أنّ لناظر المظالم من فضل الهيبة و قوة اليد ما ليس للقضاة.

و الثاني: أنّ نظر المظالم يخرج من ضيق الوجوب إلى سعة الجواز، فيكون الناظر فيه أفسح مجالا و أوسع مقالا.

و الثالث: أنّه يستعمل من فضل الإرهاب و كشف الأسباب بالأمارات الدّالة و شواهد الأحوال ما يضيق على الحكّام، فيصل به إلى ظهور الحقّ و معرفة المبطل من المحقّ.

و الرابع: أن يقابل من ظهر ظلمه بالتأديب.

و الخامس: أنّ له من التأنّي في ترداد الخصوم عند اشتباه أمورهم ما ليس للحكّام إذا سألهم أحد الخصمين فصل الحكم.

و السادس: أنّ له ردّ الخصوم إذا أعضلوا إلى وساطة الأمناء ليفصلوا التنازع بينهم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 210

صلحا عن تراض، و ليس للقاضي ذلك إلّا عن رضى الخصمين بالردّ.

و السابع: أن يفسح في ملازمة الخصمين إذا وضحت أمارات التّجاحد و يأذن في إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفّل لينقاد الخصوم إلى التناصف.

و الثامن: أنه يسمع من شهادات المستورين ما يخرج عن عرف القضاة في شهادة المعدلين.

و التاسع: أنّه يجوز له إحلاف الشهود عند ارتيابه بهم إذا بذلوا أيمانهم طوعا و يستكثر من عددهم ليزول عنه الشك، و ليس ذلك للحاكم.

و العاشر: أنّه يجوز أن يبتدئ باستدعاء الشهود و يسألهم عمّا عندهم في تنازع الخصوم، و عادة القضاة تكليف المدّعى إحضار البيّنة.

فهذه عشرة أوجه يقع بها الفرق بين نظر المظالم و نظر القضاء في التشاجر و التنازع، و هما فيما عداهما متساويان.» «1»

انتهى ما

أردنا نقله من كلام الماوردي، و نحو ذلك في كلام أبي يعلى، فراجع «2».

[كلام المؤلف في ذلك]

أقول: يظهر لك بالتأمّل في التكاليف العشر التي ذكرها الماوردي و أبو يعلى في البحث السابق لولاية القضاء و التكاليف العشر التي ذكراها هنا لولاية المظالم، و بالمقايسة بين التكاليف في البابين أنّ ولاية المظالم عندهم كأنّها كانت مرتبة عالية لولاية القضاء امتزج فيها كما قال الماوردي قوّة السلطنة بنصف القضاء، و كانت تفترق عن القضاء العادي بالقوّة و الشوكة الكثيرة، و كلتاهما كانتا من شئون الولاية الكبرى.

و ربّما كان الوالي الأعظم بنفسه يتصدّى لهما، كما نراه من تصدّى رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» كثيرا لكليهما. و أنت إذا تتبّعت كلمات أمير المؤمنين «ع» في خطبه و في كتبه إلى عمّاله تجد عنايته و اهتمامه كثيرا إلى ردّ المظالم و إحقاق الحقوق من قبل نفس الوالي، حيث إنّه بقدرته و قوّته يكون أقدر على

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 77- 84.

(2)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 73- 79.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 211

ذلك من كلّ أحد:

1- فهو «ع» بعد تصدّيه للخلافة ردّ على المسلمين ما أقطعه عثمان من أموالهم، و قال: «و اللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء و ملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة.» «1»

2- و قال «ع» في كتابه لمالك: «و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك و تجلس لهم مجلسا عامّا، فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول في غير موطن: «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها

حقّه من القوي غير متتعتع.» «2»

3- و قال أيضا: «ثمّ إنّ للوالي خاصّة و بطانة فيهم استئثار و تطاول، و قلّة إنصاف في معاملة، فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال، و لا تقطعنّ لأحد من حاشيتك و حامّتك قطيعة، و لا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مئونته على غيرهم، فيكون مهنأ ذلك لهم دونك و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة.

و ألزم الحقّ من لزمه من القريب و البعيد. و كن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك و خاصّتك حيث وقع.» «3»

و أنت تعلم أنّ أكثر المظالم الكبيرة تقع من خاصّة السلاطين و عمّا لهم بالاستناد إليه و القرب منه.

4- و قال في ضمن كتاب كتبه إلى بعض عمّاله حين اختطف بعض ما كان في يده من أموال المسلمين: «و اللّه لو أنّ الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة و لا ظفرا منّي بإرادة حتّى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما.» «4»

إلى غير ذلك من الكلمات، و راجع في ذلك الفصل الثالث أيضا.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 66؛ عبده 1/ 42؛ لح/ 57، الخطبة 15.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1021؛ عبده 3/ 112؛ لح/ 439، الكتاب 53.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1025؛ عبده 3/ 115؛ لح/ 441، الكتاب 53.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 957؛ عبده 3/ 74؛ لح/ 414، الكتاب 41.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 213

الفصل الخامس في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إدارة الحسبة

اشارة

و المقصود هنا التعرض لهما و لشروطهما إجمالا، و بيان أنّ لهما مراتب: بعضها من الوظائف العامة الواجبة على كلّ مسلم بنحو الوجوب العيني على

ما قيل أو الكفائي على الأصحّ، و بعض مراتبها ممّا لا يتمكّن منه كلّ أحد بل لا يجوز له التصدّي له، و يكون من شئون الحكومة الإسلاميّة و السلطة التنفيذيّة و لا يجوز للأشخاص التصدّي لها إلّا بإذن الحاكم.

و قد اصطلحوا على تسمية المؤسّسة المفوّض إليها هذه الوظيفة بإدارة الحسبة، و الشخص المسؤول عنها بالمحتسب.

فنقول: في المسألة جهات من البحث:

الجهة الأولى: في انّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أهمّ الفرائض الشرعيّة،

بل يحكم بوجوبهما العقل أيضا:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 214

اعلم أنّهما من أهم الفرائض التي حثّ عليها الكتاب و السنّة، و عليهما يبتنى بقاء أساس الدّين و استمرار الرسالة الإلهية و حفظ نظام المسلمين و كيانهم.

و لعلّ الاهتمام بهما من خصائص الشريعة الإسلامية التى شرّعت لكافّة الناس و تكون باقية طوال القرون و الأعصار إلى يوم القيامة، فجعلت كلّ واحد ممّن آمن بها مسئولا إجمالا عن بسطها و نشرها و حفظها.

و السرّ في ذلك أنّ الفرد من أفراد المجتمع ليس منعزلا عن غيره منفردا في المسير و المصير، بل الإنسان مدنيّ بالطبع و يتأثّر بعضه ببعض في العقائد و الأخلاق و الأعمال بلا إشكال، كما هو المشاهد في جميع الأجيال و الأمم. و انحراف الفرد كما يضرّ بشخصه يضرّ بالمجتمع أيضا، فيحكم العقل بلزوم الرقابة العامة و حفظ المجتمع عن الفساد مهما أمكن، و الشرع أيضا أوجب ذلك و جعلها من أهم الفرائض.

فكما أنّه لو أصيب أحد من أفراد المجتمع بمرض جسماني معدّ كالوباء و الطاعون و نحوهما يعالج فورا بإعدام الجراثيم حذرا من السراية و الشيوع في الأفراد و العائلات و يحكم العقل بحسن ذلك بل بلزومه أيضا، فكذلك الأمراض الروحيّة و التخلّفات الأخلاقيّة لو لم يقف المجتمع

في وجهها و لم يجاهد في قبالها لشاعت و أوجبت في النهاية سقوط المجتمع و فساده.

فعلى الأمّة الإسلاميّة و لا سيّما على إمامها و ممثّلها أن تراقب بجميع طاقاتها ما يقع خلال المجتمع و أن تساعد على بسط المعروف و نموّ الخير و ازدهاره و على قلع جذور الشرّ و إنكاره.

و قد بلغت هذه الفريضة من الأهميّة حدّا جعلها أمير المؤمنين «ع» فوق الجهاد و سائر أعمال البرّ بمراتب: ففي نهج البلاغة قال: «و ما أعمال البرّ كلّها و الجهاد في سبيل اللّه عند الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لجيّ.» «1»

و السرّ في ذلك أن قوام جميع الفرائض و بقاءها بحدودها و شروطها رهين بإقامة

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1263؛ عبده 3/ 244؛ لح/ 542، الحكمة 374.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 215

هذه الفريضة. مضافا إلى أن الجهاد كفاح خارجي، و لا أثر له و لا أهميّة ما لم يصلح الداخل، فالواجب أوّلا تطهير الداخل و إصلاحه ثمّ الإقدام على إصلاح الخارج، فتأمّل.

الجهة الثانية: في أنّ للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر درجات و مراتب:

لا يخفى أنّ الفريضتين ببعض مراتبهما ممّا يتمكّن منه كلّ مسلم عارف بأحكام الإسلام و ضروريّاته، فيستوي فيه الحاكم و غيره و المحتسب و غيره. و ذلك كالإنكار بالقلب و باللسان، فيجب على جميع الناس و منهم الولاة فعل ذلك و إعانة من يفعله، و يبدأ في الإنكار بالأسهل، فإن زال المنكر فهو، و إلّا أغلظ. فإن توقّف على الضرب و الجراح فهل يجوز لكلّ أحد التصدّي له و يجب عليه، أو يكون من شئون الإمام أو من نصبه لذلك و لا يجوز التصدّي له إلّا بإذن الحاكم؟ في المسألة قولان:

قال الشيخ

في النهاية:

«الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فرضان من فرائض الإسلام، و هما فرضان على الأعيان، لا يسع أحدا تركهما و الإخلال بهما.

و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يجبان بالقلب و اللسان و اليد إذا تمكن المكلّف من ذلك و علم أنّه لا يؤدّي إلى ضرر عليه و لا على أحد من المؤمنين لا في الحال و لا في مستقبل الأوقات، أو ظنّ ذلك ... و قد يكون الأمر بالمعروف باليد بأن يحمل الناس على ذلك بالتأديب و الردع و قتل النفوس و ضرب من الجراحات إلّا أنّ هذا الضرب لا يجب فعله إلّا بإذن سلطان الوقت المنصوب للرئاسة. فإن فقد الإذن من جهته اقتصر على الأنواع التي ذكرناها.

و إنكار المنكر يكون بالأنواع الثلاثة التي ذكرناها، فأمّا باليد فهو أن يؤدّب فاعله بضرب من التأديب: إمّا الجراح أو الألم أو الضرب، غير أنّ ذلك مشروط

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 216

بالإذن من جهة السلطان حسب ما قدمناه. فمتى فقد الإذن من جهته اقتصر على الإنكار باللسان و القلب ...

فأمّا إقامة الحدود فليس يجوز لأحد إقامتها إلّا لسلطان الزمان المنصوب من قبل اللّه- تعالى- أو من نصبه الإمام لإقامتها، و لا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال.» «1»

و قال المحقّق في الشرائع:

«و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان إجماعا، و وجوبهما على الكفاية يسقط بقيام من فيه كفاية. و قيل: بل على الأعيان، و هو أشبه ... و لو لم يرتفع إلّا باليد مثل الضرب و ما شابهه جاز.

و لو افتقر إلى الجراح أو القتل هل يجب؟ قيل: نعم. و قيل: لا إلّا بإذن الإمام، و هو الأظهر.»

«2»

فالشيخ و المحقّق أفتيا باشتراط الجراح بإذن الإمام. نعم، اختلفا فيما اشتمل على الضرب فقط كما لا يخفى. و لعلّ الحقّ مع المحقّق في الضرب القليل غير المبرّح إذا مسّت الحاجة إليه، لاستقرار السيرة و إطلاق الأدلّة.

و قال العلّامة في المختلف ما ملخّصه:

«لو افتقر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلى ضرب من التأديب و الإيلام و الإضرار به و الجراح و إتلاف نفسه قال الشيخ في الاقتصاد: الظاهر من مذهب شيوخنا الإماميّة أنّ هذا الجنس من الإنكار لا يكون إلّا للأئمّة أو لمن يأذن له الإمام.»

ثمّ قال:

«و كان المرتضى يخالف في ذلك و يقول: يجوز ذلك بغير إذنه. و الشيخ وافق المرتضى في كتاب التبيان، و في النهاية قال بقوله في الاقتصاد. و قال سلّار: و أمّا القتل و الجراح في الإنكار فإلى السلطان و من يأمره. و أبو الصلاح لم يشترط السلطان في

______________________________

(1)- النهاية/ 299.

(2)- الشرائع 1/ 341 و 343.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 217

ذلك و به قال ابن إدريس. و ابن البرّاج اشترط إذن الإمام. و الأقرب ما قاله السيّد.» «1»

أقول: و يستدلّ للقول بعدم الاشتراط بأنّهما واجبان لمصلحة العالم، فلا يتوقّفان على شرط كغيرهما من المصالح، و بأنّهما واجبان على النبيّ «ص» و الإمام «ع» فيجبان علينا أيضا لوجوب التأسّي.

و بإطلاق الآيات و الروايات الواردة في الباب و لا سيّما ما اشتمل منها على الوجوب و لو ببسط اليد و صكّ الجباه:

ففي خبر جابر، عن أبي جعفر «ع»: «فأنكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم.» «2»

و في خبر يحيى الطويل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ما جعل اللّه بسط اللسان

و كفّ اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا.» «3»

و في نهج البلاغة: «و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى.» «4»

و فيه أيضا: «فمنهم المنكر للمنكر بقلبه و لسانه و يده، فذلك المستكمل لخصال الخير.» «5»

و في تفسير الإمام العسكري «ع»: «من رأى منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع.» «6»

و يرد على الوجه الأوّل أنّ وجوبهما لمصلحة العالم لا ينافي اشتراطهما بإذن الإمام

______________________________

(1)- المختلف 1/ 339.

(1)- الوسائل 11/ 403، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 404، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(3)- الوسائل 11/ 404، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8.

(4)- الوسائل 11/ 405، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8.

(5)- الوسائل 11/ 406، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 9.

(6)- الوسائل 11/ 407، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 218

حذرا من الهرج و المرج و اختلال النظام، فلعلّ المفسدة المترتبة عليهما حينئذ أقوى.

و يرد على الثاني أنّ التأسّي إنّما يجب في الأحكام العامّة لا في الوظائف الخاصّة، و الحكومة و شئونها من الوظائف الخاصّة، اللّهم إلّا أن يقال إنّه يجب الأخذ بإطلاق قوله: «لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» «1» ما لم يقم دليل على الاختصاص.

و أمّا الروايات المذكورة فخبر جابر ضعيف بوجوه، و يحيى الطويل مجهول اللّهم إلّا أن يجبر ذلك بكون الراوي عنه ابن أبي عمير، و عبارتا نهج البلاغة لا تنفيان الاشتراط، إذ ليستا في مقام البيان من

هذه الجهة، نظير ما ورد في فضل الحج و الصلاة، حيث لا يستفاد منهما عدم اشتراط الوجوب أو الواجب بشي ء. هذا مضافا إلى أن إلقاء الخطبة الأولى كان في صفين لتحريض شيعته على القتال، و واضح أنّ قتالهم كان تحت لوائه «ع» و بأمره، فتأمّل إذ الإنصاف أنّ إطلاق الروايات و آية التأسّي ممّا يمكن التمسّك بهما لعدم الاشتراط.

و يمكن أن يستدلّ للاشتراط، بوجوب عصمة النفوس و حرمة إراقة الدماء و التصرّف في سلطة الغير إلّا بالمقدار المتيقّن جوازه.

و بأنّ الضرب و الجراح يتوقّفان على القدرة و السلطة.

و بأنّه لا يتيسّر لكلّ فرد فرد تشخيص الموارد و الشروط و الظروف المناسبة و إنّما يتيسّر ذلك لمن له إحاطة بالمجتمع و علاقاته و إمكاناته.

و بأنّ تصدّي كلّ فرد فرد لذلك يوجب اختلال النظام غالبا، حيث إنّ الضرب و الإيلام إذا لم يكونا على أساس القدرة و السلطة الخارجية يستعقبان غالبا ردّ الفعل و المقاومة من الطرف فيقع النزاع و الكفاح و الهرج و المرج و في النهاية يختلّ النظام قهرا.

و لأجل ذلك كلّه أيضا جعلت إقامة الحدود الشرعيّة و التعزيرات المعيّنة من

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 219

شئون الحاكم، و ليس لكلّ أحد التصدّي لها و إن كان عالما بالمسائل و الأحكام:

ففي خبر حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع»: من يقيم الحدود:

السلطان أو القاضي؟ فقال: «إقامة الحدود إلى من إليه الحكم.» «1» هذا.

و لا يخفى أنّ الاحتياط في باب الدماء و قاعدة السلطنة يقتضيان العمل بالاشتراط. اللّهمّ إلّا إذا لم نتمكّن من الوصول إلى الإمام و توقّف حفظ بيضة الإسلام و كيان

المسلمين على الإقدام، فإنّ الدفاع عنهما لا يشترط فيه إذن الإمام بلا إشكال، فتدبّر.

نعم، هنا شي ء يجب التّنبيه عليه، و هو أنّ ظاهر الشيخ و المحقّق و غيرهما كون إذن الإمام شرطا للوجوب، نظير اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة، فلا يجب تحصيل الشرط، إذ الشرط للوجوب بمنزلة الموضوع له و الحكم متأخّر رتبة عن موضوعه، فلا يعقل تأثيره في إيجابه.

و لكن سبق منا في الباب الثالث عند التعرّض الإجمالي لمسألة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استظهار كون الوجود مشروطا بالإذن لا الوجوب، نظير اشتراط وجود الصلاة بالطهارة. فالوجوب مطلق و الواجب مشروط بإذن الإمام و كونه تحت إشرافه و نظره حذرا من الهرج و اختلال النظام.

و على هذا فيجب على كلّ مسلم السعي في بسط المعروف و إشاعته و قطع جذور المنكر و الفساد و السعي في إقامة الحدود الإلهيّة بقدر المكنة و القدرة.

غاية الأمر أنّ وجود العمل فيما إذا استلزم الجراح مشروط بإذن الحاكم فيجب الاستيذان منه و إيقاع العمل تحت إشراف حكمه لئلّا يلزم الهرج و المرج و الاختلال.

و لو فرض ضعف الحكومة و قلّة أعوانها وجب إعانتها و مساعدتها في بسط المعروف و دفع المنكر. و لو فرض عدم وجود الحكومة الحقّة العادلة وجب على الجميع

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 338، الباب 28 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 220

السعي لتحقيقها لذلك و لو بتشكيل دويلة صغيرة في منطقة معيّنة، كما يشهد بذلك صحيحة زرارة التي جعل فيها الولاية أفضل الخمسة التي بني عليها الإسلام لكونها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن «1».

فلا يجوز للمسلمين أن يقعدوا في بيوتهم و لا يبالوا بما

يقع في مجتمعهم من الفحشاء و الفساد و إراقة الدماء و غصب الأموال و هتك النواميس و هضم الكفّار و الصهاينة لحقوق المسلمين و المستضعفين بعذر أنّ رفع هذه المفاسد كلّها من وظائف الحاكم.

و لذا قلنا في محلّه بأنّ أدلّة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بإطلاقها و بمفهومهما الوسيع من أقوى الأدلّة على وجوب تأسيس الحكومة العادلة و الدولة الحقّة، فراجع ما حررناه هناك.

الجهة الثالثة: في أنّه هل يكون وجوبهما على الأعيان أو على الكفاية؟
[كلمات الأصحاب]

قد مرّ من نهاية الشيخ أنّهما فرضان على الأعيان.

و قال في الاقتصاد:

«و اختلفوا في كيفية وجوبه: فقال الأكثر إنّهما من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط من الباقين. و قال قوم: هما من فروض الأعيان، و هو الأقوى عندي لعموم آي القرآن و الأخبار.» «2»

و في الشرائع أفتى أولا بوجوبهما على الكفاية، ثمّ جعل وجوبهما على الأعيان أشبه، أي أشبه بالقواعد و الإطلاقات «3».

و حكى في الجواهر عن السيّد و الحلبي و القاضي و الحلّي و الفاضل و الشهيدين

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 2.

(2)- الاقتصاد/ 147. فصل في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(3)- الشرائع 1/ 341.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 221

و جمع آخر وجوبهما على الكفاية، و عن الشيخ و ابن حمزة و فخر الإسلام و بعض آخر وجوبهما على الأعيان «1». هذا.

و حكى في المختلف عن السيّد المرتضى أنّه احتجّ للكفاية:

«بأنّ المطلوب في نظر الشرع تحصيل المعروف و ارتفاع المنكر، و لم يتعلّق غرضه من مباشر بعينه فيكون واجبا على الكفاية «2».

قال العلامة:

«و الأقرب قول السيّد، و هو اختيار أبي الصلاح و ابن إدريس.» «2»

أقول: و الظاهر أن الحقّ مع هؤلاء لما ذكره السيّد

من الدليل.

فإن قلت: إنّ لكلّ كلام تأثيرا خاصّا في النفوس، فلعلّ الفاعل للمنكر لا يرتدع بنهي هذا و يرتدع بنهي ذاك، أو لعلّه لا يرتدع بنهي واحد و يرتدع بنهي جماعة، فما دام المنكر باقيا يجب على كلّ من اطّلع عليه النهي عنه. و ظاهر الآيات و الروايات أيضا هو العينيّة، بل هي الأصل في الوجوب على ما قيل.

قلت: نحن نفرض قيام أشخاص بالنهي بمقدار نقطع بكفايته في ارتداع الطرف لو كان ممّن يرتدع، بحيث لا يكون أثر لما زاد قطعا، فهل يجب مع ذلك شركة البقية في عرض هؤلاء مع العلم بأنّ الغرض يحصل بدونهم؟ لا أظنّ أنّ أحدا يلتزم بذلك، فالوجوب كفائي بلا إشكال، و ظاهر الآيات و الروايات إنّما يؤخذ به ما لم يظهر الخلاف. هذا.

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 359.

(2)- المختلف 1/ 338.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 222

تصوير الوجوب الكفائي:

و قد ناسب هنا أن نتعرّض إجمالا لماهيّة الوجوب الكفائي، و الفرق بينه و بين العيني و ما يقتضيه الإطلاق منهما ليتّضح حكم المقام أيضا، فنقول: قال في الكفاية:

«و التحقيق أنّه سنخ من الوجوب و له تعلّق بكلّ واحد بحيث لو أخلّ بامتثاله الكلّ لعوقبوا على مخالفته جميعا، و إن سقط عنهم لو أتى به بعضهم.» «1»

أقول: لا يخفى أنّ ما ذكره- قدّس سرّه- تعريف له بلحاظ الخاصّة و الأثر لا بلحاظ الماهيّة.

و قال في موضع آخر:

«قضيّة إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا، لكون كلّ واحد ممّا يقابلها يكون فيه تقيّد الوجوب و تضيّق دائرته، فإذا كان في مقام البيان و لم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضي كونه مطلقا، وجب هناك شي ء آخر أولا، أتى بشي ء آخر أولا،

أتى به آخر أولا.» «2»

و ظاهر هذا الكلام أنّ العيني و الكفائي بعد اشتراكهما في توجّه الخطاب إلى الجميع يفترقان بأنّ الوجوب في العيني مطلق و في الكفائي مشروط بعدم إتيان الغير، فإن أتى به البعض لم يجب على الآخرين، و إن لم يأت به أحد وجب على الجميع لوجود شرطه في الجميع.

و قال السيّد الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- ما محصّله بتوضيح منّا:

______________________________

(1)- كفاية الأصول 1/ 228.

(2)- كفاية الأصول 1/ 116.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 223

«إنّ الفرق بينهما عند القوم يكون في ناحية المكلّف، بتقريب أنّ المكلّف في العيني هو جميع الأفراد بنحو العموم الاستغراقي، فيكون كلّ فرد مكلّفا بالاستقلال. و أمّا في الكفائي فعند البعض هو المجموع من حيث المجموع، و عند آخرين أحد الأفراد.

و يرد على الأوّل أنّ المجموع من حيث المجموع أمر اعتباريّ لا حقيقة له، فلا يتصوّر تكليفه. و على الثاني أنّ أحد الأفراد إن أريد مفهومه ففيه أنّه غير قابل للتكليف، و إن أريد به مصداقه أعني الفرد المردد خارجا ففيه أنّه لا خارجية له حتّى يتوجّه إليه البعث.

فالتحقيق أن الوجوب له ثلاث إضافات: إضافة إلى الطالب، و إضافة إلى المطلوب، و إضافة إلى المطلوب منه. و الفرق بين العيني و الكفائي ليس في المكلف و المطلوب منه كما يظهر من القوم، و لا في إطلاق الوجوب و اشتراطه كما في الكفاية. بل الفرق بينهما بعد اشتراكهما في كون كلّ فرد مكلّفا مستقلا إنّما يكون في المطلوب و المكلّف به. فالمطلوب في الوجوب الكفائيّ هو نفس طبيعة الفعل بإطلاقها الذاتي، و في العيني طبيعة الفعل بقيد صدورها من هذا الفاعل الخاصّ.

و

السرّ في ذلك أنّ الأوامر تابعة للمصالح و الأغراض، فإن كانت المصلحة في صدور الفعل عن كلّ واحد من المكلّفين بحيث تترتّب المصلحة على الفعل بقيد صدوره عن الفاعل الخاصّ كما في الأمر الصلاتي حيث إنّ تكامل الشخص و ارتداعه عن الفحشاء و المنكر يترتبان على صلاة نفسه فحينئذ يكون الوجوب عينيا.

و إن كانت المصلحة في مجرد تحقق طبيعة الفعل في الخارج من غير دخالة لصدورها عن فاعل خاصّ كما في دفن الميت و تجهيزه فحينئذ يتعلّق التكليف بنفس الطبيعة بإطلاقها الذاتي و يكون الواجب كفائيا، إذ تقييدها بقيد صدورها من الشخص يكون جزافا.

و حيث إنّ كلّ واحد من المكلفين قادر على تحصيل هذه الطبيعة المطلقة أمر المولى كلّ واحد منهم بذلك، فإذا حصلت في الخارج سقط جميع الأوامر قهرا بحصول متعلّقها، و إن عصى الجميع عوقبوا جميعا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 224

و الحاصل أنّ الفرق بين العيني و الكفائي لا يرجع إلى المكلّف، بل إلى المكلّف به.

و المكلّف به في الكفائي مطلق الطبيعة، و في العيني الطبيعة بقيد صدورها من الفاعل الخاصّ. و على هذا فإطلاق المتعلّق يقتضي الكفائيّة. نعم، لا ننكر أن توجه الخطاب و التكليف يوجب الانصراف إلى العينية، فتدبر.» «1»

انتهى ما أردنا نقله من كلام السيد الأستاذ- قدّس سرّه- و إن شئت التفصيل فراجع ما قرّرناه من أبحاثه في كتاب نهاية الأصول المطبوع سابقا.

و الظاهر أنّ ما ذكره حقّ لا مرية فيه.

نعم، ما ذكره من عدم إمكان توجّه التكليف إلى المجموع من حيث المجموع قابل للخدشة، إذ الظاهر أنّ الواجبات الاجتماعيّة و الحدود الإلهية كلّها وضعت على عاتق المجتمع بنحو العام المجموعي، غاية الأمر أنّ

المتصدّي لامتثالها هو قيّم المجتمع و ممثله، أعني الإمام و الحاكم كما فصّلنا في بعض المباحث السابقة.

و لكنّ الظاهر أنّ الواجبات الكفائيّة ليست من هذا القبيل، فتأمّل. إذ من الممكن إرجاع الواجبات الاجتماعيّة أيضا إلى الكفائيّة، و إن كان الواجب مباشرة الإمام و عمّاله لتنفيذها. فالواجب على الأمّة كفاية هو تحصيل الحكومة و تأييدها و مساعدتها، و الواجب على الحاكم تنفيذ الواجبات الاجتماعيّة كإجراء الحدود و نحوها، فتدبّر.

الجهة الرابعة: في ذكر بعض الآيات و الروايات الواردة في المسألة:
اشارة

لا يخفى أنّ الآيات و الروايات الواردة في المسألة أيضا على طائفتين، يستفاد من بعضها كون الفريضة فريضة عامّة كلّف بها كلّ مسلم و من بعضها كونها فريضة خاصّة أعني كونها من شئون الحكومة.

______________________________

(1)- نهاية الأصول 1/ 210 و 211.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 225

و محصّل الجمع بينهما أنّ العمل بهذه الفريضة كغيرها من الفرائض يتوقّف على العلم و القدرة. فمثل الإنكار بالقلب و الإرشاد باللسان في الأحكام الواضحة الضروريّة ممّا يقدر عليه كلّ مسلم، و أمّا الضرب و الجرح بل و بعض مراتب الإرشاد باللسان في بعض الأحيان فهي ممّا لا يقدر عليه كل فرد أو لا يخلو صدوره عنه من ضرر كما مرّ، فيكون على عاتق الحاكم المتسلّط و أياديه قهرا. نعم، يجب على الأمّة تأييده و مساعدته، بل و السعي لتحقيق الحكومة الحقّة أيضا كما مرّت الإشارة إليه. فلنذكر بعض آيات المسألة و رواياتها:

[الطائفة الأولى من الآيات ما دلّت على كونها فريضة عامة]

1- فمن الطائفة الأولى قوله- تعالى-: «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ يُطِيعُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ. أُولٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّٰهُ، إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» «1»

فالحكم في الآية عامّ لكلّ مؤمن و مؤمنة. و قد صرّح بخصوص المؤمنات أيضا ليكون نصّا في التعميم. و الظاهر من الولاية هو سلطة الشخص و أولويّته. فاللّه- تعالى- بولايته العامّة على عباده جعل لكلّ مؤمن و مؤمنة حقّ الولاية و السلطة على غيره ليكون له حقّ الأمر و النهي، غاية الأمر أنّ الولاية لها مراتب و الولاية هنا محدودة بمقدار جواز الأمر و النهي.

لا يقال: الأمر و النهي في باب الأمر بالمعروف و النهي

عن المنكر إرشاديّان لكونهما إرشادا إلى إطاعة أمر اللّه و نهيه، نظير أوامر الفقيه في مقام بيان الأحكام، فلا يتوقّفان على ثبوت الولاية و السلطة الشرعية.

فإنه يقال: لا نسلم ذلك و إن زعمه بعض، بل الظاهر من الأدلّة وجوب الأمر و النهي المولويّين تأكيدا لأمر اللّه و نهيه، نظير أمر الوالدين مولويّا بشي ء أمر اللّه به قبلهما فيكون التخلّف معصية للّه و للوالدين معا. و بالجملة، سبق أمر اللّه و نهيه

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 71.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 226

بالشي ء لا يدلّ على كونهما إرشاديّين، و ظاهر الأمر و النهي و الأصل فيهما هو المولويّة، فتأمّل.

2- و قال: «التّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ الْحٰامِدُونَ السّٰائِحُونَ الرّٰاكِعُونَ السّٰاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّٰاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحٰافِظُونَ لِحُدُودِ اللّٰهِ، وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.» «1»

فالموضوع في الآية جميع المؤمنين كما يظهر من الآية التي قبلها، أعني قوله: «إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.»

3- و قال: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ.

وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتٰابِ لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ، مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَكْثَرُهُمُ الْفٰاسِقُونَ.» «2»

و الظاهر أنّ الخطاب للمسلمين، و المراد بالناس جميع الناس من المسلمين و غيرهم. و الإخراج: الخلق و الإظهار، كقوله- تعالى-: «أَخْرَجَ الْمَرْعىٰ.» فيكون المراد- و اللّه اعلم- أنّ المسلمين بما هم مسلمون خير أمّة خلقت و أخرجت لنفع المجتمعات البشرية، و ملاك خيريّتهم بسطهم للمعروف و ردعهم عن المنكرات و إصلاح المجتمعات. و في المجمع عن النبيّ «ص»: «أنتم و فيتم سبعين أمّة، أنتم خيرها و أكرمها على اللّه.» «3»

و أمّا ما في الدر المنثور: «أخرج

ابن أبي حاتم، عن أبي جعفر «ع»: كنتم خير أمّة أخرجت للناس، قال: أهل بيت النبيّ «ص»» «4» فلا محالة يكون من الجري و التطبيق، حيث إنّهم «ع» المصاديق الكاملة من هذه الأمّة.

و الفعل في قوله: «كنتم» قيل بكونه زائدا جي ء به للتأكيد. و قيل إنّ المراد:

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 112.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 110.

(3)- مجمع البيان 1/ 486 (الجزء 2)؛ و روى نحوه في الدر المنثور 2/ 64، حيث قال: قال النبي «ص»: «إنكم تتمون سبعين أمّة، أنتم خيرها و أكرمها على اللّه.» و لكن في المجمع طبعة صيدا- سنة 1333-: «أنتم زينتم ستين أمّة» بدل «أنتم وفيتم سبعين أمّة».

(4)- الدر المنثور 2/ 64.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 227

كنتم خير أمّة عند اللّه في اللوح المحفوظ أو مبشر بها في الكتب الماضية.

فهذه ثلاث آيات ظاهرة في كون الفريضة فريضة عامّة على حدّ سائر الفرائض.

[الطائفة الثانية من الآيات ما دلّت على كونها فريضة خاصّة]

4- و من الطائفة الثانية قوله- تعالى-: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.» «1»

قيل: إنّ سياق الآية يدلّ على كون الوجوب كفائيا.

أقول: الظاهر أنّ الخطاب في الآية لمّا كان موجّها إلى جميع المسلمين كان المستفاد منه أنّه يجب على الجميع السعي في تمحيض جماعة خاصّة لهذا الشأن، و هذا يؤيد ما قدّمناه من أنّ تأسيس الدولة الحقّة وظيفة عامّة خوطب بها الجميع و إن كانت إدارة شئون الحكومة و منها بعض مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وظيفة خاصّة، فتدبّر. هذا.

و يحتمل في قوله: «كنتم خير أمّة أخرجت للناس» الواقع بحسب الترتيب بعد هذه الآية أيضا إرادة أمّة

خاصّة شأنها الأمر و النهي لا جميع المؤمنين. و يؤيّد ذلك وحدة السياق و بعض الروايات الواردة في تفسير الآية و تطبيقها على الأئمة «ع».

5- و من الآيات الظاهرة في الوظيفة الخاصّة أيضا قوله- تعالى-: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلّٰهِ عٰاقِبَةُ الْأُمُورِ.» «2»

فيكون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر المذكوران في الآية من النوع الذي يتوقّف على السلطة و التمكّن في الأرض. و يشهد لذلك وقوع الآية في سياق آيات القتال و دفع الناس بعضهم ببعض.

و لا يراد بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة أيضا الإتيان بهما شخصيا، بل إشاعتهما

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 104.

(2)- سورة الحج (22)، الآية 41.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 228

و ترويجهما و تثبيتهما في المجتمع، أعني ما يكون من شئون الحكومة الحقّة، نظير ما ورد في زيارة السبط الشهيد «ع»: «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر.»

6- و من هذا القبيل أيضا قوله- تعالى-: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلٰالَ الَّتِي كٰانَتْ عَلَيْهِمْ. الآية.» «1»

[الروايات الواردة في المقام]

7- و في موثقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سمعته يقول- و سئل عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أ واجب هو على الأمّة جميعا؟- فقال:

لا، فقيل له: و لم؟. قال: إنّما هو على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعيف

الذي لا يهتدي سبيلا إلى أيّ، يقول: من الحقّ إلى الباطل. و الدليل على ذلك كتاب اللّه- عزّ و جلّ- قوله: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.» فهذا خاص غير عام، كما قال اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ مِنْ قَوْمِ مُوسىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ.» و لم يقل على أمّة موسى و لا على كلّ قومه، و هم يومئذ أمم مختلفة. و الأمّة واحد فصاعدا، كما قال اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً لِلّٰهِ.» يقول: مطيعا للّه- عزّ و جلّ-. و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوّة له و لا عدد و لا طاعة.

قال مسعدة: و سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول- و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي «ص»: إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر، ما معناه؟- قال: هذا على أن يأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه، و إلّا فلا.» «2»

فالنظر في هذه الموثقة أيضا إلى نوع خاصّ من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أعني ما يتوقّف على القوة و السلطة خارجا، فيراد منه ما يوجب الكفاح ممّا يشتمل على الضرب و الجرح و كذا بعض مراتب اللسان و موارده، و إلّا فالأمر

______________________________

(1)- سورة الأعراف (7)، الآية 157.

(2)- الوسائل 11/ 400، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1. و الكافي 5/ 59 باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الحديث 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 229

و النهي الجزئيان في الموارد الجزئية العادية لا يختصّان بفرد دون فرد،

بل هما من الفرائض العامّة بلا إشكال. هذا.

و لعلّ الإمام الصادق «ع» كان مواجها لبعض الأفراد المعترضين على سكوت الأئمّة «ع» و شيعتهم في قبال المنكرات بلا ملاحظة للإمكانات و الظروف، نظير ما مرّ من سدير الصيرفي و أمثاله كما مرّ، فالموثّقة وردت في قبال هؤلاء، فتدبّر.

و بعض أخبار الباب خبر جامع يشتمل على جميع المراتب ممّا هي وظيفة خاصّة و ممّا تكون من الفرائض العامّة.

8- مثل ما في نهج البلاغة عن محمد بن جرير الطبري، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنّه قال: سمعت عليّا «ع» يقول يوم لقينا أهل الشام: «أيّها المؤمنون، إنّه من رأى عدوانا يعمل به و منكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ، و من أنكره بلسانه فقد أجر و هو أفضل من صاحبه، و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه هي العليا و كلمة الظالمين هي السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين.» «1»

و إلقاء هذه الخطبة يوم لقائه «ع» أهل الشام دليل على أنّ غرضه «ع» كان تحريض جنوده على القتال في صفّين، و واضح أنّ قتالهم كان تحت لوائه و أمره، فلا يستفاد من هذا الحديث جواز الإنكار بالسيف و لو بدون إذن الإمام.

و قد مرّ منّا أنّ في الموارد التي تكون الفريضة وظيفة خاصّة و تحتاج إلى إذن الحاكم ليس الوجوب فيها مشروطا، بل الواجب مشروط و تقدّم بيان ذلك و الفرق بينهما.

9- و قال الرضي «ره»: و في كلام آخر له يجري هذا المجرى: «فمنهم المنكر للمنكر بيده و لسانه و قلبه، فذلك المستكمل لخصال الخير. و منهم المنكر بلسانه و قلبه و التارك بيده،

فذلك متمسّك بخصلتين من خصال الخير و مضيّع خصلة. و منهم المنكر بقلبه و التارك بيده و لسانه، فذلك الذي ضيّع أشرف الخصلتين من الثلاث و تمسّك بواحدة. و منهم تارك لإنكار المنكر بلسانه و قلبه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1262؛ عبده 3/ 243؛ لح/ 541، الحكمة 373.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 230

و يده، فذلك ميّت الأحياء.

و ما أعمال البرّ كلّها و الجهاد في سبيل اللّه عند الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لجيّ، و إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يقرّبان من أجل و لا ينقصان من رزق، و أفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند إمام جائر.» «1»

10- و من الروايات الجامعة في هذا الباب أيضا خبر جابر، عن أبي جعفر «ع»، قال: «يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراءون يتقرؤون و يتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير، يتّبعون زلّات العلماء و فساد علمهم، يقبلون على الصلاة و الصيام و ما لا يكلمهم في نفس و لا مال، و لو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتمّ الفرائض و أشرفها.

إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض. هنالك يتمّ غضب اللّه عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجّار، و الصغار في دار الكبار.

إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تأمن المذاهب و تحلّ المكاسب و تردّ المظالم، و تعمر الأرض و ينتصف من

الأعداء و يستقيم الأمر. فأنكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فإن اتّعظوا و إلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم و أبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا و لا مريدين بالظلم ظفرا حتّى يفيئوا إلى أمر اللّه و يمضوا على طاعته.

قال أبو جعفر «ع»: «أوحى اللّه إلى شعيب النبيّ- عليه السلام-: إنّي لمعذّب من قومك مأئة ألف: أربعين ألفا من شرارهم، و ستّين ألفا من خيارهم. فقال: يا ربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- اليه: أنّهم داهنوا أهل المعاصي و لم يغضبوا لغضبي.» «2»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1263؛ عبده 3/ 243؛ لح/ 542، الحكمة 374.

(2)- تهذيب الأحكام 6/ 180، باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الحديث 21؛ و روى نحوه في فروع الكافي 5/ 55، باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الحديث 1. و رواه في الوسائل 11/ 394، 402 و 403، الباب 1 و 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 6، و الباب 3 منها، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 231

و الرواية من الروايات العالية المضامين و لكن سندها ضعيف، إذ مضافا إلى إرساله يشتمل على رجلين مجهولين و هما بشر بن عبد اللّه، و أبو عصمة قاضي مرو، فراجع.

و لا يخفى أنّ الرواية مع جامعيتها لجميع مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فإن عمدة النظر فيها إلى الأمر و النهي الموجبين لإقامة الفرائض في المجتمع و

ردّ المظالم و أمن السبل و عمارة الأرض و الانتصاف من الظالمين و لو بصكّ الجباه.

و من الواضح أن هذه الأمور بسعتها لا تحصل إلّا بالقدرة الواسعة و السلطة الحاكمة، فيجب تحصيلها قهرا بإعداد مقدّماتها و شرائطها.

و من النكت المهمّة التي صرّحت بها الرواية أنّ الهدف من الأمر و النهي يجب أن يكون إقامة فرائض اللّه- تعالى- و بسط العدل و عمارة الأرض و في الأعداء إلى اللّه- تعالى-، لا تحكيم السلطة عليهم و بغي المال و تحصيل الظفر و لو بالظلم. و هذه نكتة دقيقة يجب أن يلتفت إليها كلّ من يتصدّى للجهاد و الكفاح. و قد سمّى رسول اللّه «ص» في الخبر المعروف جهاد النفس الجهاد الأكبر «1»، فنعوذ باللّه من وساوس النفس و نزغاتها.

11- و من الأخبار الجامعة أيضا ما رواه في الوسائل عن النبيّ «ص» أنّه قال:

«لا تزال أمّتي بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر، و تعاونوا على البر. فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلط بعضهم على بعض و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء.» «2»

12- و في وصية أمير المؤمنين «ع» قبيل وفاته: «لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.» «3»

13- و في رواية محمد بن عرفة، قال: سمعت أبا الحسن الرضا «ع» يقول:

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 122، الباب 1 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 398، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 18.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 978؛ عبده 3/ 86؛ لح/ 422، الكتاب 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 232

«لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ

عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم.» «1»

14- و بالإسناد عنه «ع» قال: «كان رسول اللّه «ص» يقول: إذا أمّتي تواكلت الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من اللّه- تعالى-.» «2»

أقول: الوقاع: المحاربة و الإيقاع في الشرّ.

فإذا راعت الأمّة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اهتمّت بصلاح المجتمع صارت أمّة صالحة و العلاقات بينها مبرمة، و كانت كالبنيان المرصوص يدعم بعضه بعضا فلا محالة يرأسها فئة صالحة عادلة منها.

و إذا لم تهتمّ بهذه الفريضة و اتّبع كلّ واحد منها ما يشتهيه و يهواه صارت أمّة متشتّتة متفرّقة متباغضة يلعن بعضها بعضا فيغتنم الأشرار و الكفّار هذه الفرصة و يترأسون عليها و يغتصبون حقوقها و ذخائرها و إمكاناتها، كما هو المشاهد في أعصارنا في أكثر البلاد الإسلاميّة، فلا حول و لا قوّة إلّا باللّه.

15- و من الروايات الجامعة في هذا الباب أيضا الرواية الطويلة المروية في تحف العقول عن السبط الشهيد- سلام اللّه عليه-. قال: و يروى عن أمير المؤمنين «ع»، و قد مرّت الرواية في فصل اعتبار العلم في الحاكم، فراجع «3».

و فيها قوله «ع»: «فبدأ اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه، لعلمه بأنّها إذا أدّيت و أقيمت استقامت الفرائض كلّها، هيّنها و صعبها. و ذلك انّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع ردّ المظالم و مخالفة الظالم و قسمة الفي ء و الغنائم، و أخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقّها. الحديث بطوله.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 394، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 394، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 5.

(3)- راجع الفصل

السابع من الباب الرابع.

(4)- تحف العقول/ 237.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 233

16- و في موثقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال النبيّ «ص»:

كيف بكم إذا فسدت نساؤكم و فسق شبّانكم و لم تأمروا بالمعروف و لم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له:

و يكون ذلك يا رسول اللّه؟ فقال: نعم، و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول اللّه، و يكون ذلك؟ قال: نعم، و شرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا و المنكر معروفا؟ «1»

17- و في خبر أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ويل لقوم لا يدينون اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.» «2» هذا.

18- و في كتاب الجمعة من صحيح البخاري بإسناده عن عبد اللّه بن عمر، يقول: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «كلّكم راع و كلّكم مسئول عن رعيّته: الإمام راع و مسئول عن رعيّته، و الرجل راع في أهله و هو مسئول عن رعيّته، و المرأة راعية في بيت زوجها و مسئولة عن رعيّتها، و الخادم راع في مال سيّده و مسئول عن رعيّته- قال: و حسبت أن قد قال-: و الرجل راع في مال أبيه و مسئول عن رعيّته، و كلّكم راع و مسئول عن رعيّته.» «3»

و الأخبار في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كثيرة متواترة إجمالا من طرق الفريقين، فراجع.

و لم يشكّ و لم يتردّد في وجوبهما إجمالا أحد من المسلمين، بل هو من ضروريّات الدين.

الجهة الخامسة: في وجوب إنكار العامّة على الخاصّة و تغيير المنكر عليهم إذا علموا به:

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 396، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 12.

(2)- الوسائل

11/ 393، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(3)- صحيح البخاري 1/ 160، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى و المدن.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 234

1- روى الصدوق بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد- عليهما السلام- قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «إنّ اللّه لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّا من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهارا فلم تغيّر ذلك العامّة استوجب الفريقان العقوبة من اللّه- عزّ و جلّ-.»

قال: و قال رسول اللّه «ص»: «إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّا لم يضرّ إلّا عاملها، فإذا عمل بها علانية و لم يغيّر عليه أضرّت بالعامّة.» قال جعفر بن محمد «ع»: «و ذلك أنّه يذل بعمله دين اللّه و يقتدي به أهل عداوة اللّه.» «1»

2- و بهذا الإسناد قال: قال عليّ «ع»: «إنّ اللّه لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة، و ذكر الحديث الأوّل ثمّ قال: و قال: لا يحضرنّ أحدكم رجلا يضربه سلطان جائر ظلما و عدوانا، و لا مقتولا و لا مظلوما إذا لم ينصره، لأنّ نصرته على المؤمن فريضة واجبة إذا هو حضره، و العافية أوسع ما لم تلزمك الحجّة الظاهرة. قال: و لما جعل التفضّل في بني إسرائيل جعل الرجل منهم يرى أخاه على الذنب، فينهاه فلا ينتهي، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله و جليسه و شريبه، حتّى ضرب اللّه- عزّ و جلّ- قلوب بعضهم ببعض و نزل فيهم القرآن حيث يقول- عزّ و جلّ-: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ دٰاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذٰلِكَ بِمٰا عَصَوْا وَ كٰانُوا يَعْتَدُونَ،

كٰانُوا لٰا يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ. الآية.» «2»

3- و في مرفوعة محمّد بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ما أقرّ قوم بالمنكر بين أظهرهم لا يغيّرونه إلّا أو شك أن يعمّهم اللّه بعقاب من عنده.» «3»

4- و في مسند أحمد بسنده عن عدي، يقول: سمعت رسول اللّه «ص» يقول:

«إنّ اللّه- عزّ و جلّ- لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة حتّى يروا المنكر بين ظهرانيّهم و هم قادرون على

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 407، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 408، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(3)- الوسائل 11/ 408، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 235

أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب اللّه الخاصّة و العامّة.» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المضمون. و يظهر بها أنّ تكليف العامّة في قبال الفسق المتجاهر به أشدّ، و أنّه يجب عليهم القيام في قبال الخاصّة و إن كانت لهم السلطة و القدرة و أوجب ذلك الكفاح. و إطلاقها يشمل الكفاح المسلح أيضا.

و قد مرّ حكم الثورة و الكفاح المسلّح ضد أهل الجور و السلطات الطاغية الباغية في المسألة السادسة عشرة من الفصل السادس من الباب الخامس، فراجع.

الجهة السادسة: في وجوب إنكار المنكر بالقلب و تحريم الرضا به و وجوب الرضا بالمعروف:

1- قد مرّ في أخبار كثيرة الترغيب في الإنكار بالقلب و منها خبر جابر، و فيه:

«فأنكروا بقلوبكم، و ألفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم.» «2»

2- و في خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه. و من غاب عن أمر فرضيه كان كمن

شهده.» «3»

3- و في مرفوعة محمد بن مسلم، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «إنّما يجمع الناس الرضا و السخط، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه، و من سخطه فقد خرج منه.» «4»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 235

4- و في نهج البلاغة قال «ع»: «الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، و على كلّ

______________________________

(1)- مسند أحمد 4/ 192.

(2)- الوسائل 11/ 403، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 409، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(4)- الوسائل 11/ 411، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 236

داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، و إثم الرضا به.» «1»

5- و فيه أيضا: «أيّها الناس، إنّما يجمع الناس الرضا و السخط، و إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم اللّه بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا فقال- سبحانه: فعقروها فأصبحوا نادمين.» «2»

6- و فيه أيضا في خطبة يذكر فيها أصحاب الجمل: «فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلا واحدا معتمدين لقتله، بلا جرم جرّه، لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه إذ حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد، دع ما أنّهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم.» «3»

7- و في خبر طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن عليّ «ع»، قال:

«العامل بالظلم، و الراضي به، و المعين عليه شركاء ثلاثة.» «4»

8-

و في رواية أبي أبي عمير، رفعه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الساعي قاتل ثلاثة:

قاتل نفسه، و قاتل من سعى به، و قاتل من سعى إليه.» «5»

9- و في خبر عبد السلام بن صالح الهروي، قال: «قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا «ع»: يا بن رسول اللّه، ما تقول في حديث روي عن الصادق «ع»، قال: إذا خرج القائم «ع» قتل ذراري قتلة الحسين «ع» بفعال آبائها؟ فقال «ع»: هو كذلك.

فقلت: قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ»*، ما معناه؟ قال: صدق اللّه في جميع أقواله، و لكن ذراري قتلة الحسين «ع» يرضون بفعال آبائهم و يفتخرون بها، و من رضي شيئا كان كمن أتاه. و لو أنّ رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه- عزّ و جلّ-

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1163؛ عبده 3/ 191؛ لح/ 499، الحكمة 154.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 650؛ عبده 2/ 207؛ لح/ 319، الخطبة 201.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 556؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 172.

(4)- الوسائل 11/ 410، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 6.

(5)- الوسائل 11/ 410، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 237

شريك القاتل، و إنّما يقتلهم القائم «ع» إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم ...» «1»

10- و بهذا الإسناد عن الرضا «ع»، قال: قلت له: لأيّ علّة أغرق اللّه- عزّ و جلّ- الدنيا كلّها في زمن نوح «ع» و فيهم الأطفال و من لا ذنب له؟ فقال: ما كان فيهم الأطفال، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- أعقم أصلاب قوم نوح و أرحام

نسائهم أربعين عامّا فانقطع نسلهم فغرقوا و لا طفل فيهم، ما كان اللّه ليهلك بعذابه من لا ذنب له، و أمّا الباقون من قوم نوح فأغرقوا بتكذيبهم لنبيّ اللّه نوح «ع»، و سائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذّبين، و من غاب عن أمر فرضي به كان كمن شاهده و أتاه.» «2»

11- و عنه «ع»، عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «يأتي على الناس زمان يذوب فيه قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الآنك في النار، يعني الرصاص. و ما ذاك إلّا لما يرى من البلاء و الإحداث في دينهم و لا يستطيعون له غيرا.» «3»

12- و في حديث سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لو أنّ أهل السماوات و الأرض لم يحبّوا أن يكونوا شهدوا مع رسول اللّه «ص» لكانوا من أهل النار.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، فتتّبع. هذا.

و لا يخفى أنّ إنكار المنكر بالقلب بعد العلم به و إن كان من لوازم الإيمان قهرا، و لكن المؤاخذة على مجرد الرضا القلبي بالمنكر ربّما تنافي ما دلّ على أنّ العبد إذا همّ بالسيئة لم تكتب عليه «5». و إذا لم يؤاخذ بنية فعل نفسه فكيف يؤاخذ بالرضا بفعل غيره!؟ فتأمّل.

فلعلّ المقصود في هذه الروايات هو الرضا الظاهر في مقام العمل. فإنّ من سمع ارتكاب غيره للمنكر وجب عليه السعي في نهيه و رفع المنكر أو إظهار البراءة

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 409، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 410، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 5.

(3)- الوسائل 11/ 411، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8.

(4)- الوسائل 11/

411، الباب 5 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 10.

(5)- الوسائل 1/ 36 و ما بعدها، الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 6- 7- 8- 10 و ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 238

ممّن ارتكبه، فإن ترك ذلك بل ظهر منه أمارات الرضا به بل و الافتخار به أحيانا صار بهذا شريكا في ذلك المنكر، و هكذا كان قوم صالح، و أصحاب الجمل، و أولاد قتلة الحسين «ع».

و في الجواهر:

«إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يعقل كونهما بالقلب وحده، ضرورة عدم كون ذلك أمرا و نهيا. كضرورة عدم كون المعرف و المنكر بالقلب آمرا و ناهيا، و إنّما هو من توابع الإيمان بما جاء به النبيّ «ص»، فلا بدّ من اعتبار أمر آخر في المرتبة الأولى به تعدّ في الأمر و النهي، و هو إظهار عدم الرضا بضرب من الإعراض و إظهار الكراهة و نحو ذلك.» «1»

الجهة السابعة: في وجوب الإعراض عن فاعل المنكر و هجره إذا لم يرتدع:

1- في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «أمرنا رسول اللّه «ص» أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة.» «2»

2- و في رواية أخرى قال أمير المؤمنين «ع»: «أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة.» «3»

3- و في رواية الحارث بن المغيرة، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «لآخذنّ البري ء منكم بذنب السقيم، و لم لا أفعل و يبلغكم عن الرجل ما يشينكم و يشينني فتجالسونهم و تحدّثونهم فيمرّ بكم المارّ فيقول: هؤلاء شرّ من هذا؟ فلو أنّكم إذا بلغكم عنه ما تكرهونه زبرتموهم و نهيتموهم كان

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 368.

(2)- الوسائل 11/ 413، الباب 6 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(3)- الوسائل

11/ 413، الباب 6 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1 أيضا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 239

أبرّ بكم و بي.» «1»

4- و في رواية أخرى له أنّ أبا عبد اللّه «ع» قال له: «لأحملنّ ذنوب سفهائكم إلى (على خ. ل) علمائكم (إلى أن قال): ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به الأذى أن تأتوه فتؤنّبوه و تعذّلوه و تقولوا له قولا بليغا؟ قلت: جعلت فداك إذا لا يقبلون منّا. قال: اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم.» «2»

5- و في رواية الشيخ- قدّس سرّه-، قال: قال الصادق «ع» لقوم من أصحابه: «إنّه قد حقّ لي أن آخذ البري ء منكم بالسقيم، و كيف لا يحقّ لي ذلك و أنتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتّى يترك.» «3»

6- و في رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لو أنّكم إذا بلغكم عن الرجل شي ء تمشّيتم إليه فقلتم: يا هذا، إمّا أن تعتزلنا و تجتنبنا و إمّا أن تكفّ عن هذا، فإن فعل، و إلّا فاجتنبوه.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار في هذا المجال.

و بالجملة، يجب إنكار المنكر بالقلب و باللسان بقول ليّن بليغ أوّلا، ثمّ يغلظ عليه في ذلك إلى أن تصل النوبة إلى اليد بمراتبها، و الأحوط كونها بإذن الحاكم فإن لم يتيسّر ذلك أو لم يؤثّر فبالإعراض و الهجر و ترك المجالسة معه. كلّ ذلك ليتأثّر الفاعل و يرتدع، لا للانتقام و نحوه.

و رعاية المراتب لازمة و بها صرّح الفقهاء و هو المستفاد من الأخبار أيضا، فراجع.

و قد مرّت عبارة صاحب الجواهر في

معنى الإنكار بالقلب و أنّ المراد به هجر

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 414، الباب 7 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 415، الباب 7 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 3.

(3)- الوسائل 11/ 415، الباب 7 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 4.

(4)- الوسائل 11/ 415، الباب 7 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 240

الفاعل و الإعراض عنه. و قصده لا محالة أن يكون ذلك في آخر الأمر أو أوّل الأمر بعد العلم بعدم تأثير اللسان و اليد أو عدم إمكانهما، فتدبّر.

الجهة الثامنة: في رفع توهّم و شبهة:

قد يتوهّم أنّ قوله- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ. لٰا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّٰهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» «1»

يدلّ على أنّ الإنسان إذا لزم بيته و أصلح نفسه فلا يبال بما يقع في المجتمع من الفساد و الضلال، فيعارض ظاهر الآية ما مرّ من الدليل على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و فيه أنّه لا يمكن رفع اليد عن الآيات الكثيرة، و الأخبار المتواترة، و إجماع المسلمين بهذا الظهور المتوهّم. بل الظاهر أنّ المقصود بالآية بيان أنّه يجب على الإنسان أن يكون مستقلّا في فكره و إرادته، و أنّه إذا فرض ضلال أفراد المجتمع أو بعضهم فليس له أن يجعل نفسه تابعا لهم و مهضوما فيهم كما هو المتعارف في أكثر المجتمعات، بل يجب على كل فرد أن يهتدي بهدى اللّه و يعمل بوظائفه المقرّرة من قبله التي من أهمّها الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمقدار القدرة، و إذا فعل ذلك نفعه هداه قهرا و لم يضرّه ضلال من ضلّ، فإنّ

الحق حقّ يثاب عليه و إن أعرض عنه الأكثر، و الباطل باطل يعاقب عليه و إن أقبل إليه الأكثر.

و في نهج البلاغة: «أيّها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير و جوعها طويل.» «2» هذا.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 105.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 649؛ عبده 2/ 207؛ لح/ 319، الخطبة 201.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 241

و في مجمع البيان في ذيل الآية ما محصّله:

«إنّ في جواب الإشكال وجوها: أحدها: أنّ الآية لا تدلّ على جواز ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بل توجب أنّ المطيع لربّه لا يؤاخذ بذنوب العاصي.

و ثانيها: أنّ ذلك في حال التقية أو حال لا يجوّز الإنسان تأثير إنكاره أو يتعلّق بإنكاره مفسدة.

و روي أن أبا ثعلبة سأل رسول اللّه «ص» عن هذه الآية فقال: «ايتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتّى إذا رأيت دنيا مؤثرة و شحّا مطاعا و هوى متبعا و إعجاب كلّ ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك و ذر الناس و عوامهم.» و ثالثها: إنّ هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لأنّ اللّه- تعالى- خاطب بها المؤمنين فقال: عليكم أنفسكم، يعني عليكم أهل دينكم، كما قال: «وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» لا يضرّكم من ضلّ من الكفار. و هذا قول ابن عباس في رواية عطاء عنه، قال: «يريد يعظ بعضكم بعضا و ينهى بعضكم بعضا و يعلم بعضكم بعضا ما يقرّبه إلى اللّه و يبعّده من الشيطان، و لا يضرّكم من ضلّ من المشركين و المنافقين و أهل الكتاب.» «1»

الجهة التاسعة: في بيان ما ذكروه شرطا لوجوبهما:
الشرط الأول: [أن يعلمه منكرا]

قال المحقّق في الشرائع:

«و لا يجب النهي

عن المنكر ما لم يكمل شروط أربعة: الأوّل: أن يعلمه منكرا ليأمن الغلط في الإنكار. الثاني: أن يجوّز تأثير إنكاره فلو غلب على ظنّه أو علم أنّه لا يؤثر لم يجب. الثالث: أن يكون الفاعل له مصرّا على الاستمرار فلو لاح منه أمارة

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 254 (الجزء 3).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 242

الامتناع أو أقلع عنه سقط الإنكار. الرابع: أن لا يكون في الإنكار مفسدة فلو ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب.» «1»

و الظاهر أنّ ذكر النهي عن المنكر من باب المثال، فالشروط شروط لكلتا الفريضتين.

و قال العلّامة في الإرشاد:

«و إنّما يجبان بشرط علمهما، و تجويز التأثير، و إصرار الفاعل على المنهي أو خلاف المأمور، و انتفاء الضرر عنه و عن ماله و عن إخوانه.» «2»

و هكذا ذكر الشروط الأربعة في المنتهى و التذكرة و غيرهما.

أقول: كون الشرط الأوّل شرطا للوجوب بحيث لا يجب تحصيل العلم و كون الجاهل بالحكم و لو عن تقصير معذورا في هذا الباب لا يخلو من إشكال. إذ الموضوع هو واقع المعروف و المنكر، لا المعلوم منهما. نعم، لمّا كان العلم طريقا إلى الواقع فبدونه لا يمكن الأمر و النهي فهو شرط للوجود قهرا، و الجاهل القاصر معذور لا محالة.

و قد تعرض لهذا الإشكال المحقّق الكركي في حاشيته، و الشهيد الثاني في المسالك.

قال في المسالك:

«و قد يناقش في اعتبار الشرط الأوّل نظرا إلى ان عدم العلم بالمعروف و المنكر لا ينافي تعلّق الوجوب بمن لم يعلم، و إنّما ينافيه نفس الأمر و النهى حذرا من الوقوع في الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف، و

حينئذ فيجب على كلّ من علم بوقوع المنكر أو ترك المعروف من شخص معيّن في الجملة بنحو شهادة عدلين أن يتعلم ما يصحّ معه الأمر و النهي ثمّ يأمر أو ينهى، كما يتعلّق بالمحدث وجوب الصلاة و يجب عليه تحصيل شروطها.

و حينئذ فلا منافاة بين عدم جواز أمر الجاهل و نهيه حالة جهله، و بين وجوبهما عليه

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 342.

(2)- الإرشاد للعلامة، المقصد الخامس في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ و المنتهى 2/ 993؛ و التذكرة 1/ 458.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 243

كما يجب الصلاة على المحدث و الكافر و لا يصحّ منهما على تلك الحالة.» «1»

و حكى في الجواهر قريبا من ذلك عن المحقّق الكركي في حاشيته «2».

و أجاب عنهما في الجواهر بقوله:

«و فيه- مع أنّه مناف لما سمعته من الأصحاب من دون خلاف فيه بينهم كما اعترف به في المنتهى- أنّه مناف أيضا لما مرّ في خبر مسعدة السابق الذي حصر الوجوب فيه على القويّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر، بل يمكن دعوى أن المنساق من إطلاق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو ما علمه المكلف من الأحكام من حيث كونه مكلّفا بها، لا أنّه يجب أن يتعلّم المعروف من المنكر زائدا على ذلك مقدّمة لأمر الغير و نهيه الذين يمكن عدم وقوعهما ممّن يعلمه من الأشخاص.

و أمّا ما ذكراه من المثال فهو خارج عمّا نحن فيه، ضرورة العلم حينئذ بتحقّق موضوع الخطاب، بخلاف من فعل أمرا أو ترك شيئا و لم نعلم حرمة ما فعله و لا وجوب ما تركه، فإنّه لا يجب تعرّف ذلك مقدّمة للأمر و النهي لو فرضنا كونهما منه،

بل أصل البراءة محكّم، و هو مراد الأصحاب بكونه شرطا للوجوب، و اللّه العالم.» «3»

و محصّل ما ذكره- قدّس سرّه- بعد ردّ الصدر من كلامه إلى الذيل، أوّلا: أنّ الموضوع هو المعروف و المنكر بوجودهما الواقعي كما هو الظاهر منهما، لا معلوم المعروفيّة و المنكريّة و لكنّ الطريق إليهما هو العلم، فإن لم يحصل العلم كان موردا للبراءة لكون الشبهة موضوعيّة وجوبيّة، و إن حصل العلم بهما و لو إجمالا كما في المثال وجب الأمر و النهي حينئذ للعلم بتحقّق الموضوع، و هو مراد الأصحاب بكون العلم شرطا للوجوب، و في خبر مسعدة أيضا حصر الوجوب على القوي المطاع العالم

______________________________

(1)- المسالك 1/ 161.

(2)- الجواهر 21/ 366.

(3)- الجواهر 21/ 367.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 244

بالمعروف من المنكر.

و ثانيا: أنّه يمكن دعوى أنّ المنساق من إطلاق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو ما علمه المكلّف من الأحكام لتكليف نفسه لا أنّه يجب أن يتعلّمهما زائدا على ذلك مقدمة لأمر الغير و نهيه.

أقول: المفروض في المثال هو العلم إجمالا بوقوع المنكر أو ترك المعروف من شخص معيّن خارجا من دون أن يعلم بما هو معروف أو منكر شرعا، فلا يشمله خبر مسعدة إذ مفاده اعتبار كونه عالما بما هو المعروف شرعا، فالإشكال باق بحاله.

و أما ما ذكره من البراءة في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة فهو صحيح، و لكن إجراؤها بدون الفحص مشكل. ألا ترى أنّ الأصحاب احتاطوا على من احتمل استطاعته للحج أو بلوغ ماله إلى حد النصاب للخمس و الزكاة أن يحسب ماله و يتفحّص، و لو قال المولى: أكرم علماء قم مثلا وجب الفحص عن علمائها.

و أما ما ذكره

من الدعوى فيشكل الالتزام بها، إذ لو فرض أنّه كان هنا رجل عالم بكلّ ما يبتلى به الرجال من المسائل و لم يعلم المسائل المختصّة بالنساء و كان حوله نسوة يعلم بابتلائهن بها إجمالا و لا يوجد من يعرفها منهنّ فهل لا يجب عليه تعلّمها لإرشادهنّ و أمرهنّ بالمعروف؟ هذا.

و لقائل أن يقول: أوّلا: إنّ مفاد خبر مسعدة ليس إلّا ما هو حكم العقل من توقّف العمل و تنجّز التكليف به على القدرة و العلم بالموضوع، إذ العاجز و كذا الجاهل في حال العجز و الجهل لا يمكن أن يصدر عنهما الفعل، و هذا لا ينافي وجوب تحصيل القدرة و العلم عليه لما بعد ذلك. و ثانيا: لعلّ محطّ النظر في الخبر بقرينة ذكر القويّ المطاع و نفي الوجوب عن الأمّة جميعا هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الواقعين من المحتسب بولاية الحسبة، و لا ننكر أنّ المنصوب لأمر الحسبة من قبل الولاة يجب أن يكون قويا مطاعا عالما بالمعروف من المنكر. فهذه شرائط لتصدّي هذا المنصب الشريف الذي هو من شعب الولاية، و أمّا ما يجب على العامة من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 245

الأمر و النهي في الموارد الجزئيّة فالعلم شرط لوجودهما لا لوجوبهما. هذا.

و لكن الإنصاف أن دلالة خبر مسعدة على شرطية العلم لنفس الوجوب غير قابلة للإنكار، فتأمّل و اللّه العالم.

هذا كلّه فيما يرتبط بالشرط الأوّل.

الشرط الثاني: أن يجوّز تأثير انكاره.
اشارة

و يدلّ على اعتبار هذا الشرط أخبار مستفيضة:

1- منها ما في ذيل موثقة مسعدة، قال مسعدة: و سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول- و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبيّ «ص»: إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند

إمام جائر ما معناه؟- قال: «هذا على أن يأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه، و إلّا فلا.» «1»

2- و منها خبر ابن أبي عمير عن يحيى الطويل، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلّم، فأمّا صاحب سوط أو سيف فلا.» «2»

3- و منها خبر أبان بن تغلب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: كان المسيح «ع» يقول:

«إنّ التارك شفاء المجروح من جرحه شريك جارحه لا محالة (إلى أن قال): فكذلك لا تحدّثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا، و لا تمنعوها أهلها فتأثموا، و ليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعا لدوائه، و إلّا أمسك.» «3»

4- و منها خبر الريان بن الصلت، قال: جاء قوم بخراسان إلى الرضا «ع» فقالوا: إنّ قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا قبيحة، فلو نهيتهم عنها. فقال «ع»:

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 400، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 400، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(3)- الوسائل 11/ 401، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 246

لا أفعل. قيل: و لم؟ قال: لأنّي سمعت أبي «ع» يقول: «النصيحة خشنة.» «1»

5- و منها خبر الحارث بن المغيرة أنّ أبا عبد اللّه «ع» قال له: «ما يمنعكم إذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به الأذى أن تأتوه فتؤنّبوه و تعذّلوه و تقولوا له قولا بليغا؟ قلت: جعلت فداك إذا لا يقبلون منّا. قال: اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم.» «2»

6- و منها خبر داود الرقّي، قال: سمعت أبا

عبد اللّه «ع» يقول: «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه. قيل له: و كيف يذلّ نفسه؟ قال: يتعرّض لما لا يطيق.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على المقصود.

فروع
اشارة

و هنا فروع ينبغي الالتفات إليها:

الأول: أنّه لو لا هذه الأخبار أمكن القول بالوجوب مطلقا

حتّى مع العلم بعدم التأثير لإطلاق الأدلّة، و فائدته إتمام الحجة على الفاعل.

الثاني: يظهر بذلك أنّ الساقط مع العلم بعدم التأثير هو الوجوب لا الجواز،

اللّهم إلّا مع الضرر الذي لا يجوز تحمّله.

الثالث: مقتضى إطلاق الأدلّة عدم كفاية غلبة الظنّ في السقوط

و إن حكم به المحقّق بل الأكثر على ما قيل، اللّهم إلّا أن يريدوا بذلك خصوص الاطمينان الملحق بالعلم عادة، بل مقتضى التشبيه بالطبيب أيضا هو الوجوب حتّى مع الظن

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 402، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 7.

(2)- الوسائل 11/ 415، الباب 7 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 3.

(3)- الوسائل 11/ 425، الباب 13 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 247

بعدم التأثير، إذ الطبيب يعطي الدواء مع احتمال الشفاء أيضا. و لا يراد بقوله:

«يقبله» في خبر مسعدة خصوص العلم بالقبول، بل مجرد الاحتمال و المعرضية، إذ لم يقل أحد باشتراط العلم بالقبول، فتدبّر.

الرابع: قال في المنتهى:

«قد جعل أصحابنا هذا شرطا على الإطلاق، و الأولى أن يجعل شرطا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باليد و اللسان دون القلب.» «1»

أقول: و قد مرّ كلام صاحب الجواهر و أنّه لا يعدّ مجرد ما في القلب أمرا و نهيا ما لم يضمّ إليه إظهار عدم الرضا و لو بضرب من الإعراض و الهجر.

الخامس: الظاهر أنّه لا يتعيّن أن يكون التأثير في الحال،

فلو جوّز التأثير فيه و لو في المآل وجب الأمر و النهي، بل يمكن أن يقال: إنّه لو علم أنّ النهي لا يؤثّر في شخص الفاعل و لكنّه يؤثّر في غيره ممّن رأى أو سمع فيوجب إعراضه عن الفاعل و عمله و لو لا نهيه كان مظنّة لمتابعة الغير له و اقتدائه به فلا يبعد وجوب النهي حينئذ، بل لو كان الناهي عالما دينيا شاخصا مثلا و كان سكوته موجبا لضعف عقائد المسلمين و وهن علماء الدين، و نهيه و اعتراضه على الفاعل سببا لقوّة إيمانهم أمكن القول بالوجوب أيضا و إن لم يؤثّر في شخص الفاعل.

و يمكن أن يقال: إنّ تجويز التأثير يصدق في جميع هذه الموارد. فالمقصود بهذا الشرط إخراج صورة لغوية الإنكار بحيث لا يترتّب عليه أثر لا في الفاعل و لا في غيره، فتدبّر.

الشرط الثالث: أن يكون الفاعل له مصرّا على الاستمرار.

فلو لاح منه أمارة الامتناع أو أقلع عنه سقط الإنكار. هكذا في الشرائع «2».

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 993.

(2)- الشرائع 1/ 342.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 248

و في الجواهر في شرح العبارة قال:

«بلا خلاف مع فرض استفادة القطع من الأمارة، بل و لا إشكال، ضرورة عدم موضوع لهما، بل هما محرمان حينئذ كما صرح به غير واحد. كما أنّه لا أشكال في عدم السقوط بعد العلم بإصراره. إنّما الإشكال في السقوط بالأمارة الظنيّة بامتناعه كما هو مقتضى المتن و غيره باعتبار إطلاق الأدلّة و استصحاب الوجوب الثابت، اللّهم إلّا أن يريد الظن الغالب الذي يكون معه الاحتمال و هما لا يعتدّ به عند العقلاء.» «1»

أقول: و ملخّص الكلام هو أنّ التعرّض للغير هتك لحرمته و مخالف لسلطته على نفسه، فلا يجوز إلّا مع

كونه فاعلا للمنكر فيجب ردعه. فمع الشك الابتدائي و الاحتمال لا يجوز التعرّض له قطعا و لا التفتيش و التجسّس، قال اللّه- تعالى-:

«وَ لٰا تَجَسَّسُوا.» «2»

و أمّا مع سبق العصيان و احتمال الإصرار و الاستمرار باستدامة العمل خارجا أو بمجرد قصد التكرار فهل يحكم بجواز النهي عن المنكر بل بوجوبه لإطلاق الأدلّة كما قيل- و إن كان الإشكال فيه واضحا، حيث إنّ موضوع الأدلّة هو المنكر و المفروض الشكّ فيه- أو لاستصحاب الوجوب ما لم يحرز الامتناع أو الندم و التوبة.

أو بعدم الجواز إلّا مع إحراز الإصرار كما عن جماعة أو ظهور أمارة الاستمرار كما عن آخرين. أو يفصّل بين كون المحتمل استدامة العمل خارجا و بين كونه مجرد القصد إذ لا حرمة لقصد المعصية حتّى ينهى عنه؟

في المسألة وجوه بل أقوال. و الاحتياط حسن على كل حال.

ثمّ هل يكفي مجرد الامتناع عن الاستمرار أو لا بدّ من التوبة؟ ربّما استظهر من

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 370.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 249

الأكثر سقوط النهي عن المنكر بمجرد الامتناع.

نعم، لمّا وجبت التوبة وجب الأمر بالمعروف إن ظهر منه إصراره على تركها بل بمجرد الاحتمال أيضا للاستصحاب. هذه بعض كلمات الأصحاب في المقام.

قال المحقّق الأردبيلي- قدّس سرّه- في مجمع الفائدة:

«و الذي يظهر أنّهم كانوا يكتفون بترك المنكر مثلا، و ما نقل تكليفهم أحدا بالتوبة بل بمجرد الترك كانوا يخلّون سبيله، و كذا في الأمر بالمعروف فإنّهم كانوا يتركون بارتكابه فقط.» «1»

أقول: و الحقّ صحّة ما ذكره، بل الظاهر استقرار السيرة في جميع الأعصار على مراقبة ظواهر الشرع المبين و المنع عن التجاهر بالمعصية، و لم يكن بناء

الأفراد و لا المحتسبين على التفتيش و التدخّل في دخائل الناس أو الأمر و النهي بمجرد الاستصحاب و نحوه. و في رواية محمد بن مسلم أو الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنّ من تتبّع عثرات أخيه تتبّع اللّه عثراته، و من تتبّع اللّه عثراته يفضحه و لو في جوف بيته.» و بهذا المضمون روايات مستفيضة، فراجع «2» و روى مالك في حدود الموطأ عن زيد بن أسلم، عن رسول اللّه «ص» أنّه قال:

«أيّها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود اللّه، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه، فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه.» «3»

و روى نحوه الشيخ أيضا في كتاب الإقرار من المبسوط و في كتاب السرقة منه «4».

و في الموطأ أيضا بسنده عن سعيد بن المسيّب أنّه قال: بلغني أنّ رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- مجمع الفائدة، المقصد الخامس في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(2)- راجع الكافي 2/ 355، كتاب الإيمان و الكفر، باب من طلب عثرات المؤمنين؛ و الوسائل 8/ 594، الباب 150 من أبواب أحكام العشرة.

(3)- الموطأ 2/ 169، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا.

(4)- المبسوط 3/ 2، و 8/ 40.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 250

قال لرجل من أسلم يقال له هزّال: «يا هزّال، لو سترته بردائك لكان خيرا لك.» «1»

الشرط الرابع: أن لا يكون في الإنكار مفسدة.

فلو ظنّ توجّه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب. هكذا في الشرائع «2».

و أرادوا بالضرر الأعمّ ممّا في النفس أو العرض أو المال في الحال أو في المآل،

و الاكتفاء بالظنّ هنا من جهة أنّ الملاك في باب الضرر خوفه و هو يحصل مع الظنّ بل و بعض مراتب الاحتمال أيضا.

و قال في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم، لنفي الضرر و الضرار، و الحرج في الدين، و سهولة الملّة و سماحتها، و إرادة اللّه اليسر دون العسر.» «3»

ثمّ تعرّض لأخبار خاصّة في المسألة:

1- مثل ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده، عن الأعمش، عن جعفر بن محمد «ع»، قال: «و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك، و لم يخف على نفسه و لا على أصحابه.»

و رواه في العيون بإسناده، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا «ع» في كتابه إلى المأمون نحوه و أسقط قوله: «و لا على أصحابه.» «4»

2- و مثل قول الصادق «ع» في موثّقة مسعدة السابقة: «و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوّة له و لا عدد و لا طاعة.» «5»

3- و خبر يحيى الطويل، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن

______________________________

(1)- الموطأ 2/ 166، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم.

(2)- الشرائع 1/ 342.

(3)- الجواهر 21/ 371.

(4)- الوسائل 11/ 398، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 22.

(5)- الوسائل 11/ 400، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 251

المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلّم. فأمّا صاحب سوط أو سيف فلا.» «1»

4- و خبر مفضل بن يزيد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال لي: «يا مفضّل، من تعرض لسلطان جائر فأصابته بليّة لم يؤجر عليها،

و لم يرزق الصبر عليها.» «2»

5- و خبر داود الرقي، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «لا ينبغي للمؤمن أن يذلّ نفسه، قيل له: و كيف يذلّ نفسه؟ قال: يتعرّض لما لا يطيق.» «3» إلى غير ذلك من الأخبار.

و استدلّ في مجمع الفائدة لذلك بقوله:

«لأنّه قبيح و الضرر أيضا قبيح، و رفع القبيح بالقبيح قبيح. و وجوب إدخال الضرر على نفسه أو المسلمين لدفع حرام غير ظاهر و إن فرض كونه أقلّ من الأوّل.

و الظاهر عدم الخلاف فيه أيضا.» «4»

و قال الشيخ في كتاب الاقتصاد:

«سواء كان ما يقع عنده من القبيح صغيرا أو كبيرا من قتل نفس أو قطع عضو أو أخذ مال كثير أو يسير، فإنّ الكلّ مفسدة» «5»

أقول: يمكن أن يقال أوّلا: إنّه ليس الغرض من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تحصيل المثوبة مثلا، بل هما شرّعا بمفهوم وسيع لإصلاح المجتمع و قطع جذور المنكر و الفساد. و مقتضى رعاية ملاكات الأحكام و مصالحها، و اختلاف مراتب الضرر، و مراتب المنكر أن يعامل مع الدليلين معاملة التزاحم فيقدّم الأهمّ منهما ملاكا، فلربّما يريد أحد قتل واحد أو جماعة أو التجاوز على امرأة مسلمة محترمة

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 400، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 401، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 3.

(3)- الوسائل 11/ 425، الباب 13 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(4)- مجمع الفائدة، المقصد الخامس في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

(5)- الاقتصاد/ 149، فصل في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 252

مثلا و يكون نهيه و ردعه موجبا لخسارة ما

على الناهي، فهل يمكن القول بعدم وجوب النهي عن المنكر حينئذ؟! و ربّما يكون المنكر منكرا فظيعا يتجاهر به و يكون في معرض السراية إلى المجتمع و ربّما يفسد المجتمع بسببه، أو يكون المرتكب له ذا شخصيّة اجتماعيّة أو دينيّة يقتدي به الناس طبعا، أو يكون عمله موجبا لهدم أساس الدين، أو يريد بعمله تغيير قانون من قوانين الإسلام أو تحريفه، أو يريد إقامة السلطة الظالمة الغاصبة على شئون المسلمين و سياستهم و اقتصادهم و ثقافتهم، و نحو ذلك من الأمور المهمّة التي لا يجوز السكوت في قبالها، و كان الناهي ممّن يقبل قوله، أو يوجب إقدامه و نهيه لا محالة وحشة المرتكب أو خفّته أو التزلزل في وضعه الاجتماعي، فهل لا يجب النهي و الردع بظن ضرر ماليّ أو حبس أو تضييق أو نحو ذلك؟! يشكل جدّا الالتزام بذلك، هذا.

مضافا إلى دلالة روايات كثيرة على وجوب الإقدام و القيام في قبال المنكر و الفساد و لو ترتب عليه ضرر أو شدّة:

1- ففي خبر جابر، عن أبي جعفر «ع»، قال: «يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراءون يتقرؤون و يتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير، يتّبعون زلّات العلماء و فساد علمهم، يقبلون على الصلاة و الصيام و ما لا يكلمهم في نفس و لا مال، و لو أضرّت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أتمّ الفرائض و أشرفها ... فأنكروا بقلوبكم و ألفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم و لا تخافوا في اللّه لومة لائم.» «1»

2- و في خبر آخر لجابر، عن أبي جعفر

«ع»: «من مشى إلى سلطان جائر فأمره بتقوى اللّه و وعظه و خوّفه كان له مثل أجر الثقلين: الجنّ و الإنس و مثل أعمالهم.» «2»

و واضح أن تخويف السلطان الجائر يلازم غالبا ردّ الفعل و التضييق.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 394، و 402 و 403 الباب 1 و 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 6، و الباب 3 منها، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 406، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 253

3- و في رواية تحف العقول عن السبط الشهيد «ع»: «و إنّما عاب اللّه ذلك عليهم لأنّهم كانوا يرون من الظلمة المنكر و الفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة ممّا يحذرون، و اللّه يقول: فَلٰا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي.» «1»

4- و في رواية نهج البلاغة: «و إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يقرّبان من أجل و لا ينقصان من رزق. و أفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند إمام جائر.» «2»

5- و في نهج البلاغة أيضا: «و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين.» «3»

6- و في رواية مسعدة، عن جعفر بن محمد «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «إنّ اللّه لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّا من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهارا فلم تغيّر ذلك العامّة استوجب الفريقان العقوبة من اللّه- عزّ و جلّ-.» «4»

7- و خطب السبط الشهيد أصحابه و أصحاب الحرّ فقال: «أيّها الناس، إنّ رسول اللّه

«ص» قال: «من رأى سلطانا جائرا مستحلّا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنة رسول اللّه «ص» يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان فلم يغيّر عليه بفعل و لا قول كان حقّا على اللّه أن يدخله مدخله. ألا و إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان. الحديث.» «5»

8- و خطب «ع» أيضا بذي حسم فقال: «أ لا ترون أنّ الحقّ لا يعمل به و أنّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه محقّا فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة و لا الحياة مع الظالمين إلّا برما.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 403، الباب 2 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 9.

(2)- الوسائل 11/ 406، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 9.

(3)- الوسائل 11/ 405، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8.

(4)- الوسائل 11/ 407، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(5)- تاريخ الطبري 7/ 300، (طبعة ليدن).

(6)- تاريخ الطبري 7/ 301؛ و تحف العقول/ 245 إلّا أنّ فيه: «لا أرى الموت إلّا سعادة».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 254

و هو «ع» إمام المسلمين و قدوتهم، و قد برّر قيامه و ثورته بما ألفت إليه في خطبتيه، و قد استشهد هو و أولاده و أصحابه في هذا الطريق، و في زيارته الشريفة:

«أشهد أنّك قد أقمت الصلاة و آتيت الزكاة و أمرت بالمعروف و نهيت عن المنكر.» فعلى المسلمين و لا سيما شيعته جميعا أن يقتدوا به و يهتدوا بهداه.

9- و في الدر المنثور عن رسول اللّه «ص»: «إنّ رحى الإسلام ستدور، فحيث ما دار القرآن فدوروا به، يوشك السلطان و القرآن أن يقتتلا و يتفرّقا.

إنّه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم و لهم بغيره، فإن أطعتموهم أضلّوكم و أن عصيتموهم قتلوكم». قالوا: يا رسول اللّه فكيف بنا إن أدركنا ذلك؟ قال: تكونوا كأصحاب عيسى «ع»: نشروا بالمناشير و رفعوا على الخشب. موت في طاعة خير من حياة في معصية.» «1»

10- و في نهج السعادة: قال أبو عطاء: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» محزونا يتنفّس فقال: كيف أنتم و زمان قد أظلّكم، تعطّل فيه الحدود و يتّخذ المال فيه دولا و يعادى فيه أولياء اللّه و يوالى فيه أعداء اللّه؟ قلنا: يا أمير المؤمنين، فإن أدركنا ذلك الزمان فيكف نصنع؟ قال: كونوا كأصحاب عيسى «ع»: نشروا بالمناشير و صلبوا على الخشب، موت في طاعة اللّه- عزّ و جلّ- خير من حياة في معصية اللّه.» «2»

11- و في كنز العمّال: «سيكون عليكم أئمّة يملكون أرزاقكم، يحدثونكم فيكذبونكم، و يعملون فيسيؤون العمل، لا يرضون منكم حتّى تحسّنوا قبيحهم و تصدّقوا كذبهم، فأعطوهم الحقّ ما رضوا به فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، و قد مرّ بعضها في ذيل الرواية السادسة من الفصل الرابع من الباب الثالث، و بعضها في المسألة السادسة عشرة من الفصل السادس من الباب الخامس، فراجع.

______________________________

(1)- الدر المنثور 2/ 301.

(2)- نهج السعادة 2/ 639.

(3)- كنز العمال 6/ 67، الباب 1 من كتاب الإمارة و القضاء، الحديث 14876.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 255

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ محطّ النظر في بعض هذه الروايات هو عدم إطاعة الجائر في جوره لا أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر، فيجوز تحمّل الضرر في الأوّل دون

الثاني، فتدبّر.

12- و في أصول الكافي بسنده، عن ابن مسكان، عن اليمان بن عبيد اللّه، قال:

«رأيت يحيى بن أمّ الطويل وقف بالكناسة ثمّ نادى بأعلى صوته: معشر أولياء اللّه، إنّا برآء مما تسمعون. من سبّ عليّا «ع» فعليه لعنة اللّه، و نحن برآء من آل مروان و ما يعبدون من دون اللّه. ثمّ يخفض صوته فيقول: من سبّ أولياء اللّه فلا تقاعدوه، و من شك فيما نحن فيه فلا تفاتحوه، الحديث.» «1»

و العلامة المجلسي- قدّس سرّه- في مرآة العقول بعد ذكر جمع من أصحاب علي بن الحسين منهم يحيى بن أم الطويل قال:

«و روي عن أبي جعفر «ع» أنّ الحجّاج طلبه و قال: تلعن ابا تراب و أمر بقطع يديه و رجليه و قتله.

و أقول: كأنّ هؤلاء الأجلّاء من خواصّ أصحاب الأئمّة «ع» كانوا مأذونين من قبل الأئمّة «ع» بترك التقيّة لمصلحة خاصّة خفيّة، أو إنّهم كانوا يعلمون أنّه لا ينفعهم التقيّة و أنّهم يقتلون على كلّ حال بإخبار المعصوم أو غيره، و التقيّة إنّما تجب إذا نفعت. مع أنّه يظهر من بعض الأخبار أنّ التقية إنّما تجب إبقاء للدين و أهله، فإذا بلغت الضلالة حدّا توجب اضمحلال الدين بالكليّة فلا تقيّة حينئذ و إن أوجب القتل، كما أنّ الحسين «ع» لما رأى انطماس آثار الحقّ رأسا ترك التقيّة و المسالمة.» «2»

أقول: و هذا يؤيّد ما ذكرناه من تحكيم التزاحم بين الدليلين و اختيار الأهمّ منهما. هذا.

______________________________

(1)- أصول الكافي 2/ 379، كتاب الإيمان و الكفر، باب مجالسة أهل المعاصي، الحديث 16.

(2)- مرآة العقول 11/ 98. (ط. القديم 2/ 370).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 256

و أمّا الأخبار التي مرّت فمضافا

إلى ضعف أكثرها تحمل على صورة عدم القوّة و القدرة و هي شرط عقلي، أو تحمل على صورة عدم إعداد المقدمات بحيث يقع عمله لغوا لا يترتّب عليه أثر إلّا هلاك نفسه أو على كون المورد جزئيّا لا يجوز بسببه إيقاع النفس في المهالك أو نحو ذلك من المحامل.

و بالجملة، فالواجب في المقام إجراء باب التزاحم، و تقديم ما هو الأهمّ ملاكا، و هكذا كانت سيرة أصحاب النبيّ «ص» و الأئمة «ع» الملتزمين بالموازين الشرعيّة أمثال أبي ذرّ، و ميثم التمّار، و حجر بن عديّ، و رشيد، و مسلم، و هاني، و قيس بن مسهر، و زيد بن علي، و حسين بن علي شهيد فخّ، و قد استشهدوا في طريق الدفاع عن الحقّ، فما في الجواهر هنا من قوله:

«و ما وقع من خصوص مؤمن آل فرعون و أبي ذرّ و غيرهما في بعض المقامات فلأمور خاصّة لا يقاس عليها غيرها،» «1» كلام بلا وجه، فتدبّر.

هذا كلّه ما يقال أوّلا.

و ثانيا: إنّ الظاهر أنّ محل بحث المحقّق و أمثاله هو الأمر و النهي الصادران عن الأشخاص العاديين في الموارد الجزئيّة. و أمّا صاحب المقام المسؤول من قبل الحاكم لذلك فعليه تفويض الأمر إلى العالم بالمعروف و المنكر القادر على الأمر و النهي و لو بالقدرة الحاصلة من قبل الحكومة. و لعلّه المراد أيضا بقوله «ع» في خبر مسعدة:

«إنّما هو على القوى المطاع العالم.» و لو لم يوجد هنا حكومة عادلة ملتزمة فعلى المسلمين التعاضد و التعاون و التجمع و التشكل و تهيّة الأسباب مقدّمة لتحصيل القدرة على ذلك و القيام في قبال الطغاة، كما مرّ بيانه بالتفصيل، فلاحظ.

و في الجواهر بعد بيان الشرائط الأربعة للوجوب قال:

«و

عن البهائي- رحمه اللّه- في أربعينه عن بعض العلماء زيادة أنه لا يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلّا بعد كون الآمر و الناهي متجنبا عن المحرمات

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 373.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 257

و عدلا، لقوله- تعالى-: «أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ» «1» و قوله- تعالى-:

«لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ» و قوله: «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ» «2» و قول الصادق «ع» في خبر محمد بن أبي عمير المروي، عن الخصال و عن روضة الواعظين:

«إنّما يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه الحديث» «3» و قول أمير المؤمنين «ع» في نهج البلاغة: «و أمروا بالمعروف و ائتمروا به، و انهوا عن المنكر و انتهوا (تناهوا- الوسائل) عنه. و إنّما أمرنا بالنهي بعد التناهي» «4» و في الخبر: «و لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به، و لا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه.» على أن هداية الغير فرع الاهتداء، و الإقامة بعد الاستقامة.

و فيه أنّ الأول إنّما يدلّ على ذمّ غير العامل بما يأمر به لا على عدم الوجوب عليه.

و احتمال الثاني اللوم على قول «فعلنا» أو ما يدلّ على ذلك و لا فعل. و الثالث الإشارة إلى الإمام القائم بجميع أفراد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و التعريض بأئمّة الجور المتلبّسين بلباس أئمّة العدل. كلّ ذلك لإطلاق ما دلّ على الأمر بهما كتابا و سنّة و إجماعا من غير اشتراط للعدالة، بل ظاهر حصرهم الشرائط في الأربعة عدم اشتراط غيرها.» انتهى

كلام الجواهر. «5»

أقول: و عن إرشاد الديلمي عن رسول اللّه «ص» قال: قيل له: لا نأمر بالمعروف حتّى نعمل به كلّه و لا ننهى عن المنكر حتّى ننتهي عنه كلّه؟ فقال: «لا، بل مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به كلّه و انهوا عن المنكر و إن لم تنتهوا عنه كلّه.» «6»

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 44.

(2)- سورة الصفّ (61)، الآية 2- 3.

(3)- الوسائل 11/ 419 و 403، الباب 10 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 3. و الباب 2 منها، الحديث 10.

(4)- الوسائل 11/ 420، الباب 10 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8. لكن لم اجده في نهج البلاغة، نعم في ذيل الخطبة 105: «و انهوا عن المنكر و تناهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي».

(5)- الجواهر 21/ 373.

(6)- الوسائل 11/ 420، الباب 10 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 258

و في معالم القربة عن ابن عباس، عن النبيّ «ص»، قال: «مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به كلّه و انهوا عن المنكر و إن لم تنتهوا عنه كلّه.» «1»

و في كشف الغطاء في بيان شروطهما قال:

«و يجب الأمر بالواجب و النهي عن المحرم وجوبا كفائيا بشروط أربعة عشر:

احدها: التكليف بجمع وصفي البلوغ و العقل حين الأمر و النهي.

ثانيها: العلم بجهة الفعل من وجوب و حرمة. و مع الاحتمال يدخل في السنّة للاحتياط.

ثالثها: امكان التأثير. و مع عدمه يلحق بالسنّة.

رابعها: عدم التقيّة و لو بمجرد الاطلاع.

خامسها: عدم ترتّب الفساد الدنيوي على المأمور أو غيره بسببه.

سادسها: عدم مظنّة قيام الغير به.

سابعها: مظنّة الوقوع ممّن تعلّق به الخطاب.

ثامنها: ألّا يتقدم منه أو من غيره

خطاب يظنّ تأثيره.

تاسعها: عدم البعث على ارتكاب معصية أو ترك واجب للمأمور أو غيره بسببه.

عاشرها: عدم ترتّب نقص مخلّ بالاعتبار على الآمر.

حادي عشرها: فهم المأمور مراد الآمر.

ثاني عشرها: ضيق الوقت في الواجب الفوري.

ثالث عشرها: عدم معارضة واجب مضيق من صلاة و نحوها.

رابع عشرها: كون المأمور ممّن يجوز له النظر إليه أو اللمس له إذا توقّف عليهما.» «2»

______________________________

(1)- معالم القربة/ 17 (ط. مصر/ 64).

(2)- كشف الغطاء/ 420.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 259

الجهة العاشرة: في بيان مفهوم الحسبة، و شروط المحتسب، و الفرق بينه و بين المتطوّع:

من الدوائر التي كانت رائجة في أعصار الخلافة الإسلاميّة هي دائرة الحسبة، و ربّما كان يعبّر عنها بولاية الحسبة، و يرجع تاريخها إلى عصر النبيّ «ص» كما سيظهر.

و كانت وظيفتها إجمالا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمراتبهما و مفهومهما الوسيع، و لعلّها توجد الآن أيضا في بعض البلاد الإسلاميّة بهذا الاسم أو ما يقرب منه. و قد وزّعت وظائفها في أعصارنا في أكثر البلاد على الوزارات و المؤسّسات المختلفة المنشعبة من سلطة التنفيذ، كما فوّض بعض وظائفها أيضا إلى سلطة القضاء.

و كانت في عصر بساطة الخلافة و سذاجتها تحت إشراف نفس الخليفة و الإمام الأعظم، بل ربّما كان الإمام بنفسه يتصدّى لأكثر وظائفها. فلنتعرّض لها هنا إجمالا فنقول:

1- قال ابن الأثير في النهاية:

«و الحسبة اسم من الاحتساب، كالعدّة من الاعتداد. و الاحتساب في الأعمال الصالحة و عند المكروهات: هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر، أو باستعمال أنواع البرّ و القيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها.» «1»

2- و في الصّحاح:

«احتسبت عليه كذا: إذا أنكرته عليه. قال ابن دريد: و احتسبت بكذا [طلبت] أجرا عند اللّه، و الاسم الحسبة بالكسر و

هي الأجر.» «2»

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 1/ 382.

(2)- الصحاح للجوهري 1/ 110.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 260

3- و في مجمع البحرين:

«يقال: احتسب فلان: عمله طلبا لوجه اللّه و ثوابه، و منه الحسبة بالكسر و هي الأجر ... و الحسبة: الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و اختلف في وجوبهما عينا أو كفاية.» «1»

أقول: و يحتمل أن تكون الحسبة من المحاسبة بمعنى مراقبة أحد الرجلين للآخر و حسابه عليه، و لعلّ منه أيضا الحسيب بمعنى المحاسب، قال اللّه- تعالى-: «وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ حَسِيباً»* «2» هذا.

4- و في أول معالم القربة لابن الأخوة:

«الحسبة من قواعد الأمور الدينيّة. و قد كان أئمّة الصدر الأوّل يباشرونها بأنفسهم، لعموم صلاحها و جزيل ثوابها. و هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه و نهى عن المنكر إذا ظهر فعله، و إصلاح بين الناس، قال اللّه- تعالى-: «لٰا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ إِلّٰا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلٰاحٍ بَيْنَ النّٰاسِ». و المحتسب: من نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعيّة و الكشف عن أمورهم و مصالحهم (و بياعاتهم و مأكولاتهم و ملبوسهم و مشروبهم و مساكنهم و طرقاتهم و أمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر خ. ل).

و من شرط المحتسب أن يكون مسلما حرّا بالغا عاقلا عدلا قادرا حتّى يخرج منه الصبيّ و المجنون و الكافر، و يدخل فيه آحاد الرعايا و إن لم يكونوا مأذونين، و يدخل فيه الفاسق و الرقيق و المرأة ... و أن يكون ذا رأي و صرامة و خشونة في الدّين، عارفا بأحكام الشريعة ليعلم ما يأمر به و ينهى عنه، فإنّ الحسن ما حسّنه الشّرع، و القبيح

ما قبّحه الشرع، لقوله «ص»: ما استحسنه المسلمون فهو حسن.» «3»

______________________________

(1)- مجمع البحرين/ 106.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 6؛ و سورة الأحزاب (33)، الآية 39.

(3)- معالم القربة/ 7- 8. (ط. مصر/ 51).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 261

أقول: ما ذكره من قوله: «و يدخل فيه آحاد الرعايا ...» يريد به لا محالة من يتصدّى للحسبة تطوّعا، فلا يناقض ما قبله. و أمّا ما ذكره من مباشرة أئمّة الصدر الأوّل لأمر الحسبة فأمر يظهر لكلّ من راجع الأخبار و التواريخ، و سيأتي ذكر بعض مواردها.

5- و في التراتيب الإدارية للكتّاني عن التيسير لابن سعيد:

«اعلم أنّ الحسبة من أعظم الخطط الدينيّة، فلعموم مصلحتها و عظيم منفعتها تولّى أمرها الخلفاء الراشدون، لم يكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد و تجهيز الجيوش للمكافحة و الجلاد.» «1»

6- و فيه أيضا عن كشف الظنون:

«علم الاحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتمّ التمدّن بدونها من حيث إجرائها على القانون المعدّل بحيث يتمّ التراضي بين المتعاملين، و عن سياسة العباد بنهي المنكر و أمر بالمعروف بحيث لا يؤدّي إلى مشاجرات و تفاخر بين العباد بحيث ما رآه الخليفة من الزجر و المنع.

و مباديه بعضها فقهي و بعضها أمور استحسانية ناشئة من رأي الخليفة. و الغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور. و فائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتمّ.

و هذا أدقّ العلوم و لا يدركه إلّا من له فهم ثاقب و حدس صائب، إذ الأشخاص و الأزمان و الأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لا بدّ لكلّ واحد من الأزمان و الأحوال سياسة خاصّة،

و ذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصبها إلّا من له قوّة قدسيّة مجردة عن الهوى.» «2»

7- و قال القاضي أبو يعلى الفرّاء في الأحكام السلطانية في أحكام الحسبة:

«و الحسبة هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، و نهى عن المنكر إذا ظهر فعله. و هذا

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية 1/ 286.

(2)- التراتيب الإدارية 1/ 287.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 262

و إن صحّ من كلّ مسلم، فالفرق بين المحتسب و المتطوّع من تسعة أوجه:

أحدها: أنّ فرضه متعيّن على المحتسب بحكم الولاية، و فرضه على غيره داخل في فرض الكفاية.

الثاني: أنّ قيام المحتسب به من حقوق تصرّفه الذي لا يجوز أن يتشاغل عنه بغيره، و قيام المتطوّع به من النوافل الذي يجوز التشاغل عنه بغيره.

الثالث: أنّه منصوب للاستعداء إليه فيما يجب، و ليس المتطوّع منصوبا للاستعداء.

الرابع: أنّ على المحتسب إجابة من استعدى به، و ليس على المتطوّع إجابته.

الخامس: أنّ عليه أن يبحث عن المنكرات الظاهرة، ليصل إلى إنكارها.

و يفحص عمّا ترك من المعروف الظاهر ليأمر بإقامته، و ليس على غيره من المتطوّعة بحث و لا فحص.

السادس: أنّ له أن يتّخذ على الإنكار أعوانا، لأنّه عمل هو له منصوب و إليه مندوب ليكون له أقهر و عليه أقدر، و ليس لمتطوّع أن يندب لذلك أعوانا.

السابع: له أن يعزّر على المنكرات الظاهرة و لا يتجاوزها إلى الحدود، و ليس للمتطوّع أن يعزّر على منكر.

الثامن: أن له أن يرتزق من بيت المال على حسبته، و لا يجوز لمتطوّع أن يرتزق على إنكاره.

التاسع: أنّ له اجتهاد رأيه فيما تعلّق بالعرف دون الشرع، كالمقاعد في الأسواق، و إخراج الأجنحة، فيقرّ و ينكر من ذلك ما أدّاه

اجتهاده إليه، و ليس هذا للمتطوّع.

فيكون الفرق بين والي الحسبة و إن كانت أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر، و بين غيره من المتطوّعة، و إن جاز أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من هذه الوجوه التسعة.

و من شروط والي الحسبة أن يكون خبيرا عدلا ذا رأي و صرامة و خشونة في الدين، و علم بالمنكرات الظاهرة. و هل يفتقر إلى أن يكون عالما من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه؟ يحتمل أن يكون من أهله، و يحتمل أن لا يكون ذلك

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 263

شرطا إذا كان عارفا بالمنكرات المتّفق عليها.» «1» و ذكر نحو ذلك أيضا الماوردي. «2»

أقول: و في بعض ما ذكراه من الفروق التسعة نظر بل منع و لا سيّما في الثاني و السادس، كما لا يخفى وجهه.

الجهة الحادية عشرة: في ذكر بعض الموارد التي تصدّى فيها رسول اللّه «ص» أو أمير المؤمنين «ع» لأمر الحسبة

أو أمرا بها:

1- سيأتي في فصل الاحتكار: «أنّ رسول اللّه «ص» مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق و حيث تنظر الأبصار إليها.» «3»

2- و سيأتي أيضا في رواية حذيفة بن منصور: «أنّ رسول اللّه «ص» قال: يا فلان، إنّ المسلمين ذكروا أنّ الطعام قد نفد إلّا شي ء عندك فأخرجه و بعه كيف شئت.» «4»

3- و في خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «جاء رجل إلى النبيّ «ص» فقال: يا رسول اللّه، إنّي سألت رجلا بوجه اللّه فضربني خمسة أسواط؟ فضربه النبيّ «ص» خمسة أسواط أخرى و قال: سل بوجهك اللئيم.» «5»

4- و في خبر سعد الإسكاف، عن أبي جعفر «ع»، قال: «مرّ النبيّ «ص» في سوق

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 284.

(2)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 240.

(3)- الوسائل 12/

317، الباب 30 من أبواب التجارة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 12/ 317، الباب 29 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(5)- الوسائل 18/ 577، الباب 2 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 264

المدينة بطعام فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلّا طيّبا، و سأله عن سعره، فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه أن يدسّ (يدير- يب) يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديّا، فقال لصاحبه: «ما أراك إلّا و قد جمعت خيانة و غشّا للمسلمين.» «1»

5- و في سنن الترمذي بسنده عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه «ص» مرّ على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال: «يا صاحب الطعام، ما هذا؟ قال:

أصابته السماء يا رسول اللّه، قال: «أ فلا جعلته فوق الطعام حتّى يراه الناس؟» ثمّ قال:

«من غشّ فليس منا.» «2»

6- و في سنن أبي داود بسنده عن أبي هريرة أن رسول اللّه «ص» مرّ برجل يبيع طعاما فسأله: «كيف تبيع؟» فأخبره، فأوحى اليه أن أن أدخل يدك فيه، فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول، فقال رسول اللّه «ص»: «ليس منّا من غشّ.» «3»

7- و في كنز العمّال عن محمد بن راشد، قال: سمعت مكحولا يقول: مرّ رسول اللّه «ص» برجل يبيع طعاما قد خلط جيّدا بقبيح، فقال له النبيّ «ص»:

ما حملك على ما صنعت؟ فقال: أردت أن ينفق، فقال له النبيّ «ص»: «ميّز كلّ واحد منهما على حدة، ليس في ديننا غشّ.» (عب). «4»

8- و في صحيح البخاري بسنده عن ابن عمر: «إنّهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد النبيّ «ص» فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتّى

ينقلوه حيث يباع الطعام.» «5»

9- و فيه أيضا بسنده عن سالم بن عبد اللّه، عن أبيه، قال: «رأيت الذين

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 209- 210، الباب 86 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8.

(2)- سنن الترمذي 2/ 389، أبواب البيوع، الباب 72، الحديث 1329.

(3)- سنن أبي داود 2/ 244، كتاب الإجارة، باب في النهي عن الغش.

(4)- كنز العمال 4/ 159، الباب 2 من كتاب البيوع من قسم الأفعال، الحديث 9974.

(5)- صحيح البخاري 2/ 14، كتاب البيوع، الباب 49 (باب ما ذكر في الأسواق).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 265

يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول اللّه «ص» أن يبيعوه حتّى يؤووه إلى رحالهم.» «1»

و روى نحوه عن سالم عن ابن عمر أيضا «2».

10- و في التراتيب الإدارية للكتّاني عن ابن عبد البرّ في الاستيعاب: «استعمل رسول اللّه «ص» سعيد بن سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة.» «3»

11- و فيه أيضا عن الاستيعاب:

«سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت النبيّ «ص» و عمّرت و كانت تمرّ في الأسواق تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تنهى الناس عن ذلك بسوط معها.» «4»

أقول: قد يقال: إن حسبتها لم تكن على عهد رسول اللّه «ص» بل في عهد عمر، و عن القاضي ابن سعيد: إنّ ولايتها كانت في أمر خاصّ يتعلّق بأمر النساء.

12- و في كنز العمّال عن أبي سعيد، قال: مرّ النبيّ «ص» بسلّاخ و هو يسلخ شاة و هو ينفخ فيها فقال: «ليس منّا من غشّنا و دحس بين جلدها و لحمها و لم يمسّ ماء.» (كر) «5»

أقول: دحس القصاب: أدخل يده بين الجلد و الصفاق للسلخ.

13- و فيه أيضا عن كليب

بن وائل الأزدي، قال: رأيت علي بن أبي طالب مرّ بالقصّابين فقال: «يا معشر القصّابين، لا تنفخوا، فمن نفخ اللحم فليس منّا.» (عب) «6»

14- و أمر أمير المؤمنين «ع» مالكا بمنع التجار من الاحتكار و معاقبة من قارف الحكرة بعد نهيه. «7»

______________________________

(1)- صحيح البخاري 2/ 15، كتاب البيوع، الباب 54 (باب ما يذكر في بيع الطعام و الحكرة).

(2)- صحيح البخاري 2/ 16، كتاب البيوع، الباب 56 (باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا ...).

(3)- التراتيب الإدارية 1/ 285.

(4)- التراتيب الإدارية 1/ 285.

(5)- كنز العمال 4/ 158، الباب 2 من كتاب البيوع من قسم الأفعال، الحديث 9972.

(6)- كنز العمال 4/ 158، الباب 2 من كتاب البيوع من قسم الأفعال، الحديث 9969.

(7)- نهج البلاغة، فيض/ 1017؛ عبده 3/ 110؛ لح/ 438، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 266

15- و أمر «ع» رفاعة قاضيه على الأهواز بالنهي عن الاحتكار و أنّه من ركبه فأوجعه و عاقبه بإظهار ما احتكر «1».

16- و في المحلّى لابن حزم عن حبيش قال: «أحرق لي علي بن أبي طالب «ع» بيادر بالسواد كنت احتكرتها لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة.» «2»

17- و فيه أيضا بسنده عن أبي الحكم: «أنّ علي بن أبي طالب «ع» أحرق طعاما احتكر بمائة ألف.» «3»

18- و في خبر حبابة الوالبيّة، قالت: «رأيت أمير المؤمنين «ع» في شرطة الخميس و معه درّة لها سبابتان يضرب بها بيّاعي الجرّي و المارماهي و الزمّار.» «4»

19- و في خبر رزين، قال: «كنت أتوضّأ في ميضأة الكوفة فإذا رجل قد جاء فوضع نعليه و وضع درّته فوقها، ثم دنا فتوضّأ معي، فزحمته حتّى وقع على يديه،

فقام فتوضّأ فلمّا فرغ ضرب رأسي بالدرّة- ثلاثا- ثمّ قال: إيّاك أن تدفع فتكسر فتغرم. فقلت: من هذا؟ فقالوا: أمير المؤمنين، فذهبت أعتذر إليه فمضى و لم يلتفت إليّ.» «5»

20- و في خبر طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه «ع»: «أنّ أمير المؤمنين «ع» أتى برجل عبث بذكره فضرب يده حتّى احمرّت ثمّ زوجه من بيت المال.» «6»

21- و في خبر زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إنّ عليا «ع» أتى برجل عبث

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 36، كتاب البيوع، الفصل 6 (ذكر ما نهي عنه في البيوع)، الحديث 80.

(2)- المحلّى 6/ 65، (الجزء 9)، المسألة 1567.

(3)- المحلّى 6/ 65، (الجزء 9)، المسألة 1567.

(4)- الوسائل 16/ 332، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 18/ 583، الباب 9 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الحديث 1.

(6)- الوسائل 18/ 574، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم و ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 267

بذكره حتى أنزل فضرب يده حتّى احمرت. قال: و لا أعلمه إلّا قال: «و زوّجه من بيت مال المسلمين.» «1»

22- و في صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»: «أنّ أمير المؤمنين «ع» رأى قاصّا في المسجد فضربه بالدرّة و طرده.» «2»

23- و في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أتي أمير المؤمنين «ع» برجل نصراني كان أسلم و معه خنزير قد شواه و أدرجه بريحان. قال: ما حملك على هذا؟ قال الرجل:

مرضت فقرمت إلى اللحم. فقال: أين أنت عن لحم الماعز فكان خلفا منه، ثمّ قال: لو أنّك أكلته لا قمت عليك الحدّ و لكنّي سأضربك ضربا فلا

تعد، فضربه حتّى شغر ببوله.» «3»

أقول: قرم إلى اللحم: اشتدت شهوته له حتّى لا يصبر عنه. و شغر الكلب: رفع إحدى رجليه ليبول.

24- و في خبر السكوني أيضا، عن أبي عبد اللّه «ع»: «أنّ أمير المؤمنين «ع» ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: أمّا إنّها حكومة، و الجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه.» «4»

25- و عن الكليني و الشيخ بسندهما عن جابر، عن أبي جعفر «ع» قال: «كان أمير المؤمنين «ع» عندكم بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، و معه الدرّة على عاتقه، و كان لها طرفان، و كانت تسمّى السبيبة فيقف على أهل كلّ سوق فينادي: يا معشر التجار، اتقوا اللّه، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم و أرعوا إليه بقلوبهم و سمعوا بآذانهم فيقول: قدّموا الاستخارة، و تبرّكوا بالسهولة، و اقتربوا من المبتاعين، و تزيّنوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الربا، وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 575، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم و ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 18/ 578، الباب 4 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 580، الباب 7 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 582، الباب 8 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 268

وَ الْمِيزٰانَ، وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. فيطوف في جميع أسواق الكوفة ثمّ يرجع فيقعد للناس.»

و عن

الصدوق بسنده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر «ع» نحوه «1»

أقول: في حاشية فروع الكافي أنّ السبيبة بمعنى الشقّ، إذ كانت لدرّته «ع» سبابتان «2». و قوله: «و أرعوا إليه بقلوبهم.» من قولهم: «أرعيته سمعي»، أي أصغيت إليه.

26- و في الغارات بسنده عن أبي سعيد، قال: كان عليّ «ع» يأتي السوق فيقول: يا أهل السوق، اتقوا اللّه. و إيّاكم و الحلف، فإنّه ينفق السلعة و يمحق البركة فإنّ التاجر فاجر إلّا من أخذ الحقّ و أعطاه، السلام عليكم. ثمّ يمكث الأيّام ثمّ يأتي فيقول مثل مقالته فكان إذا جاء قالوا: قد جاء المردشكنبه فكان يرجع إلى سرّته فيقول: «إذا جئت قالوا: قد جاء المردشكنبه فما يعنون بذلك؟» قال: يقولون: قد جاء عظيم البطن، فيقول «ع»: «أسفله طعام و أعلاه علم.» و رواه عنه في المستدرك «3».

27- و في دعائم الإسلام عن علي «ع» أنّه كان يمشي في الأسواق و بيده درّة يضرب بها من وجد من مطفّف أو غاش في تجارة المسلمين. قال الأصبغ: قلت له يوما: أنا أكفيك هذا يا أمير المؤمنين و اجلس في بيتك. قال: ما نصحتني يا أصبغ.

و كان يركب بغلة رسول اللّه «ص» الشهباء و يطوف في الأسواق سوقا سوقا فأتى يوما طاق اللحّامين فقال: يا معشر القصّابين، لا تعجّلوا الأنفس قبل أن تزهق، و إيّاكم و النفخ في اللحم. ثمّ أتى إلى التمّارين فقال: أظهروا من رديّ بيعكم ما تظهرون من جيّده. ثم أتى السماكين، فقال: لا تبيعوا إلّا طيّبا و إيّاكم و ما طفا. ثمّ أتى الكناسة و فيها من أنواع التجارة من نخّاس و قمّاط و بائع إبل و صيرفيّ و بزّاز و خيّاط فنادى بأعلى

صوت: يا معشر التجّار، إنّ أسواقكم هذه تحضرها الإيمان فشربوا إيمانكم بالصدقة، و كفّوا عن الحلف فإنّ اللّه

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 284، الباب 2 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(2)- الكافي 5/ 151، كتاب المعيشة، باب آداب التجارة.

(3)- الغارات 1/ 110؛ و رواه في المستدرك 2/ 463، الباب 3 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 269

- تبارك و تعالى- لا يقدّس من حلف باسمه كاذبا. «1»

28- و عن الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين «ع» أنّ رجلا قال له: إنّ هذا زعم أنّه احتلم بأمّي. فقال «ع»: إنّ الحلم بمنزلة الظلّ، فإن شئت جلدت لك ظلّه.

ثمّ قال: لكنّي أؤدّبه لئلا يعود يؤذي المسلمين. «2»

و في صحيحة الحسين بن ابي العلاء، عن أبي عبد اللّه «ع» نحوه، و قال: «فضربه ضربا وجيعا.» «3»

29- و في التراتيب الإدارية للكتّاني عن عبد بن حميد في مسنده، عن مطرف، قال: «خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك، فإنّه أنقى لثوبك و أبقى له. فمشيت خلفه و هو بين يديّ مؤتزر بإزار، مرتد برداء و معه الدرة كأنّه أعرابي بدويّ، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين «ع».

حتّى انتهى إلى الإبل فقال: بيعوا و لا تحلفوا، فإنّ اليمين تنفق السلعة و تمحق البركة. ثمّ أتى إلى أصحاب التمر فإذا خادم يبكى فقال: ما يبكيك؟ قال: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فردّه عليّ مولاي. فقال له عليّ «ع»: خذ تمرك و أعطه درهمه، فإنّه ليس له من الأمر شي ء، فدفعه.» «4»

و روى نحوه ابن عساكر في تاريخه عن أبي المطر. و في

كنز العمال أيضا عن مسند علي «ع»، عن أبي مطر نحوه، فراجع «5».

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال ممّا يعثر عليها المتتبّع.

أقول: و ليس مقتضى نقلنا لهذه الروايات الكثيرة الالتزام بصحّة الجميع و جواز

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 538، كتاب آداب القضاة، الحديث 1613.

(2)- الوسائل 18/ 458، الباب 24 من أبواب حد القذف، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 458، الباب 24 من أبواب حد القذف، الحديث 1.

(4)- التراتيب الإدارية 1/ 289.

(5)- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 3/ 194؛ و كنز العمال 13/ 183، باب فضائل الصحابة من كتاب الفضائل من قسم الأفعال، الحديث 36547.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 270

الاعتماد على كلّ واحدة منها بانفرادها، بل الغرض هو إثبات اهتمام النبيّ «ص» و أمير المؤمنين «ع» بأمر الحسبة إجمالا، بحيث كانا بأنفسهما يتصدّيان لها. و الظاهر تحقّق الوثوق بصدور بعض هذه الروايات إجمالا، و هذا يكفينا في مقام الاستدلال، فتدبّر.

الجهة الثانية عشرة: في وظيفة المحتسب:
اشارة

وظيفة المحتسب إجمالا هي نشر المعروف و بسطه في المجتمع، و دفع المنكر و المكروه عنه.

[المراد بالمعروف في هذا الباب]

و الظاهر أنّ المراد بالمعروف في هذا الباب مطلق ما يستحسنه العقل أو الشرع من الواجب و المندوب بل و بعض المباحات الراجحة لجهة من الجهات الراجعة إلى مصالح المجتمع. و المراد بالمنكر مطلق ما يستنكره العقل أو الشرع، محرّما كان أو مكروها أو مباحا له حزازة عرفية لجهة من الجهات، إذ ربّ أمر لا يكون بالذات محرّما و لكن مصالح المجتمع و البلاد تقتضي تحديد حرّيات الأفراد بالنسبة إليه، كما لا يخفى على أهله.

قال المحقّق في الشرائع:

«و المعروف ينقسم إلى الواجب و الندب. فالأمر بالواجب واجب، و بالمندوب مندوب. و المنكر لا ينقسم. فالنهي عنه كله واجب.» «1»

قال في الجواهر:

«و كأنّه اصطلاح، و إلّا فيمكن قسمته إليهما أيضا على معنى وجوب النهي عن الحرام و استحباب النهي عن المكروه.» «2»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 341.

(2)- الجواهر 21/ 365.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 271

أقول: و ما ذكره صحيح، و لذا قال ابن حمزة في الوسيلة:

«و الأمر بالمعروف يتبع المعروف في الوجوب و الندب، و النهي عن المنكر يتبع المنكر فإن كان المنكر محظورا كان النهي عنه واجبا و إن كان مكروها كان النهي عنه مندوبا.» «1»

[كلام ابن خلدون في وظائف المحتسب]

و كيف كان: فلنتعرض في المقام لبعض الكلمات المتعرضة لوظائف المحتسب:

ففي مقدّمة ابن خلدون في فصل الخطط الدينيّة الخلافيّة:

«أمّا الحسبة فهي وظيفة دينيّة من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يعيّن لذلك من يراه أهلا له فيتعيّن فرضه عليه، و يتّخذ الأعوان على ذلك، و يبحث عن المنكرات، و يعزّر و يؤدّب على قدرها، و يحمل الناس على المصالح العامّة في المدينة مثل المنع من المضايقة في

الطّرقات و منع الحمّالين و أهل السفن من الإكثار في الحمل، و الحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها، و إزالة ما يتوقّع من ضررها على السابلة، و الضرب على أيدي المعلّمين في المكاتب و غيرها في الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلّمين.

و لا يتوقّف حكمه على تنازع أو استعداء، بل له النظر و الحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك و يرفع إليه، و ليس له إمضاء الحكم في الدعاوى مطلقا بل فيما يتعلّق بالغشّ و التدليس في المعايش و غيرها و في المكاييل و الموازين. و له أيضا حمل المماطلين على الإنصاف و أمثال ذلك ممّا ليس فيه سماع بيّنة و لا إنفاذ حكم.

و كأنّها أحكام ينزه القاضي عنها لعمومها و سهولة أغراضها فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها، فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء.» «2»

هذا.

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 733.

(2)- المقدمة/ 158، الفصل 32 من الفصل 3 من الكتاب الأوّل (طبعة أخرى/ 225، الفصل 31).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 272

[خلاصة كتاب ابن الأخوة محمد بن محمد بن أحمد القرشي «معالم القربة في أحكام الحسبة»]
اشارة

أقول: و ابن الأخوة محمد بن محمد بن أحمد القرشي- المتوفى 729 ه- قد ألّف كتابا جامعا في الحسبة سمّاه «معالم القربة في أحكام الحسبة» و عقد فيه أبوابا و فصولا كثيرة عدد أبوابه سبعون بابا، و فصّل فيها وظائف المحتسب في المجالات المختلفة.

فلنذكر بعض ما ذكره إجمالا تلخيصا من كتابه، لاشتماله على ما يعمّ نفعه و يكثر الابتلاء به، و إن كان للبحث و الإشكال في بعض ما ذكره مجال واسع كما لا يخفى على أهله. و أوصي الفضلاء بمطالعة هذا الكتاب، فإنّه كتاب وزين في موضوعه «1».

[في وجوب الأمر بالمعروف]

1- قال في الباب الثاني منه ما ملخّصه:

«أمّا بعد فإنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، و هو المهمّ الذي ابتعث اللّه به النبيّين أجمعين. و لو طوى بساطه و أهمل عمله و علمه لتعطّلت النبوّة و اضمحلّت الديانة و عمّت الفترة و فشت الضلالة و شاعت الجهالة و انتشر الفساد و اتّسع الخرق و خربت البلاد و هلك العباد ... فمن سعى في تلافي هذه الفترة و سدّ هذه الثلمة إمّا متكلّفا بعلمها أو متقلّدا لتنفيذها مجردا عزيمته لهذه السنّة الداثرة ناهضا باعتنائها و مشمّرا في إحيائها، كان مستأثرا من بين الناس باحتسابه و مستندا بقربة ينال بها درجات القرب.

و أمّا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقد وردت فيه فضائل كثيرة: قال اللّه- تعالى-: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.» و قال اللّه- تعالى- «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ.» ...

و أمّا الأخبار فيها فما رواه الحسن

عن النبيّ «ص»: «من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فهو خليفة اللّه في أرضه و خليفة رسوله و خليفة كتابه.» و عن درّة بنت أبي لهب، قالت: جاء رجل إلى النبيّ «ص» و هو على المنبر فقال: من خير الناس

______________________________

(1)- و حيث يوجد اختلاف بين النسختين الموجودتين عندنا من الكتاب، نشير ذيل الصفحات إلى طبعتيه- طبعة دار الفنون بكيمبرج (ليدن)، و طبعة مصر-.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 273

يا رسول اللّه؟ قال: «آمرهم بالمعروف و أنهاهم عن المنكر و أتقاهم للّه و أوصلهم.» ...

و روى عن أبى ثعلبة أنّه سأل رسول اللّه «ص» عن تفسير قوله- تعالى-: «لٰا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، فقال: يا أبا ثعلبة، مر بالمعروف و انه عن المنكر، فإذا رأيت شحّا مطاعا و هوى متّبعا و دنيا مؤثّرة و إعجاب كلّ ذي رأي برأيه فعليك بنفسك و دع العوامّ.

الحديث.» «1»

و عن ابن عباس قال: قلنا: يا رسول اللّه، إنّك لتأمرنا بالمعروف حتّى لا يبقى من المعروف شي ء إلّا عملنا به، و تنهانا عن المنكر حتّى لا يبقى من المنكر شي ء إلّا انتهينا عنه، لم نأمر بالمعروف؟ و لم ننهى عن المنكر؟ فقال «ص»: «مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به كلّه و انهوا عن المنكر و إن لم تنتهوا عنه كلّه.» و قال علي بن أبي طالب «ع»: «أفضل الجهاد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمنين، و من نهى عن المنكر أرغم أنف المنافقين.» ...

و قال النبي «ص»: «لا يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر إلّا رفيق فيما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، حكيم فيما

يأمر به، حكيم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به، فقيه فيما ينهى عنه.»

و هذا يدلّ على أنّه لا يشترط أن يكون فقيها مطلقا بل فيما يأمر به.

و أوصى بعض السلف بنيه و قال: إذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطّن نفسه على الصبر و ليثق بالثواب من اللّه، فمن وثق بالثواب لم يجد مسّ الأذى.

فأدب من آداب الحسبة توطين النفس على الصبر، و لذلك قرن اللّه به الصبر حاكيا عن لقمان: «يٰا بُنَيَّ، أَقِمِ الصَّلٰاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَ اصْبِرْ عَلىٰ مٰا أَصٰابَكَ، إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.»

و قال رسول اللّه «ص»: «ما من عين رأت منكرا و معصية للّه فلم تغيّره إلّا أبكاها اللّه يوم القيامة و ان كان وليّا للّه.»

و قال رسول اللّه «ص»: «من رأى منكرا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه و هو أضعف الإيمان.»

______________________________

(1)- إحياء العلوم 2/ 308؛ و روى نحوه في الدر المنثور 2/ 339.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 274

و قال الحسن البصري: قال رسول اللّه «ص»: «أفضل شهداء أمّتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف و نهاه عن المنكر فقتله على ذلك، فذلك الشهيد منزلته في الجنّة بين حمزة و جعفر.» «1»

[سيرة العلماء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر]

2- و كانت سيرة العلماء و عاداتهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قلّة المبالاة بسطوة الملوك، لكنّهم اتّكلوا على فضل اللّه أن يحرسهم و رضوا بحكم اللّه أن يرزقهم الشهادة، فلمّا أخلصوا للّه النيّة أثّر كلامهم في القلوب القاسية، و أمّا الآن فقد استولى عليهم حبّ الدنيا، و من استولى عليه حبّ الدنيا لم

يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك و الأكابر، و كانت من عادات السلف الحسبة على الولاة ...

و عن سفيان الثوري قال: «حجّ المهدي فرأيته يرمي جمرة العقبة و الناس محيطون به يمينا و شمالا يضربون الناس بالسياط فوقفت فقلت يا حسن الوجه، حدثنا أيمن بن نابل عن قدامة، قال: رأيت رسول اللّه «ص» يرمي جمرة يوم النحر على جمل لا ضرب و لا طرد و لا جلد و لا إليك إليك. و ها أنت يخبط الناس بين يديك يمينا و شمالا.» ...

و قال أبو الدرداء: «إذا كان الرجل محبّبا في جيرانه، محمودا عند إخوانه فاعلم أنّه مداهن.» «2»

[معنى المعروف]

3- و قال بعض العلماء: المعروف كلّ فعل أو قول أو قصد حسن شرعا، و المنكر كلّ فعل أو قول أو قصد قبح شرعا. و الإنكار في ترك الواجب و فعل الحرام واجب، و في ترك المندوب و فعل المكروه مندوب. و الإنكار باليد إن أمكن و إلّا باللسان و إلّا بالقلب. و على الناس و الولاة فعل ذلك و إعانة من يفعله و تقويته فإنّه حفظ الدين، و يجب الإنكار على من ترك الإنكار الواجب. و يبدأ في الإنكار بالأسهل، فإن زال و إلّا أغلظ، فإن زال و إلّا رفعه إلى الإمام. و لا ينكر على غير مكلّف إلّا

______________________________

(1)- معالم القربة/ 15 (ط. مصر/ 61).

(2)- معالم القربة/ 20 (ط. مصر/ 70).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 275

تأديبا و زجرا و لا على ذمّي لا يجهر بالمنكر. «1»

[الأمر بالمعروف ينقسم إلى ثلاثة أقسام]
اشارة

4- و أمّا الأمر بالمعروف فينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أحدها: ما تعلّق بحقوق اللّه. و الثاني: ما تعلّق بحقوق الآدميّين. و الثالث: ما كان مشتركا بينهما.

و أمّا المتعلّق بحقوق اللّه- تعالى- فضربان:
أحدهما ما يلزم الأمر به في الجماعة دون الانفراد

كترك الجمعة في وطن مسكون، فإن كانوا عددا قد اتّفق على انعقاد الجمعة بهم كالأربعين فما زاد فواجب أن يأخذهم بإقامتها و يأمرهم بفعلها، و يؤدّب على الإخلال بها ...

فأمّا صلاة الجماعة في المساجد و إقامة الأذان فيها للصلوات فمن شعائر الإسلام و علامات متعبّداته التي فرّق النبيّ «ص» (بها خ. ل) بين دار الإسلام و دار الشرك، فإذا اجتمع أهل محلّة أو بلد على تعطيل الجماعات في مساجدهم و ترك الأذان في أوقات الصلوات كان المحتسب مندوبا إلى أمرهم بالأذان و الجماعة في الصلوات ... فأمّا من ترك صلاة الجماعة من آحاد الناس أو ترك الأذان و الإقامة لصلاته فلا اعتراض للمحتسب عليه إذا لم يجعله عادة لأنّها من الندب الذي يسقط بالأعذار إلّا أن يقترن بها استرابة أو يجعله إلفا و عادة و يخاف تعدّي ذلك إلى غيره في الاقتداء، فمراعاة حكم المصلحة في زجره عمّا استهان به من سنن عبادته و يكون وعيده على ترك الجماعة معتبرا بشواهد حاله، كالذي روى عن النبيّ «ص» أنّه قال: «لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا حطبا و آمر بالصلاة فيؤذّن لها و تقام ثمّ أخالف إلى منازل قوم لا يحضرون الصلاة فأحرقها عليهم.» «2»

5- و أمّا ما يؤمر به آحاد الناس و أفرادهم

فكتأخير الصلاة حتّى يخرج وقتها فيذكر بها و يؤمر بفعلها و يراعى جوابه عنها فإن قال: تركتها للنسيان حثّه على فعلها بعد ذكره و لم يؤدبه، و إن تركها لتوان و اهوان أدّبه زجرا و أخذه بفعلها جبرا، و لا اعتراض على

______________________________

(1)- معالم القربة/ 22 (ط. مصر/ 72).

(2)- معالم القربة/ 22 (ط. مصر/ 73).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 276

من أخّرها و الوقت باق

... «1»

6- و أمّا الأمر بالمعروف في حقوق الآدميّين فضربان: عامّ و خاصّ.
فأمّا العامّ

فكالبلد إذا تعطّل سربه و استهدم سوره، و كذلك لو استهدم مساجدهم و جوامعهم، فأمّا إذا أعوز بيت المال كان الأمر ببناء سورهم و إصلاح سربهم و عمارة مساجدهم و جوامعهم متوجّها إلى كافّة ذوي المكنة منهم و لا يتعيّن أحدهم في الأمر به، فإن شرع ذووا المكنة في عمله و باشروا القيام به سقط عن المحتسب حقّ الأمر به.

و أمّا الخاصّ

كالحقوق إذا بطلت (مطلت خ. ل) و الديون إذا أخّرت فللمحتسب أن يأمر بالخروج منها مع المكنة إذا استعداه أصحاب الحقوق ... «2»

7- و أمّا الأمر بالمعروف فيما كان مشتركا بين حقوق اللّه- تعالى- و حقوق الآدميّين

فكأخذ الأولياء بنكاح الأيامى من أكفائهنّ إذا طلبن، و إلزام النساء أحكام العدد إذا فورقن، و له تأديب من خالف في العدّة من النساء، و ليس له تأديب من امتنع من الأولياء، و من نفى ولدا قد ثبت فراش أمّه و لحوق نسبه أخذه بأحكام الآباء جبرا و عزّره على النفي أدبا. و يأخذ السادة بحقوق العبيد و الإماء: نفقتهم و كسوتهم لقوله «ص»: للمملوك طعامه و كسوته بالمعروف. و أن لا يكلّفوا من العمل ما لا يطيقون ...

و من ملك بهيمة وجب عليه القيام بعلفها و لا يحمل عليها ما يضرّها كما في العبد و لا يحلب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها لأنّه خلق غذاء للولد فلا يجوز منعه منه.

و إن امتنع من الإنفاق عليها أجبر على ذلك ... «3»

8- و أمّا النهي عن المنكرات فينقسم أيضا على ثلاثة أقسام:
اشارة

أحدها: ما كان من حقوق اللّه- تعالى- و الثاني: ما كان من حقوق الآدميّين.

و الثالث: ما كان مشتركا بين الحقّين.

فأمّا النهي عنها في حقوق اللّه- تعالى- فعلى ثلاثة أقسام:
اشارة

______________________________

(1)- معالم القربة/ 24 (ط. مصر/ 75).

(2)- معالم القربة/ 26 (ط. مصر/ 76).

(3)- معالم القربة/ 26 (ط. مصر/ 77).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 277

أحدها: ما تعلّق بالعبادات. و الثاني: ما تعلّق بالمحظورات. و الثالث: ما تعلّق بالمعاملات.

فأمّا المتعلّق بالعبادات

فكالقاصد مخالفة هيئات الصلاة ... فللمحتسب إنكارها و تأديب العامل فيها و كذلك إذا أخلّ بتطهير جسده أو ثوبه أو موضع صلاته أنكر عليه إذا تحقّق ذلك منه، و لا يؤاخذه بالتهم و الظنون ... لكن يجوز له بالتهم أن يعظ و يحذّر من عذاب اللّه- تعالى- على إسقاط حقوقه و الإخلال بمفروضاته. فإن رآه يأكل في شهر رمضان لم يقدم على تأديبه إلّا بعد سؤاله عن سبب أكله إذا التبست عليه أحواله فربّما كان مريضا أو مسافرا، و يلزمه السؤال إذا ظهرت أمارات الريب، فإن ذكر في الأعذار ما يحمل حاله صدّقه و كفّ عن زجره و أمره بإخفاء أكله لئلّا يعرّض نفسه لتهمة، و لا يلزمه إحلافه عند الاسترابة بقوله لأنّه موكول الى امانته، و إن لم يكن له عذر جاهر بالإنكار عليه و ردعه و أدّبه عليه تأديب زجر ... «1»

9- فإن رأى المحتسب رجلا يتعرّض لمسألة الناس و طلب الصدقة و علم أنّه غني إمّا بمال أو عمل أنكره عليه و أدّبه فيه و كان المحتسب أخصّ بالإنكار من غيره فقد فعل عمر مثل ذلك في قوم من أهل الصدقة ... «2»

10- و هكذا لو ابتدع بعض المنتسبين إلى العلم قولا خرق الإجماع و خالف فيه النصّ و ردّ قوله علماء عصره أنكر عليه و زجره عنه، فإن أقلع و تاب و إلّا فالسلطان بتهذيب الدين أحقّ.

و إذا

تعرّض بعض المفسّرين لكتاب اللّه- تعالى- بتأويل عدل فيه عن ظاهر التنزيل إلى باطن بدعة يتكلّف له إغماض (أغمض خ. ل) معانيه أو انفرد بعض الرواة بأحاديث مناكير تنفر منها النفوس أو يفسد بها التأويل كان على المحتسب إنكار ذلك و المنع منه، و هذا إنّما يصحّ منه إنكاره إذا تميّز عنده الصحيح من الفاسد و الحقّ من الباطل ...

______________________________

(1)- معالم القربة/ 27 (ط. مصر/ 78).

(2)- معالم القربة/ 29 (ط. مصر/ 79).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 278

و المحتسب الجاهل إن خاض فيما لا يعلمه كان ما يفسده أكثر ممّا يصلحه، و لهذا قالوا: العاميّ لا يحتسب إلّا في الجليّات ... «1»

11- و أمّا ما تعلّق بالمحظورات
[منع الناس من مواقف الريب و مظانّ التّهم]

فهو أن يمنع الناس من مواقف الريب و مظانّ التّهم، فقد قال «ص»: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.» فيقدّم الإنذار، و لا يعجّل بالتأديب قبل الإنذار.

حكى إبراهيم النخعي أنّ عمر بن الخطاب نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء، فرأى رجلا يصلّي مع النساء فضربه بالدرّة، فقال له الرجل: و اللّه لئن كنت أحسنت لقد ظلمتني، و لئن كنت أسأت فما أعلمتني. فقال عمر: أ ما شهدت عزيمتي؟ قال: ما شهدت لك عزمة، فألقى إليه الدرّة و قال: اقتصّ. قال: لا أقتصّ اليوم، قال: فاعف. قال: لا أعفو، فافترقا على ذلك ثمّ لقيه من الغد فتغيّر لون عمر ...

و اذا رأى وقفة رجل مع امرأة في طريق سابل لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرّض عليهما بزجر و لا إنكار، فما يجد الناس بدّا من هذا. و إن كانت الوقفة في طريق خال فخلوا بمكان ريبة فينكر على هؤلاء، و لا يعجّل في التأديب عليهما حذرا من

أن تكون ذات محرم، و ليقل إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب و إن كانت أجنبية فخف اللّه- تعالى- من خلوة تؤديك إلى معصية اللّه- تعالى- ...

و يلزم المحتسب أن يتفقّد المواضع التي يجتمع فيها النسوان مثل سوق الغزل و الكتان و شطوط الأنهار و أبواب حمامات النساء و غير ذلك، فإن رأى شابّا متعرّضا بامرأة و يكلّمها في غير معاملة في البيع و الشراء أو ينظر إليها عزّره و منعه من الوقوف هناك، فكثير من الشباب المفسدين يقفون في هذه المواضع و ليس لهم حاجة غير التلاعب على النسوان، فمن وقف من الشباب في طريقهنّ بغير حاجة عزّره على ذلك «2».

______________________________

(1)- معالم القربة/ 29 (ط. مصر/ 79).

(2)- معالم القربة/ 30 (ط. مصر/ 80).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 279

[في إظهار الخمر]

12- و قال في الباب الثالث من الكتاب ما ملخّصه:

«و إذا جاهر رجل بإظهار الخمر فإن كان مسلما أراقها و أدّبه، و إن كان ذميّا أدّب على إظهارها، و اختلف الفقهاء في إراقتها عليه ... و روي عن عمر أنّه قال على منبر رسول اللّه «ص»: أيّها الناس، إنّه نزل تحريم الخمر و هي من خمس: العنب و التمر و البرّ و الشعير و الزبيب. و الخمر ما خامر العقل، أي غطّاه. و قد لعن رسول اللّه «ص» في الخمر عشرة، قال العلماء: أدخل فيه بيع العصير ممّن يتّخذ الخمر. قال الشافعي: أكره ذلك. و لا شكّ أنّه إعانة على المعصية يضاهيه بيع السلاح من قطّاع الطريق و بيع السلاح من أهل الحرب ...

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر

تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 279

و من شرب المسكر و هو بالغ عاقل مسلم مختار وجب عليه الحد ... و لا حدّ على الحربي و المجنون و الصّبيّ، و لا يجب على الذمّي، لأنّه لا يعتقد تحريمه، و لا يجب على المكره ...

[إظهار الملاهي المحرّمة]

فأمّا المجاهرة بإظهار الملاهي المحرّمة مثل الزمر و الطنبور و العود و الصنج و ما أشبه ذلك من آلات الملاهي فعلى المحتسب أن يفصلها حتّى تصير خشبا يصلح لغير الملاهي و يؤدّب على المجاهرة عليها و لا يكسرها إن كان خشبها يصلح لغير الملاهي، فإن لم يصلح لغير الملاهي كسرها ...

و إن كان الرضاض يعدّ مالا ففي جواز بيعها قبل الرضّ وجهان ... و يجي ء الوجهان في الأصنام و الصور المتّخذة من الذهب و الخشب و غيرهما ...

و أمّا آلة اللعب التي ليس يقصد بها المعاصي و إنّما يقصد بها إلف القينات لتربية الأولاد ففيها وجه من وجوه التدبير ... و قد دخل رسول اللّه «ص» على عائشة و هي تلعب بالبنات فأقرّها و لم ينكر عليها ...

و ليس يمتنع إنكار المجاهرة ببعض المباحات كما تنكر المجاهرة بالمباح من مباشرة الأزواج.

فأمّا ما لم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يبحث عنها و لا أن لا يهتك الأستار حذرا من الاستتار بها. قال النبي «ص»: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه، فإنّه من يبد لنا صفحته يقم حدّ اللّه عليه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 280

و من شرط المنكر الذي ينكره المحتسب أن يكون ظاهرا. فكلّ من ستر معصية في داره و

أغلق بابه لا يجوز له أن يتجسّس عليه إلّا أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أنّ رجلا خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها ...

حكى أنّ عمر بن الخطّاب دخل على قوم يتعاقرون على شراب و يوقدون في الأخصاص فقال: نهيتكم عن المعاقرة فعاقرتم، و نهيتكم عن الإيقاد في الأخصاص فأوقدتم. فقالوا: نهاك اللّه عن التجسّس فتجسّست، و عن الدخول بغير إذن فدخلت. فقال: هاتين بهاتين، و انصرف و لم يتعرّض لهم.

فإن سمع المحتسب أصوات ملاه منكرة من دار تظاهر أهلها بأصواتها أنكرها خارج الدار و لم يهجم عليها بالدخول، لأنّ المنكر ظاهر و ليس له أن يكشف عمّا سواه.» «1»

أقول: عاقر الشي ء: لازمه و أدمن عليه. و الخصّ بالضم: حانوت الخمّار.

[التساهل مع أهل الذمّة في أمور الدين]

13- و ذكر في الباب الرابع، الحسبة على أهل الذمّة فقال ما ملخّصه:

«اعلم أنّ التساهل مع أهل الذمّة في أمور الدين خطر عظيم، و قد قال اللّه- سبحانه و تعالى- في كتابه العزيز: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لٰا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمٰا أَخْفَيْتُمْ وَ مٰا أَعْلَنْتُمْ، وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوٰاءَ السَّبِيلِ.»

و قد ورد في الحديث عن النبيّ «ص» أنّه قال: «لأخرجنّ اليهود و النصارى من جزيرة العرب حتّى لا أدع بها إلّا مسلما.» ...

و هذا أصل يعتمد عليه في ترك الاستعانة بالكافر، فكيف استعمالهم على رقاب المسلمين؟ فحينئذ يجب على المحتسب النظر في أهل الذّمة و أن يلزمهم بما هو مشروط عليهم و بما التزموه على أنفسهم و لا يرخّص لهم في ترك شي ء منه قولا و لا فعلا ...

و يمنعون من احداث بيع

و كنائس في دار الإسلام و قد أمر عمر بهدم كلّ كنيسة

______________________________

(1)- معالم القربة/ 32 (ط. مصر/ 84).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 281

استجدّت بعد الهجرة و لم يبق إلّا ما كان قبل الإسلام. و أرسل عروة من نجد فهدم الكنائس بصنعاء، و صانع القبط على كنائسهم بمصر و هدم بعضها و لم يبق من الكنائس إلّا ما كان قبل مبعثه «ص». أمّا إذا استهدم منها شي ء فلا يمنعون من إعادته ...

و على الإمام حفظ من كان منهم في دار الإسلام و دفع من قصدهم بالأذيّة، أي من المسلمين، و إن تحاكموا إلينا مع المسلمين وجب الحكم بينهم ...

و يأخذ منهم الجزية على قدر طاقتهم. على الفقير المعيل دينار، و على المتوسّط ديناران، و على الغني اربعة دنانير عند رأس الحول ... و يشترط مع الجزية التزام أحكام الإسلام، فإن امتنع من لزوم الأحكام أو قاتل المسلمين أو زنى بمسلمة أو أصابها باسم نكاح أو فتن مسلما عن دينه أو قطع الطريق على مسلم أو آوى المشركين أو دلّهم على عورات المسلمين أو قتل مسلما أو ذكر اللّه- تعالى- أو رسوله أو دينه بما لا يجوز فقد انتقضت ذمّته في ذلك جميعه، فقتل في الحال و غنم ماله في أصحّ القولين ... «1»

[الحسبة على أهل الجنائز و مراقبة شئونها]

14- و ذكر في الباب الخامس، الحسبة على أهل الجنائز و مراقبة شئونها من التجهيز و الغسل و التكفين و الصلاة و التدفين بمباشرة أولياء الميّت:

و لا يمكن المحتسب من يتصدّى لغسل الموتى من الرجال و النساء إلّا ثقة أمينا صالحا خبيرا قد قرأ كتاب الجنائز في الفقه و عرف واجباته و سننه و مستحباته و

يسأله المحتسب عن ذلك ... و يستر الميّت في الغسل عن العيون بأن يكون في موضع ليس فيه إلّا الغاسل و من لا بدّ منه في معونته، و لا ينظر الغاسل إلّا إلى ما لا بدّ له منه لأنّه قد يكون فيه عيب فلا يهتكه، و أولى أن يغسله في قميص، لأنّه أستر ...

و تكفين الميّت فرض على الكفاية و يجب ذلك في ماله مقدّما على الدين و الوصية و إن كانت امرأة لها زوج فعلى زوجها ...

و القبر محترم فيكره الجلوس و المشي و الاتكاء عليه و ليخرج الزائر منه إلى حدّ كان

______________________________

(1)- معالم القربة/ 38 (ط. مصر/ 92).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 282

يقرب منه لو كان حيّا، و لا يحلّ نبش القبور إلّا إذا انمحق أثر الميّت بطول الزمان أو دفن في أرض مغصوبة و طلب المالك إخراجه ...

ثمّ يتفقّد المحتسب الجنائز و المقابر، فإذا سمع نائحة أو نادية منعها و عزّرها لأنّ النوح حرام، قال رسول اللّه «ص»: النائحة و من حولها في النار ...

أمّا البكاء فجائز من غير ندب و لا نياحة و لا شق جيب و لا ضرب خدّ ...

فإذا خرجت جنازة أمر النساء أن يتأخّرن عن الرجال و لا يختلطن بهم و يمنعهنّ من كشف وجوههنّ و رءوسهنّ خلف الميّت و يأمر مناديا ينادي في البلد بالمنع من ذلك، و الأولى أن يمنعن من تشييع الجنازة، و متى سمع بامرأة نائحة أو مغنّية أو عاهر استتابها عن معصيتها، فإن عادت عزّرها و نفاها من البلد ... «1»

أقول: في إطلاق حرمة النياحة نظر.

[المعاملات المنكرة]
[لا يجوز للمحتسب تسعير البضائع على أربابها]

15- و ذكر في الباب السادس المعاملات المنكرة كالبيوع الفاسدة

و الربا و السلم الفاسد و الإجارة الفاسدة و الشركة الفاسدة، و الشروط المعتبرة في العقد و العاقد و المعقود عليه ذكرها بالتفصيل، فراجع «2»

و قال:

«و لا يجوز للمحتسب تسعير البضائع على أربابها، فإن المسعّر هو اللّه- تعالى- فلا يتصرّفن فيه الإمام و الوالي، فإن فعل ذلك إلّا في سنين القحط كان ذلك محرّما، إذ غلا السعر على عهد رسول اللّه «ص» فقالوا: يا رسول اللّه، سعّر لنا. فقال رسول اللّه «ص»: «إنّ اللّه- تعالى- هو القابض و الباسط و الرازق و المسعّر، و إنّي لأرجو أن ألقى اللّه و ليس أحد يطالبني بمظلمة في نفس و لا مال.» ...

فإذا قلنا: التسعير جائز، فإذا سعّر الإمام و باع الناس بذلك السعر فحسن، و إن خالفوه في ذلك فهل ينعقد البيع أم لا؟ الصحيح أنّه ينعقد، و يعزّرهم لمخالفة ذلك. و إذا رأى المحتسب أحدا قد احتكر من سائر الأقوات- و هو أن يشتري ذلك

______________________________

(1)- معالم القربة/ 46 (ط. مصر/ 101).

(2)- معالم القربة/ 52 (ط. مصر/ 108).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 283

في وقت الغلاء و يتربّص ليزداد في ثمنه- ألزمه بيعه إجبارا، لأنّ الاحتكار حرام و المحتكر ملعون. قال رسول اللّه «ص»: «من احتكر طعاما أربعين يوما ثمّ تصدّق بثمنه لم تكن صدقته كفّارة لاحتكاره» ...

[ترويج الدراهم المزيّفة على الناس ظلم]

ترويج الصيارف الدراهم المزيّفة على الناس ظلم يستضرّ به المعاملون، فعلى المحتسب أن يأمرهم بقصّها و تغييرها عن هيئتها و أن لا يغشّوا الناس بها ... و يحرم على التاجر أن يثني على السلعة و يصفها بما ليس فيها، فإن فعل ذلك فهو تلبيس و ظلم مع كونه كذبا ... و لا ينبغي

أن يحلف عليه البتّة، فإنّه إن كان كاذبا فقد جاء باليمين الغموس و هي من الكبائر، و إن كان صادقا فقد جعل اللّه عرضة لأيمانه ...» «1»

[حرمة لبس الحرير و الذهب على الرجال و حرمة اتخاذ الأواني من الذهب و الفضّة]

16- و تعرّض في الباب السابع لحرمة لبس الحرير و الذهب على الرجال، و حرمة اتخاذ الأواني من الذهب و الفضّة مطلقا، و المنع من تحلية الكعبة و المساجد بقناديل الذهب و الفضّة «2».

[منكرات الأسواق و الطرق]

17- و ذكر في الباب الثامن، الحسبة على منكرات الأسواق و الطرق فقال ما ملخّصه:

«أمّا الطّرقات الضيّقة فلا يجوز لأحد من السوقة الجلوس فيها و لا إخراج مصطبة دكّانه عن سمت أركان السقائف إلى الممرّ، لأنّه عدوان و يضيق على المارّة فيجب على المحتسب إزالته و المنع من فعله، و كذا إخراج الفواصل و الأجنحة و غرس الأشجار و نصب الدكّة في الطّرق الضيّقة ... و قال الجويني لا يجوز الغراس في الشارع، و الدكّة المرتفعة في معناها. و لا نظر إلى اتساع الطريق و تضايقها، فإنّ الزقاق قد تصطدم ليلا و يزدحم اسراب البهائم، و ينضمّ إليه أنّه قد يلتبس على طول الزمان محلّ البناء و الغراس و ينقطع أثر استحقاق الطرق.

و كذا كلّ ما فيه أذية و إضرار على السالكين. و كذلك ربط الدوابّ على الطرق

______________________________

(1)- معالم القربة/ 64 (ط. مصر/ 120).

(2)- معالم القربة/ 76 (ط. مصر/ 133).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 284

منكر يجب المنع منه إلّا بقدر حاجة النزول و الركوب، لأنّ الشوارع مشتركة المنفعة. و كذا طرح الكناسة على جوانب الطرق و تبديد قشور البطيخ أو رشّ الماء بحيث يخشى منه التزلّق و السقوط.

و كذا إرسال الماء من الميازيب المخرجة من الحائط إلى الطرق الضيقة، فإنّ ذلك ينجّس الثياب و يضيق الطرق. و كذا ترك مياه المطر و الأوحال في الطرق من غير كسح، فذلك كلّه منكر يجب على المحتسب

أن يكلّف الناس بالقيام بها.» «1»

[ينبغي للمحتسب أن يمنع أحمال الحطب و أعدال التبن]

18- و ينبغي للمحتسب أن يمنع أحمال الحطب و أعدال التبن و روايا الماء و شرائج السرجين و الرماد و أحمال الحلفاء و الشوك بحيث تمزق ثياب الناس، فإن أمكن العدول بها إلى موضع واسع و إلّا فلا منع لحاجة أهل البلد إليه. و يأمر حاملي الحطب و التبن و البلاط و الكبريت و اللفت و البطيخ إذا وقفوا في العراص أن يضعوها عن ظهور الدوابّ، لأنّها إذا وقفت و الأحمال عليها أضرّتها و كان ذلك تعذيبا لها، و قد نهى رسول اللّه «ص» عن تعذيب الحيوان لغير مأكله.

و يأمر أهل الأسواق بكنسها و تنظيفها من الأوساخ المجتمعة و غير ذلك ممّا يضرّ الناس، لأنّ النبيّ «ص» قال: لا ضرر و لا ضرار. «2»

أقول: الشرائج جمع الشريجة: جوالق ينسج من سعف النخل. و الحلفاء: نبت محدّدة الأطراف يشبه سعف النخل. و البلاط: صفائح الحجارة التي يفرش بها.

و اللفت بالكسر: السلجم.

[التطلّع على الجيران من السطوحات و النوافذ]

19- و لا يجوز لأحد التطلّع على الجيران من السطوحات و النوافذ، و لا أن يجلس الرجال في طرقات النساء من غير حاجة، فمن فعل شيئا من ذلك عزّره المحتسب. «3»

[معرفة القناطير و الأرطال]

20- و تعرّض في الباب التاسع و الباب العاشر لمعرفة القناطير و الأرطال و المثاقيل و الدراهم و الموازين و المكاييل و الأذرع:

______________________________

(1)- معالم القربة/ 78 (ط. مصر/ 135).

(2)- معالم القربة/ 79 (ط. مصر/ 136).

(3)- معالم القربة/ 79 (ط. مصر/ 136).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 285

حيث إنّها أصول المعاملات و بها اعتبار المبيعات، فعلى المحتسب معرفتها و تحقيقها و مراقبتها لتقع المعاملة بها على الوجه الشرعي ... و يأمر أصحاب الموازين بمسحها و تنظيفها من الأدهان و الأوساخ في كلّ ساعة، فإنّه ربّما تحمل شيئا فيضرّ ...

فيلزم المحتسب مراعاة ذلك في كلّ وقت.

و اعلم أنّك ولّيت من الكيل و الميزان أمر من هلكت فيها الأمم السالفة، فباشرهما بيدك مباشرة الاختيار و الاختبار و لا تقل لأهلهما عثرة، فإنّ الإقالة لا تنهى عن العثار، و كلّ هؤلاء من سواد الناس فمن لم يفقه نفسه و ليس همّته إلّا فرجه أو ضرسه فحدّهم التعزير.

و القبان القبطي فينبغي للمحتسب أن يختبره بعد كلّ حين، فإنّه ينفسد بكثرة استعماله في وزن الحطب و البضائع الثقيلة ...

و ينبغي أن يتّخذ الأرطال من حديد و يعيّرها المحتسب و يختم عليها بختم من عنده و لا يتّخذوها من الحجارة، لأنّها إذا قرع بعضها ببعض فتنقص ...

و ينبغي للمحتسب أن يتفقّد عيار المثاقيل و الصنج و الأرطال و الحبّات على حين غفلة من أصحابها «1».

[الحسبة على العلّافين و الطحّانين]

21- و تعرّض في الباب الحادي عشر للحسبة على العلّافين و الطحّانين فقال ما ملخّصه:

«يحرم عليهم احتكار الغلّة و لا يخلطوا رديّ الحنطة بجيّدها و لا عتيقها بجديدها، فإنّه تدليس على الناس. و يلزم الطحّانين بغربلة الغلّة من التراب و تنقيتها من

الطين و تنظيفها من الغبار قبل طحنها، و لهم أن يرشوا على الحنطة ماء يسيرا عند طحنها، فإن ذلك يزيد الدقيق بياضا، و يغيّر عليهم مناخل الدقيق في كلّ ثلاثة أشهر أو أقلّ. و يختبر المحتسب الدقيق، فإنّهم ربّما خلطوا فيه دقيق الحمص أو الفول حتّى يزيده زهرة، و هذا غش فمن وجده فعل شيئا من ذلك أنكر عليه و أدّبه، و يمنعهم أن لا يطحنوا على إثر نقر الحجر فإنّه يضرّ بالناس إذا نزل مع الدقيق، و يلزمهم

______________________________

(1)- معالم القربة/ 80 (ط. مصر/ 137).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 286

بنقاء الغلّة و كثرة دوسها.

و ينبغي لأرباب الدوابّ أن يتّقوا اللّه- سبحانه- في استعمالها و أن يريحوها في كلّ يوم و ليلة لحاجتها إلى الراحة. و يتفقّد موازينهم المرصدة لوزن الدقيق و أرطالهم ...» «1»

[الحسبة على الفرانين و الخبازين]

22- و تعرّض في الباب الثاني عشر للحسبة على الفرانين و الخبازين فقال ما ملخّصه:

«ينبغي أن يأمرهم المحتسب برفع سقائف أفرانهم، و يجعل في سقوفها منافس واسعة للدخان، و يأمرهم بكنس بيت النار في كلّ تعميرة و غسل البسليت و تنظيف مائه و غسل المعاجن و تنظيفها ... و لا يعجن العجان بقدميه و لا بركبتيه و لا بمرفقيه، لأنّ في ذلك مهانة للطعام، و ربّما قطر في العجين شي ء من عرق إبطيه أو بدنه، و لا يعجن إلّا و عليه ملعبة ضيقة الكمّين، و يكون ملثما أيضا لأنّه ربّما عطس أو تكلّم فقطر شي ء من بصاقه أو مخاطه في العجين، و يشدّ على جبينه عصابة بيضاء لئلّا يعرق فيقطر منه شي ء، و يحلق شعر ذراعيه لئلّا يسقط منه شي ء في العجين.

و إذا عجن

في النهار فليكن عنده إنسان على يده مذبّة يطرد عنه الذباب. و يعتبر عليهم المحتسب ما يغشون به الخبز من الكركم و الزعفران ... و يلزمهم أن لا يخبزوه حتّى يختمر، فإنّ الفطير يثقل في الميزان و المعدة ... و لا يخرجون الخبز من بيت النار حتّى ينضج نضجا جيّدا من غير احتراق. و المصلحة أن يجعل على كلّ حانوت وظيفة رسما يخبزونه في كلّ يوم لئلّا يختلّ البلد عند قلّة الخبز، و يتفقّد الأفران في آخر النهار ...» «2»

أقول: الفرن بالضم: بيت غير التنور معدّ لأن يخبز فيه. الملعبة: الثوب بلا كمّ أو قصير الكمّ. و الكركم كقنفذ: الزعفران أو نبات يشبهه في اللون. و لم يظهر لي

______________________________

(1)- معالم القربة/ 89 (ط. مصر/ 152).

(2)- معالم القربة/ 91 (ط. مصر/ 154).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 287

معنى البسليت، و لعلّه كان اسما لإناء ماء يستعمله الخبّاز لترطيب يده و غيره.

[الحسبة على الفرانين و الخبازين]

23- و تعرّض في الباب الثالث عشر و عدّة أبواب أخر للحسبة على صنّاع الأغذية و الحلويات: الشوائين و النقانقيين و الكبوديّين و البوارديّين و الروّاسين و الطبّاخين و الشرائحيّين و الهرايسيّين و قلائي السمك و قلائي الزلابية و الحلوانيّين بأنواعها و أصنافها المختلفة، و ذكر المواد المستعملة فيها و كيفية صنعها و أن المحتسب يراقبهم في أعمالهم ليحسنوا صنعا و يحترزوا عن الغشّ و الخيانة و يراعوا موازين السلامة و الصحّة و النظافة «1».

أقول: النقانق: اللحوم تدقّ و تخلط بغيرها و تحشى بها المصارين ثمّ تقلى.

و الشريحة: اللحم تقطع للكباب. و البوارد جمع باردة، و يعني بها الحشائش و البقول المبرّدة، و كأنّها كانت تجعل في أوراق الكرنب

و تطبخ.

[الحسبة على الجزّارين و القصّابين]

24- و تعرّض في الباب السادس عشر للحسبة على الجزّارين و القصّابين و كيفيّة الذبح و النحر و شرائطهما و آدابهما، قال:

و لا يجرّ شاة برجلها جرّا عنيفا و لا يذبح بسكّين كالّة، لأنّ في ذلك تعذيب الحيوان و قد نهى النبيّ «ص» عن تعذيب الحيوان، و لا يشرع في السلخ بعد الذبح حتّى تبرد الشاة ... و يمنعهم المحتسب من الذبح على أبواب دكاكينهم، فإنّهم يلوّثون الطريق بالدم و الروث فإنّ في ذلك تضييقا للطريق و إضرارا بالناس، و يمنعهم من إخراج توالي اللحم من حدّ مصاطب حوانيتهم و يأمرهم أن يفردوا لحوم المعز عن لحوم الضأن و لا يخلطوا بعضها ببعض و يجعلوا لها علامة و لا يخلطوا شحوم المعز بشحوم الضأن و لا اللحم السمين بالهزيل و لا الذكر بالأنثى ...

ثمّ تعرّض لأنواع الحيوان و ما يؤكل منه و ما لا يؤكل، فراجع.

ثمّ قال:

و لا يجوز أكل ما فيه ضرر كالسمّ و الزجاج و التراب و الحجر، لقوله- تبارك و تعالى-:

______________________________

(1)- معالم القربة/ 92 (ط. مصر/ 156) من الباب 13 إلى الباب 23 إلّا الباب 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 288

و لا تقتلوا أنفسكم، و لا يحلّ كلّ شي ء نجس لأنّه من الخبائث «1».

[الحسبة على الشرابيّين و صنّاع أنواع الأشربة]

25- و تعرّض في الباب الرابع و العشرين للحسبة على الشرابيّين، و أراد بذلك صنّاع أنواع الأشربة المتّخذة من العقاقير المختلفة للتداوي بها، و قال:

«تدليس هذا الباب كثير لا يمكن حصر معرفته على التمام، لأنّ العقاقير و الأشربة مختلفة الطبائع و الأمزجة، و التداوي على قدر أمزجتها ... فالواجب عليهم أن يراقبوا اللّه- تعالى- في ذلك، فينبغي للمحتسب أن يخوّفهم و يعظهم

و ينذرهم العقوبة و يحذرهم بالتعزير، و يعتبر عليهم أشربتهم و عقاقيرهم في كلّ وقت على حين غفلة ...

أمّا الأشربة فأسماؤها كثيرة و تزيد على سبعين اسما و نذكر ما اشتهر من أسمائها ...

أمّا المعاجين فكثير أسماؤها و كذلك الأقراص و الربوبات و اللعوقات و الجوارشيات و الحبوب و الايارجات و الفتائل و ما يعمل من المطبوخات و لو ذكرت كلّ باب من ذلك و استقصيته لطال.» «2»

أقول: ففي الحقيقة يراد بالحسبة في هذا الباب و الباب التالي الحسبة على أنواع الأدوية المستعملة للتداوي و كيفيّة صنعها و تركيباتها، و هي أمور سريّة خفية غالبا و يكثر فيها التدليس كما ذكر فيحتاج إلى مراقبة كثيرة و دقيقة جدّا.

[الحسبة على العطّارين و الشمّاعين]

26- و تعرّض في الباب الخامس و العشرين للحسبة على العطّارين و الشمّاعين و قال:

«إنّ هذا الباب من أهمّ الأشياء التي ينبغي للمحتسب الاعتناء بها و الكشف عنها و يجب على المحتسب أن لا يمكن أحدا من بيع العقاقير و أصناف العطر إلّا من له معرفة و خبرة و تجربة، و مع ذلك يكون ثقة أمينا في دينه عنده خوف من اللّه

______________________________

(1)- معالم القربة/ 98 (ط. مصر/ 162).

(2)- معالم القربة/ 115 (ط. مصر/ 185).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 289

- تعالى-، فإنّ العقاقير إنّما تشترى من العطّارين مفردة ثمّ تركّب غالبا، و قد يشتري الجاهل عقّارا من العقاقير معتمدا على أنّه هو المطلوب ثمّ يبتاعه منه جاهل آخر فيستعمله في الدواء متيقّنا منفعته فيحصل له باستعماله عكس مطلوبه و يتضرّر به.»

ثمّ تعرّض لأنواع الغشّ و طرقه في الأدوية و العقاقير المختلفة، و كذا الغشّ في الشموع و قال:

«هذا كلّه غشّ

و تدليس، فيراعي المحتسب ذلك جميعه عليهم من غير إهمال.» «1»

أقول: و هذا ما أشرنا إليه من أهميّة أمر الأدوية و لزوم مراقبة الصيادلة في صنعهم و معاملاتهم، و تحتاج إدارة الحسبة لا محالة إلى المتخصّصين في الفنون المختلفة.

[لحسبة على البيّاعين و اللبّانين و البزّازين]

27- و تعرّض في الباب السادس و العشرين و ما بعده للحسبة على البيّاعين و اللبّانين و البزّازين و أنّه يعتبر عليهم الموازين و المكاييل و الصنج و الأذرع و النظافة و سلامة الجنس و معرفة أحكام البيع و عقود المعاملات و ما يحلّ لهم و ما يحرم عليهم و صدق القول في أخبار الشراء و مقدار رأس المال. و أن يظهروا جميع عيوب السلعة خفيّها و جليّها، فإنّ الغش حرام. «2»

[الحسبة على الدلّالين]

28- و تعرّض في الباب التاسع و العشرين للحسبة على الدلّالين:

فينبغي أن لا يتصرّف أحد من الدلّالين حتّى يثبت في مجلس المحتسب ممّن يقبل شهادته من الثقات العدول من أهل الخبرة، أنّه خير ثقة من أهل الدين و الأمانة و الصدق في النداء، فإنّهم يتسلّمون بضائع الناس و يقلّدونهم الأمانة في بيعها، و لا ينبغي لأحد منهم أن يزيد في السلعة من نفسه إلّا أن يزيد فيها التاجر و لا يكون شريكا للبزّاز و لا يشتري السلعة لنفسه و يوهم صاحبها أنّ بعض الناس اشتراها

______________________________

(1)- معالم القربة/ 121 (ط. مصر/ 199).

(2)- معالم القربة/ 128 (ط. مصر/ 207).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 290

و يواطئ غيره على شرائها منه ... و متى علم المنادي في السلعة عيبا وجب عليه أن يعلم المشتري بذلك و يوقفه عليه، و على المحتسب أن يعتبر عليهم جميع ذلك ... «1»

[لحسبة على الحاكة و الخيّاطين و الرفّائين و القصّارين]

29- و تعرّض في الباب الثلاثين و الأبواب بعده للحسبة على الحاكة و الخيّاطين و الرفّائين و القصّارين و صنّاع القلانس، و الحريريين و الصبّاغين و القطّانين و الكتّانيين و الصاغة و النحّاسين و الحدّادين و الأساكفة و غيرهم من أرباب المهن و الحرف، فيؤمرون بحسن العمل و جودته و الإنصاف و ترك الغشّ و الخيانة و السرقة و حفظ الأمانة و ترك المماطلة. «2»

[الحسبة على الصيارفة]

30- و تعرّض في الباب السادس و الثلاثين للحسبة على الصيارفة و قال:

إنّ التعيّش بالصرف خطر عظيم على دين متعاطيه و على المحتسب أن يتفقّد سوقهم و يتجسّس عليهم، و إن عثر بمن رابى أو فعل في الصرف ما لا يجوز عزّره و أقامه من السوق إذا تكرّر ذلك منه ... «3»

[الحسبة على البياطرة]

31- و تعرّض في الباب الأربعين للحسبة على البياطرة و قال:

«البيطرة علم جليل سطرته الفلاسفة في كتبهم، و وضعوا فيها تصانيف، و هي أصعب علاجا من أمراض الآدميّين، لأنّ الدوابّ ليس لها نطق تعبّر به عمّا تجد من المرض و الألم، و إنّما يستدلّ على عللها بالحسّ و النظر، فيحتاج البيطار إلى حسن بصيرة بعلل الدوابّ و علاجها، فلا يتعاطى البيطرة إلّا من له معرفة و خبرة بالتهجّم على الدوابّ بفصد أو قطع أو كيّ و ما أشبهه، فمن قدم على ذلك بغير مخبرة فيؤدّي إلى هلاك الدابّة أو عطبها فيلزمه أرش ما نقص من قيمتها من طريق الشرع و يعزّره المحتسب من طريق السياسة ... و ينبغي للبيطار أن يكون خبيرا بعلل الدوابّ و معرفة ما يحدث فيها من العيوب، و يرجع الناس إليه إذا اختلفوا في الدابّة، و قد ذكر بعض الحكماء في كتاب البيطرة أنّ علل الدوابّ ثلاثمائة و عشرون

______________________________

(1)- معالم القربة/ 135 (ط. مصر/ 216).

(2)- معالم القربة/ 136 (ط. مصر/ 218)، من الباب 30 إلى الباب 39 إلّا الباب 36.

(3)- معالم القربة/ 143 (ط. مصر/ 227).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 291

علّة، و نذكر ما اشتهر من ذلك ... «1»

[لحسبة على سماسرة العبيد و الجواري و الدوابّ و الدور]

32- و تعرّض في الباب الحادي و الأربعين للحسبة على سماسرة العبيد و الجواري و الدوابّ و الدور و قال:

«ينبغي أن لا يتصرّف في سمسرة العبيد و الجواري إلّا من ثبتت عند الناس أمانته و عفّته و صيانته و أن يكون مشهور العدالة، لأنّه يتسلّم جواري الناس و غلمانهم و ربّما اختلى بهم في منزله ...

و متى علم بالمبيع عيبا وجب عليه بيانه للمشتري كما

ذكرنا، و ينبغي أن يكون بصيرا بالعيوب خبيرا بابتداء العلل و الأمراض، و يؤخذ على دلّالين العقارات و يستحلفوا ألّا يبيعوا ما يظنّ به أنّه خرج من يد صاحبه بكتابة تحبيس أو كتاب إقرار أو رهن، و لا شبهة و لا لصبيّ و لا ليتيم إلّا باذن وصيّه ...» «2»

[لحسبة على الحمّامات و قوّامها]

33- و تعرّض في الباب الثاني و الأربعين للحسبة على الحمّامات و قوّامها و قال:

«يأمرهم المحتسب بإصلاحها و نضاجة مائها. و قد ذكر عن بعض الحكماء أنّه قال:

خير الحمّامات ما قدم بناؤه و اتّسع هواؤه و عذب ماؤه، و الحمّام يشتمل على منافع و مضارّ ... و قال ابن عمر: الحمّام من النعيم الذي أحدثوه، و قد دخل أصحاب رسول اللّه «ص» الحمّامات بالشام. و ينبغي أن لا يكثر صبّ الماء بل يقتصر على قدر الحاجة ...

و ينبغي أن يأمرهم المحتسب بغسل الحمّام و كنسه و تنظيفه بالماء الطاهر غير ماء الغسالة، يفعلون ذلك مرارا في اليوم، و أن يدلكوا البلاط بالأشياء الخشنة لئلّا يتعلّق بها السدر و الخطمي فيزلق الناس عليه ...

و يلزم المحتسب أن يتفقّد الحمّام في كلّ وقت و يعتبر ما ذكرناه، و إن رأى أحدا قد كشف عورته عزّره على كشفها، لأنّ كشف العورة حرام، و قد لعن رسول اللّه «ص» الناظر و المنظور إليه، و النساء في هذا المقام أشدّ تهالكا من

______________________________

(1)- معالم القربة/ 150 (ط. مصر/ 234).

(2)- معالم القربة/ 152 (ط. مصر/ 238).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 292

الرجال.» «1»

[الحسبة على الأطباء و الكحّالين و الجرّاحين و المجبرين و الفصّادين و الحجّامين]

34- و تعرّض في الباب الرابع و الأربعين و الخامس و الأربعين للحسبة على الأطباء و الكحّالين و الجرّاحين و المجبرين و الفصّادين و الحجّامين و الختّانين، و قال في الفصد:

«ينبغي أن لا يتصدّى له إلّا من اشتهرت معرفته و أمانته و جودة علمه بتشريح الأعضاء و العروق و العضل و الشرايين و أحاط بمعرفتها و كيفيّتها ...»

و قال في الطب ما ملخّصه:

«الطبّ علم نظري و عملي أباحت الشريعة تعلّمه لما فيه

من حفظ الصحّة و دفع العلل و الأمراض عن هذه البنية الشريفة.

و قد ورد في ذلك أحاديث، فعن رسول اللّه «ص» أنّه قال: ما أنزل اللّه داء إلّا و أنزل له دواء.

و قال «ص»: يا أيّها الناس، تداووا فإنّ اللّه لم ينزل داء إلّا و أنزل له شفاء ... و هو من فروض الكفاية و لا قائم به من المسلمين، و كم من بلد ليس فيه طبيب إلّا من أهل الذمّة! ... و الطبيب هو العارف بتركيب البدن و مزاج الأعضاء و الأمراض الحادثة فيها و أسبابها و أعراضها و علاماتها و الأدوية النافعة فيها و الاعتياض عمّا لم يوجد منها ... فمن لم يكن كذلك فلا يجعل له مداواة المرضى و لا يتعرّض لما لا علم له فيه ...،

قال رسول اللّه «ص»: من تطبّب و لم يعلم منه طبّ قبل ذلك فهو ضامن.

و ينبغي أن يكون لهم مقدّم من أهل صناعتهم، فقد حكى أنّ ملوك يونان كانوا يجعلون في كلّ مدينة حكيما مشهورا بالحكمة ثمّ يعرضون عليه بقية أطباء البلد فيمتحنهم فمن وجده مقصّرا في علمه أمره بالاشتغال و قراءة العلم و نهاه عن المداواة ...

و ينبغي للمحتسب أن يأخذ عليهم عهد ابقراط الذي أخذه على سائر الأطباء

______________________________

(1)- معالم القربة/ 154 (ط. مصر/ 240).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 293

و يحلفهم أن لا يعطوا أحدا دواء مضرّا و لا يركّبوا له سمّا و لا يضعوا السمام عند أحد من العامّة، و لا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنّة و لا للرجال الذي يقطع النسل، و ليغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى، و لا يفشوا الأسرار و

لا يهتكوا الأستار و لا يتعرّضوا لما ينكر عليهم فيه ...» «1»

أقول: و من الأمور المهمّة في هذا المجال في عصرنا هو أجرة الطبيب و الجرّاح، فعليهما رعاية الإنصاف و لا سيّما في معالجة الضعفاء و أن يكتفيا بالكفاف و لا يبيعا علمهما الشريف و خدمتهما الشريفة بالمتاع الفاني، و على المحتسب مراقبتهما في ذلك و منعهما من الإجحاف بالوعظ و التوبيخ و التخويف.

[لحسبة على مؤدّبي الصبيان]

35- و تعرّض في الباب السادس و الأربعين للحسبة على مؤدّبي الصبيان و قال:

«و اعلم أنّها من أجلّ المعايش، لقوله «ص»: خيركم من تعلّم القرآن و علّمه.

و في حديث آخر: خير من مشى على الأرض المعلّمون الذين كلّما خلق الدين جدّدوه.

فحينئذ يشترط في المعلّم أن يكون من أهل الصلاح و العفّة و الأمانة حافظا للكتاب العزيز حسن الخطّ و يدري الحساب، و الأولى أن يكون مزوّجا، و لا يفسح لعازب أن يفتح مكتبا لتعليم الصبيان إلّا أن يكون شيخا كبيرا و قد اشتهر بالدين و الخير، و مع ذلك فلا يؤذن له بالتعليم إلّا بتزكية مرضيّة و ثبوت أهليّته لذلك، و ينبغي للمؤدّب أن يترفّق بالصغير و أن يعلّمه السور القصار من القرآن بعد حذاقته بمعرفة الحروف ...» «2»

[الحسبة على القومة و المؤذنين]

36- و تعرّض في الباب السابع و الأربعين للحسبة على القومة و المؤذنين، فقال:

«و ينبغي أن يشرف المحتسب على الجوامع و المساجد و يأمر قومتها بكنسها و تنظيفها في كلّ يوم من الأوساخ و نفض حصرها من الغبار و مسح حيطانها و غسل قناديلها ... و يلزم بغلق أبوابها عقيب الصلوات و صيانتها من الصبيان و المجانين،

______________________________

(1)- معالم القربة/ 159 (ط. مصر/ 247).

(2)- معالم القربة/ 170 (ط. مصر/ 260).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 294

و ممّن يأكل فيها الطعام و ينام أو يعمل صناعة أو يبيع فيها سلعة أو ينشد فيها ضالّة أو يجلس فيها لحديث الدنيا فجميع ذلك قد ورد الشرع بتنزيه المساجد عنه و كراهية فعله، و يتقدّم إلى جيران كلّ مسجد بالمواظبة على صلاة الجماعة عند سماع الأذان لإظهار معالم الدين و إشهار شعائر الإسلام، لقوله «ص»: لا

صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد ...

و يشترط في الإمام أن يكون رجلا عاقلا قارئا فقيها سليم اللفظ من رثّ أو لثغ ...

و يمنع المحتسب أيضا من يتخطّى رقاب الناس يوم الجمعة بعد النداء لما فيه من الإيذاء. و إذا كان في أئمّة المساجد و الجوامع من يطيل الصلاة حتّى يعجز عنها الضعيف و ينقطع بها ذووا الحاجات عن حاجاتهم أنكر المحتسب ذلك عليه كما أنكر رسول اللّه «ص» على معاذ حين أطال الصلاة بقومه فقال: أ فتّان أنت يا معاذ؟ ...

و لا يؤذّن في المنارة إلّا عدل ثقة أمين عارف بأوقات الصلوات، لأنّ النبيّ «ص» قال: «المؤذّنون أمناء و الأئمّة ضمناء، فأرشد اللّه الأئمّة و غفر للمؤذّنين.»

و ينبغي للمحتسب أن يمتحنهم بمعرفة الأوقات فمن لم يعرف ذلك منعه من الأذان حتّى يعرفها ... فيجب عليه معرفة الوقت و يقرأ باب الأذان و الإقامة في الفقه.

و يستحبّ أن يكون المؤذّن حسن الصوت و ينهاه المحتسب عن التغنّي في الأذان و هو التمطيط الفاحش و التطريب، و يأمره إذا صعد المنارة أن يغضّ بصره عن النظر إلى حريم الناس و دورهم و يأخذ عليه العهد في ذلك، و لا يصعد إلى المنارة غير المؤذّن في أوقات الصلوات ...

و يأمر المحتسب القومة أن يقفوا على أبواب الجامع يوم الجمعة و يمنعوا الصعاليك من الدخول للكدية جملة واحدة ففي دخولهم ضرر على الناس، و يمنعونهم من الاشتغال بالذكر و العبادة فإنّهم يشوّشون عليهم في الصلاة لا سيّما من يقف و يحكي أخبارا و قصصا ما أنزل اللّه بها من سلطان ...» «1»

______________________________

(1)- معالم القربة/ 172 (ط. مصر/ 263).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص:

295

[الحسبة على الوعّاظ]

37- و تعرّض في الباب الثامن و الأربعين للحسبة على الوعّاظ فقال:

«يجب على المحتسب أن ينظر في أمر الوعّاظ و لا يمكّن أحدا يتصدّى لهذا الفنّ إلّا من اشتهر بين الناس بالدين و الخير و الفضيلة، و أن يكون عالما بالعلوم الشرعيّة و علم الأدب، حافظا للكتاب العزيز و لأحاديث النبيّ «ص» و أخبار الصالحين و حكايات المتقدّمين، و يمتحن بمسائل يسأل عنها من هذه الفنون فإن أجاب و إلّا منع كما اختبر الإمام عليّ بن أبي طالب «ع» الحسن البصري و هو يتكلّم على الناس فقال له: ما عماد الدين؟ قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. قال: تكلّم الآن إن شئت ... و من لا يدري ذلك و كان جاهلا بذلك منع من الكلام، فإن لم يمتنع و دام على كلامه عزّر.

و من عرف شيئا يسيرا من كلام الوعّاظ و حفظ من الأحاديث و أخبار الصالحين قبل ذلك و قصد الكلام يسترزق به و يستعين على قوته فيبيح له بشرط أن لا يصعد المنبر بل يقف على قدميه، فإنّ رتبة صعود المنبر رتبة شريفة لا يليق أن يصعد عليه إلّا من اشتهر بما وصفناه، و كفى به علوّا و سموّا أنّ النبيّ «ص» صعد عليه و الخلفاء الراشدون من بعده و الأئمّة ... فلا يمكّن من ذلك إلّا رجلا مشهورا بالدين و الخير و الفضيلة، كما تقدّم. و من شرطه أن يكون عاملا للّه، مجتهدا، قوّالا، فعّالا ...

و مهما كان الواعظ شابّا متزيّنا للنساء في ثيابه و هيئته كثير الأشعار و الإشارات و الحركات و قد حضر مجلسه النساء فهذا منكر يجب المنع منه، فإن الفساد أكثر من الصلاح. و يبين

ذلك منه بقرائن أحواله، بل لا ينبغي أن يسلّم الوعظ إلّا لمن ظاهره الورع و هيئته السكون و الوقار و زيّه زيّ الصالحين و إلّا فلا يزداد الناس إلّا تماديا في الضلال. و يجب أن يضرب بين النساء و الرجال حائل يمنع النظر إليهنّ، فإن ذلك مظنّة الفساد ...» «1»

[الحسبة على المنجّمين و كتّاب الرسائل]

38- و تعرّض في الباب التاسع و الأربعين للحسبة على المنجّمين و كتّاب الرسائل فقال:

______________________________

(1)- معالم القربة/ 179 (ط. مصر/ 271).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 296

«أمّا المنجّمون فقد ورد في ذلك أحاديث دالّة على النهي بالاشتغال بهذا العلم، لقوله «ص»: من أتى حزّارا فصدّقه في مقاله فقد كفر بما أنزل اللّه على محمد «ص» ...

و حينئذ يؤخذ عليهم و على كتّاب الرسائل أن لا يجلسوا في درب و لا زقاق و في حانوت بل على قارعة الطريق، فإن معظم من يجلس عندهم النسوان ... و يلزمهم بالقسامة أنّهم لا يكتبون لأحد من الناس شيئا من الروحانيّات مثل محبّة و تهييج و نزيف و رمد و عقد لسان و غير ذلك، فإن السحر حرام فعله، و متى وجد أحدا يفعل ذلك عزّره ليرتدع به غيره ...» «1»

[الحسبة على الحدود و التعزيرات الشرعية]

39- و تعرّض في الباب الخمسين من الكتاب «2» للحدود و التعزيرات الشرعية، فذكر فيه ما فيه الحدّ و ما فيه التعزير أو التأديب و كيفيّة إجراء الحدود و التعزيرات و آلة إجرائهما و حكم التعزير بالمال و بالحبس و نحو ذلك من الفروع. و حيث إنّا سوف نحكي عنه بعض ذلك في فصل التعزيرات الآتي فلا نتعرّض لها هنا.

و قال في هذا الباب:

«و يمنع المحتسب من خصي الآدمي و البهائم و يؤدّب عليه و إن استحقّ فيه قودا أو دية استوفاه لمستحقّه ما لم يكن فيه تخاصم و تنازع ...

و يمنع المحتسب من التكسّب بآلة اللهو و يؤدّب عليه الآخذ و المعطي و ينهى الاضرار و أهل الكدية المقيمين عن قراءة القرآن في الأسواق و الكدية به و قد نهت الشريعة عن

ذلك.» «3»

[القضاة و الشهود]

40- و تعرّض في الباب الحادي و الخمسين «4» للقضاة و الشهود و ذكر فيه معنى القضاء و بعض الآيات و الروايات الواردة فيه و تصدّي النبيّ «ص» و الخلفاء له، و شرائط القاضي و الشهود و آداب القضاء و ذكر بعض المحرّمات الشرعيّة. و حيث مرّ منّا بحث إجمالي عن القضاء في الفصل الرابع من هذا الباب فلا نعيد هنا.

______________________________

(1)- معالم القربة/ 182 (ط. مصر/ 275).

(2)- معالم القربة/ 184 (ط. مصر/ 277).

(3)- معالم القربة/ 197 (ط. مصر/ 291).

(4)- معالم القربة/ 200 (ط. مصر/ 295).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 297

و قال في هذا الباب:

«و متى رأى المحتسب رجلا يسفه في مجلس الحكم أو يطعن على الحاكم في حكمه أو لا ينقاد إلى حكمه عزّره على ذلك. و أمّا إذا رأى القاضي قد استشاط على رجل غيظا و يشتمه أو يحقد عليه في كلامه ردعه عن ذلك و وعظه و خوّفه باللّه- عزّ و جلّ- فإنّ القاضي لا يحكم و هو غضبان و لا يقول هجرا و لا يكون فظّا غليظا.

و غلمانه الذين بين يديه و أعوانه إن كان فيهم شابّ حسن الصورة لا يبعثه القاضي لإحضار النسوان.» «1»

[الأمراء و الولاة]

41- و تعرّض في الباب الثاني و الخمسين للأمراء و الولاة فقال:

«ينبغي للمحتسب أن يقصد مجالس الأمراء و الولاة و يأمرهم بالشفقة على الرعيّة و الإحسان إليهم و يذكر لهم ما ورد في ذلك من الأحاديث عن النبيّ «ص» أنّه قال: «ما من أمير يلي أمر المسلمين و لا يجهد لهم و ينصح إلّا لم يدخل الجنّة.» و في رواية: «لم يجد ريح الجنة.» و قال رسول اللّه «ص»: «ما من

أمير يؤمّر على عشرة إلّا و هو يأتي يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتّى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوثقه.»

... و كان عمر بن الخطّاب يخرج كلّ ليلة يطوف مع العسس حتّى يرى خللا يتداركه، و كان يقول: لو ضاعت شاة بالفرات لخشيت أن أسأل عنها يوم القيامة ...

و قال مكحول الدمشقي: ينادي مناد يوم القيامة: أين الظلمة و أعوانهم، فلا يبقى أحد مدّ لهم دواة أو برى لهم قلما فما فوق ذلك إلّا حضروا فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنّم.

و في الحديث عن النّبيّ «ص» أنّه قال: «لا يقف أحدكم موقفا يضرب فيه رجل مظلوم، فإنّ اللعنة تنزل على من حضر حيث لم يدفع عنه.» ...

و خطر الولاية عظيم و خطبها جسيم، و لا يسلم الوالي إلّا بمخالطة العلماء و الصلحاء و فضلاء الدين، ليعلّموه طريق العدل و يسهّلوا عليه خطر هذا الأمر. و من أعظم

______________________________

(1)- معالم القربة/ 208 (ط. مصر/ 305).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 298

خصال الوالي و أحمدها توقعا في نفوس الخاصّة و العامّة إنصافه من خاصّته و حاشيته و أعوانه و تفقّدهم في كلّ ساعة، و يمنعهم أن يأخذوا من الغرماء فوق ما يستحقّونه ...

و ليكن في وعظه و قوله في ردعهم عن الظلم لطيفا ظريفا ليّن القول بشوشا غير جبّار و لا عبوس، قال اللّه- سبحانه-: «وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.» ... «1»

42- و تعرّض في الباب الثالث و الخمسين لما يجب على المحتسب فعله، و نحن نذكر خلاصة ذلك مع ملخّص ما ذكره في الباب الأوّل من آداب الاحتساب و ما يجب على

المحتسب و ينبغي له في خاتمة هذا الفصل، فانتظر.

[الحسبة على أصحاب السفن و المراكب]

43- و تعرّض في الباب الرابع و الخمسين للحسبة على أصحاب السفن و المراكب، قال:

«و يؤخذ على أصحاب السفن و المراكب ألّا يحملوها فوق العادة خوف الغرق، و كذلك يمنعهم من السير وقت هبوب الرياح و اشتدادها، و إذا حملوا فيها النسوان مع الرجال حجبوا بينهما بحائل.» «2»

أقول: و ما ذكره في هذا الباب أمر خطير مهمّ يلزم رعايته و الاهتمام به في السيّارات و الطيّارات أيضا، كما لا يخفى.

[الحسبة على السدّارين]

44- و تعرّض في الباب الثالث و الأربعين بعد باب الحمّامات للحسبة على السدّارين «3».

و تعرّض في الباب الخامس و الخمسين إلى السبعين للحسبة على أمور- ففي الباب 55 على باعة قدور الخزف و الكيزان.- و في الباب 56 على الفاخرانيّين و الغضّارين.- 57 على الابّارين و المسلاتيّين.- 58 على المرادنيّين.- 59 على

______________________________

(1)- معالم القربة/ 216 (ط. مصر/ 316).

(2)- معالم القربة/ 222 (ط. مصر/ 324).

(3)- معالم القربة/ 158 (ط. مصر/ 245).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 299

الحناويّين.- 60 على الامشاطيّين.- 61 على معاصر الشيرج و الزيت.- 62 على الغرابليّين.- 63 على الدبّاغين و البططيّين.- 64 على اللبوديّين.- 65 على الفرّائين.- 66 على الحصريّين العبداني و الكركر.- 67 على التبّانين.- 68 على الخشّابين و القشّاشين.- 69 على النجّارين و النشّارين و البنّائين و الدهّانين و المبيضّين و الضببيين و الجبّاسين و الجيّارين.- 70 على الرزّازين و المراوحيين و باعة الكبريت و المكانس و الزفّاتين و سقّائي الكيزان و أرباب الروايا و القرب و الدّلاء و الغسّالين لأقمشة الناس، و الإنكار على نطاح الكباش و نقار الديوك و صياح السّمان و أمثالها «1».

و من أراد المقصود من هذه العناوين و وظيفة

المحتسب في قبالها يرجع إلى الكتاب المذكور.

و الحكم في الجميع واحد، و هو أنّه يجب على المحتسب مراقبة الأعمال و آلات العمل و الموادّ المستعملة و محالّ العمل و مقدار الأجرة و كون العامل متخصّصا في عمله و نحو ذلك، و المتخلّف يعزّر.

فهذا ما اقتبسناه من كتاب معالم القربة في بيان وظيفة المحتسب.

و قد وزّعت في أعصارنا هذه الوظائف على الدوائر و الوزارات المختلفة، و لكنّ المباشر لأكثرها الضبّاط و الحرّاس و المستخبرون.

و جلّ ما ذكره ممّا يمكن أن يستدلّ عليه بعمومات الكتاب و السنة و إن كان للإشكال في بعضها مجال، كما مرّ.

و ممّا يؤسفني أنّه لا مجال لي للتتبّع في هذا المجال لكثرة الأشغال المتفرقة، فأوصي الإخوان من الفضلاء الشبّان أن يهتمّوا بها، لكثرة الابتلاء بها في بلادنا بعد نجاح الثورة الإسلاميّة فيها، و يطبّقوا العناوين المذكورة على المصاديق و الموضوعات الرائجة في عصرنا.

______________________________

(1)- معالم القربة/ 222 (ط. مصر/ 325).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 300

و أنت ترى أنّ المتعرّض لهذه المسائل و لجلّ مسائل الدولة و الحكومة هم علماء السنّة و مؤلّفوهم. و السرّ في ذلك أنّ الشيعة و علماءهم كانوا بمعزل عن الحكم و السلطة في شتّى الأعصار إلّا في آونة قليلة، و لكنّ الروايات الدالة على هذه المسائل من ناحية العترة الطاهرة كثيرة جدّا يعثر عليها المتتبّع في خلال الأخبار المرويّة عنهم- عليهم السلام- فتتبّع.

خاتمة [في آداب المحتسب و ما يجب عليه أو ينبغي له في احتسابه]
اشارة

قد تعرّض ابن الأخوة في الباب الأوّل من معالم القربة و في الباب الثالث و الخمسين منه لآداب المحتسب و ما يجب عليه أو ينبغي له في احتسابه، فنحن نذكرها تلخيصا من كتابه تتميما للفائدة.

[أن يعمل بما يعلم]

1- فقال في الباب الأوّل منه:

«أوّل ما يجب على المحتسب أن يعمل بما يعلم، و لا يكون قوله مخالفا لفعله فقد قال- تبارك و تعالى- في ذمّ بني إسرائيل: «أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ؟» و روي عن النبي «ص»، قال: رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بالمقاريض فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمّتك الذين يأمرون الناس بالبرّ و ينسون أنفسهم. و قد قال اللّه- تعالى- مخبرا عن شعيب «ع» لما نهى قومه عن بخس الموازين و نقص المكاييل: «و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، إن أريد إلّا الإصلاح ما استطعت.» و لا يكون كما قيل:

لا تنه عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم.»

«1» أقول: و في الوسائل بسند صحيح عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: إنّ من أعظم الناس

______________________________

(1)- معالم القربة/ 12 (ط. مصر/ 56).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 301

حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره.» «1»

و في خبر قتيبة الأعشى، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إنّ من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا و عمل بغيره.» «2»

و في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال في قول اللّه- عزّ و جلّ-: فكبكبوا فيها هم و الغاوون، فقال: يا با بصير، هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ثمّ خالفوه إلى غيره «3» هذا.

[أن يقصد بقوله و فعله وجه اللّه- تعالى]

2- ثمّ قال ابن الأخوة:

«و يجب على المحتسب أن يقصد بقوله و فعله وجه اللّه- تعالى- و طلب مرضاته خالص النيّة لا يشوبه في طويّته رياء و لا مراء، و يتجنّب في رئاسته منافسة الخلق و

مفاخرة أبناء الجنس، لينشر اللّه عليه رداء القبول و علم التوفيق و يقذف له في القلوب مهابة و جلالة و مبادرة إلى قبول قوله بالسمع و الطاعة، فقد قال «ص»: «من أرضى اللّه بسخط الناس كفاه شرّهم، و من أرضى الناس بسخط اللّه و كله إليهم، و من أحسن فيما بينه و بين اللّه أحسن اللّه فيما بينه و بين الناس، و من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته، و من عمل لآخرته كفاه اللّه أمر دنياه.» «4»

[ان يكون مواظبا على سنن رسول اللّه «ص»]

3- «و ينبغي للمحتسب ان يكون مواظبا على سنن رسول اللّه «ص» من قصّ الشارب و نتف الابط و حلق العانة و تقليم الأظافر و نظافة الثياب و تقصيرها و التعطّر بالمسك و نحوه و جميع سنن الشرع و مستحبّاته، هذا مع القيام على الفرائض و السنن الراتبة ...» «5»

[أن يكون عفيفا عن أموال الناس]

4- «و من الشروط اللازمة للمحتسب أن يكون عفيفا عن أموال الناس متورّعا عن قبول الهدية من المتعيّشين و أرباب الصناعات، فإنّ ذلك رشوة و قد قال «ص»: لعن اللّه

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 234، الباب 38 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 234، الباب 38 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3.

(3)- الوسائل 11/ 235، الباب 38 من أبواب جهاد النفس، الحديث 4.

(4)- معالم القربة/ 12، (ط. مصر/ 57).

(5)- معالم القربة/ 13، (ط. مصر/ 58).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 302

الراشي و المرتشي. و لأنّ التعفّف عن ذلك أصون لعرضه و أقوم لهيبته.» «1»

[من الآداب تقليل العلائق]

5- «و من الآداب تقليل العلائق. روي عن بعض المشايخ أنّه كان له سنّور و كان يأخذ له كلّ يوم من قصّاب شيئا لغذائه، فرأى على القصّاب منكرا فدخل الدار و أخرج السنّور ثمّ جاء و احتسب على القصّاب. فقال القصّاب: لا أعطيك بعد اليوم للسنّور شيئا. فقال الشيخ: ما احتسبت عليك إلّا بعد إخراج السنّور و قطع الطمع منك.

و يلزم غلمانه و أعوانه بما التزمه من هذه الشروط، فإنّ أكثر ما تتطرّق التهم إلى المحتسب من غلمانه و أعوانه ...» «2»

[ليكن سمته الرفق و لين القول]

6- «و ليكن سمته الرفق و لين القول، و طلاقة الوجه و سهولة الأخلاق عند أمره الناس و نهيه، فإنّ ذلك أبلغ في استمالة القلوب و حصول المقصود. قال اللّه- تبارك و تعالى- لنبيّه «ص»: «فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ». و لأنّ الإغلاظ في الزجر ربّما أغرى بالمعصية، و التعنيف في الموعظة ينفّر القلوب. حكى أنّ رجلا دخل على المأمون فأمره بمعروف و نهاه عن منكر و أغلظ له في القول. فقال له المأمون: يا هذا، إنّ اللّه أرسل من هو خير منك لمن هو شرّ منّي فقال لموسى و هارون: «فَقُولٰا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ.» ثمّ أعرض عنه و لم يلتفت إليه.

و لأنّ الرجل قد ينال بالرفق ما لا ينال بالتعنيف، كما قال «ص»: إنّ اللّه رفيق يحبّ كلّ رفيق يعطي على الرفق ما لا يعطي على التعنيف.» «3»

أقول: و عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّما يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل

فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى.» «4»

______________________________

(1)- معالم القربة/ 13، (ط. مصر/ 59).

(2)- معالم القربة/ 14، (ط. مصر/ 59).

(3)- معالم القربة/ 14، (ط. مصر/ 60).

(4)- الوسائل 11/ 419، الباب 10 من أبواب الأمر و النهي ...، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 303

[أن يكون ملازما للأسواق]

7- و قال في الباب الثالث و الخمسين:

«ينبغي أن يكون ملازما للأسواق، يركب في كلّ وقت، و يدور على السوقة و البلاغة، و يكشف الدكاكين و الطرقات، و يتفقّد الموازين و الأرطال، و يتفقّد معايشهم و أطعمتهم، و ما يغشّونه. و يفعل ذلك في النهار و الليل في أوقات مختلفة، و ذلك على غفلة منهم، و يختم في الليل حوانيت من لا يتمكّن من الكشف عليه بالنهار ...،

و ليكن معه أمين عارف ثقة يعتمد على قوله، و مع ذلك فلا يعتمد في الكشف إلّا على ما يظهر له و يباشره بنفسه. و لا يهمل كشف الأسواق، فقد ذكر أنّ علي بن عيسى الوزير وقّع إلى محتسب كان في وقت وزارته يكثر الجلوس في داره ببغداد: الحسبة لا تحتمل الحجبة، فطف الأسواق تحلّ لك الأرزاق، و اللّه إن لزمت دارك نهارا لأضر منّها عليك نارا.» «1»

[أن يتّخذ رسلا و غلمانا و أعوانا بين يديه بقدر الحاجة]

8- «و ينبغي للمحتسب أن يتّخذ رسلا و غلمانا و أعوانا بين يديه بقدر الحاجة دائما إن كان جالسا أو راكبا، فإنّ ذلك أعظم لحرمته و أوفر لهيبته، و إعانة للناس على طلب غرمائهم و خلاص الحقّ منهم. و يشترط فيهم العفة و الصيانة و النهضة و الشهامة، و يؤدّبهم و يهذّبهم و يعرفهم كيف يتصرّفون بين يديه و كيف يخرجون في طلب الغرماء، و أنّهم لا يعرفون الخصم الذي طلب، لما ذا طلب؟ لئلّا يتفكّر في حجّة يتخلّص بها فإذا طلب شخصا بعدّته و آلته فليحضروه على هيئته التي وجدوه عليها ... و لا يخرج أحد من الرسل في طلب أحد من الناس إلّا بعد مشاورة المحتسب، و إذا خرج فليخرج بعزم و قوّة نفس حادّة و يطلب الخصم

بسرعة، فإنّ ذلك ممّا يرعبه و يخوّفه و يردعه ...» «2»

______________________________

(1)- معالم القربة/ 219، (ط. مصر/ 320).

(2)- معالم القربة/ 220، (ط. مصر/ 322).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 305

الفصل السادس في البحث حول التعزيرات الشرعية

[ما يتعلق به التعذير]

قال الشيخ في أواخر كتاب الأشربة من المبسوط:

«كل من أتى معصية لا يجب بها الحدّ فإنّه يعزّر. مثل أن سرق نصابا من غير حرز، أو أقلّ من نصاب من حرز، أو وطئ أجنبيّة فيما دون الفرج أو قبّلها، أو شتم إنسانا أو ضربه، فإنّ الإمام يعزّره.» «1»

و قال المحقق في حدود الشرائع:

«كل من فعل محرما أو ترك واجبا فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحدّ. و تقديره إلى الإمام، و لا يبلغ به حدّ الحر في الحرّ و لا حدّ العبد في العبد.» «2»

و في الجواهر:

«لا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى.» «3»

و قال العلامة في القواعد:

______________________________

(1)- المبسوط 8/ 69.

(2)- الشرائع 4/ 168.

(3)- الجواهر 41/ 448.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 306

«و كل من فعل محرما أو ترك واجبا كان للإمام تعزيره بما لا يبلغ الحدّ لكن بما يراه الإمام، و لا يبلغ حد الحرّ في الحر و لا حد العبد في العبد.» «1»

أقول: لا يخفى أن مراد المحقق و العلامة أيضا المحرمات التي لم يرد فيها حدود معينة.

و يدل على الحكم مضافا إلى وضوحه و عدم الخلاف فيه كما مرّ من الجواهر أولا: استقرار سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» على ذلك على ما مرّ منا من حسبتهما في موارد كثيرة بعد إلغاء الخصوصية، فراجع.

و ثانيا: ما دل من الأخبار على وجوب الإنكار و لو باليد كما في خبر جابر المتقدم، عن أبي جعفر

«ع»: «فأنكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم.» «2»

و في خبر يحيى الطويل، عن أبي عبد اللّه «ع»: «ما جعل اللّه بسط اللسان و كفّ اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفّان معا.» «3»

و في خبر ابن أبي ليلى، عن أمير المؤمنين «ع»: «و من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا و كلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى.» «4»

و في خبر العسكري «ع»: «من رأى منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع.» «5»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة بطرق الفريقين، فراجع.

و قد مرّ البحث في أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إذا وصلت النوبة فيهما إلى الضرب و الجراح فهل يجوز أن يتصدّى له كلّ أحد أو يكون مخصوصا بالإمام أو

______________________________

(1)- القواعد 2/ 262.

(2)- الوسائل 11/ 403، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 404، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2.

(4)- الوسائل 11/ 405، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 8.

(5)- الوسائل 11/ 407، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 307

من نصبه؟ و عرفت أن الأحوط هو الثاني. هذا.

و لكن يمكن أن يقال إن هذا الاستدلال خلط بين باب الأمر و النهي و باب التعزيرات، إذ المقصود في هذه الروايات هو الردع و المنع عن وقوع المنكر، فلا تدلّ على جواز التعزير بعد وقوعه، فتأمل.

و ثالثا: الروايات الدالة على أن اللّه- تعالى- جعل لكل شي ء حدّا، و جعل على من تعدّى حدّا من حدود اللّه حدّا؛ و هي مستفيضة:

منها صحيحة داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه

«ع»، عن رسول اللّه «ص»: «إن اللّه قد جعل لكل شي ء حدّا و جعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّا.» «1»

و في خبر ابن رباط، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إن اللّه- عزّ و جلّ- جعل لكل شي ء حدّا، و جعل على من تعدّى حدّا من حدود اللّه- عزّ و جلّ- حدّا.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع الباب الثاني من مقدمات الحدود من الوسائل «3». و واضح أن الحد في هذه الأخبار أعم من الحدّ المصطلح، إذ هو لا يثبت إلّا في موارد خاصة، فتدبر.

و في الباب الخمسين من معالم القربة:

«التعزير اسم يختص بفعله الإمام أو نائبه في غير الحدود و التأديب. و الدليل على جواز التعزير ما روي أن النبي «ص» قال: «لا قطع في ثمر و لا كثر حتى يؤويه الجرين، فإذا آواه الجرين و بلغ ثمنه ثمن المجنّ ففيه القطع، و إن كان دون ذلك ففيه غرم مثله و جلدات نكالا».

... و كل من أتى معصية لا حدّ فيها و لا كفارة كالمباشرة المحرمة فيما دون الفرج، و السرقة فيما دون النصاب، و القذف بغير الزنا، و الخيانة بما لا يوجب القصاص، و الشهادة بالزور

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 310، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 310، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 309- 311.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 308

و ما أشبه ذلك من المعاصي عزّر. روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، و لأن اللّه- تعالى- أباح الضرب للزوج عند نشوز الزوجة، و قسنا عليه سائر المعاصي على حسب ما يراه الإمام أو نائبه.» «1»

أقول:

ما رواه عن النبي «ص» ورد في مورد خاصّ، فلا يقاس عليه و لا على الضرب في نشوز الزوجة، لمنع حجية القياس عندنا. نعم، لو كان ذكر الموردين من باب المثال فأريد مجموع الروايات الكثيرة الواردة في موارد مختلفة و منها ما ورد من التعزير في من سبّ رجلا أو هجاه أو نسبه إلى ما ليس فيه «2» بإلغاء الخصوصية و تنقيح المناط القطعي صحّ الاستدلال بها، و صار هذا دليلا رابعا في المقام. هذا.

و في نهاية ابن الأثير:

«و في حديث الحدود: لا قطع في ثمر حتّى يؤويه الجرين، هو موضع تجفيف التمر ...

و يجمع على جرن.» «3»

و فيه أيضا:

«الكثر بفتحتين: جمّار النخل و هو شحمه الذي وسط النخلة.» «4»

و الحديث مرويّ بطرقنا أيضا، ففي الوسائل عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: لا قطع في ثمر و لأكثر. و الكثر: شحم النخل.» «5»

______________________________

(1)- معالم القربة/ 190- 191، (ط. مصر/ 284)، فصل في التعاذير.

(2)- راجع الوسائل 18/ 452- 454، الباب 19 من أبواب حدّ القذف.

(3)- النهاية 1/ 263.

(4)- النهاية 4/ 152.

(5)- الوسائل 18/ 517، الباب 23 من أبواب حدّ السّرقة، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 309

جهات البحث في المسألة
اشارة

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أن هنا جهات في المسألة يجب الالتفات إليها و البحث فيها:

الجهة الأولى: في اهتمام الإسلام بإقامة الحدود و التعزيرات:

لا يخفى أن إدارة المجتمع و حفظ النظام و أمن السبل و إقامة القسط و العدل تتوقف على تحديد الحريّات و وضع المقرّرات، و على تأديب المتخلفين و مجازاة المجرمين. إذ لو لا خوف أهل الفساد من العقوبة و الخذلان لما بقي للنفوس و الأعراض و الأموال حرمة، و لاختلّ أمر الحياة و شاعت الفوضى و الهرج.

و قد استقرّت سيرة عقلاء البشر في كل عصر و زمان على وضع المقررات و تحديد الحرّيّات و على سياسة المتخلفين. فهذا أمر لا محيص عنه في كل نظام و مجتمع.

و الإسلام بجامعيته لجميع ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه و معاده و ما به صلاحه في الدارين اهتمّ بهذا الأمر أشدّ الاهتمام:

قال اللّه- تعالى-: «لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْمِيزٰانَ لِيَقُومَ النّٰاسُ بِالْقِسْطِ، وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ، إِنَّ اللّٰهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ». «1»

______________________________

(1)- سورة الحديد (57)، الآية 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 310

فالرسالات السماوية كلها قد تكفلت لما به صلاح الناس، و في خاتمتها شرع نبيّنا- صلّى اللّه عليه و آله-. و قد جعل اللّه الحديد و السلاح ضمانة لتنفيذ كتبه و موازينه و إقامة القسط و العدل و نصر رسله و بسط أحكامه.

و في خبر عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي إبراهيم «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-:

«يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا»*، قال: «ليس يحييها بالقطر، و لكن يبعث اللّه رجالا فيحيون العدل فتحيى الأرض لإحياء العدل. و لإقامة

الحدّ للّه أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.»

و بهذا المضمون روايات مستفيضة، فراجع الوسائل «1».

و قد مرّ الحديث عن رسول اللّه «ص»: «إن اللّه قد جعل لكل شي ء حدّا، و جعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّا.» «2»

و الظاهر من الروايات و من فتاوى الأصحاب أن إقامة الحدود بحسب الطبع واجبة لا يجوز تعطيلها:

ففي خبر ميثم، عن أمير المؤمنين «ع»: «... يا محمّد، من عطّل حدّا من حدودي فقد عاندني و طلب بذلك مضادّتي.» «3»

و لمّا شفعت أمّ سلمة عند النبي «ص» لأمتها التي سرقت، قال النبي «ص»:

«يا أمّ سلمة، هذا حدّ من حدود اللّه لا يضيّع، فقطعها رسول اللّه «ص».» «4»

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إنّ في كتاب علي «ع» انّه كان يضرب بالسوط، و بنصف السوط، و ببعضه في الحدود. و كان إذا أتى بغلام و جارية لم يدركا لا يبطل حدّا من حدود اللّه- عزّ و جلّ-. قيل له: و كيف كان يضرب؟ قال: كان يأخذ السوط بيده من وسطه أو من ثلثه ثم يضرب به على قدر أسنانهم، و لا يبطل حدّا من حدود اللّه- عزّ

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 308، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3 و ...

(2)- الوسائل 18/ 310، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 309، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6.

(4)- الوسائل 18/ 332، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 311

و جلّ-.» «1»

و في سنن أبي داود بسنده، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه «ص» قال: «تعافوا الحدود

فيما بينكم. فما بلغني من حدّ فقد وجب.» «2»

إلى غير ذلك من الروايات، فراجع.

نعم، لو تاب المجرم قبل قيام البينة عليه سقط الحد، كما أنّه لو كان الثبوت بالإقرار لا بالبينة كان للإمام عفوه، بل مطلقا على قول «3». و سيأتي البحث فيه إجمالا و التحقيق موكول إلى كتاب الحدود. هذا كلّه في الحدود المصطلحة.

و أما التعزيرات فهل يكون تنفيذها واجبا، أو تكون باختيار الإمام، أو فيه تفصيل؟ في المسألة وجوه.

قال الشيخ في أشربة الخلاف (المسألة 13):

«التعزير إلى الإمام بلا خلاف، إلّا أنّه إذا علم أنّه لا يردعه إلّا التعزير لم يجز له تركه. و إن علم أنّ غيره يقوم مقامه من الكلام و التعنيف كان له أن يعدل إليه، و يجوز له تعزيره، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: هو بالخيار في جميع الأحوال دليلنا ظواهر الأخبار و تناولها الأمر بالتعزير، و ذلك يقتضي الإيجاب.» «4»

و قال في أواخر الأشربة من المبسوط:

«و التعزير موكول إلى الإمام لا يجب عليه ذلك؛ فإن رأى التعزير فعل، و إن رأى تركه فعل، سواء كان عنده أنه لا يردعه غير التعزير، أو كان يرتدع بغير تعزير.

و قال بعضهم: متى كان عنده أنه يرتدع بغيره فهو بالخيار بين إقامته و تركه، و إن كان عنده أنه لا يردعه إلّا التعزير فعليه التعزير، و هو الأحوط.» «5»

و ظاهر كلام الشيخ أن التعزير عنده يختصّ بالضرب، و أن التعنيف ليس من

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 307، الباب 1 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(2)- سنن أبي داود 2/ 446، كتاب الحدود، باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان.

(3)- راجع الوسائل 18/ 330- 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود.

(4)-

الخلاف 3/ 223.

(5)- المبسوط 8/ 69.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 312

مصاديقه، هذا.

و ما مرّ من الشرائع و القواعد في صدر المسألة أيضا لا ظهور لهما في الوجوب و التعيّن، كما لا يخفى.

و في المغني لابن قدامة:

«و التعزير فيما شرع فيه التعزير واجب إذا رآه الإمام، و به قال مالك و أبو حنيفة.

و قال الشافعي: ليس بواجب، لأن رجلا جاء إلى النبي «ص» فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطأها، فقال: «أ صلّيت معنا؟» قال: نعم. فتلا عليه: إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ. و قال في الأنصار: «اقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم.» «1»

و لكن المستفاد من أكثر الأخبار الواردة في التعزيرات، و كذا من أكثر كلمات الأصحاب وجوب التعزير في موارده بدوا و بالطبع، و إن قلنا بسقوطه إن تاب قبل قيام البينة، و بجواز عفو الحاكم عنه إن كان الثبوت بالإقرار لا بالبينة كما هو الظاهر، نظير ما مرّ في الحدّ.

فأنت ترى روايات الباب و كلمات الأصحاب مشحونة بقولهم: عزّر، أو يعزّر، أو أدّب، أو يؤدّب، أو ضرب، أو يضرب تعزيرا، أو عليه تعزير، أو جلد، أو يجلد و نحو ذلك من الألفاظ التي تكون بصورة الاخبار و يراد بها الأمر قطعا. و قد حقّق في محلّه أن ظهور هذا النحو من التعبير في الوجوب أقوى و أوكد من ظهور الأمر فيه، لبنائه على فرض تحقق الأمر و تأثيره في المأمور و وقوع الفعل منه خارجا بامتثاله فيخبر هو عن ذلك. اللّهم إلّا أن يقال إن تعزير الغير لما كان تصرفا في سلطته و هي محرّمة بالطبع كان مفاد الأمر و ما في معناه في

مثل المقام رفع الحظر فقط فلا يدل على الوجوب، فتأمل. و بعض فقهائنا أيضا عبّروا بلفظ الوجوب. و ظاهره الوجوب الاصطلاحي. و حمله على معناه اللغوي، أعني الثبوت خلاف الظاهر:

ففي الغنية:

______________________________

(1)- المغني 10/ 348.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 313

«فصل: و اعلم أن التعزير يجب بفعل القبيح و الإخلال بالواجب الذي لم يرد من الشارع بتوظيف حدّ عليه، أو ورد بذلك فيه و لم يتكامل شروط إقامته؛ فيعزّر على مقدمات الزنا و اللواط من النوم في إزار واحد و الضم و التقبيل ...» «1»

و في آخر كتاب الحدود من التحرير:

«التعزير يجب في كل جناية لا حدّ فيها، كالوطي في الحيض للزوجة، و الأجنبية فيما دون الفرج ... و هو يكون بالضرب و الحبس و التوبيخ من غير قطع و لا جرح و لا أخذ مال. و التعزير واجب فيما يشرع فيه التعزير و لا ضمان لمن مات به.» «2»

فظاهر كلام هذين العلمين وجوب التعزير مثل الحدّ.

نعم عند العلامة «ره» لا ينحصر التعزير بالضرب، بل يعمّ الحبس و التوبيخ أيضا. و سيأتي البحث في ذلك أيضا. هذا.

و يدل على وجوب التعزير أيضا- مضافا إلى ما مرّ- صحيحة الحلبي التي مضت آنفا، إذ المراد بالحد فيها ما يشمل التعزير أيضا بقرينة ذكر الغلام و الجارية الّذين لم يدركا، إذ الثابت فيهما هو التعزير لا الحد المصطلح، بل يحتمل أن يراد بالحدّ في خبر ميثم الماضي أيضا هو الأعم لكثرة استعماله فيه، فتأمّل.

نعم، روت عائشة، قالت: قال رسول اللّه «ص»: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلّا الحدود.» «3»

و في الدعائم: روينا عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «ادرءوا الحدود بالشبهات، و أقيلوا الكرام عثراتهم

إلّا في حدّ من حدود اللّه.» «4»

فلعله يستفاد من هذا الحديث التفاوت بين الحدود و التعزيرات في وجوب التنفيذ و عدمه.

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 562.

(2)- تحرير الأحكام 2/ 239.

(3)- سنن أبي داود 2/ 446، كتاب الحدود، باب في الحدّ يشفع فيه.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 465، كتاب الحدود، الفصل 5 (ذكر القضايا في الحدود)، الحديث 1649.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 314

و لكن من المحتمل على فرض صحة الحديث كون المراد بالحدود فيه هو الأعم؛ فتشمل التعزيرات أيضا. فيكون المقصود أن الناس و إن تساووا في وجوب إجراء الحدود و التعزيرات عليهم و لكن بعد إجرائها ينبغي التفاوت بين ذوي الهيئات و غيرهم في كيفية العشرة معهم و هجرهم أو اجتذابهم و إظهار المودّة لهم. هذا.

و في نهج البلاغة: «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم، فما يعثر منهم عاثر إلّا و يد اللّه بيده يرفعه.» «1»

و نحوه في الغرر و الدرر «2». و ليس فيه استثناء الحدود.

و في تحف العقول عن النبي «ص» ورد الحديث هكذا: «أقيلوا ذوي الهناة عثراتهم.» «3» و الهناة هي الداهية و المصيبة. هذا.

و الظاهر جواز عفو الإمام عما كان من حقوق اللّه و لم يرد فيه حدّ خاص إذا رأى ذلك صلاحا و لم يوجب تجرأ المجرم.

و يمكن أن يستفاد هذا من إطلاق الآيات و الروايات الكثيرة الواردة في العفو و إقالة العثرات. و سيأتي التعرض لها في الجهة العاشرة، فانتظر.

الجهة الثانية: في عموم الحكم للصغائر أيضا:

ظاهر ما مرّ من المبسوط و الشرائع و القواعد عموم الحكم لكل محرم، صغيرا كان أو كبيرا. و لكن في الجواهر:

«قد يقال باختصاص التعزير بالكبائر دون الصغائر ممن كان يجتنب الكبائر، فإنّها

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1095؛ عبده

3/ 155؛ لح/ 471، الحكمة 20.

(2)- الغرر و الدّرر 2/ 260، الحديث 2550.

(3)- تحف العقول/ 58.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 315

حينئذ مكفّرة لا شي ء عليها، أمّا إذا لم يكن مجتنبا لها فلا يبعد التعزير لها أيضا.» «1»

أقول: نظره «ره» إلى قوله- تعالى-: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ، وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.» «2»

فإن قلت: إذا لم يثبت التعزير في الصغائر مع اجتناب الكبائر أمكن القول بعدمه فيها مطلقا، لعدم القول بالفصل.

قلت: لا دليل على حجية ذلك ما لم يرجع إلى القول بعدم الفصل، و المسألة لم تكن معنونة في كلمات القدماء من أصحابنا حتى يحرز هذا القول. هذا.

و يمكن الإشكال في أصل الاختصاص بالكبائر، لأن المفروض كون الصغيرة أيضا محرمة مبغوضة شرعا، و الآية إنّما تدل على التكفير و العفو عنها في العقبى فلا ينافي جواز التعزير عليها فعلا ردعا للفاعل عن تكرارها و لغيره عن الإتيان بمثلها. و عموم قوله «ص»: «إنّ اللّه قد جعل لكل شي ء حدّا، و جعل لمن تعدّى ذلك الحد حدّا» «3»، يشملها أيضا، فتدبر.

الجهة الثالثة: في بيان مفهوم التعزير بحسب اللغة:

1- قال في الصحاح:

«التعزير: التعظيم و التوقير، و التعزير أيضا: التأديب، و منه سمّي الضرب دون الحدّ

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 448.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 31.

(3)- الوسائل 18/ 310، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 316

تعزيرا.» «1»

2- و في القاموس:

«العزر: اللوم. عزره يعزره و عزروه، التعزير: ضرب دون الحد أو هو أشدّ الضرب.

و التفخيم و التعظيم. ضدّ.» «2»

3- و في لسان العرب:

«العزر: اللوم. و عزره يعزره عزرا و عزّره: ردّه. و العزر و التعزير:

ضرب دون الحدّ لمنعه الجاني من المعاودة و ردعه عن المعصية ... و قيل: هو أشدّ الضرب. و عزّره:

ضربه ذلك الضرب. و العزر: المنع. و العزر: التوقيف على باب الدين ... و التعزير:

التوقيف على الفرائض و الأحكام. و أصل التعزير: التأديب، و لهذا يسمّى الضرب دون الحد تعزيرا، إنّما هو أدب، يقال: عزرته و عزّرته. فهو من الأضداد. و عزّره: فخّمه و عظّمه.» «3»

4- و قال الراغب في المفردات:

«التعزير: النصرة مع التعظيم، قال: وَ تُعَزِّرُوهُ، و عزّرتموهم. و التعزير: ضرب دون الحدّ و ذلك يرجع إلى الأول، فإنّ ذلك تأديب، و التأديب نصرة ما لكن الأوّل نصرة بقمع ما يضرّه عنه، و الثاني نصرة بقمعه عمّا يضرّه، فمن قمعته عمّا يضرّه فقد نصرته. و على هذا الوجه قال «ص»: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قال: أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ فقال: كفّه عن الظلم.» «4»

5- و في نهاية ابن الأثير:

«التعزير: الإعانة و التوقير و النصر مرّة بعد مرّة. و أصل التعزير: المنع و الردّ؛ فكأنّ من نصرته فقد رددت عنه أعداءه و منعتهم من أذاه، و لهذا قيل للتأديب الّذي هو دون الحدّ تعزير لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب.» «5» هذا.

______________________________

(1)- صحاح اللغة 2/ 744.

(2)- القاموس/ 278.

(3)- لسان العرب 4/ 561- 562.

(4)- مفردات الراغب/ 345.

(5)- النهاية 3/ 228.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 317

6- و قال المحقق في الشرائع:

«كل ماله عقوبة مقدرة يسمّى حدّا، و ما ليس كذلك يسمّى تعزيرا.» «1»

و لا يخفى وجود مسامحة ما في عبارته؛ فإن الحد و التعزير اسمان لنفس العقوبة لا لما فيه العقوبة.

7- و في المسالك:

«التعزير لغة: التأديب، و شرعا عقوبة أو إهانة

لا تقدير لها بأصل الشرع غالبا.» «2»

أقول: و قيد بالغالب ليشمل مثل تعزير من أتى زوجته الصائمة أو أتى البهيمة، حيث قدر بخمسة و عشرين سوطا، فراجع.

8- و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«و التعزير: تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود. و يختلف حكمه باختلاف حاله و حال فاعله.» «3» و نحو ذلك في الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفرّاء، فراجع «4».

9- و في معالم القربة:

«التعزير: اسم يختص بفعله الإمام أو نائبه في غير الحدود و التأديب ... فأما ضرب الزوج زوجته و المعلم الصبي فذاك يسمّى تأديبا. و اصله العزر و هو المنع و الزجر، يقال: عزّره إذا رفعه. و هو من الأسماء الأضداد، و منه سمّي النصر تعزيرا لأنه يدفع العدو و يمنعه، و إليه الإشارة بقوله: «وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ.» «5»

10- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«التعزير هو العقوبة المشروعة على جناية لا حدّ فيها ... و الأصل في التعزير:

المنع، و منه التعزير بمعنى النصرة لأنه منع لعدوّه من أذاه.» «6»

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 147.

(2)- المسالك 2/ 423.

(3)- الأحكام السلطانيّة/ 236.

(4)- الأحكام السلطانيّة/ 279.

(5)- معالم القربة/ 190- 191 (ط. مصر/ 284)، الباب 50، فصل في التعازير.

(6)- المغني 10/ 347.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 318

أقول: لا يخفى أن ظاهر أكثر كلمات أهل اللغة و فقهاء الفريقين اختصاص التعزير بالضرب و العقوبة البدنية، و ربما يظهر من بعضها شموله لمثل الإهانة و التهديد و التوبيخ و نحوها أيضا. و سيأتي تفصيل ذلك، فانتظر.

الجهة الرابعة: في أن التعزير يراد به الضرب و الإيلام، أو مطلق التأديب؟
[التعزير في الكلمات]

قد عرفت في الجهة الثالثة أن العزر و التعزير في كلمات أهل اللغة فسّرا بالتوقير، و بالمنع، و الردّ، و اللوم، و التأديب، و التوقيف.

و في الصحاح:

«التعزير أيضا:

التأديب، و منه سمّي الضرب دون الحدّ تعزيرا.»

و في لسان العرب:

«و العزر و التعزير: ضرب دون الحدّ، لمنعه الجاني من المعاودة ... و أصل التعزير: التأديب، و لهذا يسمّى الضرب دون الحد تعزيرا، إنما هو أدب.»

فيظهر من تتبع أكثر كلمات أهل اللغة أن اللفظ بحسب الوضع لم يوضع للضرب، بل للمنع و التأديب و نحوهما، و إنما استعمل في الضرب بعناية كونه من مصاديق المفهوم الذي وضع له اللفظ.

نعم، يظهر من أكثر كلمات الفقهاء كونه بمعنى الضرب الذي دون الحدّ، كما أنه الظاهر من بعض كلمات أهل اللغة كالقاموس أيضا، و لعله المفهوم منه في الاستعمالات العرفية في أعصارنا.

و لكن يظهر من بعض الفقهاء و لا سيما فقهاء السنة كونه بحسب الاصطلاح أيضا بمعنى مطلق ما يتحقق به المنع و التأديب؛ فيشمل التوبيخ و التهديد و الحبس و المجازاة المالية. فليس في المقام نقل و لا حقيقة شرعية، بل الملحوظ نفس المفهوم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 319

اللغوي بعمومه، و الضرب ليس إلّا مصداقا شائعا من مصاديقه، و لعل اختياره من بين المصاديق غالبا كان من جهة كونه أشدّ تأثيرا و أعم نفعا فيما يترقّب منه و أسهل تناولا.

كما أنه يظهر من بعض آخر أن المراد باللفظ خصوص الضرب و لكنه لا يتعين اختياره، بل يكون بحسب الرتبة متأخرا عن مثل التوبيخ و الهجر و نحوهما، فلا تصل النوبة إليه إلّا بعد عدم تأثير غيره.

و كيف كان، فهل يتعين الضرب و العقوبة البدنية في من تخلف مطلقا، أو يكون مشروطا بما إذا لم ينته بالنهي و التوبيخ و التهديد و الهجر و نحو ذلك، أو يكون الإمام

مخيرا بين الضرب و بين غيره؟ وجوه بل أقوال:

ظاهر أكثر الكلمات و منها ما مرّ من الشرائع و القواعد هو الأول.

و لكن: 1- قال الشيخ في أشربة المبسوط:

«إذا فعل إنسان ما يستحقّ به التعزير مثل أن قبل امرأة حراما، أو أتاها فيما دون الفرج، أو أتى غلاما بين فخذيه- عندهم لأن عندنا ذلك لواط- أو ضرب إنسانا، أو شتمه بغير حق فللإمام تأديبه؛ فإن رأى أن يوبّخه على ذلك و يبكّته أو يحبسه فعل، و إن رأى أن يعزّره فيضربه ضربا لا يبلغ به أدنى الحدود- و أدناها أربعون جلدة- فعل، فإذا فعل فإن سلم منه فلا كلام، و إن تلف منه كان مضمونا عند قوم.

و قال قوم: إن علم الإمام أنه لا يردعه إلّا التعزير وجب عليه أن يعزّره، و إن رأى أنه يرتدع بغيره كان التعزير إليه: إن شاء عزّره و إن شاء تركه، فإن فعل ذلك فلا ضمان على الإمام، سواء عزّره تعزيرا واجبا أو مباحا. و هو الذي يقتضيه مذهبنا.» «1»

و ظاهره كون التأديب أعم من التعزير، و التعزير ينحصر في الضرب، و لكن

______________________________

(1)- المبسوط 8/ 66.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 320

الإمام مخيّر بين الضرب و غيره. و قد مرّ في الجهة الأولى كلام آخر من الشيخ من أواخر أشربة المبسوط، و كلام منه من أشربة الخلاف (المسألة 13) يناسبان المقام، فراجع.

2- و في آخر كتاب الحدود من التحرير:

«التعزير يجب في كلّ جناية لا حدّ فيها ... و هو يكون بالضرب و الحبس و التوبيخ، من غير قطع و لا جرح و لا أخذ مال.» «1»

و ظاهره كون التعزير أعمّ، و كون الإمام مخيرا

بين أفراده.

3- و في كشف اللثام في شرح ما قدمناه من القواعد قال:

«ثم وجوب التعزير في كل محرّم من فعل أو ترك إن لم ينته بالنهي و التوبيخ و نحوهما فهو ظاهر لوجوب إنكار المنكر، و أمّا إن انتهى بما دون الضرب فلا دليل إلّا في مواضع مخصوصة ورد النصّ فيها بالتأديب أو التعزير. و يمكن تعميم التعزير في كلامه و كلام غيره لما دون الضرب من مراتب الإنكار.» «2»

أقول: ظاهر كلامه الخلط بين باب التعزير و باب النهي عن المنكر، و كأنه توهّم أن التعزير إنما يقع للردع عما وجد من المنكر، فإذا حصل الارتداع بدون ذلك فلا يبقى مجال له.

و لكن يمكن أن يقال: إن الحكمة في تشريعه ارتداع الفاعل في المستقبل، و كذا ارتداع غيره ممن قد رأى أو سمع، كما هو الحكمة في جعل الحدود أيضا، فتدبر.

و أما ما احتمله من تعميم التعزير لمثل النهي و التوبيخ فكأنه أخذه من تحرير العلامة و نحوه.

و يمكن أن يورد عليه أولا بكونه خلاف ظاهر كلمات أصحابنا و إن اختاره كثير من مصنّفي السنة، كما سيجي ء. و ثانيا بأن المذكور في كثير من أخبار الباب

______________________________

(1)- تحرير الأحكام 2/ 239.

(2)- كشف اللثام 2/ 235.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 321

ليس لفظ التعزير حتى يحمل على الأعم، بل الضرب مطلقا أو بمقدار خاص، أو فسّر في النهاية بالضرب كما في خبر إسحاق بن عمار و صحيحة حماد بن عثمان، الواقع فيهما السؤال عن مقدار التعزير «1». و اما ما وقع فيه لفظ التعزير بنحو الإطلاق فاللفظ و إن كان بحسب اللغة يعم الضرب و غيره و لكن تعارف الضرب خارجا

في مقام العمل في عصر صدور الأخبار لعله كان يوجب انصراف المطلقات إلى خصوص الضرب. هذا.

و لكن الأقوى كما سيأتي هو التعميم، فتدبر.

4- و في الأحكام السلطانيّة للماوردي:

«و يختلف حكمه باختلاف حاله و حال فاعله؛ فيوافق الحدود من وجه و هو أنّه تأديب استصلاح و زجر يختلف بحسب اختلاف الذنب، و يخالف الحدود من ثلاثة أوجه: أحدها أن تأديب ذوي الهيأة من أهل الصيانة أخفّ من تأديب أهل البذاء و السفاهة، لقول النبي «ص»: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم.»

فتدرج في الناس على منازلهم و ان تساووا في الحدود المقدّرة؛ فيكون تعزير من جلّ قدره بالإعراض عنه، و تعزير من دونه بالتعنيف له، و تعزير من دونه بزواجر الكلام، و غايته الاستخفاف الذي لا قذف فيه و لا سبّ، ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الحبس الذي يحبسون فيه على حسب ذنبهم و بحسب هفواتهم؛ فمنهم من يحبس يوما، و منهم من يحبس أكثر منه إلى غاية مقدّرة.» «2» و ذكر أبو يعلى الفراء أيضا قريبا من ذلك «3».

5- و في معالم القربة:

«و يختلف حكمه باختلاف حاله و حال فاعله؛ فيوافق الحدود من وجه: و هو أنّه تأديب استصلاح و زجر يختلف بحسب اختلاف الذنب، و يخالف الحدود من وجه:

و هو أنّ تأديب ذوي الهيأة من أهل الصيانة أخفّ من تأديب أهل البذاءة و السفاهة.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 583- 584، الباب 10 من أبواب بقيّة الحدود و التعزيرات، الحديث 1 و 3.

(2)- الأحكام السلطانية/ 236.

(3)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 279.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 322

فيتدرج في الناس على منازلهم و إن تساووا في الحدود المقدرة؛ فيكون تعزير من جلّ قدره بالإعراض

عنه، و تعزير من دونه بزواجر الكلام، و غايته الاستخفاف الذي لا قذف فيه و لا سبّ، ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الحبس الذي ينزلون فيه على حسب رتبهم بحسب هفواتهم، فمنهم من يحبس يوما، و منهم من يحبس أكثر إلى غاية مقدورة، و قال أبو عبد اللّه الزبيري من أصحاب الشافعي تقدر غايته شهرا للاستبراء و الكشف، و ستة أشهر للتأديب و التقويم. و إن رأى الإمام أو نائبه أن يجلده جلده، و لا يبلغ أدنى الحدّ لقوله «ص»: «من بلغ ما ليس بحدّ فهو من التعزير.»

و لأن هذه المعاصي دونها، فلا يجب فيها ما يجب في ذلك ...» «1»

6- و في المنهاج للنووي في فقه الشافعية:

«فصل: يعزّر في كل معصية لا حدّ لها و لا كفارة بحبس، أو ضرب، أو صفع، أو توبيخ. و يجتهد الامام في جنسه و قدره. و قيل: إن تعلق بآدمي لم يكف توبيخ.» «2»

7- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«فصل: و التعزير يكون بالضرب و الحبس و التوبيخ.» «3»

8- و في إحياء العلوم للغزالي:

«الركن الرابع: نفس الاحتساب. و له درجات و آداب: أما الدرجات فأوّلها التعرف، ثمّ التعريف، ثمّ الوعظ و النصح، ثمّ السبّ و التعنيف، ثمّ التغيير باليد، ثمّ التهديد بالضرب، ثمّ إيقاع الضرب و تحقيقه، ثمّ شهر السلاح، ثمّ الاستظهار فيه بالأعوان و جمع الجنود.»

ثمّ شرع في شرح هذه العناوين و بيان خصوصياتها بالتفصيل، فراجع «4».

9- و في بدائع الصنائع للكاشاني في فقه الحنفية:

«و من مشايخنا من رتّب التعزير على مراتب الناس فقال: التعازير على أربعة

______________________________

(1)- معالم القربة/ 191 (ط. مصر/ 285)، الباب 50، فصل في التعازير.

(2)- المنهاج/ 535.

(3)- المغني 10/ 348.

________________________________________

نجف آبادى،

حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 322

(4)- إحياء العلوم 2/ 329.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 323

مراتب: تعزير الأشراف و هم الدهاقون و القوّاد، و تعزير أشراف الأشراف و هم العلوية و الفقهاء، و تعزير الأوساط و هم السوقة، و تعزير الأخسّاء و هم السفلة؛ فتعزير أشراف الأشراف بالإعلام المجرّد، و هو أن يبعث القاضي أمينه إليه فيقول له: بلغني أنك تفعل كذا و كذا، و تعزير الأشراف بالإعلام و الجرّ إلى باب القاضي و الخطاب بالمواجهة، و تعزير الأوساط الإعلام و الجر و الحبس، و تعزير السفلة الإعلام و الجرّ و الضرب و الحبس، لأن المقصود من التعزير هو الزجر و أحوال الناس في الانزجار على هذه المراتب.» «1»

10- و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«و بالجملة، فإن التعزير باب واسع يمكن الحاكم أن يقضي به على كلّ الجرائم التي لم يضع الشارع لها حدّا أو كفّارة، على أن يضع العقوبة المناسبة لكل بيئة و لكل جريمة من سجن، أو ضرب، أو نفي، أو توبيخ أو غير ذلك.» «2»

11- و في الفقه الإسلامي و أدلّته:

«و التعزير يكون إما بالضرب، أو بالحبس، أو الجلد، أو النفي، أو التوبيخ، أو التغريم المالي و نحو ذلك مما يراه الحاكم رادعا للشخص بحسب اختلاف حالات الناس حتى القتل سياسة، كما قرّر فقهاء الحنفية و المالكيّة.

و التعزير مفوّض للدولة في كل زمان و مكان؛ تضع للقضاة أنظمة يطبّقونها بحسب المصلحة.» «3»

أقول: فيظهر من هؤلاء المصنفين من علماء السنة أن

مفهوم التعزير عندهم بحسب الاصطلاح أيضا يكون أعمّ من الضرب و الإيلام، كما يكون كذلك بحسب اللغة؛ فيشمل التوبيخ و الهجر و نحوهما فضلا عن مثل النفي و الحبس. و لا يبعد ما ذكروه، و إنما شاع ذكر الضرب و إجراؤه خارجا لكونه أظهر أفراد التعزير و أشدّها

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 7/ 64.

(2)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 400.

(3)- الفقه الإسلاميّ و أدلّته 4/ 287.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 324

تأثيرا في الغالب و أعمّها نفعا و أسهلها تناولا، كما لا يخفى.

ما ورد في التأديب بغير الضرب و الإيلام أو معه:

1- و قد نفى رسول اللّه «ص» الحكم بن أبى العاص إلى الطائف، لكونه حاكاه في مشيته و في بعض حركاته، فسبّه و طرده و قال له: «كذلك فلتكن.» فكان الحكم متخلجا يرتعش «1».

2- و هجر هو «ص» هلال بن أميّة، و مرارة بن الربيع، و كعب بن مالك و نهى عن مكالمتهم، و أمر نساءهم باعتزالهم حتى ضاقت عليهم. الأرض بما رحبت، حينما تخلفوا عن رسول اللّه «ص» في سفره إلى تبوك، إلى أن تاب اللّه عليهم و ورد في حقّهم آية من سورة التوبة، فراجع «2».

3- و في سنن أبي داود بسنده عن أبي هريرة «أن النبي «ص» أتى بمخنث قد خضب يديه و رجليه بالحناء، فقال النبي «ص»: «ما بال هذا؟» فقيل:

يا رسول اللّه، يتشبه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع، فقالوا، يا رسول اللّه، ألا نقتله؟

فقال: «إني نهيت عن قتل المصلّين.» قال أبو أسامة: و النقيع ناحية عن المدينة و ليس بالبقيع.» «3»

4- و فيه أيضا بسنده عن ابن عباس أن النبي «ص» لعن المخنّثين من الرجال، و المترجلات من النساء و قال: «أخرجوهم

من بيوتكم و أخرجوا فلانا و فلانا»، يعني المخنّثين «4».

______________________________

(1)- التراتيب الإداريّة 1/ 301.

(2)- راجع مجمع البيان 3/ 79- 80 (الجزء 5) و غيره من التفاسير، ذيل الآية 118 من سورة التوبة.

(3)- سنن أبي داود 2/ 580، كتاب الأدب، باب الحكم في المخنّثين.

(4)- سنن أبي داود 2/ 580، كتاب الأدب، باب الحكم في المخنّثين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 325

5- و في الوسائل عن مكارم الأخلاق: «و لعن رسول اللّه «ص» المخنثين و قال:

أخرجوهم من بيوتكم.» «1»

6- و في التاج الجامع للأصول عن ابن عمر، قال:

إن النبي «ص» ضرب و غرّب، و أن أبا بكر ضرب و غرّب، و إن عمر ضرب و غرّب.

رواه الترمذي و الحاكم و ابن خزيمة و صحّحه «2».

7- و في الغرر و الدرر عن أمير المؤمنين «ع»: «ربّ ذنب مقدار العقوبة عليه إعلام المذنب به.» «3»

8- و روى الصدوق بإسناده عن البرقي، عن أبيه، عن عليّ «ع»: قال: «يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء، و الجهال من الأطبّاء، و المفاليس من الأكرياء.» قال:

و قال «ع»: «حبس الإمام بعد الحدّ ظلم.» «4»

9- و في خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه «ع»: أنه رفع إلى أمير المؤمنين «ع» رجل وجد تحت فراش امرأة في بيتها، فقال: هل رأيتم غير ذلك؟ قالوا: لا، قال: «فانطلقوا به إلى مخرؤة فمرّغوه عليها ظهرا لبطن ثم خلّوا سبيله.» «5»

10- و في خبر حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «أتي أمير المؤمنين «ع» برجل وجد تحت فراش رجل آخر، فأمر أمير المؤمنين «ع»، فلوّث في مخرؤة.» «6»

و المخرؤة: مكان الخرء، أي الغائط. و لا يخفى

التناسب بين اللواط و بين هذه المجازاة، و كونها أوفى بالردع عن مثل الضرب و نحوه.

______________________________

(1)- الوسائل 14/ 259، الباب 22 من أبواب النكاح المحرم، الحديث 6.

(2)- التاج 3/ 32، كتاب الحدود، التعزير بالضرب و الحبس و النفى.

(3)- الغرر و الدرر 4/ 73، الحديث 5342.

(4)- الوسائل 18/ 221، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.

(5)- التهذيب 10/ 48، باب حدود الزّنا، الحديث 175.

(6)- الوسائل 18/ 424، الباب 6 من أبواب حدّ اللّواط، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 326

11- و في خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه «أنّ عليّا «ع» كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريبا بعث به إلى حيّه، و إن كان سوقيا بعث به إلى سوقه فطيف به ثمّ يحبسه أياما ثمّ يخلّى سبيله.» «1»

12- و في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع» أن أمير المؤمنين «ع» أتى برجل اختلس درّة من أذن جارية، فقال: «هذه الدغارة المعلنة، فضربه و حبسه.» «2»

13- و في خبر عباد بن صهيب، قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن نصرانيّ قذف مسلما فقال له: يا زان؟ فقال: «يجلد ثمانين جلدة لحق المسلم، و ثمانين سوطا إلا سوطا لحرمة الإسلام، و يحلق رأسه، و يطاف به في أهل دينه لكي ينكل غيره» «3»

14- و في نهج السعادة، مستدرك نهج البلاغة بعد ما فرّ العدوّ من يد المسيب إلى معاوية:

«و قدم المسيّب على عليّ «ع» و قد بلغه الخبر فحجبه أياما ثم دعا به فوبّخه و قال له:

نابيت قومك و داهنت و ضيّعت؟ فاعتذر إليه و كلّمه وجوه أهل الكوفة بالرضا عنه فلم يجبهم و ربطه إلى

سارية من سواري المسجد و يقال: إنه حبسه، ثم دعا به ...» «4»

و لعل المتتبع يقف على موارد كثيرة من هذا القبيل. و هذه كلها من باب التعزير قطعا، إذ لا ثالث للحد و التعزير، فيكون مفهومه أعم من الضرب و هو المطلوب فتأمّل. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 503، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 4.

(3)- الوسائل 18/ 450، الباب 17 من أبواب حدّ القذف، الحديث 3.

(4)- نهج السعادة 2/ 578، الخطبة 320.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 327

ما يستدل به لتعين الضرب و الإيلام:
اشارة

و يمكن أن يستدل لتعين الضرب بوجوه:

الأول: إطلاق ما دل على الضرب في موارد خاصة،

كوطي الحائض و الصائمة و نحوهما.

الثاني: عموم ما دل على أن اللّه جعل لكل شي ء حدّا،

و جعل على من تعدّى حدّا من حدود اللّه حدّا.

و هذه الروايات كانت عمدة دليلنا على ثبوت التعزير في كل معصية كما مرّ، و حيث إن الحدّ المصطلح يكون من سنخ الضرب فلا محالة يكون التعزير أيضا من سنخه، و قد أطلق عليهما لفظ الحدّ بعناية واحدة.

الثالث: أن الأصل و قاعدة السلطنة يقتضيان عدم التصرف في سلطة الغير إلّا فيما أجازه الشرع،

و الضرب مجاز من قبله بالدليل و غيره مشكوك فيه فلا يجوز.

و بعبارة أخرى: الأمر يدور بين التعيين و التخيير في مقام الامتثال، و العقل في مثله يحكم بالتعيّن.

و يمكن أن يجاب عن الأول:

أوّلا: بأنا نسلّم تعيّن الضرب في الموارد التي ورد فيها الضرب بخصوصه، كوطي الصائمة أو الحائض؛ حيث ورد فيهما خمس و عشرون جلدة، و ككون الرجلين أو المرأتين أو الرجل و المرأة الأجنبية تحت لحاف واحد مجردين؛ حيث ورد فيها من ثلاثين إلى تسع و تسعين جلدة. و إنما الكلام في غيرها من التخلفات التي لم يذكر لها بخصوصها شي ء في الأخبار.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 328

و ثانيا: أنه في مسألة الرجلين و الرجل و المرأة أيضا ورد ما مرّ من أمير المؤمنين «ع» من الأمر بالتلويث في المخرؤة.

و عن الثاني بأن الحدّ في هذه الروايات لا يراد به الحد المصطلح قطعا

كما هو مبنى الاستدلال، فلا محالة يراد به معناه اللغوي، و بعنايته استعمل اللفظ، و هو في اللغة بمعنى المنع و الكف و الصرف؛ فيراد به في هذه الروايات كل ما يوجب تحديد فاعل المنكر و منعه في قبال كون الشخص مطلق العنان لا يعترض عليه أحد، فيشمل الحدود المصطلحة و كذا التعزيرات بأنواعها، كما أنه في الجملة الأولى، أعني قوله: «إن اللّه جعل لكل شي ء حدّا»، لا يراد به إلا محدودية الأفعال و التروك و منع الإطلاق فيها. و بهذه العناية أيضا استعمل اللفظ في قوله- تعالى- بعد بيان سهام المواريث: «تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ، وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ ...* وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ» «1» و في قول أمير المؤمنين «ع»: «إن اللّه حد حدودا فلا تعتدوها.» «2»

و بالجملة، فلفظ الحد في هذه الروايات التي هي محط الاستدلال لا يراد به معناه المصطلح، بل استعمل في كلتا الجملتين بلحاظ معناه اللغوي، أعني المنع و الصرف، فيشمل مثل التوبيخ و التهديد و نفي البلد

و الحبس أيضا لحصول المنع بسببها و إن فرض عدم إطلاق التعزير عليها، و يكون التعيين بحسب الجنس و المقدار لا محالة مفوضا إلى الحاكم على حسب ما يراه صلاحا.

ثم لو سلّم ظهور الأخبار و عبارات الأصحاب في اعتبار المسانخة بين الحد المصطلح و بين التعزيرات فنقول: إن الحدّ المصطلح أيضا لا ينحصر في العقوبة و الإيلام، لثبوت النفي في بعض موارد الزنا مع الجلد، و كذا في القيادة. و في حدّ المحارب يكون النفي أحد أفراد التخيير.

و في الوسائل عن تفسير العياشي، عن أبي جعفر الثاني «ع» في حديث طويل:

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 13 و 14.

(2)- الوسائل 18/ 312، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 329

«فإن كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا ما لا أمر بإيداعهم الحبس، فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل.» «1»

فيظهر بذلك أن النفي و الحبس أيضا من مصاديق الحدّ المصطلح.

و يجاب عن الثالث

أولا: بمنع كون الدوران بين التعيين و التخيير في المقام، في مقام الامتثال و السقوط بل يكون في مقام ثبوت التكليف، حيث لا يعلم أن الوجوب تعلق بخصوص الضرب أو بالأعم منه و من غيره، و الحق في مثله هو البراءة لا الاشتغال، فتأمّل.

و ثانيا: بمنع كون المورد من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير، إذ لا نسلّم جواز الضرب مطلقا بل من المحتمل وجوب رعاية المراتب من التوبيخ و التعنيف و الهجر و التهديد إلى أن تصل النوبة إلى الضرب؛ فالمعاصي مختلفة، و الناس متفاوتون، و البيئات متفاوتة، و قد ورد من طرق الفريقين أن الحدود تدرأ بالشبهات،

و الظاهر إرادة الأعم بها فلا يجوز الضرب إذا كان الذنب حقيرا و فرض حصول الارتداع و المنع بالأخف منه. و المسألة مشكلة جدّا.

و بما ذكرناه يظهر حكم المجازاة المالية و لكن لأهميتها نبحث فيها بحثا مستقلا في الجهة التالية.

الجهة الخامسة: في التعزير المالي:
هل يجوز التعزير بالمال أيضا بإتلافه أو أخذه منه أم لا؟

فيه وجهان: من أن الغرض ردع فاعل المنكر و ربّما يكون التعزير المالي أوفى بالمقصود و أردع و أصلح له

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 536، الباب 1 من أبواب حدّ المحارب، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 330

و للمجتمع، فيدل على جوازه إطلاق أدلّة الحكومة و ربما يستأنس له أيضا ببعض الأخبار الواردة في موارد خاصة.

و من أن أحكام الشرع توقيفيّة، فلا يجوز التعدّي عما ورد في باب الحدود و التعزيرات. و المسألة من المسائل المهمة التي كثر الابتلاء بها في عصرنا.

قال ابن الأخوة في الباب الخمسين من معالم القربة:

«فصل: و أما التعزير بالأموال فجائز عند مالك، و هو قول قديم عند الشافعي بدليل أنه أوجب على من وطئ زوجته الحائض في إقبال الدم دينارا، و في إدباره نصف دينار، رواه ابن عباس.

و في من غلّ الزكاة تؤخذ منه و يؤخذ شطر ماله عقوبة له، و استدل بحديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده أن النبي «ص» قال: «و في كلّ أربعين من الإبل السائمة بنت لبون، من أعطاها مرتجزا فله أجرها، و من منعها فأنا آخذها، و شطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد فيها شي ء.» و قد روي أن سعيد بن المسيّب (سعد بن أبي وقّاص خ. ل) أخذ سلب رجل قتل صيدا بالمدينة و قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «من رأى رجلا يصطاد

بالمدينة فله سلبه.» و المراد هاهنا بالسلب الثياب فحسب. و هذا ما أورده الإمام. و قد روي أنهم كلّموا سعدا في هذا السلب فقال: ما كنت أردّ طعمة أطعمنيها رسول اللّه «ص».

و روي أن عمر أراق لبنا مغشوشا.

و عن عليّ «ع»: أنه أحرق طعاما محتكرا بالنار.

قال الغزالي: للوالي أن يفعل ذلك اذا رأى المصلحة فيه. و أقول: و له أن يكسر الظروف التي فيها الخمور زجرا، و قد فعل ذلك في زمن رسول اللّه «ص» تأكيدا للزجر و لم يثبت نسخه، و لكن كانت الحاجة إلى الزجر و الفطام شديدة، و إذا رأى الوالي باجتهاده مثل تلك الحاجة جاز مثل ذلك، فإن كان هذا منوطا بنوع اجتهاد دقيق لم يكن ذلك لآحاد الرعية.» «1» انتهى ما أردنا نقله من معالم القربة.

______________________________

(1)- معالم القربة/ 194- 195، (ط. مصر/ 287- 288).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 331

أقول: أما حديث الكفارة في وطي الحائض فقد استفاضت الروايات على ذلك من طرقنا أيضا، و حملها بعضهم على الاستحباب و هو الأقوى، فراجع الوسائل «1».

ففي خبر محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر «ع» عن الرجل يأتي المرأة و هي حائض. قال: يجب عليه في استقبال الحيض دينار، و في استدباره نصف دينار. قال: قلت جعلت فداك يجب عليه شي ء من الحدّ؟ قال: نعم، خمس و عشرون سوطا، ربع حد الزاني ...» «2»

و أما حديث بهز بن حكيم فرواه أبو داود في السنن، و فيه: «من أعطاها مؤتجرا بها» «3» و هو الصحيح ظاهرا.

و روى أيضا في السنن بسنده عن سليمان بن أبي عبد اللّه، قال: رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا يصيد في

حرم المدينة الذي حرّم رسول اللّه «ص» فسلبه ثيابه، فجاء مواليه فكلموه فيه، فقال: إن رسول اللّه «ص» حرّم هذا الحرم و قال:

«من وجد احدا يصيد فيه فليسلبه (ثيابه).» و لا أردّ عليكم طعمة أطعمنيها رسول اللّه «ص» و لكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه «4».

و رواه أحمد في مسنده أيضا إلّا أنه قال: «من رأيتموه يصيد فيه شيئا فله سلبه.» «5»

و في السنن أيضا بسنده عن مولى لسعد أن سعدا وجد عبيدا من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم و قال- يعني لمواليهم-: سمعت رسول اللّه «ص» ينهى أن يقطع من شجر المدينة شي ء و قال: «من قطع منه شيئا فلمن

______________________________

(1)- راجع الوسائل 2/ 574، الباب 28 من أبواب الحيض؛ و 18/ 586، الباب 13 من أبواب بقية الحدود.

(2)- الوسائل 18/ 586، الباب 13 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 1.

(3)- سنن أبي داود 1/ 363، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

(4)- سنن أبي داود 1/ 470، كتاب المناسك (الحج)، باب في تحريم المدينة.

(5)- مسند أحمد 1/ 170.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 332

أخذه سلبه.» «1»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية:

«و فيه: من قتل قتيلا فله سلبه. و قد تكرّر ذكر السلب في الحديث، و هو ما يأخذه أحد القرنين في الحرب من قرنه مما يكون عليه و معه من سلاح و ثياب و دابّة و غيرها. و هو فعل بمعنى مفعول، أي مسلوب.» «2»

و على هذا فهو أعم من الثياب، كما لا يخفى. و ما هو المناسب في الصيد الممنوع أخذ آلة الصيد، و في قطع الشجر الممنوع أخذ آلة القطع. هذا.

و رواية إحراق عليّ «ع»

للطعام، رواها ابن حزم في المحلّى بسنده عن أبي الحكم: «أن علي بن أبي طالب أحرق طعاما احتكر بمائة ألف.» و عن حبيش، قال: «أحرق لي عليّ بن أبي طالب «ع» بيادر بالسواد كنت احتكرتها لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة.» «3»

و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«و أجاز بعض الحنفية التعزير بالمال على أنه إذا تاب يردّ له. فإذا استثنينا من العقوبات حدّ السرقة و حدّ القذف، و استثنينا القصاص و بعض الأشياء التي جعل الشارع لها كفّارة كالحلف بأقسامه و إتيان الزوجة و هي حائض، فإن عقوبات الجرائم الخلقية و الماليّة و سائر المعاصي منوطة بتقدير الحاكم و اجتهاده، فعليه أن يضع جميع العقوبات التي تقضى على الرذائل و تزجر المجرمين.» «4» هذا.

و لكن في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«فصل: و التعزير يكون بالضرب و الحبس و التوبيخ، و لا يجوز قطع شي ء منه و لا جرحه و لا أخذ ماله، لأن الشرع لم يرد بشي ء من ذلك عن أحد يقتدى به،

______________________________

(1)- سنن أبي داود 1/ 470، كتاب المناسك (الحج) باب في تحريم المدينة.

(2)- النهاية 2/ 387.

(3)- المحلّى 9/ 65 (المجلد 6)، المسألة 1567.

(4)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 401.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 333

و لأن الواجب أدب، و التأديب لا يكون بالإتلاف.» «1»

و بالجملة، فالتعزير بالمال كان معنونا في كلمات الفقهاء من السنة، و قد رأيت حكاية جوازه عن مالك و الشافعي في القديم و بعض الحنفية، و استدلوا على جوازه بما مرّ من الروايات الواردة في أخذ سلب الصائد في حرم المدينة أو القاطع لشجرها، أو أخذ شطر المال، مضافا إلى الزكاة ممن منعها، أو إحراق

أمير المؤمنين «ع» طعام المحتكر، أو أخذ الكفارة ممن وطئ الحائض.

ما يمكن أن يستدل به للتعزير بالمال بإتلافه أو بأخذه:
اشارة

أقول: و يمكن أن يستدل لذلك مضافا إلى ما مرّ بأمور اخر و إن كان بعضها قابلا للمناقشة:

الأول: تحريق موسى «ع» للعجل المتّخذ إلها:

ففي سورة طه: «وَ انْظُرْ إِلىٰ إِلٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عٰاكِفاً؛ لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً.» «2»

و أحكام الشرائع السابقة يجوز استصحابها ما لم يثبت نسخها، و العجل كان قيّما جدّا؛ صنعه السامري من مجموع حليّ بني إسرائيل.

و بذلك يظهر أن إفناء مظاهر الفساد التي ربما ينجذب إليها أهواء البسطاء و أهل الزيغ أولى من إبقائها في المتاحف.

الثاني: هدم مسجد الضرار و تحريقه مع ماليّته:

______________________________

(1)- المغني 10/ 348.

(2)- سورة طه (20)، الآية 97.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 334

ففي مجمع البيان:

«فوجّه رسول اللّه «ص»- عند قدومه من تبوك- عاصم بن عوف العجلاني، و مالك بن الدخشم ... فقال لهما: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه و حرّقاه. و روي: أنه بعث عمّار بن ياسر، و وحشيّا فحرّقاه، و أمر بأن يتّخذ كناسة يلقى فيها الجيف.» «1» و راجع الدر المنثور «2».

الثالث: تهديد رسول اللّه «ص» بتحريق بيوت التاركين للجماعات:

ففي صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: إن أناسا كانوا على عهد رسول اللّه «ص» أبطئوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول اللّه «ص»: «ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم.» «3»

و في حديث آخر عنه «ص»: «لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرنّ مؤذّنا يؤذّن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي، و هو عليّ، فليحرقنّ على أقوام بيوتهم بحزم الحطب، لأنهم لا يأتون الصلاة.» «4»

الرابع: ما ورد من تهديد النبي «ص» بإحلال سلب من كان يسترزق بالدفّ

و استأذنه في الغناء:

فقال له: «قم عنّي، و تب إلى اللّه. أما إنّك إن فعلت بعد التقدمة إليك ضربتك ضربا وجيعا، و حلقت رأسك مثلة، و نفيتك من أهلك، و أحللت سلبك نهبة لفتيان أهل المدينة.» «5»

______________________________

(1)- مجمع البيان 3/ 73 (الجزء 5).

(2)- الدر المنثور 3/ 277.

(3)- الوسائل 5/ 377، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.

(4)- الوسائل 5/ 376، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.

(5)- سنن ابن ماجة 2/ 872، كتاب الحدود، باب المخنثين، الحديث 2613.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 335

الخامس: ما ورد من أمر النبيّ «ص» بكسر دنان الخمر و شق ظروفها:

1- ففي سنن الترمذي بسنده عن أبي طلحة أنه قال: يا نبي اللّه، إنّي اشتريت خمرا لأيتام في حجري. قال: «اهرق الخمر و اكسر الدنان.» «1»

2- و في مسند أحمد بسنده عن عبد اللّه بن عمر، قال: «أمرني رسول اللّه «ص» أن آتيه بمدية، و هي الشفرة، فأتيته بها، فأرسل بها فأرهفت «2» ثم أعطانيها و قال: اغد عليّ بها، ففعلت، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة، و فيها زقاق خمر قد جلبت من الشام، فأخذ المدية منّي فشقّ ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثمّ أعطانيها و أمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معى و أن يعاونوني، و أمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زقّ خمر إلّا شققته، ففعلت فلم أترك في أسواقها زقّا إلّا شققته.» «3»

و روى نحو ذلك في موضع آخر من مسنده، فراجع «4».

3- و في رواية أخرى: «كان عبد اللّه يحلف باللّه أن التي أمر بها رسول اللّه «ص» حين حرّمت الخمر أن تكسر إناءه و أن تكفأ لمن التمر و الزبيب.» «5» هذا.

و لكن الذي وجدته

في رواياتنا أنه بعد ما نزل تحريم الخمر خرج رسول اللّه «ص» فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفأها كلها، و ليس فيها اسم الكسر و الشقّ للظروف. و ورد نحو ذلك أيضا في روايات السنة، فراجع ما ورد في تفسير قوله- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ

______________________________

(1)- سنن الترمذي 2/ 379، أبواب البيوع، الباب 58، الحديث 1311.

(2)- أرهف المدية: رقّق حدّه.

(3)- مسند أحمد 2/ 132.

(4)- مسند أحمد 2/ 71.

(5)- نيل الأوطار 5/ 330، كتاب الغصب و الضمانات، باب ما جاء في كسر أواني الخمر، عن الدارقطني، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 336

الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.» «1» و راجع الأشربة من صحيح مسلم «2».

السادس: ما قيل من أمره «ص» بكسر قدور لحوم الحمر يوم خيبر:

ففي البخاري في حديث: فقال النبي «ص»: «ما هذه النيران؟ على أيّ شي ء توقدون؟» قالوا: على لحم. قال: «على أيّ لحم؟» قالوا: لحم الحمر الإنسية. قال النبي «ص»: «أهريقوها و اكسروها.» فقال رجل: يا رسول اللّه أ و نهريقها و نغسلها؟

قال: «او ذاك.» «3» هذا.

و لكن حرمة لحم الحمر عندنا غير واضحة، نعم هي مكروهة. و أضعف من ذلك نجاسته كما تستفاد من تقريره لغسل الأوعية، و من الحكم بكونه رجسا في رواية أنس من هذا الباب فراجع «4». نعم، يحتمل الحكم بالحرمة الموقتة لمصلحة موقتة، فتدبّر.

السابع: ما ورد من أمر النبي «ص» بتحريق الثوبين المعصفرين:

ففي سنن النسائي عن عبد اللّه بن عمرو أنه أتى النبيّ «ص» و عليه ثوبان معصفران، فغضب النبي «ص» و قال: «اذهب فاطرحهما عنك.» قال: أين يا رسول اللّه؟ قال: «في النار.» «5»

الثامن: ما ورد في إحراق متاع الغالّ:

ففي كتاب الجهاد من سنن أبي داود عن النبيّ «ص»: «إذا وجدتم الرجل قد غلّ

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 90. راجع تفسير البرهان 1/ 497؛ و الدّر المنثور 2/ 316، و غيرهما.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1570، الباب 1 (باب تحريم الخمر و ...).

(3)- صحيح البخاري 3/ 49، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.

(4)- صحيح البخاري 3/ 49، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر.

(5)- سنن النسائي 8/ 203، كتاب الزينة، ذكر النهي عن لبس المعصفر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 337

فأحرقوا متاعه و اضربوه.» «1»

و في رواية أخرى: «أن رسول اللّه «ص» و أبا بكر و عمر حرّقوا متاع الغالّ و ضربوه.» «2»

التاسع: ما ورد في هدم أمير المؤمنين «ع» و تحريقه دور من فارقه

و لحق بمعاوية، أو ببعض البلاد:

1- ففي كتاب وقعة صفين بعد ما ذكر اعتراض مالك الأشتر على جرير بعد رجوعه من الشام، قال: «فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا، و لحق به أناس من قسر (قيس خ. ل) من قومه ... و خرج عليّ «ع» إلى دار جرير فشعّث منها و حرّق مجلسه، و خرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال: أصلحك اللّه إن فيها أرضا لغير جرير، فخرج منها إلى دار ثوير بن عامر فحرّقها و هدم منها. و كان ثوير رجلا شريفا، و كان قد لحق بجرير.» «3»

2- و فيه أيضا في قصة لحوق ابن المعتم و حنظلة بن الربيع الصحابي الكاتب و قومهما بمعاوية، قال: «و أما حنظلة فخرج بثلاثة و عشرين رجلا من قومه و لكنهما لم يقاتلا مع معاوية و اعتزلا الفريقين جميعا ... فلما هرب حنظلة أمر عليّ «ع» بداره فهدمت، هدمها عريفهم بكر بن تميم و شبث بن ربعي.» «4» و

رواه عنه ابن أبي الحديد «5».

3- و في شرح ابن أبي الحديد: «و يذكر أهل السير أن عليّا «ع» هدم دار جرير و دور قوم ممن خرج معه، حيث فارق عليّا «ع» منهم أبو أراكة بن مالك بن عامر القسري، كان ختنه على ابنته. و موضع داره بالكوفة كان يعرف بدار أبي أراكة قديما.» «6»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 63، كتاب الجهاد، باب عقوبة الغالّ.

(2)- سنن أبي داود 2/ 63، كتاب الجهاد، باب عقوبة الغالّ.

(3)- وقعة صفّين/ 60.

(4)- وقعة صفّين/ 97.

(5)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 176- 177.

(6)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 118.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 338

4- و في المستدرك عن كتاب الغارات في قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني بعد ما فرّ و لحق بمعاوية و قال فيه أمير المؤمنين ما قال: «ثم سارع «ع» إلى داره فهدمها.» «1»

العاشر: ما عن أمير المؤمنين «ع» من تحريق المكان الذي كان يباع فيه الخمر «2».
الحادي عشر: جميع موارد الكفارات الواردة

من عتق الرقبة أو التصدق بمال أو إطعام مسكين بمدّ أو إطعام ستّين مسكينا أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، حيث إنّها بأجمعها تتضمن صرف المال و تكون نوعا من التأديب و التعزير و إن كانت أمورا عبادية يشترط فيها القربة، فيستأنس منها إمكان التعزير بالمال، فتأمّل.

الثاني عشر: ما ورد في ذبح البهيمة الموطوءة و إحراقها بالنار، «3» فتأمّل.

الثالث عشر: ما حكم به أمير المؤمنين «ع» بالنسبة إلى منذر بن الجارود،

عامله على إصطخر، حيث كتب إليه: «أما بعد فإن صلاح أبيك غرّني منك، فإذا أنت لا تدع انقيادا لهواك ... فاقبل إليّ حين تنظر في كتابي و السلام.» فأقبل فعزله و أغرمه ثلاثين ألفا.» «4» و قد ذكر الكتاب في نهج البلاغة بتفاوت، فراجع «5».

الرابع عشر: الروايات الواردة في تغريم المتاع مرّتين:

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 3/ 207، الباب 24 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 6.

(2)- كتاب الحسبة لابن تيمية/ 59.

(3)- راجع الوسائل 18/ 570، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم و ...

(4)- تاريخ اليعقوبي 2/ 179.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 1073؛ عبده 3/ 145؛ لح/ 461، الكتاب 71.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 339

فروى السكوني بسند لا بأس به عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قضى النبيّ «ص» فيمن سرق الثمار في كمّه «1»: فما أكل منه فلا شي ء عليه، و ما حمل فيعزر و يغرم قيمته مرّتين.» «2»

و الاستدلال به مبنيّ على كون تغريم القيمة مرّتين بيانا للتعزير، فيكون العطف تفسيريا أو كونه متمما له. و ظاهر قوله: قضى النبي «ص» أن الحكم كان حكما ولائيا منه «ص»، لا حكما فقهيا. هذا.

و لكن من المحتمل أن يكون ذلك من جهة أن الثمر الموجود في الغلاف قابل للنموّ و النّضج بحيث تضاعف قيمته قهرا، و يشهد لذلك أن الظاهر من التغريم في الرواية هو التغريم لصاحب الثمر، و لو كان من باب التعزير كان الأنسب جعله في بيت المال. هذا.

و لكن الإفتاء بهذا المضمون مما لم ينقل من أحد و يشكل الالتزام به، إذ الملاك في تقويم التالف أو المتلف و تضمينه هو لحاظ فعليته لا إمكانه و مآله؛ فلو أتلف الزرع أو الأشجار الصغار أو الأسماك الصغار

في حياضها أو سائر الحيوانات في حال صغرها فهل يلتزم أحد بتقويمها بلحاظ استعدادها و المآل المترقب منها في الأشهر أو السنوات الآتية؟ لا أظنّ ذلك، اللهم إلا أن يفرّق بين القوة القريبة من الفعلية كما في المقام، و بين غيرها كما في الأمثلة المذكورة، فتدبّر.

و قال العلامة المجلسي «ره» في مرآة العقول في شرح هذه الرواية:

«و لم يعمل بظاهره أحد من الأصحاب فيما رأينا، قال الوالد العلّامة «ره»: يمكن أن يكون المرّتان لما أكل و لما حمل، لأن جواز الأكل مشروط بعدم الحمل.» «3»

أقول: ما ذكره والده خلاف ظاهر الرواية، إذ الظاهر منها أنه لا شي ء عليه لما أكل و إن اجتمع مع الحمل. هذا.

______________________________

(1)- كمّ الثمر: غلافه.

(2)- الوسائل 18/ 516، الباب 23 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(3)- مرآة العقول 4/ 178، (ط. القديم).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 340

و نظير رواية السكوني ما رواه أحمد في المسند بسنده عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه سأل النبي «ص» عن الثمار و ما كان في أكمامه، فقال: «من أكل بفمه و لم يتّخذ خبنة فليس عليه شي ء، و من وجد قد احتمل ففيه ثمنه مرّتين و ضرب نكال.» «1»

أقول: و الخبنة بالضم على ما في النهاية: «معطف الإزار و طرف الثوب.» «2»

و لكن في سنن أبي داود بسنده عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، عن رسول اللّه «ص» أنه سئل عن التمر المعلّق فقال: «من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فلا شي ء عليه، و من خرج بشي ء منه فعليه غرامة مثليه و العقوبة. و من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ

ثمن المجنّ فعليه القطع، و من سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه و العقوبة.» «3»

و رواه النسائي أيضا في السنن ثم روى رواية أخرى عن عبد اللّه بن عمرو: «أن رجلا من مزينة أتى رسول اللّه «ص» فقال: يا رسول اللّه، كيف ترى في حريسة الجبل؟ فقال: هي و مثلها و النكال، و ليس في شي ء من الماشية قطع إلّا فيما آواه المراح فبلغ ثمن المجنّ ففيه قطع اليد، و ما لم يبلغ ثمن المجنّ ففيه غرامة مثليه و جلدات نكال. قال:

يا رسول اللّه، كيف ترى في الثمر المعلّق؟ قال: هو و مثله معه و النكال، و ليس في شي ء من الثمر المعلّق قطع إلّا فيما آواه الجرين؛ فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجنّ ففيه القطع، و ما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه و جلدات نكال.» «4»

أقول: الجرين على ما في النهاية: موضع تجفيف التمر. و المراد بحريسة الجبل:

المحروسة في الجبال في قبال المحروسة في مراحها. و المراح بالضم: الموضع الذي

______________________________

(1)- مسند أحمد 2/ 207.

(2)- النهاية لابن الأثير 2/ 9.

(3)- سنن أبي داود 2/ 449، كتاب الحدود، باب ما لا قطع فيه.

(4)- سنن النسائي 8/ 85- 86، كتاب قطع السارق، الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 341

تروح إليه الماشية و تأوي إليه ليلا. و المراد بالثمر المعلّق: ما يكون معلّقا بالأشجار.

و لا يخفى عدم تطرق الاحتمال الذي ذكرناه في خبر السكوني في هاتين الروايتين فيكون التغريم من باب التعزير و إن أدّى إلى صاحب المال.

و المتحصل من مجموع هذه الروايات و أشباهها هو أن التعزير المالي بإتلاف المال أو أخذه مما

قد ثبت في الشرع إجمالا، فلا وجه لاستيحاش البعض منه، و النفس تطمئن بصدور بعض هذه الروايات إجمالا، و إنما لم يتعرض فقهاؤنا الإمامية لهذه المسألة لكونها من شئون الحكومة و هم كانوا بمعزل منها، كما لا يخفى.

الخامس عشر: ما ورد في تغريم من عذب عبده قيمة العبد:

ففي خبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه «ع»: «أن أمير المؤمنين «ع» رفع إليه رجل عذّب عبده حتى مات فضربه مأئة نكالا و حبسه سنة و أغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه.» «1»

و في رواية أخرى عن أبي عبد اللّه «ع»: «في رجل قتل مملوكه أنه يضرب ضربا وجيعا و تؤخذ منه قيمته لبيت المال.» «2»

و في رواية يونس عنهم «ع» قال: سئل عن رجل قتل مملوكه؟ قال: «إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا و أخذ منه قيمة العبد و يدفع إلى بيت مال المسلمين.» «3»

السادس عشر: الاعتبار العقلي الموجب للوثوق بالحكم.

بتقريب أن التعزير ليس أمرا عباديا تعبّديا محضا شرّع لمصالح غيبيّة لا نعرفها، بل الغرض منه هو تأديب الفاعل و ردعه و كذا كل من رأى و سمع فيصلح بذلك الفرد و المجتمع، و لأجل ذلك فوّض تعيين حدوده و مقداره إلى الحاكم المشرف على

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 68، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

(2)- الوسائل 19/ 69، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 10.

(3)- الوسائل 19/ 69، الباب 38 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 342

المجتمع، و ربما يكون التعزير المالي أشدّ تأثيرا في النفوس و أصلح بحال الفاعل و بحال المجتمع أيضا، و بالعكس يكون الضرب و الإيلام مضرّا و منفّرا، فتأمّل.

السابع عشر: الأولوية القطعية.

فإن الإنسان كما يكون مسلّطا على ماله بحكم العقل و الشرع فلا يجوز التصرف في ماله بدون أذنه، فكذلك يكون مسلطا على نفسه و بدنه، بل هي ثابتة بالأولوية القطعية، حيث إن السلطة على المال من شئون السلطة على النفس و من لواحقها؛ فإذا جاز نقض سلطته على بدنه و هتك حريمه بضربه و إيلامه بداعي الردع و التأديب فليجز نقض السلطة المالية بطريق أولى و لكن بهذا الداعي و بمقدار لا بدّ منه لذلك، و يكون الأمر في التعيين مفوّضا إلى الحاكم العالم بمصالح المجتمع.

و لقد كان في شرع يوسف النبي «ص» أن من وجد متاع السرقة في رحله فهو جزاؤه يسترقّ لذلك، فهل يصحّ عند العقل استرقاق الشخص و تملك ذاته و نفسه لذلك و لا يصحّ مصادرة بعض أمواله لذلك؟

و إنما شاع التعزير البدني خارجا و في الأخبار و الروايات لكونه أسهل

تناولا و أعم موردا و أشد تأثيرا في الغالب. نعم الحدود الشرعية المقدرة يتساوى فيها جميع الأفراد، و لا شفاعة فيها و لا تعطيل و لا تعويض و لا تبعيض، كما هو واضح. هذا.

و يؤيد ما ذكرناه استقرار سيرة العقلاء في الأعصار المختلفة على التغريم المالي في كثير من الخلافات و لا سيما إذا كان المورد خلافا ماليّا. و قد شاع هذا في عصرنا في تخلفات السيّارات و الكمارك و الضرائب و الاحتكارات و الإجحافات، فتدبّر.

الثامن عشر: إطلاقات أدلة الحكومة و ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

فإن الغرض من تأسيس الدولة و الحكومة الحقّة ليس إلّا تنظيم المجتمع و إصلاحه و جبر نقائصه و انحرافاته و إشاعة المعروف فيه و قطع جذور المنكر و الفساد، فيجوز للحاكم المشرف على المجتمع بل يجب عليه الحكم بكل ما رآه صلاحا لهم و لنظامهم. و من هذا القبيل أنواع التعزيرات لتأديب المجرمين و إصلاحهم. و يسمّى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 343

هذا الصنف من الأحكام أحكاما ولائية و سلطانية، و قد قال اللّه- تعالى-: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.» «1» فإذا كان للإنسان أن يتصرف في نفسه و ماله بعض التصرفات كان النبي «ص» بولايته عليه أولى به في هذه التصرفات و قد عرفت أن مقتضى ولاية الفقيه في عصر الغيبة أن له كل ما كان للنبي «ص» بحق الولاية الشرعية، فراجع.

هذا مضافا إلى أن إدارة المجتمع تتوقف على صرف الأموال كثيرا، و من منابعها المهمّة الموافقة لحكم العقل و العرف التغريمات المالية، فيجب أخذها لوجوب المقدمة بوجوب ذيها.

و مضافا إلى أن الولاية إذا كانت بانتخاب المجتمع للوالي فالمجازاة الماليّة و غيرها من المقررات يجوز اعتبارها و اشتراطها في ضمن عقد الولاية

للحاكم المنتخب، بل يكون انتخاب الحاكم على أساس تنفيذها و بداعي إجرائها، فتأمّل.

و لكن يمكن أن يناقش بأن وظيفة الحاكم الإسلامي ليس إلّا تنظيم المجتمع و إصلاحه على أساس ما أنزله اللّه و بيّنه، لا على أساس ما اقترحه و ابتدعه. و ليس الفقيه بأولى في هذا الأمر من نفس النبي «ص» و قد خاطبه اللّه- تعالى- بقوله: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ» «2»، و بقوله: «وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ، فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ.» «3»

و كما أن الحدود الشرعية أمور مقدرة معينة لا يجوز التخلف عنها و لا تعويضها بشي ء آخر، فكذلك التعزيرات. فإن عمدة الدليل على تعميم التعزير في كل معصية كما مرّ هي الروايات الحاكمة بأن اللّه- تعالى- جعل لكل شي ء حدّا، و جعل على من تعدّى حدّا من حدود اللّه حدّا، و لعل الظاهر منها كون التعزيرات أيضا من سنخ الحدود المقررة المعينة، أعني الجلد و الضرب فيشكل التعدّي عنه.

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 6.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 105.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 344

و بالجملة، فالأمر يدور بين الأخذ بإطلاق لفظي الحدّ و التعزير بلحاظ مفهومهما اللغوي الوسيع أعني المنع و التأديب فيشملان كل ما يوجب منع الفاعل و تأديبه و لو كان بالمال، أو الأخذ بما ينصرف إليه إطلاقهما العرفي فعلا من الضرب و الجلد، و قد مرّ تفصيل ذلك في الجهة الرابعة، فراجع.

[في تقسيم العقوبات المالية]
اشارة

و في الخاتمة من هذه الجهة نذكر ما ذكره بعض

في تقسيم العقوبات المالية تتميما للبحث:

ففي كتاب «الفقه الإسلامي و أدلّته» نقلا عن بعض:

«تقسم العقوبات الماليّة إلى ثلاثة أقسام: الإتلاف، و التغيير، و التمليك:

1- الإتلاف:

هو إتلاف محل المنكرات من الأعيان و الصفات تبعا لها. مثل إتلاف مادة الأصنام، بتكسيرها و تحريقها، و تحطيم آلات الملاهي عند أكثر الفقهاء، و تكسير و تخريق أوعية الخمر، و تحريق الحانوت الذي يباع فيه الخمر، على المشهور في مذهب أحمد و مالك و غيرهما، عملا بما فعله عمر من تحريق حانوت خمّار، و بما فعله عليّ «ع» من تحريق قرية كان يباع فيها الخمر، لأن مكان البيع مثل الأوعية. و مثل إراقة عمر اللبن المخلوط بالماء للبيع، و به أفتى طائفة من الفقهاء. و مثله إتلاف المغشوشات في الصناعات كالثياب الرديئة النسج.

2- التغيير:

قد تقتصر العقوبة المالية على تغيير الشي ء. مثل نهي النبي «ص» عن كسر العملة الجائزة بين المسلمين، كالدراهم و الدنانير إلّا إذا كان بها بأس، فإذا كان فيها بأس كسرت. و مثل فعل النبي «ص» في التمثال الذي كان في بيته، و الستر الذي به تماثيل، إذ أمر بقطع رأس التمثال فصار كهيئة الشجرة، و بقطع الستر فصار وسادتين توطآن.

و هكذا اتفق العلماء على إزالة و تغيير كل ما كان من العين أو التأليف المحرم، مثل تفكيك آلات الملاهي و تغيير الصور المصوّرة.

لكنّ العلماء اختلفوا في جواز إتلاف محلّ هذه الأشياء تبعا للشي ء الحالّ فيها، قال:

و الصواب جوازه كما دلّ عليه الكتاب و السنة و إجماع السلف، و هو ظاهر مذهب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 345

مالك و أحمد و غيرهما.

3- التمليك:

مثل ما روى أبو داود و غيره من أهل السنن عن النبي «ص» فيمن سرق من الثمر المعلّق، قبل أن يؤويه إلى الجرين، أن عليه جلدات نكال، و غرمه مرّتين. و في من سرق من الماشية قبل أن تؤوى إلى المراح أن عليه جلدات نكال، و غرمه مرّتين. و كذلك قضاء عمر بن الخطّاب في الضالّة المكتومة أن يضعّف غرمها على كاتمها، و قال بهذا طائفة من العلماء مثل أحمد و غيره. و أضعف عمر و غيره الغرم في ناقة أعرابي أخذها مماليك جياع؛ أضعف الغرم على سيدهم و درأ عنه القطع. و أضعف عثمان بن عفان في المسلم إذا قتل الذمّي عمدا؛ أضعف عليه الدية، فتجب عليه الدية الكاملة. إذ أن دية الذمي نصف دية المسلم، و أخذ به أحمد بن حنبل.» «1»

أقول: و بعض ما ذكره

لا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا، و إنما ذكرناه من أجل استيفاء الآراء.

الجهة السادسة: في حدّ التعزير البدني و مقداره قلّة و كثرة:
[كلمات العلماء في بيان الأقوال في المسألة]

1- قال الشيخ «ره» في أشربة الخلاف (المسألة 14):

«لا يبلغ بالتعزير حدّ كامل، بل يكون دونه. و أدنى الحدود في جنب الأحرار ثمانون؛ فالتعزير فيهم تسعة و سبعون جلدة. و أدنى الحدود في المماليك أربعون؛ و التعزير فيهم تسعة و ثلاثون. و قال الشافعيّ: أدنى الحدود في الأحرار أربعون: حدّ الخمر، و لا يبلغ بتعزير حرّ أكثر من تسعة و ثلاثين جلدة. و أدنى الحدود في العبيد

______________________________

(1)- الفقه الإسلاميّ و أدلّته 6/ 202- 204.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 346

عشرون في الخمر، و لا يبلغ تعزيرهم أكثر من تسعة عشر. و قال أبو حنيفة: لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود، و أدناها عنده أربعون في حدّ العبد في القذف و في شرب الخمر، فلا يبلغ بالتعزير أبدا أربعين. و قال ابن أبي ليلى و أبو يوسف: أدنى الحدود ثمانون، فلا يبلغ به التعزير، و أكثر ما يبلغ تسعة و سبعون. و هذا مثل ما قلناه. و قال مالك و الأوزاعي هو إلى اجتهاد الإمام؛ فإن رأى أن يضربه ثلاثمائة و أكثر فعل، كما فعل عمر بمن زوّر عليه الكتاب فضربه ثلاثمائة.» «1»

أقول: لا يخفى أن ما ذكره الشيخ في الخلاف لا يوافق الحق، و لا ما اختاره في بعض كتبه، إذ على فرض اعتبار كون التعزير دون أدنى الحدود فأدناها خمس و سبعون: حد القيادة، كما في خبر عبد اللّه بن سنان «2»، بل اثنا عشر و نصف: حدّ من تزوج أمة على حرّة أو ذمية على مسلمة، كما في خبر منصور بن حازم «3»، بناء على

عدّ هذا القبيل أيضا من الحدود لتقديره شرعا.

2- و قال الشيخ في نهايته:

«و متى وجد رجلان في إزار واحد مجردين أو رجل و غلام و قامت عليهما بذلك بيّنة أو اقرا بفعله ضرب كل واحد منهما تعزيرا من ثلاثين سوطا إلى تسعة و تسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام.» «4»

فعلى م تحمل عبارة الشيخ في أشربة الخلاف، حيث جعل الملاك ثمانين؟

3- قال ابن ادريس في السرائر:

«و الوجه في ذلك أنّه إن كان الفعال مما يناسب الزنا و اللواط و السحق فإن الحد في هذه الفواحش مأئة جلدة فيكون التعزير دونها و لا يبلغها؛ فللحاكم أن يعزّر من

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 224.

(2)- الوسائل 18/ 429، الباب 5 من أبواب حدّ السحق و القيادة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 415، الباب 49 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 1.

(4)- النهاية/ 705.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 347

ثلاثين إلى تسعة و تسعين فينقص عن المائة سوطا، فأمّا إذا كان التعزير على ما يناسب فيماثل الحد الذي هو الثمانون، و هو حدّ شارب الخمر عندنا و حدّ القاذف، فيكون التعزير لا يبلغه بل من الثلاثين إلى تسعة و سبعين. فهذا معنى ما يوجد في بعض المواضع من الكتب تارة تسعة و تسعون، و تارة تسعة و سبعون.»

ثم قال:

«و الذي يقتضيه أصول مذهبنا و أخبارنا أن التعزير لا يبلغ الحد الكامل الذي هو المائة أيّ تعزير كان، سواء كان ما يناسب الزنا أو القذف. و إنما هذا الذي لوّح به شيخنا من أقوال المخالفين، و فرع من فروع بعضهم و من اجتهاداتهم و قياساتهم الباطلة.» «1»

أقول: لازم كلامه الأخير أن القاذف يضرب ثمانين، و من يشبهه

و يكون عمله أخف منه يجوز أن يضرب إلى تسعة و تسعين، و لا أظن أن يلتزم بذلك أحد. هذا.

4- و قال المحقق في الشرائع:

«و لا يبلغ به حدّ الحرّ في الحر، و لا حدّ العبد في العبد.»

و نحوه في القواعد و قد مرّا «2».

5- و في الجواهر فسّر حدّ الحرّ بالمائة، و حدّ العبد بالأربعين- و لم يظهر لنا وجه تفسيره حد الحرّ بالأكثر، و حدّ العبد بالأقلّ- ثمّ قال:

«بل قد يقال بعدم بلوغه أدنى الحدّ في العبد مطلقا. كما أنه قيل: يجب أن لا يبلغ به أقل الحدّ؛ ففي الحر خمسة و سبعون، و في العبد أربعون. و قيل: إنه فيما ناسب الزنا يجب أن لا يبلغ حدّه، و فيما ناسب القذف أو الشرب يجب أن لا يبلغ حدّه، و فيما لا مناسب له أن لا يبلغ أقل الحدود و هو خمسة و سبعون حدّ القوّاد. و حكاه في المسالك عن الشيخ و الفاضل في المختلف.» «3»

______________________________

(1)- السرائر/ 450.

(2)- الشرائع 4/ 168؛ و القواعد 2/ 262.

(3)- الجواهر 41/ 448.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 348

6- و في المنهاج للنووي في فقه الشافعية:

«فإن جلد وجب أن ينقص في عبد عن عشرين جلدة، و حرّ عن أربعين. و قيل:

عشرين. و يستوي في هذا جميع المعاصي في الأصحّ.» «1»

7- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«و اختلف عن أحمد في قدره: فروي عنه أنه لا يزاد على عشر جلدات. نصّ أحمد على هذا في مواضع، و به قال إسحاق، لما روى أبو بردة، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ من حدود اللّه-

تعالى-.» متفق عليه.

و الرواية الثانية: لا يبلغ به الحدّ، و هو الذي ذكره الخرقي ... و يحتمل كلام أحمد و الخرقي أنه لا يبلغ بكل جناية حدّا مشروعا في جنسها، و يجوز أن يزيد على حدّ غير جنسها. و روي عن أحمد ما يدل على هذا. فعلى هذا ما كان سببه الوطي جاز أن يجلد مأئة إلّا سوطا لينقص عن حدّ الزنا، و ما كان سببه غير الوطي لم يبلغ به أدنى الحدود ...

و قال مالك: يجوز أن يزاد التعزير على الحدّ إذا رأى الإمام، لما روي أن معن بن زائدة عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال ثمّ جاء به صاحب بيت المال فأخذ منه مالا، فبلغ عمر فضربه مأئة و حبسه، فكلّم فيه، فضربه مأئة أخرى، فكلّم فيه من بعد، فضربه مأئة و نفاه.» «2»

8- و في بدائع الصنائع للكاشاني في فقه الحنفية:

«فالتعزير فيه (قذف الصبي أو المجنون) بالضرب، و يبلغ أقصى غاياته و ذلك تسعة و ثلاثون في قول أبي حنيفة. و عند أبي يوسف: خمسة و سبعون، و في رواية النوادر عنه تسعة و سبعون.» «3»

9- و في المحلّى لابن حزم:

______________________________

(1)- المنهاج/ 535.

(2)- المغني 10/ 347.

(3)- بدائع الصنائع 7/ 64.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 349

«اختلف الناس في مقدار التعزير: [1]- فقالت طائفة: ليس له مقدار محدود و جائز أن يبلغ به الإمام ما رآه و أن يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ، و هو قول مالك و أحد أقوال أبي يوسف، و هو قول أبي ثور و الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة.

[2]- و قال طائفة: التعزير مأئة جلدة فأقل. [3]- و قالت طائفة: أكثر التعزير

مأئة جلدة إلّا جلدة. [4]- و قالت طائفة: أكثر التعزير تسعة و سبعون سوطا فأقلّ، و هو أحد أقوال أبي يوسف. [5]- و قالت طائفة: أكثر التعزير خمسة و سبعون سوطا فأقلّ، و هو قول ابن أبي ليلى و أحد أقوال أبي يوسف. [6]- و قال طائفة: أكثر التعزير ثلاثون سوطا. [7]- و قالت طائفة: أكثر التعزير عشرون سوطا. [8]-

و قالت طائفة: لا يتجاوز بالتعزير تسعة، و هو قول بعض أصحاب الشافعي. [9]-

و قالت طائفة: أكثر التعزير عشرة أسواط فأقل لا يجوز أن يتجاوز به أكثر من ذلك، و هو قول الليث بن سعد و قول أصحابنا.» «1»

10- و في معالم القربة:

«و لا يبلغ به أدنى الحدّ، لقوله «ص»: «من بلغ ما ليس بحدّ فهو من التعزير» و لأن هذه المعاصي دونها فلا يجب فيها ما يجب في ذلك، فإن كان حرّا لم يبلغ به أربعين جلدة، و إن كان عبدا لم يبلغ به عشرين جلدة.

و قال أبو حنيفة: أكثره تسعة و ثلاثون في الحرّ و العبد. و قال أبو يوسف: خمسة و سبعون. و قال مالك و الأوزاعي: الضرب إلى الإمام يضربه ما يرى.

و دليلنا ما روي أنّ النبي «ص» قال: «لا تجلدوا أحدا فوق عشرة (عشرين) جلدة إلّا في حدّ من حدود اللّه- تعالى-.» و ظاهره أنه لا يجوز الزيادة على العشرة (العشرين) بحال إلّا ما دلّ عليه الدليل. و لأنّ النبي «ص» جعل الحدود عقوبة لمعاص مقدّرة، فلا يجوز أن يعاقب على ما دون المعاصي عقوبتها بل لا بد أن ينقص منها.» «2»

______________________________

(1)- المحلّى 8/ 401 (الجزء 11)، المسألة 2305.

(2)- معالم القربة/ 192 (ط. مصر/ 285) الباب 50، فصل في التعازير.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 350

فهذه بعض كلمات علمائنا و علماء السنة في بيان الأقوال في المسألة.

[الأقوال في المسألة]
اشارة

و المتحصل مما ذكرنا أن الأقوال في المسألة كثيرة:

الأول: أن لا يبلغ حد الحرّ في الحرّ و حد العبد في العبد،

كما في الشرائع و القواعد.

و لا يخفى أن في عبارتهما نحو إجمال، لاحتمال أكثر الحد و أقله. و قد مرّ تفسير الجواهر حد الحرّ بالمائة أعني الأكثر، و حدّ العبد بالأربعين أعني الأقل. و لعل غرضه كان شمول هذا المقياس للمائة إلّا سوطا التي أفتى بها الأصحاب و دلّت عليها الأخبار في الرجلين أو المرأتين أو الرجل و المرأة الأجنبية إذا وجدا مجرّدين تحت لحاف واحد، فراجع الباب العاشر من أبواب حدّ الزنا من الوسائل «1».

الثاني: أن لا يبلغ أدنى حدّ الحر في الحرّ، و أدنى حد العبد في العبد،

و فسّر أدنى الحدّ فيهما تارة بالثمانين و بالأربعين كما في الخلاف و إن ناقشناه، و أخرى بالخمسة و السبعين و بالأربعين كما حكاه في الجواهر، و ثالثة بالأربعين و بالعشرين كما عن الشافعي و غيره.

الثالث: أن لا يبلغ أدنى حدّ العبد مطلقا،

و فسّر تارة بالأربعين كما هو الظاهر مما حكاه في الجواهر و كذا مما عن أبي حنيفة، و أخرى بالعشرين كما هو الظاهر مما في المنهاج و معالم القربة.

الرابع: أن لا يبلغ أكثر الحدّ و الحد الكامل أعني المائة مطلقا،

كما هو الظاهر من السرائر.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 18/ 363.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 351

الخامس: أن يفصّل بين المعاصي؛ فيلاحظ في كل منها ما يناسبها،

كما وجّهه في السرائر، و نسبه في المسالك إلى الشيخ و الفاضل في المختلف، و حكاه في المغني عن أحمد أيضا.

السادس: أن الأكثر خمسة و سبعون،

كما عن ابن أبي ليلى و أبي يوسف.

السابع: أن التعزير مأئة فأقلّ،

على ما حكاه المحلّى و يشهد له بعض الأخبار الواردة في المجردين تحت لحاف واحد، فراجع الباب العاشر من أبواب حدّ الزنا من الوسائل.

الثامن: أن أكثره ثلاثون سوطا.
التاسع: أن أكثره تسعة،

حكاهما في المحلّى.

العاشر: أن لا يزاد على عشر جلدات،

كما عن أحمد في إحدى الروايتين عنه.

الحادي عشر: أنه إلى اجتهاد الإمام،

فلا حدّ له كما عن مالك و الأوزاعي.

فهذه ما عثرنا عليه من الأقوال في المسألة.

ثم لا يخفى أن ما ذكر من الأقوال إنما هو فيما إذا لم يرد من قبل الشرع تقدير مخصوص، و إلّا وجبت رعاية ما قدّره، اللهم إلّا أن يقال إنه بالتقدير يخرج عن كونه تعزيرا، و يصير من مصاديق الحدود.

قال في المسالك:

«و أما التعزير فالأصل فيه عدم التقدير، و الأغلب في أفراده كذلك، و لكن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 352

قد وردت الروايات بتقدير بعض أفراده، و ذلك في خمسة مواضع.

الأول: تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان؛ مقدّر بخمسة و عشرين سوطا.

الثاني: من تزوّج أمة على حرّة و دخل بها قبل الإذن؛ ضرب اثنى عشر سوطا و نصفا، ثمن حدّ الزاني.

الثالث: المجتمعان تحت إزار واحد مجردين؛ مقدر بثلاثين إلى تسعة و تسعين على قول.

الرابع: من افتض بكرا بإصبعه؛ قال الشيخ: يجلد من ثلاثين إلى سبعة و سبعين، و قال المفيد: من ثلاثين إلى ثمانين، و قال ابن إدريس: من ثلاثين الى تسعة و تسعين.

الخامس: الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد و إزار مجردين؛ يعزران من عشرة إلى تسعة و تسعين. قاله المفيد، و أطلق الشيخ التعزير، و قال في الخلاف: روى أصحابنا فيه الحدّ.» «1»

أقول: و كان عليه إضافة وطي الحائض و البهيمة، حيث ورد فيهما خمسة و عشرون جلدة اللهم إلّا أن يدرجا في الحدود المصطلحة. و لم أعثر على ما حكاه عن الشيخ فيمن افتض بكرا، بل في النهاية: «جلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة و تسعين سوطا.» «2»

اذا عرفت هذا فلنذكر اخبار المسألة، و

هي على قسمين: القسم الأوّل ما ورد لجرائم خاصة بتقدير خاص، و قد مرّ موارده من المسالك. القسم الثاني ما ورد لتحديد التعزير بنحو الإطلاق و هو محل الكلام هنا:

الأخبار الواردة في مقدار التعزير:

1- فمنها صحيحة حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قلت له: كم

______________________________

(1)- المسالك 2/ 423.

(2)- النهاية/ 699.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 353

التعزير؟ فقال: دون الحدّ. قال: قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، و لكن دون أربعين، فإنّها حدّ المملوك. قلت: و كم ذاك؟ قال: على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوّة بدنه.» «1»

و ظاهر الحديث انحصار التعزير في الضرب، اللهم إلّا أن يقال إنه تحديد للفرد الغالب الرائج، لا لمطلق التعزير. و الحديث دليل على القول الثالث، أعني اعتبار أن لا يبلغ أدنى حدّ العبد مطلقا: في الحر و العبد و في جميع المعاصي. و في ناحية القلة لا حدّ له، بل هي إلى الوالي. و عموم مفاده يخصص بسبب الموارد الخاصة التي مرّت من المسالك.

و كان في ذهن حماد كون الثمانين أدنى حدّ الأحرار، و لعل ظاهر الحديث تقرير الإمام لذلك مع ما مرّ من كون الخمسة و السبعين، أعني حدّ القيادة أدناه. فهذا مما يشكل في الحديث.

2- و منها موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم «ع» عن التعزير كم هو؟ قال: «بضعة عشر سوطا؛ ما بين العشرة إلى العشرين.» «2»

و روى نحوها في المستدرك عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، عن إسحاق بن عمار. «3»

و مفاد هذه الموثقة يخالف لمفاد الصحيحة في ناحية الكثرة و القلة معا، كما لا يخفى. و أفتى بمضمونها ابن حمزة في الوسيلة في

تعزير القذف إذا لم يتحقق فيه شرائط الحدّ «4».

3- و منها مرسلة الصدوق «ره»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا يحلّ لوال يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلّا في حدّ. و أذن في أدب المملوك من ثلاثة إلى خمسة.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 584، الباب 10 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 583، الباب 10 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 1.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 248، الباب 6 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 2.

(4)- راجع الجوامع الفقهية/ 783.

(5)- الوسائل 18/ 584، الباب 10 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 354

و إسناد الصدوق الحديث إلى رسول اللّه «ص» بنحو البتّ يدل على ثبوت مضمون الحديث عنده و العلم بصدوره عنه «ص». و مفاده موافق للقول العاشر الذي مرّ عن أحمد في إحدى الروايتين عنه.

4- و في المستدرك عن الجعفريات بسنده، عن عليّ «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا يحلّ لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يزيد على عشرة أسواط إلّا في حدّ.» «1»

5- و في صحيح البخاري بسنده، عن أبي بردة، قال: كان النبي «ص» يقول:

«لا يجلد فوق عشر جلدات إلّا في حدّ من حدود اللّه.»

و في رواية أخرى فيه عنه «ص»: «لا عقوبة فوق عشر ضربات إلّا في حدّ من حدود اللّه.»

و في رواية ثالثة عنه «ص»: «لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ من حدود اللّه.» «2»

أقول: أبو بردة بضم الباء هو ابن نيار الأنصاري؛ شهد العقبة الثانية مع السبعين و بدرا و أحدا و المشاهد كلها مع رسول اللّه «ص» و مع

أمير المؤمنين «ع» في جميع حروبه.

و توافق مضامين هذه الروايات لمضمون مرسلة الصدوق، كما ترى.

6- و في المستدرك عن فقه الرضا، قال:

«التعزير ما بين بضعة عشر سوطا إلى تسعة و ثلاثين، و التأديب ما بين ثلاثة إلى عشرة.» «3»

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 3/ 248، الباب 6 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 3.

(2)- صحيح البخاري 4/ 183، كتاب المحاربين ...، باب كم التعزير و الأدب.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 248، الباب 6 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 1، عن فقه الرضا/ 309.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 355

أقول: و كأنّه جمع بين أخبار الباب، فحمل اخبار العشر على تأديب من تصدّى أمرا فيه حزازة و لم يصل إلى حد الحرمة، فتكون الأخبار في مقام بيان أكثر التأديب. و يشهد لذلك ذيل المرسلة، و يحمل الحد المذكور فيها على الأعم من الحد المصطلح و من التعزير. و حمل الموثقة على تحديد التعزير في جانب القلة، و صحيحة حماد على تحديده في جانب الكثرة، و المقصود بالبضعة عشر أحد عشر فما فوق.

هذا، و لكن ذكر الوالي في المرسلة ربما يبعد حملها على التأديب، إذ التأديب لا يختص بالوالي فقط فتأمّل، و لكن لا يجري هذا الإشكال في سائر أخبار العشر.

7- و في رواية عبيد بن زرارة، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «لو أتيت برجل قذف عبدا مسلما بالزنا لا نعلم منه إلّا خيرا لضربته الحدّ حدّ الحرّ إلّا سوطا.» «1»

و المراد بالحدّ فيه هو التعزير، إذ يشترط في حدّ القذف المصطلح أن يكون المقذوف حرّا، كما يشهد بذلك موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من افترى على مملوك عزّر لحرمة

الإسلام.» «2»

و تشعر رواية عبيد بل تدلّ- و لا سيما بضميمة ما ورد في مقدمات الزنا من جلد مأئة إلا سوطا- على القول الخامس، أعني التفصيل بين المعاصي، فيلاحظ في كل منها ما يناسبها، فالتعزير في مقدمات الزنا مثلا يكون دون حدّ الزنا، و التعزير فيما يناسب القذف يكون دون حدّ القذف. و قد مرّ عن المسالك نسبة هذا القول إلى الشيخ و الفاضل. و قوله: «لضربته الحد حدّ الحرّ إلّا سوطا» لا يدل على تعيّن ذلك، بل هو في مقام بيان الحد الأكثر و أنه- عليه السلام- يختار ذلك بالنسبة إلى المورد الذي ذكره.

هذا ما وجدناه من الأخبار في هذا المجال. و إنما الإشكال في الجمع بينها و رفع التعارض الموجود فيها.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 434، الباب 4 من أبواب حدّ القذف، الحديث 2.

(2)- الوسائل 18/ 436، الباب 4 من أبواب حدّ القذف، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 356

و لأحد أن يقول: إن خبر عبيد بن زرارة يقتصر فيه على مورده، أعني قذف العبد المسلم بالزنا. فوزانه وزان سائر الأخبار الواردة في الموارد الخاصة التي تعرّض لها في المسالك كما مرّ، فنفتي بكل منها في مورده.

و على هذا فالأمر في التعزيرات العامّة يدور بين كونها دون الأربعين بلا حدّ في ناحية القلة كما في صحيحة حمّاد، أو بين بضعة عشر إلى تسعة و ثلاثين كما في فقه الرضا، أو بين بضعة عشر إلى عشرين كما في الموثقة، أو لا تزيد على عشرة كما في مرسلة الصدوق و ما بمضمونها.

فإن قلت: قد أشرنا إلى أن خبر عبيد بضميمة الأخبار الواردة في مقدمات الزنا ربما يدل على أن التعزير فيما

يناسب الزنا يكون دون حدّ الزنا، و فيما يناسب القذف يكون دون حدّ القذف، فلتحمل الأخبار العامّة على المعاصي التي لا تناسب الزنا و اللواط و السحق و القذف.

قلت: مورد خبر عبيد هو خصوص قذف العبد المسلم الخيّر بالزنا، فلا يعمّ جميع موارد القذف و لا الشتم و السبّ و الهجاء و الإيذاء، و اختيار الإمام الصادق «ع» في مقام العمل أيضا لمرتبة خاصة لا يدل على تعيّن هذه المرتبة للجميع.

و الأخبار المشار إليها وردت في خصوص تجردهما تحت لحاف واحد، فلا تدل على حكم التقبيل و اللمس و نحوهما، و إن استدل بها بعضهم لذلك أيضا.

فالأولى هو ما أشرنا إليه من حمل الأخبار الخاصة على مواردها الخاصة، و الحكم بكون غيرها مشمولا للأخبار العامّة. و على هذا فالمهم هو رفع التعارض بين هذه الأخبار، و هو في غاية الإشكال.

و يمكن أن يقال: إن مرسلة الصدوق و ما بمضمونها، أعني ما دل على عدم جواز الزيادة على العشرة، لم نجد من يفتي بها من أصحابنا الإمامية، و إنما أفتى بمضمونها بعض فقهاء السنة كما مرّ عن أحمد في إحدى الروايتين عنه. و قد مرّ احتمال حملها

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 357

على التأديب بقرينة ذيل المرسلة و حمل الحدّ فيها على الأعم من الحد المصطلح و من التعزير.

و يرد على الموثقة أيضا أولا أنا لم نجد من يفتي بها إلّا ابن حمزة في الوسيلة في خصوص ما يناسب القذف. نعم، أفتى الشافعي في إحدى الروايتين عنه بعدم جواز الزيادة على العشرين، كما مرّ عن المنهاج.

و ثانيا بأنها ظاهرة في كون الأكثر عشرين أو تسعة عشر، و لعل ظهور الصحيحة

في جواز الأكثر إلى تسعة و ثلاثين أقوى منه، مضافا إلى صحة السند، فتقدم الصحيحة عليها.

و يمكن حمل مفاد الموثقة على كونه من باب المثال و تعيين بعض المصاديق.

و يؤيد ذلك إطلاقات التعزير الواردة في أخبار كثيرة في الأبواب المختلفة في مقام البيان من غير ذكر المقدار.

فبذلك يجمع بين الصحيحة و بين الموثقة، و تصير عبارة فقه الرضا شاهدة لهذا الجمع.

و الظاهر عندي على ما تتبعت أن فقه الرضا هو رسالة علي بن بابويه القمي التي كانت مرجعا لأصحابنا الإمامية عند اعواز النصوص في المسألة. و كان هو «ره» فقيها بصيرا بفقه أهل البيت- عليهم السلام-.

فتلخّص مما ذكرناه أن الأخبار المتضمنة لتعزيرات خاصة تحمل على مواردها الخاصة، و الجمع بين الأخبار العامة يقتضي الأخذ بما في فقه الرضا، أعني ما بين بضعة عشر سوطا إلى تسعة و ثلاثين. هذا.

و ربما يحمل اختلاف الأخبار في المقام على تفاوت الجرائم و كذا المجرمين بحسب الموقعية و السوابق الحسنة أو السيئة، و اختلاف مراتب التعزير و الشرائط الزمانية و المكانية و نحو ذلك. و ليس التعزير أمرا تعبديا محضا يقتصر فيه على مقدار خاص نظير الحدّ، بل الغرض منه تأديب الشخص و تنبيه المجتمع فيختلف باختلاف الجهات المذكورة، و على ذلك تحمل الاخبار المختلفة. و كأن الأمر في كلّ منها إرشاد

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 358

إلى مرتبة خاصة منها. و قد يشعر بذلك قوله «ع» في صحيحة حماد: «على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوّة بدنه.» «1»

نعم، لا يجوز تجاوزه عن الحد بل بلوغه إلى حدّه أيضا كما يدل عليه معتبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن

آبائه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين.» «2» و رواه البيهقي أيضا بسنده، عن الضحاك، عن النبيّ «ص» «3».

الجهة السابعة: في مقدار الضرب التأديبي:

لا يخفى أن تأديب الصبي أو المملوك المتخلف غير تعزير المجرم، فإن التعزير يكون في قبال العمل المحرم ذاتا بخلاف التأديب، فإنه يقع في قبال ما لا ينبغي صدوره عادة و لم يصل إلى حدّ الحرمة الشرعية ذاتا. و مقدار الضرب فيه أيضا لا يبلغ مقدار الضرب في التعزير.

قال الشيخ في آخر الحدود من كتاب النهاية:

«و الصبي و المملوك إذا أخطآ أدبا بخمس ضربات إلى ستّ، و لا يزاد على ذلك.» «4»

و قال المحقق في الشرائع:

«يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط، و كذا المملوك.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 584، الباب 10 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 312، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6.

(3)- سنن البيهقي 8/ 327 كتاب الأشربة و الحد فيها، باب ما جاء في التعزير و أنه لا يبلغ به أربعين.

(4)- النهاية/ 732.

(5)- الشرائع 4/ 167.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 359

أقول: و الأصل في المسألة أخبار مستفيضة:

1- ففي خبر حماد بن عثمان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» في أدب الصبي و المملوك، فقال: «خمسة أو ستّة، و ارفق.» «1»

2- و في خبر زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» ما ترى في ضرب المملوك؟

قال: «ما أتى فيه على يديه فلا شي ء عليه، و أما ما عصاك فيه فلا بأس.» قلت: كم أضربه؟

قال: «ثلاثة أو أربعة أو خمسة.» «2»

3- و في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع» أن أمير المؤمنين «ع» ألقى

صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخير بينهم، فقال: «أما إنها حكومة، و الجور فيها كالجور في الحكم. أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه.» «3»

4- و في موثق إسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم؟ قال: و كم تضربه؟ قلت: ربما ضربته مأئة، فقال: مأئة؟! مأئة؟! فأعاد ذلك مرّتين ثم قال: حدّ الزنا؟! اتّق اللّه. فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال: واحدا. فقلت: و اللّه لو علم أني لا أضربه إلا واحدا ما ترك لي شيئا إلا أفسده. قال: فاثنين. فقلت: هذا هو هلاكي. قال: فلم أزل أماكسه حتى بلغ خمسة، ثمّ غضب، فقال: يا إسحاق، إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه و لا تعدّ حدود اللّه.» «4»

5- و في خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «ع»، قال: «سألته عن رجل هل يصلح له أن يضرب مملوكه في الذنب يذنبه؟ قال: يضربه على قدر ذنبه؛ إن

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 581، الباب 8 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 582، الباب 8 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 3.

(3)- الوسائل 18/ 582، الباب 8 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 2.

(4)- الوسائل 18/ 339، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 360

زنى جلده، و إن كان غير ذلك فعلى قدر ذنبه: السوط و السوطين و شبهه، و لا يفرط في العقوبة.» «1»

6- و في المستدرك عن فقه الرضا: «و التأديب ما بين ثلاثة إلى عشرة.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار في هذا الباب

و قد مرّ في الجهة السادسة حمل أخبار العشر جلدات كلها على التأديب أيضا، فراجع.

و لا يخفى كما أشرنا إليه انصراف الأخبار المذكورة عن صورة ارتكاب المملوك المكلف لواحدة من المعاصي الشرعية التي شرّع فيها الحدّ أو التعزير، بل انصرافها أيضا عن صورة ارتكاب الصبي المميّز لواحدة منها كاللواط و السرقة و نحوهما، إذ الظاهر أن الثابت حينئذ هو التعزير لا التأديب.

فمورد التأديب هو التخلفات العادية لا الشرعية و لا سيما الفظيعة منها، فتدبّر.

و هل يجب التأديب في موارده أم لا؟ فنقول: إن حصرنا مورده في التخلفات العادية كما هو الظاهر فلا وجه للوجوب، و إن قلنا بكونه أعم منها و من بعض المحرمات الشرعية ذاتا ففيه تفصيل: فإن ترتب الفساد على تركه وجب و إلّا فلا.

و لو كان تأديب المملوك لتضييعه حق سيده كان العفو أرجح، كما يشهد بذلك سيرة الأئمّة «ع» في تخلفات عبيدهم.

و في الجواهر:

«ينبغي أن يعلم أن مفروض الكلام في التأديب الراجع إلى مصلحة الصبيّ مثلا لا ما يثيره الغضب النفساني، فإن المؤدّب حينئذ قد يؤدّب.» «3» هذا.

و لم نجد لما في الشرائع دليلا واضحا، إذ لا دلالة لما مرّ عن فقه الرضا من قوله: «و التأديب ما بين ثلاثة إلى عشرة» على ما أفتى به من الكراهة، مضافا إلى عدم نجيته. و ما مرّ من مرسلة الصدوق يشكل حملها على الكراهة، لظهورها قويا في الحرمة. و لعلّ موردها أيضا بقرينة ذكر الوالي هو التعزير لا التأديب. نعم، مفاد خبر

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 340، الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 8.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 248، الباب 6 من أبواب بقيّة الحدود، الحديث 1، عن فقه الرضا/ 310.

(3)- الجواهر 41/ 446.

دراسات

في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 361

أبي بردة و نحوه هو الأعمّ، فيمكن حمله على التأديب جمعا، كما مرّ.

و كيف كان، فالأحوط في المسألة هو الأخذ بما في النهاية و إن أمكن القول بجواز التعدّي عن الستّ مع الاحتياج إذا لم يفرط، إذ الغرض هو حصول الأدب، و ليس أمثال التعزيرات و التأديبات كما مرّ أمورا تعبدية صرفة و لذا أمر بها في مواردها بنحو الإطلاق الظاهر في إحالة مقاديرها إلى المعزّر أو المؤدّب بحسب ما يراه من المقتضيات و الشرائط.

و حيث إن بحثنا في وظائف الحكّام، و ليس التأديبات من هذا القبيل أدرجنا البحث فيها.

الجهة الثامنة: في حكم من قتله الحد أو التعزير أو التأديب:
[كلمات العلماء في المسألة]

1- قال الشيخ «ره» في أشربة الخلاف (المسألة 9):

«إذا ضرب الإمام شارب الخمر ثمانين فمات لم يكن عليه شي ء. و قال الشافعي:

يلزمه نصف الدية. دليلنا أنا قد بيّنا أن الحدّ ثمانون، و الشافعي بنى هذا على أن الحدّ له أربعون، فلأجل هذا ضمّنه ديته على بيت المال.»

و (المسألة 10):

«إذا عزّر الإمام من يجب تعزيره أو من يجوز تعزيره و إن لم يجب فمات منه لم يكن عليه شي ء، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: يلزمه ديته. و أين تجب؟ فيه قولان: أحدهما- و هو الصحيح عندهم- على عاقلته. و الثاني في بيت المال. دليلنا أن الأصل براءة الذمّة و شغلها يحتاج إلى دليل ...» «1»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 222.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 362

2- و قال في أشربة المبسوط:

«إذا عزّر الإمام رجلا فمات من الضرب ففيه كمال الدية لأنه ضرب تأديب.

و أين تجب الدية؟ قال قوم: في بيت المال و هو الذي يقتضيه مذهبنا. و قال قوم:

على

عاقلته، و هو أصحهما عندهم. و إن قلنا نحن: لا ضمان عليه أصلا كان قويّا، لما روي عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «من أقمنا عليه حدّا من حدود اللّه فمات فلا ضمان.» و هذا حدّ و إن كان غير معيّن.» «1»

3- و في أشربة المبسوط أيضا:

«فإن فعل ذلك فلا ضمان على الإمام، سواء عزّره تعزيرا واجبا أو مباحا، و هو الذي يقتضيه مذهبنا. فمن قال: مضمون أين ضمّنه (يضمّنه خ. ل) على ما مضى، عند قوم: في بيت المال، و عند آخرين: على عاقلته، و فيه الكفارة على ما مضى القول فيه.

فأما إن ضرب الأب أو الجدّ الصبيّ تأديبا فهلك، أو ضربه الإمام أو الحاكم أو أمين الحاكم أو الوصيّ، أو ضربه المعلّم تأديبا فهلك منه فهو مضمون، لأنه إنما أبيح بشرط السلامة. و يلزم عندنا في ماله، و عندهم على عاقلته.» «2»

4- و قال المحقق في حدود الشرائع:

«من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له، و قيل: تجب على بيت المال، و الأول مروي.» «3»

5- و في أواخر الحدود منه أيضا:

«الثامنة: إذا أدّب زوجته تأديبا مشروعا فماتت، قال الشيخ: عليه ديتها لأنه مشروط بالسلامة. و فيه تردّد، لأنه من جملة التعزيرات السائغة. و لو ضرب الصبي أبوه أو جده لأبيه (تأديبا خ. ل) فمات فعليه ديته في ماله.» «4»

6- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

______________________________

(1)- المبسوط 8/ 63.

(2)- المبسوط 8/ 66.

(3)- الشرائع 4/ 171.

(4)- الشرائع 4/ 192.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 363

«فصل: و إذا مات من التعزير لم يجب ضمانه، و بهذا قال مالك و أبو حنيفة. و قال الشافعي: يضمنه، لقول عليّ «ع»: ليس أحد أقيم

عليه الحد فيموت فأجد في نفسي شيئا، إن الحق قتله إلّا حدّ الخمر، فإن رسول اللّه «ص» لم يسنّه لنا. و أشار «ع» على عمر بضمان التي أجهضت جنينها حين أرسل إليها.

و لنا أنها عقوبة مشروعة للردع و الزجر، فلم يضمن من تلف بها كالحدّ.» «1»

أقول: ما حكاه عن أمير المؤمنين «ع» من عدم سنّ رسول اللّه «ص» حدّ الخمر معارض بما في الخصال عنه «ع» أن رسول اللّه «ص» ضرب في الخمر ثمانين «2».

و في المصنف لعبد الرزاق بسنده عن الحسن أن النبي «ص» ضرب في الخمر ثمانين.

و فيه أيضا بسنده عن الحسن، قال: «همّ عمر بن الخطاب أن يكتب في المصحف أن رسول اللّه «ص» ضرب في الخمر ثمانين، و وقّت لأهل العراق ذات عرق.» «3»

و أما ضمان الجنين فلا يدل على الضمان في المقام، إذ الجنين لم تصدر منه جناية، و لا تعزير عليه، فتدبّر.

7- و في المغني أيضا:

«فصل: و ليس على الزوج ضمان الزوجة إذا تلفت من التأديب المشروع في النشوز، و لا على المعلّم إذا أدّب صبيه الأدب المشروع، و به قال مالك. و قال الشافعي و أبو حنيفة: يضمن. و وجه المذهبين ما تقدم في التي قبلها.

قال الخلال: إذا ضرب المعلم ثلاثا كما قال التابعون و فقهاء الأمصار و كان ذلك ثلاثا فليس بضامن. و إن ضربه ضربا شديدا مثله لا يكون أدبا للصبي ضمن، لأنه قد تعدى في الضرب.

قال القاضي: و كذلك يجي ء على قياس قول أصحابنا إذا ضرب الأب أو الجد

______________________________

(1)- المغني 10/ 349.

(2)- الوسائل 18/ 468، الباب 3 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 8.

(3)- المصنّف 7/ 379، باب حد الخمر، الحديث 13547 و 13548.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 364

الصبي تأديبا فهلك أو الحاكم أو أمينه أو الوصي عليه تأديبا فلا ضمان عليهم كالمعلم.» «1»

8- و قال الماوردي في الوجوه الفارقة بين الحدّ و التعزير:

«و الوجه الثالث أن الحدّ و إن كان ما حدث عنه من التلف هدرا فإن التعزير يوجب ضمان ما حدث عنه من التلف، قد أرهب عمر بن الخطاب امرأة فأخمصت بطنها فألقت جنينا ميّتا، فشاور عليّا «ع» و حمل دية جنينها.» «2»

9- و في معالم القربة:

«و إذا عزر الإمام رجلا فمات وجب الضمان عليه. و قيل: لا يجب. و المذهب الأول، لأنه روي ذلك عن عمر و عليّ «ع» و لا مخالف لهما، و لأنه ضرب غير محدود فكان مضمونا كضرب الزوج زوجته و المعلم الصبي. و إنما ضمنّا التعزير لأنه تأديب مشروط فيه السلامة، فإذا أفضى فيه إلى التلف تبينا أنه لم يكن مأذونا فيه فوجب ضمانه.

و قال أبو حنيفة: إذا رأى الإمام أنه لا يصلحه إلا الضرب لزمه أن يضربه، و إن رأى أنه يصلحه غير الضرب فهو بالخيار في ذلك، و أيّ الأمرين فعل فمات فلا ضمان عليه.» «3» هذا.

10- و لكن في الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفرّاء:

«و التعزير لا يوجب ضمان ما حدث عنه من التلف، و كذلك المعلم إذا ضرب صبيا أدبا معهودا في العرف فأفضى إلى تلفه، و كذلك الزوج إذا ضرب عند النشوز و تلفت فلا ضمان عليه.

و قد نصّ على ذلك في رواية أبي طالب و قد سئل هل بين المرأة و زوجها قصاص؟

فقال: «إذا كان في أدب بضربها فلا.» و كذلك نقل بكر بن محمد: «في الرجل يضرب امرأته، فيكسر يدها أو

رجلها أو يعقرها على وجه الأدب فلا قصاص

______________________________

(1)- المغني 10/ 349.

(2)- الأحكام السلطانيّة/ 238.

(3)- معالم القربة/ 193 (ط. مصر/ 286) الباب 50، فصل في التعازير.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 365

عليه.» و ذكر ابو بكر الخلال في كتاب الأدب فقال: «إذا ضرب المعلم الصبيان ضربا غير مبرّح و كان ذلك ثلاثا فليس بضامن.» و على قياس هذا، الأب إذا أدّب ابنه.» «1»

فهذه بعض كلمات العلماء و المصنفين من الفريقين في هذه المسألة، و يظهر منهم التسالم على عدم الضمان في الحدود المقدرة إلا مع التعدي، و إنما وقع النزاع في التعازير و التأديبات.

و الفارق بينهما كما يظهر من بعض الكلمات أيضا هو أن الحدّ المصطلح له مقدار معين مشروع من قبل اللّه- تعالى-، فإذا أجراه الحاكم المأمور بإجرائه بلا تعدّ و تفريط فلا يتصور وجه لضمانه، لأن الحكم من قبل اللّه- تعالى-، و هو ممتثل لأمره- تعالى-.

و أما التعزير و التأديب فحيث لم يقدر لهما مقدار خاص بل الحاكم أو الولي هو الذي يعين حدّهما و مقدارهما و الغرض هو الأدب مع حفظ موضوعه و سلامته فيمكن أن يقال فيهما إن الموت مستند إلى خطأه و اشتباهه في تعيين المقدار، فيثبت الضمان و إن كان استقرار ضمان الحاكم على بيت مال المسلمين لا على نفسه كما يشهد بذلك خبر الأصبغ بن نباتة: قال: قضى أمير المؤمنين «ع»: «أن ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين.» «2»

و نحوه ما رواه في الكافي بسند موثوق به عن أبي مريم، عن أبي جعفر «ع» قال: «قضى أمير المؤمنين ...» «3» هذا.

و أمّا أخبار المسألة فهي طائفتان:
اشارة

______________________________

(1)- الأحكام السلطانيّة/ 282.

(2)- الوسائل 18/

165، الباب 10 من أبواب آداب القاضي، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 111، الباب 7 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 366

الأولى: ما دلت على عدم الدية فيما قتله الحدّ أو القصاص مطلقا:

1- فمنها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له.» «1»

2- و منها خبر الكناني، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال: «لو كان ذلك لم يقتص من أحد.» و قال: «من قتله الحدّ فلا دية له.» و نحو ذلك خبر الشحام، عن أبي عبد اللّه «ع». «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 366

3- و منها خبر معلّى بن عثمان، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «من قتله القصاص أو الحدّ لم يكن له دية.» «3»

4- و في المستدرك عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين «ع» أنّه قال: «من أقيم عليه حدّ فمات فلا دية و لا قود.» «4»

5- و فيه أيضا، عن الدعائم، عنه «ع» أنه قال: «من مات في حدّ أو قصاص فهو قتيل القرآن، فلا شي ء عليه.» «5»

و لعل الحدّ في هذه الأخبار و أمثالها هو الأعم من الحدّ المصطلح و من التعزير بتقريب أنّ اللفظان إذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا، فتأمّل.

فإن قلت: الظاهر من الحدّ في هذه الروايات بقرينة المرادفة مع القصاص هو خصوص حدّ القتل، فلا يعمّ الضرب الذي ربما يصادف الموت فضلا عن مثل التعزيرات.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 47، الباب 24 من أبواب القصاص

في النفس، الحديث 9.

(2)- الوسائل 19/ 46، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 47، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 255، الباب 22 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2، عن الدعائم 2/ 466.

(5)- مستدرك الوسائل 3/ 255، الباب 22 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3، عن الدعائم 2/ 427.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 367

قلت: لا نسلم ذلك، بل المراد بالقصاص أيضا هو الأعمّ من قصاص النفس و قصاص الأعضاء، فتدبّر.

الطائفة الثانية من الأخبار: ما دل على التفصيل بين حدود اللّه و حدود الناس:

6- كخبر الحسن بن محبوب، عن الحسن بن صالح بن حيّ الثوري، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «من ضربناه حدّا من حدود اللّه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا.» «1»

7- و قال الصدوق «ره»: قال الصادق «ع»: «من ضربناه حدّا من حدود اللّه فمات فلا دية له علينا، و من ضربناه حدّا من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا.» «2»

و الظاهر اتحاد الخبرين. و إسناد الصدوق المتن إلى الإمام «ع» بنحو البتّ يدلّ على ثبوته عنده، و إلّا لم يجز هذا التعبير لحرمة القول و النسبة بغير علم و لا سيّما إلى الإمام «ع».

هذا مضافا إلى أن السند إلى الثوري صحيح، و ابن محبوب من أصحاب الإجماع، و لعل هذا كلّه يكفي في الاعتماد على الخبر، و إن كان الثوري بنفسه من الزيدية البترية و لم تثبت وثاقته.

و ظاهر الشيخ في الاستبصار «3» أيضا أنه اعتمد على الخبر و حمل الأخبار الأول عليه، و نتيجته الأخذ بالتفصيل.

و كيف كان، فالأحوط في باب الحدود

هو الأخذ بهذا التفصيل جمعا بين الأخبار فتأمّل. و مثال حدود الناس حد القذف. و الظاهر أن المراد بكون ديته علينا كون ديته عليهم بما هم حكام المسلمين، فتكون على بيت مال المسلمين كما دلّ عليه خبر الأصبغ الذي مرّ.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 46، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 312، الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

(3)- الاستبصار 4/ 279، باب من قتله الحدّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 368

و أما التعازير و التأديبات فالقاعدة الأولية تقتضي الضمان فيها، لقوله «ع»:

«لا يبطل دم امرئ مسلم.» «1»

و يمكن أن يستدل لعدم الضمان فيها بأصالة البراءة، و بقاعدة الإحسان، و بالأخبار التي مرّت بناء على عموم الحدّ لهما بتقريب أن لفظ الحد كلما ذكر منفردا فلا يراد به إلّا كلّ ما شرّع لتحديد الجاني و منعه. هذا مضافا إلى ظهور اتحاد الحكم في الجميع بنظر العرف أيضا.

و لكن الأحوط هو الحكم بالضمان و لا سيما في التأديبات، فإن الأصل لا يقاوم الدليل. و الضمان في التعازير على بيت المال لا على الحاكم المحسن. و كون المراد بالحدّ في الأخبار المذكورة هو الأعم قابل للمنع. و قد مرّ الفرق بين الحدود و بين التعازير و التأديبات بأن الموت في الحد مستند إلى حكم اللّه و أما فيهما فيحتمل استناده إلى خطأ الحاكم أو الوليّ في تعيين المقدار. نعم، لا يجري هذا في الإمام المعصوم.

[حكم ما إذا تعدّى المنفذ للحكم عن وظيفته]

ثمّ إنّ هذا كلّه فيما إذا لم يتعدّ المنفذ للحكم عن وظيفته، و إلّا فهو ضامن قطعا و استقر الضمان على نفسه:

1- ففي خبر سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«إن لكل شي ء حدّا، و من تعدّى ذلك الحد كان له حدّ.»

2- و قال الصدوق: خطب أمير المؤمنين «ع» فقال: «إنّ اللّه حدّ حدودا فلا تعتدوها.»

3- و في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع» عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين.»

4- و في صحيحة حمران بن أعين، عن أبي جعفر «ع» قال: «من الحدود ثلث جلد،

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 112، الباب 8 من أبواب دعوى القتل، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 369

و من تعدى ذلك كان عليه حدّ.»

5- و في خبر الحسن بن صالح الثوري، عن أبي جعفر «ع»، قال: إن أمير المؤمنين «ع» أمر قنبرا أن يضرب رجلا حدّا فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط، فأقاده عليّ «ع» من قنبر بثلاثة أسواط.»

إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع الوسائل «1».

و إذا ثبت كون الشخص معتديا صار مصداقا لقوله- تعالى-: «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ.» «2»

و هل تنصّف الدية على الحدّ و على الزيادة مطلقا لكون الموت مستندا إلى كليهما عرفا و القود و الدية يقسطان على عدد الجانين لا على مقدار الجنايات، أو تقسّط بينهما بحسب الأسواط كما في الجواهر، أو يستقر الجميع على الحدّاد لكونه معتديا، و الزيادة هي الجزء الأخير من العلة، و المعلول يستند عرفا بل عقلا إلى الجزء الأخير من العلّة لأنه الذي يستعقب المعلول كما لو ضرب المشرف على الموت بعلل أخرى فمات بضربه أو ألقى حجرا في سفينة مثقلة فغرقت؟ في المسألة وجوه. و نحيل التحقيق فيه إلى محل آخر، و الأظهر عندي هو

الأخير.

قال المحقق في الشرائع في آخر حد الخمر:

«الثالثة: لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل فبان فسوق الشاهدين كانت الدية في بيت المال و لا يضمنها الحاكم و لا عاقلته. و لو أنفذ الى حامل لإقامة الحد فأجهضت خوفا قال الشيخ: دية الجنين في بيت المال. و هو قويّ لأنه خطأ، و خطأ الحاكم في بيت المال. و قيل: يكون على عاقلة الإمام، و هي قضية عمر مع عليّ «ع».

و لو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة عن الحدّ فمات فعليه نصف الدية في ماله إن لم يعلم الحدّاد لأنه شبيه العمد، و لو كان سهوا فالنصف على بيت المال. و لو أمر بالاقتصار على الحدّ فزاد الحدّاد عمدا فالنصف على الحدّاد في ماله، و لو زاد سهوا

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 311- 313، الباب 3 من أبواب مقدّمات الحدود.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 194.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 370

فالدية على عاقلته، و فيه احتمال آخر.» «1»

أقول: قضية عمر مع علي «ع» قد مرّت في كلمات علماء السنة و رواها في الوسائل «2».

و قوله: «فيه احتمال آخر»، قال في الجواهر:

«و هو تقسيط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت و هي جميع ما ضرب بها من أسواط الحد و الزيادة.» «3»

و نحن احتملنا كون الجميع على الحدّاد لكون الزيادة هي الجزء الأخير من العلّة، فتدبّر.

الجهة التاسعة: في إشارة إجمالية إلى ما تثبت به موجبات الحدود و التعزيرات:
[في موجبات الحدود و التعزيرات من كتاب الشرائع]

نذكرها من كتاب الشرائع للمحقق الحلّي. و محل البحث التفصيلي فيه كتاب الحدود، فراجع:

قال في الشرائع:

«يثبت الزنا بالإقرار أو البينة: أما الإقرار فيشترط فيه بلوغ المقر و كماله و الاختيار و الحرّيّة و تكرار الإقرار أربعا في أربعة مجالس. و لو أقر دون الأربع لم يجب الحدّ و

وجب التعزير. و لو أقر أربعا في مجلس واحد قال في الخلاف و المبسوط: لا يثبت و فيه تردّد ...

و أما البينة فلا تكفي أقل من أربعة رجال، أو ثلاثة و امرأتين. و لا تقبل شهادة

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 171.

(2)- الوسائل 19/ 200، الباب 30 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

(3)- الجواهر 41/ 475.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 371

النساء منفردات، و لا شهادة رجل و ستّ نساء. و تقبل شهادة رجلين و أربع نساء، و يثبت به الجلد لا الرجم. و لو شهد ما دون الأربع لم يجب، و حدّ كل منهم للفرية.» «1»

و فيه أيضا:

«في اللواط و السحق و القيادة: أما اللواط فهو وطي الذكران بإيقاب و غيره.

و كلاهما لا يثبتان إلا بالإقرار أربع مرّات، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة.

و يشترط في المقر البلوغ و كمال العقل و الحرّيّة و الاختيار فاعلا كان أو مفعولا.

و لو أقرّ دون أربع لم يحدّ و عزّر. و لو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت، و كان عليهم الحد للفرية. و يحكم الحاكم فيه بعلمه إماما كان أو غيره على الأصحّ.» «2»

أقول: و لم يذكر هنا ما يثبت به السحق، و في كتاب الشهادات جعله مثل اللواط.

و فيه أيضا في القيادة:

«و تثبت بالإقرار مرتين مع بلوغ المقرّ و كمال عقله (كما له خ. ل) و حرّيّته و اختياره، أو شهادة شاهدين.» «3»

و فيه أيضا في القذف:

«و يثبت القذف بشهادة عدلين أو الإقرار مرّتين. و يشترط في المقرّ التكليف و الحرية و الاختيار.» «4»

و فيه أيضا في المسكر:

«و يثبت بشهادة عدلين مسلمين، و لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات و لا منضمات، و

بالإقرار دفعتين، و لا يكفي المرة (الواحدة خ. ل) و يشترط في المقر البلوغ و كمال العقل و الحرية و الاختيار.» «5»

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 151- 152.

(2)- الشرائع 4/ 159.

(3)- الشرائع 4/ 161.

(4)- الشرائع 4/ 167.

(5)- الشرائع 4/ 169.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 372

و فيه أيضا في السرقة:

«و تثبت بشهادة عدلين أو بالإقرار مرتين، و لا يكفي المرّة. و يشترط في المقرّ البلوغ و كمال العقل و الحرية و الاختيار.» «1»

و فيه أيضا في المحارب:

«و تثبت هذه الجناية بالإقرار و لو مرّة، و بشهادة رجلين عدلين. و لا تقبل شهادة النساء فيه منفردات و لا مع الرجال.» «2»

و فيه في وطي البهائم:

«و يثبت هذا بشهادة رجلين عدلين، و لا يثبت بشهادة النساء انفردن أو انضممن، و بالإقرار و لو مرّة إن كانت الدابّة له و إلّا يثبت التعزير حسب و إن تكرر الإقرار.

و قيل: لا يثبت إلّا بالإقرار مرّتين، و هو غلط.» «3»

و فيه في الاستمناء:

«و يثبت بشهادة عدلين أو الإقرار و لو مرة. و قيل: لا يثبت بالمرة، و هو وهم.» «4»

و فيه أيضا في ذيل القذف:

«الخامسة: كل ما فيه التعزير من حقوق اللّه- سبحانه- يثبت بشاهدين أو الإقرار مرّتين على قول.» «5»

هذا ما أردنا نقله من الشرائع.

و لا يخفى أن مقتضى العمومات الأوّلية كفاية شهادة العدلين أو الإقرار مرة واحدة إلّا فيما دلّ الدليل على خلافه. نعم، لا يعتبر الإقرار فيما إذا كان على غيره بوجه كإقرار العبد، فإنه يرجع إلى ضرر مولاه، فتدبّر. و لعل القول باعتبار التعدد في الإقرار في التعزير و أمثاله وقع بقياسها على باب الزنا و أمثاله، حيث اعتبر في

______________________________

(1)- الشرائع 4/

176.

(2)- الشرائع 4/ 180.

(3)- الشرائع 4/ 188.

(4)- الشرائع 4/ 189.

(5)- الشرائع 4/ 167.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 373

الإقرار فيها عدد الشهود فيها، فتدبّر.

[الكلام فيما إذا وجد الاتهام و لم يثبت بعد بالدليل]
اشارة

بقي الكلام فيما إذا وجد الاتهام و لم يثبت بعد بالدليل؛ فهل يجوز بمجرد ذلك مزاحمة المتهم و حبسه أو تعزيره للكشف؟ في المسألة تفصيل يطول البحث بالتعرض له، فلنكتف بنقل ما ذكره الماوردي في المقام ملخصا ثم نتعرض لنكت من البحث بنحو الإجمال و نحيل التفصيل إلى الفضلاء المتتبعين.

[كلام الماوردي في الأحكام السلطانيّة]

قال الماوردي في الأحكام السلطانيّة ما ملخصه:

«الجرائم محظورات شرعية زجر اللّه- تعالى- عنها بحدّ أو تعزير. و لها عند التهمة حال استبراء تقتضيه السياسة الدينية، و لها عند ثبوتها و صحتها حال استيفاء توجبه الأحكام الشرعية.

فأما حالها بعد التهمة و قبل الثبوت فمعتبر بحال الناظر فيها: فإن كان حاكما رفع إليه رجل قد اتهم بسرقة أو زنا، لم يكن للتهمة تأثير عنده و لم يجز له أن يحبسه لكشف و لا استبراء، و لا أن يأخذه بأسباب الإقرار إجبارا، و لم يسمع الدعوى في السرقة إلّا من خصم مستحق، و راعى ما يبدو من إقرار المتهوم أو إنكاره. و إن اتهم بالزنا لم يسمع الدعوى عليه إلّا بعد أن يذكر المرأة التي زنى بها و يصف ما فعله بها بما يوجب الحدّ، فإن أقرّ حدّه، و إن أنكر و كانت بينة سمعها عليه، و إلّا أحلفه في حقوق الآدميّين إذا طلب الخصم دون حقوق اللّه.

و إن كان الناظر الذي دفع إليه المتهوم أميرا أو من ولاة الأحداث كان له من أسباب الكشف و الاستبراء ما ليس للقضاة و الحكّام، و ذلك من تسعة أوجه يختلف بها حكم النظرين:

الأول: أنه يجوز للأمير أن يسمع قرف المتهوم من أعوان الإمارة من غير تحقيق للدعوى المقررة، و يرجع إلى قولهم في الإخبار عن حال المتهوم و هل هو

من أهل الريب؟ و هل هو معروف بمثل ما قرف أم لا؟ فإن برؤوه من مثل ذلك خفت التهمة و وضعت و عجل إطلاقه، و إن قرفوه بأمثاله غلظت التهمة و قويت و استعمل فيها من حال الكشف. و ليس هذا للقضاة.

و الثاني: أن للأمير أن يراعي شواهد الحال و أوصاف المتهوم في قوّة التهمة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 374

و ضعفها، فإن كانت التهمة زنا و كان المتهوم مطيعا للنساء ذا فكاهة و خلابة قويت التهمة، و إن كان بضدّه ضعفت. و ليس هذا للقضاة.

و الثالث: أن للأمير أن يعجّل حبس المتهوم للكشف و الاستبراء. و اختلف في مدّة حبسه لذلك، فذكر عبد اللّه الزبيري من أصحاب الشافعي أن حبسه لذلك مقدر بشهر واحد. و قال غيره: ليس هو بمقدر بل هو موقوف على رأي الإمام و اجتهاده. و ليس للقضاة أن يحبسوا أحدا إلّا بحقّ وجب.

و الرابع: أنّه يجوز للأمير مع قوّة التهمة أن يضرب المتهوم ضرب التعزير لا ضرب الحدّ ليأخذه بالصدق عن حاله فيما قرف به و اتّهم. فإن أقرّ و هو مضروب اعتبرت حاله فيما ضرب عليه، فإن ضرب ليقرّ لم يكن لإقراره تحت الضرب حكم، و إن ضرب ليصدق عن حاله و أقرّ تحت الضرب قطع ضربه و استعيد إقراره، فإذا أعاده كان مأخوذا بالإقرار الثاني دون الأول، فإن اقتصر على الإقرار الأول و لم يستعده لم يضيق عليه ان يعمل بالإقرار الأول و إن كرهناه.

و الخامس: أنه يجوز للأمير فيمن تكرّرت منه الجرائم و لم ينزجر منها بالحدود أن يستديم حبسه إذا استضرّ الناس بجرائمه حتى يموت بعد أن يقوم بقوته و

كسوته من بيت المال، و إن لم يكن ذلك للقضاة.

و السادس: أنه يجوز للأمير إحلاف المتهوم استبراء لحاله و تغليظا عليه في الكشف عن أمره في التهمة بحقوق اللّه- تعالى- و حقوق الآدميّين، و لا يضيق عليه أن يجعله بالطلاق و العتاق و الصدقة. و ليس للقضاة إحلاف أحد على غير حقّ و لا أن يجاوزوا الإيمان باللّه إلى الطلاق أو العتق.

و السابع: أن للأمير أن يأخذ أهل الجرائم بالتوبة إجبارا و يظهر من الوعيد ما يقودهم إليها طوعا، و لا يضيق عليه الوعيد بالقتل فيما لا يجب فيه القتل لأنه وعيد إرهاب و تعزير.

و الثامن: أنه يجوز للأمير أن يسمع شهادات أهل الملل و من لا يجوز أن يسمع منه القضاة، إذا كثر عددهم.

و التاسع: أن للأمير النظر في المواثبات و إن لم توجب غرما و لا حدّا، فإن لم يكن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 375

بواحد منهما أثر سمع قول من سبق بالدعوى، و إن كان بأحدهما أثر فقد ذهب بعضهم إلى أنه يبدأ بسماع دعوى من به الأثر و لا يراعي السبق. و الذي عليه أكثر الفقهاء أنه يسمع قول أسبقهما بالدعوى. و يكون المبتدي بالمواثبة أعظمهما جرما و أغلظهما تأديبا ...

فهذه أوجه يقع بها الفرق في الجرائم بين نظر الأمراء و القضاة في حال الاستبراء و قبل ثبوت الحدّ، لاختصاص الأمير بالسياسة، و اختصاص القضاة بالأحكام.» «1»

و ذكر قريبا من ذلك أبو يعلى «2».

أقول: ربما يخطر بالبال أن الماوردي و أبا يعلى كانا فيما ذكراه من الاعتماد على أعوان الإمارة من غير تحقيق و جواز ضرب المتهمين لذلك، بصدد تبرير ما استقرّت عليه سيرة الخلفاء

و الأمراء في الأعصار المختلفة من تعزير المتّهمين و تعذيبهم بمجرد الاتّهام،

[تفصيل الكلام في ضمن مسائل]

و لنا في ذلك بحث نتعرض له إجمالا بعقد مسائل:

المسألة الأولى: [ضرب المتّهم و تعزيره بمجرد الاتهام ظلم في حقّه]

الظاهر أن ضرب المتّهم و تعزيره بمجرد الاتهام لكشف ما يحتمل أن يطّلع عليه من فعل نفسه أو فعل غيره أو الحوادث و الوقائع الخارجية ظلم في حقّه و اعتداء عليه، و يخالف هذا حكم الوجدان و سلطة الناس على أنفسهم، و أصالة البراءة عن التهم إلّا أن تثبت بالدليل، و ما دلّ من الأخبار على حرمة ضرب الناس و تعذيبهم:

1- ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «إن أعتى الناس على اللّه- عزّ و جلّ- من قتل غير قاتله، و من ضرب من لم يضربه.» «3»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانيّة للماوردي/ 219- 221؛ و الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 257- 260.

(2)- الأحكام السلطانيّة للماوردي/ 219- 221؛ و الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 257- 260.

(3)- الوسائل 19/ 11، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 376

2- و في رواية الوشاء، قال: سمعت الرضا «ع» يقول: قال رسول اللّه «ص»:

«لعن اللّه من قتل غير قاتله، أو ضرب غير ضاربه ...» «1» و نحوهما أخبار أخر، فراجع.

3- و في خبر جابر، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لو أن رجلا ضرب رجلا سوطا لضربه اللّه سوطا من نار.» «2»

4- و في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إن أبغض الناس إلى اللّه- عزّ و جلّ- رجل جرّد ظهر مسلم بغير حقّ.» «3»

و بمجرد الشك و الاتهام لم يثبت حقّ، فتأمّل.

5- و في صحيح مسلم بسنده، عن عروة أن هشام بن حكيم وجد رجلا و هو على حمص

يشمّس ناسا من النبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟ إني سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إنّ اللّه يعذّب الّذين يعذّبون الناس في الدنيا.» «4»

و في خبر آخر عن هشام بن حكيم بن حزام، قال: مرّ بالشام على أناس، و قد أقيموا في الشمس و صبّ على رءوسهم الزيت، فقال: ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج، فقال: أما إنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إنّ اللّه يعذّب الّذين يعذّبون في الدنيا.» «5» و نحوها أخبار أخر.

و روى نحو ذلك أحمد في مسنده، فراجع «6». هذا.

و في الكامل لابن الأثير:

«و قال أبو فراس: خطب عمر الناس فقال: أيّها الناس إنّي ما أرسل إليكم عمّالا

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 11، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(2)- الوسائل 19/ 12، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7.

(3)- الوسائل 18/ 336، الباب 26 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(4)- صحيح مسلم 4/ 2018، كتاب البرّ و الصلة و الآداب، الباب 33 (باب الوعيد الشديد لمن عذّب الناس بغير حقّ)، ذيل الحديث 2613.

(5)- صحيح مسلم 4/ 2017، كتاب البرّ و الصلة و الآداب، الباب 33، الحديث 2613.

(6)- مسند أحمد 3/ 404.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 377

ليضربوا أبشاركم و لا ليأخذوا أموالكم و إنّما أرسلهم إليكم ليعلّموكم دينكم و سنّتكم، فمن فعل به شي ء سوى ذلك فليرفعه إليّ، فوالذي نفس عمر بيده لأقصّنّه منه. فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين أ رأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيّة فأدّب بعض رعيّته إنّك لتقصّه منه؟ قال: أي و الذي نفس عمر بيده إذن لأقصّنه منه، و كيف لا

أقصّه منه و قد رأيت النبي «ص» يقصّ من نفسه! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم و لا تحمدوهم فتفتنوهم، و لا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، و لا تنزلوهم الغياض فتضيّعوهم» «1».

أقول: و التعرّض للناس و ضربهم و تعذيبهم بمجرد الاتهام يوجب تزلزل الناس و عدم إحساسهم بالأمن الاجتماعي حتى الناس البرءاء الأعفّاء. و قد نهى الكتاب و السنة عن التجسّس ليكون الناس في حياتهم آمنين مطمئنين. و هذا من أعظم المصالح التي اهتم به الشرع المبين:

قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تَجَسَّسُوا.» «2»

و في سنن البيهقي بسنده، عن جمع من الصحابة، عن النبي «ص»، قال: «إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم.» «3»

و عنه «ص»: «إنك إن اتبعت عورات الناس أو عثرات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم.» «4»

و الاخبار في هذا المجال كثيرة يأتي بعضها في فصل الاستخبارات.

اللهم إلّا أن يقال: إن الموضوع إذا كان في غاية الأهميّة كحفظ النظام مثلا، بحيث يتنجز مع الاحتمال أيضا و إن كان ضعيفا، و فرض توقفه على تعزير المتّهم

______________________________

(1)- الكامل 3/ 56.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 12.

(3)- سنن البيهقي 8/ 333، كتاب الأشربة و الحدّ فيها، باب ما جاء في النهي عن التجسس.

(4)- سنن البيهقي 8/ 333، كتاب الأشربة و الحدّ فيها، باب ما جاء في النهي عن التجسس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 378

للكشف، أمكن القول بجوازه على أساس باب التزاحم؛ حيث يتزاحم الواجب الأهمّ و الحرام الذي ليس في حدّه، فتدبّر.

المسألة الثانية: لا إشكال في أن الاعتراف مع التعذيب و التشديد لا اعتبار به شرعا

في المحاكم الشرعية. و يدلّ على ذلك- مضافا إلى ما ورد من رفع ما استكرهوا عليه- أخبار مستفيضة:

1- ففي خبر أبي البختري، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّ أمير

المؤمنين «ع» قال: «من أقرّ عند تجريد، أو تخويف، أو حبس، أو تهديد فلا حدّ عليه.» «1»

2- و في خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّا «ع» كان يقول:

«لا قطع على أحد يخوّف من ضرب و لا قيد و لا سجن و لا تعنيف. و إن لم يعترف سقط عنه لمكان التخويف.» «2»

أقول: قوله: «و إن لم يعترف»، أي بإرادته و اختياره كما هو واضح.

3- و في صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب، فجاء بها بعينها هل يجب عليه القطع؟ قال: «نعم.

و لكن لو اعترف و لم يجئ بالسرقة لم تقطع يده، لأنه اعترف على العذاب.» «3»

4- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع»: «من أقرّ بحدّ على تخويف أو حبس او ضرب لم يجز ذلك عليه و لا يحدّ.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 497، الباب 7 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 18/ 498، الباب 7 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 18/ 497، الباب 7 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 466، كتاب الحدود، الفصل 5 (ذكر القضايا في الحدود)، الحديث 1655.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 379

5- و فيه أيضا، عن عليّ «ع»: «أنّه اتي برجل اتّهم بسرقة- أظنّه خاف عليه أن يكون إذا سأله تهيّب بسؤاله فأقرّ بما لم يفعل- فقال له عليّ «ع»: أ سرقت؟ قل: لا، إن شئت، فقال: لا. و لم تكن عليه بيّنة، فخلّى سبيله.» «1» و رواهما عنه في المستدرك «2».

6- و في مسند زيد بن علي: «حدثني زيد بن عليّ، عن أبيه،

عن جدّه، عن عليّ «ع»، قال: «لمّا كان في ولاية عمر أتى بامرأة حامل فسألها عمر، فاعترفت بالفجور، فأمر بها عمر أن ترجم، فلقيها عليّ بن أبي طالب، فقال: ما بال هذه؟

قالوا: أمر بها عمر أن ترجم، فردّها عليّ «ع» فقال: أمرت بها أن ترجم؟ فقال: نعم، اعترفت عندي بالفجور، فقال عليّ «ع»: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟

قال: ما علمت أنها حبلى. قال أمير المؤمنين «ع»: إن لم تعلم فاستبرئ رحمها. ثم قال «ع»: فلعلك انتهرتها أو أخفتها؟ قال: قد كان ذلك، فقال: أو ما سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «لا حدّ على معترف بعد بلاء، إنه من قيّدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له.» قال: فخلّى عمر سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن تلد مثل عليّ بن أبي طالب، لو لا عليّ لهلك عمر.» «3» و روى في البحار، عن كشف الغمة، عن مناقب الخوارزمي، عن الزمخشري مرفوعا إلى الحسن نحو ذلك «4».

7- و في الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه أنه سئل عن الرجل يقرّ على نفسه بقتل أو حدّ؟ فقال أبو عبد اللّه «ع»: «لا يجوز على رجل قود و لا حدّ بإقرار بتخويف و لا حبس و لا بضرب و لا بقيد.» «5»

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 469، كتاب السّراق و المحاربين، الفصل 1، الحديث 1669.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 7 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1 و 2.

(3)- مسند زيد/ 299، كتاب الحدود، باب حدّ الزّاني.

(4)- بحار الأنوار 40/ 277، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 97 (باب قضاياه ...)، الحديث 41.

(5)- الجعفريات (المطبوع مع قرب الإسناد)/ 122.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 380

8- و في سنن أبي داود بسنده:

«إن قوما من الكلاعيين سرق لهم متاع، فاتّهموا أناسا من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي «ص» فحبسهم أيّاما ثم خلّى سبيلهم، فأتوا النعمان فقالوا: خلّيت سبيلهم بغير ضرب و لا امتحان؟ فقال النعمان ما شئتم؛ إن شئتم أن أضربهم، فإن خرج متاعكم فذاك و إلّا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم. فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم اللّه و حكم رسوله.» «1» و رواه النسائي أيضا في سننه «2».

و الظاهر أن المشار اليه بلفظ: «هذا» هو القصاص إن ضرب، لا أصل جواز الضرب فلا يعارض ما تقدّم. و لا أقلّ من وجود الإجمال فيه، مضافا إلى عدم اعتمادنا على سنده، فلاحظ.

9- و في كنز العمّال عن ابن مسعود، قال:

«لا يحلّ في هذه الأمّة التجريد و لا مدّ و لا غلّ و لا صفد.» (عب.) «3»

10- و في البحار، عن العلل، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إن أوّل ما استحل الأمراء العذاب لكذبة كذبها أنس بن مالك على رسول اللّه «ص»: «أنه سمر يد رجل إلى الحائط.» و من ثمّ استحلّ الأمراء العذاب.» «4»

11- و في كتاب «عليّ إمام المتقين» لعبد الرحمن الشرقاوي:

«وضع الإمام «ع» أصولا كثيرة ... من ذلك أنه نهى عن ضرب المتهم، و رفض الوصول إلى الاعتراف من ضرب المتهم أو تعذيبه، في عصر جعل التعذيب أسلوبا

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 448، كتاب الحدود، باب في الامتحان بالضرب.

(2)- سنن النسائي 8/ 66، كتاب قطع السارق، باب امتحان السارق بالضرب و الحبس.

(3)- كنز العمال 5/ 404، كتاب الحدود من قسم الأفعال، فصل في أحكامها، الحديث 13435.

(4)- بحار

الأنوار 76/ 203 (طبعة إيران 79/ 203)، كتاب النواهي، الباب 94 (باب النهي عن التعذيب ...)، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 381

للتحقيق، و كان يقول في حماية ضمانات المتهم: «إن يثبت عليه الجرم بإقرار أو بيّنة أقمت عليه الحد و إلّا لم أعترضه.» «1»

أقول: و لعل المتتبع يعثر على أزيد من ذلك في هذا الباب.

و بالجملة، فتعزير المتهم و تعذيبه بمجرد الاحتمال مشكل. و ترتيب الأثر على الاعتراف المبتنى عليه أشكل.

و بما ذكرنا يظهر عدم جواز اعتماد الإمام و القضاة على أقارير المتهمين التي ينتزعها بعض أجهزة التحقيق و التجسس بواسطة الحبس و التخويف و التعذيب و الخداع و أمثالها، و أنه لا قيمة لها في المحاكم الشرعية، فتدبّر.

و في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران:

«يمنع أيّ نوع من التعذيب لانتزاع الاعتراف أو كسب المعلومات. و من غير الجائز إجبار الشخص على أداء الشهادة، أو الإقرار، أو اليمين. و مثل هذه الشهادة أو الإقرار أو اليمين يكون فاقدا لقيمته و اعتباره. المخالف لهذه المادة يجازى وفق القانون.» «2»

المسألة الثالثة: الظاهر أنه يجوز حبس المتهم لكشف الحق أو أدائه في حقوق الناس

و لا سيما الدم مع احتمال فراره و عدم التمكن منه:

1- ففي الوسائل بسند لا بأس به، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«إن النبيّ «ص» كان يحبس في تهمة الدم ستة أيّام؛ فإن جاء أولياء المقتول بثبت، و إلّا خلّى

______________________________

(1)- كتاب «عليّ إمام المتقين» 2/ 369.

(2)- دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران، المادّة 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 382

سبيله.» «1»

2- و في سنن الترمذي بسنده، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه: «إن النبي «ص» حبس رجلا في تهمة ثم خلّى عنه.»

«2» و روى نحوه أبو داود «3».

3- و في التراتيب الإدارية «ذكر بعضهم أن رسول اللّه «ص» سجن في المدينة في تهمة. رواه عبد الرزاق و النسائي في مصنفيهما من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه. و ذكر أبو داود عنه في مصنفه، قال: «حبس رسول اللّه «ص» ناسا من قومي في تهمة بدم.» ... و في غير المصنف عن عبد الرزاق بهذا السند: أن النبي «ص» حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلّى عنه.» «4»

4- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنه قال: «لا حبس في تهمة إلّا في دم.

و الحبس بعد معرفة الحق ظلم.» «5» و رواه عنه في المستدرك «6».

5- و في سنن البيهقي بسنده، عن أبي جعفر «ع» أن عليّا «ع» قال: «إنّما الحبس حتى يتبين للإمام؛ فما حبس بعد ذلك فهو جور.» «7»

6- و في كتاب الغارات، عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «إني لا آخذ على التهمة، و لا أعاقب على الظنّ، و لا أقاتل إلّا من خالفني و ناصبني و أظهر لي العداوة ...» «8»

و رواه عنه ابن أبي الحديد «9»، و الطبري في تاريخه «10».

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 121، الباب 12 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

(2)- سنن الترمذي 2/ 435، أبواب الديات، الباب 19، الحديث 1438.

(3)- سنن أبي داود 2/ 282، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين و غيره.

(4)- التراتيب الإدارية 1/ 296.

(5)- دعائم الإسلام 2/ 539، كتاب آداب القضاة، الحديث 1916.

(6)- مستدرك الوسائل 3/ 262، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

(7)- سنن البيهقي 6/ 53، كتاب التفليس، باب حبسه إذا اتّهم ...

(8)- الغارات 1/ 371.

(9)- شرح نهج البلاغة

لابن أبي الحديد 3/ 148.

(10)- تاريخ الطبري 6/ 3443.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 383

7- و فيه أيضا في قصّة خروج الخرّيت بن راشد من بني ناجية على أمير المؤمنين «ع» و اعتراض عبد اللّه بن قعين عليه بعدم استيثاقه، قال: «فقلت:

يا أمير المؤمنين «ع» فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال «ع»: إنا لو فعلنا هذا لكلّ من نتّهمه من الناس ملأنا السجون منهم. و لا أراني يسعني الوثوب على الناس و الحبس لهم و عقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف.» «1» و رواه عنه ابن أبي الحديد «2».

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، و ستأتي في الطائفة الأولى من الجهة الحادية عشرة من فصل السجون.

أقول: مقتضى الأصل الأوّلي عدم جواز التعرّض للشخص بمجرد التهمة، فإنه مخالف لحريّته و سلطته على نفسه، و لأصالة البراءة. فالجواز يحتاج إلى دليل متقن.

و مورد معتبرة السكوني هو خصوص الدم فلا تدلّ على الجواز في غيره. و رواية بهز بن حكيم على فرض صدورها قضية في واقعة خاصّة فلا إطلاق لها و لا نعرف موردها، و لعل المورد كان هو الدم. و مقتضى خبر الدعائم عدم الجواز في غير تهمة الدم.

و مقتضى روايتي الغارات عدم الجواز مطلقا اللهم إلّا أن يقال: إن موردهما النشاطات السياسية كما هو الظاهر. و كيف كان فجواز القبض و الحبس بمجرد الاتهام في غير الدم في غاية الإشكال. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: إن حفظ نظام المسلمين و كيانهم، و كذلك حفظ أموالهم و حقوقهم أمران مهمان عند الشارع و هما يتوقفان كثيرا على القبض على المتّهمين و حبسهم بداعي الكشف و التحقيق إذا كانوا في

معرض الفرار. فالقول بعدم الجواز لذلك يوجب ضياع الحقوق و الأموال و اختلال النظم، و لا سيما إذا غلب الفساد على الزمان و أهله.

فالظاهر هو الجواز إذا كان الأمر مهمّا معتنى به بحيث يكون احتماله أيضا

______________________________

(1)- الغارات 1/ 335.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 129. و فيه: «بكلّ من يتّهم» بدل «لكلّ من نتّهمه»، و «لى» بدل «لنا».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 384

منجزا عند العقلاء، و لكن مع رعاية الدقة و الاحتياط و حفظ شئون الأشخاص مهما أمكن.

نعم، لا يجوز التعرض و الحبس بمجرد الوهم و الاتهامات الموهومة التافهة، و على مثل هذا ينبغي أن يحمل بعض الأخبار المانعة. و أمّا خبر الدعائم فمضافا إلى عدم ثبوت صدوره فالحصر فيه يمكن أن يكون إضافيا بالنسبة إلى هذا السنخ من الأمور أيضا، و نظير ذلك كثير في المحاورات. فلعل الحبس بسبب الأمور الجزئية التافهة القابلة للإغماض كان رائجا في تلك الأعصار كما في عصرنا أيضا فأريد نفيه.

و بالجملة، فالمقام من قبيل سائر موارد التزاحم التي يؤخذ فيها بأهمّ الأمرين.

هذا.

و لكن بعد اللتيا و الّتي فإن القبض على المسلم و حبسه بمجرد الاتهام و الاحتمال في غير الدم لا يخلو من إشكال، لشدّة اهتمام الشرع بحريم المسلمين و شئونهم، اللهم إلّا أن يكون المورد في الأهمية في حدّ الدم، فتدبّر.

قال المحقق في قصاص الشرائع:

«الرابعة: إذا اتهم و التمس الوليّ حبسه حتى يحضر ببينة ففي إجابته تردّد، و مستند الجواز ما رواه السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»: أن النبي «ص» كان يحبس في تهمة الدم ستة ايام، فإن جاء الأولياء بثبت و إلّا خلّى سبيله. و في السكوني

ضعف.» «1»

و عقّب ذلك في الجواهر بقوله:

«يمنع من العمل به فيما خالف أصل البراءة و غيره، إذ هو تعجيل عقوبة لا مقتضى له، و لذا كان خيرة الحلّي و الفخر و جدّه و غيرهم على ما حكى العدم.

و في محكى المختلف: «التحقيق أن نقول: إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستة أيام، عملا بالرواية و تحفظا للنفوس عن الإتلاف، و إن حصلت لغيره فلا، عملا بالأصل.» ...

و على كل حال فلا يخلو العمل بالخبر المزبور هنا من قوة لاعتضاده بعمل من

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 227، و الرواية في الوسائل 19/ 121، الباب 12 من أبواب دعوى القتل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 385

عرفت، و حكاية الإجماع على العمل بأخبار الراوي المزبور ...

نعم، الظاهر اختصاص الحكم بالقتل دون الجراح، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من الخبر المزبور.» «1»

المسألة الرابعة: [إذا علم الحاكم أنه يوجد عند الشخص معلومات نافعة في حفظ النظام و رفع الفتنة]

ما ذكرناه كلّه كان مع التّهمة و الاحتمال، و أمّا إذا علم الحاكم أنه يوجد عند الشخص معلومات نافعة في حفظ النظام و رفع الفتنة، أو في تقوية الإسلام و رفع شرّ الأعداء، أو في إحقاق حقوق المسلمين بحيث يحكم العقل و الشرع بوجوب الإعلام عليه و كان الوجوب بيّنا واضحا له أيضا، بحيث يعتقد هو أيضا بوجوبه و أهميّته شرعا و لا يكون في شبهة و لكنه مع ذلك يكتم الشهادة و الإعلام عنادا و فرارا من الحق جاز حينئذ تعزيره للكشف و الإعلام فقط، من دون أن يترتب عليه المجازاة إلّا مع علم الحاكم و جواز حكمه بعلمه.

و ذلك لما عرفت من جواز التعزير على ترك الواجب مطلقا، و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تَكْتُمُوا الشَّهٰادَةَ وَ مَنْ

يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ.» «2»

و لعلّ ما ورد في بعض الروايات من التعذيب أو التهديد بداعي الكشف على فرض صحتها كان من هذا القبيل، أي كان في صورة العلم باطلاع الشخص و كتمانه، أو كان من جهة كونه مهدور الدم شرعا:

1- فمن ذلك قصّة كنانة بن أبي الحقيق، حيث صالح رسول اللّه «ص» أهل خيبر على حقن دمائهم و ترك جميع أموالهم للمسلمين، و كنز كنانة حليّ آل أبي الحقيق و كتمها، فلما ظهر الكنز و أخرج، أمر رسول اللّه «ص» الزبير بن العوّام أن يعذّب

______________________________

(1)- الجواهر 42/ 277 (بتصحيح آخر ص 260).

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 283.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 386

كنانة حتى يستخرج كل ما عنده، فعذّبه الزبير حتّى جاءه بزند يقدحه في صدره «1».

2- و في سيرة ابن هشام: «انه «ص» اتي بكنانة، و كان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه فجحد أن يكون يعرف مكانه ... فأمر رسول اللّه «ص» بالخربة، فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤدّيه، فأمر رسول اللّه «ص» الزبير بن العوّام، فقال: عذّبه حتّى تستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول اللّه «ص» إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.» «2» و في تاريخ الطبري نحو ذلك «3».

أقول: بعد ما صالحهم النبي «ص» على أن يصير أموالهم للمسلمين صار الكنز من أموالهم، و ادّعى كنانة أنه لم يبق منه شي ء و أنه برئت منه ذمة اللّه و ذمة رسوله و حلّ دمه إن كان بقي منه شي ء، فلما ظهر الكنز انكشف كذبه و

صار بذلك حلال الدم، فلا يقاس عليه المسلم المحقون دمه و حريمه، هذا مضافا إلى أن الظاهر حصول العلم بعلم كنانة و كتمانه عنادا، فتدبّر.

3- و في بدر أتوا رسول اللّه «ص» بغلامين و هو قائم يصلي، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما و رجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما، فلمّا أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما، و ركع رسول اللّه «ص» و سجد سجدتيه ثم سلّم و قال: إذا صدقاكم ضربتموهما و إذا كذباكم تركتموهما؟ صدقا، و اللّه إنهما لقريش. «4»

و روى نحوه البيهقي في سننه بسنده عن أنس «5»، و الواقدي في المغازي «6».

______________________________

(1)- المغازي للواقدي 2/ 672.

(2)- سيرة ابن هشام 3/ 351.

(3)- تاريخ الطبري 3/ 1582.

(4)- سيرة ابن هشام 2/ 268.

(5)- سنن البيهقي 9/ 148، كتاب السير، باب الأسير يستطلع منه خبر المشركين.

(6)- المغازي 1/ 52.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 387

و الاستدلال بالرواية مبنيّ على استفادة تقرير النبي «ص» لأصل الضرب للكشف و لكنه ممنوع، مضافا إلى عدم حرمة الغلامين لكونهما من أهل الحرب.

4- و بعد ما كتب حاطب بن أبي بلتعة من المدينة كتابا إلى قريش يخبرهم بما أجمع عليه رسول اللّه «ص»، و أعطاه امرأة تبلغه قريشا فجعلته في رأسها و فتلت عليه قرونها، و أتى رسول اللّه «ص» الخبر من السماء بعث هو «ص» علي بن أبي طالب و الزبير، فخرجا فأدركاها فالتمساه في رحلها فلم يجدا شيئا، فقال لها علي «ع»: إنّي أحلف باللّه ما كذب رسول اللّه «ص» و ما كذبنا، لتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك ... «1»

و لا يخفى أن كشف المرأة و تجريدها

في تلك الأعصار كان تعذيبا لها. هذا.

و يؤيد ذلك كله ما ورد من التعذيب أو التهديد في قبال ترك الفرائض و الواجبات و الاستنكاف عن الإتيان بها:

1- ففي الوسائل، عن الرضا «ع»، عن آبائه، عن عليّ «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه و عقوبته ما لم يكن دينه فيما يكره اللّه- عزّ و جلّ-.» «2»

و فيه أيضا، عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «المولى إذا أبى أن يطلّق، قال: كان أمير المؤمنين «ع» يجعل له حظيرة من قصب و يجعله (يحسبه- التهذيب) فيها و يمنعه من الطعام و الشّراب حتى يطلّق.» «3»

2- و فيه أيضا، عن تفسير علي بن إبراهيم، قال: روي عن أمير المؤمنين «ع» أنه بنى حظيرة من قصب و جعل فيها رجلا آلى عن امرأته بعد أربعة أشهر و قال له:

«إمّا أن ترجع إلى المناكحة و إمّا أن تطلّق، و إلّا أحرقت عليك الحظيرة.» «4»

______________________________

(1)- راجع سيرة ابن هشام 4/ 41.

(2)- الوسائل 13/ 90، الباب 8 من أبواب الدين و القرض، الحديث 4.

(3)- الوسائل 15/ 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 1.

(4)- الوسائل 15/ 546، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 388

3- و فيه أيضا عن النبي «ص»: «لينتهينّ أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذّن ثمّ يقيم ثمّ آمر رجلا من أهل بيتي، و هو عليّ، فليحرقنّ على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة.» «1»

و قد مرّ في باب الحسبة موارد كثيرة من حسبة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» أو أمرهما بها و كان في كثير

منها الضرب و التعذيب، فراجع. هذا.

و بالجملة، ففيما يرتبط بحفظ النظام و تقوية الإسلام و صيانة الحقوق يحكم العقل و الشرع بوجوب الإعلام على من له علم و اطلاع، فإذا علم الحاكم استنكاف الشخص عن العمل بهذه الوظيفة المهمة جاز له تعزيره لذلك كسائر الواجبات الشرعية.

المسألة الخامسة: [لا يجب على مرتكب حقوق اللّه إظهارها]

قد كان ما ذكرناه في الحقوق العامة، و حقوق الناس المهمة. و أمّا في مثل الزنا و اللواط و شرب الخمر و نحو ذلك من حقوق اللّه فلا يجب على المرتكب إظهارها، و ليس للحاكم أيضا تهديده أو تعزيره لذلك، بل الأولى في مثلها هو الستر و التوبة إلى اللّه- عزّ و جلّ-. و الأحاديث في هذا المجال كثيرة:

1- ففي خبر أبي العباس، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «أتى النبيّ «ص» رجل فقال: إني زنيت (إلى أن قال) فقال رسول اللّه «ص»: لو استتر ثمّ تاب كان خيرا له.» «2»

2- و في خبر الأصبغ بن نباتة، قال: «أتى رجل أمير المؤمنين «ع» فقال:

يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهّرني، فأعرض عنه بوجهه، ثم قال له: اجلس، فقال:

______________________________

(1)- الوسائل 5/ 376، الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 18/ 328، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 389

أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر اللّه عليه؟ فقام الرجل فقال:

يا أمير المؤمنين، إني زنيت فطهّرني. فقال: و ما دعاك إلى ما قلت؟ قال: طلب الطهارة.

قال: و أيّ طهارة أفضل من التوبة. ثم أقبل على أصحابه يحدّثهم، فقام الرجل فقال:

يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهّرني. فقال له: أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال:

نعم. قال:

اقرأ، فقرأ فأصاب. فقال له: أ تعرف ما يلزمك من حقوق اللّه في صلاتك و زكاتك؟ قال:

نعم. فسأله فأصاب. فقال له: هل بك مرض يعروك أو تجد وجعا في رأسك أو بدنك؟

قال: لا. قال: اذهب حتى نسأل عنك في السرّ كما سألناك في العلانية، فإن لم تعد إلينا لم نطلبك ...» «1»

3- و في مرسل البرقي، عن أمير المؤمنين «ع» في حديث الزاني الذي أقرّ أربع مرّات أنه قال لقنبر: «احتفظ به، ثم غضب و قال: ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رءوس الملأ! أ فلا تاب في بيته؟ فو اللّه لتوبته فيما بينه و بين اللّه أفضل من إقامتي عليه الحد.» «2»

4- و في حدود الموطأ لمالك، عن زيد بن أسلم، عن رسول اللّه «ص» أنّه قال:

«أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود اللّه. من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه، فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب اللّه.» «3» و روى نحوه الشيخ أيضا في كتاب الإقرار و كتاب السرقة من المبسوط «4».

5- و في الموطأ أيضا بسنده، عن سعيد بن المسيّب أنه قال: بلغني أن رسول اللّه «ص» قال لرجل من أسلم يقال له هزّال: «يا هزّال لو سترته بردائك لكان خيرا لك.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 328، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6.

(2)- الوسائل 18/ 327، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

(3)- الموطّأ 2/ 169، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزّنا.

(4)- راجع المبسوط ج 3/ 2؛ و ج 8/ 40.

(5)- الموطّأ 2/ 166، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 390

إلى غير ذلك من الروايات.

نعم، لو كان مع حق اللّه- تعالى- حق الناس أيضا. كما إذا ادّعى عليه أنه لاط بغلام مكرها له فجرحه، أو زنى بامرأة مكرها لها كان حكمه حكم ما سبق من حقوق الناس، كما هو واضح.

و قد تحصل لك مما ذكرناه في المقام خمس مسائل:

الأولى: عدم جواز التعزير بمجرد الاتهام و أنه ظلم.

الثانية: عدم الاعتبار شرعا بالاعتراف المنتزع عن تعذيب.

الثالثة: جواز حبس المتهم لكشف الحق أو أدائه في حقوق الناس و لا سيما الدم حذرا من الفرار.

الرابعة: جواز تعزير من يعلم الحاكم باطلاعه على معلومات مهمة نافعة في حفظ النظام أو في إحقاق حقوق المسلمين.

الخامسة: عدم جواز ذلك في مثل الزنا و أمثاله من حقوق اللّه المحضة.

الجهة العاشرة: في إشارة إجمالية إلى فروع أخرى في المسألة:
اشارة

لا يخفى أن هنا فروعا كثيرة تعرض لها الأصحاب في كتاب الحدود، و الظاهر اتحاد حكم الحدود و التعزيرات في أكثرها. و البحث فيها هنا بالتفصيل لا يناسب وضع هذا الكتاب، فلنذكر بعض الروايات الواردة فيها و نحيل التفصيل إلى الكتب الفقهية الباحثة في مسائل الحدود. و نوصى قضاة المحاكم الإسلامية و منفذّي الأحكام فيها إلى الالتفات إلى هذه الروايات، و إلى ما مرّ منا في مبحث السلطة القضائيّة من آداب الحكم و القضاء:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 391

الأوّل- ليس في الحدود بعد ثبوتها نظر ساعة:

1- روى السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: «ليس في الحدود نظر ساعة.» «1»

2- و روى الصدوق، عن أمير المؤمنين «ع»، قال: «إذا كان في الحدّ لعلّ أو عسى فالحدّ معطّل.» «2»

الثاني- الحدود تدرأ بالشبهات و لا شفاعة و لا يمين فيها:

1- عن الصدوق «ره»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ادرءوا الحدود بالشبهات.

و لا شفاعة و لا كفالة و لا يمين في حدّ.» «3»

2- و روى الترمذي بسنده، عن رسول اللّه «ص»: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام ان يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة.» «4»

3- و في سنن ابن ماجة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا.» «5»

4- و في خبر مثنى الحناط، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص» لأسامة بن زيد: «لا يشفع في حدّ.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 336، الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 336، الباب 25 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 336، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

(4)- سنن الترمذي 2/ 438، أبواب الحدود، الباب 2، الحديث 1447.

(5)- سنن ابن ماجة 2/ 850، كتاب الحدود، الباب 5 (باب الستر على المؤمن ...)، الحديث 2545.

(6)- الوسائل 18/ 333، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 392

5- و روى السكوني بسند معتبر، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «لا يشفعنّ أحد في حدّ إذا بلغ الإمام، فإنّه لا يملكه. و اشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم. و اشفع عند

الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له. و لا يشفع في حق امرئ مسلم و لا غيره إلّا بإذنه.» «1»

و في عدم جواز الشفاعة في الحد أخبار أخر أيضا، فراجع.

6- و في خبر إسحاق بن عمار، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «ع»: «انّ رجلا استعدى عليّا «ع» على رجل فقال: إنه افترى عليّ «ع» فقال عليّ «ع» للرجل: أ فعلت ما فعلت؟

فقال: لا، ثمّ قال عليّ «ع» للمستعدي أ لك بيّنة؟ قال: فقال: مالي بيّنة فأحلفه لي، قال عليّ «ع»: ما عليه يمين.» «2»

الثالث- حرمة ضرب المسلم بغير حقّ و عند الغضب، و وجوب الدفاع عن المظلوم:

1- روى السكوني بسند معتبر، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«إنّ أبغض الناس إلى اللّه- عزّ و جلّ- رجل جرّد ظهر مسلم بغير حقّ.» «3»

2- و في مرسل ابن أسباط: «نهى رسول اللّه «ص» عن الأدب عند الغضب.» «4»

3- و في موثقة مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيه «ع»، قال: «لا يحضرنّ أحدكم رجلا يضربه سلطان جائر ظلما و عدوانا، و لا مقتولا و لا مظلوما إذا لم ينصره، لأن نصرة المؤمن على المسلم فريضة واجبة إذا هو حضره، و العافية أوسع ما لم تلزمك الحجة الظاهرة.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 333، الباب 20 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

(2)- الوسائل 18/ 335، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(3)- الوسائل 18/ 336، الباب 26 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 337، الباب 26 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

(5)- الوسائل 18/ 313، الباب 4 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 393

4- و في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن النبي «ص»

أنه قال: «ظهر المؤمن حمى اللّه إلّا من حدّ.» «1»

5- و فيه أيضا، عن الدعائم، عن أمير المؤمنين «ع» أنه كتب إلى رفاعة: «دار عن المؤمنين ما استطعت، فإن ظهره حمى اللّه، و نفسه كريمة على اللّه، و له يكون ثواب اللّه، و ظالمه خصم اللّه فلا يكون خصمك.» «2»

6- و فيه أيضا، عن مناقب ابن اشوب آشوب، عن أمير المؤمنين «ع»، قال: لمّا أدرك عمرو بن عبد ودّ لم يضربه فوقع في عليّ «ع» فردّ عنه حذيفة فقال النبي «ص»: مه يا حذيفة، فإن عليّا سيذكر سبب وقفته. ثمّ إنّه ضربه، فلمّا جاء سأله النبي «ص» عن ذلك، فقال: «قد كان شئتم أمّي و تفل في وجهي، فخشيت أن أضربه لحظّ نفسي، فتركته حتى سكن ما بي ثمّ قتلته في اللّه.» «3»

الرابع- في عفو الإمام عن الحدود و التعزيرات:
[أخبار المسألة]

1- خبر ضريس الكناسي، عن أبي جعفر «ع»، قال: «لا يعفي عن الحدود التي للّه دون الإمام. فأمّا ما كان من حق الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام.» «4»

و السند إلى ضريس صحيح. و ضريس الكناسي مجهول الحال، اللهم إلّا أن يجبر ذلك بأن ابن محبوب في السند و هو من أصحاب الاجماع.

و ما يكون الخبر في مقام بيانه هو عقد السلب، أعني عدم جواز عفو غير الإمام لحقوق اللّه، لا عقد الإيجاب أعني جواز عفو الإمام له. نعم، هو مفهوم الكلام إجمالا و لكن لا إطلاق له، فيمكن أن يحمل على خصوص صورة الإقرار بقرينة الأخبار

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 3/ 220، الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 220، الباب 23 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 220، الباب 23 من

أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

(4)- الوسائل 18/ 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 394

الأخر. و على فرض الإطلاق أيضا يجب تقييده بها.

2- مرسل البرقي، عن بعض الصادقين «ع»، قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين «ع» فأقرّ بالسرقة، فقال له: أ تقرأ شيئا من القرآن؟ قال: نعم، سورة البقرة. قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة. قال: فقال الأشعث: أ تعطّل حدّا من حدود اللّه؟ فقال: ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام: إن شاء عفا، و إن شاء قطع.» «1»

و نحوه خبر طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد «ع» «2».

و السند إلى طلحة صحيح. و طلحة و إن كان بتريّا على ما قيل و لكن قال الشيخ إن كتابه معتمد «3».

و مفاد الخبر هو التفصيل بين البينة و بين الإقرار. و أفتى بذلك الشيخ في النهاية، كما يأتي.

3- و عن تحف العقول، عن أبي الحسن الثالث «ع» في حديث قال: «و أمّا الرّجل الذي اعترف باللواط فإنه لم يقم عليه البينة، و إنما تطوّع بالإقرار من نفسه. و إذا كان للإمام الذي من اللّه أن يعاقب عن اللّه كان له أن يمنّ عن اللّه. أما سمعت قول اللّه: «هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب.» «4».

و ظاهر الرواية أيضا هو التفصيل، و إن كان المترائى من التعليل المستفاد من الكلام الأخير جواز العفو في كلتا الصورتين. هذا.

و أمّا الأقوال في المسألة

فقال المفيد في المقنعة:

«و من زنى و تاب قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنا درأت عنه التوبة الحدّ، فإن تاب بعد قيام

الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه- حسب

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

(3)- الفهرست للشيخ/ 86 (ط. أخرى/ 112).

(4)- الوسائل 18/ 331، الباب 18 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 395

ما يراه من المصلحة في ذلك له و لأهل الإسلام- فإن لم يتب لم يجز العفو عنه في الحدّ بحال.» «1»

و قال الشيخ في النهاية:

«و من زنى و تاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك درأت التوبة عنه الحدّ. فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه وجب عليه الحدّ و لم يجز للإمام العفو عنه. فإن كان أقرّ على نفسه عند الإمام ثمّ أظهر التوبة كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك. و متى لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه على حال.» «2»

و قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي:

«فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البينة عليه، و ظهرت توبته و حمدت طريقته سقط عنه الحدّ. و إن تاب بعد قيام البيّنة فالإمام العادل مخيّر بين العفو و الإقامة، و ليس ذلك لغيره إلّا بإذنه. و توبة المرء سرّا أفضل من إقراره ليحدّ.» «3»

و قال ابن زهرة في الغنية:

«و إن تاب بعد ثبوت الزنا عليه فلإمام العفو عنه، و ليس ذلك لغيره.» «4»

فموضوع العفو عند المفيد الثبوت بالشهادة، و عند الحلبي الثبوت بالبينة، و عند الشيخ الثبوت بالإقرار، و عند ابن زهرة مطلق. و لعل المفيد و الحلبي أيضا قائلان بالإطلاق، إذ لو

جاز العفو عند البينة جاز عند الإقرار بطريق أولى، بل يمكن أن يقال: إن الشهادة في كلام المفيد تعم البينة و الإقرار، فإن الإقرار أيضا شهادة و لكنها على النفس.

و جميعهم اشترطوا التوبة، و ظاهرهم عدم جواز العفو بدونها. و ليس في الروايات التي مرّت اسم منها، اللهم إلّا أن يقال إن الظاهر من المقرّ تطوعا أنّه تاب و إلّا

______________________________

(1)- المقنعة/ 123.

(2)- النهاية/ 696.

(3)- الكافي/ 407.

(4)- الجوامع الفقهيّة/ 560.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 396

لم يقرّ، مضافا إلى عدم الوجه للعفو مع إصرار المرتكب و عدم توبته.

و لكن كلا الوجهين ممنوعان، إذ لعل عمله كان في معرض الثبوت بالشهادة فأقرّ برجاء العفو أو التخفيف، و لعل الإمام رأى أن عفوه يوجب حسن ظنه بالإسلام فيعود إلى الإسلام و تكاليفه أو أنه توقّع منه عملا مهما نافعا للإسلام و المسلمين فيعفو عنه و إن لم يتب ترغيبا له في هذا العمل.

و كيف كان فمقتضى الجمع بين الروايات في المقام هو التفصيل بين ما ثبت بالبيّنة، و ما ثبت بالإقرار. و لو أجزنا إجراء الحدود بعلم الحاكم فهل يلحق ذلك بالبينة أو بالإقرار؟ و جهان. و لعل المستفاد من عموم التعليل في رواية تحف العقول جواز العفو فيه أيضا، فتدبّر.

و المقصود بالإمام في أمثال المقام هو المتصدّي للحكومة الحقة العادلة في كل عصر و زمان، لا خصوص الإمام المعصوم. و ذلك واضح لكل من ثبت له بما حققناه في هذا الكتاب لزوم وجود الحكومة و ضرورتها في جميع الأعصار، و يطلق على قائد المسلمين في كل عصر لفظ الإمام، فراجع المباحث السابقة.

ثمّ إن الظاهر أن مورد عفو الإمام هو الحدود التي

تكون للّه و ليس فيها حق الناس، و أمّا الحد الذي يغلب عليه جانب حق الناس كحدّ القذف فالعفو فيه دائر مدار عفو من له الحقّ. و وجهه واضح، فتدبّر.

العفو عن التعزيرات:
اشارة

هذا كله في الحدود الشرعية المقدرة. و أمّا التعزيرات المفوضة إلى الإمام و الحاكم فإن كانت في قبال حق الناس فالظاهر أن العفو فيها أيضا دائر مدار عفو من له الحق. و أما ما كانت في قبال حقوق اللّه- تعالى- فالمستفاد من إطلاق الآيات و الروايات الكثيرة الواردة في العفو و الإغماض، و من سيرة النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» و غيرهما جواز عفو الإمام عنها إذا رآه صلاحا و لم يوجب تجرّي المرتكب:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 397

[الآيات]

1- قال اللّه- تبارك و تعالى-: «وَ الْكٰاظِمِينَ الْغَيْظَ، وَ الْعٰافِينَ عَنِ النّٰاسِ، وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.» «1»

2- و قال: «وَ لٰا تَزٰالُ تَطَّلِعُ عَلىٰ خٰائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلّٰا قَلِيلًا مِنْهُمْ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.» «2»

3- و قال: «خُذِ الْعَفْوَ، وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ.» «3»

4- و قال: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ.» «4»

5- و قال: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ. نَحْنُ أَعْلَمُ بِمٰا يَصِفُونَ.» «5»

6- و قال: «وَ اصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ، وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا.» «6»

[الروايات]

7- و في أصول الكافي بسنده، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيد العبد إلّا عزّا، فتعافوا يعزّكم اللّه.» «7»

8- و فيه بسنده، عن حمران، عن أبي جعفر «ع»، قال: «النّدامة على العفو أفضل و أيسر من الندامة على العقوبة.» «8»

9- و فيه أيضا بسنده، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إن رسول اللّه «ص»، اتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبيّ «ص» فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3)، الآية 134.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 13.

(3)- سورة الأعراف (7)، الآية 199.

(4)- سورة الحجر (15)، الآية 85.

(5)- سورة المؤمنين (23)، الآية 96.

(6)- سورة المزّمّل (73)، الآية 10.

(7)- الكافي 2/ 108، كتاب الإيمان و الكفر، باب العفو، الحديث 5.

(8)- الكافي 2/ 108، كتاب الإيمان و الكفر، باب العفو، الحديث، 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 398

فقالت: قلت: إن كان نبيّا لم يضرّه، و إن كان ملكا أرحت الناس منه، قال: فعفا رسول اللّه «ص» عنها.» «1»

10- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» للأشتر النخعي

لمّا ولّاه مصر: «و أشعر قلبك الرحمة للرعية و المحبّة لهم و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم. فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق. يفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الّذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه. فإنك فوقهم، و والي الأمر عليك فوقك، و اللّه فوق من ولّاك ... و لا تندمنّ على عفو، و لا تبجحنّ بعقوبة.» «2»

11- و فيه أيضا: «أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة.» «3»

12- و فيه أيضا: «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم. فما يعثر منهم عاثر إلّا و يد اللّه بيده يرفعه.» «4»

و نحوه في الغرر و الدرر «5». و قد مرّ في آخر الجهة الأولى قريب من ذلك أيضا عن الدّعائم، و عن أبي داود، فراجع «6».

13- و في شرح ابن أبي الحديد: «و حاربه أهل البصرة، و ضربوا وجهه و وجوه أولاده بالسيوف، و شتموه و لعنوه. فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم و نادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبع مولّ و لا يجهز على جريح و لا يقتل مستأسر. و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من تحيّز إلى عسكر الإمام فهو آمن. و لم يأخذ أثقالهم، و لا سبى ذراريهم و لا غنم شيئا من أموالهم.

و لو شاء أن يفعل كل ذلك لفعل، و لكنه أبي إلّا الصفح و العفو، و تقيّل سنة رسول اللّه «ص» يوم

______________________________

(1)- الكافي 2/ 108، كتاب الإيمان و الكفر، باب العفو، الحديث، 9.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 993؛ عبده 3/ 93- 94؛

لح 427- 428، الكتاب 53.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1112؛ عبده 3/ 164؛ لح/ 478، الحكمة 52.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1095؛ عبده 3/ 155؛ لح/ 471، الحكمة 19.

(5)- الغرر و الدرر 2/ 260، الحديث 2550.

(6)- راجع ص 313 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 399

فتح مكّة، فإنه عفا و الأحقاد لم تبرد و الإساءة لم تنس.» «1»

أقول: تقيّل زيد أباه: أشبهه.

14- و في الخصال، عن علي بن الحسين «ع» في رسالة الحقوق: «و أمّا حقّ رعيتك بالسلطان فإن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم و قوّتك، فيجب أن تعدل فيهم و تكون لهم كالوالد الرحيم، و تغفر لهم جهلهم و لا تعاجلهم بالعقوبة و تشكر اللّه- عزّ و جلّ- على ما آتاك من القوّة عليهم.» «2»

15- و في تحف العقول، عن الإمام الصادق «ع»: «ثلاثة تجب على السلطان للخاصّة و العامّة: مكافأة المحسن بالإحسان ليزدادوا رغبة فيه، و تغمّد ذنوب المسي ء ليتوب و يرجع عن غيّه، و تألّفهم جميعا بالإحسان و الإنصاف.» «3»

16- و في البحار، عن مصباح الشريعة، قال الصادق «ع»: «العفو عند القدرة من سنن المرسلين و المتقين. و تفسير العفو أن لا تلزم صاحبك فيما أجرم ظاهرا و تنسى من الأصل ما أصبت منه باطنا، و تزيد على الاختيارات إحسانا.» «4»

17- و في الغرر و الدرر للآمدي، عن أمير المؤمنين «ع»: «العفو زكاة القدرة.» «5»

18- و فيه أيضا: «المبادرة إلى العفو من أخلاق الكرام.» «6»

19- و فيه: «أقل العثرة، و ادرء الحدّ، و تجاوز عمّا لم يصرّح لك به.» «7»

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 23.

(2)- الخصال/ 567 (الجزء 2).

(3)- تحف العقول/ 319.

(4)- بحار الأنوار 68/

423 (طبعة إيران 71/ 423)، كتاب الإيمان و الكفر- مكارم الأخلاق، الباب 93، الحديث 62.

(5)- الغرر و الدرر 1/ 230، الحديث 924.

(6)- الغرر و الدرر 2/ 4، الحديث 1566.

(7)- الغرر و الدرر 2/ 197، الحديث 2364.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 400

20- و فيه: «تجاوز عن الزلل و أقل العثرات ترفع لك الدرجات.» «1»

21- و فيه: «لا تعاجل الذنب بالعقوبة، و اترك بينهما للعفو موضعا تحرز به الأجر و المثوبة.» «2»

22- و فيه: «اقبل أعذار الناس تستمتع بإخائهم، و القهم بالبشر تمت أضغانهم.» «3»

23- و فيه: «أعرف الناس باللّه أعذرهم للناس و إن لم يجد لهم عذرا.» «4»

24- و فيه: «شرّ الناس من لا يقبل العذر و لا يقيل الذنب.» «5»

25- و فيه: «قبول عذر المجرم من مواجب الكرم و محاسن الشيم.» «6»

26- و فيه: «ما أقبح العقوبة مع الاعتذار.» «7»

27- و فيه: «شرّ الناس من لا يعفو عن الزلّة و لا يستر العورة.» «8»

28- و فيه: «المروءة العدل في الإمرة، و العفو مع القدرة، و المواساة في العشرة.» «9»

29- و فيه: «جمال السياسة العدل في الإمرة، و العفو مع القدرة.» «10»

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 3/ 314، الحديث 4566.

(2)- الغرر و الدرر 6/ 306، الحديث 10343.

(3)- الغرر و الدرر 2/ 215، الحديث 2420.

(4)- الغرر و الدرر 2/ 444، الحديث 3230.

(5)- الغرر و الدرر 4/ 165، الحديث 5685.

(6)- الغرر و الدرر 4/ 517، الحديث 6815.

(7)- الغرر و الدرر 6/ 68، الحديث 9541.

(8)- الغرر و الدرر 4/ 175، الحديث 5735.

(9)- الغرر و الدرر 2/ 142، الحديث 2112.

(10)- الغرر و الدرر 3/ 375، الحديث 4792.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2،

ص: 401

30- و فيه: «ظفر الكرام عفو و إحسان. ظفر اللئام تجبّر و طغيان.» «1»

31- و فيه: «عند كمال القدرة تظهر فضيلة العفو.» «2»

32- و فيه: «كفى بالظفر شافعا للمذنب.» «3»

33- و فيه: «من عفا عن الجرائم فقد أخذ بجوامع الفضل.» «4»

34- و فيه: «من الدين التجاوز عن الجرم.» «5»

35- و فيه: «جاز بالحسنة و تجاوز عن السيئة ما لم يكن ثلما في الدين أو وهنا في سلطان الإسلام.» «6»

36- و فيه: «لا يقابل مسي ء قطّ بأفضل من العفو عنه.» «7»

37- و فيه: «ربّ ذنب مقدار العقوبة عليه إعلام المذنب به.» «8» و قد مرّ.

38- و في البحار، عن الحسن بن عليّ «ع»: «لا تعاجل الذنب بالعقوبة و اجعل بينهما للاعتذار طريقا.» «9» هذا.

و الأخبار في هذا المجال كثيرة جدا يعثر عليها المتتبع في مظانّها.

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 4/ 273- 274، الحديث 6044 و 6045.

(2)- الغرر و الدرر 4/ 324، الحديث 6215.

(3)- الغرر و الدرر 4/ 579، الحديث 7052.

(4)- الغرر و الدرر 5/ 307، الحديث 8499.

(5)- الغرر و الدرر 6/ 37، الحديث 9400.

(6)- الغرر و الدرر 3/ 373، الحديث 4788.

(7)- الغرر و الدرر 6/ 427، الحديث 10880.

(8)- الغرر و الدرر 4/ 73، الحديث 5342.

(9)- بحار الأنوار 75/ 115 (طبعة إيران 78/ 115)، كتاب الروضة، الباب 19 (باب مواعظ الحسن «ع»)، الحديث 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 402

39- و في سنن البيهقي بسنده، عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي «ص» فذكر ذلك له فأنزلت: «وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ، ذٰلِكَ ذِكْرىٰ لِلذّٰاكِرِينَ.» «1» قال الرجل: يا

رسول اللّه، ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمّتي.» رواه البخاري في الصحيح عن مسدّد، و أخرجه مسلم عن أبي كامل و غيره «2».

40- و فيه أيضا بسنده، عن عبد اللّه، قال: جاء رجل إلى النبي «ص» فقال:

يا رسول اللّه، إنّي عالجت امرأة في أقصى المدينة، و إني أصبت منها ما دون أن أمسّها. فأنا هذا، فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك اللّه لو سترت نفسك. قال: و لم يردّ عليه النبي «ص» شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي «ص» رجلا دعاه، فتلا عليه هذه الآية: «أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ، ذٰلِكَ ذِكْرىٰ لِلذّٰاكِرِينَ.» فقال رجل من القوم: يا نبي اللّه، هذا له خاصّة؟ قال: بل للناس كافة. رواه مسلم في الصحيح «3».

أقول: و يستفاد من هذين الحديثين رجحان العفو بالنسبة إلى من كان متدينا ملازما للصلوات، و لعلّ المراد بذوي الهيئات في الحديث السابق أيضا أهل الدين و الفضائل و السوابق الحسنة، لا أهل الملابس و الأموال و الميزات الكاذبة. و يشهد لذلك خبر سيف بن عميرة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أجيزوا (أقيلوا خ. ل) لأهل المعروف عثراتهم.» «4»

و من موارد العفو بالسوابق الحسنة قصة حاطب بن أبي بلتعة، الذي أرسل كتابا إلى قريش يخبرهم بما أجمع عليه رسول اللّه من الوقوع عليهم بغتة، فعفا

______________________________

(1)- سورة هود (11)، الآية 114.

(2)- سنن البيهقي 8/ 241، كتاب الحدود، باب من أصاب ذنبا دون الحدّ ثمّ تاب ...

(3)- سنن البيهقي 8/ 241، كتاب الحدود، باب من أصاب ذنبا دون الحدّ ثمّ تاب ...

(4)- الوسائل 11/ 535، الباب 6 من أبواب فعل المعروف، الحديث

3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 403

عنه «ص» بسابقة كونه بدريا، فقال: «قد شهد بدرا و ما يدريك لعلّ اللّه اطلع على أهل بدر.» «1» هذا.

و بالجملة، فيصح العفو بل يستحسن فيما إذا كان التعزير لحقّ اللّه- تعالى-، و كان الشخص صالحا للعفو و الإغماض. و أمّا إذا كان لحق آدمي فهل يجوز عفو الحاكم بدون إذن من له الحق أم لا؟ وجهان بل قولان. و إن استظهرنا نحن عدم العفو فيها ما لم يتجاوز صاحب الحق، اللهم إلّا في المعارك العامّة:

قال الماوردي في الأحكام السلطانية في وجوه الفرق بين الحد و التعزير:

«الوجه الثاني أن الحد و إن لم يجز العفو عنه و لا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه و تسوغ الشفاعة فيه. فإن تفرد التعزير بحق السلطنة و حكم التقويم، و لم يتعلق به حق الآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح في العفو أو التعزير، و جاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن المذنب. روي عن النبي «ص» أنه قال: «اشفعوا إليّ و يقضي اللّه على لسان نبيه ما يشاء.»

و لو تعلق بالتعزير حقّ لآدمي كالتعزير في الشتم و المواثبة، ففيه حقّ للمشتوم و المضروب و حق السلطنة للتقويم و التهذيب. فلا يجوز لوالي الأمر أن يسقط بعفوه حقّ المشتوم و المضروب، و عليه أن يستوفي له حقه من تعزير الشاتم و الضارب، فإن عفا المضروب و المشتوم كان وليّ الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل الأصلح من التعزير تقويما و الصفح عنه عفوا.

فان تعافوا عن الشتم و الضرب قبل الترافع اليه سقط التعزير الآدمي، و اختلف في سقوط حق السلطنة عنه و

التقويم على الوجهين ...» «2»

و في الباب الخمسين من معالم القربة:

«و إن رأى الإمام أو نائبه ترك التعزير جاز. هذا نقل الشيخ أبي حامد. من غير فرق بين أن يتعلّق به حقّ آدمي أو لا يتعلّق، لقوله «ص»: «أقيلوا ذوي الهيئات

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 45، كتاب الجهاد، باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما.

(2)- الأحكام السلطانية/ 237.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 404

عثراتهم إلّا في الحدود.» و أدنى درجات الأمر الإباحة، لأنه ضرب غير محدود فلم يكن واجبا كضرب الزوجة.

و قال في المهذّب: ليس له تركه إذا تعلّق به حق الآدمي. و قال الغزالي: إذا تعلّق به حقّ الآدمي فليس له الإهمال مع الطلب، لكن هل يجوز الاقتصار على التوبيخ باللسان؟ فيه وجهان. و على المتولي أن يستوفي له حقه من تعزير الشاتم و الضارب؛ فإن عفا المشتوم أو المضروب كان وليّ الأمر بعد عفوهما على خياره في فعل المصلحة و تعزيره تقويما، لأن التقويم من حقوق المصالح العامة، أو الصفح عنه عفوا. فإن تعافوا عن الشتم و الضرب قبل الترافع اليه سقط من التعزير حق الآدمي.» «1»

أقول: و مما يدلّ على جواز العفو أيضا استقرار سيرة النبي «ص» و الأئمة «ع» على العفو و الإغماض في كثير من موارد التخلف الموجبة للتعزير، كما يظهر ذلك لمن تتبع التاريخ.

فإن قلت: إذا كان للإمام و نائبه العفو في التعزيرات مطلقا أو فيما كان لحق اللّه- تعالى- فما هو المحمل للروايات و الفتاوى الظاهرة في الوجوب، و لا سيّما ما عبّر فيها بلفظ الوجوب؟

قلت: يتعين لا محالة حمل الوجوب على مفهومه اللغوي، أعني الثبوت، أو يراد به الوجوب بحسب طبع

الفعل مع قطع النظر عن كون المحل محلا للإغماض و العفو.

و يسمى وجوبا اقتضائيا. كما قد يشعر بذلك لفظ العفو أيضا، أو يراد به موارد كون الحق للآدمي إذا لم يرض بعفوه، فتدبّر.

الخامس- لا تضرب الحدود في شدّة الحرّ أو البرد:

1- ما رواه الكليني بسنده، عن هشام بن أحمر، عن العبد الصالح «ع»، قال:

______________________________

(1)- معالم القربة/ 192، (ط. مصر/ 286).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 405

كان جالسا في المسجد و أنا معه، فسمع صوت رجل يضرب صلاة الغداة في يوم شديد البرد، فقال: ما هذا؟ قالوا: رجل يضرب. فقال: «سبحان اللّه، في هذه الساعة؟

إنّه لا يضرب أحد في شي ء من الحدود في الشتاء إلّا في أحرّ ساعة من النهار، و لا في الصيف إلّا في أبرد ما يكون من النهار.» «1»

2- ما رواه بسنده، عن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، قال: مررت مع أبي عبد اللّه «ع» و اذا رجل يضرب بالسياط. فقال أبو عبد اللّه «ع»: «سبحان اللّه، في مثل هذا الوقت يضرب؟» قلت له: و للضرب حدّ؟ قال: نعم، إذا كان في البرد ضرب في حرّ النهار، و إذا كان في الحرّ ضرب في برد النهار.» و رواهما الشيخ أيضا «2».

3- ما رواه بسنده، عن سعدان بن مسلم، عن بعض أصحابنا، قال: خرج أبو الحسن «ع» في بعض حوائجه فمرّ برجل يحدّ في الشتاء، فقال: «سبحان اللّه، ما ينبغي هذا.» فقلت: و لهذا حدّ؟ قال: نعم، ينبغي لمن يحدّ في الشتاء أن يحدّ في حرّ النهار، و لمن حدّ في الصيف أن يحدّ في برد النهار.» «3»

أقول: إطلاق الروايات يشمل جميع الحدود حتى حدّ الزنا الذي يطلب فيه الشدّة. و ظاهر الروايتين الأوليين الحرمة،

و ربما تحملان على الكراهة بقرينة لفظ «ينبغي» في الأخيرة. و لكن نقول إن اللفظ بحسب اللغة لا ينافي الحرمة. نظير لفظ الكراهة في اللغة و إن صارا في اصطلاحنا ظاهرين في الكراهة الاصطلاحية. هذا مضافا إلى احتمال اتحاد الواقعة في الأولى و الأخيرة، فتكون إحداهما أو كلاهما نقلا بالمعنى، فتدبّر.

قال في الجواهر:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 405

«ثمّ إنّ ظاهر النص و الفتوى كما اعترف به في المسالك كون الحكم على الوجوب

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 315، الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 315، الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 316، الباب 7 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 406

دون الندب. و حينئذ فلو أقامه على غير الوجه المزبور ضمن.» «1» هذا.

و الظاهر استفادة حكم الضرب التعزيري أيضا من هذه الروايات بالمناط و الأولوية، كما لا يخفى.

السادس- لا تجري الحدود على من به قروح أو يكون مريضا حتى تبرأ، أو يرفق به في الضرب:

1- روى الكليني بسنده، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أتي أمير المؤمنين «ع» برجل أصاب حدّا و به قروح في جسده كثيرة، فقال أمير المؤمنين «ع»: أقرّوه حتى تبرأ. لا تنكئوها «2» عليه فتقتلوه.» و رواه الصدوق أيضا «3».

2- و روى بسنده، عن أبي العباس، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أتي رسول اللّه «ص» برجل دميم قصير قد سقى بطنه و قد درّت عروق بطنه قد فجر بامرأة، فقالت المرأة:

ما علمت به إلّا و قد دخل عليّ. فقال له

رسول اللّه «ص»: أ زنيت؟ فقال له: نعم- و لم يكن أحصن- فصعد رسول اللّه «ص» بصره و خفضه، ثم دعا بعذق فقدّه مأئة، ثم ضربه بشماريخه.» «4»

3- و في موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السلام-، عن النبي «ص» «أنه أتي برجل كبير البطن قد أصاب محرما، فدعا رسول اللّه «ص» بعرجون فيه مأئة شمراخ، فضربه مرّة واحدة، فكان الحدّ.» «5»

4- و روى الصدوق بإسناده، عن موسى بن بكر، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر «ع»: «لو أنّ رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه قضبان فضربه ضربة واحدة

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 344.

(2)- نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ.

(3)- الوسائل 18/ 321، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 4.

(4)- الوسائل 18/ 322، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 5.

(5)- الوسائل 18/ 322، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 407

أجزأه عن عدّة ما يريد أن يجلد من عدة القضبان.» «1»

و في هذا الباب روايات أخر أيضا تقرب مضامينها مما ذكر، فراجع.

أقول: حمل الأصحاب روايات الشماريخ على المريض الذي لا يرجى شفاؤه أو اقتضت المصلحة التعجيل في حدّه.

قال الشيخ في النهاية:

«و من وجب عليه الجلد و كان عليلا، ترك حتى يبرأ ثم يقام عليه الحدّ. فإن اقتضت المصلحة تقديم الحدّ عليه أخذ عرجون فيه مأئة شمراخ أو ما ينوب منابه و يضرب به ضربة واحدة، و قد أجزأه.» «2»

و في الشرائع:

«و إن اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بالضّغث المشتمل على العدد، و لا يشترط وصول كلّ شمراخ إلى جسده.» «3» هذا.

و ظاهر الرواية الأخيرة التي رواها

الصدوق كفاية هذه الكيفية مطلقا و لو في حال الصحة و الاختيار. و لكن لا أظنّ أن أحدا يلتزم بذلك. فتحمل لا محالة على المريض، بقرينة ما سبق.

و لا يخفى أن المتفاهم من أخبار هذا الفرع و الفرع السابق أن الشارع المقدّس لا يرضى بإيذاء المجرم و إيلامه بأكثر مما يقتضيه طبع الجلد في الحالة العادية، فتدبّر.

و يستفاد حكم الضرب التعزيري أيضا من هذه الأخبار بتنقيح المناط و الأولوية.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 323، الباب 13 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 8.

(2)- النهاية/ 701.

(3)- الشرائع 4/ 156.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 408

السابع- كيفيّة إجراء الحدود و التعزيرات:
[الروايات]

1- فعن الكافي بسند موثوق به، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «يضرب الرجل الحدّ قائما، و المرأة قاعدة. و يضرب على كل عضو، و يترك الرأس و المذاكير.» و رواه الصدوق أيضا إلّا أنّه قال: «و يترك الوجه و المذاكير.» «1»

2- موثق إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا إبراهيم «ع» عن الزاني كيف يجلد؟ قال: «أشدّ الجلد.» قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: «بل تخلع ثيابه.» قلت:

فالمفتري؟ قال: «يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه.» «2»

3- موثقة الآخر، قال: سألت أبا إبراهيم «ع»: عن الزاني كيف يجلد؟ قال:

أشدّ الجلد. فقلت: من فوق الثياب؟ فقال: «بل يجرّد.» «3»

أقول: المقصود غير ما يستر العورة، و المرأة كلّها عورة. و وجهه واضح.

4- موثق سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود.» «4»

5- خبر حريز، عمن أخبره، عن أبي جعفر «ع» أنّه قال: «يفرّق الحدّ على الجسد كله، و يتقى الفرج و الوجه. و يضرب بين الضربين.» قال في الوسائل: «لعلّه مخصوص بغير الزنا.» «5»

6- خبر

مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 369، الباب 11 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 369، الباب 11 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 369، الباب 11 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 3.

(4)- الوسائل 18/ 370، الباب 11 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 4.

(5)- الوسائل 18/ 370، الباب 11 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 409

رسول اللّه «ص»: «الزاني أشدّ ضربا من شارب الخمر، و شارب الخمر أشدّ ضربا من القاذف.

و القاذف أشدّ ضربا من التعزير.» «1»

7- و خبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: «حدّ الزاني أشدّ من حدّ القاذف، و حدّ الشارب أشدّ من حدّ القاذف.» «2»

8- و عن الصدوق في العيون و العلل بأسانيده، عن محمد بن سنان، عن الرضا «ع» فيما كتب إليه: «و علّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا و استلذاذ الجسد كله به، فجعل الضرب عقوبة له، و عبرة لغيره. و هو أعظم الجنايات.» «3»

9- و روى الشيخ، عن طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه «ع»، قال: «لا يجرّد في حدّ و لا يشنّج.»- يعني: يمدّ- و قال: «و يضرب الزاني على الحال التي يوجد عليها: إن وجد عريانا ضرب عريانا، و إن وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه.» «4»

و السند إلى طلحة صحيح. و طلحة بن زيد و إن قالوا أنّه بترىّ، و لكن قال الشيخ «إنّ كتابه معتمد» «5» و الاصحاب يأخذون برواياته.

10- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنه قال في قول اللّه

«وَ لٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ» «6» قال: إقامة الحدود. إن وجد الزاني عريانا ضرب عريانا، و إن وجد و عليه ثياب ضرب و عليه ثيابه. و يجلد أشدّ الجلد. و يضرب الرجل قائما، و المرأة قاعدة. و يضرب كلّ عضو منه و منها ما خلا الوجه و الفرج و المذاكير كأشدّ ما يكون من الضرب.» «7» و رواه عنه في المستدرك «8».

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 449، الباب 15 من أبواب حدّ القذف، الحديث 5.

(2)- الوسائل 18/ 370، الباب 11 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 9.

(3)- الوسائل 18/ 370، الباب 11 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 8.

(4)- الوسائل 18/ 370، الباب 11 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

(5)- الفهرست للشيخ/ 86 (ط. اخرى/ 112).

(6)- سورة النور (24)، الآية 2.

(7)- دعائم الإسلام 2/ 451، كتاب الحدود، الفصل 2، الحديث 1580.

(8)- مستدرك الوسائل 3/ 223، الباب 9 من أبواب حدود الزنا، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 410

أقول: قال في الشرائع:

«و يجلد الزاني مجرّدا. و قيل: على الحال التي وجد عليها.» «1»

و يمكن أن يؤيد القول الأول بأن مفهوم الجلد هو ضرب الجلد. نظير قولهم:

ظهره و بطنه و رأسه، أي ضرب ظهره و بطنه و رأسه. فهي أفعال مأخوذة من الأسماء.

و لكن الأحوط هو القول الثاني، إذ الحدود و كذا خصوصياتها تدرأ بالشبهات.

و إطلاق قوله: «و تخلع ثيابه»، أو «يجرّد» في موثقة اسحاق بن عمار يحمل على التفصيل في خبر طلحة حمل كلّ مطلق على المفصّل و المقيّد. و لعل الأغلب في الزاني أن يوجد مجردا، فيحمل الإطلاق على الغالب، فتدبّر. هذا.

11- و في سنن أبي داود بسنده، عن أبي

هريرة، عن النبي «ص»، قال: «إذا ضرب أحدكم فليتّق الوجه.» «2»

12- و في سنن البيهقي بسنده، عن هنيدة بن خالد أنه شهد عليا «ع» أقام على رجل حدّا فقال للجالد: «اضرب و أعط كلّ عضو حقه، و اتق وجهه و مذاكيره.» «3»

و روى نحوه عبد الرزاق في المصنف، عن عكرمة بن خالد «4».

13- و في سنن البيهقي أيضا بسنده، عن عليّ «ع» أنه أتي برجل في خمر فقال:

«دع له يديه يتقي بهما.» «5»

و روى نحوه عبد الرزاق في المصنف أيضا «6».

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 157.

(2)- سنن أبي داود 2/ 476، كتاب الحدود، باب في ضرب الوجه في الحدّ.

(3)- سنن البيهقي 8/ 327، كتاب الأشربة و الحد فيها، باب ما جاء في صفة السوط و الضرب.

(4)- المصنف 7/ 370، باب ضرب الحدود ...، الحديث 13517.

(5)- سنن البيهقي 8/ 326، كتاب الأشربة و الحدّ فيها، باب ما جاء في صفة السوط و الضرب.

(6)- المصنف 7/ 370، باب ضرب الحدود ...، الحديث 13518.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 411

14- و في المصنف لعبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير: أنّ رجلا جاء إلى النبي «ص» فقال: يا رسول اللّه، إني أصبت حدّا فأقمه عليّ، فدعا رسول اللّه «ص» بسوط جديد عليه ثمرته. فقال: لا، سوط دون هذا. فأتي بسوط مكسور العجز (الفجر). فقال: لا، سوط فوق هذا. فاتي بسوط بين السوطين. فأمر به فجلد، ثمّ صعد المنبر و الغضب يعرف في وجهه فقال: «أيها الناس، إنّ اللّه- تعالى- حرّم عليكم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن. فمن أصاب منها شيئا فليستتر بستر اللّه. فإنّه من يرفع إلينا من ذلك شيئا نقمه.»

«1»

و روى نحو ذلك البيهقي في السنن بسنده، عن زيد بن أسلم، فراجع «2».

أقول: ثمرة السوط: طرفه الذي في أسفله و يكون فيه عقدة.

[نقل كلام من معالم القربة في كيفية إجراء الحدود و التعزيرات]

و قد ناسب هنا نقل كلام من معالم القربة في كيفية إجراء الحدود و التعزيرات، ذكرها في أول الباب الخمسين من كتابه، قال:

«فمن ذلك السوط و الدّرّة: أمّا السّوط فيتخذ وسطا، لا بالغليظ الشديد و لا بالرقيق اللين، بل يكون من وسطين حتّى لا يؤلم الجسم، لما روى زيد بن أسلم أن رجلا اعترف عند النبيّ «ص» بالزنا فدعا له بالسوط. فأتى بسوط مكسور، فقال: فوق هذا. فأتى بسوط جديد، فقال: دون هذا. فأتى بسوط قد لان، فضرب به.

و أما الدّرّة فتكون من جلد البقر أو الجمل مخروزة. و تكون هذه الآلة معلقة على دكّة المحتسب ليشاهدها الناس فترعد منها قلوب المفسدين و ينزجر بها أهل التدليس. فإذا أتى له بمن زنى و هو بكر جلده مأئة جلدة في ملأ من الناس، كما قال اللّه- تعالى-: «وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.» ...

و يضرب الرجل في الحد و التعزير قائما. و لا يمدّ و لا يربط، لأنّ لكل عضو قسطا من الضرب. و يتوقى الوجه و الرأس و الفرج و الخاصرة و سائر المواضع المخوفة، لما روي أنّ عليّا «ع» قال للجلّاد: اضربه و أعط كلّ عضو حقّه، و اتق وجهه و مذاكيره.

______________________________

(1)- المصنف 7/ 369، باب ضرب الحدود ...، الحديث 13515.

(2)- سنن البيهقي 8/ 326، كتاب الأشربة و الحدّ فيها، باب ما جاء في صفة السوط و الضرب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 412

و اعلم أنّ أكثر أصحاب الشافعي قالوا: لا يتقى الرأس، لأن أبا

بكر قال للجلاد:

اضرب الرأس، فإن الشيطان في الرأس، و لأنه يكون مغطّى في العادة فلا يخاف إفساده. و الخاصرة كالرأس.

و قال أبو حنيفة: يلزمه اتّقاؤه. و هو أشبه، لأن الضرب عليه أخوف.

و لا يجرّد بل يكون عليه قميص. فإن كان عليه جبّة محشوّة أو فروة جرّد منها، لأنها تقيه الضرب. و لا يتولى الضرب غير الرجال، لأنهم أبصر به. و لا يبلغ بالضرب ما يجرح و ينهر الدم.

و أمّا المرأة فتضرب جالسة في إزارها، لأنها عورة؛ فإذا كانت قائمة ربما تكشفت. و تشدّ عليها ثيابها لتستر بها. قال الشافعي: و يلي ذلك منها امرأة، يعني شدّ الثياب عليها ...

و أمّا صفات الضرب في التعزير فيجوز أن يكون بالعصا و بالسوط الذي كسرت ثمرته، لا يجوز أن يبلغ بتعزيره كما تقدم إنهار الدم.

و ضرب الحدّ يجوز أن يفرّق في البدن كله بعد توقّي مواضع المقاتل، ليأخذ كل عضو نصيبه من الحدّ. و لا يجوز أن يجمع في موضع واحد من الجسد.

و اختلف في ضرب التعزير، فأجراه جمهور أصحاب الشافعي مجرى ضرب الحدّ في التفريق. و جوّز عبد اللّه الزبيري جمعه في موضع واحد من الجسد.

و يجوز في مكان التعزير أن يجرّد من ثيابه إلّا قدر ما يستر عورته. و يشهّر في الناس و ينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه و لم يقلع عنه. و يجوز أن يحلق شعر رأسه و لا تحلق لحيته. و اختلف في جواز تسويد وجهه، فجوّزه الأكثرون. أمّا ركوبه الدابّة مستدبرا فنقل الخلف عن السلف و الحكام أنهم يفعلونه. و يجوز أن يصلب في التعزير حيّا. و لا يمنع من طعام أو شراب. و لا يمنع من الوضوء للصلاة و يصلي مؤميا

و يعيد إذا أرسل و لا يجاوز بصلبه ثلاثة أيّام.» «1» هذا.

و قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

______________________________

(1)- معالم القربة/ 184- 185 و 193- 194 (ط. مصر/ 277- 278 و 287).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 413

«و أمّا صفة الضرب في التعزير فيجوز أن يكون بالعصا و بالسوط الذي كسرت ثمرته، كالحدّ. و اختلف في جوازه بسوط لم تكسر ثمرته، فذهب الزبيري إلى جوازه، و إن زاد في الصفة على ضرب الحدود و أنّه يجوز أن يبلغ به إنهار الدم.

و ذهب جمهور أصحاب الشافعي إلى حظره بسوط لم تكسر ثمرته، لأن الضرب في الحدود أبلغ و أغلظ، و هو كذلك محظور، فكان في التعزير أولى أن يكون محظورا، و لا يجوز أن يبلغ بتعزير إنهار الدم.

و ضرب الحدّ يجب أن يفرّق في البدن كلّه بعد توقّي المواضع القاتلة، ليأخذ كلّ عضو نصيبه من الحدّ و لا يجوز أن يجمع في موضع واحد من الجسد.

و اختلف في ضرب التعزير، فأجراه جمهور أصحاب الشافعي مجرى الضرب في الحدّ في تفريقه و حظر جمعه. و خالفهم الزبيري، فجوّز جمعه في موضع واحد من الجسد، لأنه لمّا جاز إسقاطه عن جميع الجسد جاز إسقاطه عن بعضه بخلاف الحدّ.

و يجوز أن يصلب في التعزير حيّا. قد صلب رسول اللّه «ص» رجلا على جبل يقال له أبو ناب. و لا يمنع إذا صلب أداء طعام و لا شراب. و لا يمنع من الوضوء للصلاة، و يصلّي مؤميا و يعيد إذا أرسل و لا يجاوز بصلبه ثلاثة أيّام. و يجوز في نكال التعزير أن يجرّد من ثيابه إلّا قدر ما يستر عورته. و يشهر في الناس و ينادى

عليه بذنبه إذا تكرّر منه و لم يتب. و يجوز أن يحلق شعره و لا يجوز أن تحلق لحيته. و اختلف في جواز تسويد وجوههم، فجوّزه الأكثرون و منع منه الأقلّون.» «1»

أقول: و لا يخفى أن إقامة الدليل على بعض ما ذكروه في المقام مشكل، و أكثرها أمور استحسانية، و بعضها يخالف مضامين الأخبار التي مضت. و الاحتياط حسن على كل حال، و طريق الاحتياط واضح.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 238- 239.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 414

الجهة الحادية عشرة: عود الى البدء: [في تكميل بحث التعزيرات]

قد مرّ في أوّل بحث التعزيرات عن المبسوط:

«أنّ كل من أتى معصية لا يجب بها الحد فإنّه يعزّر.» «1»

و عن الشرائع و القواعد:

«أنّ كل من فعل محرّما أو ترك واجبا فللإمام تعزيره بما لا يبلغ الحدّ.» «2»

و هذه الكلية مما أفتى به فقهاء الفريقين من الشيعة و السنة، ثم تعرّض كل منهم لمصاديق لها من باب المثال.

و ممن تعرّض لها و ذكر لها مصاديق كثيرة أبو الصلاح الحلبي، من أعاظم فقهاء الشيعة الإمامية، المتوفى في 447 من الهجرة النبوية، فلنذكر كلامه في المقام تكميلا لبحث التعزيرات الشرعية:

قال في كتابه المسمى بالكافي:

«التعزير تأديب تعبّد اللّه- سبحانه- به لردع المعزّر و غيره من المكلفين. و هو مستحق للإخلال بكل واجب و إيثار كل قبيح لم يرد الشرع بتوظيف الحدّ عليه.

و حكمه يلزم بإقرار مرّتين أو شهادة عدلين.

فمن ذلك أن يخلّ ببعض الواجبات العقلية كردّ الوديعة و قضاء الدين، أو الفرائض الشرعية كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج إلى غير ذلك من الواجبات و الفرائض المبتدئة و المسببة و المشترطة. فيلزم سلطان الإسلام تأديبه بما يردعه و غيره عن

______________________________

(1)- المبسوط 8/ 69.

(2)- الشرائع 4/ 168؛

و القواعد 2/ 262.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 415

الإخلال بالواجب و يحمله و سواه على فعله.

و من ذلك أن يفعل بعض القبائح. و هي على ضروب: منها وجود الرجل و المرأة لا عصمة بينهما في إزار واحد أو بيت واحد، إلى غير ذلك من ضمّ أو تقبيل فما فوقهما، فيعزّرا بحسب ما يراه وليّ التأديب من عشرة أسواط إلى تسعة و تسعين سوطا.

و كذلك حكم الرجلين في شعار واحد مجردين، و المرأتين كذلك، و الرجل و الغلام في بيت واحد و في شعار واحد مع الريبة على كل حال، إلى غير ذلك مع (من. ظ) ضمّ و تقبيل يوجب التعزير.

و يعزّر الصبي المتلوّط به، و الناقص العقل، و الصبيان المتلاوطان، و الصغيرتان المتفاعلتان، و الصبي العابث بالمرأة، و الصغير و الصبيّة، و المئوفة المفعول بها، و الأمة إذا ادعت إكراه السيدة لها على السحق، و العبد المفعول به إذا ادّعى إكراه السيد له على التلوّط به، و يعزّر مالك الأمة إذا أكرهها على البغاء و تحدّ هي (و لا تحدّ هي. ظ).

و يعزّر من أقرّ على نفسه بزنا أو لواط أو سحق أقلّ من أربع مرّات مع الإقامة عليه. و يعزّر من أقر مرّتين أو شهد عليه شاهدان بوطء دون الفرج.

و يعزّر واطئ الأمة المشتركة بالابتياع أو الغنيمة، و الأمة المكاتبة إذا تحرّر بعضها.

و كذلك حكم من عقد نكاح شبهة و وطئ معه. و يعزّر من افتضّ بكرا بإصبعه و يغرم مهر مثلها.

و يعزّر من استمنى بكفّه أو أتى بهيمة أو جامع بعض حلائله بعد الموت أو بعض المحرمات بعد الحدّ.

و يعزّر من عرّض بغيره بما يفيد القذف بالزنا

أو اللواط، كقوله يا ولد خبث، أو حملت أمّك بك في حيضها، أو أتيت بهيمة أو استمنيت أو سرقت أو قدت أو شربت خمرا، أو أكلت محرما أو كذبت، و للمرأة يا ساحقة، أو نبزه بما يقتضي النقص كقوله: يا سفلة، أو يا ساقط أو يا سفيه أو يا أحمق أو فاسق أو مجرم أو كافر أو تارك الصلاة أو الصوم، و هو غير مشهور بما يقتضي ذلك. فإن كان مشهورا به

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 416

لم يعزّر من قرنه بفعله أو وصفه بما يقتضيه. كالمجاهرين بشرب الخمر أو الفقاع أو بيعهما أو ضرب العود و غيره من الملاهي، أو ترك الصلاة و الإفطار في الصوم.

لا تأديب على من قال لمن هذه حاله: يا فاسق أو ساقط أو مجرم أو عاص. كما لا حدّ على من قال لمعترف بالزنا: يا زان، و باللواط: يا لائط.

و إذا تقاذف العاقلان عزّرا جميعا. و إذا قذف الحرّ المسلم أو المسلمة الحرّة عبدا أو أمة أو ذمّيّا أو ذمّيّة أو صبية أو مجنونا أو مجنونا أو مجنونة، عزّر. و يعزّر العبيد و الإماء و أهل الذمّة إذا تقاذفوا.

و إذا قذف المسلم أو الكافر غيره بما هو مشهور به و معترف بفعله من كفر أو فسق فلا شي ء عليه، بل المسلم عابد بذلك.

و إذا عيّر المسلم ببعض الآفات كالعمى و العرج و الجنون و الجذام و البرص عزّر.

و إن عيّره بذلك كافر أنهك عقوبة. و إن كان المعيّر كافرا من مسلم فلا شي ء عليه. و حكم تعريض الواحد بالجماعة بما يوجب التعزير بلفظ واحد أو لكل منهم بتعريض يخصه ما قدمناه في القذف.

و اذا قذف المرء ولده أو عبده أو أمته عزّر.

و يعزّر من سرق ما لا يوجب القطع لاختلال بعض الشروط: كسرقة العبد من سيّده، و الوالد من ولده، و من تجب نفقته ممن تجب عليه، و الشريك من شريكه، و المتأوّل، و ما نقص عن ربع دينار، و ما بلغه فما فوقه من غير حرز مأذون فيه (من غير حرز أو من حرز مأذون فيه. ظ) أو منه و لمّا يخرجه عنه أو من مال مشترك كالمغنم، أو اختلس أو مكر، أو بنّج غيره، أو طفّف عليه. و يرجع عليه بما أخذه.

و يعزّر من أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو تعلّم أو علم أو نظر أو سعى أو بطش أو أصغى أو آجر أو استأجر أو أمر أو نهى على وجه قبيح.

فإن كان من أتى ما يوجب التعزير عاقلا (عاملا. ظ) في يوم أو ليلة معظمين كيوم الجمعة و العيد و زمان الصوم أو ليلته، أو مكان معظم كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول «ص» أو مسجد الكوفة أو بعض مشاهد الأئمة «ع» أو مسجد الجامع أو المحلّة غلظت عليه العقوبة. و ان كان ذلك مما يوجب الحدّ أضيف إليه لحرمة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 417

الزمان أو المكان تعزير مغلظ.

فإن رجع من وجب عليه التأديب بإقراره عنه أو تاب قبل رفعه إلى السلطان و كان من حقوق اللّه سقط عنه فرض إقامته، و إن كان من حقوق الآدميين لم تؤثر التوبة و لا الرجوع عن الإقرار في إسقاطه، و كان ذلك إلى وليّ الاستيفاء و العفو.

و التعزير لما يناسب القذف من التعريض و النبز و التلقّب من

ثلاثة أسواط إلى تسعة و سبعين سوطا، و لما عدا ذلك من ثلاثة إلى تسعة و تسعين سوطا. و حكمه يلزم القاصد العالم أو المتمكن من العلم دون الساهي بفعله، و الطفل الذي لا يصح منه القصد، و المجنون المطبق.

و إذا عاود المعزّر إلى ما يوجبه عزّر ثانية و ثالثة و رابعة و استتيب، فإن أصرّ و عاود بعد التوبة قتل صبرا.» «1»

انتهى كلام الكافي، و قد ذكرناه بطوله لجامعيته في الجملة، فلاحظ.

الجهة الثانية عشرة: في الفروق التي ذكرها بعض المصنفين بين أحكام الحد و التعزير:
قال المحقق في أول الحدود من الشرائع:

«كلّ ماله عقوبة مقدرة يسمى حدّا، و ما ليس كذلك يسمى تعزيرا.» «2»

و ربما يعترض على الأوّل بعدم الطرد، و على الثاني بعدم العكس. إذ كل من القصاص و الديات عقوبة مقدرة و ليسا بحدّ. و كذلك الكفارات، و عقوبة وطي الصائمة و الحائض و نحوها مقدرة و مع ذلك تسمى تعزيرا.

______________________________

(1)- الكافي لأبي الصلاح/ 416- 420.

(2)- الشرائع 4/ 147.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 418

و ربما يجاب عن الأوّل بالتقييد بكونه حق اللّه ليخرج القصاص و الديات، و عن الثاني بالتقييد بقولهم: «غالبا» كما في بعض الكلمات ليشمل التعزيرات المقدرة أيضا.

و لكن يرد على الأوّل- مضافا إلى بقاء إشكال الكفارات- النقض بحدّ القذف فانه حدّ بلا إشكال مع كونه من حقوق الناس، و على الثاني بتداخل حدّ الحدّ و التعزير حينئذ. هذا.

و قال الشهيد الأوّل في كتابه المسمى بالقواعد و الفوائد:

«فائدة: يفرق بين الحد و التعزير من وجوه عشرة:

الأوّل: عدم التقدير في طرف القلّة لكنه مقدر في طرف الكثرة بما لا يبلغ الحدّ.

و جوّزه كثير من العامة، لأنّ عمر جلد رجلا زوّر كتابا عليه و نقش خاتما مثل خاتمه، فشفع فيه قوم فقال: أذكرني الطعن و كنت ناسيا، فجلده مأئة أخرى، ثم جلده بعد ذلك مأئة أخرى.

الثاني: استواء الحرّ و العبد فيه.

الثالث: كونه على وفق الجنايات في العظم و الصغر بخلاف الحدّ، فإنه يكفي فيه مسمى الفعل. فلا فرق في القطع بين سرقة ربع دينار و قنطار، و شارب قطرة من الخمر و شارب جرّة مع عظم اختلاف مفاسدها.

الرابع: أنه تابع للمفسدة و إن لم يكن معصية كتأديب الصبيان و البهائم و المجانين استصلاحا لهم. و بعض الأصحاب يطلق على هذا التأديب. أمّا الحنفي فيحدّ بشرب النبيذ

و إن لم يسكر، لأن تقليده لإمامه فاسد، لمنافاته النصوص عندنا مثل:

«ما أسكر كثيرة فقليله حرام» «1»، و القياس الجلي عندهم، و تردّ شهادته، لفسقه.

الخامس: إذا كانت معصية حقيرة لا تستحق من التعزير إلّا الحقير و كان لا أثر له البتة فقد قيل: لا يعزّر، لعدم الفائدة بالقليل و عدم إباحة الكثير.

السادس: سقوطه بالتوبة، و في بعض الحدود الخلاف. و الظاهر أنّه إنّما يسقط

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 222، الباب 1 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 419

بالتوبة قبل قيام البينة.

السابع: دخول التخيير فيه بحسب أنواع التعزير، و لا تخيير في الحدود إلّا في المحاربة.

الثامن: اختلافه بحسب الفاعل و المفعول و الجناية، و الحدود لا تختلف بحسبها.

التاسع: لو اختلفت الإهانات في البلدان روعي في كل بلد عادته.

العاشر: أنّه يتنوع إلى كونه على حق اللّه- تعالى- كالكذب، و على حق العبد محضا كالشتم، و على حقّهما كالجناية على صلحاء الموتى بالشتم. و لا يمكن أن يكون الحدّ تارة لحقّ اللّه و تارة لحقّ الآدمي، بل الكل حق اللّه- تعالى- إلّا القذف على خلاف.» «1»

و قال الفاضل السيوري:

«عندي في الأخير نظر. إذ كونه على حق العبد محضا ممنوع، لأنه- تعالى- أمر بتعظيم المؤمن و حرّم إهانته. فإذا فعل خلاف ذلك استحق التعزير.» «2»

أقول: فالشهيد أيضا مثل المحقق و العلامة و من حذا حذوهما لم يعتبر في التعزير إلّا عدم بلوغه الحدّ، و لم يفت بأخبار العشر أو بضعة عشر. و لعله حملها على التأديب أو على الإرشاد إلى بعض المراتب أو كونها من باب المثال، كما مرّ. و ما ذكره بالنسبة إلى الحنفي لا يوافق القواعد و الأصول، كما لا

يخفى على أهله. هذا.

و قد يناقش في بعض ما ذكره، كما أنّه توجد فروق أخرى بينهما تقدم بعضها، فلاحظ.

و قد فرق الماوردي في الأحكام السلطانية في فصل التعزير بين الحد و التعزير

بثلاثة وجوه فقال:

«و يخالف الحدود من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تأديب ذوي الهيئة من أهل الصيانة أخفّ من تأديب أهل البذاء و السفاهة، لقول النبي «ص»: «أقيلوا ذوي الهيئات

______________________________

(1)- القواعد و الفوائد 2/ 142- 144؛ و نضد القواعد/ 472- 473.

(2)- نضد القواعد/ 473.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 420

عثراتهم.» فتدرج في الناس على منازلهم، و إن تساووا في الحدود المقدرة. فيكون تعزير من جلّ قدره بالإعراض عنه، و تعزير من دونه بالتعنيف له، و تعزير من دونه بزواجر الكلام و غاية الاستخفاف الذي لا قذف فيه و لا سبّ، ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الحبس الذي يحبسون فيه على حسب ذنبهم و بحسب هفواتهم؛ فمنهم من يحبس يوما، و منهم من يحبس أكثر منه إلى غاية مقدرة. و قال أبو عبد اللّه الزبيري من أصحاب الشافعي: تقدر غايته بأشهر (في معالم القربة: غايته شهرا) للاستبراء و الكشف، و بستة أشهر للتأديب و التقويم. ثم يعدل بمن دون ذلك إلى النفي و الإبعاد إذا تعدّت ذنوبه إلى اجتذاب غيره إليها و استضراره بها ... ثم يعدل بمن دون ذلك إلى الضرب ينزلون فيه على حسب الهفوة في مقدار الضرب و بحسب الرتبة في الامتهان و الصيانة ...

و الوجه الثاني: أن الحدّ و إن لم يجز العفو عنه و لا الشفاعة فيه فيجوز في التعزير العفو عنه و تسوغ الشفاعة فيه. فإن تفرد التعزير بحق السلطنة و حكم التقويم و لم يتعلق به حقّ لآدمي جاز لولي الأمر أن يراعي الأصلح

في العفو أو التعزير، و جاز أن يشفع فيه من سأل العفو عن الذنب. روي عن النبيّ «ص» أنه قال: «اشفعوا إليّ، و يقضي اللّه على لسان نبيّه ما يشاء.» و لو تعلق بالتعزير حق لآدميّ كالتعزير في الشتم و المواثبة ففيه حق المشتوم و المضروب، و حق السلطنة للتقويم و التهذيب ...

و الوجه الثالث: أنّ الحدّ و إن كان ما حدث عنه من التلف هدرا فإن التعزير يوجب ضمان ما حدث عنه من التلف ...» «1»

أقول: و ما ذكره من عدم جواز العفو في الحدود ينافي ما بيّناه في الجهة العاشرة من جواز عفو الإمام عنها إذا كان ثبوتها بالإقرار و تاب المجرم و ندم، فراجع. نعم، يصح ما ذكره من جواز عفوه للتعزيرات إذا رآه صلاحا و لم يوجب تجرأ المجرم، و قد مرّ تفصيله.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 236- 238.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 421

الفصل السابع في أحكام السجون و آدابها

اشارة

و فيه جهات من البحث:

الجهة الأولى: في بيان مفهوم السجن بحسب اللغة:

اعلم أنّه يعبر عن مفهوم السجن بألفاظ كثيرة، كالسجن، و الحبس، و الوقف، و الإيقاف، و الحصر، و الإثبات، و الإقرار، و الامساك و نحو ذلك، و لكن أعرفها و أشهرها الأوّلان. فلنذكر بعض كلمات أهل اللغة في مفادهما:

1- قال الراغب في المفردات:

«السّجن: الحبس في السجن. و قرئ: «ربّ السجن أحبّ إليّ.» بفتح السين و كسرها. قال: «لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّٰى حِينٍ.» «وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيٰانِ.» «1»

______________________________

(1)- المفردات/ 230، و الآيات من سورة يوسف (12)، رقمها 33 و 35 و 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 422

2- و قال:

«الحبس: المنع من الانبعاث. قال- عزّ و جلّ-: «تَحْبِسُونَهُمٰا مِنْ بَعْدِ الصَّلٰاةِ.»

و الحبس: مصنع الماء الذي يحبسه.» «1»

3- و في الصحاح:

«السجن: الحبس. و السجن بالفتح: المصدر. و قد سجنه يسجنه، أي حبسه.» «2»

4- و فيه أيضا:

«الحبس: ضدّ التخلية. و حبسته و احتبسته بمعنى. و احتبس أيضا بنفسه، يتعدى و لا يتعدى. و تحبّس على كذا، أي حبس نفسه على ذلك.» «3»

5- و في القاموس:

«سجنه: حبسه، و الهمّ: لم يبثّه. و السجن بالكسر: المحبس، و صاحبه سجّان، و السجين:

المسجون.»

6- و فيه أيضا:

«الحبس: المنع كالمحبس كمقعد. حبسه يحبسه.» «4»

7- و في لسان العرب:

«السّجن: الحبس. و السّجن بالفتح: المصدر. سجنه يسجنه سجنا، أي حبسه ...

و السجّان: صاحب السجن، و رجل سجين: مسجون. و كذلك الأنثى بغير هاء.» «5»

8- و فيه أيضا:

«حبسه يحبسه حبسا فهو محبوس و حبيس. و احتبسه و حبّسه: أمسكه عن وجهه.

و الحبس ضد التخلية. و احتبسه و احتبس بنفسه، يتعدى و لا يتعدى ... و الحبس و المحبسة و المحبس: اسم الموضع.» «6»

______________________________

(1)- المفردات/ 104، و الآية

من سورة المائدة (5)، رقمها 106.

(2)- صحاح اللغة 5/ 2133.

(3)- صحاح اللغة 3/ 915.

(4)- القاموس/ 824 و 345.

(5)- لسان العرب 13/ 203.

(6)- لسان العرب 6/ 44.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 423

فيظهر من جميع ذلك أن مفاد اللفظين هو تحديد الشخص و منعه من الانبعاث و الانطلاق و التصرفات الحرّة، فليس للمكان و خصوصياته و وجود الإمكانات و عدمها دخل فيه، و إنما المهم صيرورة الشخص ممتنعا مقيدا.

و في الخطط المقريزية:

«الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيّق، و إنّما هو تعويق الشخص و منعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد، أو كان بتولّى نفس الخصم أو وكيله عليه و ملازمته له. و لهذا سمّاه النبي «ص» أسيرا، كما روى أبو داود و ابن ماجة، عن الهرماس بن حبيب، عن أبيه، قال: أتيت النبي «ص» بغريم لي فقال لي: الزمه. ثمّ قال لي: يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك؟ و في رواية ابن ماجة: ثمّ مرّ رسول اللّه «ص» بي آخر النهار فقال: ما فعل أسيرك يا أخا بني تميم؟

و هذا كان هو الحبس على عهد النبي «ص» و أبي بكر الصديق و لم يكن له محبس معدّ لحبس الخصوم، و لكن لما انتشرت الرعية في زمن عمر بن الخطاب ابتاع من صفوان بن أميّة دارا بمكّة بأربعة آلاف درهم و جعلها سجنا يحبس فيها.

و لهذا تنازع العلماء هل يتخذ الإمام حبسا على قولين: فمن قال: لا يتخذ حبسا، احتجّ بأنّه لم يكن لرسول اللّه «ص» و لا لخليفته من بعده حبس و لكن يعوّقه بمكان من الأمكنة أو يقيم عليه حافظا و هو

الذي يسمّى الترسيم، أو يأمر غريمه غلامه بملازمته. و من قال: له أن يتخذ حبسا، احتجّ بفعل عمر بن الخطاب.

و مضت السنّة في عهد رسول اللّه «ص» و أبي بكر و عمر و عثمان و عليّ «رض» أنه لا يحبس على الديون و لكن يتلازم الخصمان. و أول من حبس على الدين شريح القاضي.

و أمّا الحبس الذي هو الآن فإنّه لا يجوز عند أحد من المسلمين. و ذلك أنّه يجمع الجمع الكثير في موضع يضيق عنهم، غير متمكنين من الوضوء و الصلاة، و قد يرى بعضهم عورة بعض، و يؤذيهم الحرّ في الصيف و البر في الشتاء، و ربما يحبس

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 424

أحدهم السنة و أكثر و لا جدة له و أن أصل حبسه على ضمان.» «1»

أقول: و قد حكى قريبا مما ذكر في التراتيب الإدارية «2» عن الماوردي في الأحكام السلطانية، و لكني لم اجده فيه. و ما ذكره كلام متين، لما عرفت من عدم دخل للمكان الخاص في صدق مفهوم الحبس و ما هو المقصود منه. و الحبس الرائج المتعارف في أعصارنا أكثر مصاديقه ظلم على الانسان و الإنسانية، و مخالف لموازين العقل و الشرع. هذا.

و في التراتيب الإدارية:

«و قال الإمام أبو عبد اللّه بن فرج مولى ابن الطلاع في كتاب الأقضية: اختلف أهل العلم هل سجن رسول اللّه «ص» و أبو بكر أحدا قطّ أم لا؟ فذكر بعضهم: أن رسول اللّه «ص» لم يكن له سجن و لا سجن أحدا قطّ، و ذكر بعضهم أن رسول اللّه «ص» سجن في المدينة في تهمة. رواه عبد الرزاق و النسائي في مصنفيهما من طريق بهز

بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه. و ذكر أبو داود عنه في مصنّفه، قال:

حبس رسول اللّه «ص» ناسا من قومي في تهمة بدم ...

و في بدائع السلك للقاضي ابن الأزرق نقلا عن ابن فرحون، عن ابن القيّم الجوزية: أن الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، و إنما هو تعويق الشخص و منعه من التصرف، كان في بيت أو مسجد، أو ملازمة الغريم له. و لهذا سمّاه النبي «ص» أسيرا.» «3»

أقول: لا يخفى أن في حرّيّة الشخص و انطلاقه و انبعاثه منافع و بركات لنفسه و لمن تعلق به، و ربما توجد فيها أيضا خسارات و أضرار. فيترتب على انبعاث الشخص و حرّيته أثران متضادّان. فإن وقع الحبس بداعي المنع عن الأوّل كان

______________________________

(1)- الخطط 3/ 99.

(2)- التراتيب الإداريّة 1/ 295.

(3)- التراتيب الإداريّة 1/ 296.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 425

من قبيل العقوبة و المجازاة حدّا أو تعزيرا، و إن وقع بداعي المنع عن الثاني فقط لم يكن من هذا القبيل بل من قبيل حفظ حقوق الناس و رفع الشر و الظلم عنهم.

و لعلّ أكثر موارد السجن في الشريعة الإسلامية بل في الشرائع الإلهية كانت من القسم الثاني، كما سيأتي بيانه.

الجهة الثانية: في مشروعية الحبس إجمالا:
اشارة

الحبس مشروع بالأدلّة الأربعة: أمّا الكتاب فاستدلوا منه بآيات:

[الآيات]
1- منها: قوله- تعالى- في سورة المائدة:

«إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ.» «1»

حيث فسّر كثير من المفسرين و الفقهاء النفي في الآية بالحبس. و به فسّر في بعض الروايات أيضا. فإليك نماذج منها:

1- قال الطبرسي في مجمع البيان:

«و قال أبو حنيفة و أصحابه إنّ النفي هو الحبس و السجن. و احتجّوا بأنّ المسجون يكون بمنزلة المخرج من الدنيا إذا كان ممنوعا من التصرّف محولا بينه و بين أهله مع مقاساته الشدائد في الحبس، و أنشد قول بعض المسجونين:

خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى إذا جاءنا السجّان يوما لحاجة عجبنا و قلنا جاء هذا من الدنيا.»

«2» 2- و حكى قريبا من ذلك الكاشاني في بدائع الصنائع عن النخعي في رواية

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 33.

(2)- مجمع البيان 2/ 188 (الجزء 3).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 426

عنه، فراجع «1».

3- و قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، فقد اختلف أهل التأويل فيه على أربعة أقاويل: أحدها: أنّه إبعادهم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك، و هذا قول مالك بن أنس و الحسن و قتادة و الزهري. و الثاني: أنّه إخراجهم من مدينة إلى أخرى، و هذا قول عمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير. و الثالث: أنّه الحبس، و هو قول أبي حنيفة و مالك.

و الرابع: و هو أن يطلبوا لإقامة الحدود عليهم فيبعدوا، و هذا قول ابن عباس و الشافعي.» «2»

4- و في المدوّنة

الكبرى في فتاوى مالك بن أنس:

«قال مالك: منهم من يخرج بعصا أو بشي ء، فيؤخذ على تلك الحال و لم يخف السبيل و لم يأخذ المال و لم يقتل. قال مالك: فهذا لو أخذ فيه بأيسره لم أر في ذلك بأسا. قلت: و ما أيسره عند مالك؟ قال: أيسره و أخفّه أن يجلد و ينفى و يسجن في الموضع الذي نفي اليه ... قلت: و كم يسجن حيث ينفى؟ قال مالك: يسجن حتى تعرف له توبة.» «3»

5- و في المنهاج للنووي في فقه الشافعية في باب قاطع الطريق:

«و لو علم الإمام قوما يخيفون الطريق و لم يأخذوا مالا و لا نفسا عزّرهم بحبس و غيره.» «4»

و الظاهر أنّه و أمثاله أخذوا الفتوى من الآية الشريفة بحمل النفي فيها على الحبس، هذا.

6- و في الوسائل، عن العياشي، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا «ع» في

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 7/ 95.

(2)- الأحكام السلطانيّة/ 62.

(3)- المدوّنة الكبرى 4/ 429.

(4)- المنهاج/ 532.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 427

حديث: «فإن كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا أمر بإيداعهم الحبس. فإنّ ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل.» «1»

7- و في مسند زيد: «حدثني زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»، قال: إذا قطع الطريق اللصوص و أشهروا السلاح و لم يأخذوا مالا و لم يقتلوا مسلما ثم أخذوا، حبسوا حتّى يموتوا. و ذلك نفيهم من الأرض ...» «2»

أقول: و قد يقال في توجيه ذلك: إن النفي من الأرض حقيقة غير ممكن، إذ كلّ مكان يرسل هو إليه يكون من الأرض لا محالة، فالمراد جعله بحيث لا

يتمكن أن يتصرف فيها تصرّف الأحياء، فينطبق قهرا على الحبس. و قد أشار إلى هذا المعنى في مجمع البيان، كما مرّ. هذا مضافا إلى أنّ الملاك و الغرض من النفي و هو الانقطاع من أهله و أهل بلده يحصل بالحبس أيضا، كما لا يخفى. فتأمّل. هذا.

و لكن معظم أصحابنا الإمامية لم يفتوا بالحبس في المقام. فالشيخ الطوسي «ره» في نهايته الّذي وضعه لنقل الفتاوى المأثورة قال في المقام:

«إن لم يجرح و لم يأخذ المال وجب عليه أن ينفى من البلد الذي فعل فيه ذلك الفعل إلى غيره، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنّه منفي محارب، فلا تواكلوه و لا تشاربوه و لا تبايعوه و لا تجالسوه.» «3»

اللهم إلّا أن يسمى هذا التضييق أيضا حبسا.

و قال في الخلاف (المسألة 3 من كتاب قطّاع الطريق):

«قد بيّنا أن نفيه من الأرض أن يخرج من بلده و لا يترك أن يستقرّ في بلد حتّى يتوب. فإن قصد بلد الشرك منع من دخوله و قوتلوا على تمكينهم من دخوله إليهم.

و قال أبو حنيفة: نفيه أن يحبس في بلده. و قال أبو العباس بن سريج: يحبس في غير

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 536، الباب 1 من أبواب حدّ المحارب، الحديث 8.

(2)- مسند زيد/ 323، كتاب السير، باب قطّاع الطريق.

(3)- النهاية/ 720.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 428

بلده. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

و لم يذكر الحبس في المقنعة و في الشرائع أيضا على ما رأيت.

نعم، في المبسوط:

«فقال قوم إذا شهر السلاح و أخاف السبيل لقطع الطريق كان حكمه متى ظفر به الإمام التعزير. و هو أن ينفى عن بلده و يحبس في غيره، و فيهم من

قال: (لا. ظ) يحبس في غيره. و هذا مذهبنا غير أنّ أصحابنا رووا أنّه لا يقرّ في بلده و ينفى عن بلاد الإسلام كلّها ...» «2»

و في الكافي لأبي الصلاح:

«و إن لم يقتلوا و لم يأخذوا مالا أن ينفيهم من الأرض بالحبس أو النفي من مصر إلى مصر.» «3» هذا.

و المسألة محل إشكال اللهم إلّا أن يقال إنّ النفي هنا من مصاديق التعزير كما عبر بذلك في الخلاف و المبسوط و غيرهما، و يجوز في جميع موارد التعزير اختيار الحاكم للحبس إذا رآه صلاحا. أو يقال إن ما ذكر في الأخبار و الفتاوى مصاديق للنفي، فلا ينافي جواز اختيار سائر الأنحاء من النفي أيضا، فتأمّل.

2- و من الآيات الواردة في الحبس قوله- تعالى- في سورة النساء:

«وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ مِنْ نِسٰائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لَهُنَّ سَبِيلًا.» «4»

و قد فسّر المفسّرون و الفقهاء الإمساك في الآية بالحبس. و الأغلب على نسخ الآية بما ورد في الجلد و الرجم و قالوا إنهما السبيل المجعول لهن.

قال الطبرسي في مجمع البيان:

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 211.

(2)- المبسوط 8/ 47.

(3)- الكافي/ 252.

(4)- سورة النساء (4)، الآية 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 429

«أي فاحبسوهن «فِي الْبُيُوتِ حَتّٰى يَتَوَفّٰاهُنَّ الْمَوْتُ»، أي يدركهن الموت فيمتن في البيوت. و كان في مبدأ الإسلام إذا فجرت المرأة و قام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت، ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين و الجلد في البكرين «أَوْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لَهُنَّ سَبِيلًا.» قالوا لمّا نزل قوله: «الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ» قال النبي «ص»: خذوا عنّي، قد جعل اللّه لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد

مأئة و تغريب عام، و الثيّب بالثيّب جلد مأئة و الرجم.» «1»

3- و من الآيات أيضا قوله- تعالى- في سورة المائدة:

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصٰابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ، تَحْبِسُونَهُمٰا مِنْ بَعْدِ الصَّلٰاةِ فَيُقْسِمٰانِ بِاللّٰهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لٰا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كٰانَ ذٰا قُرْبىٰ وَ لٰا نَكْتُمُ شَهٰادَةَ اللّٰهِ إِنّٰا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ.» «2»

و ظاهر تفريع إقسامهما على حبسهما أنّ حبسهما بعد الصلاة يؤثّر في إقسامهما و شهادتهما بالحقّ. و لعلّ هذا يكون شاهدا على أنّ المراد بالصلاة صلاة أنفسهما:

قال الطبرسي في مجمع البيان:

«تحبسونهما من بعد صلاتهما العصر، لأن الناس كانوا يحلفون بالحجاز بعد صلاة العصر لاجتماع الناس و تكاثرهم في ذلك الوقت. و هو المروي عن أبي جعفر «ع» و قتادة و سعيد بن جبير و غيرهم. و قيل هي صلاة الظهر أو العصر، عن الحسن.

و قيل: بعد صلاة أهل دينهما يعني الذّمّيين، عن ابن عباس و السّدي.

و معنى تحبسونهما تقفونهما و تقيمونهما ... و الخطاب في تحبسونهما للورثة. و يجوز أن يكون خطابا للقضاة و يكون بمعنى الأمر، أي فاحبسوهما. ذكره ابن الأنباري.» «3»

و عن ابن العربي في أحكام القرآن:

«تحبسونهما من بعد الصلاة. و في ذلك دليل على حبس من وجب عليه الحق. و هو

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 20- 21 (الجزء 3).

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 106.

(3)- مجمع البيان 2/ 257 (الجزء 3).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 430

أصل من أصول الحكمة و حكم من أحكام الدين، فإن الحقوق المتوجهة على قسمين: منها ما يصحّ استيفاؤه معجلا، و منها ما لا يمكن استيفاؤه إلّا

مؤجّلا. فإن خلّي من عليه الحق و غاب و اختفى بطل الحقّ و توى (أي ذهب)، فلم يكن بدّ من التوثق منه، فإمّا بعوض عن الحق و يكون بمالية موجودة فيه و هي المسمى رهنا و هو الأولى و الأوكد، و إما شخص ينوب منابه في المطالبة و الذمة و هو دون الأوّل، لأنه يجوز أن يغيب كغيبته و يتعذر وجوده كتعذره، و لكن لا يمكن أكثر من هذا. فإن تعذرا جميعا لم يبق إلّا التوثّق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حقّ، فإن كان الحق بدنيا لا يقبل البدل كالحدود و القصاص و لم يتفق استيفاؤه معجّلا لم يبق إلّا التوثق بسجنه، و لأجل هذه الحكمة شرّع السجن. و قد روى الترمذي و أبو داود أنّ النبي «ص» حبس في تهمة رجلا ثم خلّى عنه.» «1»

4- و من الآيات أيضا قوله- تعالى- في سورة التوبة:

«فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ.» «2»

قال في المجمع:

«معناه: و احبسوهم و استرقّوهم، أو فادوهم بمال. و قيل: و امنعوهم دخول مكّة و التصرف في بلاد الإسلام.» «3»

أقول: قد عرفت أنّه لا يراد بالحبس في الكتاب و السنّة حصر الشخص في مكان ضيّق، بل هو ضدّ التخلية. فيراد به تحديد الشخص و منعه من الانبعاث و التصرفات الحرّة.

فهذه أربع آيات يستدلّ بها على مشروعية الحبس.

و أما السنّة فالروايات الدالة على مشروعية الحبس إجمالا مستفيضة
اشارة

، بل لعلها

______________________________

(1)- أحكام السجون للوائلي/ 38؛ عن «أحكام القرآن» لابن العربي أبي بكر محمد بن عبد اللّه 2/ 723.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 5.

(3)- مجمع البيان 3/ 7 (الجزء 5).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 431

متواترة إجمالا من طرق الفريقين نذكر منها نماذج و يأتي كثير منها في الفروع و الجهات الآتية:

[بيان الروايات]

1- ففي الخصومات من صحيح البخاري بسنده، عن أبي هريرة، قال: «بعث رسول اللّه «ص» خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال سيّد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول اللّه «ص» قال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمّد خير، فذكر الحديث.

قال: أطلقوا ثمامة.» «1»

2- و فيه أيضا قال: «و يذكر عن النبي «ص»: «ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه.»

قال سفيان: عرضه، يقول: مطلتني، و عقوبته الحبس.» «2»

و روى نحوه أبو داود و ابن ماجة كما سيأتي في خلال روايات الحبس في الدين في الجهة الحادية عشرة «3».

3- و روى أبو داود بسنده، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه «أن النبي «ص» حبس رجلا في تهمة.» «4»

4- و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: جاء رجل إلى رسول اللّه «ص» فقال: إن أمّي لا تدفع يد لامس؟ قال: فاحبسها. قال: قد فعلت. قال: فامنع من يدخل عليها. قال: قد فعلت. قال: قيّدها، فإنك لا تبرّها بشي ء أفضل من أن تمنعها من محارم اللّه- عزّ و جلّ- «5».

و عموم التعليل في الصحيحة يدلّ على جواز الحبس و التقييد بالنسبة الى كل

______________________________

(1)- صحيح البخاري 2/ 62، كتاب

في الاستقراض و أداء الديون ... باب التوثيق ممن تخشى معرّته.

(2)- صحيح البخاري 2/ 58، كتاب في الاستقراض و أداء الديون ... باب لصاحب الحقّ مقال.

(3)- راجع ص 484 من الكتاب.

(4)- سنن أبي داود 2/ 282، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين و غيره.

(5)- الوسائل 18/ 414، الباب 48 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 432

من لا يتمكن من منعه عن محارم اللّه تعالى الا بذلك.

5- و في خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر «ع»، عن أبيه أنّ عليّا «ع» كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلّى سبيله حتى يستفيد مالا. «1»

6- و في موثقة عمار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «أتي أمير المؤمنين «ع» برجل قد تكفل بنفس رجل، فحبسه و قال: اطلب صاحبك.» «2» و بهذا المضمون روايات أخر أيضا.

7- و عن البرقي، عن أبيه، عن علي «ع»، قال: «يجب على الإمام أن يحبس الفساق من العلماء، و الجهال من الأطبّاء، و المفاليس من الاكرياء.» «3»

أقول: الأكرياء جمع الكريّ: يستعمل بمعنى المكاري و بمعنى المكتري معا. و لعلّه يشمل جميع الدلالين و وسائط المعاملات.

8- و في خبر حريز، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا يخلد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت يحفظه حتى يقتل، و المرأة المرتدة عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار و سيجي ء كثير منها في الجهة التي نعقدها لذكر ما ورد في السجن و الحبس من الأخبار، و قد أشرنا إلى تواترها إجمالا.

[بيان في الخبر المتواتر و أنواعه]
اشارة

و اعلم: أنّ الخبر المتواتر- أعني ما بلغ كثرة الطرق

و المخبرين فيه حدّا يوجب العلم بصدوره- على ثلاثة أقسام:

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 148، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 156، الباب 9 من كتاب الضمان، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 221، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.

(4)- الوسائل 18/ 221، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 433

الأوّل: المتواتر لفظا.

و يراد بذلك أن المخبرين بأجمعهم رووا واقعة واحدة و معنى واحدا بلفظ واحد.

الثاني: المتواتر معنى.

بمعنى أنّهم بأجمعهم حكوا واقعة واحدة وقعت في وقت خاص و لكن بألفاظ مختلفة، فيكون الجميع أو غير واحد منهم ناقلا بالمعنى و المضمون. نظير ما وقع في نقل قصة الغدير و نصب أمير المؤمنين «ع» فيه.

الثالث: المتواتر اجمالا.

بمعنى أن كلّ واحد من المخبرين حكى واقعة خاصّة غير ما حكاه الآخرون، و لعلّ كلّ واحد منهم حكى واقعة خاصة عن إمام خاص، و لكن كثرة الوقائع المنقولة توجب العلم بصدق بعضها لا محالة بحيث لا يحتمل كذب الجميع، كما في المقام. فإن كلّ واحدة من الروايات تحكي عن مسألة خاصة و قول خاص عن إمام خاص و لكن يحصل لنا العلم بعدم كذب الجميع. فإذا كان يستفاد من كلّ واحدة منها مشروعية السجن فلا محالة تثبت تلك. و نظير هذا في أبواب الفقه كثير.

و أمّا الإجماع

فقد ادعاه بعض الفقهاء من الحنفية و الشافعية في المقام، كما حكاه في كتاب «أحكام السجون» «1». و لكن لما لم تكن المسألة بنفسها معنونة في كتب الفقهاء القدماء من أصحابنا بل و في أكثر كتب الفقهاء من السنة فلا محالة لا يوجد فيها إجماع محقّق. نعم، لا بأس بادعائه مقدرا، بمعنى وضوح المسألة بحيث إن كلّ فقيه من الفريقين لو سئل عنها لأفتى بها بلا شك. هذا.

و لكن بعد وضوح المسألة و ثبوتها بالكتاب و السنة لا حاجة فيها إلى الإجماع.

و قد عرفت منّا مرارا أنّ الإجماع بما هو إجماع لا موضوعية له عندنا بل تكون حجيته

______________________________

(1)- راجع أحكام السجون/ 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 434

من جهة كشفه عن قول النبي «ص» و الأئمة- عليهم السلام- و تلقّي المسألة منهم.

و إذا كان المكشوف بذاته قطعيّا عندنا فلا حاجة فيه إلى الكاشف و الكشف، فتدبّر.

و أمّا العقل

فبيانه إجمالا هو أنّ العقل يحكم بوجوب حفظ النظام و صيانة الحقوق و المصالح العامة، و واضح أنّه لا يحصل هذا الغرض إلّا بدولة عادلة مطاعة مقتدرة تحقق مصالحهم و ترفع شرور العتاة و الظالمين عنهم، و حبس الجاني و إن كان فيه ضرر لنفس المحبوس و يكون منافيا لسلطة الناس على نفوسهم و جميع شئونهم و لكن إطلاقه تهديد لأمن العامة و تضييع لحقوقهم، فيحكم العقل السليم بوجوب تقديم المصالح العامة على مصلحة الفرد و حبس الجاني لحفظها و رفع شرّه، و كلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع، كما حقق في محله. فتلخص من جميع ما ذكرناه مشروعية الحبس، بل وجوبه و ضرورته إجمالا.

الجهة الثالثة: في أول من بنى السجن في الإسلام:

قد عرفت أن الحبس كان متعارفا في عصر النبي «ص»، و لكن مفهوم الحبس كما مرّ لا يلازم وجود مكان خاصّ ممحّض له، بل كان يمكن أن يقع في بيت أو مسجد أو دهليز أو نحو ذلك من الأماكن، و لم يكن الغرض منه إلّا تحديد الشخص و منعه من التصرف و الانبعاث.

و قد وقع الكلام في تعيين أوّل من أحدث السجن في الإسلام، فقيل: إنّه عمر.

و قيل: إنّه عليّ «ع». فلنذكر بعض ما قيل في المقام و إن لم تترتب عليه فائدة فقهية مهمة:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 435

1- ففي مسند زيد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»: «أنّه بنى سجنا و سمّاه نافعا، ثم بدا له فنقضه (و بنى آخر- ظ.) و سمّاه مخيّسا، و جعل يرتجز و يقول:

أ لم تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا.»

«1» أقول: في القاموس:

«خيّسه تخييسا: ذلّله. و المخيّس كمعظّم و محدّث: السجن،

و سجن بناه عليّ «ع».

و كان أوّلا من جعله من قصب سمّاه نافعا فنقبه اللصوص فقال:

أ ما تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا

بابا حصينا و أمينا كيّسا» «2».

2- و في كتاب «أحكام السجون» عن السيوطي في كتابه: «الوسائل إلى مسامرة الأوائل»:

«أوّل من بنى سجنا في الإسلام علي بن أبي طالب «ع». و كان الخلفاء يحبسون قبله في الآبار. و روي أنّه حبس أعرابيّا سارقا، ففرّ من حبسه و أنشأ يقول:

و لو أني بقيت به إليهم لجرّوني إلى شيخ بطين.»

«3» 3- و فيه أيضا عن ابن الهمّام في كتابه شرح فتح القدير في الفقه الحنفي، قال:

«و لم يكن في عهده- أي النبي «ص»- و أبي بكر سجن، و إنما كان يحبس في المسجد أو الدهليز حتى اشترى عمر دارا بمكة بأربعة آلاف درهم و اتخذه محبسا. و قيل:

لم يكن في زمن عمر و لا عثمان أيضا إلى زمن عليّ «ع» فبناه. و هو أوّل سجن بني في الإسلام. قال في الفائق: بنى سجنا من قصب فسمّاه نافعا، فنقبه اللصوص و تسيّب الناس منه، ثم بنى سجنا من مدر فسمّاه مخيّسا. و في ذلك يقول عليّ «ع»:

ا ما تراني كيسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا

______________________________

(1)- مسند زيد/ 266، كتاب الشهادات، باب القضاء.

(2)- القاموس/ 349.

(3)- أحكام السجون/ 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 436

سجنا حصينا و أمينا كيّسا.»

«1» 4- و في كتاب الغارات بسنده، عن سابق البربري، قال:

«رأيت المحبس و هو خصّ. و كان الناس يفرجونه و يخرجون منه، «فبناه عليّ «ع» بالجصّ و الآجرّ. قال: فسمعته يقول:

أ لا تراني كيّسا مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا.

«2» 5-

و في التراتيب الإداريّة قال:

«و في إتحاف الرواة بمسلسل القضاة، للإمام أحمد بن الشلبي الحنفي لدى ذكره أوّليات عليّ «ع»: و أوّل من بنى السجن في الإسلام، و كانت الخلفاء قبله يحبسون في الآبار. و في شفاء الغليل للخفاجي: لم يكن في زمن رسول اللّه «ص» و أبي بكر و عمر و عثمان سجن. و كان يحبس في المسجد أو في الدهاليز حيث أمكن، فلمّا كان زمن عليّ «ع» أحدث السجن، و كان أوّل من أحدثه في الإسلام و سمّاه نافعا، و لم يكن حصينا فانفلت الناس منه، فبنى آخر و سمّاه مخيّسا بالخاء المعجمة و الياء المشدّدة فتحا و كسرا ...

قلت: و لعلّ عمر كان يحبس في الآبار قبل شراء الدار التي أعدّها للسجن، فقد أخرج البيهقي من حديث نافع بن عبد الحارث أنه اشترى من صفوان بن أميّة دارا لسجن عمر بن الخطاب بأربعة آلاف.»

ثم قال: «كان السلطان أبو الأملاك المولى اسماعيل بن الشريف العلوي سأل علماء فاس: القاضي بردلة، و المناوي، و ابن رحال و غيرهم من أوّل من أحدث السجن؟ و كيف كان الناس يسجنون في الآبار؟ و كيف الجمع بين ما ذكره السيوطي من أنّ أوّل من أحدث السجن عليّ «ع»، و بين ما ذكره ابن فرحون من أنه عمر لما اتسعت مملكته؟

فأجاب الشيخ المناوي بأنّ التعارض يدفع ما بين ابن فرحون و السيوطي بحمل

______________________________

(1)- أحكام السجون/ 46.

(2)- الغارات 1/ 132.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 437

كلام السيوطي على أنّ عليا «ع» أوّل من أحدث له مكانا مخصوصا و اتّخذه بقصده في ابتداء، و ما كان من عمر فإنّه كان في ثاني حال

و عارضا للدار المتخذة بالقصد الأوّل لغيره من السكنى و نحوها.

و أمّا استشكال السجن في الآبار فإنّ المراد بها السراديب و المطامير المتخذة تحت الأرض، و قد تكون من الاتساع بحيث تحمل المئين من الناس لا سيما مصانع ملوك الأمم السالفة، فإنها كانت على قدر قواهم التي لا نسبة بينها و بين من جاء بعدهم، و تسمية ذلك بالآبار للشبه الصوري بالكون تحت الأرض مع ضيق أبوابها و مداخلها.» «1»

أقول: و في الخصومات من صحيح البخاري:

«اشترى نافع بن عبد الحارث دارا للسجن بمكة من صفوان بن أميّة على أنّ عمر إن رضي فالبيع بيعه، و إن لم يرض عمر فلصفوان أربعمائة دينار.» «2»

و ليس في هذه الرواية أنّ عمر رضي بذلك أم لا، و أن الدار صارت سجنا أم لا.

الجهة الرابعة: في موضوع الحبس الشرعي و الغرض منه:
[الغرض من السجن]

لا يخفى أن موضوع العقوبات الشرعية هو الإنسان البالغ العاقل القادر المختار.

و هذا واضح لمن كان خبيرا بفقه الشيعة و السنة. نعم، ربما يؤدب الصبي و المجنون بل البهائم أيضا و لو بحبس ما و لكن الأدب غير العقوبة.

و الغرض الأساسي من وضع العقوبات الشرعية ليس هو الانتقام و إرضاء القوة

______________________________

(1)- التراتيب الإداريّة 1/ 297- 299.

(2)- صحيح البخاري 2/ 62، كتاب في الاستقراض و أداء الديون ...، باب الربط و الحبس في الحرم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 438

الغضبية، و ليست هي أيضا أمورا تعبدية محضة ليؤتى بها بداعي القرب و التعبد المحض. بل الملاك في تشريعها قلع جذور الفساد و إصلاح الفرد و المجتمع. و يظهر هذا لكل من تتبع الكتاب و السنة.

أ لا ترى أنّ أهمّ العقوبات الشرعية و أشدّها هو قصاص النفس، و هو على ما

نراه إعدام و إفناء للشخص، و لكن اللّه- تعالى- جعله حياة للناس فقال: «وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ.» «1»

بل جميع أحكام اللّه- تعالى- في جميع شئون الإنسان تابعة للمصالح و المفاسد النفس الأمرية و إن لم نعرفها و ليست تكاليف جزافية بلا ملاك:

ففي العلل، عن الرضا «ع» في جواب كتاب محمد بن سنان إليه: «جاءني كتابك؛ تذكر أنّ بعض أهل القبلة يزعم أن اللّه- تبارك و تعالى- لم يحلّ شيئا و لم يحرّمه لعلّة أكثر من التعبد لعباده بذلك! قد ضلّ من قال ذلك ضلالا بعيدا و خَسِرَ خُسْرٰاناً مُبِيناً، لأنّه لو كان ذلك لكان جائزا أن يستعبدهم بتحليل ما حرّم و تحريم ما أحلّ، حتى يستعبدهم بترك الصلاة و الصيام و أعمال البرّ كلها، و الإنكار له و لرسوله و كتبه و الجحود، (و- ظ.) بالزنا و السرقة و تحريم ذوات المحارم، و ما أشبه ذلك من الأمور التي فيها فساد التدبير و فناء الخلق ... إنا وجدنا كلّ ما أحلّ اللّه ففيه صلاح العباد و بقاؤهم و لهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها، و وجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة بالعباد إليه و وجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء و الهلاك.» «2»

و الأخبار في هذا المجال كثيرة تظهر لمن تتبع.

و على هذا فيجب أن يلحظ في السجون الشرعية أن لا تكون خاضعة لأهواء الحكّام و الضبّاط و المراقبين، بل تنظّم على نحو تصير موانع قبل الفعل، و زواجر بعده. يعني أنّ العلم بشرعيتها يمنع من الإقدام على العمل، و تنفيذها بعد وقوعه يوجب تنبّه المرتكب و ارتداعه عن العود اليه و يصلحه و يقوّمه. و بهذا الملاك أيضا يقع التشديد

و التخفيف فيها أيضا.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 179.

(2)- علل الشرائع/ 197 (طبعة أخرى/ 592- الجزء 2)، الباب 385 (باب نوادر العلل)، الحديث 43.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 439

و بالجملة، فالعقوبات الشرعية و منها السجون التعزيرية تستهدف الإصلاح و تحقيق المصالح العامة، لا الانتقام من المجرم و إفنائه أو تحقيره و تحطيم شخصيته و نفسيّاته. فالمتصدي للسجن و السجن يجب أن يكون كطبيب حاذق لا يستهدف إلّا علاج المريض و سلامته و لو بكيّ الأعضاء الفاسدة المسرية و قطعها، فيعود المرضى إلى المجتمع سالمين. هذا.

[خسارات السجون الرائجة في أعصارنا في أكثر البلاد]
اشارة

و لكن من المؤسف عليه أنّ السجون الرائجة في أعصارنا في أكثر البلاد حتى البلاد الإسلامية ليست على وزان ما يريده الشرع و يحكم به العقل، بل لا تنتج إلّا خسارات في الأموال و النفوس.

قال في كتاب «التشريع الجنائي الإسلامي» ما ملخّصه:

«المقياس الصحيح لنجاح عقوبة ما هو أثرها على المجرمين و الجريمة، فإن نقص عدد المجرمين و قلّت الجرائم فقد نجحت العقوبة، و إن زاد عدد المجرمين و الجرائم فقد فشلت العقوبة و وجب أن تستبدل بها عقوبة أخرى قمينة بأن تردع المجرمين و تصرفهم عن ارتكاب الجرائم ...

و عقوبة الحبس هذه هي العقوبة الأساسية لمعظم الجرائم، يجازى بها المجرم الذي ارتكب جريمته لأول مرّة، و يجازى بها المجرم العاتي الذي تخصّص في الأجرام، و يجازى بها الرجال و النساء و الشبان و الشيب، و يجازى بها من ارتكب جريمة خطيرة و من ارتكب جريمة تافهة، و تنفذ العقوبة على هؤلاء جميعا بطريقة واحدة تقريبا.

و قد أدّى تطبيق هذه العقوبة على هذا الوجه إلى نتائج خطيرة و مشاكل دقيقة نبسطها فيما يلي:

1- إرهاق خزانة الدولة و تعطيل الإنتاج:

يوضع المحكوم عليهم بعقوبة الحبس على اختلاف أنواعها في محابس يقيمون بها حتى تنتهي مدّة العقوبة ...

و المحكوم عليهم يكونون في الغالب من الأشخاص الأصحّاء القادرين على العمل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 440

فوضعهم في السجون هو تعطيل لقدرتهم على العمل و تضييع لمجهود كبير كان من الممكن أن يبذلوه فيستفيد منه المجتمع لو عوقبوا بعقوبة أخرى غير الحبس تكفي لتأديبهم و ردع غيرهم.

و لا شكّ أنّ هناك من العقوبات ما يمكن أن يؤدّي وظيفة الزجر و الردع و يكون له أثره في محاربة الجريمة دون أن يؤدي

إلى تعطيل مجهود المحكوم عليه كالجلد مثلا ...

و لقد حاولت مصلحة السجون أن تستغلّ قدرة المسجونين على العمل، و لكنها لم تستطع حتى الآن أن توجد عملا إلّا لعدد قليل من المسجونين، أمّا الباقون فيكادون يقضون حياتهم في السجون دون عمل، يأكلون و يتطببون و يلبسون على حساب الحكومة ...

2- إفساد المسجونين:

و كان من الممكن أن تتحمل الجماعة هذه الخسارة الكبيرة سنويا لو كانت عقوبة الحبس تؤدي إلى إصلاح المسجونين، و لكنها في الواقع تؤدّي بالصالح إلى الفساد، و تزيد الفاسد فسادا على فساده.

فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الأجرام و تمرّس بأساليبه، و بين المجرم المتخصص في نوع من الأجرام، و بين المجرم العادي. كما يضمّ السجن أشخاصا ليسوا بمجرمين حقيقيين، و إنما جعلهم القانون مجرمين اعتبارا كالمحكوم عليهم في حمل الأسلحة، أو لعدم زراعة نسبة معيّنة من القمح و الشعير، و كالمحكوم عليهم في جرائم الخطأ و الإهمال.

و اجتماع هؤلاء جميعا في صعيد واحد يؤدّي الى تفشّي عدوى الأجرام بينهم، فالمجرم الخبير بأساليب الأجرام يلقن ما يعلمه لمن هم أقلّ منه خبرة، و المتخصص في نوع من الجرائم لا يبخل بما يعلم عن زملائه، و يجد المجرمون الحقيقون في نفوس زملائهم السذّج أرضا خصبة يحسنون استغلالها دائما، فلا يخرجون من السجن إلّا و قد تشبعت نفوسهم إجراما.

و لقد دلّت المشاهدات على أنّ الرجل يدخل السجن لأمر لا يعتبره العرف جريمة كضبط قطعة سلاح معه، و كان المعروف عنه قبل دخوله السجن أنّه يكره المجرمين و يأنف أن يكون منهم، فإذا خرج من السجن حبّب إليه الأجرام و احترفه بل

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 441

صار يتباهى به ...

فالسجن

الذي يقال عنه إنّه إصلاح و تهذيب ليس كذلك في الواقع، و إنما هو معهد للإفساد و تلقين أساليب الأجرام.

... أما جمع الشبّان في محبس واحد، و الكهول في محبس واحد فلن يكون علاجا، لأن الإحصائيّات تدلّ على أنّ أكثر المجرمين من الشبّان ... و وجود الشبّان المحكوم عليهم لأوّل مرّة مع شبّان ذوي السوابق كفيل بأن يخلق الأوّلين بأخلاق الآخرين.

3- انعدام قوة الردع:

إنّ عقوبة الحبس قد فرضت على أساس أنّها عقوبة رادعة. و لكن الواقع قد أثبت أنها لا فائدة منها و لا أثر لها في نفوس المجرمين. فالذين يعاقبون بالأشغال الشاقّة و هي أقصى أنواع الحبس لا يكادون يخرجون من السجن حتّى يعودوا لارتكاب الجرائم. و لو كانت العقوبة رادعة لما عادوا لما عوقبوا عليه بهذه السرعة ...

4- قتل الشعور بالمسؤولية:

و عقوبة الحبس- فوق أنّها غير رادعة- تؤدّي إلى قتل الشعور بالمسؤولية في نفس المجرمين و تحبّب إليهم التعطّل. فالكثير من المسجونين يقضون في السجن مددا طويلة نوعا ما ينعمون فيها بالتعطل عن العمل و يكفون فيها مئونة أنفسهم من مطعم و ملبس و علاج ... و أنهم يموت فيهم كلّ شعور بالمسؤولية نحو أسرهم بل نحو أنفسهم. فلا يكادون يخرجون من السجن حتى يعملوا للعودة إليه، لا حبّا في الجريمة و لا حرصا عليها، و إنّما حبّا في العودة إلى السجن و حرصا على حياة البطالة.

5- ازدياد سلطان المجرمين:

و من المجرمين من يغادر السجن ليعيش عالة على الجماعة يستغلّ جريمته السابقة لإخافة الناس و إرهابهم و ابتزاز أموالهم و يعيش على هذا السلطان الموهوم ...

6- انخفاض المستوى الصحّي و الأخلاقي:

و تنفيذ عقوبة الحبس يقتضي وضع عدد كبير من الرجال الأصحّاء الأقوياء في مكان واحد لمدد مختلفة يمنعون فيها من التمتع بحرّياتهم، و من الاتصال بزوجاتهم. و لمّا كان عدد المحبوسين يزيد عاما

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 442

بعد عام، و المحابس لا تزيد، فقد اضطرّ ولاة الأمور إلى حشرهم حشرا في غرف السجون، كما يحشر السردين في علبته ... و قد أدّى ازدحام السجون و عدم توفّر الوسائل الصحية بها و حرمان المسجونين من الاتصال بزوجاتهم إلى انتشار الأمراض السرية و الجلدية و الصدرية و غيرها من الأمراض الخطيرة بين المسجونين ...

فالسجون إذن أداة لنشر الأمراض بين المسجونين و لإفساد أخلاقهم و تضييع رجولتهم. و لا يقتصر شرّ السّجون على هذا، بل إنّها تؤدّي إلى فساد الأخلاق في خارجها، لأن وضع الرجال في السجون معناه تعريض زوجات هؤلاء الرجال و بناتهم و أخواتهم إلى الحاجة و إلى الفتنة، و وضعهن وجها لوجه أمام الشيطان.

7- ازدياد الجرائم:

و قد وضعت عقوبة الحبس على اختلاف أنواعها لمحاربة الجريمة، و لكن الإحصائيّات التي لا تكذب تدلّ على أنّ الجرائم تزداد عاما بعد عام زيادة تسترعي النظر و تبعث على التفكير الطويل ...

يؤدّي تنفيذ النظام الوضعي إلى وضع عدد كبير من الرجال الأصحّاء القادرين على العمل في المحبس و الإنفاق عليهم دون أن يؤدّوا عملا مجديا. فتخسر الأمّة من وجهين: تخسر المال الذي تنفقه على المحبوسين، و تخسر ما كان يمكن أن ينتجه هؤلاء لو لم يوضعوا في المحابس.

و لكن هذه الخسائر تنتفي لو نفذ النظام الإسلامي، لأن الشريعة لا تعرف الحبس في جرائم الحدود و القصاص، و هي كما بيّنا تبلغ ثلثي الجرائم

عادة. كما أنّ الشريعة تفضل في التعازير عقوبة الجلد على عقوبة الحبس، و لا تفضل عقوبة الحبس إلّا إذا كان حبسا غير محدود المدّة، حيث يبقى المجرم بعيدا عن الجماعة مكفوفا شرّه و أذاه حتى يموت. و لا يحكم بهذا النوع من الحبس إلّا في الجرائم الخطيرة أو على المجرمين العائدين. و إذا فرض أنّ عقوبة الجلد تطبق في نصف الجرائم الباقية كان الباقي الأخير من الجرائم- حوالي 15% من مجموع الجرائم- يقسم بين عقوبات الحبس و الغرامة و التغريب و غير ذلك من عقوبات التعازير المتعددة، و المفروض أن الجرائم التي يجلد فيها هي جرائم التعازير الخطيرة. فالجرائم التي تبقى أخيرا ليعاقب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 443

عليها بغير الجلد و الحبس غير المحدّد المدة هي جرائم تافهة في الغالب يكفي في عقابها النصح و التوبيخ و الغرامة و الحبس مع إيقاف التنفيذ، فتكون النتيجة أن لا يحبس فعلا إلّا في حوالي 5% من مجموع الجرائم. و هذه نتيجة لا يمكن الوصول إليها إلّا بتطبيق نظرية الشريعة الإسلامية في العقاب ...» «1»

أقول: و حيث إنّ مشكلة السجون في القوانين الوضعية الرائجة في البلاد صارت من أعظم المشاكل و المصائب للدول، بل صارت مما يخاف منها على الأنظمة أحيانا فاللازم التفكير في تقليل السجن و السجناء مهما أمكن، و تنفيذ سائر التعزيرات بل و التوصّل بالعفو و الإغماض أو القناعة بمثل التعنيف و التوبيخ و التهديد في أكثر الموارد التي لا يرى فيها ضرورة للتعزير أو الحبس، فتدبّر.

الجهة الخامسة: في إشارة إجمالية إلى مكان السجن من العقوبات في الشريعة الإسلامية:

هل الحبس الشرعي حدّ أو تعزير، أو قسيم لهما، أو يختلف بحسب الموارد؟

فلنذكر لبيان ذلك مقدمة، فنقول: العقوبات المشرعة في الإسلام

في قبال الجرائم عبارة عن الحدود، و التعزيرات، و الكفارات، و القصاص، و الديات. و تنقسم العقوبات إلى قسمين: قسم يغلب فيه جانب حقّ اللّه- تعالى-، أو يمحض فيه كالكفارات و أكثر الحدود الشرعية، و كذلك التعزيرات الواقعة في قبال مقدمات الزنا و اللواط و شبههما، و قسم يغلب فيه جانب حق الناس كالقصاص و الديات بل و حدّ القذف و التعزير لما يناسبه من السبّ و الشتم و نحوهما.

و قد مرّ من الشرائع بيان الفارق بين الحد و التعزير، فقال في أوّل الحدود من الشرائع:

______________________________

(1)- التشريع الجنائيّ الإسلاميّ 1/ 730- 742.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 444

«كلّ ماله عقوبة مقدرة يسمّى حدّا، و ما ليس كذلك يسمّى تعزيرا.» «1»

و قد مرّ وجود التسامح في التعريفين، حيث إنّ الحد و التعزير اسمان لنفس العقوبة لا لموضوعها. كما مرّ الإشكال فيهما طردا و عكسا في الجهة الثانية عشرة من بحث التعزيرات.

و قد أشرنا في الجهة الأولى من جهات البحث هنا أنّ في حريّة الشخص و إطلاقه منافع و بركات لنفسه و لمن تعلق به من ولده و والديه و عائلته و أقاربه بل للمجتمع أيضا بحسب شغله و عواطفه و آثاره الوجودية، و ربما يترتب على حرّيّته أضرار و خسارات و تضييع لحقوق الأشخاص و المجتمع أيضا.

فإن وقع حبسه بداعي المنع عن انتفاعه بالحرّيّة و إطلاق التصرفات تأديبا له و تنبيها له و لغيره كان الحبس مصداقا للعقوبة حدّا أو تعزيرا. و إن كان بداعي الردع عن ورود الخسارة و الضرر من قبله على الأفراد و المجتمع و لو بسبب فراره لو لم يحبس لم يكن حبسه حينئذ بداعي التأديب و

العقوبة حدّا أو تعزيرا، بل بداعي عدم الفرار أو بداعي دفع شرّه و ضرره عن الغير ليحفظ مال الغير أو نفسه أو عرضه في قبال ظلمه و تعدّيه أو فراره فقط. و لو سلّم صدق التأديب و العقوبة حينئذ أيضا فلا إشكال في عدم صدقهما في حبس المتّهم الذي لم يعلم بعد كونه مجرما أم لا.

إذا عرفت هذا فنقول: يظهر مما ذكر أنّ الحبس في الإسلام قد يقع حدّا. مثل ما يقع بدل النفى من الأرض في حدّ المحاربة على احتمال، و مثل تخليد السارق الذي قطعت يده و رجله في السجن، إذ الظاهر كونه من قبيل القطع الذي هو حدّ قطعا.

و قد يقع تعزيرا. مثل ما يقع من قبل الحكّام في موارد التعزير بدل الضرب أو بضميمته بناء على جواز ذلك، كما هو الأقوى. و قد مرّ تفصيله و يأتي الأخبار الواردة في موارد الجمع بين الجلد و الحبس في الجهة التالية.

و قد لا يكون الحبس حدا و لا تعزيرا. كحبس المتّهم للكشف أو الانكشاف

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 147.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 445

المعبّر عنه بالتوقيف الموقّت، حيث لم يثبت الجرم بعد حتى يعاقب المرتكب. بل و كذا كلّ من يحبس لرفع شرّه و ضرره فقط، إذ لم يلحظ في حبسه تأديبه و تنبيهه حتى يصدق عليه التعزير، اللهم إلّا أن يقال إنّ الأدب يترتّب قهرا و إن لم يقصد، و كفى ذلك في صدق عنوان التعزير، فتأمّل.

و لعل المتتبع في أخبار الفريقين الواردة في موارد الحبس في عصر النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» يظهر له أنّ أكثر موارد حبسهما كان من قبيل القسم الثالث أو الرابع،

فلم يكن من قبيل الحدّ أو التعزير فتدبّر. هذا.

و لكن في كتاب «أحكام السجون» للوائلي حكم بكون السجن مطلقا من التعزيرات، فقال ما محصّله:

«أما أدلّة كونه من التعزيرات:

1- إنّ الحدّ عقوبة مقدّرة منصوص على قدرها، في حين أنّ التعزيرات ليست بمحدّدة بل متروكة إلى نظر الإمام، و بما أنّ السجن فيما جعل عقوبة غير محدّد فهو داخل في التعزيرات.

2- السجن يتناوله عفو الإمام أو نائبه فيما إذا ظهرت دلائل التوبة. و لو كان من الحدود لما جاز للإمام أن ينقص من مدّته شيئا، فإنّه ليس للإمام العفو في جرائم الحدود.

3- عقوبة السجن كانت توقع في المسجد كما في عصر النبي «ص». و لو كان من الحدود لم يكن يقام فيه، لنهيه «ص» عن ذلك. و لذلك نرى الفقهاء يدرجون السجن في قسم التعزيرات و ينصّون على كونه تعزيرا.» «1»

أقول: لا يخفى أن التعزيرات من أقسام العقوبات، و ليس كل سجن بداعي عقوبة الشخص و تأديبه كحبس المتهم مثلا. و أمّا الوجوه الثلاثة التي ذكرها دليلا فيرد على الوجه الأوّل أوّلا أنّ التعزير غير مقدر، لا أنّ كل غير مقدر فهو تعزير، و بينهما فرق. و ثانيا أن الإخلاد في السجن مقدر من قبل الشارع في بعض الموارد،

______________________________

(1)- أحكام السجون/ 57.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 446

فيمكن أن يعدّ حدّا. و على الوجه الثاني أنّ الحدّ أيضا قد يشمله عفو الإمام، كما إذا ثبت بالإقرار بل مطلقا على قول المفيد و من تبعه كما مرّ تفصيله. و على الوجه الثالث أوّلا أنّ ما كان يوقع في المسجد لعلّه لم يكن عقوبة، كما في حبس المتهم.

و ثانيا أنّ النهي لعلّه كان ينصرف

إلى خصوص الجلد الذي ربما يوجب تلوّث المسجد و وجود الصياح و الغوغاء فيه، فتدبّر.

الجهة السادسة: في إشارة إجمالية إلى موارد الجمع بين الحبس و بعض العقوبات الأخر:
[الحبس و التضييقات للضرورة، و الضرورات تتقدر بقدرها]

قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أنّ الحبس قد يقع بداعي العقوبة حدّا، أو تعزيرا.

فيراد به تنبيه الشخص المجرم و ارتداعه، و كذا تنبّه غيره ممن رأى أو سمع. و قد يراد به إمساك الشخص فقط حذرا من فراره، لينكشف الحق أو يستكشف منه أو يطالب به. و قد يراد به دفع شرّه و ضرره فقط من دون أن يرجى منه التنبّه و الصلاح. فهذه أربعة أقسام.

أمّا القسمان الأوّلان، أعني ما يقع بداعي العقوبة حدّا أو تعزيرا، فيجوز بل قد يجب أن يضاف إليه بعض العقوبات الأخر من القيد و الغلّ و الضرب قبل الحبس أو في الحبس، و التضييق في المأكل و المشرب و زيارة الأهل و العيال و الإخوان و سائر الإمكانات إذا رأى الحاكم العادل البصير به و بنفسيّاته دخل هذه الأمور في تنبّهه و في إصلاحه و تهذيبه.

و لكن تجب الدقّة و التعمّق في تشخيص لزومها و في مقدارها و كيفياتها. إذ ربما يتسرّب في البين أحاسيس الانتقام و وساوس النفس الأمّارة بالسوء، أو يقع التنفيذ و الإجراء بأيدي الجهّال بالموازين الشرعية أو من في قلبه مرض أو غلّ أو حقد أو سوء خاطرة، فيعتدي على الأسراء و المسجونين، و بذلك يوجد في نفوسهم العقدة و توجب هذه استنكافهم من التسليم و الانقياد للحقّ بعد ما كان يرجى منهم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 447

ذلك في بادئ الأمر.

و بالجملة، فهذه الأعمال وزانها وزان العلاجات الطبيّة الشاقّة التي لا يجوز أن تقع إلّا من قبل من له خبرة بها و بطرقها

و محالّها و المقدار الضروريّ منها.

هذا كله في القسم الأوّل و الثاني من أقسام الحبس، أعني ما يقع بداعي العقوبة حدّا أو تعزيرا.

و أمّا في القسم الثالث و الرابع من أقسام الحبس فلا وجه غالبا للتضييقات و ضمّ سائر العقوبات، بل تكون ظلما على الإنسان و الإنسانية. إذ الغرض يحصل غالبا بمجرد حبسه و منعه من الفرار و الانبعاث، و التضييق على الإنسان مخالف لسلطة كل أحد على نفسه بحسب العقل و الشرع، بل الضرب و نحوه يوجب القصاص و الدية أيضا.

نعم، في خصوص الحبس الموقت بداعي الكشف ربما يتوقف ذلك على منع زيارة أهله و إخوانه له. و ربما تقع الحاجة إلى الضرب و نحوه تعزيرا له ليظهر الحق و الواقع إذا فرض وجوب الإظهار عليه و استنكف عنه، لما مرّ من جواز التعزير على ترك الواجب، فتدبّر.

و أمّا من يحبس لعدم الفرار فقط، أو من يحبس لدفع شرّه و ضرره فقط بعد العلم بعدم ارتداعه أصلا فلا وجه لإيراد التضييقات عليه، و طبع الحبس لا يقتضي أزيد من منعه من الانبعاث فقط.

و بالجملة، فالحبس و كذا التضييقات إنّما تقع للضرورة، و الضرورات تتقدر بقدرها، و الزائد عليها حرام شرعا.

إجبار المسجون على المقابلة التلفزيونيّة:

و بذلك يظهر أنّ إجبار المسجونين على المقابلة التلفزيونية الرائجة في عصرنا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 448

و تحطيم شخصياتهم الاجتماعية أمر محرّم لا يرضى به الشارع الذي له اهتمام كثير بعرض المسلمين و حفظ شخصياتهم.

1- و في أصول الكافي بسنده، عن رسول اللّه «ص»، قال: «لا تتبعوا عثرات المسلمين، فإنّه من تتبع عثرات المسلمين تتبع اللّه عثرته، و من تتبع اللّه عثرته يفضحه.» «1»

2- و فيه أيضا

بسنده، عنه «ص»، قال: قال اللّه- عزّ و جلّ-: «قد نابذني من أذلّ عبدي المؤمن.» «2»

3- و فيه أيضا بسنده، عن عبد اللّه بن سنان، قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: نعم. قلت: تعني سفليه؟ قال: ليس حيث تذهب؛ إنّما هو إذاعة سرّه. «3»

4- و في الغرر و الدرر للآمدي، عن أمير المؤمنين «ع»: «من كشف حجاب أخيه انكشف عورات بيته.» «4»

5- و فيه أيضا عنه «ع»: «شرّ الناس من لا يعفو عن الزلّة و لا يستر العورة.» «5» و الأخبار في هذا المجال كثيرة.

و في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران:

«إنّ هتك حرمة و شخصيّة أيّ شخص تمّ اعتقاله أو توقيفه أو سجنه أو تبعيده بحكم القانون، ممنوع بأيّ شكل من الأشكال و موجب للمجازاة.» «6»

نعم، لو بلغ الشخص المجرم في الأجرام و التجاهر به و العناد في قبال الحق حدّا

______________________________

(1)- الكافي 2/ 355، كتاب الإيمان و الكفر، باب من طلب عثرات المؤمنين ...، الحديث 4.

(2)- الكافي 2/ 352، كتاب الإيمان و الكفر، باب من أذى المسلمين ...، الحديث 6.

(3)- الكافي 2/ 358، كتاب الإيمان و الكفر، باب الرواية على المؤمن، الحديث 2.

(4)- الغرر و الدرر 5/ 371، الحديث 8802.

(5)- الغرر و الدرر 4/ 175، الحديث 5735.

(6)- دستور الجمهورية الإسلاميّة في إيران، المادّة 39.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 449

لا يبقى له مع ذلك حرمة عند اللّه- تعالى- و عند عقلاء الناس، و صار عندهم رجلا متهتكا ساقطا عن الإنسانية فالظاهر حينئذ عدم حرمة الإذاعة لأسراره ما لم يسر ذلك إلى هتك حرمة غيره. و كذلك إذا كان الشخص بحيث يجب أن يعرفه الناس حتى لا

يغترّوا به أو يعتمدوا عليه. كما في شاهد الزور الذي يطاف به، و أمين السوق الذي ينادى عليه كما سيأتي في قصة ابن هرمة، و غير ذلك من الموارد التي يوجد في الإفشاء و الإذاعة مصلحة ملزمة.

و بما ذكرنا أيضا يظهر عدم جواز إجبار الشخص المسجون على أمور أخر تسلب حرّيته و سلطته على نفسه، كالشركة في بعض الحفلات، أو التصدي لبعض الأعمال، أو المساعدة في الاستخبارات أو نحو ذلك، فتدبّر. هذا.

[العقوبات المكملة للحبس العقوبي في الأخبار و الفتاوى]
اشارة

و قد ورد ذكر العقوبات المكملة للحبس العقوبي في كثير من الأخبار و الفتاوى نشير إلى ما عثرنا عليه من الموارد:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 449

1- المرأة المرتدة:

ففي صحيحة حماد، عن أبي عبد اللّه «ع» في المرتدة عن الإسلام، قال: «لا تقتل، و تستخدم خدمة شديدة، و تمنع الطعام و الشراب إلّا ما يمسك نفسها، و تلبس خشن الثياب، و تضرب على الصلوات.» «1»

و في خبر آخر: «و المرأة إذا ارتدت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت و إلّا خلدت في السجن، و ضيّق عليها في حبسها.» «2»

2- المختلس، و الطرار، و النباش:

ففي خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ أمير المؤمنين «ع» اتي برجل اختلس درّة من أذن جارية، فقال «ع»: هذه الدغارة المعلنة، فضربه

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 549، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 550، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 450

و حبسه.» «1» و نحوه خبر الجعفريات «2» و سيأتي.

و في الدعائم، عن جعفر بن محمد «ع»: «أنّه لا يقطع الطرّار و هو الذي يقطع النفقة من كمّ الرجل أو ثوبه، و لا المختلس و هو الذي يختطف الشي ء، و لكن يضربان ضربا شديدا و يحبسان.» «3»

و فيه أيضا: و قال جعفر بن محمد «ع»: «لا تقطع يد النباش إلّا أن يؤخذ و قد نبش مرارا. و يعاقب في كلّ مرّة عقوبة موجعة، و ينكل و يحبس.» «4»

و في مسند زيد بن عليّ «ع»، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»: «إنّه كان يحبس في النفقة، و في الدين، و في القصاص، و في الحدود، و في جميع الحقوق. و كان يقيد الدعّار بقيود لها أقفال، و يوكّل بهم من يحلّها لهم في أوقات الصلاة من أحد الجانبين.» «5»

أقول: الدعّار بالضم جمع داعر بالمهملات الثلاث: الخبيث الفاسد.

و بالذال المعجمة: الخبيث المعيوب. و بالغين المعجمة: المهاجم.

3- الحالق شعر المرأة:

ففي خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ قال: يضرب ضربا وجيعا، و يحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها، فإن نبت أخذ منه مهر نسائها، و إن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة ...» «6»

4- المولى إذا أبى أن يطلق أو يفي ء:

ففي خبر حماد بن عثمان، عن أبي

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 503، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 4.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 237، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 473، كتاب السّراق، الفصل 2، الحديث 1690.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 476، كتاب السّراق، الفصل 2، الحديث 1707.

(5)- مسند زيد/ 265، كتاب الشهادات، باب القضاء.

(6)- الوسائل 19/ 255، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 451

عبد اللّه «ع»، قال: «المولى إذا أبى أن يطلّق؟ قال: كان أمير المؤمنين «ع» يجعل له حظيرة من قصب، و يجعله (يحبسه يب.) فيها و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلّق.» «1» و نحوه روايات أخر و سيأتي.

5- شارب الخمر في رمضان:

ففي خبر أبي مريم، قال: اتي أمير المؤمنين «ع» بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان، فضربه ثمانين، ثم حبسه ليلة، ثم دعا به من الغد فضربه عشرين، فقال له: يا أمير المؤمنين، هذا ضربتني ثمانين في شرب الخمر، و هذه العشرون ما هي؟ قال: هذا لتجرئك على شرب الخمر في شهر رمضان.» «2» فتأمّل.

6- من أمسك أحدا ليقتله الآخر:

ففي خبر عمرو بن أبي المقدام، الحاكي لقصة رجل شكا إلى المنصور عن رجلين أخرجا أخاه من منزله ليلا فأمسكه أحدهما و قتله الآخر، أنّ المنصور طلب من جعفر بن محمد «ع» أن يقضي بينهم، فأمر «ع» أخاه أن يضرب عنق القاتل، ثم أمر بالآخر فضرب جنبيه، و حبسه في السجن، و وقّع على رأسه: يحبس عمره و يضرب في كل سنة خمسين جلدة.» «3» و روى نحوه في دعائم الإسلام، فراجع. «4»

7- القاتل عمدا إذا لم يقتصّ منه:

ففي خبر الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: عشرة قتلوا رجلا؟ قال: إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا و غرموا تسع ديات، و إن شاءوا تخيّروا رجلا فقتلوه و أدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدية كل رجل منهم.

قال: ثم الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 15/ 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 474، الباب 9 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 1.

(3)- الوسائل 19/ 36، الباب 18 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 406- 407، كتاب الديات، الفصل 2 (ذكر القصاص)، الحديث 1419.

(5)- الوسائل 19/ 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 452

و من هذا القبيل أيضا مرسلة الكليني، قال: و في رواية أخرى: «ثم للوالي بعد أدبه و حبسه.» «1» إذ الظاهر كون الأدب غير الحبس.

8- شاهد الزور:

ففي خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه أن عليّا «ع» كان إذا أخذ شاهد زور، فإن كان غريبا بعث به إلى حيّه، و إن كان سوقيا بعث به إلى سوقه، فطيف به، ثم يحبسه ايّاما ثم يخلّى سبيله.» «2» هذا.

و في سنن البيهقي، عن مكحول:

«أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمّاله في كور الشام في شاهد الزور أن يجلد أربعين، و يحلق رأسه، و يسخّم وجهه، و يطاف به، و يطال حبسه.» «3»

أقول: سخّم وجهه: سوّده. هذا. و البيهقي ضعّف الرواية، فراجع.

9- أمين السوق إذا خان:

ففي دعائم الإسلام، عن عليّ «ع»: «إنه استدرك على ابن هرمة خيانة- و كان على سوق الأهواز- فكتب إلى رفاعة: إذا قرأت كتابي فنحّ ابن هرمة عن السوق، و أوقفه للناس و اسجنه و ناد عليه. و اكتب إلى أهل عملك تعلمهم رأيي فيه.

و لا تأخذك فيه غفلة و لا تفريط فتهلك عند اللّه و أعز لك أخبث عزلة، و أعيذك باللّه من ذلك.

فإذا كان يوم الجمعة فأخرجه من السجن و اضربه خمسة و ثلاثين سوطا و طف به إلى الأسواق.

فمن أتى عليه بشاهد فحلّفه مع شاهده و ادفع إليه من مكسبه ما شهد به عليه، و مر به إلى السجن مهانا مقبوحا منبوحا، و احزم رجليه بحزام و أخرجه وقت الصلاة.

و لا تحل (و لا تخلّ خ. ل) بينه و بين من يأتيه بمطعم أو مشرب أو ملبس أو مفرش، و لا تدع أحدا يدخل إليه ممن يلقّنه اللدد و يرجيه الخلوص (الخلاص خ. ل). فإن صحّ عندك أنّ أحدا لقّنه ما يضرّ به مسلما فاضربه بالدرّة فاحبسه حتى يتوب.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 2.

(2)-

الوسائل 18/ 244، الباب 15 من أبواب الشهادات، الحديث 3.

(3)- سنن البيهقي 10/ 142، كتاب آداب القاضي، باب ما يفعل بشاهد الزور.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 453

و مر بإخراج أهل السجن في الليل إلى صحن السجن ليتفرجوا غير ابن هرمة، إلّا أن تخاف موته فتخرجه مع أهل السجن إلى الصحن. فإن رأيت به طاقة أو استطاعة فاضربه بعد ثلاثين يوما خمسة و ثلاثين سوطا بعد الخمسة و الثلاثين الأولى. و اكتب إليّ بما فعلت في السوق و من اخترت بعد الخائن، و اقطع عن الخائن رزقه.» «1»

و رواه عنه في المستدرك «2».

10- من يلقن المجرم بما يضر مسلما:

و يدل عليه هذا الخبر الذي مرّ من الدعائم.

11- من قتل مملوكه:

1- ففي رواية أبي الفتح الجرجاني، عن أبي الحسن «ع» في رجل قتل مملوكه أو مملوكته؟ قال: إن كان المملوك له أدّب و حبس إلّا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به. «3»

2- و في خبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّ أمير المؤمنين «ع» رفع إليه رجل عذّب عبده حتّى مات، فضربه مأئة نكالا، و حبسه سنة، و أغرمه قيمة العبد فتصدّق بها عنه. «4»

12- من سرق ثالثة:

1- فعن العياشي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ «ع»: «أنه اتي بسارق فقطع يده، ثمّ أتى به مرة أخرى فقطع رجله اليسرى، ثمّ أتى به ثالثة فقال إنّي أستحيي من ربّي أن لا أدع له يدا يأكل بها و يشرب بها و يستنجي بها و لا رجلا يمشي عليها، فجلده و استودعه السجن و أنفق عليه من بيت المال.» «5»

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 532، كتاب آداب القضاة، الحديث 1892.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 207، الباب 24 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 5.

(3)- الوسائل 19/ 69، الباب 38 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(4)- الوسائل 19/ 68، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

(5)- الوسائل 18/ 496، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 454

2- و في المستدرك، عن الجعفريات بسنده «و كان أمير المؤمنين «ع» إذا سرق السارق بعد أن تقطع يده و رجله، جلد و حبس في السجن و أنفق عليه من في ء المسلمين.» «1»

أقول: و في كتاب الخراج لأبي يوسف في حكم الجواسيس:

«و سألت يا أمير المؤمنين عن الجواسيس يوجدون و هم من أهل الذمّة

أو أهل الحرب أو من المسلمين، فإن كانوا من أهل الحرب أو من أهل الذمّة ممّن يؤدّي الجزية من اليهود و النصارى و المجوس فاضرب أعناقهم، و إن كانوا من أهل الإسلام معروفين فأوجعهم عقوبة و أطل حبسهم حتّى يحدثوا توبة.» «2»

و قد مرّ عن مالك في المدونة الكبرى في من خرج بعصا أو بشي ء و لم يخف السبيل و لم يأخذ المال و لم يقتل، قال مالك:

«فهذا لو أخذ فيه بأيسره لم أر في ذلك بأسا. قلت: و ما أيسره عند مالك؟ قال:

أيسره و أخفّه أن يجلد و ينفى و يسجن في الموضع الذي نفي إليه.» «3»

و حكى نحو ذلك عن مالك في الزاني البكر «4».

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(2)- الخراج/ 189.

(3)- المدوّنة الكبرى 4/ 429.

(4)- راجع أحكام السجون/ 109.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 455

الجهة السابعة: في أقسام السجون بحسب أصناف السجناء:

لا ريب أنّ السجون الشرعية يجب أن تلحظ فيها و في برامجها الموازين الشرعية و الأهداف الإصلاحية الإسلامية. و من الواضح أنّ اختلاط الرجال بالنساء في مكان خلوة مما يوجب الفساد قطعا. كما أن اختلاط الصبيان بل الشبّان الأحداث السذّج بالرجال المجرمين لطرق الفساد و الدعارة و التلصص في مكان خلوة لا شغل لهم فيه إلّا المقاولة و المفاكهة و صرف الوقت يوجب نشوء الصبيان و الشبّان على الفساد في الأخلاق و الأفعال، و لا يرضى الشرع المبين بذلك قطعا.

فيجب أن يفرد لكل صنف من هؤلاء و من أصناف المجرمين مكان خاصّ، لئلا يؤدّي الأمر إلى الفساد. و بذلك يظهر وجوب إفراد سجن الشباب السذّج أيضا عن سجن من توغّل في الانحراف الفكري و العقائد

الفاسدة و المناهج الباطلة المعدّية، إذ المعاشرة المستمرّة مؤثّرة قطعا؛ فينقلب السجن المعدّ للإصلاح إلى محل الفساد و الإفساد. هذا.

و في التراتيب الإدارية للكتاني قال:

«في كتب السيرة من خبر إسلام عديّ بن حاتم و فراره إلى الشام حين سمع بجيش رسول اللّه «ص» وطئ بلادهم: فخرج يتبعه خيل رسول اللّه «ص» فأصابت بنت حاتم ممن أصابته فقدم بها في سبايا طيّئ، و قد بلغ رسول اللّه «ص» أنّه هرب إلى الشام، فجعلت بنت حاتم في حصيرة بباب المسجد و كانت النساء تحتبس فيها.» «1»

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية 1/ 299.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 456

أقول: يظهر بذلك وجود السجن في عصر النبي «ص» و أنّ سجن النساء كان منفردا عن سجن الرجال.

و في كتاب أحكام السجون للوائلي:

«نصّ ابن عابدين في كتابه «ردّ المحتار على الدرّ المختار»، فقال: و يجعل للنساء سجن على حدة دفعا للفتنة، كما نصّ على ضرورة تفريق الأحداث عن الكبار.

و نصّ السرخسي في المبسوط، فقال: و ينبغي أن يكون محبس النساء في الدين على حدة، و لا يكون معهن رجل حتى لا يؤدّي إلى فتنة.» «1»

أقول: ذكر الدين من باب المثال قطعا، حيث كان أكثر حبسهن لذلك.

و الظاهر أنّه أراد بقوله: «ينبغي» اللزوم لا الاستحباب، فتدبّر.

الجهة الثامنة: في تقسيمها بملاحظة أسبابها الرئيسية:
اشارة

نلخص ذلك من كتاب «أحكام السجون»، قال فيه ما ملخصه:

«للدخول في السجن أسباب تستفاد من تتبع الروايات و آراء الفقهاء و أنّها أربعة أقسام رئيسية:

الاول: السجن الاحتياطي.

و هو إجراء تحفظي يتخذ قبل المتّهم الذي لم تثبت إدانته بعد و يحتمل أن تظهر براءته. و الحبس بالنسبة له ليس عقوبة و إنّما مجرد وسيلة احتياطية أثناء التحقيق لمنعه من الهروب أو عن التأثير على مجرى التحقيق، و لذلك يعامل في السجون معاملة تختلف عن المحكوم عليهم.

فعن ابن القيم في كتاب الطرق الحكمية: أن من الدعاوي أن يكون المتهم مجهول الحال لا يعرف ببرّ و لا فجور، فيحبس حتى ينكشف حاله، و هو ثابت عند عامة

______________________________

(1)- أحكام السجون/ 101.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 457

علماء الإسلام. و المنصوص عليه عند أكثر الأئمة أنّه يحبسه القاضي و الوالي. هكذا نصّ عليه مالك و أبو حنيفة و أحمد و أصحابهم. و قال الإمام أحمد: قد حبس النبي «ص» في تهمة، قال أحمد: و ذلك حتى يتبين للحاكم أمره ...

و من أمثلة هذا النوع ما ذكره السيد محسن العاملي في كتابه عجائب أحكام أمير المؤمنين «ع»، قال: إن عليّا «ع» حبس متهما بالقتل حتى نظر في أمر المتهمين معه.

الثاني: السجن الاستبرائي،

كحبس من أشكل حاله في العسر و اليسر كما روى في الوسائل أنّ عليّا «ع» قضى في الدين أن يحبس صاحبه، فإن تبين إفلاسه و الحاجة فيخلّى سبيله حتى يستفيد مالا. و كمن يحبس اختبارا لما ينسب إليه من السرقة و الفساد.

الثالث: السجن الحقوقي بقسميها من العامة و الخاصة.

فمن ذلك في الحقوق الخاصة ما رواه في الوسائل: أن أمير المؤمنين «ع» كان يحبس ثلاثة: رجلا أكل مال اليتيم، أو غصبه، أو اؤتمن على أمانة فذهب بها. و في الحقوق العامة ما أورد ابن النجار الحنبلي في منتهى الإرادات: إنّ من عرف بأذى الناس حتى بعينه- أي الغمز- حبس مؤبدا. و مثل حبس الجاسوس المسلم و عقابه و تركه سجينا حتى يحدث توبة.

الرابع: السجن الجنائي.

و أمثلته مستفيضة، من ذلك ما ورد «أنّ عليّا «ع» قضى في أربعة تباعجوا بالسكاكين و هم سكارى، فسجنهم حتى يفيقوا، فمات منهم اثنان و بقي اثنان، فقضى بالدية على قبائل الأربعة و أخذ جراحة الباقين من دية المقتولين.» إلى آخر ما ذكره، فراجع «1».

أقول: بعج البطن: شقّه. و لم يظهر لي فرق بيّن بين القسم الأوّل و الثاني، فالأولى جعلهما قسما واحدا. كما أنّ من المسجونين من يسجن لحقّ اللّه المحض، كالمرأة المرتدة. فهل يدرج هذا في القسم الثالث أو يجعل قسما على حدة؟

ثمّ إنّه لم يذكر في الأقسام الأسباب و الآراء السياسية الموجبة للسجن في أعصارنا، اللهم إلّا أن تدخل هذه في قسم الحقوق العامة، أو يقال إنّ السجن

______________________________

(1)- أحكام السجون/ 128- 130.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 458

بسببها بدعة و مخالف لحريّة النّاس في إظهار آرائهم السياسية ما لم يترتب عليه القتل و الإغارة و سلب الأمن من المجتمع. و يشهد لذلك عمل أصحاب النبي «ص» و الأئمة «ع»، فتدبّر.

الجهة التاسعة: في نفقات السجن و السجناء:
[نفقات بناء السجن و عمارته و مراقبيه على بيت المال]

أمّا السجن فحيث إنّه من المصالح العامة و مما يتوقف عليه استيفاء الحقوق و تأديب المجرمين و حفظ النظام و أمن السبل، فلا محالة تكون نفقات بنائه و عمارته و مرافقه و مراقبيه على بيت المال. و احتمال كونها في مال المسجون ضعيف.

و أضعف منه كونها في مال الحاكم بشخصه.

هذا مضافا إلى أنّه لم يعهد في التاريخ و لا في عصر النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» كون أجرة السجن و مراقبيه على المسجون أو على الحاكم بشخصه. و قد مرّ بناء أمير المؤمنين «ع» سجنين في الكوفة سماهما نافعا و مخيّسا، و الظاهر أنّه بناهما

من بيت المال لا من أمواله الشخصية أو من أموال السجناء.

و أما نفقة المسجون فهل تكون على بيت المال مطلقا، أو على نفسه كذلك، أو يفصّل بين من له مال أو يقدر على تحصيله و لو بالاشتغال في السجن، و بين غيره، أو يفصّل بين المخلّد في السجن فتكون على بيت المال كما في بعض الأخبار، و بين غيره فتكون على نفسه، أو يفصل بين التوقيف الموقت للكشف فتكون على بيت المال لعدم ثبوت تقصيره، و بين المحكوم بالسجن لثبوت تقصيره فتكون على نفسه على طبق القاعدة؟ في المسألة وجوه:

و نحن نتعرض أوّلا لما تقتضيه القواعد الأوّلية، ثم للروايات الواردة في المسألة، ثم نذكر بعض ما ذكره الفقهاء و المصنّفون في هذا المقام تتميما للفائدة:

فنقول: حيث إن نفقة الإنسان و كذا نفقات عائلته تكون أوّلا و بالذات في

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 459

أمواله و على عهدة نفسه- و المفروض أنّ كلامنا ليس في مطلق السجن و لو كان غير مشروع، بل في السجن المشروع من قبل اللّه- تعالى-، أعني ما وقع في قبال تهمة أجاز الشارع كشفها و لو بالسجن، أو في قبال إفساد الشخص أو عصيانه أو مطله و امتناعه- فمع فرض تمكنه من تحصيل النفقة و أدائها لا يرى وجه لتحميلها بيت المال المتعلّق بالمسلمين.

نعم، لو كان فقيرا و بقي هو و عائلته بلا معاش، و كان السجن مانعا من شغله و عمله المناسب صار حكمه حكم سائر الفقراء و المساكين في الارتزاق من بيت المال المعدّ لسدّ الخلّات.

و بالجملة، فيفصل بين الغني بالفعل أو بالقوة، و بين غيره. فنفقة الغني و لو بالقوة على نفسه،

و نفقة الفقير على بيت المال.

لا يقال: إن الغرض من سجنه كفّ شره و أذاه عن المسلمين، فتكون نفقته في طريق المصالح العامة، نظير نفقة السجن و مراقبيه.

فإنه يقال: فرق بين السجن و المسجون، إذ نفقة الشخص بحسب الطبع الأولى تكون على نفسه، و المفروض أن حبسه مستند إلى عمل نفسه و تقصيره و أن قدرته المالية و تمكنه باقية و لو في السجن، فلا وجه لتحميل نفقته على بيت المال.

نعم، لأحد أن يقول: إنّ ما ذكرت صحيح في من ثبت تقصيره و حكم بحبسه لذلك، و أمّا المسجون في تهمة قبل كشفها فلم يثبت تقصيره، و حيث إن توقيفه الموقت يكون في طريق المصالح العامة و تحمّله النفقة حينئذ ضرر عليه لا يجبر، كان المناسب رزقه من بيت المال حتى يتضح الحال.

و هذا التفصيل عندي قويّ و إن لم أعثر على من أفتى به. و يحتمل في المتّهم أيضا ثبوت حق المطالبة منه إذا ثبت بعد ذلك كونه مقصّرا، فتدبّر.

و كيف كان، فاللازم رعاية ما تقتضيه القواعد الأوّلية ما لم يرد دليل على خلافها.

[الروايات الواردة]

فلنرجع إلى الروايات الواردة في المسألة و لنبيّن المستفاد منها فنقول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 460

1- روى في الوسائل عن قرب الإسناد بسنده، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّ بن أبي طالب «ع» لما قتله ابن ملجم قال: «احبسوا هذا الأسير و أطعموه و أحسنوا إساره. فإن عشت فأنا أولى بما صنع بي: إن شئت استقدت و إن شئت عفوت ...» «1»

و روى نحوه البيهقي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «2».

أقول: لا يخفى أنّ هذه حكاية عن واقعة خاصّة، فلا تدلّ على حكم

كلّي بالنسبة إلى كل سجين و لو كان متمكنا بالفعل. و لعله كان أمرا عاطفيا منه «ع» بالنسبة إلى الأسير المحبوس في بيته. و الظاهر من كلامه «ع» إطعامه من طعامه لا من بيت المال، فتدبّر.

2- و في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ عليّا «ع» كان يطعم من خلد في السجن من بيت مال المسلمين.» «3»

و الظاهر من الخبر عموم الحكم بالنسبة إلى كل من خلد، فان التعبير يدل على الاستمرار.

3- و روى الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن رجل سرق، فقال: سمعت أبي يقول: اتي علي «ع» في زمانه برجل قد سرق فقطع يده، ثمّ اتي به ثانية فقطع رجله من خلاف، ثمّ اتي به ثالثة فخلده في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين و قال: هكذا صنع رسول اللّه «ص» لا أخالفه.» «4»

و رواه الشيخ بسنده، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أبي القاسم «5».

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 96، الباب 62 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(2)- سنن البيهقي 8/ 183، كتاب قتال أهل البغي، باب الرجل يقتل واحدا من المسلمين ...

(3)- الوسائل 11/ 69، الباب 32 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(4)- الوسائل 18/ 493، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.

(5)- التهذيب 10/ 104، الباب 8 من كتاب الحدود، الحديث 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 461

أقول: الظاهر أنّ المراد بالقاسم في سند الكليني قاسم بن سليمان، و حاله غير معلوم و إن قيل بأنّ

نقل النضر بن سويد عنه يلحقه بالحسان. و أمّا أبو القاسم في سند الشيخ فلم يعلم المراد منه، و لعله مصحف القاسم.

ثم لا يخفى أنّ المحكى من فعل أمير المؤمنين «ع» هو واقعة خاصة. فلعل الشخص كان فقيرا غير متمكن، فلا يدل الخبر على وجوب الإنفاق على كل مسجون. و الظاهر أن المشار اليه في قوله: «هكذا صنع رسول اللّه «ص»،» ليس هو مسألة الإنفاق، بل مسألة الحبس في الثالثة في قبال ما كان يفعله أبو بكر و عمر من القطع في الثالثة و الرابعة أيضا كما دلت عليه أخبارهم.

4- صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «تقطع رجل السارق بعد قطع اليد، ثمّ لا يقطع بعد، فإن عاد حبس في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين.» «1»

5- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث في السرقة، قال: «تقطع اليد و الرجل ثم لا يقطع بعد، و لكن إن عاد حبس و أنفق عليه من بيت مال المسلمين.» «2»

و الظاهر جواز الاستدلال بإطلاق الصحيحتين. و احتمال خصوصية السرقة ضعيف، و كذا احتمال خصوصية التخليد في السجن و إن كان المورد من موارد الإخلاد في السجن كما يدل عليه بعض أخبار الباب. اللّهم إلّا أن يقال: إنّ الغالب في من يخلد في السجن هو الفقر و عدم التمكن، فلا يستفاد من هذه الأخبار حكم المسجون المتمكن.

6- موثقة سماعة، قال: «سألته عن السارق و قد قطعت يده، فقال: تقطع رجله بعد يده، فإن عاد حبس في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 493، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 18/ 494، الباب 5

من أبواب حدّ السرقة، الحديث 7.

(3)- الوسائل 18/ 496، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 462

7- و روى الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين «ع»: «أنّه كان إذا سرق الرجل أوّلا قطع يمينه، فإن عاد قطع رجله اليسرى، فإن عاد ثالثة خلده السجن و أنفق عليه من بيت المال.» «1»

8- و عن العياشي في تفسيره، عن السكوني، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن عليّ «ع» أنه اتي بسارق فقطع يده ... فجلده و استودعه السجن و أنفق عليه من بيت المال.» «2»

9- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنّه قال: «من خلد في السجن رزق من بيت المال و لا يخلد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتدّ إلّا أن تتوب، و السارق بعد قطع اليد و الرجل، يعني إذا سرق بعد ذلك في الثالثة.» «3» و رواه عنه في المستدرك «4».

10- و فيه أيضا في حديث: «و كان عليّ «ع» إذا اتي بالسارق في الثالثة بعد أن قطع يده و رجله في المرتين خلده في السجن و أنفق عليه من في ء المسلمين، فإن سرق في السجن قتله.» «5» و رواه عنه في المستدرك «6».

11- و في المستدرك، عن الجعفريات بسنده: «و كان أمير المؤمنين إذا سرق السارق بعد أن تقطع يده و رجله جلد و حبس في السجن و أنفق عليه من في ء المسلمين.» «7»

12- و فيه أيضا، عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى بسنده، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث، قال: «و يقطع من السارق الرجل بعد اليد، فإن عاد فلا قطع و

لكن يخلد السجن و ينفق عليه من بيت المال.» «8»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 495، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 18/ 496، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 16.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 539، كتاب آداب القضاة، الحديث 1917.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 4.

(5)- دعائم الإسلام 2/ 470، كتاب السرّاق، الفصل 1، الحديث 1674.

(6)- مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.

(7)- مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(8)- مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 463

هذا ما عثرنا عليه من أخبار المسألة.

[المستفاد من الأخبار]

و دلالتها إجمالا على كون نفقة السجناء على بيت المال ظاهرة، و ظاهر بعضها الإطلاق أيضا، فيرفع بسببها اليد عما أصلناه من القاعدة الأوّلية. اللّهم إلّا أن يقال إن مورد الجميع السرقة الثالثة، و حكمها التخليد في السجن، و الغالب فيمن خلد فيه تلاشى طرق المعيشة و اضمحلالها، فلا يستفاد من هذه الروايات حكم من بقي رأس ماله و ثروته. هذا.

و في كتاب القضاء من ملحقات العروة:

«الظاهر أنّ مئونة الحبس من بيت المال. و إذا لم يكن فعلى المحبوس. و يحتمل كونها على المحكوم له.» «1»

أقول: محل بحثه مطل المديون، فيوجد في قباله مطالب الدين الذي حكم له بسجن المديون.

و في كتاب القضاء من المستند:

«مئونة المحبوس حال الحبس من ماله، و وجهه ظاهر. و يشكل الأمر لو لم يكن له شي ء ظاهر، و كان ينفق كل يوم بقرض أو كسب قدر مئونته أو سؤال أو كلّ على غيره و

نحوها، بل قد يغتنم المحبس لذلك. و كذا الإشكال في مئونة الحبس، فإنه يحتاج إلى مكان و مراقب ليلا و نهارا لئلا يهرب، فإن كان هنا بيت مال فالمؤونتان عليه، و إلّا فإن بذله خصمه من ماله فلا إشكال أيضا، و إلّا فتحميله على الحاكم ضرر عليه منفيّ. فيعارض بأدلّته أدلّة الحبس، فيرجع إلى أصل عدم وجوب الحبس عليه، أو يقال بالتخيير فله إطلاقه و لا يجب عليه شي ء.» «2»

[كلام القاضي أبي يوسف فيما كتبه لهارون الرشيد في هذا المطلب]

و في كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف، الذي كتبه لهارون الرشيد، كلام طويل في هذا المقام يناسب ذكره، قال فيه:

______________________________

(1)- ملحقات العروة الوثقى 3/ 56، كتاب القضاء، الفصل 3، المسألة 13.

(2)- مستند الشيعة 2/ 549.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 464

«و أمّا ما سألت عنه يا أمير المؤمنين من أمر أهل الدعارة و الفسق و التلصّص إذا أخذوا في شي ء من الجنايات و حبسوا هل يجرى عليهم ما يقوتهم في الحبس، و الذي يجرى عليهم من الصدقة أو من غير الصدقة؟ و ما ينبغي أن يعمل به فيهم.

قال: لا بد لمن كان في مثل حالهم إذا لم يكن له شي ء يأكل منه لا مال و لا وجه شي ء يقيم به بدنه أن يجرى عليه من الصدقة أو من بيت المال. من أيّ الوجهين فعلت فذلك موسّع عليك، و أحبّ إليّ أن تجري من بيت المال على كل واحد منهم ما يقوته، فإنه لا يحل و لا يسع إلّا ذلك.

قال: و الأسير من أسرى المشركين لا بدّ أن يطعم و يحسن إليه حتّى يحكم فيه، فكيف برجل مسلم قد اخطأ أو أذنب: يترك يموت جوعا؟ و إنما حمله على ما صار

إليه القضاء أو الجهل.

و لم تزل الخلفاء يا أمير المؤمنين تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم و أدمهم و كسوتهم الشتاء و الصيف. و أوّل من فعل ذلك عليّ بن أبي طالب- كرّم اللّه وجهه- بالعراق، ثمّ فعله معاوية بالشام، ثمّ فعل ذلك الخلفاء من بعده.

قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، عن عبد الملك بن عمير، قال: كان عليّ بن أبي طالب إذا كان في القبيلة أو القوم الرجل الداعر حبسه، فإن كان له مال أنفق عليه من ماله، و إن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين، و قال: يحبس عنهم شرّه و ينفق عليه من بيت مالهم.

قال: و حدثنا بعض أشياخنا، عن جعفر بن برقان، قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: «لا تدعنّ في سجونكم أحدا من المسلمين في وثاق لا يستطيع أن يصلّي قائما، و لا تبيتن في قيد إلّا رجلا مطلوبا بدم. و أجروا عليهم من الصدقة ما يصلحهم في طعامهم و أدمهم. و السلام.»

فمر بالتقدير لهم ما يقوتهم في طعامهم و أدمهم، و صيّر ذلك دراهم تجري عليهم في كل شهر يدفع ذلك إليهم، فإنّك إن أجريت عليهم الخبز ذهب به ولاة السجن و القوّام و الجلاوزة. و ولّ ذلك رجلا من أهل الخير و الصلاح يثبت أسماء من في السجن ممن تجرى عليهم الصدقة، و تكون الأسماء عنده، و يدفع ذلك إليهم شهرا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 465

بشهر؛ يقعد و يدعو باسم رجل رجل و يدفع ذلك إليه في يده، فمن كان منهم قد أطلق و خلّي سبيله ردّ ما يجرى عليه، و يكون

للإجراء عشرة دراهم في الشهر لكل واحد، و ليس كل من في السجن يحتاج إلى أن يجرى عليه.

و كسوتهم في الشتاء قميص و كساء، و في الصيف قميص و إزار، و يجرى على النساء مثل ذلك، و كسوتهن في الشتاء قميص و مقنعة و كساء، و في الصيف قميص و إزار و مقنعة.

و أغنهم عن الخروج في السلاسل يتصدق عليهم الناس، فإنّ هذا عظيم أن يكون قوم من المسلمين قد أذنبوا و أخطئوا و قضى اللّه عليهم ما هم فيه فحبسوا يخرجون في السلاسل يتصدقون. و ما أظنّ أهل الشرك يفعلون هذا بأسارى المسلمين الذين في أيديهم، فكيف ينبغي أن يفعل هذا بأهل الإسلام؟ و إنما صاروا إلى الخروج في السلاسل يتصدقون لما هم فيه من جهد الجوع. فربّما أصابوا ما يأكلون و ربّما لم يصيبوا.

إنّ ابن آدم لم يعر من الذنوب، فتفقد أمرهم، و مر بالإجراء عليهم مثل ما فسرت لك.

و من مات منهم و لم يكن له وليّ و لا قرابة، غسل و كفن من بيت المال و صلّي عليه و دفن، فإنه بلغني و أخبرني به الثقات أنّه ربما مات منهم الميت الغريب، فيمكث في السجن اليوم و اليومين حتى يستأمر الوالي في دفنه و حتى يجمع أهل السجن من عندهم ما يتصدقون و يكترون من يحمله إلى المقابر فيدفن بلا غسل و لا كفن و لا صلاة عليه! فما أعظم هذا في الإسلام و أهله!

و لو أمرت بإقامة الحدود لقلّ أهل الحبس و لخاف الفسّاق و أهل الدعارة و لتناهوا عما هم عليه. و إنما يكثر أهل الحبس لقلة النظر في أمرهم. إنّما هو حبس و ليس فيه نظر. فمر ولاتك

جميعا بالنظر في أمر أهل الحبوس في كل أيّام؛ فمن كان عليه أدب أدّب و أطلق، و من لم يكن له قضية خلّي عنه. و تقدّم إليهم أن لا يسرفوا في الأدب و لا يتجاوزوا بذلك إلى ما لا يحلّ و لا يسع، فإنه بلغني أنهم يضربون الرجل في التهمة و في الجناية: الثلاثمائة و المائتين و أكثر و أقلّ! و هذا مما لا يحلّ و لا يسع. ظهر

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 466

المؤمن حمى إلّا من حقّ يجب بفجور أو قذف أو سكر أو تعزير لأمر أتاه لا يجب فيه حدّ. و ليس يضرب في شي ء من ذلك، كما بلغني أن ولاتك يضربون و إنّ رسول اللّه «ص» قد نهى عن ضرب المصلّين.» «1»

انتهى كلام أبي يوسف. و إنما حكيناه بطوله لاشتماله على أمور مهمة دقيقة، و لأنه يرينا أيضا سنخ أعمال الولاة و الأمراء في تلك الأعصار و معاملتهم للسجناء و الأسراء، و يظهر منه التفصيل بين واجد المال و فاقده مستندا في ذلك إلى ما رواه عن أمير المؤمنين «ع».

و قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«يجوز للأمير فيمن تكررت منه الجرائم و لم ينزجر عنها بالحدود أن يستديم حبسه إذا استضرّ الناس بجرائمه حتى يموت بعد أن يقوم بقوته و كسوته من بيت المال ليدفع ضرره عن الناس.» «2»

و في كتاب أحكام السجون عن كتاب نظم الحكم بمصر:

«و أوّل من أجرى من الخلفاء الراشدين على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم و كسوتهم صيفا و شتاء هو الإمام عليّ «ع». فإذا كان للمجرم مال أنفق منه عليه في السجن، و إن لم يكن له مال أنفق

عليه من بيت مال المسلمين حتى يحبس عن الناس شرّه.» «3»

أقول: و كيف كان فالأقوى في المسألة هو التفصيل بين المتمكن فعلا أو بالقوة من تحصيل ما يعيش به، و بين غيره، ففي الأوّل يكون على نفسه و في الثاني على بيت المال، اللّهم إلّا أن يكون للحكومة مانع من قبول المال و المؤونة من الخارج و تقتضي المصلحة كون الجميع على بيت المال تحت نظام واحد، كما لعله الغالب في سجون عصرنا، فتدبّر.

______________________________

(1)- الخراج/ 149- 151.

(2)- الأحكام السلطانيّة/ 220.

(3)- أحكام السجون/ 125.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 467

الجهة العاشرة: في التعرض لفروع أخر جزئية:
اشارة

يظهر من جميعها إجمالا وجوب رعاية السجناء في معاشهم و معادهم، و السعي في خلاصهم من السجن، و الاهتمام بمرافقهم بمقدار لا ينافي المقصود من حبسهم:

الأوّل: النظر في حال المحبوسين:

حيث إن السجون في جميع الأعصار كانت تحت أمر السلطة القضائيّة، كما هو المتعارف في عصرنا أيضا، ذكر الفقهاء في آداب القضاء أن من وظائف القاضي المنصوب في أوّل نصبه أن ينظر في حال المحبوسين بأمر القاضي المعزول، كيلا يبقى في السجن شخص بلا جهة ملزمة.

ففي آداب القضاء من المبسوط:

«فإذا جلس للقضاء فأوّل شي ء ينظر فيه حال المحبّسين في حبس المعزول، لأنّ الحبس عذاب فيخلصهم منه، و لأنه قد يكون منهم من تمّ عليه الحبس بغير حقّ.»

إلى آخر ما ذكره «1».

و في قضاء الشرائع في الآداب المستحبة للقاضي:

«ثم يسأل عن أهل السجون و يثبت أسماءهم و ينادي في البلد بذلك ليحضر

______________________________

(1)- المبسوط 8/ 91.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 468

الخصوم و يجعل لذلك وقتا، فإذا اجتمعوا أخرج اسم واحد واحد و يسأله عن موجب حبسه، و عرض قوله على خصمه، فإن ثبت لحبسه موجب أعاده، و إلّا أشاع حاله بحيث إن لم يظهر له خصم أطلقه. و كذا لو أحضر محبوسا فقال: لا خصم لي، فإنه ينادي في البلد، فإن لم يظهر له خصم أطلقه، و قيل: يحلفه مع ذلك.» «1»

و في المنهاج للنووي في فقه الشافعية:

«و ينظر أوّلا في أهل الحبس، فمن قال: حبست بحق أدامه، أو ظلما فعلى خصمه حجّة.» «2»

و في أحكام السجون عن المهذّب لأبي إسحاق الشيرازي من فقهاء الشوافع، قال:

«و يستحب أن يبدأ في نظرة المحبّسين، لأنّ الحبس عقوبة و عذاب، و ربما كان فيهم من تجب

تخليته، فاستحب البداية بهم. و يكتب أسماء المحبّسين و ينادي في البلدان: القاضي يريد النظر في أمر المحبّسين في يوم كذا، فليحضر من له محبوس.

فإذا حضر الخصوم أخرج خصم كل واحد منهم، فإن وجب إطلاقه أطلقه، و إن وجب حبسه أعاده إلى الحبس.» «3»

أقول: و قد صرّح بهذا المضمون أكثر فقهاء الشيعة و السنة في كتاب القضاء، فراجع و انظر كيف اهتم الفقه الإسلامي بأمر المحبوسين و تفقد حالاتهم، و لاحظ ما تعارف في أكثر البلدان من امتلاء السجون بمتّهمين قضوا أشهرا عديدة بل سنوات في السجون بلا تعيين لحالهم و أوضاعهم و ما إليه مآلهم، فتدبّر.

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 73.

(2)- المنهاج/ 591.

(3)- أحكام السّجون/ 120؛ عن المهذّب 2/ 298.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 469

الثاني: رعاية حاجات المحبوسين:

إنّ على الإمام أن يراعي حاجات المحبوسين في معاشهم من الغذاء و الدواء و الهواء الصافي و الألبسة الصيفية و الشتوية و سائر المرافق و الإمكانات.

و قد مرّ بالتفصيل البحث في نفقة المحبوسين في الجهة التاسعة، و مرّ عن كتاب الخراج لأبي يوسف قوله:

«و لم تزل الخلفاء تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم و أدمهم و كسوتهم الشتاء و الصيف. و أوّل من فعل ذلك عليّ بن أبي طالب- كرّم اللّه وجهه- بالعراق، ثمّ فعله معاوية بالشام، ثمّ فعل ذلك الخلفاء من بعده.» «1»

و في كتاب أحكام السجون في بيان ما يلزم رعايته:

«أن يكون بناء السجن مريحا و واقيا من الحرّ و البرد مما يتوفر معه راحة السجين.

و من هنا ترى النبي «ص» يحبس في الدور الاعتيادية التي يسكنها سائر الناس و يتوفر فيها النور و السعة. فقد حبس الأسرى المقاتلين الذين حكمهم

القتل في دور اعتيادية، إذ فرقهم على بيوت الصحابة، و أحيانا كان يحبسهم في دار واحدة كما حبسهم في دار امرأة من بني النجار من الأنصار.» «2»

و في بدائع الصنائع:

«و أمّا بيان ما يمنع المحبوس عنه و ما لا يمنع: فالمحبوس ممنوع عن الخروج إلى أشغاله و مهمّاته، و إلى الجمع و الجماعات و الأعياد و تشييع الجنائز و عيادة المرضى و الزيارة و الضيافة، لأن الحبس للتوسل إلى قضاء الدين فإذا منع عن أشغاله و مهمّاته

______________________________

(1)- الخراج/ 149.

(2)- أحكام السجون/ 117.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 470

الدينية و الدنيوية تضجّر فيسارع إلى قضاء الدين. و لا يمنع من دخول أقاربه عليه، لأنّ ذلك لا يخلّ بما وضع له الحبس، بل قد يقع وسيلة إليه. و لا يمنع من التصرفات الشرعية من البيع و الشراء و الهبة و الصدقة و الإقرار لغيرهم من الغرماء، حتى لو فعل شيئا من ذلك نفذ و لم يكن للغرماء ولاية الإبطال، لأن الحبس لا يوجب بطلان أهلية التصرّفات ...» «1»

أقول: ما ذكره من عدم الخروج الى الجمع ربما ينافي ما نذكره عن قريب من إخراج الإمام المحبوسين إلى الجمع و الأعياد و لكن تحت مراقبة الحرّاس و ضمانة الأولياء. هذا.

و من الأمور المهمّة التي ينبغي رعايتها إيجاد شرائط اللقاء بين المسجون و زوجه و إمكان الخلوة بينهما، فإن الحاجة الجنسية من أشدّ الحاجات، و الفصل الطويل بينهما يستعقب غالبا أمورا لا يرضى بها العقل و الشرع، و ربما يوجب الفرقة، و تلاشي الحياة العائلية.

و في المستدرك، عن الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»: «إن امرأة استعدت

عليّا «ع» على زوجها، فأمر عليّ «ع» بحبسه.

و ذلك الزوج لا ينفق عليها إضرارا بها، فقال الزوج احبسها معي. فقال عليّ «ع»: لك ذلك؛ انطلقي معه.» «2»

الثالث: ضمان السّجان إذا فرّط:

لو فرّط السجّان في أمن مكان السجين أو تهويته أو غذائه أو دوائه أو سائر

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 7/ 174.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 497، الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 471

وسائل عيشته فمات أو مرض لأجل تفريطه فالظاهر ضمانه له قصاصا أو دية، لاستناد الموت و المرض إلى عمله.

1- قال الشيخ في الخلاف (المسألة 19 من الجنايات):

«إذا أخذ صغيرا فحبسه ظلما فوقع عليه حائط أو قتله سبع أو لسعته حيّة أو عقرب فمات كان عليه ضمانه، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: لا ضمان عليه.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا طريقة الاحتياط تقتضيه. و أما إذا مات حتف أنفه فلا ضمان عليه بلا خلاف.» «1»

أقول: الظاهر أن مراده بأخبار الفرقة الأخبار الدالة على الضمان في أشباه المقام مما كان الموت فيها مستندا إلى فعل السبب عرفا. و مراده بحتف الأنف ما كان الموت فيه مستندا إلى بلوغ أجله الطبيعي.

و لعلّ ذكر الصبي كان من جهة وضوح استناد موته إلى هذه الأمور التي ذكرها، إذ الكبير يدافع عن نفسه غالبا و لو بالصياح و الاستمداد، و إلّا فلو لم يتمكن هو من الدفاع لأجل حبسه و تفريط الحابس فالظاهر هو الضمان فيه أيضا.

و كذلك لا فرق بين الحبس ظلما أو عن حقّ، إذ الحقّ هو الحبس لا جعله في معرض السبع أو الحيّة أو الحائط المشرف على الوقوع، فتأمّل.

2- و قال في كتاب الجراح من

المبسوط:

«إذا أخذ حرّا فحبسه فمات في حبسه فإن كان يراعيه بالطعام و الشراب فمات في الحبس فلا ضمان بوجه، صغيرا كان أو كبيرا. و قال بعضهم: إن كان كبيرا مثل هذا، و إن كان صغيرا فإن مات حتف أنفه فلا ضمان، و إن مات بسبب مثل أن لدغته حيّة أو عقرب أو قتله سبع أو وقع عليه حائط أو سقف فقتله فعليه الضمان. و هذا الذي يقتضيه مذهبنا و أخبارنا.

فأمّا إن منعه الطعام أو الشراب أو هما، أو طيّن عليه البيت فمات، فإن مات في

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 94.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 472

مدّة يموت فيها غالبا فعليه القود، و إن كان لا يموت فيها غالبا فلا قود و فيه الدية.

و هذا يختلف باختلاف حال الإنسان و الزمان: فإن كان جائعا أو عطشانا و الزمان شديد الحرّ، مات في الزمان القليل. و إن كان شبعانا أو ريّانا و الزمان معتدل أو شديد البرد، لم يمت في الزمان الطويل، فيعتبر هذا فيه، فإن كان في مدّة يموت مثله فيها فعليه القود، و إن كان لا يموت غالبا فيها فعليه الدية.» «1»

3- و في كتاب الجنايات من قواعد العلّامة في بيان أنحاء القتل:

«لو حبسه و منعه الطعام و الشراب مدّة لا يحتمل في مثله البقاء فيها فمات، أو أعقبه مرضا مات به، أو ضعف قوة حتّى تلف بسببه فهو عمد. و يختلف ذلك باختلاف الناس و قواهم، و اختلاف الأحوال و الأزمان. فالريّان في البرد يصبر ما لا يصبر العطشان في الحرّ، و بارد المزاج يصبر على الجوع أكثر من حارّه. و لو حبس الجائع حتى مات جوعا فإن علم جوعه

لزمه القصاص، كما لو ضرب مريضا ضربا يقتل المريض دون الصحيح، و إن جهله ففي القصاص إشكال. فإن نفيناه ففي إيجاب كل الدية أو نصفها إحالة للهلاك على الجوعين إشكال.» «2»

4- و في كتاب أحكام السجون نقلا عن مبسوط السرخسي:

«لو حبسه في البيت فطبق عليه الباب حتى مات فعند الصاحبين- أي أبي يوسف و محمد بن الحسن- أنه يضمن ديته، لأنه تسبّب في إتلافه على وجه متعدّ فيه، فيكون بمنزلة حافر البئر في الطريق.» «3»

5- و فيه أيضا عن أبي اسحاق الشيرازي في المهذّب:

«و إن حبس رجلا و منع عنه الطعام و الشراب مدّة لا يبقى فيها من غير طعام و لا شراب فمات، وجب عليه القصاص.» «4»

إلى غير ذلك من كلمات فقهاء الفريقين. و العمدة صحة استناد الموت إليه

______________________________

(1)- المبسوط 7/ 18.

(2)- القواعد 2/ 278.

(3)- أحكام السجون/ 118.

(4)- أحكام السجون/ 119؛ عن المهذّب 2/ 176.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 473

عرفا و لو بالتسبيب إذا كان أقوى من المباشرة. و لا ينحصر الحكم في الطعام و الشراب بل يعمّ الدواء و سائر ما يتوقف عليه إدامة الحياة بالنسبة إلى هذا الشخص و لو مثل وسائل التهوية و التدفئة و نحوهما، فتدبّر.

الرابع: على الإمام أن يراعي الشؤون الدينية للسجناء:

1- فعن الصدوق بإسناده، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّه قال: «على الإمام أن يخرج المحبّسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة، و يوم العيد إلى العيد.

فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة و العيد ردّهم إلى السجن.» «1»

و سند الصدوق إلى عبد اللّه بن سنان صحيح، فالرواية صحيحة.

و عن الشيخ بسنده، عن عبد الرحمن بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع» مثله «2».

و

سنده إلى ابن سيّابة صحيح، و الظاهر كون ابن سيّابة موثوقا به و إن رماه صاحب المدارك بالجهالة.

2- و عن الجعفريّات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «ع»: «أنّ عليّا «ع» كان يخرج أهل السجون من الحبس في دين أو تهمة إلى الجمعة، فيشهدونها، و يضمنهم الأولياء حتى يردّونهم.» «3»

و الظّاهر أنه لا خصوصيّة للدين و التهمة، بل الظاهر عموم الحكم لكل مسجون مسلم. نعم، ربّما يظهر من هاتين الروايتين أن الحبس في تلك الأعصار لم يكن غالبا إلّا في الديون أو التهم، و لم يكن الأمر مثل ما في أعصارنا بحيث يحكم بالحبس

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 221، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.

(2)- الوسائل 5/ 36، الباب 21 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 1.

(3)- مستدرك الوسائل 1/ 410، الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 1؛ و 3/ 207، الباب 24 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 474

لكل كبيرة و صغيرة بل لكل أمر تافه موهوم أيضا، بل لم يعهد في عصر أمير المؤمنين «ع» و ما قبله وجود السجون السياسيّة الرائجة في عصرنا، حيث إن الناس كانوا أحرارا في عرض آرائهم السياسيّة ما لم يترتب عليها البغي و الطغيان و القتل و الإغارة. هذا.

3- و عن الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «ع»: «أن عليّا «ع» كان يخرج الفسّاق إلى الجمعة، و كان يأمر بالتضييق عليهم.» «1»

و لعل الظاهر منه الإخراج من السجن. و إن أبيت ذلك فعمومه يشمل المسجونين.

4- و في كتاب «أحكام السجون» نقلا عن الأستاذ توفيق الفكيكي في بحثه في تاريخ السجن الإصلاحي:

«قد جاءت الأخبار

و دلّت الآثار التي يجدها القارئ في كتب التاريخ و الآداب و السير و في مدوّنات الفقه الإسلامي بأنّ العبادات الشرعية و الآداب التهذيبية و التعاليم القرآنية و القراءة و الكتابة كانت مرعيّة و محتمة في النافع و المخيّس. «2»

و كان أمير المؤمنين «ع» يؤدّب المسجونين المكلّفين بالنفعات- العصيّ- على تركهم الشعائر الدينية، و يعزّر المهمل منهم أو المتهاون بأدائها. كما كان يلحظ بروح الإنصاف أحوال معيشتهم و إدارتهم و شئونهم الأخرى ملاحظة دقيقة، و يشملهم برعايته و يرأف بحالهم.» «3»

الجهة الحادية عشرة: في ذكر ما عثرت عليه من موارد السجن في أخبار الشيعة و السنة:
اشارة

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 1/ 410، الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 2.

(2)- سجنان بناهما أمير المؤمنين «ع» كما مرّ.

(3)- أحكام السجون/ 124.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 475

[ضابطة ذكرها الشهيد الأوّل و كتاب «الفقه الإسلامي و أدلّته» لذلك]

و قبل التعرض لها نذكر ضابطة ذكرها الشهيد الأوّل لذلك في كتابه المسمّى بالقواعد و الفوائد، و ضابطة حكاها في كتاب «الفقه الإسلامي و أدلّته» عن بعض علماء السنة:

قال الشهيد في القواعد:

«ضابط الحبس: توقف استخراج الحق عليه. و يثبت في مواضع:

[1]- الجاني إذا كان المجنى عليه غائبا أو وليّه، حفظا لمحل القصاص.

[2]- و الممتنع من أداء الحق مع قدرته عليه.

[3]- و المشكل أمره في العسر و اليسر إذا كانت الدعوى مالا، أو علم له أصل مال و لم يثبت إعساره، فيحبس ليعلم أحد الأمرين.

[4]- و السارق بعد قطع يده و رجله مرّتين، أو سرق و لا يد له و لا رجل.

[5]- من امتنع من التصرف الواجب عليه الذي لا يدخله النيابة كتعيين المختارة و المطلقة، و تعيين المقرّ به من العينين أو الأعيان، و قدر المقرّ به عينا أو ذمّة، و تعيين المقرّ له.

[6]- و المتهم بالدم، ستة أيام.

فإن قلت: القواعد تقتضي أنّ العقوبة بقدر الجناية، و من امتنع عن أداء درهم حبس حتى يؤدّيه، فربّما طال الحبس، و هذه عقوبة عظيمة في مقابلة جناية حقيرة.

قلت: لمّا استمر امتناعه قوبل كل ساعة من ساعات الامتناع بساعة من ساعات الحبس، فهي جنايات متكرّرة و عقوبات متكرّرة.» «1»

انتهى كلام الشهيد «ره».

أقول: كأنّ الشهيد «قده» لم يكن يرى للسجن التعزيري و لا السجون السياسية الرائجة في جميع الأعصار اعتبارا شرعيا، و لذا لم يتعرض لهما. كما أنّه لم يذكر من

______________________________

(1)- القواعد و الفوائد

2/ 192؛ و نضد القواعد/ 499.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 476

موارد الإخلاد في السجن الواردة في الروايات إلّا موردا واحدا و هو السارق بعد قطع يده و رجله، مع أنّ موارد الإخلاد أكثر كما سيظهر.

و في الفقه الإسلامي و أدلّته، عن القرافي المالكي في كتاب الفروق:

«و يشرع الحبس في ثمانية مواضع:

الأوّل: يحبس الجاني لغيبة المجني عليه، حفظا لمحل القصاص.

الثاني: حبس الآبق سنة، حفظا للمالية رجاء أن يعرف صاحبه.

الثالث: يحبس الممتنع عن دفع الحقّ، إلجاء إليه.

الرابع: يحبس من أشكل أمره في العسر و اليسر، اختبارا لحاله، فإذا ظهر حاله حكم بموجبه عسرا أو يسرا.

الخامس: الحبس للجاني، تعزيرا و ردعا عن معاصي اللّه- تعالى-.

السادس: يحبس من امتنع من التصرف الواجب الذي لا تدخله النيابة، كحبس من أسلم متزوجا بأختين أو عشر نسوة، أو امرأة و ابنتها، و امتنع من تعيين واحدة.

السابع: من أقرّ بمجهول، عينا أو في الذمّة، و امتنع من تعيينه، فيحبس حتى يعيّنهما، فيقول: العين هو هذا الثوب أو هذه الدابّة و نحوهما، أو الشي ء الذي أقررت به هو دينار في ذمّتي.

الثامن: يحبس الممتنع في حقّ اللّه- تعالى- الذي لا تدخله النيابة عند الشافعية كالصوم. و عند المالكية، يقتل كالصلاة.

قال القرافي: و ما عدا هذه الثمانية لا يجوز الحبس فيه، و لا يجوز الحبس في الحق إذا تمكن الحاكم من استيفائه. فإن امتنع المدين من دفع الدين، و عرف ماله، أخذنا منه مقدار الدين، و لا يجوز لنا حبسه. و كذلك إذا ظفرنا بماله أو داره أو شي ء يباع له في الدين رهنا كان أو غيره فعلنا ذلك و لا نحبسه، لأن في حبسه استمرار ظلمه، و دوام المنكر

في الظلم.» «1»

أقول: كلام هذا القائل أيضا خال من ذكر السجون السياسية التي صارت

______________________________

(1)- الفقه الإسلامي و أدلّته 6/ 199.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 477

مشكلة اجتماعية في جميع البلاد، فتدبّر.

اذا عرفت هذا فنقول: الأخبار الواردة في الحبس على طائفتين:

الأولى: ما تعرضت لمطلق الحبس و السجن بنحو الإجمال أو لمدّة معينة.

و التانية: ما تعرضت لمن يخلد في السجن حتى يموت أو حتى يتوب.

فنذكر الطائفة الأولى أوّلا ثمّ نعقبها بالطائفة الثانية. و لا يخفى أنه ربما يرجع بعض العناوين إلى بعض و يدخل بعضها في بعض، و لكن المقصود التعرض لجميع الموارد المذكورة في الروايات. و ربما يجري في بعضها تنقيح المناط القطعي و إلغاء الخصوصية أو يصطاد من الجميع قاعدة كليّة عامّة، فلاحظ.

أمّا الطائفة الأولى:
فالأوّل منها- مورد التهمة:

1- فروى الكليني و الشيخ بأسانيد معتبرة، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن النبيّ «ص» كان يحبس في تهمة الدم ستة أيّام، فإن جاء أولياء المقتول بثبت، و إلّا خلّى سبيله.» «1»

أقول: الثبت بفتحتين: الحجة و الدليل. و التعبير بالماضي الاستمراري، أعني قوله: «كان يحبس» كاشف عن تعدّد الوقائع الصادرة عنه. و الموضوع في الحديث و إن كان خصوص الدم و لكن إثبات الشي ء لا يدلّ على نفي غيره، فلا يدل هذا الحديث على عدم جواز الحبس لغير الدم.

و ليلاحظ أن الدّم مع أهميته و اهتمام الإسلام بأمره لم يكن النبي «ص» يحبس بداعي كشفه إلّا ستّة أيام، ثمّ كان يخلّي سبيل المتّهم. و ظاهر عبارة الشهيد في

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 121، الباب 12 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 478

القواعد

كما مرّ أيضا تعيّن ستّة أيّام، و عدم جواز التعدي عنها. و ليس هذا إلّا لأنّ شخصيات الناس و أوقاتهم أيضا محترمة مهتم بها في الإسلام، فلا يجوز التعرض لها و تضييعها إلّا بقدر الضرورة، فتدبّر.

2- و في سنن أبي داود بسنده، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه: «أنّ النبي «ص» حبس رجلا في تهمة.» «1»

3- و في سنن الترمذي بسنده، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه: «أنّ النبي «ص» حبس رجلا في تهمة ثم خلّى عنه.» «2»

4- و في سنن البيهقي بسنده، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه: «أنّ النبي «ص» حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثمّ خلّى عنه.» «3»

و الظاهر أنّ الثلاثة رواية واحدة نقلت بوجوه مختلفة.

5- و في التراتيب الإدارية: «ذكر بعضهم أنّ رسول اللّه «ص» سجن في المدينة في تهمة. رواه عبد الرزاق و النسائي في مصنّفيهما من طريق بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه. و ذكر أبو داود عنه في مصنّفه، قال: «حبس رسول اللّه «ص» ناسا من قومي في تهمة بدم.» ... و في غير المصنف، عن عبد الرزاق بهذا السند: أنّ النبي «ص» حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلّى عنه.» «4» هذا.

6- و في سنن البيهقي بسنده، عن أبي جعفر «ع»: أنّ عليّا «ع» قال: «إنّما الحبس حتى يتبين للإمام. فما حبس بعد ذلك فهو جور.» «5»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 282، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين و غيره

(2)- سنن الترمذي 2/ 435، أبواب الديات، الباب 19، الحديث 1438.

(3)- سنن البيهقي 6/ 53، كتاب التفليس، باب حبسه إذا اتّهم و تخليته ...

(4)- التراتيب الإدارية

1/ 296.

(5)- سنن البيهقي 6/ 53، كتاب التفليس، باب حبسه إذا اتّهم و تخليته ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 479

7- و في الوسائل بسنده، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» في قصة شابّ شكا عند أمير المؤمنين «ع» عن نفر خرجوا بأبيه في السفر، فرجعوا و لم يرجع أبوه و قالوا:

مات و ما ترك مالا، ففرّقهم أمير المؤمنين و سأل واحدا منهم، فادّعى موت الرجل و لم يقرّ بالقتل، فأمر «ع» أن يغطّى رأسه و ينطلق به إلى السجن، ثم دعا بآخر للسؤال ...» «1» و روى نحوه في البحار «2». و الحديث طويل.

8- و في البحار، عن المناقب في قصة غلام قتل مولاه، فأمر عمر بقتله، فادّعى الغلام أنّ مولاه أتاه في ذاته، قال: «إن عليّا «ع» قال لعمر: احبس هذا الغلام، فلا تحدث فيه حدثا حتّى تمرّ ثلاثة أيّام ...». «3»

فمورد الخبرين أيضا الاتهام، و وقع الحبس للكشف و التحقيق.

9- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنّه قال: «لا حبس في تهمة إلّا في دم، و الحبس بعد معرفة الحقّ ظلم.» «4» و رواه عنه في المستدرك «5».

10- و في المصنّف لعبد الرزاق بسنده، قال: «أقبل رجلان من بني غفار حتى نزلا منزلا بضجنان من مياه المدينة و عندها ناس من غطفان، عندهم ظهر لهم، فأصبح الغطفانيون قد أضلّوا قرينتين من إبلهم، فاتهموا الغفاريين، فأقبلوا بهما إلى النبي «ص» و ذكروا له أمرهم، فحبس أحد الغفاريين و قال للآخر: اذهب فالتمس، فلم يكن إلّا يسيرا حتّى جاء بهما ...» «6».

و ظاهر الخبر أيضا هو مورد التهمة و المورد هو المال، فيعارض خبر الدعائم اللّهم إلّا

أن يقال إنّ النبي «ص» كان عالما أو حصل له العلم، فلم يقع الحبس بمجرد الاتهام.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 204- 205، الباب 20 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 1.

(2)- بحار الأنوار 40/ 259 و ما بعدها، كتاب تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 97 (باب قضاياه ...)، الحديث 30.

(3)- بحار الأنوار 40/ 230، كتاب تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 97، الحديث 10.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 539 كتاب آداب القضاة، الحديث 1916.

(5)- مستدرك الوسائل 3/ 262، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

(6)- المصنّف 10/ 216، باب التهمة، الحديث 18892.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 480

11- و في كتاب الغارات، عن أمير المؤمنين «ع» أنّه قال: «إنّي لا آخذ على التهمة، و لا أعاقب على الظن و لا أقاتل إلّا من خالفني و ناصبني و أظهر لي العداوة ...» «1»

و رواه عنه ابن أبي الحديد و الطبري «2».

أقول: يمكن أن يقال: إن هذا حكاية عن سيرة نفسه، فلا يدل على عدم جواز الأخذ على التهمة.

12- و في الغارات أيضا في قصة خروج الخرّيت بن راشد من بني ناجية على أمير المؤمنين «ع» و اعتراض عبد اللّه بن قعين عليه بعدم استيثاقه، قال: «فقلت:

يا أمير المؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال: «إنّا لو فعلنا هذا لكلّ من نتّهمه من الناس ملأنا السجون منهم. و لا أراني يسعني الوثوب على الناس و الحبس لهم و عقوبتهم حتى يظهروا لنا الخلاف.» «3» و رواه عنه ابن أبي الحديد «4».

أقول: يمكن أن يقال: إن ظاهر الخبر أن تركه «ع» لأخذ المتهمين كان لإشكال سياسي لا للإشكال الشرعي.

و فيه أن ظاهر قوله: «و لا أراني

يسعني الوثوب على الناس» هو عدم الوسعة شرعا، فتأمّل.

13- و في تاريخ الطبري: «قال أبو مخنف، عن مجاهد، عن المحلّ بن خليفة أنّ رجلا منهم من بني سدوس يقال له العيزار بن الأخنس كان يرى رأي الخوارج خرج إليهم، فاستقبل وراء المدائن عديّ بن حاتم و معه الأسود بن قيس و الأسود بن يزيد المراديّان، فقال له العيزار حين استقبله: أ سالم غانم أم ظالم آثم؟ فقال:

______________________________

(1)- الغارات 1/ 371.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 148؛ و تاريخ الطبري 6/ 3443.

(3)- الغارات 1/ 335.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 129. و فيه «بكلّ من يتّهم» بدل «لكلّ من نتّهمه»، و «لي» بدل «لنا».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 481

عديّ: لا، بل سالم غانم. فقال له المراديّان: ما قلت هذا إلّا لشرّ في نفسك، و إنك لنعرفك يا عيزار برأي القوم، فلا تفارقنا حتى نذهب إلى أمير المؤمنين «ع» فنخبره خبرك، فلم يكن بأوشك أن جاء عليّ «ع» فأخبراه خبره و قالا: يا أمير المؤمنين إنه يرى رأي القوم قد عرفناه بذلك، فقال: ما يحلّ لنا دمه و لكنا نحبسه. فقال عديّ بن حاتم: يا أمير المؤمنين، ادفعه إليّ و أنا أضمن أن لا يأتيك من قبله مكروه، فدفعه اليه.» «1»

أقول: و لعلّ الخبر يدلّ على جواز السجن بالاتهامات السياسية، فتأمّل.

فهذه ما عثرنا عليه من الأخبار في المسألة.

إذا عرفت هذا فنقول: إن مقتضى الأصل الأوّلي عدم جواز التعرض للشخص بمجرد التهمة، فإنّه مخالف لحريّته و سلطته على نفسه، و لأصالة البراءة. فالجواز يحتاج إلى دليل متقن. و مورد معتبرة السكوني هو خصوص الدم، فلا تدل على الجواز

في غيره. و رواية بهز بن حكيم على فرض صدورها قضية في واقعة خاصّة، فلا إطلاق لها و لا نعرف موردها. و مقتضى خبر الدعائم عدم الجواز في غير تهمة الدم، و لكن لم تثبت حجيته. و خبر الغفاريين مورده المال. و الخبر الأخير مورده النشاط السياسي أو البغي، و لكن لم تثبت حجيتهما. و كيف كان، فيشكل الأمر في غير الدم.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ حفظ نظام المسلمين و كيانهم، و كذا حفظ أموالهم و حقوقهم أمران مهمّان عند الشرع، و هما يتوقفان كثيرا على القبض على المتهمين و حبسهم بداعي الكشف و التحقيق إذا كانوا في معرض الفرار. فالقول بعدم الجواز لذلك يوجب ضياع الحقوق و الأموال و اختلال النظم، و لا سيما إذا غلب الفساد على الزمان و أهله.

فالظاهر هو الجواز إذا كان الأمر مهمّا معتنى به عرفا، بحيث يكون احتماله

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 6/ 3384.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 482

أيضا منجزا عند العقلاء، و لكن مع رعاية الدقة و الاحتياط في مقام العمل و حفظ حيثيات الأشخاص مع الإمكان. نعم، لا يجوز التعرض و الحبس بمجرد الوهم و الاتهامات الموهومة و لا سيما في الأمور التافهة الجزئية، و على مثل هذه ينبغي أن يحمل بعض الأخبار المانعة.

و أمّا خبر الدعائم فمضافا إلى عدم ثبوت صدوره فالحصر فيه يمكن أن يكون إضافيا بالنسبة إلى هذا السنخ من الأمور أيضا، و نظير ذلك كثير في الروايات و المحاورات. فلعلّ الحبس بسبب الأمور التافهة الموهومة القابلة للإغماض كان رائجا في تلك الأعصار كما في أعصارنا أيضا فأريد نفيه.

و بالجملة، فالمقام من قبيل سائر موارد التزاحم التي يؤخذ

فيها بأهمّ الأمرين.

هذا.

و لكن بعد اللتيا و التي فإن القبض على المسلم و حبسه بمجرد الاتهام و الاحتمال في غير الدم لا يخلو من إشكال لشدّة اهتمام الشرع بحريم المسلم و حيثيته اللّهم إلّا إذا كان المورد في الأهمية في حدّ الدّم.

و كيف كان فهذا النحو من الحبس ليس بحد و لا تعزير. و قد مرّ في الجهة التاسعة من فصل التعزيرات بحث في هذا المجال، و ذكرنا هناك كلام المحقق في الشرائع و كلام صاحب الجواهر أيضا في هذه المسألة، فراجع قصاص الجواهر «1».

الثاني و الثالث و الرابع- الفسّاق من العلماء، و الجهال من الأطبّاء، و المفاليس من الأكرياء:

1- عن الفقيه و التهذيب، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: «يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء، و الجهّال من الأطبّاء، و المفاليس من الأكرياء.» «2»

______________________________

(1)- الجواهر 42/ 277 (طبعة أخرى بتصحيح آخر ص 260).

(2)- الوسائل 18/ 221، الباب 32 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 483

أقول: الأكرياء جمع الكريّ، و يستعمل بمعنى المكاري و المكتري معا. قيل:

و هم المقاولون الذين يخدعون الناس و لا يفون بالتزامهم.

و لا يخفى عدم الخصوصية للعناوين الثلاثة، بل المستفاد من الرواية بإلغاء الخصوصية أنّ كلّ من تصدى لعمل و شغل في المجتمع و لم يكن أهلا له، بحيث يتضرر بعمله و سيرته المجتمع، يجب ردعه و منعه عن ذلك و لو بحبسه.

و إن شئت قلت: أحد العناوين الثلاثة يرتبط بدين الناس، و الثاني بحياتهم و نفوسهم، و الثالث بأموالهم. فكل من يرتبط بالشئون الثلاثة لأبناء النوع، و لم يكن أهلا لما اتخذه من الحرف كان على الإمام حبسه و منعه. و لا محالة يكون الحبس

بعد عدم تأثير الوعظ و التعنيف و التخويف، فإن كان ممن يتأدّب بالحبس كان حبسه تعزيرا و تأديبا له، و إلّا كان لرفع شرّه و إضراره فقط، فلا يكون حدّا و لا تعزيرا، فتأمّل.

الخامس و السادس و السابع- الغاصب لمال الغير، و آكل مال اليتيم ظلما، و الخائن في الأمانة:

1- فروى الشيخ بسند صحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «كان عليّ «ع» لا يحبس في الدين إلّا ثلاثة: الغاصب، و من أكل مال اليتيم ظلما، و من اؤتمن على أمانة فذهب بها. و إن وجد له شيئا باعه، غائبا كان أو شاهدا.» «1»

قال الشيخ:

«هذا يحتمل وجهين: أحدهما أنّه ما كان يحبس على وجه العقوبة إلّا الثلاثة الذين ذكرهم، و الثاني ما كان يحبس حبسا طويلا إلّا الثلاثة الذين استثناهم، لان الحبس في الدين إنما يكون مقدار ما يبيّن حاله.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 181، الباب 11 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 2 و ذيله.

(2)- الوسائل 18/ 181، الباب 11 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 2 و ذيله.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 484

2- خبر عبد الرحمن بن الحجاج- رفعه- أنّ أمير المؤمنين «ع» كان لا يرى الحبس إلّا في ثلاث: رجل أكل مال اليتيم، أو غصبه، أو رجل اؤتمن على أمانة فذهب بها.» «1»

أقول: يظهر من هاتين الروايتين أنّ للموارد الثلاثة خصوصية من بين جميع موارد الدين. و هو كذلك، كما لا يخفى.

و لعل الحصر في الخبرين إضافيّ في قبال بعض الأمور غير المهمّة التي كانوا يحبسون الناس لها و كان هو- عليه السلام- مخالفا لمزاحمة الناس فيها، و إلّا فموارد حبسه «ع» أكثر من هذا، كما سيأتي. أو لعلّ الحبس في الموارد الثلاثة يكون على وجه العقوبة دون غيرها، كما ذكره الشيخ.

الثامن و التاسع- المديون المماطل و المدعي للإفلاس:
اشارة

1- في صحيح البخاري: «و يذكر عن النبي «ص»: «ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه. قال سفيان: عرضه يقول: مطلتني، و عقوبته: الحبس.» «2»

2- و في سنن أبي داود بسنده، عن عمرو بن الشريد، عن

أبيه، عن رسول اللّه «ص»، قال: «ليّ الواجد يحلّ عرضه و عقوبته.» قال ابن المبارك: يحل عرضه: يغلظ له، و عقوبته: يحبس له «3»

3- و في سنن ابن ماجة بسنده، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ليّ الواجد يحلّ عرضه و عقوبته.» قال عليّ الطنافسي: يعني عرضه:

شكايته، و عقوبته: سجنه «4».

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 578، الباب 5 من أبواب بقية الحدود، الحديث 1.

(2)- صحيح البخاري 2/ 58، كتاب في الاستقراض و أداء الديون ... باب لصاحب الحقّ مقال.

(3)- سنن أبي داود 2/ 282، كتاب الأقضية، باب في الحبس في الدين و غيره.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 811، كتاب الصدقات، الباب 18 (باب الحبس في الدين ...)، الحديث 2427.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 485

أقول: التفسير بالحبس و السجن ليس من النبي «ص» كما ترى، و لكن إطلاق العقوبة يشمل الحبس أيضا بلا إشكال.

قال في ملحقات العروة الوثقى:

«إذا كان المقرّ المحكوم عليه واجدا للمال ألزم به، و إن امتنع أجبر عليه، و إن ماطل و أصرّ على الامتناع جازت عقوبته بالتغليظ في القول و رفع الصوت عليه و الشتم بمثل قوله: يا ظالم، يا فاسق، بل بالحبس و الضرب حسب مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ الأهون فالأهون، لقوله «ص»: «ليّ الواجد يحلّ عقوبته و عرضه.» «1»

4- و في دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد «ع» أنّه قال: «من امتنع من دفع الحقّ و كان موسرا حاضرا عنده ما وجب عليه، فامتنع من أدائه و أبى خصمه إلّا أن يدفع إليه حقّه، فإنّه يضرب حتى يقضيه. و إن كان الذي عليه لا يحضره إلّا في عروض

فإنّه يعطيه كفيلا أو يحبس له إن لم يجد الكفيل إلى مقدار ما يبيع و يقضي.» «2» و رواه عنه في المستدرك «3».

5- و روى الكليني و الشيخ بسند موثوق به، عن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان أمير المؤمنين «ع» يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فيقسّم، يعني ماله.» «4»

6- و عن الشيخ بسنده، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين «ع»: «أنّه قضى أن يحجر على الغلام حتى يعقل. و قضى في الدين أنّه يحبس صاحبه، فإن تبيّن إفلاسه و الحاجة فيخلّي سبيله حتّى يستفيد مالا. و قضى في الرجل يلتوي على غرمائه أنّه يحبس ثمّ يؤمر به فيقسم

______________________________

(1)- ملحقات العروة 3/ 50، كتاب القضاء الفصل 3، المسألة 5.

(2)- دعائم الإسلام 2/ 540، كتاب آداب القضاة، الحديث 1923.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 199، الباب 9 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(4)- الكافي 5/ 102، (الفروع، ط. القديم 1/ 356) كتاب المعيشة، باب إذا التوى الذي عليه الدين على غرمائه، الحديث 1، و الوسائل 13/ 147، الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 486

ماله بين غرمائه بالحصص، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم.» «1»

7- و عن الشيخ أيضا بسنده، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه «ع»: «أنّ عليّا «ع» كان يحبس في الدين، فإن تبيّن له إفلاس و حاجة خلّى سبيله حتّى يستفيد مالا.» «2»

8- و عن الشيخ أيضا بسنده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه «ع»: «أن عليّا «ع» كان يحبس في الدين ثمّ ينظر، فإن كان له مال أعطى الغرماء،

و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم: إن شئتم آجروه، و إن شئتم استعملوه.» «3»

9- و في المستدرك، عن كتاب الغارات- في قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني بعد ما اشترى أسارى بني ناجية و أعتقهم و لم يدفع بعض أثمانهم ثمّ فرّ و لحق بمعاوية- قال: فبلغ ذلك عليّا «ع» فقال: «ما له؟! ترّحه اللّه، فعل فعل السيّد و فرّ فرار العبد و خان خيانة الفاجر. أمّا إنّه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا اخذناه، و إن لم نقدر له على مال تركناه، ثمّ سار إلى داره فهدمها.» «4»

أقول: الترح ضد الفرح. و في المستدرك: «طرحه اللّه».

10- و في الغارات قال: «كان عليّ «ع» ولّى المنذر بن الجارود فارسا فاحتاز مالا من الخراج؛ قال: كان المال أربعمائة ألف درهم، فحبسه عليّ «ع» فشفع فيه صعصعة بن صوحان إلى عليّ «ع» و قام بأمره و خلّصه.» «5»

11- و فيه أيضا: «كان يزيد بن حجيّة قد استعمله عليّ «ع» على الريّ

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 180، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، الحديث 1.

(2)- الوسائل 13/ 148، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 148، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 3.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 207، الباب 24 من أبواب كيفيّة الحكم، الحديث 6؛ عن الغارات 1/ 365- 366.

(5)- الغارات 2/ 522.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 487

و دستبي، فكسر الخراج و احتجن المال لنفسه فحبسه عليّ «ع».» «1»

و لعل المتتبع يعثر على موارد أكثر من هذا القبيل. و يمكن إدراجها في ما مرّ من

حبس الخائن في الأمانة، فإنّ بيت المال أمانة في يد العامل. هذا.

12- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنّه قال: «لا حبس على معسر؛ قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ «2». فالمعسر إذا أثبت عدمه لم يكن عليه حبس.» «3» و رواه عنه في المستدرك «4».

أقول: هنا

مسألتان ينبغي الإشارة اليهما
اشارة

، و التفصيل موكول إلى كتب الفقه الموسوعة:

الأولى:

قال في الخلاف (المسألة 10 من كتاب التفليس):

«يجوز للحاكم أن يبيع مال المفلّس و يقسمه بين الغرماء، و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: ليس له بيعه و إنما يجبره على بيعه، فإن باعه و إلّا حبسه إلى أن يبيعه و لا يتولاه بنفسه من غير اختياره.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و قد أوردناها فيما مضى، و أيضا روى كعب بن مالك أنّ النبي «ص» حجر على معاذ و باع ماله في دينه، و هذا يقتضي أنه باعه بغير اختياره.» «5»

______________________________

(1)- الغارات 2/ 525.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 280.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 71، كتاب البيوع، الفصل 17، الحديث 197.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 496، الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 2. و فيه: «على مفلس» بدل «على معسر».

(5)- الخلاف 2/ 115.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 488

أقول: المذكور في بعض ما مرّ من الروايات أن أمير المؤمنين «ع» كان يأمر أن يقسم ماله بينهم، فإن أبى باعه فيقسم. و ظاهر هذا تصدّي نفس المديون للبيع، فإن أبى باعه الإمام. و هو الأحوط اللهم إلّا أن لا يرضى به الغرماء و لا يعتمدوا عليه، فيحجره الحاكم عن التصرف مطلقا حتى عن البيع لأداء الدين.

المسألة الثانية:

قال في الخلاف (المسألة 15 من التفليس):

«إذا أفلس من عليه الدين و كان ما في يده لا يفي بقضاء ديونه فإنه لا يؤاجر ليكتسب و يدفع إلى الغرماء، و به قال أبو حنيفة و الشافعي و مالك و أكثر الفقهاء. و قال أحمد و إسحاق و عمر بن عبد العزير و عبيد اللّه بن الحسن العنبري و سوار بن عبد اللّه القاضي إنّه يؤاجر و يؤخذ أجرته فتقسم

بين غرمائه.

دليلنا أن الأصل براءة الذمة، و لا دليل على وجوب إجارته و تكسبه، و أيضا قوله- تعالى-: و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، و لم يأمر بالكسب.» «1»

أقول: لا مجال لأصل البراءة، إذ أداء الدين واجب مع الإمكان. و لو توقف العمل بهذا الواجب على قبول المديون للاستيجار و الاستعمال و كان الشخص ممن يعتاد هذا و لا يشقّ عليه فالقواعد تقتضي وجوب القبول، و هذا احد طرق استفادة المال. و لعلّ قوله: «فيخلى سبيله حتى يستفيد مالا» لا يراد به إلّا تخليته من السجن، فلا ينافي جواز استيجاره و استعماله. و القدرة على تحصيل المال بالعمل المناسب لشأنه بلا مشقة عرفيّة تعدّ ميسرة عرفا، و لذا تحرم عليه الزكاة، فلا ينافي استيجاره و استعماله لمفاد الآية الشريفة.

و مقتضى معتبرة السكوني جواز استيجار الغرماء و استعمالهم إيّاه، فلا يصحّ

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 116.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 489

ما ذكره الشيخ من عدم الدليل.

و في الوسائل بعد ذكر رواية السكوني قال:

«يمكن أن يحمل هذا على من يعتاد إجارة نفسه و العمل بيده، لما تقدّم هنا و في الدين و غيره من وجوب إنظار المعسر. ذكره بعض علمائنا.» «1»

و ظاهر كلامه هو التفصيل بين من يعتاد العمل و لا يشقّ عليه، و بين غيره.

و في الدروس:

«و يجب التكسب لقضاء الدين على الأقوى بما يليق بالمديون و لو كان إجارة نفسه، و عليه تحمل الرواية عن عليّ «ع».» «2»

و في متن اللمعة:

«و عن عليّ «ع»: «إن شئتم فآجروه، و إن شئتم استعملوه.» و هو يدل على وجوب التكسب. و اختاره ابن حمزة و العلامة، و منعه الشيخ و ابن

إدريس. و الأوّل أقرب.»

و ذيّل هذا في شرحها بقوله:

«لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة، و المتكسب قادر، و لهذا يحرم عليه الزكاة، و حينئذ فهو خارج من الآية. و إنّما يجب عليه التكسب فيما يليق بحاله عادة و لو بمؤاجرة نفسه، و عليه تحمل الرواية.» «3»

و كيف كان فالأقوى في المسألة هو التفصيل. و قد تعرض للمسألة في الجواهر عند قول المحقق: «و لا يجوز إلزامه و لا مؤاجرته»، فراجع «4».

و تعرض لها و لرواياتها البيهقي في سننه في بابين. و فيه عن أبي سعيد الخدري:

«أنّ النبي «ص» باع حرّا أفلس في دينه.» و في رواية أخرى عن شيخ يقال له سرق أنّ

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 148، الباب 7 من كتاب الحجر، ذيل الحديث 3.

(2)- الدروس/ 373.

(3)- اللمعة و شرحها (الروضة) 4/ 40- 41 (طبعة أخرى 1/ 404)، كتاب الدين.

(4)- الجواهر 25/ 324- 325.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 490

رسول اللّه «ص» سماه بهذا الاسم و قال: «قدمت المدينة فأخبرتهم أنّ مالي يقدم، فبايعوني، فاستهلكت أموالهم، فأتوا بي النبي «ص» فقال: أنت سرق، فباعني بأربعة أبعرة.» «1»

و لا يخفى أن الروايتين على فرض صحتهما موافقتان لما تضمنته رواية السكوني، إذ المراد بالبيع فيهما هو استيجار الشخص، فتدبّر.

العاشر- من ترك الإنفاق على زوجته بلا إعسار:

1- في المستدرك، عن الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»: «إنّ امرأة استعدت عليّا «ع» على زوجها، فأمر عليّ «ع» بحبسه- و ذلك الزوج لا ينفق عليها إضرار بها- فقال الزوج احبسها معي. فقال عليّ «ع»: لك ذلك، انطلقي معه.» «2»

2- و في الجعفريات بهذا السند، عن عليّ «ع»، قال: «يجبر الرجل على النفقة

على امرأته، فإن لم يفعل حبس.» «3»

3- و في الوسائل بسنده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ «ع»:

«إنّ امرأة استعدت على زوجها أنّه لا ينفق عليها و كان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه و قال: إنّ مع العسر يسرا.» «4»

4- و في الجعفريات بالسند الذي مرّ، عن عليّ «ع»: «إنّ امرأة استعدت على زوجها و كان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه أول مرّة و قال: إنّ مع العسر يسرا.» «5»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 49- 50، كتاب التفليس، باب لا يؤاجر الحرّ في دين عليه ...، و باب ما جاء في بيع الحرّ المفلس في دينه.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 497، الباب 6 من كتاب الحجر، الحديث 3.

(3)- الجعفريات (المطبوع مع قرب الإسناد)/ 109.

(4)- الوسائل 13/ 148، الباب 7 من كتاب الحجر، الحديث 2.

(5)- الجعفريات (المطبوع مع قرب الإسناد)/ 109.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 491

5- و يأتي في خبر مسند زيد أيضا ذكر الحبس للنفقة «1».

الحادي عشر- الكفيل حتى يحضر المكفول أو ما عليه:

1- عن الكليني بسند موثوق به، عن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «اتي أمير المؤمنين «ع» برجل قد تكفل بنفس رجل، فحبسه و قال: اطلب صاحبك.» «2»

2- و عن الصدوق بسنده، عن الأصبغ بن نباتة، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في رجل تكفل بنفس رجل أن يحبس، و قال له: اطلب صاحبك.» «3»

3- و عن الشيخ بسنده، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ عليّا «ع» اتي برجل كفل برجل بعينه، فأخذ بالمكفول فقال: احبسوه حتى يأتي بصاحبه.» «4»

أقول: قوله: «فأخذ بالمكفول»، يعني: أخذ الكفيل بسبب المكفول.

4- و عنه بسنده، عن عامر بن مروان، عن جعفر، عن أبيه، عن

عليّ «ع»:

«أنّه اتي برجل قد كفل بنفس رجل، فحبسه فقال: اطلب صاحبك.» «5»

5- و في المستدرك، عن فقه الرضا: «روي: إذا كفل الرجل حبس إلى أن يأتي صاحبه.» «6»

6- و في مسند زيد: زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جده، عن عليّ «ع»: «أنّ رجلا كفل لرجل بنفس رجل، فحبسه حتى جاء به.» «7»

______________________________

(1)- راجع ص 493 من الكتاب.

(2)- الوسائل 13/ 156، الباب 9 من كتاب الضمان، الحديث 1.

(3)- الوسائل 13/ 156، الباب 9 من كتاب الضمان، الحديث 2.

(4)- الوسائل 13/ 156، الباب 9 من كتاب الضمان، الحديث 3.

(5)- الوسائل 13/ 156، الباب 9 من كتاب الضمان، الحديث 4.

(6)- مستدرك الوسائل 2/ 498، الباب 7 من كتاب الضمان، الحديث 1؛ عن فقه الرضا/ 256.

(7)- مسند زيد/ 257، باب الحوالة و الكفالة و الضمانة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 492

7- و في دعائم الإسلام، عن أبي جعفر «ع» أنّه قال: «إذا تحمل الرجل بوجه الرجل إلى أجل فجاء الأجل من قبل أن يأتي به و طلب الحمالة حبس، إلّا أن يؤدي عنه ما وجب عليه، إن كان الذي يطلب به معلوما، و له أن يرجع به عليه، و إن كان الذي قد طلب به مجهولا، ما لا بدّ فيه من إحضار الوجه كان عليه إحضاره إلّا أن يموت، و إن مات فلا شي ء عليه.» «1»

و رواه عنه في المستدرك «2».

أقول: قال اللّه- تعالى- في قصة اخوة يوسف: «نَفْقِدُ صُوٰاعَ الْمَلِكِ، وَ لِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ.» «3» فالزعيم و الكفيل و الحميل و القبيل و الضمين و الصبير كلها بمعنى واحد، كما في الدعائم.

و الكفالة صحيحة عندنا

و عند أكثر فقهاء السنة. و خالف فيها بعضهم، فراجع الخلاف (المسألة 16 من كتاب الضمان) «4». و الاستدلال في الأخبار التي ذكرناها بفعل عليّ «ع» يشعر بوجود الخلاف في تلك الأعصار.

و في الشرائع:

«و للمكفول له مطالبة الكفيل بالمكفول عنه ... و إن امتنع كان له حبسه حتى يحضره، أو يؤدي ما عليه.» «5» و قد حكى في الجواهر ذلك عن النهاية و غيرها أيضا.

و لكنك ترى أن التخيير بين الإحضار و الأداء ليس فيما تقدم من الأخبار إلّا في خبر الدعائم و لذا استشكل فيه في التذكرة و غيرها، إذ قد يكون للمكفول له غرض لا يتعلق بالأداء، أو لا يريده من غير المكفول عنه. فالمسألة غير خالية عن الإشكال، فراجع الجواهر «6».

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 64، كتاب البيوع، الفصل 16، الحديث 179.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 498، الباب 7 من كتاب الضمان، الحديث 3 مع تفاوت.

(3)- سورة يوسف (12)، الآية 72.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 492

(4)- الخلاف 2/ 136.

(5)- الشرائع 2/ 115.

(6)- الجواهر 26/ 189.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 493

و يشبه الكفيل في المقام من خلص القاتل من أيدي أولياء المقتول. و به رواية نذكرها في عداد من يخلد في السجن، كما سيأتي «1».

الثاني عشر- من عليه حق من حقوق الناس أو حقوق اللّه غير ما ذكر فيحبس لاستيفائه:

1- في مسند زيد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»: «أنّه كان يحبس في النفقة، و في الدين، و في القصاص، و في الحدود، و في جميع الحقوق. و كان يقيّد الدعّار بقيود لها أقفال،

و يؤكّل بهم من يحلّها لهم في أوقات الصلاة من أحد الجانبين.» «2»

أقول: الدعّار بالضمّ جمع داعر بالمهملات الثلاث: الخبيث و الفاسد، و بالذال المعجمة: الخبيث المعيوب، و بالغين المعجمة: المهاجم.

2- و في الوسائل عن قرب الإسناد بسنده، عن جعفر، عن أبيه: «أنّ علي بن أبي طالب «ع» لمّا قتله ابن ملجم قال: «احبسوا هذا الأسير و أطعموه و أحسنوا إساره، فإن عشت فأنا أولى بما صنع بي: إن شئت استقدت، و إن شئت عفوت، و إن شئت صالحت. و إن متّ فذلك إليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به.» «3»

و روى نحوه البيهقي بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «4».

3- و في مرفوعة أبي مريم، قال: اتي أمير المؤمنين «ع» بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان، «فضربه ثمانين، ثمّ حبسه ليلة، ثمّ دعا به من الغد فضربه عشرين.

فقال له: يا أمير المؤمنين هذا ضربتنى ثمانين في شرب الخمر، و هذه العشرون ما هي؟

قال: «هذا لتجرئك على شرب الخمر في شهر رمضان.» «5»

______________________________

(1)- راجع ص 531 من الكتاب.

(2)- مسند زيد/ 265، كتاب الشهادات، باب القضاء.

(3)- الوسائل 19/ 96، الباب 62 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(4)- سنن البيهقي 8/ 183، كتاب قتال أهل البغي، باب الرجل يقتل واحدا من المسلمين ...

(5)- الوسائل 18/ 474، الباب 9 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 494

4- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» «أنّه اتي بالنجاشي الشاعر و قد شرب الخمر في شهر رمضان، فجلده ثمانين جلدة، ثمّ حبسه، ثم أخرجه من غد فضربه تسعة و ثلاثين سوطا. فقال: ما هذه العلاوة

يا أمير المؤمنين؟ قال: لتجرئك على اللّه و إفطارك في شهر رمضان.» «1» و رواه عنه في المستدرك «2».

5- و في صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع»، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في وليدة كانت نصرانية، فأسلمت و ولدت لسيّدها، ثمّ إنّ سيّدها مات و أوصى بها عتاقة السريّة على عهد عمر، فنكحت نصرانيا ديرانيا و تنصّرت فولدت منه ولدين و حبلت بالثالث، فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها الإسلام فأبت، فقال: ما ولدت من ولد نصرانيا فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيدها الأول، و أنا أحبسها حتى تضع ولدها فإذا ولدت قتلتها.» «3»

قال في الوسائل:

«ذكر الشيخ: أنه مقصور على ما حكم به عليّ «ع» و لا يتعدى إلى غيرها، قال:

و لعلّها تزوّجت بمسلم ثمّ ارتدّت و تزوجت فاستحقت القتل لذلك» «4».

أقول: و لعلها صارت معاندة للإسلام و داعية ضدّه فصارت بذلك مفسدة مستحقة للقتل، و إلّا فالمرأة المرتدّة لا تقتل بالارتداد بل تحبس في السجن حتى تتوب أو تموت، كما سيأتي.

6- و في صحيحة أبي مريم، عن أبي جعفر «ع» قال: «أتت امرأة أمير المؤمنين «ع» فقالت: إني قد فجرت، فاعرض بوجهه عنها، فتحوّلت حتى استقبلت وجهه فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض عنها، ثمّ استقبلته فقالت: إنّي قد فجرت، فأعرض عنها، ثمّ استقبلته فقالت:

إنّي فجرت، فأمر بها فحبست و كانت حاملا، فتربص بها حتى وضعت ثم أمر بها بعد ذلك فحفر

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 464، كتاب الحدود، الفصل 4، الحديث 1644.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 234، الباب 7 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 1.

(3) الوسائل 18/ 550، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 5 و ذيله.

(4) الوسائل 18/ 550،

الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 5 و ذيله.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 495

لها حفيرة في الرحبة ...» «1»

7- و في سنن البيهقي بسنده، عن الشعبي، قال: «جي ء بشراحة الهمدانية إلى عليّ «ع» فقال لها: ويلك لعلّ رجلا وقع عليك و أنت نائمة؟ قالت: لا. قال: لعلّك استكرهك؟ قالت: لا. قال: لعلّ زوجك من عدوّنا هذا أتاك فأنت تكرهين أن تدلى عليه؛ يلقّنها لعلها تقول: نعم. قال: فأمر بها فحبست، فلمّا وضعت ما في بطنها أخرجها يوم الخميس فضربها مأئة و حفر لها يوم الجمعة في الرحبة ...» «2»

الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر و السادس عشر- المختلس، و الطرّار، و النباش، و الداعر:

1- ففي الوسائل بسنده، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»: «أنّ أمير المؤمنين «ع» اتي برجل اختلس درّة من أذن جارية فقال: هذه الدغارة المعلنة، فضربه و حبسه.» «3»

2- و في المستدرك، عن الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه «ع»: «أنّ عليّا «ع» رفع إليه أنّ رجلا اختلس ظرفا (طوقا خ. ل) من ذهب من جارية، فقال عليّ «ع»: أدرأ عنه الدغارة المعلنة، فضربه و حبسه، و قال: لا قطع على المختلس.» «4»

3- و فيه أيضا، عن الجعفريات بهذا الإسناد، عن عليّ «ع» أنّه قال: «أربعة لا قطع عليهم: المختلس؛ فإنما هي الدغارة المعلنة، عليه ضرب و حبس ...» «5»

4- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع»: أنه قال في المختلس: «لا يقطع، و لكنه

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 380، الباب 16 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 5.

(2)- سنن البيهقي 8/ 220، كتاب الحدود، باب من اعتبر حضور الإمام و الشهود ...

(3)- الوسائل 18/ 503، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 4.

(4)- مستدرك الوسائل

3/ 237، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1.

(5)- مستدرك الوسائل 3/ 237، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 496

يضرب و يسجن.» «1» و رواه عنه في المستدرك «2».

5- و فيه أيضا، عن جعفر بن محمد «ع»: «أنّه لا يقطع الطرّار؛ و هو الذي يقطع النفقة من كمّ الرجل أو ثوبه، و لا المختلس؛ و هو الذي يختطف الشي ء. و لكن يضربان ضربا شديدا و يحبسان.» «3» و رواه عنه في المستدرك «4».

6- و فيه أيضا: و قال جعفر بن محمد «ع»: «لا تقطع يد النبّاش إلّا ان يؤخذ و قد نبش مرارا، و يعاقب في كل مرّة عقوبة موجعة و ينكل و يحبس.» «5» و رواه عنه في المستدرك «6».

7- و في خراج أبي يوسف بسنده، قال: «كان عليّ بن أبي طالب إذا كان في القبيلة أو القوم الرجل الداعر حبسه، فإن كان له مال أنفق عليه من ماله، و إن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين و قال: يحبس عنهم شرّه و ينفق عليه من بيت مالهم.» «7»

أقول: طرّ الشي ء: قطعه، و طرّ الثوب: شقّه. و قد مرّ معنى الداعر باحتمالاته.

و لا يخفى أن عدم القطع في المختلس واضح، إذ يشترط في القطع أن يكون المال محرزا في حرز و يؤخذ منه سرّا، و يدل عليه أيضا أخبار كثيرة من الفريقين، فراجع الوسائل «8» و البيهقي «9».

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 472، كتاب السرّاق، الفصل 2، الحديث 1686.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 237، الباب 12 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 473، كتاب السرّاق، الفصل

2، الحديث 1690.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 237، الباب 13 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(5)- دعائم الإسلام 2/ 476، كتاب السرّاق، الفصل 2، الحديث 1707.

(6)- مستدرك الوسائل 3/ 238، الباب 18 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(7)- الخراج/ 150.

(8)- الوسائل 18/ 502- 504، الباب 12 من أبواب حدّ السّرقة.

(9)- سنن البيهقي 8/ 279، كتاب السّرقة، باب لا قطع على المختلس ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 497

و أما الطرّار و النبّاش: فالروايات فيهما مختلفة يدل بعضها على القطع و بعضها على العدم، فراجع الوسائل «1» و البيهقي «2».

و في الشرائع:

«و لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين، و يقطع لو كانا باطنين.» «3»

و عقّب ذلك في الجواهر بقوله:

«على المشهور بين الأصحاب، بل في كشف اللثام: أنّهم قاطعون بالتفصيل المزبور، كما عن غيره نفي الخلاف فيه، بل عن الشيخ و ابن زهرة الإجماع عليه.

و لعلّه لصدق الحرز عرفا، مضافا إلى قويّ السكوني ... و خبر مسمع أبي سيّار ...

و بهما بعد انجبارهما و اعتضادهما بما سمعت يقيد إطلاق القطع و عدمه في غيرهما من النصوص.» «4»

أقول: و قويّ السكوني يراد به ما رواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «اتي أمير المؤمنين «ع» بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل، قال: إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه، و إن كان طرّ من قميصه السافل (الداخل) قطعته.» و نحوه خبر مسمع «5».

و أمّا النبّاش: فقال المحقق في الشرائع:

«و يقطع سارق الكفن، لان القبر حرز له.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 504- 505 و 510- 514، الباب 13 و

19 من أبواب حدّ السرقة.

(2)- سنن البيهقي 8/ 269، كتاب السّرقة، باب الطرّار و باب النبّاش ...

(3)- الشرائع 4/ 175.

(4)- الجواهر 41/ 504- 505.

(5)- الوسائل 18/ 504- 505، الباب 13 من أبواب حدّ السّرقة، الحديث 2.

(6)- الشرائع 4/ 176.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 498

و ذيّله في الجواهر بقوله:

«إجماعا في صريح المحكى عن الإيضاح و الكنز و التنقيح و ظاهر الديلمي. و ما عن المقنع و الفقيه من عدم القطع على النبّاش إلّا أن يؤخذ و قد نبش مرارا، مع شذوذه يمكن حمله كمستنده على النبّاش غير السارق، لا على أنّ القبر غير حرزكما استظهره منه في المسالك تبعا لغاية المراد. و على تقديره فهو محجوج بما عرفت و بالعرف و ظاهر النصوص.» «1»

و اما علماء السنة فالمسألة عندهم على قولين كما في الخلاف (المسألة 28 من كتاب السرقة)، قال فيه:

«النبّاش يقطع إذا أخرج الكفن من القبر إلى وجه الأرض، و به قال ابن الزبير و عائشة و عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري و إبراهيم النخعي، و إليه ذهب حماد بن أبي سليمان و ربيعة و مالك و الشافعي و عثمان البتّي و أبو يوسف و أحمد و إسحاق.

و قال الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة و محمّد: لا يقطع النبّاش، لأنّ القبر ليس بحرز، لأنه لو كان حرزا لشي ء لكان حرزا لمثله كالخزائن الوثيقة.

دليلنا قوله- تعالى-: وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا «2». و هذا سارق ...» «3»

أقول: يمكن أن تحمل روايات عدم القطع على التقيّة، أو على النبش بلا سرقة؛ نظير من نقب بيتا و لم يأخذ منه شيئا، أو على سرقة ما دون النصاب، أو

على سرقة غير الكفن مما ربما كانوا يدفنونه مع الميت حيث إن القبر ليس حرزا لغير الكفن عرفا، فتأمّل.

و محل البحث التفصيلي في هذه المسائل كتاب الحدود من الفقه، و إنما تعرضنا له إجمالا استطرادا بمناسبة مسألة السجن.

______________________________

(1)- الجواهر 41/ 515.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 38.

(3)- الخلاف 3/ 200.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 499

السابع عشر- أمين السوق إذا خان:

ففي دعائم الإسلام، عن عليّ «ع»: أنّه استدرك على ابن هرمة خيانة- و كان على سوق الأهواز- فكتب إلى رفاعة: «إذا قرأت كتابي فنحّ ابن هرمة عن السوق، و أوقفه و اسجنه و ناد عليه ...» «1» و قد مرّ بطوله في الجهة السادسة عند البحث في العقوبات التكميلية للحبس، فراجع. و رواه في المستدرك أيضا «2».

الثامن عشر- من يلقّن المجرم بما يضرّ مسلما:

و يدل عليه قوله في هذا الخبر من الدعائم: «فإن صحّ عندك أنّ أحدا لقّنه ما يضرّ به مسلما فاضربه بالدرّة فاحبسه حتى يتوب.»

التاسع عشر- شاهد الزور:

ففي خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه «ع» أنّ عليّا «ع» كان إذا أخذ شاهد زور فإن كان غريبا بعث به إلى حيّه، و إن كان سوقيّا بعث به إلى سوقه فطيف به، ثمّ يحبسه أيّاما ثمّ يخلّى سبيله.» «3» هذا.

و في سنن البيهقي بسنده، عن عبد اللّه بن عامر، قال:

«اتي عمر بشاهد زور فوقفه للناس يوما إلى الليل يقول: هذا فلان، يشهد بزور فاعرفوه، ثمّ حبسه.» «4»

و فيه أيضا بسنده، عن مكحول:

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 532؛ راجع ص 452 من الكتاب.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 207، الباب 24 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 5.

(3)- الوسائل 18/ 244، الباب 15 من كتاب الشهادات، الحديث 3.

(4)- سنن البيهقي 10/ 141، كتاب آداب القاضي، باب ما يفعل بشاهد الزور.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 500

«أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى عمّاله في كور الشام في شاهد الزور أن يجلد أربعين، و يحلق رأسه، و يسخّم وجهه «1»، و يطاف به، و يطال حبسه.» قال البيهقي: سند الرواية ضعيف «2».

العشرون- من وثب على امرأة فحلق رأسها:

1- ففي خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ قال: يضرب ضربا وجيعا، و يحبس في سجن المسلمين حتى يستبرأ شعرها، فإن نبت أخذ منه مهر نسائها، و إن لم ينبت أخذ منه الدية كاملة.

قلت: فكيف صار مهر نسائها إن نبت شعرها؟ فقال: يا ابن سنان، إنّ شعر المرأة و عذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كملا.» رواه المشايخ الثلاثة «3».

و أفتى بمضمونه الأصحاب؛ ففي الشرائع:

«أمّا شعر المرأة ففيه ديتها. و لو نبت ففيه

مهرها.» «4»

و في الجواهر:

«بلا خلاف أجده فيه إلّا من الإسكافي في الثاني خاصة فجعل فيه ثلث الدية.» «5»

و في الجواهر أيضا:

«و لو زاد مهر نسائها على مهر السنة أخذته، لإطلاق النص و الفتوى. نعم، لو زاد على ديتها لم يكن لها إلّا الدية، للإجماع كما في كشف اللثام على أنّه لا يزيد دية عضو من إنسان على دية نفسه.» «6»

______________________________

(1)- سخّم وجهه: سوّده.

(2)- سنن البيهقي 10/ 142، كتاب آداب القاضي، باب ما يفعل بشاهد الزور.

(3)- الوسائل 19/ 255، الباب 30 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 1.

(4)- الشرائع 4/ 261.

(5)- الجواهر 42/ 174 (كتاب الديات).

(6)- الجواهر 42/ 175 (كتاب الديات).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 501

2- و لكن روى في الدعائم، عن جعفر بن محمد «ع»: «و إن كانت امرأة فحلق رجل رأسها حبس في السجن حتى ينبت، و يخرج بين ذلك ثم يضرب فيردّ إلى السجن، فإذا نبت أخذ منه مثل مهر نسائها إلّا أن يكون أكثر من مهر السنّة، فإن كان أكثر من مهر السنّة ردّ إلى السنّة.» «1» و رواه عنه في المستدرك «2».

و لكن الاعتماد على ما يختصّ به هذا الكتاب مشكل. هذا.

و المذكور في الروايتين و إن كان هو الرجل و لكن الظاهر مساواة المرأة له، فلو حلقت امرأة رأس امرأة كان حكمها حكم الرجل. و لو حلق الزوج رأس زوجته فهل الحكم فيه ذلك؟ لا يبعد ذلك و إن كان لا يخلو من خفاء.

الحادي و العشرون- الأمّ إذا كانت تزني:

1- ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «جاء رجل إلى رسول اللّه «ص» فقال: إنّ أمّي لا تدفع يد لا مس؟ فقال «ص»: فاحبسها. قال:

قد فعلت. قال:

فامنع من يدخل عليها. قال: قد فعلت. قال: قيّدها، فإنّك لا تبرّها بشي ء أفضل من أن تمنعها من محارم اللّه- عزّ و جلّ-.» «3»

أقول: عموم التعليل في الصحيحة يفيدنا جواز الحبس و التقييد بالنسبة إلى كل من لا يتمكن من منعه من محارم اللّه- تعالى- إلّا بذلك.

الثاني و العشرون- السكارى المتباعجون بالسكاكين:

1- فعن الشيخ بإسناده، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»:

«قال: كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون «4» بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين «ع»

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 430، كتاب الديات، الفصل 8، الحديث 1489.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 280، الباب 28 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.

(3)- الوسائل 18/ 414، الباب 48 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 1.

(4)- بعج بطنه بالسكين: شقّه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 502

فسجنهم فمات منهم رجلان و بقي رجلان. فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين، أقدهما بصاحبينا.

فقال «ع» للقوم: ما ترون؟ فقالوا: نرى أن تقيدهما. فقال عليّ «ع» للقوم: فلعلّ ذينك الّذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه. قالوا: لا ندري. فقال عليّ «ع»: بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة، و آخذ دية جراحة الباقيين من دية المقتولين.» «1»

و رواه الصدوق أيضا عن السكوني. و السند لا بأس به. و روى المفيد في المقنعة و الإرشاد أيضا نحوه «2».

و روى في المستدرك أيضا عن الجعفريات نحوه «3».

2- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع»: «أنّه قضى في أربعة نفر شربوا الخمر فتباعجوا بالسكاكين، فأتي بهم فحبسهم، فمات منهم رجلان و بقي رجلان، فقال أهل المقتولين:

أقدنا من هذين- و لم يكن أحد منهم أقرّ، و لم تقم عليهم بينة- فقال عليّ «ع»: فلعلّ

الّذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه. قالوا: لا ندري. فقضى بدية المقتولين على الأربعة، و أخذ جراحة الباقيين من دية المقتولين.» «4» و رواه عنه في المستدرك «5».

أقول: مفاد خبر الدعائم استقرار دية المقتولين على الأربعة، و ظاهر خبر السكوني كونها على عاقلة الأربعة.

و روى الكليني و الشيخ في هذه المسألة بسند صحيح، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع»، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في أربعة شربوا مسكرا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان و جرح اثنان، فأمر المجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة، و قضى بدية المقتولين على المجروحين و أمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شي ء.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 173، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(2)- الوسائل 19/ 173، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 268، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان من كتاب الديات، الحديث 1.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 423، كتاب الديات، الفصل 5، الحديث 1475.

(5)- مستدرك الوسائل 3/ 268، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.

(6)- الوسائل 19/ 172، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 503

و مفاده كون دية المقتولين على المجروحين، فاختلف مفاد الروايات الثلاث في حكم دية المقتولين.

و في الشرائع بعد التعرض لمفاد صحيحة محمد بن قيس و خبر السكوني قال:

«و من المحتمل أن يكون عليّ «ع» قد اطلع في هذه الواقعة على ما يوجب هذا الحكم.» «1»

أقول: و لم يتعرض هو لرفع التعارض بين الصحيحة و الخبر، مع أنّ الظاهر حكايتهما

عن واقعة واحدة.

و في المسالك بعد المناقشة في سند الصحيحة باشتراك محمد بن قيس بين الثقة و الضعيف قال:

«إنّ الاجتماع المذكور و الاقتتال لا يستلزم كون القاتل هو المجروح و بالعكس، فينبغي أن يخص حكمها بواقعتها. نعم، يمكن الحكم بكون ذلك لوثا يثبت القتل بالقسامة من عمد أو خطأ و قتل و جرح.

و أورد عليها شيخنا الشهيد في الشرح بأنه إذا حكم بأن المجروحين قاتلان فلم لم يستقدمنهما؟ و بأن الحكم بأخذ دية الجرح و إهدار الدّية لو ماتا أشكل أيضا، و كذا في الحكم بوجوب الدية في جراحتهما لأن موجب العمد القصاص.

و جوابه أن القتل وقع منهما حال السكر، فلا يكون عمدا بل يوجب الدية خاصة، و فرض الجرح غير قاتل، كما هو ظاهر الرواية. و وجوب دية الجرح لوقوعه أيضا من السكران كالقتل أو لفوات محل القصاص.» «2»

أقول: ما ذكره من اشتراك محمد بن قيس يدفعه أن الظاهر أن الذي يروي عنه عاصم بن حميد هو محمد بن قيس البجلي الثقة الراوي لقضايا أمير المؤمنين «ع».

و في الجواهر بعد التعرض للصحيحة قال:

«لم يحك العمل به إلّا عن أبي علي و القاضي، خصوصا بعد معارضته بما في رواية السكوني ...

بل في كشف الرموز: إنّ هذا الخبر اقرب إلى الصواب لأن القاتل غير معين،

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 253.

(2)- المسالك 2/ 494.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 504

و اشتراكهم في القتل أيضا مجهول لجواز أن يكون حصل القتل من أحدهم فرجع إلى الدية لأن لا يبطل دم امرء مسلم، و جعل على قبائل الأربعة لأن لكل منهم تأثيرا في القتل. و إن كان فيه أن تغريم العاقلة على خلاف الأصل، خصوصا بعد

الاتفاق ظاهرا على أن عمد السكران موجب للقصاص أو شبه عمد موجب للدية من ماله، و لا قائل بكونه خطأ محضا. على أنه إن علم أن لكل منهما أثرا في القتل كان لأولياء المقتولين قتل الباقيين، و إن لم يعلم فلم جعلت الدية على قبائلهم؟

و في كشف اللثام: إنه يمكن تنزيل الخبر على أن وليّ كلّ قتيل ادّعى على الباقين اشتراكهم، و قد حصل اللوث و لم يحلف هو و لا الباقيان و لا أولياء القتيلين.

و فيه نظر. فلا محيص عن مخالفة الخبر المزبور للقواعد.» «1» انتهى كلام الجواهر.

أقول: لعلّ وجه النظر هو أنّ اللوث و ترك الحلف لا يقتضيان استقرار الدية على العاقلة، بل اللازم استقرارها على المجروحين بعد الا دعاء عليهما و امتناعهما من الحلف. اللهم إلّا أن يقال: حيث إن دم المسلم لا يطلّ بلا إشكال، و الأربعة قد بلغوا في السكر حدّا زال عنهم العقل بالكلية و لو موقتا، فصار وزانهم وزان المجنون. و كما يوزّع الدينار المودع المردد بين الشخصين بينهما بالمناصفة رعاية للإنصاف الحاكم به العقلاء و الشرع أيضا كما في خبر السكوني عن الصادق «ع» «2» فكذلك الدية المرددة بين الأربعة تقسم عليهم أو على عاقلتهم، إذ وزان الغرم وزان الغنم عرفا و شرعا.

نعم، يقع الإشكال في كسر دية جراحة الباقيين من دية المقتولين، اللهم إلّا أن تحمل الجراحة على كونها ما دون الموضحة فلا تكون على العاقلة بل على نفس الجارح فتدفع من الدية المنتقلة إلى المقتول كسائر الديون، و لكن يرد على ذلك أنّ الدية للقتيلين و لعلّ الجرح لم يقع من قبلهما بل من قبل المجروحين أو أحدهما أو من

______________________________

(1)- الجواهر 42/ 91 (كتاب

الديات).

(2)- الوسائل 13/ 171، الباب 12 من كتاب الصلح، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 505

قبل الأربعة، فتأمّل.

و الذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحة و معتبرة السكوني متعارضتان، و المحكي فيهما واقعة واحدة، و لم يحرز عمل المشهور بواحد منهما ليترجح، فتسقطان عن الحجية.

و الاعتبار العقلائي في أمثال المقام يقتضي التوزيع، كما مرّ. و إن أبيت كان اللازم أداء الدية من بيت المال، كما ورد في دية من مات في زحام الناس في جمعة أو عرفة أو على جسر، إذ لا يطلّ دم المسلم، فراجع الوسائل «1».

الثالث و العشرون- القاتل عمدا إذا لم يقتص منه:

1- ففي الوسائل بسنده، عن الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر «ع»:

عشرة قتلوا رجلا؟ قال: «إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا و غرموا تسع ديات، و إن شاءوا تخيروا رجلا فقتلوه و أدّى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدّية كل رجل منهم.» قال: «ثمّ الوالي بعد يلي أدبهم و حبسهم.» «2»

أقول: روى الحديث المشايخ الثلاثة، و السند موثوق به.

2- و فيه أيضا بسنده، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل قتل رجلا متعمدا ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال: «إن كان له مال أخذت الدّية من ماله و إلّا فمن الأقرب فالأقرب، و إن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم.» قال الكليني: و في رواية أخرى: «ثمّ للوالي بعد أدبه و حبسه.» «3»

أقول: و الظاهر أنّ المراد بالأدب الضرب. فمقتضى الحديثين أنّ القاتل عمدا إذا أدّى الدّية كان للوالي تعزيره و حبسه أيضا للحق العامّ الاجتماعي، اللّهم إلّا أن تقتضي المصلحة عفوه. هذا.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 19/ 194، الباب 23 من

أبواب موجبات الضمان.

(2)- الوسائل 19/ 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 6.

(3)- الوسائل 19/ 303، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحديث 1 و 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 506

و أمّا ما دلّ عليه خبر الفضيل من تخيير الأولياء في القصاص، فقال المحقق في الشرائع:

«إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به. و الوليّ بالخيار بين قتل الجميع بعد أن يردّ عليهم ما فضل عن دية المقتول فيأخذ كل واحد منهم ما فضل من ديته عن جنايته، و بين قتل البعض، و يردّ الباقون دية جنايتهم.» «1»

و عقب ذلك في الجواهر بقوله:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلوميّة كون شرع القصاص لحقن الدماء، فلو لم يجب عند الاشتراك لاتخذ ذريعة إلى سفكها، و إلى صدق كون المجموع قاتلا فيندرج في قوله- تعالى-: «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً» إلّا أنّه منهيّ عن الإسراف في القتل. و لعلّ منه قتلهم أجمع من دون ردّ ما زاد على جنايتهم عليهم.» «2» هذا.

و يدلّ على الحكم مضافا إلى ما مرّ أخبار مستفيضة و فيها الصحيح و الموثّق أيضا. و قد أفتى بها أصحابنا الإمامية بلا خلاف، فراجع.

نعم، يظهر من بعض الأخبار عدم جواز أن يقتل بواحد أكثر من واحد: منها خبر أبي العباس و غيره، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيّهم شاءوا، و ليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد، إن اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً فَلٰا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ.» «3».

و

لكن يحمل ذلك على التنزّه أو التقيّة أو قتل الأكثر من دون ردّ الدّية كما هو الظاهر من فقهاء السّنّة.

و بالجملة، فإجماع أصحابنا على الأخذ بالأخبار الأوّلة فتطرح الأخيرة أو تحمل على ما ذكر. و أوّل المرجحات للأخبار المتعارضة هو الأخذ بما اشتهر.

و أمّا فقهاء السّنّة فالمشهور بينهم أيضا جواز قتل الأكثر بواحد، و لكن لبعضهم

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 202.

(2)- الجواهر 42/ 66 (طبعة أخرى بتصحيح آخر ص 63). و الاية المذكورة من سورة الإسراء (17)، رقمها 33.

(3)- الوسائل 19/ 30، الباب 12 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 507

خلاف في المسألة:

قال في الخلاف (المسألة 14 من كتاب الجنايات) ما ملخصه:

«إذا قتل جماعة واحدا قتلوا به أجمعين، و به قال في الصحابة عليّ «ع» و عمر و المغيرة بن شعبة و ابن عباس، و في التابعين سعيد بن المسيّب و الحسن البصري و عطاء، و في الفقهاء مالك و الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، و الشافعي و أحمد و إسحاق، إلّا أنّ عندنا أنّهم لا يقتلون بواحد إلّا إذا ردّ أولياؤه ما زاد على دية صاحبهم. و متى أراد أولياء المقتول قتل كلّ واحد منهم كان لهم ذلك و ردّ الباقون على أولياء هذا المقاد منه ما يزيد على حصة صاحبهم. و لم يعتبر ذلك أحد من الفقهاء.

و ذهبت طائفة إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد لكن وليّ المقتول يقتل منهم واحدا و يسقط من الدية بحصته و يأخذ من الباقين الباقي من الدّية على عدد الجناة، ذهب إليه في الصحابة عبد اللّه بن الزبير و معاذ، و في التابعين ابن

سيرين و الزهري. و ذهبت طائفة إلى أنّ الجماعة لا تقتل بالواحد و لا واحد منهم، ذهب إليه ربيعة و أهل الظاهر داود و أصحابه.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم ... و هو إجماع الصحابة، روي عن عليّ «ع» و عمر و ابن عباس و المغيرة، و روى سعيد بن المسيّب أنّ عمر بن الخطّاب قتل نفرا خمسا أو سبعا برجل قتلوه غيلة و قال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا، و روي عن عليّ «ع» أنّه قتل ثلاثة قتلوا واحدا، و عن المغيرة بن شعبة أنّه قتل سبعة بواحد، و عن ابن عباس: أنّه إذا قتل جماعة واحدا قتلوا به و لو كانوا مأئة.» «1»

أقول: و قد تعرض للمسألة ابن قدّامة الحنبلي في المغني، فراجعه «2» و راجع سنن البيهقي «3». هذا.

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 92.

(2)- المغني 9/ 366.

(3)- سنن البيهقي 8/ 40- 41، كتاب الجنايات، باب النفر يقتلون الرجل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 508

و في نهج البلاغة في ذكر أصحاب الجمل قال: «فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جرّه لحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه، إذ حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد.» «1» فتأمّل، إذ لعلّ القتل فيه كان للبغي لا للقصاص.

الرابع و العشرون- الأسراء:

1- ففي سنن البيهقي بسنده، عن أبي هريرة، قال: «بعث رسول اللّه «ص» خيلا نحو أرض نجد، فجاءت برجل يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج عليه رسول اللّه «ص» فقال:

ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير؛ إن تقتلني تقتل ذا دم، و

إن تنعم تنعم على شاكر، و إن ترد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول اللّه «ص» حتّى إذا كان من الغد. ثمّ قال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فردها عليه. ثمّ أتاه اليوم الثالث فردّها عليه، فقال رسول اللّه «ص»: أطلقوا ثمامة. فخرج ثمامة إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل من الماء ثمّ دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. يا محمّد، و اللّه ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك و قد أصبح وجهك أحبّ الوجوه إليّ. و اللّه ما كان دين أبغض إليّ من دينك و قد أصبح دينك أحب الأديان إليّ ...» «2»

أقول: فانظر إلى تأثير عفو الرسول «ص» و إغماضه في روح هذا الرجل و فكره، و هكذا ينبغي أن يعمل الكرام لا أن يصرّوا في المجازاة و الانتقام.

2- و روى البيهقي أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: «لما أمسى رسول اللّه «ص» يوم بدر و الأسارى محبوسون بالوثائق بات رسول اللّه «ص» ساهرا أوّل اللّيل، فقال له أصحابه: يا رسول اللّه، مالك لا تنام؟- و قد أسر العبّاس رجل

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 556؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 172.

(2)- سنن البيهقي 9/ 65، كتاب السير، باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 509

من الأنصار- فقال رسول اللّه «ص»: سمعت أنين عمّي العباس في وثاقه. فأطلقوه فسكت، فنام رسول اللّه «ص».» «1»

3- و في إرشاد المفيد في قصة أسارى بني قريظة، قال:

«و لما جي ء بالأسارى إلى المدينة حبسوا في دار من دور بني

النجّار.» «2»

4- و في سيرة ابن هشام:

«فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيها.» «3»

5- و قد مرّ عن التراتيب الإدارية في قصة بنت حاتم:

«فقدم بها في سبايا طي ء ... فجعلت بنت حاتم في حصيرة بباب المسجد. و كانت النساء تحتبسن فيها.» «4»

الخامس و العشرون- من عذّب عبده حتى مات:

1- خبر مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه «ع»: «أنّ أمير المؤمنين «ع» رفع إليه رجل عذّب عبده حتى مات، فضربه مأئة نكالا و حبسه سنة، و أغرمه قيمة العبد فتصدق بها عنه.» «5»

و روى نحوه في المستدرك، عن الجعفريات بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه «6».

أقول: و يستفاد من الخبر جواز التعزير إلى مأئة، أعني الحد الكامل، و كذلك جواز التعزير بالمال، كما لا يخفى.

2- خبر أبي الفتح الجرجاني، عن أبي الحسن «ع» في رجل قتل مملوكه أو

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 89، كتاب السير، باب الأسير يوثق.

(2)- ارشاد المفيد/ 51 (طبعة أخرى/ 58).

(3)- سيرة ابن هشام 4/ 225.

(4)- التراتيب الإدارية 1/ 300.

(5)- الوسائل 19/ 68، الباب 37 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

(6)- مستدرك الوسائل 3/ 257، الباب 34 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 510

مملوكته، قال: «إن كان المملوك له أدّب و حبس، إلّا أن يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به.» «1»

و قال المحقق في الشرائع:

«و لو قتل المولى عبده كفّر و عزّر و لم يقتل به. و قيل: يغرم قيمته و يتصدق بها، و في المستند ضعف. و في بعض الروايات: إن اعتاد ذلك قتل به.» «2»

السادس و العشرون- من أعتق نصيبه من مملوكه المشترك فيه فيحبس ليشتري البقيّة و يعتقها:

ففي سنن البيهقي بسنده، عن أبي مجلّز: «أنّ غلامين من جهينة كان بينهما غلام، فأعتق أحدهما نصيبه، فحبسه رسول اللّه «ص» حتى باع فيه غنيمة له.» «3»

أقول: حيث إنّ من خواصّ العتق السراية، فمن أعتق شقصا من مملوكه سرى العتق إلى كلّه، و لو كان له فيه شريك قوّم عليه نصيب الشريك مع يساره أو استسعى فيها

المملوك بنفسه فيعتق الجميع. و يدل على الحكم أخبار كثيرة، فراجع الوسائل «4».

قال في الشرائع:

«من أعتق شقصا من عبده سرى العتق فيه كلّه إذا كان المعتق صحيحا جائز التصرف. و إن كان له فيه شريك قوّم عليه إن كان موسرا و سعى العبد في فكّ ما بقي منه إن كان المعتق معسرا.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 69، الباب 38 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2)- الشرائع 4/ 205.

(3)- سنن البيهقي 6/ 49، كتاب التفليس، باب الحجر على المفلس و بيع ماله في ديونه.

(4)- راجع الوسائل 16/ 25- 28، الباب 18 من كتاب العتق.

(5)- الشرائع 3/ 111.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 511

السابع و العشرون- القوّاد المحكوم بالنفي على ما روي:

ففي فقه الرضا:

«و إن قامت بيّنة على قوّاد جلد خمسة و سبعين، و نفي عن المصر الذي هو فيه.

و روي أن النفي هو الحبس سنة أو يتوب.» «1»

و رواه عنه في البحار «2»، و المستدرك «3».

قال في الشرائع:

«يجب على القواد خمس و سبعون جلدة ... و هل ينفى بأوّل مرّة؟ قال في النهاية:

نعم. و قال المفيد ينفى في الثانية. و الأوّل مرويّ.» «4»

الثامن و العشرون- المرتد المليّ يحبس ليتوب:

ففي الوسائل، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إنّ عبد اللّه بن سبا كان يدّعي النبوّة، و كان يزعم أنّ أمير المؤمنين «ع» هو اللّه- تعالى عن ذلك- فبلغ أمير المؤمنين «ع» فدعاه فسأله فأقرّ و قال: نعم أنت هو، و قد كان ألقي في روعي أنّك أنت اللّه و أنا نبيّ، فقال له أمير المؤمنين «ع»: ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أمّك و تب، فأبى فحبسه و استتابه ثلاثة أيّام فلم يتب، فأخرجه فأحرقه بالنار ...» «5»

و ذكر الكشي عن بعض أهل العلم أنّ عبد اللّه بن سبأ كان يهوديّا فأسلم «6».

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 310.

(2)- بحار الأنوار 76/ 116 (طبعة إيران 79/ 116)، كتاب النواهي، الباب 84 (باب الدياثة و القيادة)، الرقم 12.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 230، الباب 5 من أبواب السحق و القيادة، الحديث 1.

(4)- الشرائع 4/ 162.

(5)- الوسائل 18/ 554، الباب 6 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 4.

(6)- اختيار معرفة الرجال/ 108.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 512

التاسع و العشرون- من قطع يده فيحبس للعلاج:

1- فروى الكليني بسنده، عن الحارث بن حضيرة، قال: مررت بحبشي و هو يستقي بالمدينة فإذا هو أقطع، فقلت له: من قطعك؟ قال: قطعني خير الناس: إنّا أخذنا في سرقة و نحن ثمانية نفر، فذهب بنا إلى عليّ بن أبي طالب «ع»، فأقررنا بالسرقة، فقال لنا: تعرفون أنّها حرام؟ فقلنا: نعم. فأمر بنا فقطعت أصابعنا من الراحة و خلّيت الإبهام، ثم أمر بنا فحبسنا في بيت يطعمنا فيه السمن و العسل حتى برئت أيدينا، ثم أمر بنا فأخرجنا و كسانا فأحسن كسوتنا، ثمّ قال لنا: إن تتوبوا و تصلحوا

فهو خير لكم يلحقكم اللّه بأيديكم في الجنة، و إلّا تفعلوا يلحقكم اللّه بأيديكم في النار.» «1»

2- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنّه أمر بقطع سرّاق، فلمّا قطعوا أمر بحسمهم فحسموا (أمر بحبسهم فحبسوا- المستدرك)، ثمّ قال: يا قنبر خذهم إليك فداو كلومهم و أحسن القيام عليهم فإذا برءوا فأعلمني، فلمّا برءوا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين قد برئت جراحهم، فقال: اذهب فاكس كل واحد منهم ثوبين و أتني بهم، ففعل و أتاه بهم كأنهم قوم محرمون ...» «2» و رواه عنه في المستدرك «3».

أقول: يقال: حسم العرق: كوّاه لئلا يسيل دمه.

الطائفة الثانية من أخبار الحبس و السجن: ما تعرضت لمن يخلد في السجن، حتى يموت أو حتى يتوب:
اشارة

و موارده أيضا كثيرة. و سيأتي المراد من التخليد:

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 528، الباب 30 من أبواب حد السرقة، الحديث 1.

(2)- دعائم الإسلام 2/ 470، كتاب السرّاق، الفصل 1، الحديث 1678.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 239، الباب 28 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 513

الأوّل- من سرق ثالثة:

و الأخبار في هذا المورد في غاية الكثرة:

1- صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع»، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في السارق إذا سرق قطعت يمينه، و إذا سرق مرّة أخرى قطعت رجله اليسرى، ثمّ إذا سرق مرّة أخرى سجنه، و تركت رجله اليمنى يمشى عليها إلى الغائط، و يده اليسرى يأكل بها و يستنجي بها، فقال:

إنّي لأستحيي من اللّه أن أتركه لا ينتفع بشي ء، و لكني أسجنه حتى يموت في السجن. و قال: ما قطع رسول اللّه «ص» من سارق بعد يده و رجله.» «1»

2- خبر زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «كان عليّ «ع» لا يزيد على قطع اليد و الرجل، و يقول: إنّي لأستحيي من ربّي أن أدعه ليس له ما يستنجي به أو يتطهر به. قال: و سألته إن هو سرق بعد قطع اليد و الرجل؟ قال: استودعه السجن أبدا و أغنى (أكفى) عن الناس شرّه.» «2»

3- خبر القاسم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن رجل سرق، فقال:

سمعت أبي يقول: اتي عليّ «ع» في زمانه برجل قد سرق فقطع يده، ثمّ أتي به ثانية فقطع رجله من خلاف، ثمّ أتى به ثالثة فخلده في السجن و أنفق عليه من بيت مال المسلمين، و قال: هكذا صنع رسول اللّه «ص» لا أخالفه.» «3»

4- موثقة سماعة بن

مهران، قال: قال: إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط الكفّ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 492، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 492، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 18/ 493، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 18/ 493، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 514

5- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث في السرقة، قال: «تقطع اليد و الرجل ثمّ لا يقطع بعد، و لكن إن عاد حبس و أنفق عليه من بيت مال المسلمين.» «1»

6- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» و عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ الأشلّ إذا سرق قطعت يمينه على كل حال، شلّاء كانت أو صحيحة. فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد خلد في السجن و أجرى عليه من بيت المال و كفّ عن الناس.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة في هذا المجال، فراجع الوسائل «3»، و المستدرك «4».

و ما ذكر فيه منها الحبس أو السجن بنحو الإطلاق يحمل لا محالة على التّخليد فيه حملا للمطلق على المقيد.

و أفتى أصحابنا الإمامية بمضمون هذه الأخبار؛ ففي الشرائع:

«فإن سرق ثالثة حبس دائما» «5»

و عقبه في الجواهر بقوله:

«حتى يموت أو يتوب، و أنفق عليه من بيت المال إن لم يكن له مال، و لا يقطع شي ء منه، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصّا و فتوى، بل يمكن دعوى القطع به من النصوص.» «6»

أقول: و

في كثير من النصوص تصريح بعمل أمير المؤمنين «ع» و صنع رسول اللّه «ص»، و إشارة إلى وجود خلاف في المسألة. و هو كذلك، لاختلاف

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 494، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 7.

(2)- الوسائل 18/ 502، الباب 11 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 4.

(3)- راجع الوسائل 18/ 492- 496، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة.

(4)- راجع مستدرك الوسائل 3/ 236، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة.

(5)- الشرائع 4/ 176.

(6)- الجواهر 41/ 533.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 515

علماء السنة في ذلك:

قال في الخلاف (المسألة 30 من كتاب السرقة):

«إذا سرق السارق بعد قطع اليد اليمنى و الرجل اليسرى في الثالثة خلّد الحبس و لا قطع عليه، فإن سرق في الحبس من حرز وجب عليه القتل.

و قال الشافعي: تقطع يده اليسرى في الثالثة و رجله اليمنى في الرابعة، و به قال مالك و إسحاق.

و قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد: لا يقطع في الثالثة، مثل ما قلناه غير أنّهم لم يقولوا بتخليد الحبس. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

و في المحلّى لابن حزم:

«اختلف الناس فيما يقطع من السارق، فقالت طائفة: لا تقطع إلّا اليد الواحدة فقط، ثم لا يقطع منه شي ء. و قالت طائفة: لا يقطع منه إلّا اليد و الرجل من خلاف، ثمّ لا يقطع منه شي ء. و قالت طائفة: تقطع اليد ثمّ الرجل الأخرى.

و قالت طائفة: تقطع يده ثمّ رجله من خلاف ثمّ رجله الثانية.»

ثمّ تعرض لدليل كل من الأقوال، ثمّ قال:

«فإذ إنّما جاء القرآن و السنة بقطع يد السارق لا بقطع رجله فلا يجوز قطع رجله أصلا. و هذا ما لا

إشكال فيه، و الحمد للّه. فوجب من هذا إذا سرق الرجل أو المرأة أن يقطع من كل واحد منهما يدا واحدة، فإن سرق أحدهما ثانية قطعت يده الثانية بالنص من القرآن و السنة، فإن سرق في الثالثة عزّر و ثقف و منع الناس ضرّه حتى يصلح حاله.» «2»

و في المغني لابن قدّامة- بعد قول الخرقى:

«فإن عاد حبس، و لا يقطع غير يد و رجل.»- قال: «يعني إذا عاد فسرق بعد قطع يده و رجله لم يقطع منه شي ء آخر و حبس. و بهذا قال عليّ «ع» و الحسن

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 201.

(2)- المحلّى 8/ 354 و 357، (الجزء 11): المسألة 2283.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 516

و الشعبي و النخعي و الزهري و حمّاد و الثوري و أصحاب الرأي.

و عن أحمد أنّه تقطع في الثالثة يده اليسرى، و في الرابعة رجله اليمنى، و في الخامسة يعزّر و يحبس.

و روي عن أبي بكر و عمر أنّهما قطعا يد أقطع اليد و الرجل، و هذا قول قتادة و مالك و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر.

و روي عن عثمان و عمرو بن العاص و عمر بن عبد العزيز أنّه تقطع يده اليسرى في الثالثة و الرجل اليمنى في الرابعة و يقتل في الخامسة، لأن جابرا قال: جي ء إلى النبي «ص» بسارق، فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول اللّه إنّما سرق. فقال: اقطعوه.

قال فقطع. ثمّ جي ء به الثانية، فقال: اقتلوه. قالوا: يا رسول اللّه إنّما سرق. قال:

اقطعوه، فقطع. ثمّ جي ء به الثالثة، فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول اللّه إنّما سرق.

قال: اقطعوه. قال ثمّ أتي به الرابعة، فقال: اقتلوه. قالوا: يا رسول اللّه إنّما

سرق.

قال: اقطعوه. ثم أتي به الخامسة، قال: اقتلوه. قال: فانطلقنا به فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر. رواه أبو داود.

و عن أبي هريرة: أن النبي «ص» قال في السارق: «و إن سرق فاقطعوا يده، ثمّ إن سرق فاقطعوا رجله، ثمّ إن سرق فاقطعوا يده، ثمّ إن سرق فاقطعوا رجله.»

و لأن اليسار تقطع قودا فجاز قطعها في السرقة كاليمنى، و لأنه فعل أبي بكر و عمر، و قد قال النبي «ص»: «اقتدوا باللّذين من بعدي أبي بكر و عمر.»

و لنا ما روى سعيد: حدثنا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، قال: حضرت علي بن أبي طالب «ع» اتي برجل مقطوع اليد و الرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتلته إذا و ما عليه القتل؛ بأيّ شي ء يأكل الطعام؟ بأيّ شي ء يتوضأ للصلاة؟ بأيّ شي ء يغتسل من جنابته؟ بأيّ شي ء يقوم على حاجته؟ فردّه إلى السجن أيّاما ثمّ أخرجه فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأوّل، و قال لهم مثل ما قال أوّل مرّة، فجلده جلدا شديدا ثمّ أرسله.»

و روي عنه أنّه قال: لأستحي من اللّه أن لا أدع له يدا يبطش بها، و لا رجلا يمشي عليها ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 517

و أمّا حديث جابر ففي حقّ شخص استحق القتل، بدليل أنّ النبي «ص» أمر به في أوّل مرّة و في كل مرّة، و فعل ذلك في الخامسة. و رواه النسائي و قال: حديث منكر.

و أما الحديث الآخر و فعل أبي بكر و عمر فقد عارضه قول عليّ «ع»، و قد روي عن عمر

أنّه رجع إلى قول عليّ «ع»: فروى سعيد: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عائذ، قال: اتي عمر برجل أقطع اليد و الرجل قد سرق، فأمر به عمر أن تقطع رجله، فقال عليّ «ع»: إنّما قال اللّه- تعالى-: «إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً.» «1» الآية، و قد قطعت يد هذا و رجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها؛ إمّا أن تعزّره و إمّا أن تستودعه السجن، فاستودعه السجن.» «2»

انتهى ما أردنا نقله من كتاب المغني بطوله.

أقول: خبر جابر رواه أبو داود في الحدود باب في السارق يسرق مرارا «3»، و النسائي في كتاب قطع السارق من سننه و قال: «هذا حديث منكر.» «4» و وجهه واضح، إذ كيف حكم رسول اللّه «ص» في جميع المراتب الأربع بالقتل، و كيف أضرب عما قاله بقول أصحابه؟! و هل الأمر اشتبه على رسول اللّه «ص» و نسي حكم القطع المنزل في الكتاب العزيز حتى ذكّره أصحابه؟!

و خبر عبد الرحمن بن عائذ رواه البيهقي «5» و روى البيهقي أيضا، عن عبد اللّه بن سلمة: «أنّ عليّا «ع» اتي بسارق فقطع يده، ثمّ أتي به فقطع رجله، ثم أتي به، فقال: أقطع يده، بأيّ شي ء يتمسّح، و بأيّ شي ء يأكل؟ ثم قال: أقطع رجله، على أيّ شي ء يمشي؟ إنّي لأستحيي

______________________________

(1)- سورة المائدة (5) الآية 33.

(2)- المغنى 10/ 271- 273.

(3)- سنن أبي داود 2/ 454.

(4)- سنن النسائي 8/ 90- 91، كتاب قطع السارق، باب قطع اليدين و الرجلين من السارق.

(5)- سنن البيهقي 8/ 274، كتاب السّرقة، باب السارق يعود فيسرق ...

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 518

اللّه. قال: ثمّ ضربه و خلّده السجن.» «1»

فالحقّ في المسألة ما أفتى به أصحابنا الإماميّة.

ثمّ إنّ الظاهر أن المراد بتخليده في السجن عدم كون حبسه موقتا محدودا بزمان معين كالسنة مثلا، بل يبقى فيه حتى يظهر صلاحه و توبته فيطلق، فإن لم يتب بقي فيه دائما، و هو الظاهر من الجواهر أيضا كما مرّ.

و يشهد لذلك قوله «ع» في خبر زرارة السابق: «و أغنى عن الناس شرّه»، و في صحيحته السابقة: «و كفّ عن الناس.» إذ بعد التوبة لا شرّ له.

و احتمال تعيّن بقائه فيه تعبّدا و إن تاب و صلح بعيد جدّا، و إن كان ربّما يلوح هذا من أخبار الباب بل يمكن أن يستأنس له بأنه بدل القطع الذي هو حدّ إلهي يجب تنفيذه و إن تاب بعد رفع أمره إلى الإمام. نعم، للإمام العفو عنه إذا كان الثبوت بالإقرار على الأصح أو مطلقا على قول المفيد، كما مرّ.

الثاني من موارد التخليد في السجن- المرأة المرتدّة:

و الأخبار فيها مستفيضة:

1- صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا يخلد في السجن إلّا ثلاثة:

الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتدّ عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل.» «2»

و الحصر إضافي لا حقيقي، إذ موارد التخليد أكثر من ثلاثة، كما سيظهر. و لعلّه شاع في تلك الأعصار تخليد الناس في السجون بلا جهة مبررة، فكان قوله «ع» تلميحا إلى تخطئتهم.

2- خبر غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ «ع»، قال: «إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل و لكن تحبس أبدا.» «3»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 8/ 275، كتاب السّرقة، باب السارق يعود فيسرق ...

(2)- الوسائل 18/ 550، الباب 4 من

أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 3.

(3)- الوسائل 18/ 549، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 519

3- خبر عباد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «المرتدّ يستتاب، فإن تاب و إلّا قتل. و المرأة تستتاب، فإن تابت و إلّا حبست في السجن و أضرّ بها.» «1»

4- خبر ابن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع» في المرتدّ يستتاب، فإن تاب و إلّا قتل، و المرأة إذا ارتدت عن الإسلام استتيبت، فإن تابت و إلّا خلدت في السجن و ضيق عليها في حبسها.» «2»

5- و في دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أنّه قال: «من خلّد في السجن رزق من بيت المال. و لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتدّ إلّا أن تتوب، و السارق بعد قطع اليد و الرجل، يعني إذا سرق بعد ذلك في الثالثة.» «3» و رواه عنه في المستدرك «4».

6- و فيه أيضا، عن عليّ «ع» أنّه قال: «إذا ارتدّت المرأة فالحكم فيها أن تحبس حتى تسلم أو تموت، و لا تقتل.

و إن كانت أمة فاحتاج مواليها إلى خدمتها استخدموها و ضيّق عليها بأشدّ الضيق، و لم تلبس إلّا من خشن الثياب بمقدار ما يواري عورتها و يدفع عنها ما يخاف منه الموت من حرّ أو برد، و تطعم من خشن الطعام حسب ما يمسك رمقها ...» «5» و رواه عنه في المستدرك «6».

7- و فيه أيضا في حديث المرتدّ: «و إن كانت امرأة حبست حتى تموت أو تتوب.» «7»

و رواه عنه في المستدرك «8». هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 18/

550، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 4.

(2)- الوسائل 18/ 550، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 6.

(3)- دعائم الإسلام 2/ 539، كتاب آداب القضاة، الحديث 1917.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 207، الباب 24 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 4.

(5)- دعائم الإسلام 2/ 480، كتاب الردّة و البدعة، الفصل 1، الحديث 1720.

(6)- مستدرك الوسائل 3/ 243، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 1.

(7)- دعائم الإسلام 1/ 398، كتاب الجهاد، ذكر من يسع قتله من أهل القبلة.

(8)- مستدرك الوسائل 3/ 243، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 520

و في صحيحة حماد، عن أبي عبد اللّه «ع» في المرتدّة عن الإسلام قال: «لا تقتل، و تستخدم خدمة شديدة، و تمنع الطعام و الشراب إلّا ما يمسك نفسها، و تلبس خشن الثياب، و تضرب على الصلوات.»

و رواه الصدوق بإسناده، عن حماد، عن الحلبي مثله إلّا أنّه قال: «أخشن الثياب.» «1»

و بالجملة، فالمرتدة لا تقتل بحال، بل تحبس حتى تتوب أو تموت، و به أفتى أصحابنا الإماميّة؛ قال في الشرائع:

«و لا تقتل المرأة بالرّدّة، بل تحبس دائما و إن كانت مولودة على الفطرة، و تضرب أوقات الصلاة.» «2» و ذيّله في الجواهر بقوله: «إجماعا بقسميه، و نصوصا.» «3»

و أمّا فقهاء السنة فالمسألة مختلف فيها عندهم:

قال الشيخ في كتاب المرتدّ من الخلاف (المسألة 1):

«المرأة إذا ارتدّت لا تقتل، بل تحبس و تجبر على الإسلام حتى ترجع أو تموت في الحبس، و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و قالوا: إن لحقت بدار الحرب سبيت و استرقّت.

و روي عن عليّ «ع» أنّها تسترقّ، و به قال

قتادة.

و قال الشافعي: إذا ارتدت المرأة قتلت مثل الرجل إن لم يرجع، و به قال أبو بكر، و روي عن عليّ «ع» أنّه قال: كل مرتدّ مقتول، ذكرا كان أو أنثى. و به قال في التابعين الحسن البصري و الزهري، و في الفقهاء مالك و الأوزاعي و الليث بن سعد و أحمد بن حنبل و إسحاق.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و روي عن النبي «ص» أنّه نهى عن قتل النساء

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 549، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 1.

(2)- الشرائع 4/ 183.

(3)- الجواهر 41/ 611.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 521

و الولدان، و لم يفرّق، و روي عن النبي «ص» أنّه نهى عن قتل المرتدّة، و روي عن ابن عباس أنّه قال: المرتدّة تحبس و لا تقتل. و أيضا الأصل حقن الدماء، و لم يقم دليل على جواز قتلها. فعلى من ادّعى قتلها الدلالة.» «1»

و في المغني لابن قدّامة- بعد قول الخرقي:

«و من ارتدّ عن الإسلام من الرجال و النساء و كان بالغا عاقلا دعي إليه ثلاثة أيّام و ضيّق عليه، فإن رجع و إلّا قتل.»- قال ابن قدامة: «... لا فرق بين الرجال و النساء في وجوب القتل. روي ذلك عن أبي بكر و عليّ «ع»، و به قال الحسن و الزهري و النخعي و مكحول و حماد و مالك و الليث و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق.

و روي عن عليّ و الحسن و قتادة أنّها تسترقّ و لا تقتل، لأن أبا بكر استرقّ نساء بني حنيفة و ذراريهم، و أعطى عليّا منهم امرأة فولدت له محمد بن الحنفيّة، و كان هذا بمحضر من الصحابة فلم

ينكر فكان إجماعا.

و قال أبو حنيفة: تجبر على الإسلام بالحبس و الضرب، و لا تقتل لقول النبي «ص»:

«لا تقتلوا امرأة.» و لأنها لا تقتل بالكفر الأصلي فلا تقتل بالطارئ كالصبيّ.

و لنا قوله «ع»: «من بدّل دينه فاقتلوه.» رواه البخاري و أبو داود.» «2» هذا.

و المستفاد مما مرّ عن الدعائم خلاصها من السجن إن تابت و أسلمت. و هو الأظهر الأقوى، إذ لا وجه لبقائها فيه بعد ما صلحت و طابت؛ و هو الظاهر من الخلاف أيضا. و في الجواهر:

«نعم، إن تابت عفي عنها، كما صرح به غير واحد.» «3»

و في التحرير:

«و لو تابت فالوجه قبول توبتها و سقوط ذلك عنها و إن كانت عن فطرة.» «4»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 170.

(2)- المغني 10/ 74.

(3)- الجواهر 41/ 612.

(4)- تحرير الأحكام 2/ 235.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 522

و في المسالك:

«إنما تحبس المرتدة دائما على تقدير امتناعها من التوبة، فلو تابت قبل منها و إن كان ارتدادها عن فطرة عند الأصحاب.» «1»

و لكنه ناقش بعد ذلك باحتمال أن يكون الحبس الدائم حدّها في الفطرية من غير أن تقبل توبتها، كما لا تقبل توبة الفطريّ.

و لكن الأظهر ما ذكرناه و قوّيناه. و يمكن أن يستأنس لذلك بما ورد من الإضرار بها و التضييق عليها و ضربها على الصلوات. و يشهد له ما مرّ من الدعائم. هذا مضافا إلى أن للحاكم العفو عن الحدود إن ثبتت بالإقرار بل مطلقا على قول المفيد كما مرّ، فتأمّل. و المراد بتخليدها في السجن كما مرّ عدم كون حبسها محدودا بزمان معين، لا بقاؤها في السجن و إن صلحت و تابت.

الثالث- المؤلي إذا أبى أن يفي ء أو يطلق:

1- ففي صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه

«ع»، قال: «الإيلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر، و إن رفعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر ثمّ يقول له بعد ذلك: إمّا أن ترجع إلى المناكحة و إمّا أن تطلق، فإن أبى حبسه أبدا.» «2»

2- خبر حماد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «المؤلي إذا أبى أن يطلق، قال:

كان أمير المؤمنين «ع» يجعل له حظيرة من قصب و يجعله (يحبسه- يب) فيها و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلّق.» «3»

3- خبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان أمير المؤمنين «ع» إذا أبى المؤلي أن يطلق جعل له حظيرة من قصب و أعطاه ربع قوته حتى يطلّق.» «4»

______________________________

(1)- المسالك 2/ 451.

(2)- الوسائل 15/ 541، الباب 8 من أبواب الإيلاء، الحديث 6.

(3)- الوسائل 15/ 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 1.

(4)- الوسائل 15/ 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 523

4- مرسلة الصدوق، قال: «روي أنه إن فاء و هو أن يراجع إلى الجماع، و إلّا حبس في حظيرة من قصب و شدّد عليه في المأكل و المشرب حتى يطلّق.» «1»

5- ما عن تفسير العياشي، عن صفوان بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه «ع» في المؤلي إذا أبى أن يطلّق؟ قال: «كان عليّ «ع» يجعل له حظيرة من قصب و يحبسه فيها و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلّق.» «2»

6- ما عن تفسير علي بن إبراهيم، قال: «روي عن أمير المؤمنين «ع» أنه بنى حظيرة من قصب و جعل فيها رجلا آلى من امرأته

بعد أربعة أشهر، و قال له: إمّا أن ترجع إلى المناكحة، و إمّا أن تطلّق، و إلّا أحرقت عليك الحظيرة.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار، و منها ما ذكر فيه لفظ الوقف، فراجع.

و مقتضى هذه الأخبار أن الإمام أو الحاكم من قبله بعد الأربعة أشهر يخيّره بين أن يفي ء إلى النكاح أو يطلق. و بذلك أفتى أصحابنا الإمامية، و أكثر فقهاء السنة أيضا. و قال بعضهم: إنّ وقت الفي ء في الأربعة أشهر فإن ترك الجماع فيها وقعت الطلقة قهرا بانقضاء الأربعة طلقة بائنة. و قال بعضهم: إنه يقع الطلاق قهرا بانقضائها طلقة رجعية، فراجع الخلاف (المسألة 2 من كتاب الايلاء) «4».

و وردت في هذا المجال روايات كثيرة من طرق السنة أيضا، فراجع سنن البيهقي «5».

الرابع من موارد التخليد في السجن- من أمسك رجلا ليقتله غيره:

1- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قضى عليّ «ع» في رجلين أمسك

______________________________

(1)- الوسائل 15/ 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 4.

(2)- الوسائل 15/ 546، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 7.

(3)- الوسائل 15/ 546، الباب 11 من أبواب الإيلاء، الحديث 6.

(4)- الخلاف 3/ 6.

(5)- سنن البيهقي 7/ 376 و ما بعدها، كتاب الإيلاء.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 524

أحدهما و قتل الآخر، قال: يقتل القاتل و يحبس الآخر حتى يموت غمّا كما حبسه حتى مات غمّا ...» «1»

2- موثقة سماعة، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في رجل شدّ على رجل ليقتله و الرجل فارّ منه فاستقبله رجل آخر فأمسكه عليه حتى جاء الرجل فقتله، فقتل الرجل الذي قتله، و قضى على الآخر الذي أمسكه عليه أن يطرح في السجن أبدا حتى يموت فيه لأنه أمسكه على الموت.» «2»

3- معتبرة السكوني،

عن أبي عبد اللّه «ع»: «إنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين «ع»:

واحد منهم أمسك رجلا، و أقبل الآخر فقتله، و الآخر يراهم، فقضى في (صاحب- الفقيه) الرؤية أن تسمل عيناه، و في الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، و قضى في الذي قتل أن يقتل.» «3»

أقول: هل المراد بالرؤية مجرد الرؤية و النظر، أو كون الشخص عينا و ربيئة للقاتل بحيث أعانه في عمله؟ و جهان. و المتيقن هو الثاني، فيجب الأخذ به، إذ الحدود تدرأ بالشبهات. و يشهد لذلك أيضا قوله في خبر الدعائم الآتي: «و آخر ينظر لهما»، كما لا يخفى.

4- خبر عمرو بن أبي المقدام، الحاكي لقصة رجل شكا إلى المنصور عن رجلين أخرجا أخاه من منزله ليلا، فأمسكه أحدهما و قتله الآخر، فطلب المنصور من جعفر بن محمد «ع» أن يقضي بينهم، فأمر «ع» أخا المقتول أن يضرب عنق القاتل، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبيه و حبسه في السجن و وقّع على رأسه: يحبس عمره و يضرب في كل سنة خمسين جلدة.» «4»

أقول: لعل إضافة الضرب في هذا الحديث كانت في قبال إخراجهما الرجل

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 35، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 19/ 35، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 19/ 35، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(4)- الوسائل 19/ 36، الباب 18 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 525

ليلا من منزله، أو لأن الحاكم يعزره بما يراه صلاحا.

5- و قد مرّ في بحث المرتدّة صحيحة حريز، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا

يخلد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمسك على الموت، و المرأة ترتدّ عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل.» «1»

6- و في المستدرك، عن الجعفريات بسنده، عن عليّ «ع»: «أنّه اتي برجلين أمسك أحدهما و جاء الآخر فقتل، فقال: أمّا الذي قتل فيقتل، و أمّا الذي أمسك فإنّه يحبس في السجن حتى يموت.» «2»

7- و فيه أيضا، عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين «ع»: «أنّه قضى في رجل قتل رجلا، و آخر يمسكه للقتل، و آخر ينظر لهما لئلّا يأتيهم أحد، فقضى بأن يقتل القاتل، و أن يمسك الممسك في الحبس حتى يموت بعد أن يجلد و يخلد في السجن و يضرب في كل عام خمسين سوطا نكالا، و يسمل عينا الذي كان ينظر لهما.» «3»

8- و فيه أيضا، عن كتاب درست بن أبي منصور، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه «ع» و عن أبي جعفر «ع» في رجل عدا على رجل و جعل ينادي: احبسوه احبسوه، قال: فحبسه رجل، و أدركه فقتله، قال: فقال أمير المؤمنين «ع»: يحبس الممسك حتّى يموت، كما حبس المقتول على الموت.» «4»

9- و فيه أيضا، عن البحار، عن كتاب مقصد الراغب: «قضى عليّ «ع» في رجل أمسك رجلا حتى جاء آخر فقتله، و رجل ينظر، فقضى بقتل القاتل، و قلع عين الذي نظر و لم يعنه، و خلّد الذي أمسك في الحبس حتى مات.» «5» هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 550، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 3.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 254، الباب 15 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 254، الباب 15 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(4)- مستدرك الوسائل 3/

254، الباب 15 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 4.

(5)- مستدرك الوسائل 3/ 254، الباب 15 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 526

10- و في سنن البيهقي بسنده، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إذا أمسك الرجل الرجل و قتله الآخر يقتل الذي قتل، و يحبس الذي أمسك.» «1»

11- و فيه أيضا عن إسماعيل بن أمية، قال: «قضى رسول اللّه «ص» في رجل أمسك رجلا و قتل الآخر؟ قال: يقتل القاتل، و يحبس الممسك.» و عن جابر، عن عامر، عن عليّ «ع»: «أنّه قضى بذلك.» «2»

و قد افتى أصحابنا الإمامية بمضمون هذه الأخبار:

قال في الشرائع:

«و لو أمسك واحد و قتل الآخر فالقود على القاتل دون الممسك، لكن الممسك يحبس أبدا. و لو نظر لهما ثالث لم يضمن لكن تسمل عيناه، أي تفقأ.» «3»

و في الجواهر ذيّل المسألة الأولى بقوله:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الخلاف و الغنية و غيرهما الإجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة.»

و ذيّل المسألة الثانية بقوله:

«للإجماع في محكيّ الخلاف، و لخبر السكوني.» «4»

و أمّا فقهاء السّنة ففيهم خلاف:

قال الشيخ في الخلاف (المسألة 36 من كتاب الجنايات):

«روى أصحابنا أن من أمسك إنسانا حتى جاء آخر فقتله: أنّ على القاتل القود، و على الممسك أن يحبس أبدا حتى يموت، و به قال ربيعة.

و قال الشافعي: إن كان أمسكه متلاعبا مازحا فلا شي ء عليه، و إن كان أمسكه عليه للقتل أو ليضربه و لم يعلم أنّه يقتله فقد عصى و أثم و عليه التعزير. و روي

______________________________

(1)- سنن البيهقي 8/ 50، كتاب الجنايات، باب الرجل يحبس الرجل للآخر فيقتله.

(2)- سنن

البيهقي 8/ 50- 51، كتاب الجنايات، باب الرجل يحبس الرجل للآخر فيقتله.

(3)- الشرائع 4/ 199.

(4)- الجواهر 42/ 46 (طبعة أخرى بتصحيح آخر ص 42- 43).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 527

ذلك عن عليّ «ع». و إليه ذهب أهل العراق: أبو حنيفة و أصحابه.

و قال مالك: إن كان متلاعبا لا شي ء عليه، و إن كان للقتل فعليهما القود معا كما لو اشتركا في قتله.

دليلنا إجماع الطائفة و أخبارهم، لأنهم ما رووا خلافا لما بيّناه، و روي عن النبي «ص» أنّه قال: «يقتل القاتل و يصبر الصابر.» قال ابو عبيد: معناه: يحبس الحابس؛ فإن المصبور: المحبوس.»

(المسألة 37):

«إذا كان معهم ردء ينظر لهم فإنه يسمل عينه و لا يجب عليه القتل. و قال أبو حنيفة: يجب على الردء القتل دون الممسك. و قال مالك: يجب على الممسك دون الردء على ما حكيناه. و قال الشافعي: لا يجب القود إلّا على المباشر دون الممسك و الردء. دليلنا ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.» «1»

و في المغني لابن قدّامة الحنبلي- بعد قول الخرقي:

«و إذا أمسك رجلا و قتله آخر قتل القاتل و حبس الماسك حتى يموت»- قال ما ملخصه: «لا خلاف أن القاتل يقتل. و أمّا الممسك فإن لم يعلم أن القاتل يقتله فلا شي ء عليه، و إن أمسكه له ليقتله فاختلفت الرواية فيه عن أحمد؛ فروي عنه أنّه يحبس حتى يموت، و هذا قول عطاء و ربيعة و روي ذلك عن عليّ «ع». و روي عن أحمد أنه يقتل أيضا، و هو قول مالك. و قال أبو حنيفة و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر يعاقب و يأثم و لا يقتل.

و لنا

ما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر أنّ النبي «ص» قال: «إذا أمسك الرجل و قتله الآخر يقتل الذي قتل، و يحبس الذي أمسك.» و لأنه حبسه إلى الموت فيحبس الآخر إلى الموت، كما لو حبسه عن الطعام و الشراب حتى مات فإننا نفعل به ذلك حتى يموت.» «2» هذا.

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 100.

(2)- المغني 9/ 477.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 528

ثم إنّ هاهنا مشكلة يجب التنبه لها و التتبع و الدقة لحلّها، و هي أنّ حبس الممسك، و سمل عين الرائي، و كذا حبس الآمر بالقتل على ما يأتي هل تكون هذه الثلاثة من قبيل حقّ الناس كحق القصاص فيشترط في تنفيذها مطالبة الأولياء و يجوز لهم العفو عنهم، أو من قبيل حقوق اللّه الموضوعة للتقويم؟ و على الثاني فهل تكون من قبيل التعزيرات الشرعية التي يجوز للإمام عفوها مطلقا كما مرّ، أو من قبيل الحدود، حيث فصّلنا فيها بين ما ثبتت بالإقرار فيصح العفو و بين ما ثبتت بالبينة فلا يصح؟ في المسألة وجوه. هذا.

و يمكن أن يناقش الوجه الأوّل باستبعاد أن يجعل في قبال نفس واحدة أكثر من نفس بعنوان الاستحقاق، و الوجه الثالث بأن اللازم منه زيادة الفرع على الأصل، فإن الثلاثة بمنزلة الفروع لنفس القاتل، و الأصل قابل للعفو فكيف لا يصحّ العفو عمّن هو أقلّ منه جرما.

و بالجملة، فالمسألة محتاجة إلى الدقة و التأمّل. و لم أر من تعرض لها. و لعلّ الاحتياط يقتضي عدم تنفيذها إلّا مع مطالبة أولياء الدم نظير نفس القصاص، فإن الحدود تدرأ بالشبهات، فتأمّل.

الخامس من موارد التخليد في السجن- من أمر رجلا حرّا بقتل رجل:

1- فعن الكليني بسند صحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»: «في رجل أمر رجلا

بقتل رجل (فقتله)، فقال: يقتل به الذي قتله، و يحبس الآمر بقتله في الحبس حتى يموت.»

و عن الشيخ أيضا مثله. و عن الصدوق أيضا نحوه إلّا أنّه قال: «أمر رجلا حرّا.» «1» و الرواية مفتى بها عند أصحابنا، كما سيظهر.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 32، الباب 13 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 529

السادس- العبد القاتل بأمر سيده:

1- فعن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، فقال أمير المؤمنين «ع»: و هل عبد الرجل إلّا كسوطه أو كسيفه؟ يقتل السيّد، و يستودع العبد السجن.»

و عن الصدوق بإسناده، عن السكوني مثله. و عنه أيضا بإسناده إلى قضايا عليّ «ع» إلّا أنّه قال: «و يستودع العبد في السجن حتى يموت.» و عن الشيخ أيضا بإسناده، عن عليّ بن إبراهيم «1».

2- و في سنن البيهقي بسنده، عن خلاس، عن عليّ «ع»، قال: «إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فإنّما هو كسيفه أو كسوطه؛ يقتل المولى و يحبس العبد في السجن.» «2»

أقول: قال الشيخ في نهاية:

«و إذا أمر إنسان حرّا بقتل رجل فقتله المأمور وجب القود على القاتل دون الآمر، و كان على الإمام حبسه ما دام حيّا. فإن أمر عبده بقتل غيره فقتله كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء. و قد روي: أنّه يقتل السيد و يستودع العبد السجن. و المعتمد ما قلناه.» «3»

و قال في الخلاف (المسألة 30 من كتاب الجنايات):

«اختلف روايات أصحابنا في أنّ السيّد إذا أمر غلامه بقتل غيره فقتله على من يجب القود؟

فرووا في بعضها أن على السيد القود، و في بعضها أن على العبد القود و لم يفصّلوا.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 33، الباب 14 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(2)- سنن البيهقي 8/ 50، كتاب الجنايات، باب ما جاء في أمر السيّد عبده.

(3)- النهاية/ 747.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 530

و الوجه في ذلك أنّه إن كان العبد مميّزا عاقلا يعلم أنّ ما أمره به معصية فإن القود على العبد، و إن كان صغيرا أو كبيرا لا يميّز و يعتقد أنّ جميع ما يأمره سيّده به واجب عليه فعله كان القود على السيّد.

و الأقوى في نفسي أن نقول: إن كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل أو متمكنا من العلم به فعليه القود، و إن كان صغيرا أو مجنونا فإنه يسقط القود و يجب فيه الدية ...» «1»

و في المغني لابن قدّامة الحنبلي:

«و متى كان العبد يعلم تحريم القتل فالقصاص عليه، و يؤدب سيّده- لأمره بما أفضى إلى القتل- بما يراه الإمام من الحبس و التعزير، و إن كان غير عالم بحظره فالقصاص على سيّده و يؤدّب العبد. قال أحمد: يضرب و يؤدّب. و نقل عنه أبو طالب، قال: يقتل الوليّ و يحبس العبد حتى يموت، لأن العبد سوط المولى و سيفه. كذا قال عليّ و أبو هريرة، و قال عليّ «ع»: يستودع السجن. و ممن قال بهذه الجملة الشافعي. و ممن قال إنّ السيّد يقتل: عليّ و أبو هريرة. و قال قتادة: يقتلان جميعا.» «2»

أقول: صحيحة زرارة بنقل الصدوق مختصة بكون المأمور حرّا، و بنقل الكليني و الشيخ و إن كانت مطلقة من هذه الجهة و لكن معتبرة السكوني خاصة

بل حاكمة عليها بوجه، فيتعين الأخذ بها. و يؤيدها ما رويناه عن البيهقي، بل و موثقة إسحاق بن عمار، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل أمر عبده أن يقتل رجلا فقتله، قال: فقال: يقتل السيّد به «3».

و يؤيد ذلك الاعتبار العقلائي أيضا، فإن الغالب في العبيد كونهم مسخرين تحت إرادة الموالي و لا يلتفتون إلى أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. نعم، لو كان

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 98.

(2)- المغني 9/ 479.

(3)- الوسائل 19/ 33، الباب 14 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 531

العبد بصيرا ملتفتا إلى هذا الأمر و مع ذلك اطاع المولى صحّ القول بكون المباشر حينئذ أقوى في استناد العمل إليه و المعتبرة محمولة على الغالب كما هو ظاهرها، فتدبّر.

السابع- من خلّص القاتل من أيدي الأولياء:

فروى المشايخ الثلاثة بسند صحيح، عن حريز، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«سألته عن رجل قتل رجلا عمدا، فرفع إلى الوالي، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه، فوثب عليه قوم فخلّصوا القاتل من أيدي الأولياء؟ قال: أرى أن يحبس الذين خلّصوا القاتل من أيدي الأولياء (أبدا- الفقيه) حتى يأتوا بالقاتل. قيل: فإن مات القاتل و هم في السجن؟ قال: إن مات فعليهم الدية، يؤدّونها جميعا إلى أولياء المقتول.» «1»

أقول: قال الشيخ في الكفالات من النهاية:

«و من خلّى قاتلا من يد وليّ المقتول بالجبر و الإكراه كان ضامنا لدية المقتول إلّا أن يردّ القاتل إلى الوليّ و يمكّنه منه.» «2»

و ليس في كلامه ذكر الحبس و إجباره بإحضار القاتل، بل الظاهر منه أن اداءه للدية يوجب براءته و خلاصه. و الالتزام به مشكل، و لا نرى وجها لترك العمل بظاهر الخبر،

فراجع مظانّ البحث عن المسألة.

و وزان الباب وزان الكفالة؛ و قد قالوا فيها كما مرّ أن الكفيل يحبس حتى يحضر المكفول أو يؤدي ما عليه. و ظاهرهم التخيير بينهما، و قد ناقشنا في ذلك- كما مرّ- تبعا للعلامة في التذكرة و غيرها، فراجع ما مر منا في حبس الكفيل «3».

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 34، الباب 16 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1؛ و 13/ 160، الباب 15 من كتاب الضمان، الحديث 1.

(2)- النهاية/ 316.

(3)- راجع ص 492 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 532

و كان الأنسب ذكر هذه المسألة عقيب مسألة حبس الكفيل، و لكن ذكرناها هنا لما في رواية الفقيه من قوله: «أبدا».

الثامن- المحارب المحكوم بالنفي على ما في بعض الأخبار و الفتاوى:

1- فعن العياشي، عن أبي جعفر محمد بن عليّ الرضا «ع» في حديث: «فإن كانوا أخافوا السبيل فقط و لم يقتلوا أحدا و لم يأخذوا مالا أمر بإيداعهم الحبس، فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل.» «1»

2- و في مسند زيد: عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»، قال: «إذا قطع الطريق اللصوص و أشهروا السلاح و لم يأخذوا مالا و لم يقتلوا مسلما ثمّ أخذوا حبسوا حتى يموتوا، و ذلك نفيهم من الأرض.» «2»

و قد مرّت الفتاوى في هذا المجال في أوائل البحث، فراجع «3».

3- و في خبر عبيد اللّه المدائني، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و إن حارب اللّه و سعى في الأرض فسادا و لم يقتل و لم يأخذ من المال نفي في الأرض. قال: قلت: و ما حدّ نفيه؟ قال: سنة ينفى من الأرض التي فعل فيها إلى غيرها، ثمّ يكتب إلى ذلك المصر بأنّه منفي، فلا تؤاكلوه و لا

تشاربوه و لا تناكحوه، حتى يخرج إلى غيره فيكتب إليهم أيضا بمثل ذلك. فلا يزال هذه حاله سنة، فإذا فعل به ذلك تاب و هو صاغر.» «4»

و مقتضى ذلك كون مدة السجن أيضا سنة لأنّه بدل النفي، و لكن في الجواهر قال:

«لكن المصنف و غيره بل الأكثر على عدم التقييد بالسنة، بل لم يحك إلّا عن ابن سعيد.» «5»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 532

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 536، الباب 1 من أبواب حدّ المحارب، الحديث 8.

(2)- مسند زيد/ 323، كتاب السير، باب قطّاع الطريق.

(3)- راجع ص 425 من الكتاب.

(4)- التهذيب 10/ 131، باب الحدّ في السرقة و ...، الحديث 140.

(5)- الجواهر 41/ 593.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 533

التاسع من موارد التخليد- الذي يمثّل:

فروى الكليني بسنده، عن حماد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا يخلّد في السجن إلّا ثلاثة: الذي يمثّل، و المرأة ترتدّ عن الإسلام، و السارق بعد قطع اليد و الرجل.» «1»

أقول: قال المجلسي في مرآة العقول:

«قوله: «الّذي يمثّل»، التمثيل عمل الصور و التمثال، أو التنكيل و التشويه بقطع الأنف و الأذن و الأطراف. و الحبس فيهما مخالف للمشهور، و في التهذيب: يمسك على الموت، و هو الموافق لسائر الأخبار و أقوال الأصحاب كما سيأتي. و لعلّه كان «يمسك» فصحّف.» «2»

و أقول: خبر التهذيب مرّ في المرأة المرتدة عن حريز، و رواه في الوسائل «3».

و لو صحّ خبر الكليني فلا محالة يراد بقوله: «الذي يمثّل» الذي يصرّ على العمل و يدوم عليه، و الاستمرار

أحد معاني الفعل المستقبل.

و لا يبعد جواز حكم الإمام بالسجن على من يصرّ على عمل حرام مستهجن بحيث لا يردعه عنه رادع إلّا ذاك، فتدبّر.

العاشر- المنجّم المصرّ على التنجيم:

ففي نهج السعادة: «نادى عليّ «ع» بالرحيل [إلى النهروان]، فأتاه مسافر بن عفيف الأزدي فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسر في هذه الساعة ... و قال «ع»: لئن بلغني أنّك تنظر في النجوم لأخلدنّك في الحبس ما دام لي سلطان. فو اللّه ما كان محمد «ص» منجما

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 493، الباب 5 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 5.

(2)- مرآة العقول 4/ 187، في آخر كتاب الحدود من ط. القديم.

(3)- راجع الوسائل 18/ 550، الباب 4 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 534

و لا كاهنا.» «1»

أقول: و هذا أيضا يؤيد ما أشرنا إليه من جواز حكم الإمام بحبس من يصرّ على أمر حرام و بقائه فيه ما لم يرتدع.

الحادي عشر- من وقع على أخته و لم يمت بالضربة:

1- ففي خبر عامر بن السمط، عن علي بن الحسين «ع» في الرجل يقع على أخته؟ قال: «يضرب ضربة بالسيف؛ بلغت منه ما بلغت، فإن عاش خلد في السجن حتى يموت.» «2»

2- مرسلة محمد بن عبد اللّه بن مهران، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«سألته عن رجل وقع على أخته؟ قال: يضرب ضربة بالسيف. قلت: فإنّه يخلص؟

قال: يحبس أبدا حتّى يموت.» «3» «4»

[مجموعة القواعد لمعاملة المسجونين التي أقرّتها هيئة الأمم المتحدة]

______________________________

(1)- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة 2/ 371- 372، الخطبة 263.

(2)- الوسائل 18/ 387، الباب 19 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 10.

(3)- الوسائل 18/ 386، الباب 19 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 4.

(4) أقول: قد انتهى إلى هنا ما أردنا تحقيقه في أحكام السجون، و قد نقل في كتاب «أحكام السجون» للوائلي (ص 165- 179) مجموعة القواعد لمعاملة المسجونين، التي أقرّتها هيئة الأمم المتحدة في المؤتمر الذي عقدته في مدينة جنيف بسويسرا في سنة 1955 م. و قد ترجمت بلغات مختلفة. و نحن نذكر هنا في الذيل بعض هذه القواعد تتميما للفائدة، حيث إنّها مقررات نافعة بحال المسجونين و النظم الحاكمة، يحكم بحسنها بل بلزوم أكثرها العقل و العقلاء، فينبغي رعايتها مهما أمكن:

القاعدة 6: نصّت بوجوب مسك سجلّ للمسجونين يتضمن: هويّاتهم، و مصدر حبسهم، و أسباب الحبس، و تاريخ الدخول للسجن و الأخلاء، و عدم قبول أيّ شخص بدون هذا السجلّ.

القاعدتان 7 و 8: نصّتا على وجوب فصل طوائف السجناء حسب سنّهم و جنسهم و سوابقهم و سبب حبسهم، و ما تقتضيه معاملتهم.

القاعدة 10: نصّت على ضرورة توفير الشروط الصحيّة من حيث السعة و الهواء و الإضاءة و التدفئة و التهوية بالسجن.

القاعدة 12: أوجبت توفير الأدوات الصحيّة لقضاء حاجة

السجناء، مع لياقتها و نظافتها.

القاعدة 13: أوجبت تهيئة حمّامات كافية يراعى فيها الفصول السنويّة، و وجوب استحمام السجين كل

أسبوع على الأقلّ.

القاعدة 14: أوجبت صيانة الأماكن التي يرتادها المسجونون و نظافتها.

القاعدة 17 و 18: أوجبتا تزويد المساجين بالملابس الكافية مع نظافتها، و رخّصت لهم ارتداء ملابسهم الخاصة بالمناسبات.

القاعدة 19: أوجبت لكل سجين سريرا خاصا و فراشا كافيا و نظيفا، و حسب العرف المحلّى مع تبديله إذا اتّسخ.

القاعدة 20: أوجبت على إدارة السجن تزويد السجن بواجبات غذائية كافية مع ماء صالح للشرب دائما.

القاعدة 21: أوجبت للسجين الذي لا يعمل ساعة رياضة بالهواء، و لصغار السنّ تدريبا رياضيّا خلال مدة مخصصة لذلك.

القاعدة 22: أوجبت وجود طبيب نفسي واحد على الأقلّ في كل مؤسسة عقابية مع تنظيم الخدمات الطبيّة، و تخصيص قسم للطبّ النفسي و نقل المرضى إلى مؤسّسات مدنية إذا دعت الحاجة، و إذا كان بالمؤسسة مستشفى فيجب تزويده بكل حاجاته من حيث الإداريين و الفنّيين و الأدوات و توفير خدمات طبّيّة للأسنان.

القاعدة 23: أوجبت في سجون النساء أماكن خاصة لرعايتهن و علاجهن قبل و أثناء و بعد الوضع، و لا يذكر بشهادة الميلاد ولادة الوليد بالسجن، و في حالة السماح للأمّهات بالارتباط بأطفالهن تهيئة أماكن خاصة للحضانة.

القاعدة 25 و 26: أوجبتا على الطبيب إجراء الكشف يوميّا على كل سجين، أو لمن يطلب أو يسترعي الانتباه، و يقدّم لمدير السجن تقريرا عمّا تستدعيه بعض الحالات، و أن يديم الطبيب التفتيش و يقدم تفتيشاته لمدير السجن في نوع الغذاء و كمّيته، و الحالة الصحّيّة، و نظافة المؤسسة و المنشآت الصحّيّة، و التدفئة و التهوية و نظافة الملابس و الفراش و مراعاة قواعد التربية البدنية، و على مدير السجن العناية

بالتقارير و تنفيذها فيما إذا أقرّت، و رفع الأمر للسلطات العليا إذا لم يكن ذلك من صلاحيّته.

القاعدة 27: تعرّضت لحفظ النظام و للجزاءات و أوجبت حفظ النظام بحزم و بالقدر الضروري من القيود.

القاعدة 28: منعت أن يمنح أيّ سجين سلطة تأديبيّة على زملائه على أن لا تحول هذه القاعدة دون قيام مجموعات من السجناء بأعمال ذات طابع ثقافي أو اجتماعي بقصد إصلاحهم، و تكون هذه الأعمال تحت رقابة المؤسسة.

القاعدة 30: منعت معاقبة السجين إلّا وفق القانون المشار إليه، و منعت العقاب مرّتين عن نفس المخالفة، و أوجبت سبق إخطاره بالتهمة ليدافع عن نفسه، و السماح له بتقديم دفاعه و لو بمترجم إذا لزم ذلك، و أن تدرس أمثال هذه الحالات بدقّة.

القاعدة 31: منعت العقوبات اللّاإنسانيّة و القاسية كجزاءات تأديبيّة مثل الوضع في زنزانة مظلمة.

القاعدة 33: منعت استعمال وسائل الإكراه كالسلاسل و قمصان الأكتاف لكن لا مطلقا، بل كجزاء تأديبي. و منعت مطلقا- كوسيلة إكراهيّة- استعمال السلاسل و الحديد. أمّا وسائل الإكراه الأخرى فتسخدم فيما يلي ...

القاعدة 34: حدّدت نماذج أدوات الإكراه و كيفيّة استعمالها، و نصّت على أنّها للضرورة فقط.

القاعدة 35: أوجبت تزويد كل سجين بالمعلومات و النظم المقررة لمعاملة المسجونين من صنفه و ذلك كتبيّا،

إلّا للأمّي فتكون شفوية.

القاعدة 36: أوجبت تهيئة الفرصة لكلّ مسجون لتقديم التماساته و شكاواه في كل يوم لمدير المؤسّسة أو للمفتّش أثناء قيامه بالتفتيش، و له الحديث مع المفتش منفردا، و أن لا تراقب شكاواه التي يرفعها، و يجب فحصها من قبل من قدمت له للردّ عليها بسرعة.

القاعدة 37: أوجبت إخبار المسجونين بجواز الاتصال بأسرهم و أصدقائهم الطيّبين؛ إمّا مراسلة أو بزيارة تعين بأوقات مع مراقبتهم حال الزيارة.

القاعدة 38: أوجبت

السماح للمسجونين الأجانب بالاتصال بممثليهم أو الهيئات المكلفة برعاية مصالحهم.

القاعدة 39: أوجبت اطلاع المسجونين على الأنباء المهمّة بوسائل الاطلاع كالصّحف و الإذاعة و النشرات.

القاعدة 40: أوجبت إيجاد مكتبة لجميع المساجين بكل مؤسّسة تزوّد بما يكفي من الكتب، و حث المسجونين على المطالعة.

القاعدة 41: أوجبت انتداب ممثل ديني إذا كان بالسجن عدد كاف من دين واحد للقيام بخدمات دينية لهم و يسمح للممثل بالقيام بخدماته على انفراد و بالأوقات المناسبة، و يحقّ لكل سجين الاتصال بممثل لأيّ دين إذا أراد، و للسجين رفض أيّ ممثل لا يريده.

القاعدة 42: أوجبت السماح لكل مسجون بممارسة طقوسه الدينية و حيازته للكتب الخاصة بذلك.

القاعدة 43: أوجبت حفظ مملوكات السجين من نقود و ملابس و اشياء ثمينة و إثباتها بقائمة يوقّع عليها، و إرجاعها له عند الخروج و استلام وصل منه، أمّا ما يرسل له من الخارج فيخضع لنظام المؤسّسة، أمّا إذا كان عنده موادّ مخدرة و أدوية فيتصرف بها حسب رأي الطبيب.

القاعدة 44: أوجبت أوجبت إخطار ذوي السجين بمرضه أو موته أو نقله إلى مؤسسة أخرى، و إخطار السجين نفسه بموت أحد أقاربه أو مرضه، و يؤذن للسجين بزيارته إن سمحت الحالة، كما تخطر أسرة السجين بحبسه ابتداء.

القاعدة 45: أوجبت للسجين الواسطة المريحة عند نقله، و عدم تعريضه للإهانة من الجمهور، و تحمل مصاريف نقله من الإدارة و مساواة السجناء بذلك.

القاعدة 46: أوجبت اختيار السجّانين من ذوي الكفاءة و الإنسانية على مختلف درجاتهم، كما أوجبت توعية السجانين و توعية الرأي العام بمهمّة السجون و تستخدم الوسائل المناسبة لذلك، و يجب أن يكون موظفو السجون متفرغين، و أن يتمتعوا بحقوق موظفي الدولة المدنيين و تكون رواتبهم كافية نظرا لعملهم الشاق.

القاعدة 47:

أوجبت كون موظفي السجن بمستوى ثقافي و ذهني لائق، على أن يجتازوا تدريبا عامّا و تخصّصا قبل توظيفهم، و أن يحافظوا على هذا المستوى و يعملوا لرفعه أثناء الخدمة.

القاعدة 48: أوجبت على موظفي السجون أن يكونوا قدوة حسنة للمسجونين في سلوكهم.

القاعدة 49: أوجبت ضمّ أخصّائيين بعلم النفس و الاجتماع و الصناعة و الأمراض العقلية إلى موظفي السجون، و أن تكون خدمات هؤلاء مستديمة و يستبعد منهم من يعمل بصورة موقتة.

القاعدة 50 و 51: أوجبتا أن يكون مدير المؤسّسة ذا أهلية كافية خلقيا و إداريّا و تدريبا، و أن يكون عمله دائميا بالمؤسّسة و يقيم بالقرب منها، و إذا عيّن بمؤسّستين أو أكثر يجب أن يزور كلّا منها بفترات متعددة، و يعيّن من قبله موظفا دائما يكون مسئولا عنها، و أن تكون لغته لغة غالبية المسجونين.

القاعدة 52: أوجبت في المؤسسات التي تحتاج إلى أكثر من طبيب إقامة طبيب واحد بصورة دائميّة بالمؤسّسة

أو بقربها، أمّا المؤسسات الأخرى فيقوم الطبيب بزيارتها يوميا و عليه الحضور في الحالات العاجلة فورا.

القاعدة 53: أوجبت في المؤسسات التي تقبل الجنسين وضع قسم النساء بإدارة موظفة مسئولة شخصيا عن مفاتيحه، و لا يجوز لذكور الموظفين دخول هذا القسم بدون إحدى الموظفات. و هذا الإجراء لا يمنع الموظفين الذكور كالأطبّاء و المدرسين من أداء واجباتهم بالمؤسسة.

القاعدة 54: منعت موظفي المؤسسات من استعمال القوة إلّا في حالة الدفاع عن النفس أو محاولة هرب السجين، أو مقاومته بدنيا، إيجابيّا أو سلبيّا. و إذا اضطروا لاستعمال القوة فبالقدر الضروري مع تبليغ الحادث لمدير المؤسسة فورا، كما أوجبت تدريب موظفي السجن تدريبا بدنيّا خاصّا لمقاومة المسجونين المعتدين، و لا يجوز للموظف حمل السلاح إلّا بظروف خاصة و بشرط

كونهم مدرّبين على استعماله.

القاعدة 55: خاصة بالتفتيش. و قد أوجبت تفتيش المؤسسات العقابية بصورة منظمة و من قبل مفتشين مختصّين، على أن يديروا المؤسسات وفقا للقوانين و يحققوا أهداف الخدمات العقابية.

القاعدة 57: اعتبرت عقوبة الحبس مؤلمة و أوصت بأن لا يزيد نظام السجن من العناء للمحبوس زيادة على ألم الحبس ما لم يكن لهذه الزيادة ما يبرّرها.

القاعدة 58: أوصت بتأهيل السجين للعودة للمجتمع من جديد سليما، لأنّ غاية السجن حماية المجتمع.

القاعدة 59: أوصت بتحقيق غاية السجن بمختلف الوسائل العلاجية و التربوية و الأخلاقية وفق العلاج الفردي لكل سجين و بطريقة فردية.

القاعدة 61: أوجبت معاملة السجين باعتباره جزء من المجتمع و ليس بمنبوذ منه، و يجب تجنيد المجتمع لتأهيل السجين اجتماعيا و أن يعهد لباحثين اجتماعيين بمهمّة المحافظة على صلات السجين بأسرته أو بالهيئات التي تعمل على إفادته، و اتخاذ الخطوات لحماية حقوق السجين المدنيّة و حقوقه في الضمان الاجتماعي في حدود القانون.

القاعدة 64: قررت أنّ واجب المجتمع لا ينتهي بالإفراج عن المسجون؛ فأوجبت وجود هيئات حكومية لتأهيل المسجون اجتماعيا و أوصت بعدم التحامل عليه.

القاعدة 65: أوجبت معاملة السجناء بما يخلق الرغبة في نفوسهم لأن يعيشوا في ظلّ القانون و يعولوا أنفسهم، و أن ينمي فيهم الشعور بالمسؤولية و احترام النفس.

القاعدة 71: أوجبت على كل سجين العمل وفق استعداده الجسمي و العقلي حسب تقرير الطبيب، و أن لا يكون طابع العمل بالسجون التعذيب و الإيلام و توفير العمل الكافي الذي يستوعب نشاط المسجونين على أن يكون العمل مما يساعدهم بعد الإفراج عنهم لكسب أرزاقهم بطرق شريفة و توفير التدريب المهني للقادرين خصوصا صغار السن على أن يختاروا هم نوع العمل.

القاعدة 72: أوجبت كون نظام العمل في

المؤسسات على غرار مثله في الخارج حتى يعد المسجون إعدادا مرضيّا للحياة الطبيعية، و تقدم مصلحة المسجونين على ربح المؤسسة من صناعة ما.

القاعدة 75: أوجبت تحديد ساعات العمل يوميّا و أسبوعيا بنفس قانون العرف المحلّى للعمّال غير المسجونين، و تخصيص يوم للراحة أسبوعيا و وقت كاف لأوجه النشاط الأخرى التي يزاولها السجناء.

القاعدة 76: أوجبت أن يثاب السجين بمكافأة عادلة وفق النظام و يسمح له بإنفاق جزء من مكسبه على حاجاته غير الممنوعة، و إرسال جزء لعائلته، و تحتفظ المؤسّسة بجزء من مكاسبه له يتسلّمه عند الخروج.

القاعدة 77: أوجبت توفير و تنمية وسائل التعليم للقادرين خصوصا التعليم الديني، و أوجبت تعليم الأمّيّين إجباريّا و كذلك صغار السنّ و بشرط تنسيق التعليم مع نظام التعليم العامّ للدولة ليتابع السجين تعليمه عند الإفراج عنه.

القاعدة 80: أوجبت التفكير بمستقبل السجين و العناية بذلك منذ بدء سجنه، و أوصت بتشجيع صلاته بالهيئات المفيدة له و لأسرته و بتأهيله اجتماعيا.

القاعدة 82: أوجبت منع حبس المجنون و أوصت بنقله لمؤسّسات الأمراض العقلية و وضع هؤلاء تحت رقابة خاصة من الطبيب، و أوصت بتوفير العلاج العقلي للمسجونين حسب الحاجة.

القاعدة 84: أوجبت في الشخص الموقوف تحت حفظ البوليس أو غيره أن يسمّى بالمتّهم قبل المحاكمة و أن يفترض فيه البراءة و يعامل على أساسها، و يجب مراعاة حماية الحريّة الفرديّة، و يتمتّع هؤلاء بنظام خاصّ موادّه كما يلي:

القاعدة 85: أوجبت الفصل بين الموقوف و المحكوم عليه، و بين الصغار و البالغين و أن يحبسوا بمؤسسات مستقلّة.

القاعدة 86: أوجبت أن ينام الموقوف بحجرة مستقلة مع مراعاة العرف المحلى بالطقس.

القاعدة 87: جوّزت للموقوفين الحصول على طعامهم من الخارج إمّا على نفقتهم أو نفقة أسرهم و إلّا

فمن إدارة السجن وفق النظام.

القاعدة 88: سمحت للموقوف بارتداء ملابسه الخاصة بشرط كونها نظيفة و إلّا بكساء يختلف عن لباس المسجونين.

القاعدة 89: أعطت الموقوف حق العمل و أخذ أجور عليه و لكن بدون أن يجبر على ذلك.

القاعدة 90: أوجبت السماح للموقوف بالحصول على الكتب و الصحف و أدوات الكتابة على نفقته أو نفقة الغير، و ذلك مع مراعاة أمن المؤسسة و نظامها.

القاعدة 91: أوجبت السماح للموقوف بأن يعالجه طبيبه الخاصّ حال تمكّنه من دفع النفقات و قيام طلبه على أساس معقول.

القاعدة 92: سمحت للمتّهم بإخبار أسرته بتوقيفه، و أوصت له بتسهيل الاتصال بهم، و السماح بزيارتهم له مع رعاية أمن المؤسسة و حسن النظام فيها و أن يكون ذلك وفق العدالة.

القاعدة 93: سمحت له بتعيين محام للدفاع عنه حسب نصوص القانون، و للمحامي أن يزوره لتحضير دفاعه، و أجازت له مقابلة المحامي على انفراد و بإشراف موظّفي المؤسسة و لكن دون أن يسمعوا كلامهما.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 539

الفصل الثامن في التجسس و الاستخبارات العامّة

اشارة

و فيه أيضا جهات من البحث:

الجهة الأولى: في وجوب حفظ أعراض المسلمين و أسرارهم:
[الأصل عدم ولاية أحد على أحد و التجسّس عليه]

و نقدّم هذه الجهة من جهة أنّ مضمونها مطابق للأصل، إذ الأصل كما مرّ في الباب الأول من الكتاب عدم ولاية أحد على أحد، و مراقبة الغير و التجسّس عليه و إذاعة عيوبه و أسراره نحو تصرف في شئون الغير، فالأصل يقتضي عدم جوازه.

و كيف كان فنقول: إن من الوظائف الخطيرة التي اهتمّ بها الإسلام حفظ حرمات المسلمين و أعراضهم، و الاجتناب عن التفتيش عن عقائد الناس و أسرارهم، فلم يجز التجسّس على دخائل الناس و خفاياهم، و لم يسمح لأحد إشاعة أسرار المسلمين و عثراتهم، و على هذين الأصلين المهمّين بنيت حياة الناس و طمأنت

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 540

خواطرهم في نشاطاتهم:

[الآيات]

1- قال اللّه- تعالى- «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وَ لٰا تَجَسَّسُوا وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً؟ فَكَرِهْتُمُوهُ.» «1»

قال في المجمع:

«أي و لا تتّبعوا عثرات المؤمنين. عن ابن عباس و قتادة و مجاهد.

و قال أبو عبيدة: التجسّس و التحسّس واحد. و روي في الشواذ عن ابن عباس:

«و لا تحسّسوا» بالحاء، قال الأخفش: و ليس يبعد أحدهما عن الآخر إلّا أن التجسّس: البحث عمّا يكتم و منه الجاسوس، و التحسّس بالحاء: البحث عمّا تعرفه.» «2»

أقول: فاللّه- تبارك و تعالى- نهى أوّلا عن سوء الظنّ بالمؤمنين، و ثانيا عن التفتيش و التجسّس على دخائلهم، و ثالثا عن إذاعتها و إشاعتها على فرض الاطّلاع عليها، و لعل المستفاد من الآية أن حياة الإنسان إنّما هي بعرضه و شخصيّته الاجتماعيّة، و الهتك لهما كأنّه سلب لحياته هذه، فتأمّل.

و في مكاسب الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه-:

«فجعل

المؤمن أخا، و عرضه كلحمه، و التفكّه به أكلا، و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.» «3»

2- و قال اللّه- تعالى-: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.» «4»

3- و في تفسير القرطبي في ذيل آية الحجرات: «ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة: أنّ النبيّ «ص» قال: إيّاكم و الظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث. و لا تحسّسوا

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 12.

(2)- مجمع البيان 5/ 137، (الجزء 9).

(3)- المكاسب/ 40.

(4)- سورة النور (24)، الآية 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 541

و لا تجسّسوا، و لا تناجشوا و لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تدابروا و كونوا عباد اللّه إخوانا.» «1» و رواه البيهقي «2».

أقول: نجش الحديث: أذاعه.

[الروايات]

4- و فيه أيضا عن النبيّ «ص»: «إنّ اللّه حرّم من المسلم دمه و عرضه و أن يظنّ به ظنّ السوء.» «3»

5- و في أصول الكافي بسنده عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه فهو من الذين قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ». «4»

6- و في تفسير نور الثقلين عن كتاب ثواب الأعمال للصدوق بسنده عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن موسى بن جعفر «ع»، قال: قلت له: جعلت فداك، الرجل من إخواني بلغني عنه الشي ء الذي أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك و قد أخبرني عنه قوم ثقات؟ فقال لي: يا محمد، كذّب سمعك و بصرك عن أخيك. و إن شهد عندك خمسون قسامة، و قال لك قولا

فصدّقه و كذّبهم، و لا تذيعنّ عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروّته فتكون من الذين قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.» «5» و روى نحوه الكليني في روضة الكافي «6».

أقول: و لا يراد بتكذيب الخمسين تكذيبهم حقيقة، بل يراد بذلك عدم ترتيب الأثر على شهادتهم بعد إنكار المشهود عليه المساوق عادة للاعتذار و طلب العفو على

______________________________

(1)- تفسير القرطبي 16/ 331.

(2)- سنن البيهقي 8/ 333، كتاب الأشربة و الحدّ فيها، باب ما جاء في النهي عن التجسّس.

(3)- تفسير القرطبي 16/ 332.

(4)- أصول الكافي 2/ 357، كتاب الإيمان و الكفر، باب الغيبة و البهت، الحديث 2.

(5)- تفسير نور الثقلين 3/ 582.

(6)- الكافي 8/ 147، الحديث 125.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 542

فرض الارتكاب، كما لا يخفى.

7- و في أصول الكافي بسنده عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: قال رسول اللّه «ص»: «يا معشر من أسلم بلسانه و لم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع اللّه عورته، و من تتبّع اللّه- تعالى- عورته يفضحه و لو في بيته.» «1»

8- و فيه أيضا بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «يا معشر من أسلم بلسانه و لم يسلم بقلبه، لا تتبعوا عثرات المسلمين، فإنّه من تتبّع عثرات المسلمين تتبّع اللّه عثرته، و من تتبّع اللّه عثرته يفضحه.» «2»

9- و فيه أيضا بسنده عن محمد بن مسلم أو الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

قال رسول اللّه «ص» «لا تطلبوا

عثرات المؤمنين، فإنّ من تتبّع عثرات أخيه تتبّع اللّه عثراته، و من تتبّع اللّه عثراته يفضحه و لو في جوف بيته.» «3»

10- و في تفسير القرطبي عن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم، فإنّ من اتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته، و من يتّبع اللّه عورته يفضحه في بيته.» «4»

11- و في اصول الكافي بسنده عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل الرجل على الدين فيحصى عليه زلّاته ليعيره بها يوما ما.» «5» و نحو ذلك روايتان أخريان أيضا، فراجع.

______________________________

(1)- الكافي 2/ 354، كتاب الإيمان و الكفر، باب من طلب عثرات المؤمنين ...، الحديث 2.

(2)- الكافي 2/ 355، كتاب الإيمان و الكفر، باب من طلب عثرات المؤمنين ...، الحديث 4.

(3)- الكافي 2/ 355، كتاب الإيمان و الكفر، باب من طلب عثرات المؤمنين ...، الحديث 5.

(4)- تفسير القرطبي 16/ 333.

(5)- الكافي 2/ 355، كتاب الإيمان و الكفر، باب من طلب عثرات المؤمنين ...، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 543

12- و فيه أيضا بسنده عن عبد اللّه بن سنان، قال: قلت له: «عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: نعم. قلت: تعني سفليه؟ قال: ليس حيث تذهب، إنّما هي إذاعة سرّه.» «1»

13- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك: «و ليكن أبعد رعيتك منك و أشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإنّ في الناس عيوبا الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفن عمّا غاب عنك منها، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك، و اللّه يحكم

على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر اللّه منك ما تحبّ ستره من رعيتك.» «2»

14- و في الغرر و الدرر عن أمير المؤمنين «ع»: «تتبّع العورات من أعظم السوءات.» «3»

15- و فيه أيضا: «تتبع العيوب من أقبح العيوب و شرّ السيئات.» «4»

16- و فيه أيضا: «شرّ الناس من لا يعفو عن الزلة و لا يستر العورة.» «5»

17- و فيه أيضا: «من بحث عن أسرار غيره أظهر اللّه أسراره.» «6»

18- و فيه أيضا: «من كشف حجاب أخيه انكشف عورات بيته.» «7»

19- و فيه أيضا: «سوء الظن يفسد الأمور و يبعث على الشرور.» «8»

______________________________

(1)- الكافي 2/ 358، كتاب الإيمان و الكفر، باب الرواية على المؤمن، الحديث 2.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 997؛ عبده 3/ 96؛ لح/ 429، الكتاب 53.

(3)- الغرر و الدرر 3/ 318، الحديث 4580.

(4)- الغرر و الدرر 3/ 318، الحديث 4581.

(5)- الغرر و الدرر 4/ 175، الحديث 5735.

(6)- الغرر و الدرر 5/ 371، الحديث 8799.

(7)- الغرر و الدرر 5/ 371، الحديث 8802.

(8)- الغرر و الدرر 4/ 132، الحديث 5575.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 544

20- و في تفسير نور الثقلين عن خصال الصدوق، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «ثلاثة يعذّبون يوم القيامة (إلى أن قال): و المستمع حديث قوم و هم له كارهون يصبّ في أذنيه الآنك.» «1»

21- و فيه أيضا عنه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: في حديث له. «و من استمع إلى حديث قوم و هم له كارهون يصبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة.» قال سفيان: «الآنك: الرصاص.» «2»

22- و في رواية الأصبغ بن نباتة

التي مرّت عن أمير المؤمنين «ع» أنّه قال لرجل أقرّ عنده بالزنا: «أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر اللّه عليه؟» «3»

أقول: و نظير هذه الرواية روايات أخر قد مرّت في فصل التعزيرات، و يظهر منها أنّ هذا السنخ من المعاصي الجنسية الشخصيّة الخفيّة لا يجوز التفتيش عنها و التجسّس عليها و يكون المطلوب شرعا استتارها.

23- و في سنن البيهقي بسنده، عن جمع من الصحابة، عن النبي «ص»، قال:

«إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم.» «4» و رواه القرطبي أيضا في تفسيره عن أبي أمامة «5»

24- و فيه أيضا بسنده عن رسول اللّه «ص» يقول: «إنّك إن اتّبعت عورات الناس أو عثرات الناس أفسدتهم او كدت أن تفسدهم.» و رواه القرطبي أيضا. «6»

______________________________

(1)- نور الثقلين 5/ 93.

(2)- نور الثقلين 5/ 93.

(3)- الوسائل 18/ 328، الباب 16 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 6.

(4)- سنن البيهقي 8/ 333، كتاب الأشربة، باب ما جاء في النهي عن التجسّس.

(5)- تفسير القرطبي 16/ 333.

(6)- سنن البيهقي 8/ 333، كتاب الأشربة، باب ما جاء في النهي عن التجسّس؛ و تفسير القرطبي 16/ 333.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 545

25- و في صحيح البخاري بسنده عن رسول اللّه «ص» في خطبته في حجّة الوداع قال: «إنّ اللّه- تبارك و تعالى- قد حرّم دماءكم و أموالكم و أعراضكم إلّا بحقّها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلّغت؟ ثلاثا ...» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال من طرق الفريقين.

أقول: فليتأمّل كلّ من له عناية و اهتمام بالشرع و أحكامه فيما ذكر من الآيات و

الروايات و في غيرها ممّا ورد في هذا المجال، و ليحفظ أسرار المسلمين و عثراتهم الخفيّة الفرديّة و العائليّة، و لا يتعرّض لها بالاستماع و التفتيش و النشر و الإشاعة، و لا يعتذر بكونه موظفا في الاستخبارات، فإنّ الموظفين فيها لا يجوز لهم التفتيش و التحقيق إلّا في الأمور المهمّة العامّة الماسّة بمصالح النظام و المجتمع بمقدار الضرورة و سيأتي بيانه.

و في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية (المادّة 23):

«يمنع تفتيش العقائد و لا يمكن مؤاخذة أيّ شخص أو التعرّض له لمجرّد اعتناقه عقيدة معيّنة.»

(المادّة 25):

«يمنع تفتيش الرسائل و عدم إيصالها، تسجيل و إفشاء المكالمات الهاتفية، إفشاء المخابرات البرقيّة و التلكس و مراقبتها، و عدم مخابرتها، و عدم إيصالها، استراق السمع، و كلّ أنواع التجسّس إلّا بحكم القانون.» هذا.

و ليس من المروّة التفتيش عن كلّ خطأ و عثرة و تعقيبهما و إن خفيتا أو تاب صاحبهما، و إنّما المروّة بالصفح و الإغماض و النصح و الإرشاد و تقويم الشخص و جذبه إلى الاعتدال و الاستقامة تدريجا، إذ قلّ من يعتصم عن الخطأ و الانحراف.

و قد قال الشاعر:

«فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها، كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه.»

______________________________

(1)- صحيح البخاري 4/ 172، كتاب الحدود، باب ظهر المؤمن حمى إلّا في حدّ أو حقّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 546

نعم، يعاقب المتجاهر المصرّ على الذنب، بل كلّ من ثبت جرمه عند الحاكم إلّا إذا صلح للعفو و عفا عنه. فتدبّر. هذا.

و في كنز العمال عن ثور الكندي:

«إنّ عمر بن الخطّاب كان يعسّ بالمدينة من الليل، فسمع صوت رجل في بيت يتغنّى، فتسوّر عليه فقال: يا عدوّ اللّه، أ ظننت أنّ اللّه

يسترك و أنت في معصيته؟

فقال: و أنت يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ، إن أكن عصيت اللّه واحدة فقد عصيت اللّه في ثلاث: قال: «و لا تجسّسوا» و قد تجسّست، و قال: «و أتوا البيوت من أبوابها» و قد تسوّرت عليّ، و قد دخلت عليّ بغير إذن و قال اللّه- تعالى-: «لٰا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّٰى تَسْتَأْنِسُوا وَ تُسَلِّمُوا عَلىٰ أَهْلِهٰا.» قال عمر: فهل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم، فعفا عنه و خرج و تركه.» «1»

الجهة الثانية: في لزوم الاستخبارات العامة و ضرورتها إجمالا:

قد ظهر لك مما مرّ أنّ اطمينان الناس و إحساسهم بالأمن في دخائلهم أمر اهتمّ به الشرع المبين، و لأجل ذلك أوجب حفظ حريم الناس و التحفظ على أسرارهم، و حرّم التفتيش و التجسّس عن دخائل الناس و خفاياهم.

و لكنّ المتأمّل في الآيات و الروايات الواردة في هذا المجال يظهر له أن محطّ هذا التحريم و موضوعه هي الأسرار الفرديّة و العائليّة الّتي لا تمسّ مصالح المجتمع.

و أمّا التي ترتبط بمصالح المجتمع و حفظ النظام فلا محيص فيها عن التفتيش و المراقبة، إذ على الدولة الاسلاميّة الحافظة لنظام المسلمين أن تحصل على الاطلاعات الكافية حول أوضاع الدول و الأمم الأجنبيّة و قراراتهم ضدّ الإسلام

______________________________

(1)- كنز العمال 3/ 808، الباب 2 من كتاب الأخلاق من قسم الأفعال، الحديث 8827.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 547

و المسلمين، و تجمع الأخبار حول تحركاتهم و تحركات عملائهم و جواسيسهم، و مؤامرات الكفّار و أهل النفاق و البغي و الطغيان، و أن تراقب رجال الدولة و الموظفين و أحوال الناس و حوائجهم العامّة، و العقل السليم و الشرع القويم يحكمان بترجيح المصالح العامّة على

الحريّات الفرديّة و وجوب الاهتمام بنظام المسلمين و كيانهم.

و هذه المسؤوليّة المهمّة الواسعة النطاق تفوض لا محالة من قبل الدولة الإسلامية إلى مؤسسة عادلة صالحة لها من جميع الجهات، و يطلق على هذه المؤسسة في اصطلاح عصرنا: «إدارة الأمن و الاستخبارات».

و لا يتبادر إلى ذهنك من هذه الكلمة ما يشابه و يسانخ الأجهزة الجهنّمية المخيفة الموضوعة في أكثر البلاد لقمع الشعوب و خنقها و إخضاعها لسياسة الطواغيت و الجبابرة المستبدّين، و تحطيم الحركات العادلة و إعاقة نموّ الأمّة و رشدها في العقل و السياسة و العلوم و الصناعات.

و إنّما نقصد بذلك مؤسسة عادلة صالحة تهدف إلى الدفاع عن شئون الأمّة و مصالحها و الحفاظ على كيانها في قبال خطط الأعداء و الشياطين و التّحركات الداخليّة و الخارجيّة المشكوكة.

و على هذا فيجب أن تفوّض هذه المسؤوليّة كغيرها من المسؤوليّات العامّة إلى أهلها و أن يدقّق في انتخاب الأعضاء لها و اختيارهم من بين العقلاء الأذكياء الملتزمين بالموازين الشرعيّة المهتمّين بمصالح الأفراد و المجتمع، و يجب أن يتعرّف كلّ منهم على ما يجب الاطلاع عليه و ما يحرم، و يميّز الخطّ الدقيق الفاصل بينهما، فإنّ الأمر في كثير من الموارد دائر بين الواجب المهمّ و الحرام المؤكّد.

و كما يضرّ قطعا اختيار من لا التزام له و لا تقوى لهذه المسؤوليّة المهمّة الماسّة بدخائل الناس و حرماتهم، فكذلك يضرّ اختيار من لا يشخّص الموارد الّتي يجب تعرّفها و التحقيق فيها من الموارد الشخصيّة المحرّمة، أو من تغلب عليه الأحاسيس الآنية الخشنة فيزاحم الناس و يواجههم بوجه عبوس مكفهر، و لا محالة ينبت بذلك في قلوبهم البغضاء و الشقاق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 548

و لو كان الفرد المسؤول للتحقيق و الاستخبار عاقلا ذكيّا حليما ليّنا رءوفا بالناس عارفا بحدود وظيفته المهمّة لساعده الناس في جميع مراحل عمله، و لصار أكثر الناس عمّالا متطوّعين للأمن العامّ و بذلك تتشابك الدولة و الأمّة و تحصل المعاضدة بينهما في جميع المراحل، فتدبّر. هذا.

و يدلّ على وجوب الاستخبارات و ضرورتها إجمالا مضافا إلى ما يأتي بالتفصيل من الروايات الخاصّة أنّ حفظ نظام المسلمين و كيانهم يتوقّف على الحذر من الأعداء بمراقبتهم و التجسّس على القرارات و التّحركات الصادرة عنهم، و حيث إنّ حفظ النظام من أهمّ ما اهتمّ به الشرع و أوجبه على الدولة و الأمّة فلا محالة وجبت مقدّماته بحكم العقل و الفطرة. و يستفاد وجوب حفظ النظام- مضافا إلى كونه ضروريّا و بديهيّا- من أخبار كثيرة مضى أكثرها في الأبواب و الفصول السابقة و نلفت هنا النظر إلى بعضها:

1- ففي نهج البلاغة: «إنّ هؤلاء قد تمالؤوا على سخطة إمارتي، و سأصبر ما لم أخف على جماعتكم، فإنّهم إن تمّموا على فيالة هذا الرأي انقطع نظام المسلمين.» «1»

قال «ع» ذلك في خطبة له عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة. و فيالة الرأي: ضعفه.

2- و فيه أيضا في كلام له «ع» لعمر بن الخطاب حين استشاره في غزو الفرس بنفسه، قال: «و مكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمّه، فإذا انقطع النظام تفرّق الخرز و ذهب ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبدا.» «2»

3- و فيه أيضا: «فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشرك ... و الإمامة نظاما للأمّة و الطاعة تعظيما للإمامة.» «3»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 549؛ عبده 2/ 100؛ لح/ 244، الخطبة 169.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 442؛ عبده 2/ 39؛

لح/ 203، الخطبة 146.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1197؛ عبده 3/ 208؛ لح/ 512، الحكمة 252.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 549

و قد مرّ شرح اختلاف نسخ الحديث في الدليل السابع من أدلّة وجوب الإمامة، في الفصل الثالث من الباب الثالث، فراجع.

4- و في أصول الكافي عن الرضا «ع» في حديث طويل: «إنّ الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين و صلاح الدنيا و عزّ المؤمنين.» «1»

5- و في كشف الغمة في خطبة الزهراء- سلام اللّه عليها-: «و طاعتنا نظاما للملّة، و إمامتنا لمّا للفرقة.» «2»

6- و في أمالي المفيد بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«اسمعوا و أطيعوا لمن ولّاه اللّه الأمر، فإنّه نظام الإسلام.» «3»

7- و في الوسائل في صحيحة يونس، عن أبي الحسن الرضا «ع» فيمن أخذ السلاح من قبل الحكومة و ذهب إلى الثغور قال: «فإن جاء العدوّ إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضة الإسلام. قال: يجاهد؟ قال: لا، إلّا أن يخاف على دار المسلمين. أ رأيتك لو أنّ الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ (لم يسع خ. ل) لهم أن يمنعوهم. قال: يرابط و لا يقاتل، و إن خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأنّ في دروس الإسلام دروس ذكر محمد «ص».» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها وجوب حفظ النظام و أنّه من أهمّ الفرائض الإسلاميّة فيجب تمهيد مقدّماته و منها مراقبة الأعداء و التجسّس عليهم.

______________________________

(1)- الكافي 1/ 200، كتاب الحجة، باب نادر جامع في فضل الإمام صفاته، الحديث 1.

(2)- كشف الغمة 2/ 109.

(3)- أمالي المفيد/ 14، المجلس 2، الحديث

2.

(4)- الوسائل 11/ 20، الباب 6 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 550

الجهة الثالثة: في بيان شعب الاستخبار و أهدافه و ذكر الأخبار و الروايات الواردة فيها:
اشارة

فنقول: هي أربع شعب:

1- مراقبة العمّال و الموظفين، و أنهم هل يقومون بمسؤوليّاتهم الإداريّة بالصدق و الأمانة أم لا؟ و كيف يواجهون الناس و يتصرّفون في بيت المال؟

2- مراقبة التّحرّكات العسكريّة من قبل الأعداء.

3- مراقبة نشاطات المخالفين و الجواسيس و أهل النفاق و الأحزاب الداخليّة السريّة المعادية للإسلام و الحكومة و الأمّة.

4- مراقبة الأمّة و أحوال الناس في حاجاتهم و خلّاتهم و بعض شكاياتهم و الارتباط الدائم بينهم و بين الحكومة المركزيّة.

و لا نأبى تصدّي بعض الموظّفين لوظائف جميع الشعب المتقدّمة أو الأكثر من واحدة منها، و إنّما المقصود بيان كون كلّ منها وظيفة خاصّة مهمّة يترتّب عليها غرض مخصوص مهمّ.

فلنتعرّض للشعب الاربع في اربعة فصول:
الفصل الأول: في مراقبة العمّال و الموظّفين:

لا يخفى أنّ مجرّد تعيين الوزراء و العمّال و الأمراء للمناصب و الوظائف الإداريّة و إدارة الجنود و تفويض المسؤوليّة إليهم لا يكفي في إدارة الملك و سياسة الأمّة بنحو

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 551

يرضى به العقل و الشرع، بل اللازم مضافا إلى إحراز الأهليّة و الشروط المعتبرة فيهم نصب من يراقبهم و يرصد أعمالهم و معاملاتهم مع المراجعين في شتّى المؤسّسات و لا سيّما في المناطق البعيدة عن مقرّ الحكومة المركزيّة، إذ النفس أمّارة بالسوء، و الأطماع ربّما تغلب على النفوس، و الإنسان محلّ الخطأ و النسيان، و الأقوياء يغلب على طباعهم الإعجاب بالنفس و الاستبداد في الرأي، و تحقير الضعفاء و المستضعفين و عدم الاعتناء بهم، فلا بدّ من المراقبة و التفتيش عنهم في نشاطاتهم و بعث عيون خفيّة ترصدهم كما كان يصنعه رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع»:

1- ففي قرب الإسناد عن الرّيان بن الصلت، قال: سمعت الرضا «ع» يقول:

«كان رسول اللّه «ص»

إذا وجّه جيشا فأمّهم أمير بعث معه من ثقاته من يتجسّس له خبره.» «1»

و رواه عنه في الوسائل هكذا: «إذا بعث جيشا فاتّهم أميرا بعث معه ...» «2»

2- و في نهج البلاغة في عهد أمير المؤمنين «ع» إلى مالك بعد ذكر العمّال و اختيارهم من أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة و القدم في الإسلام المتقدّمة، قال: «ثمّ تفقّد أعمالهم، و ابعث العيون من أهل الصدق و الوفاء عليهم، فإنّ تعاهدك في السرّ لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة و الرّفق بالرّعيّة. و تحفّظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب من عمله، ثمّ نصبته بمقام المذلّة و وسمته بالخيانة و قلّدته عار التهمة.» «3»

و روى نحو ذلك في تحف العقول و دعائم الإسلام «4».

فأمير المؤمنين «ع» لم يكتف بالأمر بانتخاب العمّال من أهل التجربة و الحياء و التقدّم في الإسلام، بل أوجب مع ذلك أن تبعث عليهم عيون تبلغ في الصدق

______________________________

(1)- قرب الإسناد/ 148.

(2)- الوسائل 11/ 44، الباب 15 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1011؛ عبده 3/ 106؛ لح/ 435، الكتاب 53.

(4)- تحف العقول/ 137؛ و دعائم الإسلام 1/ 361، كتاب الجهاد.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 552

و الوفاء حدّا يوثق بهم ثقة مطلقة بحيث يكتفي بأخبارهم في خيانة العمّال، و أوجب عقوبة الخائن و تذليله حتّى يعتبر بذلك كلّ من سمع و لا يحوم أحد حول الخيانة.

فهذا الذي يحكم أساس الملك و الحكومة و يوجب انجذاب الأمّة إلى الدولة و دفاعها

عنها، لا ما قد يتوهّم من الإغماض و التغاضي عن تقصيرات المسؤولين و خياناتهم باسم الدفاع عن الدولة.

3- و في تحف العقول في عهده هذا إلى مالك في وصيّته للجنود و أمرائهم، قال: «ثمّ لا تدع أن يكون لك عليهم عيون من أهل الأمانة و القول بالحقّ عند الناس فيثبتون بلاء كلّ ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم ثمّ اعرف لكلّ امرئ منهم ما أبلى.» «1» و روى نحوه في الدعائم فراجع «2».

أقول: و فيه نقل بالمعنى لا محالة كما هو ظاهر.

و إذا رأينا أن أمير المؤمنين «ع» اهتمّ بمراقبة العمّال و بعث العيون عليهم و أمر مالكا بذلك فلا محالة كان هو بنفسه يراقب عمّاله بعيونه، و لعلّه يشعر بذلك بل يدلّ عليه ما ورد في كتبه إلى عمّاله من بلوغ أخبارهم إليه مع بعد المسافة بين البلاد، حيث إنّ وسائل الإعلام و الاخبار الموجودة في عصرنا لم تكن توجد في تلك الأعصار و مع ذلك كان يبلغه جزئيّات أعمال العمّال حتّى مثل شركة بعضهم في مجلس ضيافة، فيظهر بذلك شدّة عنايته بذلك و بعثه عيونا ترصد أعمالهم و تخبره بها:

1- ففي كتابه إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة: «أمّا بعد يا بن حنيف، فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنّك تحبيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ و غنيّهم مدعوّ.» «3»

2- و في كتابه إلى ابن عباس على ما قيل: «أمّا بعد فقد بلغني عنك أمر إن كنت

______________________________

(1)- تحف العقول/ 133.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 359، كتاب الجهاد.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 965؛ عبده 3/ 78؛

لح/ 416، الكتاب 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 553

فعلته فقد أسخطت ربّك و عصيت إمامك و أخزيت أمانتك، بلغني أنّك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك و أكلت ما تحت يديك فارفع إليّ حسابك.» «1»

3- و في كتابه إلى مصقلة بن هبيرة عامله على أردشير خرّة: «بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك و أغضبت إمامك: انّك تقسم في ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم و أريقت عليه دماؤهم في من اعتامك من أعراب قومك.» «2»

أقول: الاعتيام: الاختيار.

4- و في كتابه إلى زياد بن أبيه لمّا كتب إليه معاوية يريد استلحاقه:

«و قد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك و يستفلّ غربك، فاحذره.» «3»

أقول: اللبّ: القلب. و الغرب: الحدّة و النشاط. و يستفلّ غربك: يطلب فلّ غربك أي ثلم حدّتك.

5- و في كتابه إلى أبي موسى الأشعري عامله على الكوفة و قد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب الجمل: «أمّا بعد، فقد بلغني عنك قول هو لك و عليك.» «4»

6- و في كتابه إلى المنذر بن جارود العبدي: «أمّا بعد، فإنّ صلاح أبيك غرّني منك و ظننت أنّك تتبع هديه و تسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقّى إليّ عنك لا تدع لهواك انقيادا ...» «5»

7- و في كتابه إلى محمد بن أبي بكر عامله على مصر: «أمّا بعد، فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر الى عملك ...» «6»

8- و في كتابه إلى زياد حين كان خليفة لابن عباس عامله على البصرة:

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 955؛ عبده 3/ 72؛ لح/ 412، الكتاب 40.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 961؛ عبده 3/ 76؛ لح/ 415، الكتاب 43.

(3)-

نهج البلاغة، فيض/ 962؛ عبده 3/ 76؛ لح/ 415، الكتاب 44.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1052؛ عبده 3/ 133؛ لح/ 453، الكتاب 63.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 1073؛ عبده 3/ 145؛ لح/ 461، الكتاب 71.

(6)- نهج البلاغة، فيض/ 944؛ عبده 3/ 66؛ لح/ 407، الكتاب 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 554

«و إنّي أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغني أنّك خنت من في ء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدّن عليك.» «1»

إلى غير ذلك من الموارد التي يعثر عليها المتتبّع. هذا.

و في كتاب الخراج الذي كتبه أبو يوسف القاضي لهارون:

«قال أبو يوسف: و أنا أرى أن تبعث قوما من أهل الصلاح و العفاف ممّن يوثق بدينه و أمانته يسألون عن سيرة العمّال و ما عملوا به في البلاد و كيف جبوا الخراج على ما أمروا به و على ما وظف على أهل الخراج و استقرّ، ...

و إن أحللت بواحد منهم العقوبة الموجعة انتهى غيره و اتّقى و خاف، و إن لم تفعل هذا بهم تعدّوا على أهل الخراج و اجترءوا على ظلمهم و تعسّفهم و أخذهم بما لا يجب عليهم. و إذا صحّ عندك من العامل و الوالي تعدّ بظلم و عسف و خيانة لك في رعيّتك و احتجان شي ء من الفي ء أو خبث طعمته أو سوء سيرته فحرام عليك استعماله و الاستعانة به و أن تقلّده شيئا من أمور رعيّتك.» «2»

و فيه أيضا:

«و حدثني بعض علماء أهل الكوفة: أن عليّ بن أبي طالب كتب إلى كعب بن مالك و هو عامله: أمّا بعد فاستخلف على عملك و اخرج في طائفة من أصحابك حتّى تمرّ بأرض السواد كورة كورة فتسألهم عن عمّالهم و

تنظر في سيرتهم حتّى تمرّ بمن كان منهم فيما بين دجلة و الفرات ...» «3»

الفصل الثاني: في مراقبة التّحركات العسكرية للسلطات الخارجيّة:

لا يخفى أنّ مراقبة التّحركات العسكريّة و غيرها للعدوّ، و التّعرف على مواقعه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 870؛ عبده 3/ 22؛ لح/ 377، الكتاب 20.

(2)- الخراج/ 111.

(3)- الخراج/ 118.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 555

و أسراره النظاميّة و الاقتصاديّة و عن عدّته و عدّته من أهمّ الأسباب للانتصار عليه و الظفر به.

و قد أصبحت فنون التجسّس و طرق التّعرّف على قوى الخصم و إمكانيّاته من المسائل المهمّة التي تدرس اليوم في الجامعات و يربّى فيها طلّاب متخصّصون، إذ صار النجاح و التفوّق على الخصم مرهونا بالإشراف و الاطلاع على قواه و إمكاناته، و قد أبى اللّه أن يجري الأمور إلّا بأسبابها.

و قد حكى عن نابلئون أنّه قال:

«رجل واحد ذكيّ من الاستخبارات خير من ألف مقاتل في ميدان الحرب.»

فلا محيص للحكومة الإسلاميّة من العناية و الاهتمام بهذه المسألة المهمّة الحياتيّة في تقوية الملك و الدولة. و قد كان النبي «ص» و كذا أمير المؤمنين «ع» يهتمّان بهذه المسألة في الغزوات و السرايا.

و لو لم يكن لنا في هذا المجال إلّا قوله- تعالى-: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ.» «1» لكفى في الدلالة على شرعيّته و وجوب الاهتمام به.

كيف؟! و عمل النبي «ص» أمير المؤمنين «ع» في حروبهما، و الأخبار الواردة المستفيضة بل المتواترة إجمالا تدلّنا على أهميّة هذا الأمر، و لا يضرّنا عدم ثبوت صحّة السند في كلّ واحد واحد من الأخبار بعد العلم إجمالا بصدور بعضها لا محالة:

1- ففي سيرة ابن هشام في

سرية عبد اللّه بن جحش:

«و بعث رسول اللّه «ص» عبد اللّه بن جحش ... و بعث معه ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار احد، و كتب له كتابا، و أمره أن لا ينظر فيه حتّى يسير يومين ثمّ ينظر فيه فيمضي لما أمره به و لا يستكره من أصحابه أحدا ...

فلمّا سار عبد اللّه بن جحش يومين فتح الكتاب فنظر فيه، فإذا فيه: إذا نظرت في

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 556

كتابي هذا فامض حتّى تنزل نخلة بين مكّة و الطائف، فترصد بها قريشا و تعلم لنا من أخبارهم. فلمّا نظر عبد اللّه بن جحش في الكتاب قال: سمعا و طاعة. ثمّ قال لأصحابه: قد أمرني رسول اللّه «ص» أن أمضي إلى نخلة أرصد بها قريشا حتّى آتيه منهم بخبر ...» «1»

2- و في المغازي للواقدي في غزوة بدر الكبرى ما ملخّصه:

«قالوا: و لمّا تحيّن رسول اللّه «ص» انصراف العير من الشام ندب أصحابه للعير، و بعث رسول اللّه «ص» طلحة بن عبيد اللّه و سعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسّسان خبر العير حتّى نزلا على كشد الجهني بالنخبار فأجارهما و أنزلهما و لم يزالا مقيمين عنده في خباء حتّى مرّت العير فنظر إلى القوم و إلى ما تحمل العير، و جعل أهل العير يقولون: يا كشد، هل رأيت أحدا من عيون محمّد؟ فيقول:

أعوذ باللّه و أنّى عيون محمّد بالنخبار؟ فلمّا راحت العير باتا حتّى أصبحا ثمّ خرجا و خرج معهما كشد خفيرا فخرجا يعترضان النّبي «ص» فلقياه بتربان، و قدم كشد بعد ذلك فأخبر النّبيّ «ص» سعيد

و طلحة إجارته إيّاهما فحيّاه رسول اللّه «ص».

الخبر.» «2»

3- و في سيرة ابن هشام في غزوة بدر أيضا ما ملخّصه:

«ثمّ ارتحل رسول اللّه «ص» من ذفران ثمّ نزل قريبا من بدر فركب هو و رجل من أصحابه حتّى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش و عن محمّد و أصحابه و ما بلغه عنهم ثمّ رجع إلى أصحابه، فلمّا أمسى بعث علي بن أبي طالب و الزبير بن العوّام و سعد بن أبي وقّاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه فأصابوا رواية لقريش فيها أسلم، غلام بني الحجّاج، و عريض أبو يسار، غلام بني العاص فأتوا بهما فسألوهما و رسول اللّه «ص» قائم يصلّي، فقالا: نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم خبرهما و رجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 252؛ و روى نحوه الواقدي في المغازي 1/ 13.

(2)- المغازي 1/ 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 557

فلمّا أذلقوهما قالا: نحن لأبي سفيان فتركوهما، و ركع رسول اللّه و سجد سجدتيه ثمّ سلّم و قال: إذا صدقاكم ضربتموهما و إذا كذباكم تركتموهما، صدقا و اللّه إنّهما لقريش! أخبراني عن قريش قالا: هم و اللّه وراء هذا الكثيب. فقال لهما رسول اللّه «ص»: كم القوم؟ قالا: كثير. قال: ما عدّتهم؟ قالا: لا ندري. قال: كم ينحرون كلّ يوم؟ قالا: يوما تسعا و يوما عشرا. فقال رسول اللّه «ص»: القوم فيما بين التسعمائة و الألف. ثمّ قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا: عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و أبو البختري بن هشام ... فأقبل رسول

اللّه «ص» على الناس فقال:

هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.» «1»

4- و في صحيح مسلم بسنده عن أنس بن مالك، قال:

«بعث رسول اللّه «ص» بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان» «2»

و رواه البيهقي عن مسلم، و رواه أبو داود في السنن أيضا بسنده عن أنس «3».

و في سيرة ابن هشام وردت الرواية هكذا:

«حتّى إذا كان «ص» قريبا من الصفراء بعث بسبس بن الجهني حليف بني ساعدة و عديّ بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسّسان له الأخبار عن أبي سفيان بن حرب و غيره.» «4» (إلى أن قال): «و كان بسبس بن عمرو و عديّ بن أبي الزغباء قد مضيا حتّى نزلا بدرا فأناخا إلى تلّ قريب من الماء ثمّ أخذا شنّا لهما يستقيان فيه، و مجديّ بن عمرو الجهني على الماء فسمع عديّ و بسبس جاريتين من جواري الحاضر و هما يتلازمان على الماء، و الملزومة تقول لصاحبتها: إنّما تأتي العير غدا أو بعد غد فاعمل لهم ثمّ أقضيك الذي لك. قال مجديّ: صدقت، ثمّ خلّص بينهما و سمع ذلك عديّ و بسبس فجلسا على بعيريهما ثمّ انطلقا حتّى أتيا رسول اللّه «ص» فأخبراه بما سمعا.» «5»

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 267.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1510، كتاب الإمارة، الباب 41 (باب ثبوت الجنّة للشهيد)، الحديث 1901.

(3)- سنن البيهقي 9/ 148، كتاب السير، باب بعث العيون؛ و سنن أبي داود 2/ 37، كتاب الجهاد، باب في بعث العيون.

(4)- سيرة ابن هشام 2/ 265.

(5)- سيرة ابن هشام 2/ 269.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 558

أقول: في مسلم و البيهقي و أبي داود: بسيسة كفعيلة مصغرة،

و في السيرة: بسبس كفعلل و روي بسبسة كفعللة و بسيبسة كفعيللة مصغرة، و راجع في ذلك الإصابة لابن حجر. «1» و التلازم: تعلّق الغريم بغريمه. و الملزومة: المدينة.

5- و في التراتيب الإدارية قال:

«و في ترجمة أبي تميم الأسلمي من طبقات ابن سعد: هو أرسل غلامه مسعود بن هنيدة من العرج على قدميه إلى رسول اللّه «ص» يخبره بقدوم قريش عليه و ما معهم من العدد و العدد الخيل و السلاح ليوم أحد.» «2»

أقول: فهو كان متطوّعا في الاستخبارات، و نظائره كانت كثيرة في صدر الإسلام.

6- و في المغازي للواقدي في غزوة أحد:

«و بعث النبيّ «ص» عينين له أنسا و مونسا ابني فضالة ليلة الخميس، فاعترضا لقريش بالعقيق فسارا معهم حتّى نزلوا بالوطاء فأتيا رسول اللّه «ص» فأخبراه.» «3»

7- و فيه أيضا في غزوة أحد:

«فلمّا نزلوا و حلّوا العقد و اطمأنّوا بعث رسول اللّه «ص» الحباب بن منذر بن الجموح إلى القوم فدخل فيهم و حزر و نظر إلى جميع ما يريد و بعثه سرّا و قال للحباب:

لا تخبرني بين أحد من المسلمين إلّا أن ترى في القوم قلّة فرجع اليه فأخبره خاليا ...» «4»

أقول: حزر: قدّر و خمّن.

8- و في سيرة ابن هشام في غزوة أحد بعد ما انصرف قريش:

«ثمّ بعث رسول اللّه «ص» علي بن أبي طالب فقال: اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا

______________________________

(1)- الإصابة لابن حجر 1/ 147.

(2)- التراتيب الإدارية 1/ 362.

(3)- المغازي 1/ 206.

(4)- المغازي 1/ 207.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 559

يصنعون و ما يريدون: فإن كانوا قد جنّبوا الخيل و امتطوا الإبل فإنّهم يريدون مكّة، و إن ركبوا الخيل و ساقوا الإبل

فإنّهم يريدون المدينة. و الذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها ثمّ لأناجزنّهم. قال عليّ: فخرجت في آثارهم أنظر ما ذا يصنعون، فجنبوا الخيل و امتطوا الإبل و وجّهوا إلى مكّة.» «1»

9- و في طبقات ابن سعد في غزوة أحد:

«و كتب العباس بن عبد المطلب خبرهم كلّه إلى رسول اللّه «ص»، فأخبر رسول اللّه «ص» سعد بن الربيع بكتاب العباس.» «2»

10- و في التراتيب الإدارية عن الاستيعاب في أخبار العباس بن عبد المطلب عم رسول اللّه «ص»، قال:

«أسلم العباس قبل فتح خيبر و كان يكتم إسلامه، و كان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول اللّه «ص»، فكتب إليه: أنّ مقامك بمكّة خير.» «3»

11- و في سيرة ابن هشام في غزوة الخندق ما ملخّصه:

«ثمّ إنّ نعيم بن مسعود أتى رسول اللّه «ص» فقال: يا رسول اللّه، إنّي قد أسلمت و إنّ قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت، فقال رسول اللّه «ص»: إنّما أنت فينا رجل واحد فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة.

فخرج نعيم بن مسعود حتّى أتى بني قريظة و كان لهم نديما في الجاهلية، فقال:

يا بني قريظة، قد عرفتم ودّي إيّاكم و خاصّة ما بيني و بينكم. قالوا: صدقت، لست عندنا بمتّهم، فقال لهم: إنّ قريشا و غطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم و أبناؤكم و نساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، و إن قريشا و غطفان قد جاؤوا لحرب محمّد و أصحابه و قد ظاهرتموهم عليه، و بلدهم و أموالهم و نساؤهم بغيره فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، و إن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم و خلّوا بينكم و بين الرجل و لا طاقة لكم به فلا

تقاتلوا مع القوم حتّى تأخذوا منهم

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 3/ 100.

(2)- طبقات ابن سعد، القسم الأول من الجزء الثاني/ 25.

(3)- التراتيب الإدارية 1/ 363.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 560

رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمّدا حتّى تناجزوه، فقالوا له: قد أشرت بالرأي.

ثم خرج حتّى أتى قريشا فقال لأبي سفيان: قد عرفتم ودّي لكم و فراقي محمّدا و إنّه قد بلغني أنّ معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم و بين محمّد، و قد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا فهل يرضيك أن نأخذ من القبيلتين- من قريش و غطفان- رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثمّ نكون معك.

ثمّ خرج إلى غطفان و قال لهم مثل ما قال لقريش.

فلمّا كانت ليلة السبت أرسل أبو سفيان و رءوس غطفان إلى بني قريظة أن اغدوا للقتال حتّى نناجز محمدا، فأرسلوا إليهم أنّ اليوم يوم السبت و لا نعمل فيه شيئا، و لسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا.

فلمّا رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش و غطفان: و اللّه إنّ الذي حدّثكم نعيم بن مسعود لحقّ، فأرسلوا إلى بني قريظة: إنّا و اللّه لا ندفع إليكم أحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقّ، ما يريد القوم إلّا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوها، و إن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم و خلّوا بينكم و بين الرجل في بلدكم، فخذل اللّه بينهم، و بعث اللّه عليهم

الريح ...» «1»

12- و فيه أيضا في غزوة الخندق أيضا ما ملخّصه:

«فلمّا انتهى إلى رسول اللّه «ص» ما اختلف من أمرهم و ما فرّق اللّه من جماعتهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.

قال حذيفة: التفت إلينا رسول اللّه «ص» فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثمّ يرجع؟ فما قام رجل من القوم من شدّة الخوف و شدّة الجوع و شدّة البرد، فلمّا لم يقم أحد دعاني رسول اللّه «ص» فقال: يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 3/ 240.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 561

فانظر ما ذا يصنعون و لا تحدثنّ شيئا حتّى تأتينا.

قال: فذهبت فدخلت في القوم، و الريح و جنود اللّه تفعل بهم ما تفعل لا تقرّ لهم قدرا و لا نارا و لا بناء، فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه؟

قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت؟ قال:

فلان بن فلان، ثمّ قال أبو سفيان: يا معشر قريش، لقد هلك الكراع و الخفّ و اخلفتنا بنو قريظة و لقينا من شدّة الريح ما ترون، فارتحلوا فإنّي مرتحل، ثمّ قام إلى جمله. و لو لا عهد رسول اللّه «ص» إلى: «إن لا تحدث شيئا حتّى تأتيني» لقتلته بسهم.

فرجعت إلى رسول اللّه «ص» و هو قائم يصلّى في مرط لبعض نسائه، فلمّا رآني أدخلني إلى رجليه و طرح عليّ طرف المرط ثمّ ركع و سجد و إنّي لفيه فلمّا سلّم أخبرته الخبر.» «1»

13- و في المغازي للواقدي في غزوة الخندق قال:

«قال خوّات بن جبير: دعاني رسول اللّه «ص» و نحن

محاصرو الخندق، فقال:

انطلق إلى بني قريظة فانظر هل ترى لهم غرّة أو خللا من موضع فتخبرني. قال:

فخرجت من عنده عند غروب الشمس فتدلّيت من سلع و غربت لي الشمس.»

الحديث بطوله، فراجع «2».

14- و في المغازي للواقدي أيضا في غزوة دومة الجندل ما ملخّصه:

«أنّه قد ذكر لرسول اللّه «ص» أنّ بدومة الجندل جمعا كثيرا و أنّهم يظلمون من مرّ بهم من الضافطة و كان بها سوق عظيم و تجّار، فندب رسول اللّه «ص» الناس فخرج في ألف من المسلمين فكان يسير الليل و يكمن النهار و معه دليل له من بني عذرة. و لمّا دنا رسول اللّه من دومة الجندل قال له الدليل يا رسول اللّه، إنّ سوائمهم ترعى فأقم حتّى اطّلع لك، فخرج طليعة حتّى وجد آثار النعم و الشاء و هم مغرّبون ثمّ رجع إلى النّبيّ «ص» فأخبره و قد عرف مواضعهم فسار

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 3/ 242.

(2)- المغازي 1/ 460 (الجزء 2).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 562

النبي «ص» ...» «1»

أقول: دومة بضم الدال و تفتح، قيل: بين دومة الجندل و المدينة خمس عشرة ليلة. و الضافطة جمع ضافط الذي يجلب المتاع إلى المدن. و المغرّب من غرّب بالتشديد: بعد و نزح عن الوطن.

15- و فيه أيضا في غزوة بني المصطلق و يقال لها غزوة المريسيع باسم ماء لهم يسمّى بذلك، قال:

«إنّ سيد بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار قد سار في قومه و من قدر عليه من العرب فدعاهم إلى حرب رسول اللّه فابتاعوا خيلا و سلاحا و تهيئوا للمسير إليه، و جعلت الركبان تقدم من ناحيتهم فيخبرون بمسيرهم فبلغ رسول اللّه «ص» فبعث بريدة

بن الحصيب الأسلمي يعلم علم ذلك. و استأذن النبيّ «ص» أن يقول، فأذن له، فخرج حتّى ورد عليهم ماءهم فوجد قوما مغرورين قد تألّبوا و جمعوا الجموع، فقالوا: من الرجل؟ قال: رجل منكم قدمت لما بلغني عن جمعكم لهذا الرجل فأسير في قومي و من أطاعني فتكون يدنا واحدة حتّى نستأصله. قال الحارث بن أبي ضرار: فنحن على ذلك فعجّل علينا. قال بريدة: أركب الآن فآتيكم بجمع كثيف من قومي و من أطاعني فسرّوا بذلك منه و رجع إلى رسول اللّه فأخبره خبر القوم ...» «2»

أقول: و يدلّ الخبر على جواز الكذب في الحرب لإغفال العدوّ، فإنّ الحرب خدعة.

16- و في مجمع البيان في غزوة الحديبيّة:

«و بعث «ص» بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش: و سار رسول اللّه «ص» حتّى إذا كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه

______________________________

(1)- المغازي 1/ 403.

(2)- المغازي 1/ 404.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 563

الخزاعي فقال: إنّي تركت كعب بن لؤيّ و عامر بن لؤيّ قد جمعوا لك الأحابيش و جمعوا جموعا و هم قاتلوك أو مقاتلوك و صادّوك عن البيت. فقال «ص»: روحوا فراحوا.» «1»

أقول: في لسان العرب:

«و الأحبوش: جماعة الحبش ... و قيل هم الجماعة أيّا كانوا لأنّهم إذا تجمّعوا اسودّوا ... و حبشي: جبل بأسفل مكّة يقال منه سمّي أحابيش قريش، و ذلك أنّ بني المصطلق و بني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده فحالفوا قريشا ... فسمّوا أحابيش قريش باسم الجبل.» «2»

و في المنجد:

الحباشة و الأحبوش و الأحبوشة: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة. «3»

17- و في المغازي في غزوة خيبر ما ملخّصه:

«و بعث رسول اللّه

«ص» عباد بن بشر في فوارس طليعة، فأخذ عينا لليهود من أشجع فقال: من أنت؟ قال: باغ أبتغي أبعرة ضلّت لي، قال له عبّاد: أ لك علم بخيبر؟ قال: عهدي بها حديث، فيم تسألني عنه؟ قال: عن اليهود. قال: نعم، كان كنانة و هوذة في حلفائهم من غطفان معدّين مؤيّدين بالكراع و السلاح، و في حصونهم عشرة آلاف مقاتل، و هم أهل الحصون الّتي لا ترام و سلاح و طعام كثير لو حصروا لسنين لكفاهم، ما أرى لأحد بهم طاقة، فرفع عباد بن بشر السوط فضربه ضربات و قال: ما أنت إلّا عين لهم، اصدقني و إلّا ضربت عنقك، فقال الأعرابي:

القوم مرعوبون منكم خائفون و وجلون لما قد صنعتم بمن كان بيثرب من اليهود ...» «4»

18- و فيه أيضا في غزوة حنين ما ملخّصه:

______________________________

(1)- مجمع البيان 5/ 117، (الجزء 9).

(2)- لسان العرب 6/ 278.

(3)- المنجد/ 114.

(4)- المغازي للواقدي 1/ 640 (الجزء 2).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 564

«قالوا: و دعا رسول اللّه «ص» عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلمي فقال: انطلق فادخل في الناس حتّى تأتي بخبر منهم و ما يقول مالك فخرج عبد اللّه فطاف في عسكرهم ثمّ انتهى إلى ابن عوف فيجد عنده رؤساء هوازن فسمعه يقول لأصحابه ... إذا كان في السحر فصفّوا مواشيكم و نساءكم و أبناءكم من ورائكم ثمّ صفّوا صفوفكم ثمّ تكون الحملة منكم و اكسروا جفون سيوفكم و احملوا حملة رجل واحد و اعلموا أنّ الغلبة لمن حمل أوّلا. فلمّا وعى ذلك عبد اللّه بن أبي حدرد رجع إلى النّبيّ «ص» فأخبره بكلّ ما سمع ...» «1»

و روى نحوه في التراتيب الإدارية عن

سيرة ابن إسحاق «2».

19- و في تفسير نور الثقلين عن أمالي الشيخ بسنده عن الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً.» قال: وجّه رسول اللّه «ص» عمر بن الخطّاب في سريّة فرجع منهزما يجبّن أصحابه و يجبّنونه. فلمّا انتهى إلى النبيّ «ص» قال لعليّ «ع»: أنت صاحب القوم فتهيّأ أنت و من تريد من فرسان المهاجرين و الأنصار فوجّهه رسول اللّه «ص» و قال له: اكمن النهار و سر الليل و لا تفارقك العين. قال: فانتهى عليّ «ع» إلى ما أمره رسول اللّه «ص» فسار إليهم. فلمّا كان عند وجه الصبح أغار عليهم فأنزل اللّه على نبيّه: «وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً» إلى آخرها.» «3»

20- و في طبقات ابن سعد في سريّة أسامة بن زيد:

«أمر رسول اللّه «ص» الناس بالتهيؤ لغزو الروم. فلمّا كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد ولّيتك هذا الجيش فاغر صباحا على أهل ابنى و حرّق عليهم و اسرع السير تسبق الأخبار، فإن ظفّرك اللّه فاقلل اللبث فيهم و خذ معك الأدلّاء، و قدم العيون و الطلائع أمامك.» «4»

______________________________

(1)- المغازي 2/ 893 (الجزء 3).

(2)- التراتيب الإدارية 1/ 362.

(3)- نور الثقلين 5/ 651.

(4)- طبقات ابن سعد، القسم الأوّل من الجزء الثاني/ 136؛ و روى نحوه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1/ 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 565

21- و في التراتيب الادارية قال:

«و في البخاري في قصة الهجرة عن عائشة قالت: و كان عبد اللّه بن أبي بكر يأتيهما بأخبار قريش و هو غلام شابّ فطن، فكان يبيت عندهما

و يخرج من السحر فيبيت مع قريش.» «1»

22- و فيه أيضا قال:

«و ترجم في الإصابة لأميّة بن خويلد فذكر أنّ المصطفى «ص» بعثه عينا وحده إلى قريش قال: فجئت إلى خشبة خبيب و أنا أتخوّف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا.

23- و ترجم فيها أيضا لبشر بن سفيان العتكي فذكر فيها:

أنّه «ص» أرسله إلى مكّة يتجسّس له أخبار قريش.

24- و ترجم فيها أيضا لجبلة بن عامر البلوى فذكر أنّه كان عين المصطفى يوم الأحزاب.

25- و ترجم فيها أيضا لخبيب بن عديّ الأنصاري فذكر عن البخاري:

بعث رسول اللّه «ص» عشرة رهط عينا، و أمر عليهم عاصم بن ثابت. ثمّ نقل أيضا عن تخريج ابن أبي شيبة أنّه «ص» بعثه وحده عينا لقريش.» «2»

26- و فيه أيضا قال:

«و ترجم في الإصابة لأنس بن أبي مرثد الغنوي فنقل عن ابن سعد: هو كان عين النبي «ص» بأوطاس.» «3»

هذا ما عثرنا عليه عاجلا من عيون النّبي «ص» و طلائعه في غزواته و سراياه.

و لعلّ المتتبّع يقف على أكثر من هذا.

27- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» إلى قثم بن العباس عامله على مكّة: «أمّا بعد، فإن عيني بالمغرب كتب إليّ يعلمني أنّه وجّه إلى الموسم أناس من أهل الشام، العمي

______________________________

(1)- التراتيب الإدارية 1/ 361.

(2)- التراتيب الإدارية 1/ 362.

(3)- التراتيب الإدارية 1/ 363.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 566

القلوب الصمّ الأسماع الكمه الأبصار الذين يلتمسون الحقّ بالباطل ... فأقم على ما في يديك قيام الحازم الصليب ...» «1»

28- و في نهج البلاغة أيضا في وصية له- عليه السلام- وصّى بها جيشا:

«و اجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال و مناكب الهضاب لئلّا يأتيكم العدوّ من

مكان مخافة أو أمن. و اعلموا أنّ مقدمة القوم عيونهم، و عيون المقدّمة طلائعهم، و إيّاكم و التفرق ...» «2»

29- و في تحف العقول في وصية أمير المؤمنين «ع» لزياد بن النضر حين أنفذه على مقدّمته إلى صفّين:

«اعلم أنّ مقدّمة القوم عيونهم، و عيون المقدّمة طلائعهم، فإذا أنت خرجت من بلادك و دنوت من عدوّك فلا تسأم من توجيه الطلائع في كلّ ناحية و في بعض الشعاب و الشجر و الخمر و في كلّ جانب حتّى لا يغيركم عدوّكم و يكون لكم كمين ...

و إذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في أقبال الأشراف أو في سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون لكم ردءا و دونكم مردّا. و لتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، و اجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال و بأعلى الاشراف و بمناكب الأنهار يريئون لكم لئلّا يأتيكم عدوّ من مكان مخافة أو أمن.» «3»

أقول: «الخمر» بفتحتين: كلّ ما وراءك من جبل أو غيره. و القبل من الجبل بضمتين: سفحه، و الجمع أقبال. و الشرف بفتحتين: المكان العالي، و الجمع أشراف. و الصياصي: الحصون و القلاع، و صياصي الجبال: أطرافها العالية.

و مناكب الأنهار: جوانبها. و الهضاب جمع الهضبة: الجبل المنبسط.

30- و في دعائم الإسلام: عن عليّ «ع» أنّه رأى بعثة العيون و الطلائع بين أيدي

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 942؛ عبده 3/ 65؛ لح/ 406، الكتاب 33.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 854؛ عبده 3/ 14؛ لح/ 371، الكتاب 11.

(3)- تحف العقول/ 191.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 567

الجيوش و قال: «إنّ رسول اللّه «ص» بعث عامّ الحديبيّة بين يديه عينا له من خزاعة.» «1»

31- و في

شرح ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات:

«أنّ معاوية اختلق كتابا نسبه إلى قيس بن سعد و قرأه على أهل الشام ... فشاع في الشام كلّها أنّ قيسا صالح معاوية، و أتت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك فأعظمه و أكبره و تعجّب له ...» «2»

إلى غير ذلك من الروايات التي يعثر عليها المتتبّع.

و يظهر من الروايات أنّه لا ينحصر مراقبة الأعداء بميادين القتال و حالة الحرب الفعلية، بل يتعيّن مراقبتهم و لو في عقر دارهم و التجسّس على قواهم و إمكاناتهم النفسية و العسكرية و الصناعيّة و الاقتصاديّة بعد ما ظهر و تبيّن عنادهم و بغضاؤهم للإسلام و المسلمين.

و في أعصارنا قد كان الواجب على الدول الإسلاميّة أن يتجسّسوا على دول الكفر العالمي و قراراتهم و صناعاتهم الحربيّة و غير ذلك، و لكنّهم تركوا ذلك و أغفلوا عنها حتّى واجهوا استيلاء الكفّار على بلادهم و شئونهم و إحاطة جواسيس الكفر بهم من كلّ جانب، اللّهم فأعزّ الإسلام و أهله، و اخذل الكفر و أهله.

الفصل الثالث: في مراقبة نشاطات المخالفين و أهل النفاق و الجواسيس و الأحزاب السريّة الداخلية المعاندة:

لا يخفى أنّ حفظ النظام و الدولة الحقّة العادلة يتوقّف على دفع التّحركات الداخليّة المخالفة و تفريق الجموع المعادية، و إلّا خيف على الدولة و الأمّة أن تفاجئا

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 369، كتاب الجهاد.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6/ 62.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 568

مواجهة قوى متجمعة معاندة ضدّهما فتنفشلان و تسقط الدولة و تتحمّل الأمّة خسارات كثيرة في الأموال و النفوس، و من الواضح أنّ ذلك يتوقّف على المراقبة الصحيحة لتحرّكات أهل الريب و الطابور الخامس و تجمّعاتهم السريّة بالاستخبارات الدقيقة و العيون البصيرة المحدّقة.

و يدلّ على جواز ذلك بل

وجوبه مضافا إلى ما مرّ من الأدلّة العامّة على وجوب حفظ النظام، و إلى تنقيح المناط القطعي ممّا مرّ من الروايات في الموارد الخاصّة بعض ما ورد في خصوص المقام أيضا:

1- قال اللّه- تعالى- في شأن المنافقين: «هُمُ الْعَدُوُّ، فَاحْذَرْهُمْ، قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ؟» «1»

قال الراغب:

«الحذر: احتراز عن مخيف.» «2»

فاللّه- تعالى- أوجب الاحتراز عن المنافقين. و إطلاق الحذر و الاحتراز يقتضي مراقبتهم في نشاطاتهم و تجمعاتهم، بل هي من أظهر طرق الحذر و مصاديقه، و المسلمون في عصر النبي «ص» صاروا ببركة الوعي و الرشد السياسي الذي تلقّوه منه «ص» بأجمعهم إلّا ما شذّ عيونا للنبيّ «ص» يرصدون و يراقبون قرارات المنافقين و تحرّكاتهم، كما كانوا يراقبون تحرّكات الكفّار في الغزوات و السرايا و غيرها، و كانوا يرون ذلك وظيفة إسلاميّة جعلت على عاتقهم، فترى زيد بن أرقم لمّا سمع من عبد اللّه بن أبيّ المنافق قوله: «لَئِنْ رَجَعْنٰا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» «3» مريدا بالأعزّ نفسه و بالأذلّ رسول اللّه «ص» عارضه زيد بذلك ثمّ مشى إلى رسول اللّه «ص» و أخبره حتّى قال له رسول اللّه «ص» في نهاية الأمر: «يا غلام، صدق فوك و وعت أذناك و وعى قلبك، و قد أنزل اللّه فيما قلت قرآنا.» «4»

______________________________

(1)- سورة المنافقين (63)، الآية 4.

(2)- مفردات الراغب/ 109.

(3)- سورة المنافقين (63)، الآية 8.

(4)- مجمع البيان 5/ 294، (الجزء 10) في تفسير سورة المنافقين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 569

2- و لمّا فارق الخرّيت بن راشد الناجي و أصحابه بعد واقعة صفّين أمير المؤمنين «ع» و تفرّقوا في البلاد كتب أمير المؤمنين «ع» إلى عمّاله في البلاد:

«بسم اللّه الرحمن

الرحيم من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمّال. أمّا بعد، فإنّ رجالا لنا عندهم بيعة خرجوا هرّابا فنظنّهم وجّهوا نحو بلاد البصرة فاسأل عنهم أهل بلادك و اجعل عليهم العيون في كلّ ناحية من أرضك ثمّ اكتب إليّ بما ينتهي إليك عنهم، و السلام.» «1»

و لعلّ المتتبّع يقف على موارد أخر من هذا القبيل فتتبّع.

و لا يخفى أنّ هذا القسم من المراقبة كأنّه شعبة من القسم الثاني، أعني مراقبة التحرّكات العسكريّة للأعداء، فيدلّ عليه جميع ما أقمناه من الأدلّة للقسم الثاني، و لكن أفردناه بالبحث إشعارا بأهميّته و لزوم الاهتمام بتحرّكات المنافقين و الأحزاب الداخليّة كما يهتمّ بتحرّكات الأجانب و الكفّار.

3- و لعلّه يكون من هذا القبيل أيضا ما رواه في نكاح الوسائل عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «دخل رجل على عليّ بن الحسين «ع» فقال: إنّ امرأتك الشيبانيّة خارجيّة تشتم عليّا «ع» فإن سرّك أن أسمعك ذلك منها اسمعتك؟ قال: نعم. قال: فإذا كان حين تريد أن تخرج كما كنت تخرج فعد فاكمن في جانب الدار. قال: فلمّا كان من الغد كمن في جانب الدار و جاء الرجل فكلّمها فتبيّن منها ذلك فخلّى سبيلها و كانت تعجبه.» «2»

أقول: يظهر من التواريخ أنّ الخوارج في تلك الأعصار كانوا ذوي تشكيلات و لجان سياسيّة سرّيّة، فلعلّ المرأة كانت عنصرا نفوذيّا في بيته «ع» من قبل تشكيلاتهم لأغراض سياسيّة، فلا يعترض بأنّ التفتيش عن العقائد الشخصيّة غير جائزة، فتدبّر. هذا.

______________________________

(1)- الغارات 1/ 337؛ و تاريخ الطبري 6/ 3422 (طبعة ليدن)؛ و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 130.

(2)- الوسائل 14/ 425، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر،

الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 570

و لعلّ المقصود بالمريب الذي أمر أمير المؤمنين «ع» بعض عمّاله بالشدّة عليه أيضا هو المنافق أو محتمل النفاق المشكوك في حركاته و أفعاله، و لا يخفى أنّ من الشدّة عليه مراقبة قراراته و تحركاته. و على هذا فيدلّ على الحكم الروايات التالية أيضا:

4- ففي كتابه «ع» إلى حذيفة بن اليمان عامله على المدائن: «و قد ولّيت أموركم حذيفة بن اليمان، و هو ممّن أرضى بهداه، و أرجو صلاحه، و قد أمرته بالإحسان إلى محسنكم و الشدة على مريبكم، و الرفق بجميعكم ...» «1»

5- و في كتابه «ع» إلى أهل مصر لمّا ولّى عليهم قيس بن سعد: «و قد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري أميرا فوازروه و أعينوه على الحقّ، و قد أمرته بالإحسان إلى محسنكم و الشدّة إلى (على خ. ل) مريبكم، و الرفق بعوامّكم و خواصّكم، و هو ممّن أرضى هديه و أرجو صلاحه و نصحه.» «2»

6- و في الغرر و الدرر للآمدي عن أمير المؤمنين «ع»: «أقم الناس على سنّتهم و دينهم، و ليأمنك برئهم و ليخفك مريبهم و تعاهد ثغورهم و أطرافهم.» «3»

7- و في نهج البلاغة: «و لكني أضرب بالمقبل إلى الحقّ المدبر عنه، و بالسامع المطيع العاصي المريب أبدا.» «4»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية:

«قد تكرّر في الحديث ذكر الريب، و هو بمعنى الشكّ، و قيل: هو الشكّ مع التهمة يقال: رابني الشي ء و أرابني بمعنى شككني.» «5»

______________________________

(1)- نهج السعادة 4/ 24.

(2)- نهج السعادة 4/ 28 عن الغارات.

(3)- الغرر و الدرر 2/ 215، الحديث 2419.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 59؛ عبده 1/ 37؛ لح/ 53، الخطبة 6.

(5)-

النهاية 2/ 286.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 571

الفصل الرابع: في مراقبة الأمّة في حاجاتها و خلّاتها و شكاياتها و ما تتوقّعه من الحكومة المركزيّة و في تعهّداتها للحكومة و ما تتوقّعه الحكومة منها:
[تأسيس الدولة ليس لإعمال السلطة و القدرة على العباد]

اعلم أنّ تأسيس الدولة عندنا ليس لإعمال السلطة و القدرة على العباد و الاستبداد عليهم من الحاكم بما شاء و أراد، بل لإدارة أمور الأمّة بالقسط و العدل على طبق موازين الشرع و مصالح الأمّة. فالغرض منها إصلاح أمر الأمّة. و ما هو الحافظ للدولة و الضامن لقدرتها على التنفيذ هو قوّة الأمّة و دفاعها، فلا محالة يتعيّن وجود الارتباط التامّ بين الحكومة و الأمّة و التعرّف على حاجات الطرفين و توقّعاتهما بوسائط منصوبة أو منتخبة يراقبون الأمّة و يتردّدون بينها و بين الحكومة.

و قد كان يطلق في الأعصار الأول للإسلام على هذه الوسائط اسم النقباء و العرفاء.

و في بعض الأخبار الواردة و إن ورد ذمّ العرافة، و لكنّها نظير الأخبار الواردة في ذمّ الإمارة لا يراد بالعرافة فيها إلّا ما كانت من قبل حكّام الجور للتعرّف على من يخالفهم من أهل الصدق و الإيمان كما يظهر ذلك بمراجعة أخبار الباب، و إلّا فرسول اللّه «ص» و كذا أمير المؤمنين «ع» أمضيا في حكمهما و سياستهما لأمور الأمّة أمر النقابة و العرافة، كما سيظهر:

1- ففي سيرة ابن هشام: «أنّ رسول اللّه «ص» حين ما بايعه أهل المدينة في العقبة الثانية قال لهم: «أخرجوا إليّ منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم.

فأخرجوا منهم اثنى عشر نقيبا: تسعة من الخزرج و ثلاثة من الأوس ... إنّ رسول اللّه «ص» قال للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريّين لعيسى بن مريم، و أنا كفيل على قومي- يعني المسلمين-. قالوا: نعم.» «1»

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 85.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 572

و روى هذا في البحار عن علي بن إبراهيم هكذا: «فقال رسول اللّه «ص»:

«أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا يكفلون عليكم بذلك كما أخذ موسى «ع» من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا. فقالوا: اختر من شئت.» «1»

و فيه أيضا عن المناقب هكذا: «أخرجوا إليّ منكم اثنى عشر نقيبا. فاختاروا، ثمّ قال: أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريّين كفلاء على قومهم بما فيهم، و على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم و أبناءكم. فبايعوه على ذلك.» «2»

أقول: قال اللّه- تعالى-: «وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّٰهُ مِيثٰاقَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ وَ بَعَثْنٰا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.» «3»

2- و في التراتيب الإدارية قال:

«ترجم في الإصابة لأسعد بن زرارة فخرّج في ترجمته من طريق الحاكم أنّه لمّا مات جاء بنو النجّار فقالوا: يا رسول اللّه، مات نقيبنا فنقّب علينا. قال: أنا نقيبكم ... و نحوه في ترجمته من الاستبصار.» «4» هذا.

و سيأتي معنى النقيب، و كذا العريف بعد نقل الروايات.

3- و في سنن أبي داود بسنده عن غالب القطّان، عن رجل، عن أبيه، عن جدّه أنهم كانوا على منهل من المناهل فلمّا بلغهم الإسلام جعل صاحب الماء لقوه مأئة من الإبل على أن يسلموا، فأسلموا و قسّم الإبل بينهم، و بدا له أن يرتجعها منهم فأرسل ابنه إلى النبيّ «ص» فقال له: ايت النبيّ «ص» ... فقل له: إنّ أبي شيخ كبير و هو عريف الماء و إنّه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده. فأتاه فقال ... إنّ أبي شيخ كبير و هو عريف الماء و إنّه يسألك أن تجعل لي العرافة بعده. فقال: «إنّ

______________________________

(1)- بحار الأنوار 19/ 13، تاريخ نبيّنا «ص»، باب دخوله

الشعب و ...، الحديث 5.

(2)- بحار الأنوار 19/ 26، تاريخ نبيّنا «ص»، باب دخوله الشعب و ...، الحديث 15.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 12.

(4)- التراتيب الإدارية 1/ 236.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 573

العرافة حقّ، و لا بدّ للناس من العرفاء، و لكن العرفاء في النار.» «1»

أقول: المنهل: مورد الماء للشرب و الاستقاء. و يظهر من الحديث أنّ العرافة للماء كان منصبا يفوّض من قبل الدولة، و صريحه كونه حقّا لا مناص منه، فقوله: «لكنّ العرفاء في النار» محمول على الغالب من عدم رعايتهم للحقّ و العدالة.

4- و في صحيح البخاري بسنده عن عروة أنّ مروان و المسور بن مخرمة أخبراه أنّ النبيّ «ص» قام حين جاءه وفد هوازن فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم و سبيهم، فقال: إنّ معي من ترون ... فقام النبيّ «ص» في الناس فأثنى على اللّه بما هو أهله ثمّ قال: ... فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل ... فقال الناس: طيّبنا ذلك.

قال: إنّا لا ندري من أذن منكم ممّن لم يأذن فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس فكلّمهم عرفاؤهم ثمّ رجعوا إلى النبيّ «ص» فأخبروه أنّهم طيّبوا و أذنوا. «2» هذا.

5- و في أصول الكافي بسنده عن حبيب بن أبي ثابت، قال: «جاء إلى أمير المؤمنين «ع» عسل و تين من همدان و حلوان، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى، فأمكنهم من رءوس الأزقاق يلعقونها و هو يقسّمها للناس قدحا قدحا. فقيل له:

يا أمير المؤمنين، ما لهم يلعقونها؟ فقال: إنّ الإمام أبو اليتامى و إنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء.» «3»

6- و في الوسائل عن الصدوق بسنده، عن الصادق «ع»، عن آبائه «ع» في

حديث المناهي، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من تولّى عرافة قوم أتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر اللّه- عزّ و جلّ- أطلقه اللّه، و إن كان ظالما هوى به في نار جهنّم و بئس

______________________________

(1)- سنن ابي داود 2/ 119، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في العرافة.

(2)- صحيح البخاري 2/ 82، كتاب العتق، باب من ملك من العرب رقيقا ...

(3)- الكافي 1/ 406، كتاب الحجّة، باب ما يجب من ...، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 574

المصير.» «1»

7- و فيه أيضا عن الصدوق في عقاب الأعمال بسنده عن النبيّ «ص» في حديث، قال: «من تولّى عرافة قوم (و لم يحسن فيهم خ. ل) حبس على شفير جهنّم بكلّ يوم ألف سنة، و حشر و يده مغلولة إلى عنقه، فإن كان قام فيهم بأمر اللّه أطلقها اللّه، و إن كان ظالما هوى به في نار جهنّم سبعين خريفا.» «2»

8- و فيه أيضا عن الكشي بسنده عن عقبة بن بشير، عن أبي جعفر «ع» في حديث، قال: «و أمّا قولك إنّ قومي كان لهم عريف فهلك فأرادوا أن يعرفوني عليهم، فإن كنت تكره الجنّة و تبغضها فتعرف عليهم، يأخذ سلطان جائر بامرئ مسلم فيسفك دمه فتشرك في دمه و لعلّك لا تنال من دنياهم شيئا.» «3»

أقول: و في الحديث دلالة على ما مرّ منّا من انّ ذم العرافة في بعض الروايات كان من جهة أنّ الغالب فيها كان هو العرافة من قبل حكّام الجور، فكان العريف يعرفهم أهل الصدق و الإيمان فيسفكون دماءهم. فوزان هذه الروايات و زان ما ورد في ذمّ

الإمارة، و إلّا فالاجتماع لا يتمّ بلا أمير و عريف، بل يجب التصدّي لهما إن لم يقم بهما الغير كما هو واضح:

9- ففي دعائم الإسلام عن عليّ «ع» أنّه قال: «لا بدّ من إمارة و رزق للأمير، و لا بدّ من عريف و رزق للعريف، و لا بدّ من حاسب و رزق للحاسب، و لا بدّ من قاض و زرق للقاضي.» «4»

بل المجتمع في عالم الآخرة أيضا لا يكون بلا عريف:

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 136، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(2)- الوسائل 12/ 137، الباب 45 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 7.

(3)- الوسائل 11/ 280، الباب 50 من أبواب جهاد النفس، الحديث 10.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 538، كتاب آداب القضاة، الحديث 1912.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 575

10- ففي خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة.» «1»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 575

11- و في سنن الدارمي عن عطاء بن يسار، قال: «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة.» «2» هذا.

12- و في مسند أحمد بسنده عن أبي هريرة، عن النبيّ «ص»، قال: «ويل للأمراء، ويل للعرفاء، ويل للأمناء. ليتمنّين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريّا يتذبذبون بين السماء و الأرض و لم يكونوا عملوا على شي ء.» «3»

13- و فيه أيضا أنّ أبا ذرّ قال لمن حضره في الربذة حين الموت:

«أنشدكم اللّه أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو

عريفا أو بريدا.» «4»

14- و في سنن أبي داود بسنده عن المقدام بن معديكرب أنّ رسول اللّه «ص» ضرب على منكبه ثمّ قال له: «أفلحت يا قديم، إن متّ و لم تكن أميرا و لا كاتبا و لا عريفا.» «5»

15- و في الوسائل عن الخصال بسنده عن نوف، عن أمير المؤمنين «ع» في حديث قال: «يا نوف، إيّاك أن تكون عشّارا أو شاعرا أو شرطيّا أو عريفا أو صاحب عرطبة- و هي الطنبور-، أو صاحب كوبة- و هو الطبل-، فإنّ نبيّ اللّه خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال: أما إنّها الساعة التي لا تردّ فيها دعوة إلّا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطيّ أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة.» «6»

______________________________

(1)- أصول الكافي 2/ 606، كتاب فضل القرآن، باب فضل حامل القرآن، الحديث 11.

(2)- سنن الدارمي 2/ 470، كتاب فضائل القرآن، باب في ختم القرآن.

(3)- مسند أحمد 2/ 352.

(4)- مسند أحمد 5/ 166.

(5)- سنن أبي داود 2/ 119، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في العرافة.

(6)- الوسائل 12/ 234، الباب 100 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 576

16- و في نهج البلاغة عن نوف البكالي عنه «ع»: «يا نوف، إنّ داود- عليه السلام- قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلّا استجيب له إلّا أن يكون عشّارا أو عريفا أو شرطيا أو صاحب عرطبة (و هي الطنبور) أو صاحب كوبة (و هي الطبل).» «1»

17- و في شرح ابن أبي الحديد عن نصر بن مزاحم:

«و أمر عليّ «ع» بهدم دار حنظلة فهدمت، هدمها

عريفهم شبث بن ربعي و بكر بن تميم» «2»

أقول: و كان سبب ذلك أنّ حنظلة خرج إلى معاوية في ثلاثة و عشرين رجلا من قومه، كما في الكتاب.

18- و في التراتيب الإدارية قال:

«ترجم في الإصابة جندب بن النعمان الأزدي، فنقل عن تاريخ ابن عساكر قال:

قدم أبو عزيز على النبيّ «ص» فأسلم و حسن إسلامه و جعله عريف قومه. و ترجم فيها أيضا رافع بن خديج الأنصاري، فذكر أنّه كان عريف قومه بالمدينة.» «3»

إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

و يستفاد من جميع ذلك مشروعيّة النقابة و العرافة و تعارفهما في عصر النبيّ «ص» و الأئمّة- عليهم السلام- بل ضرورتهما في إدارة المجتمع على وجه صحيح و إن كان المتصدّي لهما في معرض الخطر الديني، و هذا من لوازم كلّ منصب و مقام إلّا من عصمه اللّه- تعالى-.

الكلام في معنى النقيب و العريف:

بقي الكلام في معنى اللفظين، فنقول:

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1134؛ عبده 3/ 174؛ لح/ 486، الحكمة 104.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 177.

(3)- التراتيب الإدارية 1/ 236.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 577

1- قال الراغب في المفردات:

«و النقيب: الباحث عن القوم و عن أحوالهم، و جمعه نقباء. قال: «وَ بَعَثْنٰا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.» «1»

2- و في الصحاح:

«و النقيب: العريف و هو شاهد القوم و ضمينهم، و الجمع النقباء. و قد نقب على قومه ينقب نقابة.» «2»

3- و فيه أيضا:

«بعثوا إليّ عريفهم يتوسّهم، أي عارفهم. و العريف: النقيب و هو دون الرئيس، و الجمع عرفاء.» «3»

4- و في نهاية ابن الأثير:

«في حديث عبادة بن الصامت «و كان من النقباء». النقباء جمع نقيب و هو كالعريف على القوم: المقدّم عليهم الذي يتعرّف

أخبارهم و ينقّب عن أحوالهم، أي يفتش.» «4»

5- و فيه أيضا:

«و فيه: العرافة حقّ، و العرفاء في النار. العرفاء جمع عريف و هو القيّم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس، يلي أمورهم و يتعرّف الأمير منه أحوالهم، فعيل بمعنى فاعل، و العرافة عمله. و قوله: العرافة حقّ، أي فيها مصلحة للناس و رفق في أمورهم و أحوالهم. و قوله: العرفاء في النار، تحذير من التعرض للرئاسة لما في ذلك من الفتنة و أنّه إذا لم يقم بحقّه أثم و استحقّ العقوبة.» «5»

6- و في لسان العرب:

______________________________

(1)- مفردات الراغب/ 529.

(2)- الصحاح للجوهري 1/ 227.

(3)- الصحاح 4/ 1402.

(4)- النهاية 5/ 101.

(5)- النهاية 3/ 218.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 578

«و النقيب: عريف القوم، و الجمع نقباء. و النقيب: العريف و هو شاهد القوم و ضمينهم.» «1»

7- و فيه أيضا:

«عريف القوم: سيّدهم. و العريف: القيّم و السيّد لمعرفته بسياسة القوم ...

و العريف: النقيب و هو دون الرئيس.» «2»

أقول: فظاهر كلمات أهل اللغة كونهما بمعنى واحد أو متقاربين. و قد كان النقيب و العريف رابطا بين القبيلة أو العشيرة، و بين الإمام أو الأمير يتعرّف منه حالاتهم، و كان المتعارف انتخابه من أفراد القبيلة لكونه أعرف بهم من غيره.

و لم يؤخذ في مفهومهما تعرّف خصوص الحالات المتعلّقة بالحرب و القتال، نعم لمّا كانت عمدة نظر الحكّام في تعيين النقباء و العرفاء معرفة القوى المستعدّة للحرب و النضال خصّهما بعض بالجنود:

قال الكتّانى في التراتيب الإداريّة في تعريف العرفاء:

«هم رؤساء الأجناد و قوّادهم، و لعلّهم سمّوا بذلك لأنّ بهم يتعرّف أحوال الجيش. قاله الباجى في المنتقى.» «3»

و في آخر كتاب الفي ء و قسمة الغنائم من المبسوط:

«و

يستحب للإمام أن يجعل العسكر قبائل و طوائف و حزبا حزبا، و يجعل على كلّ قوم عريفا عريفا، لقوله- تعالى-: و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا. و النبيّ «ص» عرّف عام خيبر على كلّ عشرة عريفا.» «4»

و قال العلّامة في التذكرة:

«ينبغي للإمام أن يتّخذ الديوان، و هو الدفتر الذي فيه أسماء القبائل قبيلة قبيلة و يكتب عطاياهم، و يجعل لكلّ قبيلة عريفا و يجعل لهم علامة بينهم و يعقد لهم

______________________________

(1)- لسان العرب 1/ 769.

(2)- لسان العرب 9/ 238.

(3)- التراتيب الإدارية 1/ 235.

(4)- المبسوط 2/ 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 579

ألوية لأنّ النّبيّ «ص» عرّف عام خيبر على كلّ عشرة عريفا.» «1»

و كيف كان فعلى إمام الأمّة و رئيسها أن يشرف عليها و يعرف حالات الناس و احتياجاتهم و توقّعاتهم من الحكومة ليسعى في تنظيم أمورهم و رفع حاجاتهم و توقّعاتهم إلى الإمام، و يكون في هذا الأمر ضمانة لبقاء الملك و انتظام الأمور، و لو لا ذلك لخيف الفشل و سقوط الملك.

فهذه شعبة رابعة من شعب التجسّس و الاستخبارات.

قال الكتّاني في التراتيب الإدارية:

«باب في جعل الإمام العين على الناس في بلده: في شمائل الترمذي من حديث ابن أبي هالة الطويل: كان «ص» يسأل الناس عمّا في الناس. قال ابن التلمساني في شرح الشفاء: ليس من باب التجسّس المنهيّ عنه، و إنّما هو ليعرف به الفاضل من المفضول فيكونون عنده في طبقاتهم، و ليس هو من الغيبة المنهيّ عنها، و إنّما هو من باب النصيحة المأمور بها. و قال المناوي على الشمائل: و هذا إرشاد للحكّام إلى أن يكشفوا و يتفحّصوا، بل و لغيرهم ممّن كثر أتباعه كالفقهاء و

الصالحين و الأكابر فلا يغفلوا عن ذلك لئلا يترتّب عليه ما هو معروف من الضرر الذي قد لا يمكن تدارك رفعه.» «2»

أقول: و يجب أن يكون المنصوب لهذا الشأن عاقلا ذكيّا فطنا ثقة عدلا صدوقا ذا صرامة و صراحة لا يمنعه أبّهة الإمام من بيان جميع ما عاينه و شاهده، و أن يكون معاشرا للناس حاضرا في أسواقهم و مجامعهم بحيث يطلع على أهوائهم و أفكارهم و توقّعاتهم، و أن يكون عمدة همّه الدفاع عن الناس و لا سيّما الضعفاء و المحرومين منهم فيرفع حاجاتهم و توقّعاتهم إلى الإمام و يصرّ في انجاح طلباتهم بقدر الإمكان، لا أن يفكّر فقط في فرض سياسة الدولة و آرائها كيف ما كانت عليهم، و في ترضية

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 437.

(2)- التراتيب الإدارية 1/ 363.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 580

خاطر السلطان و الأمراء و العمّال فقط.

فإلى هنا تعرّضنا لنبذة يسيرة من مسائل التجسّس و الاستخبارات العامّة، و قد قسمناها إلى أربع شعب كما عرفت. و يبقى هنا بحث في حكم جاسوس العدوّ الأجنبي نتعرّض له إن شاء اللّه في فصل السياسة الخارجية للإسلام، فانتظر.

الجهة الرابعة: في أمور أخر في الاستخبارات ينبغي التنبيه عليها:
الأوّل: [عمل المراقبة و التجسّس عمل خطير]

قد مرّ أنّ عمل المراقبة و التجسّس عمل خطير له مساس تامّ بحريم الناس و حرّياتهم المشروعة فلا يجوز أن يستخدم لهذا العمل إلّا من يكون عاقلا، ذكيّا، ثقة، ملتزما بالشرع، عالما بموازينه و بما يجب و يحرم، رءوفا بالناس، حافظا لأسرارهم، لا يحقّر الناس و لا يريد تذليلهم و لا سيّما بالنسبة إلى ذوي الهيئات و السوابق الحسنة في المجتمع، و لا يكون فيه حقد أو حسد أو بغضاء بالنسبة إلى أحد.

الثاني: [سنخ المراقبة للأعداء يختلف عن سنخ المراقبة للعمّال و للأمّة]

لا يخفى أنّ سنخ المراقبة للأعداء من الكفّار و أهل النفاق المعاندين للإسلام و الدولة الإسلاميّة يختلف عن سنخ المراقبة للعمّال و للأمّة، حيث إنّ الشعبتين الأوليين تلازمان بحسب العادة نوعا من الغلظة و الخشونة و يوجد للمسئولين لهما بسبب ذلك ذهنية خاصّة توقعهم غالبا في سوء الظن و عدم الاعتماد، فلا تناسب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 581

هذه الحالة لمراقبة الأمّة و كذا العمّال البرءاء غالبا، إذ المراقبة لهما و لا سيّما للأمّة تقتضي رعاية اللطف و الرحمة غالبا، و اجتماع الخصلتين المتضادّتين في شخص واحد نادر جدّا، فلأجل ذلك يترجّح بل يتعيّن تفكيك الشعب بحسب المسؤولين و لا يفوّض الجميع إلى شخص واحد.

و مثله أمر السؤال و التحقيق في أجهزة القضاء أيضا، فيجب أن يكون المحقّق و السائل عن الفرد المؤمن و لا سيّما ذي الهيئة و أهل الفضل غير من شغله التحقيق عن الأعداء من الكفّار و أهل النفاق، فتدبّر.

الثالث: [التجسّس على دخائل الناس فيما يرتبط بحياتهم الفرديّة حرام مؤكّد]

قد عرفت في الجهة الأولى من البحث أنّ التجسّس على دخائل الناس فيما يرتبط بحياتهم الفرديّة أو العائليّة و التفتيش عنها حرام مؤكّد، كما أنّه لا يجوز إذاعة أسرار الناس و عيوبهم الخفيّة الشخصيّة و تحطيم شخصيّاتهم في المجتمع. و كذلك لا يجوز منع الناس و لا سيّما أهل العلم و الفضل من الوعظ و النصيحة لأئمّة المسلمين و العمّال و الأمراء، و النقد و الاعتراض الصحيح على التّخلّفات الشرعيّة و القانونيّة التي تصدر عن بعض المسؤولين في إطار الالتزام بالإسلام و بالنظام العدل، و لا يجوز مزاحمتهم لذلك، و إنّما الذي يجوز بل يجب مؤكّدا التجسس عليه و التفتيش عنه تحرّكات الناس ضدّ الإسلام و

النظام و المصالح العامّة.

و حيث إنّ الأمر في كثير من الموارد يشتبه على الموظّفين و ربّما يدور الأمر بين الواجب المهمّ و الحرام المؤكّد، و الأمر خطير و حسّاس جدّا، و النفس أمّارة بالسوء إلّا ما رحم اللّه و القدرة تبعث النفس على الطغيان و التعدّي غالبا، فلا محالة يتعيّن:

أوّلا: تعيين الخط الفاصل بين ما يجوز و ما لا يجوز بتشريع حدود و قوانين يبيّن فيها بالتفصيل الموارد التي يجوز فيها مراقبة الناس و القبض عليهم و التحقيق منهم، و كيفيّة معاملتهم في التحقيقات، و تنظيم البرامج الصحيحة الدقيقة لذلك، و يبيّن كيفية

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 582

ارتباط المستخبرين بجهاز القضاء و غيره من أجهزة الحكومة، و يميّز وظيفة كلّ منها لئلّا يتدخّل أحد منهم فيما ليس من شأنه و مسئوليّته. و لا يجوز أن يفوّض الأمر بنحو الإطلاق إلى الموظّف في الاستخبارات بحيث يصنع كلّ ما شاء و أراد، كما هو الرائج في الحكومات الاستبداديّة.

و ثانيا: إعمال الدقّة و التعمّق في انتخاب الموظّفين من بين أهل العقل و التجربة و الصدق و الأمانة و الفطنة و الصرامة و الرحمة و الشفقة بالعباد و الالتزام بموازين الإسلام، كما مرّ. و قد مرّ في الفصل الرابع من الباب السادس عند البحث عن السلطة التنفيذيّة روايات كثيرة تدلّ على مواصفات الوزراء و العمّال، فراجع.

و ثالثا: مراقبتهم حينا بعد حين بعيون بصيرة نافذة تراقبهم في أعمالهم و عشرتهم، ثمّ مجازاة المتخلّفين منهم بأشدّ المجازاة، و ليس كلّ ذلك إلّا لخطورة هذه الوظيفة و حسّاسيتها.

و لو فرض انحراف هذه المؤسّسة الخطيرة الدقيقة عن برامجها و أهدافها و لو بنقطة صارت في المآل

فاجعة على الدولة و الأمّة معا، كما شوهد نظيره في كثير من الدول.

أ لا ترى أنّ وقوع انفراج ما في رأس الزاوية يوجب تزايد الانفراج و تباعد الخطين بازدياد البعد عن نقطة الرأس، فتدبّر.

و بما ذكرنا يظهر أنّ جهاز الاستخبارات أيضا يحتاج إلى جهاز استخبار فوقه يراقب موظّفيه و يتجسّس على أعضائه و موظّفيه و لا سيّما إذا اتّسع الجهاز و تكثرت شعبه و أعضاؤه كما في عصرنا.

كيف؟! و يمكن أن يبلغ جهاز الاستخبارات بسعته و كثرة شعبه و قدرته المخوفة و خفاء قراراته و نشاطاته حدّا يتدخّل سرّا في جميع الشؤون و في نصب المقامات و عزلها و إسقاط الحكومات و الدول، بل ربّما يتدخّل في شئون سائر البلاد حتّى في

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 583

تحكيم حكوماتها أو إسقاطها، كما نراه من جهاز.. في الولايات المتّحدة.

فعلى الإمام مراقبة جهاز الأمن و الاستخبارات أشدّ المراقبة.

الرابع: [هل للمستخبر أن يتصدّى في طريق استخباراته للكذب و لسائر المحرّمات]

ربّما يتوهّم من إجازة النبيّ «ص» لبريدة بن الحصيب الأسلمي- الذي أرسله للاستخبار عن بني المصطلق- للكذب و التمويه كما مرّ أنّ للمستخبر أن يتصدّى في طريق استخباراته للكذب، بل و لسائر المحرّمات الشرعيّة من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و ترك الصلاة و الصيام و مصافحة الأجنبيّة بل و الروابط الجنسيّة المحرّمة و نحو ذلك مطلقا كما هو المتعارف بين جواسيس بلاد الكفر و قد يعبّرون عن ذلك بأن الهدف يبرّر الوسيلة.

أقول: هذا بكليّته ممنوع جدّا، إذ الحكومة بنفسها ليست عندنا هدفا بل الهدف ليس إلّا تثبيت موازين الإسلام و تنفيذ أحكامه في المجتمع، و لا تشرع الحكومة و الدولة و الاستخبارات إلّا ما دامت واقعة في طريق ذلك، و يجب

أن يفدّى الجميع في هذا الطريق. نعم، ربّما يتوقّف حفظ النظام أو المصالح العامّة أو تثبيت واجب مهمّ على ارتكاب محرّم ليس بهذه الأهميّة كالكذب و التورية مثلا لحفظ النبيّ «ص» أو نظام العدل مثلا، فيجري هنا موازين باب التزاحم، فالواجب رعاية مرجّحات باب التزاحم، و هذا يختلف بحسب اختلاف الأحكام و الأشخاص و الأصقاع و الأزمنة، كما لا يخفى على أهل الفن. فالقول بتبرير الهدف للوسيلة مطلقا باطل جدّا بحكم العقل و الشرع.

و هذه نكتة مهمّة يجب أن يلتفت إليها الموظّفون في الاستخبارات و في أجهزة التحقيق، إذ قد يشتبه الأمر عليهم بما رأوه أو سمعوه من أعمال الجواسيس و المستخبرين في بلاد الكفر في استخباراتهم حيث يستحلّون كلّ جناية و جريمة في طريق عملهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 584

و هل يجوز الانتحار عمدا لأجل التخلّص من العدوّ، كما إذا تيقّنت المرأة المسلمة بأنّها تهتك في عرضها أو علم المسلم بأنّه يعذّب عذابا لا طاقة له به فيعترف بما يضرّ المسلمين؟

في المسألة وجهان. و الظاهر أنّ الواجب رعاية موازين التزاحم و مرجّحاته، و لكن تشخيص المهمّ و الأهمّ يحتاج إلى اطلاع وسيع على أحكام الشرع و موازينه و ليس هذا شأن كلّ أحد.

الخامس: [تعزير المتّهم بمجرد الاتهام ظلم]

قد مرّ منّا في الجهة التاسعة من فصل التعزيرات بحث في تعزير المتّهم للكشف و الاعتراف نذكر ملخّصا منه هنا، و من أراد التفصيل فليراجع هناك.

و محصّل ما ذكرناه أنّ تعزير المتّهم بمجرد الاتهام لكشف ما يحتمل أن يطّلع عليه من فعله أو فعل غيره أو الحوادث و الوقائع الأخر ظلم في حقّه و يخالف حكم الوجدان و سلطة الناس على أنفسهم و براءتهم عن

التهم ما لم تثبت، و قد وردت روايات مستفيضة في حرمة ضرب الناس و تعذيبهم. كما أنّ الاعتراف مع التعذيب لا اعتبار به شرعا كما يدلّ عليه أخبار مستفيضة:

و منها خبر أبي البختري، عن أبي عبد اللّه «ع» أن أمير المؤمنين «ع» قال: «من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه.» «1»

نعم، يجوز حبس المتّهم لكشف الحقّ أو أدائه في حقوق النّاس و لا سيّما في الدم مع احتمال فراره و عدم التمكّن منه:

ففي الوسائل بسند لا بأس به، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إنّ

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 497، الباب 7 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 585

النبيّ «ص» كان يحبس في تهمة الدم ستة أيّام، فإن جاء أولياء المقتول بثبت و إلّا خلّى سبيله.» «1»

و قد مرّ في فصل الحبس و السجن أخبار مستفيضة في هذا المجال، فراجع. و إن كان الحكم في غير الدم لا يخلو من إشكال كما مرّ، فراجع. هذا مع التهمة و الاحتمال.

و أمّا إذا علم الحاكم أنّه يوجد عند الشخص اطلاعات نافعة في حفظ النظام و رفع الفتنة أو في تقوية الإسلام أو في إحقاق حقوق المسلمين بحيث يحكم العقل و الشرع بوجوب الإعلام عليه و كان وجوبه واضحا بيّنا له أيضا و هو مع ذلك يكتم الشهادة عنادا جاز حينئذ تعزير المتّهم للكشف و الإعلام فقط من دون أن يترتّب على اعترافه المجازاة، لما عرفت من جواز التعزير على ترك الواجب مطلقا، و المفروض أن الإعلام واجب عليه.

و أمّا في مثل الزنا و اللواط و شرب الخمر و نحو ذلك

من حقوق اللّه المحضة فلا يجب على المرتكب إظهارها، و ليس للحاكم أيضا تهديده أو تعزيره لذلك، بل اللازم في مثلها هو الستر و التوبة إلى اللّه- عزّ و جلّ-.

فهذا ملخّص ما ذكرناه هناك، و التفصيل يطلب من ذلك المقام فقد عقدنا هناك خمس مسائل في هذا المجال، فراجع.

و لا يخفى أنّ تشخيص موارد وجوب الإخبار و الإعلام بحيث يصحّ تعزير الشخص لذلك، و كيفيّة التعزير و نوعه المناسب لهذا الشخص و مقداره اللازم أمور دقيقة لا يجوز تفويضها إلّا إلى من يكون أهلا للتشخيص و واجدا للشرائط التي مرّت من العقل و الفطنة و الصدق و الأمانة مع نوع من الشّفقة و الرحمة، و إلّا حصل الطغيان و التعدّي و صار في المآل فاجعة على الدولة و الأمّة، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 121، الباب 12 من أبواب دعوى القتل، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 586

السادس: [لا يتوقّف اتّخاذ الشخص عينا و مراقبا على كونه فارغا]

لا يتوقّف اتّخاذ الشخص عينا و مراقبا على كونه فارغا لا شغل له، بل الملاك كونه خبيرا أهلا لذلك واجدا للشرائط التي أشرنا إليها، فيمكن أن يستفاد لهذه المسؤوليّة من نوّاب مجلس الشورى الواقفين على حالات الناخبين لهم و كذلك بعض المسؤولين و أئمّة الجمعة و الجماعات و الخطباء و الأساتذة و المحصلين و بعض الكسبة و السائقين و نحو ذلك فضلا عن مثل رؤساء العشائر و القبائل.

بل الأولى و الأحوط لبيت المال أن يستفاد لذلك من بعض المتطوّعين المخلصين، فإنّ استخدام أفراد كثيرين من بيت المال و تحميل ميزانية كثيرة على عاتق المسلمين خسارة عظيمة عليهم، فمهما أمكن تحصيل المطلوب بأقلّ ما يتوقّف عليه من صرف المال و الوقت وجب ذلك. و

الناس إذا آمنوا بدولتهم صاروا عمّالا متطوّعين لها مع الإيمان و الإخلاص و تعاضدت الدولة و الأمّة و اشتدّ أمر الملك، فالعمدة تحصيل رضا الناس و إيمانهم بالحكومة و خططها، و هذه نكتة مهمّة يجب أن يلتفت إليها كلّ من يريد بقاء الملك و الدولة.

السابع: [هل يرتبط جهاز الاستخبارات بالسلطة التنفيذيّة و يكون جزء منها،]

هل يرتبط جهاز الاستخبارات الإسلامي بالسلطة التنفيذيّة و يكون جزء منها، أو بالسلطة القضائية، أو بالإمام مباشرة؟ في المسألة وجوه:

و ربّما يؤيّد الاحتمال الأوّل، بأنّ إدارة الملك تكون على عهدة رئيس الدولة و وزرائه، و الوزارات المختلفة تحتاج إلى الاستخبارات لمراقبة العدو الخارجي و الداخلي و الموظّفين من قبلها و أوضاع الناس و شكاياتهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 587

فإن قلت: الإمام هو المسؤول الأعظم كما مرّ بيانه في الفصل الثالث من الباب، و السلطات الثلاث أعوانه و أعضاده، فيجب أن يكون جهاز الاستخبارات في خدمته ليراقب بسببه السلطات الثلاث بفروعها و يراقب الأمّة أيضا.

قلت: كونه جزء من السلطة التنفيذيّة لا يمنع عن مباشرة الإمام بمسؤوله و أن يأمره بأوامره، أو يأمره بتشكيل شعبة خاصّة تكون تحت اختيار الإمام مباشرة فإنّ الكلّ عمّال له و يكونون تحت سلطته و أمره.

و يؤيّد الاحتمال الثاني: أنّ للاستخبارات مساسا خاصّا بأعمال السلطة القضائيّة، و كأن جهاز الاستخبارات ضابط من ضبّاطها، فإنّ المتخلّفين في جميع الشعب يرجع أمرهم في النهاية إلى جهاز القضاء و ليس لجهاز الاستخبار أيضا القبض على المتّهمين و التحقيق منهم إلّا بإجازة السلطة القضائيّة.

و يؤيّد الاحتمال الثالث، انّ مراقبة رئيس الدولة و وزرائه بفروعها المختلفة من أهمّ شعب الاستخبار، و المناسب أن تكون العين المراقبة غير من يراقب بل أعلى منه و مستولية عليه، و

لعلّ السلطة التنفيذيّة تأبى غالبا من انكشاف أخطائها و انحرافاتها، أو حاجات الناس و شكاياتهم عنها فلا يظهرون الواقعيّات للإمام و يجعلونه في اشتباه و غفلة عمّا يقع في الدوائر و في المجتمعات، و ربّما يقلبون الحقائق عنده لئلّا يظهر تقصيرهم أو ضعفهم، و في ذلك خسارة عظيمة على الدولة و الأمّة معا، بل ربّما يخاف منه ثورة الناس و سقوط الدولة.

أقول: و الأنسب الأولى هو اختيار الثالث، لأنّ الإمام هو الأصل في الحكومة الإسلاميّة و هو الحاكم و المسؤول حقيقة، و مسئوليّة البقيّة من فروع مسئوليّته، فيكون هو إلى الاستخبارات أحوج، فالأنسب أن تكون الاستخبارات مرتبطة به مباشرة و هو يأمر جهاز الاستخبار بالتفاهم مع سائر الأجهزة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 588

و يحتمل أيضا تعدّد أجهزة الاستخبار، فما يختصّ بمراقبة الأعداء بشعبتيه يشترك بين الإمام و الدولة و يجعل للإمام أيضا جهاز استخبارىّ مستقلّ يراقب به المسؤولين و الأمّة، و لرئيس الدولة و وزرائه أيضا جهاز يخصّه.

و يؤيّد ذلك ما مرّ من أمر أمير المؤمنين «ع» مالكا ببعث العيون على عمّاله مع ما ظهر من أنّ الإمام بنفسه أيضا كان له عيون تخبره.

و كيف كان فالإمام الذي هو الأصل و المسؤول في الحكومة لا مناص له عن الاطّلاع التامّ على عمّاله و أمّته.

قال المسعودي في مروج الذهب:

«ذكر المقري قال: سئل بعض شيوخ بني أميّة و محصّليها عقيب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: ما كان سبب زوال ملككم؟ قال: إنّا شغلنا بلذّاتنا عن تفقّد ما كان تفقّده يلزمنا، فظلمنا رعيّتنا فيئسوا من إنصافنا و تمنّوا الراحة منّا، و تحومل على أهل خراجنا فتخلّوا عنّا، و خربت ضياعنا فخلت

بيوت أموالنا، و وثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا، و امضوا أمورا دوننا، أخفوا علمها عنّا، و تأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، و استدعاهم أعادينا فتظافروا معهم على حربنا، و طلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلّة أنصارنا، و كان استتار الأخبار عنّا من أوكد أسباب زوال ملكنا.» «1»

أقول: فتأمّل في هذه الجملات و لا سيّما الجملة الأخيرة، و عليك بتطبيقها على جميع الأصقاع و الأزمنة.

الثامن: [الهدف من جهاز الاستخبارات في الدولة الإسلاميّة]
اشارة

في آخر فصل الاستخبارات نلفت نظر القارئ الكريم إلى ما لوّحنا إليه أوّلا

______________________________

(1)- مروج الذهب 2/ 194.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 589

من أنّ الهدف من جهاز الاستخبارات في الدولة الإسلاميّة ليس إلّا حفظ مصالح الإسلام و المسلمين و تحكيم نظام العدل و تطمين النفوس و حفظ الحقوق، لا الحفاظ على منافع الرؤساء و الزعماء و تحكيم سلطتهم كيف ما كانوا و أرادوا و لو بإخماد أصوات الأمّة المظلومة و خنقهم و كبت حرّيّاتهم المشروعة، كما قد يتوهّم ذلك من سماع هذا اللفظ بقياسه على أجهزة الأمن و الاستخبارات الرائجة فعلا في أكثر البلاد الإسلاميّة و غيرها من بلاد العالم الثالث.

و عمدة ما أوجب الفساد في أجهزة الأمن الرائجة هي الأمور التالية:
1- فساد نفس الحاكم،

حيث يعتمد في حكمه على إرادة القوى الأجنبيّة الكافرة، لا على إرادة الشعب المسلم و اختياره طبقا للضوابط الإسلاميّة. فيكون مصدرا للفساد و تضييع الحقوق و تضعيف الإسلام و المسلمين و تقوية خطط الكفر، و ينعكس ذلك في جميع أجهزة حكمه و لا سيّما جهاز أمنه و استخباراته، فيأخذون الناس بالتّهمة و الظنّة و يعذبونهم بأنواع العذاب يهتكون حرمات المسلمين و يقتلون النفوس المحترمة، يوجد كلّ ذلك على أساس خطط الكفر و الضلال و إن تسمّوا باسم الإسلام.

و أمّا الحاكم الذي يقوم حكمه على أساس الإسلام و إرادة المسلمين فلا محالة يجب أن يكون جهاز أمنه و استخباراته جهاز أمن و تطمين للمسلمين الملتزمين بموازين الإسلام بلا تخويف و إرهاب، و أن يكون الأصل المحكّم عند مسئوله و موظّفيه حبّ المسلمين و حسن الظنّ بهم و حمل أعمالهم على الصحّة إلى أن يثبت العكس بدليل شرعيّ صحيح. كما أمر اللّه- تعالى- في الكتاب الكريم بقوله: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ

آمَنُوا، اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. وَ لٰا تَجَسَّسُوا وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً.» «1»

و عن النّبيّ «ص»: «إيّاكم و الظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث. و لا تحسّسوا و لا تجسّسوا و لا تناجشوا.» «2»

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 12.

(2)- تفسير القرطبي 16/ 331.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 590

و قد مرّ كثير من الأحاديث في هذا المجال في أوّل الفصل فراجع.

كيف؟! و سيرة إمام المسلمين سيرة رسول اللّه «ص»، و قد قال اللّه- تعالى- في حقّه: «لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.» «1»

فكذلك يجب أن تكون سيرة عمّاله و الموظفين من قبله.

2- إنّ أجهزة الأمن و الاستخبارات

الموجودة فعلا في البلاد الإسلاميّة و العالم الثالث مقلّدة لأجهزة الاستخبارات الغربيّة و الشرقيّة في ثقافتها و تشكيلاتها و أعمالها. و لمّا كان الجوّ الحاكم عند هؤلاء هو معاداة الشعوب الإسلاميّة و المستضعفين و استخدام أجهزتهم لخنق أصواتها سرى ذلك إلى الحكّام المقلّدين لهم و إلى أجهزة استخباراتهم.

بينما يتعيّن على الجهاز الإسلامي أن يكون إسلاميّا في ثقافته و أساليب عمله و تشكيلاته، و أن يحذر عن تقليد أعداء الإسلام حتّى في تسمياته، حيث إنّ الأسامي تكون مرايا للمسمّيات قهرا.

3- إنّ الموظفين في جهاز الأمن و الاستخبارات في أكثر البلاد ينتخبون غالبا من بين الأشخاص الفاسدين

المفسدين البعيدين عن موازين الشرع و الأخلاق، فيصير الجوّ الحاكم على الاستخبارات هو الفساد و الخديعة و الغدر و الكذب و الإرهاب و التعذيب و غيرها من الأخلاق و الأعمال الفاسدة.

بينما يجب أن يكون مسئول الجهاز الإسلامي و جميع موظفيه من خواصّ المتديّنين المتعبّدين من أهل الصدق و الوفاء و الأمانة و العقل و الفطنة، المتخلّقين بالأخلاق الفاضلة الإسلاميّة، كما مرّ.

4- إنّ هدف أجهزة الأمن و الاستخبارات في البلاد و محور عملها هو حفظ الحكّام

و شخص الحاكم الأعظم و تحكيم سلطته كيف ما كان، فكلّ الأمور توزن عندهم بهذا الميزان فقط، و لا عبرة عندهم بغير ذلك من الموازين الشرعيّة

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 128.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 591

و الأخلاقيّة.

و لكن جهاز الاستخبارات في الدولة الإسلاميّة يجب أن يتقيّد بالموازين الشرعيّة و المعايير الأخلاقيّة. و الهدف منه كما مرّ ليس إلّا حفظ مصالح الإسلام و المسلمين و تحكيم نظام العدل و الإنصاف. و إن كان من أهمّ المصالح أيضا حفظ حريم الإمام في إطار حفظ الإسلام و مقرّراته، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 593

الفصل التاسع هل يثبت الهلال بحكم الإمام و الوالي أم لا؟

[يثبت الهلال عندنا بأمور]

أقول: يثبت الهلال عندنا بالرؤية، و بالشياع المفيد للعلم أو الاطمينان، بل بالعلم من أي طريق حصل، و بشهادة عدلين إجمالا و إن لم تكن عند الحاكم، و بمضيّ ثلاثين من الشهر السابق، و كذا بحكم الإمام المعصوم بلا إشكال.

و هل يثبت بحكم الحاكم الشرعي غير المعصوم مطلقا، أو لا يثبت مطلقا، أو يفصّل بين ما إذا ثبت له بشاهدين و بين ما إذا ثبت له برؤيته أو بعلمه؟

و على فرض الثبوت فهل يقتصر فيه على الإمام و الوالي الأعظم أو يكفي الفقيه المنصوب من قبله لعمل أو قضاء، أو يكفي في ذلك أيّ فقيه كان و إن لم يكن متصدّيا لعمل أو قضاء؟ في المسألة وجوه.

قال في الحدائق ما ملخّصه:

«قد صرّح جملة من الأصحاب منهم العلّامة و غيره بأنه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم و الفطر حكم الحاكم؛ بل لو رآه عدلان و لم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما و عرف عدالتهما الصوم أو

الفطر ...

و الظاهر أنّ هذا الحكم لا ريب فيه و لا إشكال. و إنما الإشكال في أنّه هل يجب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 594

على المكلف العمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده و حكم به أم لا بدّ من سماعه بنفسه من الشاهدين؟

ظاهر الأصحاب الأوّل بل زاد بعضهم كما سيأتي الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي. و يظهر من بعض أفاضل متأخري المتأخّرين العدم، قال: إنّه لا يجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي هنا، بل إن حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك و إلّا فلا. و ظاهر كلامه إجراء البحث في غير مسألة الرؤية أيضا، حيث قال: فلو ثبت عند الحاكم غصبيّة الماء فلا دليل على أنّه يجب على المكلّف الاجتناب عنه، و كذا لو حكم بأنّه دخل الوقت في زمان معين.» «1» انتهى كلام الحدائق.

أقول: ظاهر إسناده القول الأوّل إلى ظاهر الأصحاب كونه مشهورا عندهم، و لكنّه- قدّس سرّه- بعد التعرّض لأدلّته و المناقشة فيها قال: «المسألة عندي موضع توقّف و إشكال.»

و الفاضل النراقي أيضا تعرّض للمسألة في المستند و تبع الحدائق في الإشكال فيها بل قوّى العدم «2».

و قال الشهيد في الدروس:

«و هل يكفي قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم.» «3»

و ظاهر كلامه عدم الفرق بين أنحاء مستند الحكم فيشمل رؤية الحاكم و علمه أيضا.

و في المدارك:

«هل يكفي قول الحاكم الشرعي وحده في ثبوت الهلال؟ فيه وجهان: أحدهما نعم، و هو خيرة الدروس لعموم ما دلّ على أنّ للحاكم أن يحكم بعلمه، و بأنّه

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 13/ 258.

(2)- مستند الشيعة 2/ 132.

(3)- الدروس/ 77.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 595

لو قامت عنده البيّنة فحكم بذلك وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام، و العلم أقوى من البيّنة، و لأنّ المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين و ما يتحقّق به العدل (العمل. ظ) إلى قوله فيكون مقبولا في جميع الموارد. و يحتمل العدم لإطلاق قوله «ع»: «لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين.» «1»

و ظاهر كلامه المفروغية من الثبوت بحكمه المستند إلى شهادة العدلين.

و في كفاية السبزواري:

«و في قبول قول الحاكم الشرعي وحده في ثبوت الهلال وجهان: أحدهما نعم و هو خيرة الدروس و هو غير بعيد.» «2»

و في كشف الغطاء:

«سادسها: حكم الفقيه المجتهد المأمون بالنسبة إلى مقلّديه سواء حكم برؤية أو بيّنة أو غيرهما.» «3»

و في الجواهر:

«كما أنّ الظاهر ثبوته بحكم الحاكم المستند إلى علمه، لإطلاق ما دلّ على نفوذه و أنّ الرادّ عليه كالرادّ عليهم «ع» من غير فرق بين موضوعات المخاصمات و غيرها كالعدالة و الفسق و الاجتهاد و النسب و نحوها.» «4»

و في العروة الوثقى في بيان طرق ثبوت هلال رمضان و شوال قال:

«السادس: حكم الحاكم الذي لم يعلم خطأه و لا خطأ مستنده.» «5»

و لم يفرق بين كون مستند حكمه البيّنة أو الرؤية أو غيرهما.

و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«لا يشترط في ثبوت الهلال و وجوب الصوم بمقتضاه على الناس حكم الحاكم،

______________________________

(1)- مدارك الاحكام/ 370.

(2)- كفاية الأحكام/ 52.

(3)- كشف الغطاء/ 325.

(4)- جواهر الكلام 16/ 359.

(5)- العروة الوثقى، كتاب الصوم، فصل في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 596

و لكن لو حكم بثبوت الهلال بناء على أيّ طريق في مذهبه وجب الصوم على عموم

المسلمين و لو خالف مذهب البعض منهم، لأنّ حكم الحاكم يرفع الخلاف، و هذا متّفق عليه إلّا عند الشافعية.»

و في ذيل الخط:

«الشافعيّة قالوا: يشترط في تحقيق الهلال و وجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم، فمتى حكم به وجب الصوم على الناس و لو وقع حكمه عن شهادة عدل واحد.» «1»

أقول: ظاهر الصدر رجوع استثناء الشافعيّة إلى الحكم الثاني، أعني حجّية حكم الحاكم، و مقتضاه عدم حجيّته عندهم و لكن بملاحظة الذيل يظهر رجوع الاستثناء إلى الحكم الأوّل، أعني عدم اشتراط حكم الحاكم في الشهادة و نحوها من الأمارات. و على هذا فحجيّة الحكم متّفق عليه عندهم.

فهذه بعض كلمات المتأخّرين و لكن بعد الرجوع إلى عدّة من كتب الفقه من الشيعة و السنّة في باب الصوم نرى أنّ مسألة حجيّة حكم الحاكم و وجوب العمل بحكمه في الهلال غير معنونة في كثير من الكتب و لم يتعرّضوا لها في عرض سائر الأمارات مع كثرة الابتلاء بها في الصوم و الفطر و الحجّ في جميع الأعصار.

نعم، يظهر من فحوى كلماتهم في باب ما يثبت به الهلال أنّ حجّيته كأنها كانت مفروغا عنها عندهم، حيث ذكروا أنّ البيّنة أو العدل الواحد على القول باعتباره هل يعتبران مطلقا لكلّ أحد أو يتوقّف اعتبارهما على حكم الحاكم؟

فأصحابنا و أكثر علماء السنّة اعتبروا البيّنة لكلّ أحد و قالوا إنّه لا يشترط حكم الحاكم في حقّ من قامت عنده، و حكى عن الشافعيّة اعتبار حكمه. و لكن كان المناسب البحث في أصل المسألة أيضا، و كأنّهم تركوا البحث فيها هنا لعدم كون حكم الحاكم في عرض سائر الأمارات بل في طولها و مستندا إلى أحدها أو أنّ محلّ

______________________________

(1)- الفقه على المذاهب الأربعة 1/ 551.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 597

البحث في اختيارات الحاكم و حجيّة حكمه و موارد نفوذه كتاب الإمارة أو القضاء. هذا.

و لكن لا أظنّ كون الاعتذارين مبرّرين لترك عنوان المسألة في باب الصوم من الفقه، فتدبّر.

[هل ينفذ حكم الحاكم في الهلال أم لا؟]
اشارة

و كيف كان فهل ينفذ حكم الحاكم في الهلال أم لا؟ ذكروا في المسألة أقوالا ثالثها التفصيل بين ما إذا استند إلى البيّنة، و بين ما إذا استند إلى رؤية الحاكم و علمه كما مرّ من المدارك.

و استدلّ القائل بعدم الحجّية

كما في المستند «1» بالأصل، و بالأخبار الكثيرة المعلّقة للصوم و الفطر على الرؤية أو الشاهدين أو مضى ثلاثين الظاهرة في الحصر، و بالأخبار الناهية عن اتباع الشكّ و الظنّ في أمر الهلال، و معلوم أنّ حكم الحاكم لا يفيد أزيد من الظنّ.

و يرد على ما ذكر أنّ الأصل لا يقاوم الدليل إن ثبت. و ظهور الأخبار في الحصر ممنوع، و مفهومها من قبيل مفهوم اللقب، و الحصر الظاهر في قول الصادق «ع»: «إنّ عليا كان يقول: لا أجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين» «2»، حصر إضافي في قبال شهادة النساء و شهادة العدل الواحد، كما هو واضح.

و مع قيام الدليل على اعتبار الحكم صارت حجيّته قطعيّة كسائر الأمارات المعتبرة، فلا يشمله ما دلّ على النهي عن اتباع الظنّ.

و لعلّ عدم تعرّض الأخبار هنا له لكونه في طول سائر الأمارات و مستندا إليها.

فالعمدة إقامة الدليل على اعتبار الحكم في المقام و أمثاله.

و استدلّ القائل بالحجيّة

بإطلاق الأخبار الدّالة على وجوب الرجوع

______________________________

(1)- مستند الشيعة 2/ 132.

(2)- الوسائل 7/ 207، الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 598

إلى الفقهاء المستند فقههم إلى أحاديث أهل البيت و قبول حكمهم، كقول الصادق «ع» على ما في المقبولة: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه و علينا ردّ، و الرادّ علينا الرّاد على اللّه.» «1»

و قول صاحب الزمان- عجّل اللّه فرجه- على ما في التوقيع: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه عليهم.» «2»

و أمر الهلال من أظهر الحوادث العامّة الواقعة في جميع الأعصار.

إلى غير ذلك ممّا

دلّ على وجوب الرجوع إلى نوّابهم- عليهم السلام-.

و بصحيحة محمّد بن قيس، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم.» «3»

قال في الحدائق بعد التّعرّض لهذين الدليلين ما ملخّصه:

«و أنت خبير بأن للمناقشة في ذلك مجالا، أمّا المقبولة و نحوها فإنّ المتبادر منها إنّما هو الرجوع فيما يتعلّق بالدعاوى و القضاء بين الخصوم أو الفتوى في الأحكام الشرعية.

و أمّا صحيحة محمّد بن قيس فالظاهر من لفظ الإمام فيها إنّما هو إمام الأصل أو ما هو الأعمّ منه و من أئمّة الجور و خلفاء العامّة المتولّين لأمور المسلمين

نعم، للقائل أن يقول: إذا ثبت ذلك لإمام الأصل ثبت لنائبه لحقّ النيابة، إلّا أنّه لا يخلو أيضا من شوب الإشكال لعدم الوقوف على دليل لهذه الكليّة، و ظهور أفراد كثيرة يختصّ بها الإمام دون نائبه.

و بالجملة فالمسألة عندي موضع توقّف و إشكال لعدم الدليل الواضح في وجوب

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضى، الحديث 1.

(2)- الوسائل 18/ 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9. كذا في كمال الدين ص 484 ط. قم، و لكن لم أجد في الوسائل المطبوع لفظة «عليهم».

(3)- الوسائل 7/ 199، الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 599

الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع.

ثمّ أنت خبير أيضا بأنّ ما ذكروه من العموم أنّه لو ثبت عند الحاكم بالبيّنة

نجاسة الماء و حرمة اللحم و لم يثبت عند المكلّف لعدم سماعه من البيّنة مثلا فإنّ تنجيس الأوّل و تحريم الثاني بالنسبة إليه بناء على وجوب الأخذ عليه بحكم الحاكم ينافي الأخبار الدّالة على أنّ كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر، و كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتّى تعلم الحرام بعينه فتدعه، حيث إنّهم لم يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك و إنّما ذكروا اخبار المالك و شهادة الشاهدين، و على ذلك تدلّ الأخبار أيضا.» «1»

أقول: ما ذكره أخيرا من النقض بمثل نجاسة ماء أو حرمة لحم خاصّ و نحوهما من الموضوعات الجزئيّة الشخصيّة غير وارد، فإنّ أمر الهلال المتوقّف عليه صوم المسلمين وعيدهم و حجّهم و نحو ذلك يكون من الأمور المهمّة العامّة للمسلمين، و ليس أمرا جزئيّا شخصيا بل هو أمر يبتلى به مجتمع المسلمين حينا بعد حين، و كان رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» و الحكّام و القضاة في جميع الأعصار يهتمون به و كان تحقيقه و إثباته من وظائفهم التي يتولّونها، و لم يكن بناء المسلمين على اعتزال كلّ شخص و انفراده بصومه و فطره و وقوفه و إفاضته، بل كانوا يرجعون فيها إلى ولاة الأمر من الحكّام و نوّابهم، كما يشهد بذلك السيرة المستمرة الباقية إلى أعصارنا و الروايات الكثيرة التي يأتي بعضها.

فأمور الحج مثلا كانت مفوّضة إلى أمير الحاجّ المنصوب من قبل الخلفاء لذلك، و ربّما كانوا هم بأنفسهم يتصدّون لها و الناس كانوا متابعين لهم، و لم يعهد أن يتخلّف مسلم عن أمير الحاجّ أو يسأل المسلمون حاكما عن مستند حكمه و أنّه البيّنة أو العلم الشخصيّ

مثلا، و قد تحقّق في محلّه جواز حكم الحاكم بعلمه.

فإذا منع الإمام الصادق «ع» في المقبولة عن الرجوع إلى قضاة الجور لكونهم

______________________________

(1)- الحدائق الناضرة 13/ 259.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 600

طواغيت و جعل الفقيه من شيعته حاكما بدلهم لرفع حاجات الشيعة فيمكن أن يقال بنفوذ حكمه في كلّ ما كان يرجع فيه إلى القضاة في تلك الأعصار و الظروف و منها كان أمر الهلال قطعا كما هو كذلك في أعصارنا. و إذا أرجع صاحب العصر- عجّل اللّه فرجه- شيعته في الحوادث الواقعة لهم إلى رواة حديثهم فأيّ حادثة واقعة أهمّ و أشدّ ابتلاء من أمر الهلال الذي يبتلى به في يوم واحد مجتمع المسلمين؟

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ مورد السؤال في المقبولة هو المنازعات في مثل الدين و الميراث فلا يعمّ مثل الهلال، و قال «ع»: «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه.» و كون حكمه في الهلال هو حكمهم «ع» أوّل الكلام، و لا يمكن إثباته بهذه الرواية، فإن الحكم لا يثبت موضوع نفسه، فتأمّل.

كما أنّ إرادة العموم في الحوادث الواقعة في التوقيع غير معلومة بعد كون الجواب مسبوقا بسؤال غير مذكور، و لعلّ المسؤول عنه كان حوادث خاصّة. و الجواب أيضا مجمل، حيث لا يعلم أنّ الإرجاع هل هو في حكم الحوادث فيدلّ على حجيّة الفتوى أو فصلها و حسمها فيدلّ على نفوذ القضاء أو رفع إجمالها ليشمل المقام.

و يمكن دعوى انصرافها إلى خصوص الحوادث المهمّة التي لا مخلص فيها إلّا حكم الحاكم و ليس المقام منه لإمكان معرفة الهلال بغيره من الرؤية و الشهود و نحوهما. هذا.

و امّا ما ذكره في الحدائق من حمل لفظ الإمام

في الصحيحة على إمام الأصل فهو خلاف الظاهر جدّا يظهر ذلك لمن تتبّع موارد استعمال اللفظ في الأبواب المختلفة من الفقه و الحديث، كما مرّ كثير منها في الباب الثالث من هذا الكتاب، فراجع.

و قد عرفت سابقا أن أنس أذهان أصحابنا بإمامة الأئمة الاثنى عشر «ع» صار موجبا لتوهّم كون اللفظ موضوعا لهم أو منصرفا إليهم، مع أنّ لفظ الإمام وضع للقائد الذي يؤتمّ به في الصلاة أو الجهاد أو الحجّ أو جميع الشؤون العامّة بحقّ كان أو بباطل.

فقد أطلق الإمام الصادق «ع» اللفظ على أمير الحاجّ إسماعيل بن عليّ حين

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 601

سقط هو «ع» من بغلته حين الإفاضة من عرفات فوقف عليه إسماعيل فقال له أبو عبد اللّه «ع»: «سر، فإنّ الإمام لا يقف.» «1»

و في رسالة الحقوق لعليّ بن الحسين «ع»: «و كل سائس إمام.» «2»

و بالجملة فالإمام هو القائد في شأن عامّ أو جميع الشؤون العامّة. و المراد به هنا الحاكم العدل و إن لم يكن معصوما كما يقتضيه إطلاق اللفظ، و إن كانت الأئمّة الاثنا عشر مع ظهورهم أحقّ بهذا المنصب الشريف عندنا.

و قد عرفت بالتفصيل أنّ الإمامة و شئونها داخلة في نسج الإسلام و نظامه و أنّها لا تتعطّل في عصر من الأعصار. و تحقيق الهلال و إثباته و تعيين تكليف المسلمين في صيامهم وعيدهم و وقوفهم من أهمّ الوظائف العامّة.

[موارد تصدّي النبيّ «ص» و الخلفاء لأمر الهلال و تعيين تكليف المسلمين]

و قد تصدّى لأمر الهلال و تعيين تكليف المسلمين النبيّ «ص» في عصره بما أنّه كان حاكما عليهم و كذلك أمير المؤمنين و جميع الخلفاء:

1- ففي سنن أبي داود بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: «جاء أعرابي إلى

النّبيّ «ص» فقال: إنّي رأيت الهلال- قال الحسن في حديثه: يعني رمضان- فقال «ص»: أتشهد أن لا إله إلّا اللّه؟ قال: نعم. قال: أتشهد أنّ محمدا رسول اللّه؟ قال:

نعم. قال «ص»: يا بلال، أذّن في الناس فليصوموا غدا.» «3»

2- و عن عكرمة:

«أنّهم شكّوا في هلال رمضان مرّة فأرادوا أن لا يقوموا و لا يصوموا، فجاء أعرابي من الحرّة فشهد أنّه رأى الهلال، فأتي به النبيّ «ص» فقال: «أتشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّي رسول اللّه؟» قال: نعم، و شهد انّه رأى الهلال، فأمر بلالا فنادى في الناس أن يقوموا و أن يصوموا.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 290، الباب 26 من أبواب آداب السفر.

(2)- الخصال للصدوق/ 565 (الجزء 2)، أبواب الخمسين، الحديث 1.

(3)- سنن أبي داود 1/ 547، كتاب الصيام، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.

(4)- سنن أبي داود 1/ 547، كتاب الصيام، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 602

و الخبران يرجعان إلى خبر واحد، و لعلّ ابن عباس سقط من الثاني.

3- و عن ابن عمر، قال:

«ترائى الناس الهلال فأخبرت رسول اللّه «ص» أنّي رأيته «فصام و أمر الناس بصيامه.» «1»

و لعلّ شهادة الأعرابي أو ابن عمر كانت محفوفة بقرائن خارجيّة توجب الوثوق أو الاطمئنان، مضافا إلى ما للرسول «ص» من العلم و الإحاطة، فلا تنافي هذه الروايات لما دلّ على اعتبار التعدّد في الشاهد.

و التفصيل بين هلال رمضان و هلال شوال بكفاية الواحد في الأوّل دون الثاني كما عن بعض فقهاء السّنّة ممنوع عند المشهور من أصحابنا. و التحقيق موكول إلى محلّه.

4- و عن رجل من أصحاب النبيّ «ص» قال:

«اختلف

الناس في آخر يوم من رمضان فقدم أعرابيان فشهدا عند النّبي «ص» باللّه لأهلّا الهلال أمس عشيّة، فأمر رسول اللّه «ص» الناس أن يفطروا و أن يغدوا إلى مصلّاهم.» «2»

5- و في المحلّى لابن حزم: «روينا من طريق أبي عثمان النهدي، قال: قدم على رسول اللّه «ص» أعرابيان، فقال رسول اللّه «ص» «أ مسلمان أنتما؟ قالا: نعم. فأمر الناس فأفطروا أو صاموا.» «3»

6- و روى ابن ماجة بسنده عن أبي عمير بن أنس بن مالك، قال:

«حدّثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول اللّه «ص» قالوا: «أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النّبيّ «ص» أنّهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول اللّه «ص» أن يفطروا و أن يخرجوا إلى

______________________________

(1)- سنن أبي داود 1/ 547، كتاب الصيام، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان.

(2)- سنن أبي داود 1/ 546، كتاب الصيام، باب شهادة رجلين ...

(3)- المحلّى لابن حزم 3/ 237 (الجزء 6)، المسألة 757.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 603

عيدهم من الغد.» «1»

و روى هذا الخبر بعينه في المصنّف، و فيه:

«فأمر النّبيّ «ص» الناس أن يفطروا من يومهم و أن يخرجوا لعيدهم من الغد.» «2»

7- و في الجواهر عن النّبيّ «ص»:

«أنّ ليلة الشكّ أصبح الناس فجاء أعرابيّ إليه فشهد برؤية الهلال فأمر النّبي «ص» مناديا ينادي من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك.» «3»

و لم أجد الرواية كذلك في كتب السنّة و لكن في صحيح مسلم:

«بعث رسول اللّه «ص» رجلا من أسلم يوم عاشوراء فأمره أن يؤذّن في الناس من كان لم يصم فليصم و من كان أكل فليتمّ صيامه إلى الليل.» «4»

8-

و في الوسائل عن حماد بن عيسى، عن عبد اللّه بن سنان، عن رجل، قال:

«صام عليّ «ع» بالكوفة ثمانية و عشرين يوما شهر رمضان فرأوا الهلال فأمر مناديا ينادي اقضوا يوما فإنّ الشهر تسعة و عشرون يوما.» «5»

9- و في أمّ الشافعي بسنده عن فاطمة بنت الحسين:

«أنّ رجلا شهد عند عليّ «ع» على رؤية هلال رمضان فصام، و أحسبه قال: و أمر الناس أن يصوموا.» «6»

فيظهر من هذه الروايات أنّ رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» كانا يتصدّيان لأمر الهلال و صوم المسلمين وعيدهم، و يحكمان عليهم بالصوم و الفطر بعد ما ثبت الهلال عندهما. و احتمال كون ذلك من خصائص النبيّ «ص» و الأئمة المعصومين «ع» واضح البطلان لمن ثبت له عدم تعطيل الإمامة و شئونهما في عصر

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 1/ 529، كتاب الصيام، الباب 6، الحديث 1653.

(2)- المصنف لعبد الرزاق 4/ 165، كتاب الصيام، باب أصبح الناس صياما و قد رئي الهلال، الحديث 7339.

(3)- الجواهر 16/ 197.

(4)- صحيح مسلم 2/ 798، كتاب الصيام، باب من أكل في عاشوراء ...، الحديث 1135.

(5)- الوسائل 7/ 214، الباب 14 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(6)- الأمّ للشافعي 2/ 80.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 604

الغيبة و عدم جواز إهمال الشرع لهذا الأمر الخطير المبتلى به في جميع الأعصار. و لنا في رسول اللّه «ص» أسوة حسنة فيجب التأسّي به فيما لم يثبت اختصاصه به و كذلك الأئمّة «ع».

10- و مضت صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم.» «1»

11- و

في رواية رفاعة، عن رجل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا با عبد اللّه، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا، و إن أفطرت أفطرنا. فقال: يا غلام، عليّ بالمائدة فأكلت معه و أنا أعلم و اللّه أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّه.» «2»

و كون الإمام- عليه السلام- في ظرف التقيّة لا يوجب حمل قوله «ع»: «ذاك إلى الإمام» على التقيّة، فإنّه كبرى كليّة لم يكن ضرورة في بيانها لو لم تكن حقّا، و الضرورات تتقدّر بقدرها. و قضاؤه «ع» لا ينافي صحّة العبادة المأتي بها عن تقيّة، فإنّ ترك الصوم ليس عملا وجوديّا حتّى يجزي عن الصوم الواجب.

12- و في رواية أخرى قال «ع»: «فدنوت فأكلت، و قلت: الصوم معك و الفطر معك.» «3»

13- و في رواية ثالثة: «ما صومي إلّا بصومك و لا إفطاري إلّا بإفطارك.» «4»

14- و عن الصدوق بإسناده عن عيسى بن أبي منصور أنّه قال: «كنت عند أبي عبد اللّه «ع» في اليوم الذي يشكّ فيه، فقال «ع»: يا غلام، اذهب فانظر أ صام

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 199، الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(2)- الوسائل 7/ 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ...، الحديث 5.

(3)- الوسائل 7/ 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ...، الحديث 4.

(4)- الوسائل 7/ 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ...، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 605

السلطان أم لا. فذهب ثمّ

عاد فقال: لا، فدعا بالغداء فتغدّينا معه.» «1»

و سند الصدوق الى ابن أبي منصور صحيح و هو أيضا ثقة.

و دلالة هذه الأخبار الكثيرة على أنّ أمر الهلال كان بيد الحاكم الإسلامي و أنّه كان من شئون الحكومة واضحة. و الناس كانوا متابعين لها في الصوم و الفطر و الحجّ، فكان للناس رمضان واحد وعيد واحد و موقف واحد و كان نظامها بيد الحاكم دفعا للاختلاف و الهرج و المرج.

و في الجواهر:

«إنّ احتمال العدم مناف لإطلاق الأدلّة و تشكيك فيما يمكن تحصيل الإجماع عليه خصوصا في أمثال هذه الموضوعات العامّة التي هي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكّام، كما لا يخفى على من له خبرة بالشرع و سياسته و بكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة.» «2»

15- و في رواية أبي الجارود قال: «سألت أبا جعفر «ع»: أنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلمّا دخلت على أبي جعفر «ع» و كان بعض أصحابنا يضحّي فقال «ع»: الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحّي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس.» «3»

16- و في كنز العمّال عن الترمذي، عن عائشة:

«الفطر يوم يفطر الناس و الأضحى يوم يضحّي الناس.» «4»

17- و روى الترمذي بسنده عن أبي هريرة أنّ النبيّ «ص» قال: «الصوم يوم تصومون و الفطر يوم تفطرون، و الأضحى يوم تضحّون.»

قال الترمذي:

______________________________

(1)- الوسائل 7/ 94، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ...، الحديث 1.

(2)- الجواهر 16/ 360.

(3)- الوسائل 7/ 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ...، الحديث 7.

(4)- كنز العمال 8/ 489، الباب 1 من كتاب الصوم من قسم الأقوال، الحديث 23763.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية،

ج 2، ص: 606

«فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنّما معنى هذا: الصوم و الفطر مع الجماعة و عظم الناس.» «1»

و هذه الروايات و إن ضعف أكثرها من جهة السند و لكنّ الوثوق و الاطمينان بصدور بعضها مضافا إلى صحّة البعض يكفي لإثبات أن أمر الهلال لم يكن أمرا فرديّا بل كان من الأمور العامّة التي كان الحاكم الإسلامي مصدرا لها و أمرا جماعيّا كان الحاكم نظاما له.

و السيرة المستمرّة أيضا شاهدة على ذلك فكان الحاكم في جميع الأعصار مرجعا للناس في صومهم و فطرهم، و كان أمير الحاجّ المنصوب من قبل الإمام يأمر بالوقوف و الإفاضة، و الناس يتّبعونه.

و قد عدّ الماوردي خمسة تكاليف لأمير الحاجّ فقال:

«أحدها: إشعار الناس بوقت إحرامهم و الخروج إلى مشاعرهم ليكونوا له متّبعين و بأفعاله مقتدين.» و ذكر مثله أبو يعلى «2».

و كان أئمّتنا المعصومون- عليهم السلام- و أصحابهم أيضا في مدّة أكثر من مأتي سنة يحجّون في جماعة الناس، و لم يعهد و لم ينقل تخلّفهم عن الناس في الوقوف و الإفاضة و النحر و سائر الأعمال، و لو كان لبان و نقله المؤرّخون و الأصحاب.

و احتمال اتّفاقهم مع الناس و مع أمير الحاجّ في رؤية الهلال بأنفسهم في جميع هذه السنين بعيد جدّا.

و بذلك يظهر اجتزاء العمل بحكم الحاكم من أهل الخلاف أيضا و لا أقلّ في صورة عدم العلم بالخلاف.

و قد مرّ سابقا أنّ الحجّ لم يكن بدون أمير الحاجّ المنصوب لذلك، المتبوع في جميع المواقف.

و قد عقد المسعودي في آخر مروج الذهب بابا لتسمية من حجّ بالناس من سنة

______________________________

(1)- سنن الترمذي 2/ 102، أبواب الصوم، الباب 11، الحديث 693.

(2)- الأحكام السلطانيّة/ 110، باب

ولاية الحجّ، و الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 112، فصل ولاية الحجّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 607

ثمان من الهجرة إلى سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمائة، فراجع «1».

فروع:
[الأوّل: حكم الحاكم في باب الهلال يعمّ كلّ فقيه واجد للشرائط]

الأوّل: لا يخفى أنّ الدليل على حجيّة حكم الحاكم في باب الهلال إن كان هو المقبولة أو التوقيع الشريف و نحوهما من العمومات فالموضوع فيها هو الفقيه من الشيعة المبتني فقهه على الكتاب و السّنّة و أحاديث الأئمّة «ع»، فيعمّ كلّ فقيه واجد للشرائط سواء تصدّى للإمامة أو القضاء فعلا أو كان منعزلا عنهما.

و أمّا إذا كان الدليل هو الأخبار الخاصّة التي مرّت فالموضوع فيها هو الإمام، و الظاهر منه هو المتصدّي فعلا لمقام الإمامة و زعامة المسلمين. فشمول الحكم لعمّاله في البلاد و للقضاة المنصوبين من قبله محلّ إشكال.

و أشكل من ذلك الفقيه المنعزل عنهما فعلا و إن صلح لهما. اللّهم أن يدّعى ثبوت الولاية الفعلية لكلّ فقيه و أنّ له كلّ ما كان للإمام بمقتضى أدلّة ولاية الفقيه، و لكن نحن ناقشنا في ذلك كما مرّ.

و لكن يمكن أن يقال: نحن نعلم أنّ إبلاغ حكم الخليفة و الإمام الأعظم إلى سائر الأمصار و البلاد في تلك الأعصار لم يكن يتيسّر عادة، فإذا استنبطنا من هذه الروايات و من السيرة المستمرّة إلى اليوم أنّ بناء الشرع كان على توحيد كلمة المسلمين في أمر الهلال و صومهم وعيدهم و مواقف حجّهم فلا محالة يجب أن يتصدّى لذلك في كلّ بلد من ينوب عنه من العمّال و القضاة كما هو المتعارف في أعصارنا في البلاد الإسلاميّة، حيث يتصدّى لأمر الهلال قاضي القضاة في كلّ بلد، و لا سيّما إذا قلنا بأنّه مع اختلاف

الآفاق يكون لكلّ بلد حكم نفسه كما هو المشهور و الأقوى في المسألة.

______________________________

(1)- مروج الذهب 2/ 566.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 608

و المناسب في باب الحجّ تصدّي أمير الحجّاج له و إن لم يكن نفس الإمام، فيجوز بل يجب تصدّيهما له و لا سيّما إذا فوّض الإمام إليهما ذلك بالصراحة.

نعم، في النفس شي ء بالنسبة إلى القضاة و هو أنّ الماوردي و أبا يعلى لم يذكرا ذلك في عداد ما ذكراه من اختيارات القضاة، و لو كان الهلال أمرا مرتبطا بهم في تلك الأعصار كان المناسب تعرّضهما له كما تعرّضا له في ولاية الحج كما مرّ. هذا.

و قد يقال: إنّه يجب على الفقيه كفاية التصدّي له إذا لم يكن الهلال واضحا للناس و اختلفوا فيه، لأنّه من الأمور الحسبيّة التي لا يجوز إهمالها، و لأنّه باب من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و دفع الهرج و المرج. و يجب على الناس أيضا الرجوع إليهم في ذلك، لأنّه من الحوادث الواقعة التي أمروا بالرجوع فيها إلى رواة حديثهم.

أقول: مقتضى ذلك أن يجب مع عدم الفقيه تصدّي عدول المؤمنين له و نفوذ حكمهم فيه، و الظاهر أنّه لا يقول بذلك أحد، فتدبّر.

الثاني: الحكم عبارة عن إنشاء الإلزام بشي ء أو ثبوت أمر،

و لا يتعيّن أن يقع بلفظ: «حكمت» أو غيره من مشتقّات هذه المادّة أو ما يرادفه، بل يكفي فيه قوله:

«اليوم من رمضان أو شوال، أو يجب عليكم صوم اليوم أو الفطر فيه» و نحو ذلك مما هو حكم واقعا و بالحمل الشائع، فاللازم واقع الحكم لا مفهومه. و في كفاية قوله: «ثبت عندي» اشكال اذ ظاهره الخبر لا الانشاء كما لا يخفى.

الثالث: [ليس حكم الحاكم في الهلال و سائر الموضوعات ملحوظا بنحو السّببيّة]

ليس حكم الحاكم في الهلال و في سائر الموضوعات على القول به ملحوظا بنحو السّببيّة في عرض الواقع و مغيّرا له، بل هو طريق شرعي إلى الواقع و حجّة عليه كسائر الأمارات و الطرق، فلا مجال له مع العلم بالواقع سواء أصابه أم أخطأه. نعم، في باب المنازعات يجب التسليم لحكمه ظاهرا على المترافعين حسما

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 609

لمادّة النزاع كما هو واضح.

و كذلك لا مجال للعمل به إذا علم بتقصير الحاكم في مقدّمات حكمه، لسقوطه بالتقصير عن أهليّة الحكم، و لقول الصادق «ع» في المقبولة: «فإذا حكم بحكمنا.» إذ ليس المراد به العلم بكون حكمه حكمهم- عليهم السلام- و إلّا كان وجوب القبول لذلك لا لأنّه حكمه. بل المراد كون حكمه على أساس حكمهم و موازينه بأن يستند إلى الكتاب و السنّة الصحيحة في قبال من يستند إلى الأقيسة و الاستحسانات الظنيّة فلا يصدق ذلك على من قصّر في مبادي حكمه، بل من غفل عنها و لو كان عن قصور، فتدبّر.

الرابع: أنّ فتوى المجتهد حجة في حقّه و حقّ مقلّديه دون سائر المجتهدين.

و أمّا حكمه في الهلال و نحوه على فرض حجيّته فلا ينحصر في حقّ مقلّديه بل يعمّ المجتهدين أيضا إذا أذعنوا باجتهاده و جامعيّته لشرائط الحكم و عدم تقصيره في مباديه.

و كذلك حكمه في المرافعات و لو كانت الشبهة حكميّة مختلفا فيها بين الفقهاء كما إذا اختلفا في منجّزات المريض مثلا و أنّها من الأصل أو من الثلث فترافعا إليه فحكم بالأصل مثلا فيكون حكمه نافذا حتّى في حقّ من يرى أنّها من الثلث، إذ حسم النزاع يقتضي وجوب الأخذ بحكم الحاكم للمترافعين و إن خالف نظر أحدهما اجتهادا أو تقليدا.

و بالجملة فحكم الحاكم نافذ

حتّى في حقّ سائر المجتهدين إذ الإمام «ع» حكم في التوقيع الشريف بكونهم حجّة له- عليه السلام-، و من الواضح أنّه لا يجوز لأحد مخالفة حجّة الإمام- عليه السلام-.

و لدلالة المقبولة على وجوب قبوله و حرمة ردّه و أنّ ردّه ردّهم- عليهم السلام-، و إطلاقه يشمل المجتهد أيضا. و مورد المقبولة هو الشبهة الحكميّة أو الأعمّ، كما لا يخفى على من راجعها.

و لا ينتقض هذا بالفتوى، فإنّ الفتوى ليس إنشاء لحكم بل هو إخبار عمّا فهمه من الكتاب و السنّة فلا يكون حجّة في حقّ من يقدر على الاستنباط منهما، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 610

هذا كلّه مضافا إلى أنّ امام المسلمين و المنصوب من قبله إذا حكم بحكم لتوحيد كلمة المسلمين و حفظ نظامهم كما هو كذلك في أمر الهلال فليس لأحد أن يفارق جماعتهم و يخالف الإمام و الوالي قيد شبر، مجتهدا كان أو مقلّدا، كما كان كذلك في عصر النّبيّ «ص» و في عصر أمير المؤمنين «ع» و إلّا لزم اختلال النظام و الهرج و المرج، و لتفصيل المسألة محلّ آخر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 611

الفصل العاشر في الاحتكار و التسعير

اشارة

لما صارت مسألة احتكار الأمتعة و السلع الضرورية و تسعيرها من أهم مشاكل عصرنا الحاضر و مما بليت بها و بلوازمها و آثارها الحكومات الدارجة، بحيث ربما توشك بسببها على التزلزل و السقوط، و صارت الناحية السياسية فيها تغلب على الناحية الاقتصادية البحتة، كان من المناسب في البحث حول الحكومة الإسلامية التعرض لها، و إن كان محل البحث فيها كتاب التجارة من الفقه، فنقول: فيه جهات من البحث:

الاحتكار
[1]- الاحتكار و الحصار التجاري مشكلة حضارة العصر:

لا يخفى أن الاحتكار ليس أمرا مستحدثا غير معروف في القرون السالفة، بل كان هو في جميع الأعصار مشكلة اجتماعية كبيرة و لا سيما طوال الحروب الواسع

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 612

النطاق، فإنه وليد الحرص و الطمع المجبول عليهما نوع الإنسان. نعم، قد كانت الحكمة في تخمير الإنسان بغريزة الحرص هي أن لا يجمد الإنسان في كسب المعارف و الفضائل و العلوم، و لا يقف فيها عند حدّ خاصّ، بل يجهد دائما في تحصيل العلوم و الفضائل النفسانية و الأعمال الصالحة و الاعتلاء بروحه و نفسه. و لكن الغرائز الأصيلة المقدسة في ذاتها ربما انحرفت عن مسيرها و أهدافها، فأوجب ذلك سقوط الإنسان في المهالك المادية.

و كيف كان، فعملية الاحتكار للسلع و الأمتعة مما يعود تاريخها إلى أولى أعصار حياة الإنسان الاجتماعية و التي كان التبادل التجاري يسود فيها دائما بين أفراد البشر. و كلما اتسعت مجالات التبادل التجاري و تكاملت فنونها كثرت الحكرة و الحصارات الاقتصادية و سرت الى جميع ما يحتاج إليه الإنسان في نفقاته و صناعاته و انتاجاته، فعمت شرورها و كثرت أضرارها.

و قد بلغت سعة مجالاتها في أعصارنا حدا صارت أكبر وسيلة استعمارية تستخدمها الدول الكبرى

المستكبرة ضد الدول و الامم المستضعفة، للضغط عليها و التسلط على سياستها و ثقافتها و ثرواتها.

فيفرض على الرجال العقلاء الملتزمين من العالم الثالث أن يفكروا في حلّ هذه المشكلة التي بليت بها دولهم و أممهم.

و نقول إجمالا: إن الوسيلة الوحيدة لذلك هي التمسك بالإسلام و شرائعه، و توحيد الكلمة تحت لوائه، و قطع العلاقات مع الدول الكبرى الظالمة إلّا بقدر الضرورة. و للتفصيل في ذلك محل آخر.

[2]- مفهوم الاحتكار في اللغة:

قال ابن الأثير في النهاية:

«فيه: «من احتكر طعاما فهو كذا»، أي اشتراه و حبسه ليقلّ فيغلو. و الحكر

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 613

و الحكرة: الاسم منه، و منه الحديث: «انه نهى عن الحكرة»، و منه حديث عثمان: «انه كان يشتري العير حكرة»، أي جملة، و قيل: جزافا. و أصل الحكر:

الجمع و الإمساك ... الحكر بالتحريك: الماء القليل المجتمع، و كذلك القليل من الطعام و اللبن.» «1»

و في لسان العرب:

«الحكر: ادّخار الطعام للتربص. و صاحبه محتكر. ابن سيده: الاحتكار: جمع الطعام و نحوه مما يؤكل و احتباسه انتظار وقت الغلاء به ... و في الحديث: «من احتكر طعاما فهو كذا»، أي اشتراه و حبسه ليقلّ فيغلو. و الحكر و الحكرة: الاسم منه ... و حكره يحكره حكرا: ظلمه و تنقّصه و أساء معاشرته. قال الأزهري:

الحكر: الظلم و التنقص و سوء العشرة. و يقال: فلان يحكر فلانا: إذا أدخل عليه مشقة و مضرة في معاشرته و معايشته ... و الحكر: اللجاجة.» «2»

و في القاموس:

«الحكر: الظلم و إساءة المعاشرة، و الفعل كضرب ... و بالتحريك: ما احتكر، أي احتبس انتظارا لغلائه ... و اللجاجة و الاستبداد بالشي ء ... و الماء المجتمع.» «3»

و في الصحاح:

«احتكار

الطعام: جمعه و حبسه يتربّص به الغلاء و هو الحكرة بالضمّ.» «4»

و في المنجد:

«حكره: أساء عشرته. أدخل عليه مشقة و مضرة في معايشته. ظلمه. تنقصه. حكر حكرا: لجّ ... حكر بالأمر: استبدّ، و منه الاستبداد بحبس البضاعة كي تباع بالكثير. تحكر و احتكر الشي ء: جمعه و احتبسه انتظارا لغلائه فيبيعه بالكثير.» «5»

______________________________

(1)- النهاية 1/ 417.

(2)- لسان العرب 4/ 208.

(3)- القاموس المحيط/ 239.

(4)- الصحاح 2/ 635.

(5)- المنجد/ 146.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 614

أقول: لا يخفى أن المفهوم من كلمات أهل اللغة، أن مفاد الكلمة بحسب أصلها و وضعها هو جمع الشي ء الذي يحتاج إليه الناس، و الاستبداد به و حبسه و منعهم منه، و يلازم ذلك اللجاجة و الظلم و سوء العشرة؛ أو لعل الأصل فيه هو الظلم و سوء العشرة، ثم استعمل في حبس ما يحتاج إليه الناس، لكونه من أظهر مصاديق الظلم.

و كيف كان، فهو بحسب المفهوم، عام لكل ما يحتاج إليه الناس و يكون منعهم منه موجبا للظلم و التنقص، فلا يختص بالطعام. و إضافته إليه في الكلمات من باب المثال لكون الطعام من أظهر الحاجات. هذا.

[3]- مفهوم الاحتكار في كلمات الفقهاء:

و المذكور في كلمات الفقهاء غالبا هو الطعام، أو الأقوات، أو أشياء خاصة:

ففي المقنعة:

«و الحكرة: احتباس الأطعمة مع حاجة أهل البلد إليها و ضيق الأمر عليهم فيها، و ذلك مكروه.» «1»

و في النهاية:

«الاحتكار: هو حبس الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن من البيع.» «2»

و في المختصر النافع- في عداد المعاملات المكروهة-:

«و الاحتكار و هو حبس الأقوات، و قيل: يحرم» «3»

و في الدروس- في عداد المناهي-:

______________________________

(1)- المقنعة/ 96.

(2)- النهاية للشيخ/ 374.

(3)- المختصر النافع/ 120.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 615

«و منه الاحتكار، و هو حبس الغلات الأربع و السمن و الزيت و الملح على الأقرب فيهما توقعا للغلاء، و الأظهر تحريمه مع حاجة الناس إليه.» «1»

و في القواعد:

«و يحرم الاحتكار على رأي، و هو حبس الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الملح بشرطين: الاستبقاء للزيادة، و تعذّر غيره.» «2»

إلى غير ذلك من كلماتهم الواردة بلسان التعريف للاحتكار.

و لكن الظاهر أن الفقهاء لم يكونوا بصدد تعريف اللفظ بحسب وضعه و مفهومه، بل بصدد تعريف ما ثبت عندهم حرمته أو كراهته بالروايات الواردة، حيث إن المذكور في كثير منها- كما سيأتي- أشياء خاصة، أعني الغلات الأربع و السمن و الزيت.

و الحاصل أن كون اللفظ بحسب الوضع اللغوي مختصا بالأشياء الخاصة و كونها مأخوذة في مفهومه بعيد جدا، و كذلك كونه حقيقة شرعية أو متشرعة لها خاصة.

فهو بحسب المفهوم عام و إن فرض كون المحرّم منه بحسب الأدلّة خصوص الأشياء الستة أو السبعة. و سنعود إلى هذا البحث ثانيا، فانتظر.

[4]- هل الاحتكار محرّم أو مكروه؟ و ذكر بعض الكلمات من الفقهاء:

قال العلامة في المختلف:

«اختلف علماؤنا في الاحتكار هل هو محرم أو مكروه؛ قال الصدوق في مقنعه إنه حرام، و به قال ابن البراج و الظاهر من كلام ابن إدريس. و قال الشيخ في

______________________________

(1)- الدروس/ 332، كتاب المكاسب.

(2)- القواعد 1/ 122.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 616

المبسوط و المفيد إنه مكروه، و به قال أبو الصلاح في المكاسب من كتاب الكافي.

و قال في فصل البيع: إنّه حرام. و الأقرب الكراهة. لنا الأصل عدم التحريم، و ما رواه الحلبي ...» «1»

و في مفتاح الكرامة:

«و الاحتكار منهي عنه إجماعا، كما في نهاية الاحكام. و

مراده ما هو أعم من المكروه بقرينة ما بعده، و قد حكم المصنف بأنه حرام وفاقا للمقنع و الفقيه في ظاهره و الهداية للصدوق على ما نسب اليها و الاستبصار و السرائر و التحرير و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و الروضة، و هو قويّ كما في التنقيح و الميسية، و هو المنقول عن القاضي و الحلبي في أحد قوليه و المنتهى ... و القول بالكراهة خيرة المقنعة و النهاية و المبسوط و المراسم و الشرائع و النافع و الإرشاد و المختلف و إيضاح النافع، و هو المنقول عن التقي في القول الآخر.» «2»

أقول: لم أجد كلاما في هذا الباب عن الصدوق في الهداية، و لا تصريحا بالكراهة في النهاية.

نعم، قال في النهاية:

«و يكره بيع الطعام لأنه لا يسلم معه من الاحتكار.» «3» و لكن ليس هذا حكما للاحتكار. هذا.

و لا يتوهّم أن مورد القول بالحرمة هو صورة احتياج الناس إلى الطعام و وجود الضرورة، و مورد القول بالكراهة صورة كثرة المتاع و عدم الضرورة، بل الظاهر أن محطّ القولين معا هو صورة حاجة الناس إلى المتاع و كون الحبس له من ناحية هذا الشخص موجبا للضيق و الشدة عليهم. و أما مع وجود ما يرفع به حاجتهم و عدم وقوعهم في الضيق من ناحية حبس هذا الشخص، فخارج عن مورد القولين هنا

______________________________

(1)- المختلف/ 345.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 4، كتاب المتاجر/ 107.

(3)- النهاية للشيخ/ 368.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 617

و لو قيل بالكراهة لوجه آخر، بل ظاهر بعض الكلمات عدم صدق عنوان الاحتكار حينئذ. فكأنّ اللفظ عندهم أخذ في مفهومه الضيق و الشدة، و قد

عرفت أنه المستفاد من كلمات أهل اللغة أيضا. هذا.

ففي مقنع الصدوق:

«و لا بأس أن يشتري الرجل طعاما فلا يبيعه؛ يلتمس به الفضل إذا كان بالمصر طعام غيره. و إذا لم يكن بالمصر طعام غيره، فليس له إمساكه و عليه بيعه و هو محتكر.» «1»

و في نهاية الشيخ:

«و إنّما يكون الاحتكار إذا كان بالناس حاجة شديدة إلى شي ء منها و لا يوجد في البلد غيره، فأمّا مع وجود أمثاله فلا بأس أن يحبسه صاحبه و يطلب بذلك الفضل.» «2»

و في بيع الكافي لأبي الصلاح:

«و لا يحل لأحد أن يحتكر شيئا من أقوات الناس مع الحاجة الظاهرة إليها.» «3»

و في مهذب ابن البراج- في عداد المكاسب المحظورة- قال:

«و احتكار الغلّات عند عدم الناس لها و حاجتهم الشديدة إليها.» «4»

و في الغنية:

«و لا يجوز الاحتكار في الأقوات مع الحاجة الظاهرة إليها.» «5»

و في السرائر:

«و إنّما يكون الاحتكار منهيا عنه إذا كان بالناس حاجة شديدة إلى شي ء منها (الغلات الأربع و السمن) و لا يوجد في البلد غيره.» «6»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 31.

(2)- النهاية/ 374.

(3)- الكافي/ 360.

(4)- المهذب 1/ 346.

(5)- الجوامع الفقهية/ 528.

(6)- السرائر/ 212.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 618

و قد مرّ عن الدروس قوله:

«و الأظهر تحريمه مع حاجة الناس اليه.» «1»

و عن القواعد قوله:

«بشرطين: الاستبقاء للزيادة، و تعذّر غيره.» «2»

هذه بعض الكلمات ممن ظاهره الحرمة.

و قال في المقنعة:

«و الحكرة احتباس الأطعمة مع حاجة أهل البلد إليها و ضيق الأمر عليهم فيها، و ذلك مكروه.» «3»

و في المبسوط:

«و أما الاحتكار فمكروه في الأقوات إذا أضرّ ذلك بالمسلمين و لا يكون موجودا إلّا عند إنسان بعينه.» «4»

و بالجملة فالظاهر أنّ محطّ القولين للأصحاب كان صورة

الحاجة و الشدة، فراجع و تتبع كلماتهم.

و في الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغني لابن قدامة الحنبلي:

«و الاحتكار حرام لما روى أبو أمامة ... و الاحتكار المحرّم ما جمع ثلاثة شروط:

أحدها: أن يشتري. فلو جلب شيئا أو أدخل عليه من غلّته شيئا فادّخره لم يكن محتكرا. روي ذلك عن الحسن و مالك ... الثاني: أن يكون قوتا. فأما الإدام و العسل و الزيت و علف البهائم فليس احتكاره بمحرّم ... الثالث: أن يضيق على الناس بشرائه، و لا يحصل ذلك إلّا بأمرين:

أحدهما: أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار، كالحرمين و الثغور، قاله أحمد.

فظاهر هذا أن البلاد الواسعة الكبيرة كبغداد و البصرة و مصر و نحوها لا يحرم فيها

______________________________

(1)- الدروس/ 332، كتاب المكاسب.

(2)- القواعد 1/ 122.

(3)- المقنعة/ 96.

(4)- المبسوط 2/ 195.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 619

الاحتكار، لان ذلك لا يؤثر فيها غالبا.

الثاني: أن يكون في حال الضيق، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذووا الأموال فيشترونها و يضيقون على الناس، و أما إن اشتراه في حال الاتساع و الرخص على وجه لا يضيق على أحد لم يحرم.» «1»

أقول: ما قاله من عدم تأثير الاحتكار في البلاد الكبيرة إنما كان من جهة أنّه لم يكن يوجد في تلك الأعصار الشركات الواسعة و الحصارات الاقتصادية العظيمة التي ربما تقبض بأياديها و براثنها الخبيثة جميع المنابع المادية لمنطقة كبيرة بل لمناطق كثيرة و تحكم فيها بما تريد و تستخدمها للضغط على الدول فضلا عن الأمم كما توجد في أعصارنا.

و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية في تفسير الاحتكار:

«هو أن يشتري طعاما في مصر و يمتنع عن بيعه و ذلك يضر بالناس. و

كذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر و ذلك المصر صغير و هذا يضرّ به يكون محتكرا. و إن كان مصرا كبيرا لا يضرّ به لا يكون محتكرا.» «2»

و في موسوعة الفقه الاسلامي- عن الرملي الشافعي، و كذا النووي الشافعي في شرحه لصحيح مسلم-:

«أنه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه و يبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق.» «3»

فأنت ترى أن الضرر و الضيق مأخوذ في الاحتكار المحرم في كلمات فقهاء السنة أيضا.

______________________________

(1)- المغني 4/ 46، كتاب البيع.

(2)- بدائع الصنائع 5/ 129.

(3)- موسوعة الفقه الإسلامي 3/ 195، في الاحتكار.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 620

[5]- أدلّة الطرفين:

استدلّ القائل بالكراهة و عدم الحرمة بالأصل، و بقاعدة تسلط الناس على أموالهم، المعتضدة بنصوص الاتجار و حسن التعيّش و الحزم و التدبير كما في الجواهر، و بالتعبير بالكراهة في صحيحة الحلبي الآتية.

أقول: الأصل و القاعدة لا يقاومان الروايات الآتية، و صحيحة الحلبي يظهر الجواب عنها في محله.

و احتجّ القائلون بالحرمة بالأخبار الكثيرة الواردة من طرق الفريقين الظاهرة في الحرمة بل في شدتها و كونه موجبا للدخول في النار و في عرض بعض المحرمات الكبيرة كالإدمان على الخمر و القيادة و أكل الربا و نحو ذلك، و بما ورد في إجبار المحتكر على البيع و تنكيله و عقوبته.

و الأقوى هو القول الثاني في مفروض البحث، أعني فيما إذا كان الاحتكار موجبا للضيق و الضرر على الناس، بل لعلّه على ما عرفت لا يصدق في غير هذه الصورة إلّا مجازا.

[6]- أخبار الاحتكار على خمس طوائف:
اشارة

فلنتعرّض لأخبار المسألة، و هي بأجمعها خمس طوائف و إن كان بعضها متداخلا كما سيظهر:

الأولى: ما دلت على منعه مطلقا.

الثانية: ما دلت على المنع مطلقا في خصوص الطعام.

الثالثة: ما دلت على المنع بعد الثلاثة أيام في الشدة، و الأربعين في الخصب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 621

الرابعة: ما دلت على التفصيل بين انحصار الطعام في البلد أو قلته، و بين غيره؛ فيختص المنع بالأول.

الخامسة: ما دلت على المنع في أشياء خاصة.

الطائفة الأولى- ما دلت على المنع مطلقا:

1- خبر ابن القداح، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه «ص»: «الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون.» «1»

و في السند سهل بن زياد، و الأمر فيه سهل.

2- ما رواه ورّام بن أبي فراس في كتابه عن النبي «ص» عن جبرئيل، قال:

«اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي، فقلت يا مالك، لمن هذا؟ فقال لثلاثة: المحتكرين، و المدمنين الخمر، و القوّادين.» «2»

3- و عن الفقيه، قال:

«و نهى أمير المؤمنين «ع» عن الحكرة في الأمصار.» «3»

و إسناد النهي إلى أمير المؤمنين «ع» بنحو البتّ و الجزم، يدلّ على ثبوت الرواية عند الصدوق، إذ فرق بين هذا التعبير و بين أن يقول مثلا: «روي عن أمير المؤمنين». و ظاهر النهي مادة و صيغة هو الحرمة.

4- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» إلى مالك الأشتر، قال في شأن التجار:

«و اعلم- مع ذلك- أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، و شحا قبيحا، و احتكارا للمنافع، و تحكما في البياعات، و ذلك باب مضرة للعامة و عيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فإن رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 12/ 314،

الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 11.

(3)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 622

منع منه. و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكّل به و عاقبه في غير إسراف.» «1»

و تقريب الاستدلال أن أمره «ع» بالتنكيل و المعاقبة دليل واضح على الحرمة، لعدم جواز العقوبة على المكروه.

فإن قلت: ظاهر الرواية أن ممنوعية الحكرة ليست بالذات و من قبل اللّه- تعالى- لتكون حرمة فقهية، بل هي من قبل الوالي و من شئون الولاية؛ فهو «ع» أمر مالكا بالمنع منه بولايته كما منع منه رسول اللّه «ص» كذلك. و بعد منع الوالي تصير حراما ولائيا، و لذا قال: «فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه.» و هذا البيان يجري في الرواية السابقة، و كذا اللاحقة أيضا.

قلت: الظاهر أن الحكم الولائي الصادر عن النبي «ص» و كذا عن الأئمة «ع» أيضا يعمّ جميع الأمّة لعموم ولايتهم، اللهم إلّا أن تكون هنا قرينة على الاختصاص. ألا ترى أن أمير المؤمنين «ع» علّل منعه بمنع النبي «ص».

و يظهر للمتتبع في الروايات، أن الأئمة- عليهم السلام- كانوا كثيرا ما يستدلّون في المسائل المختلفة بالأحكام الولائية الصادرة عن النبي «ص»، فولاية النبي «ص» على المؤمنين الثابتة بالآية الشريفة لا تختص بالمؤمنين في عصره فقط. و قوله- تعالى-:

«مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» «2» يعمّ الأمر و النهي الولائيين أيضا، كما أن جعل الإمام الصادق «ع» الحكومة للفقيه في مقبولة عمر بن حنظلة «3» مع كونه حكما ولائيا لا يختص

بعصر الإمام الصادق «ع»، فتأمل.

5- و في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين «ع» أنه كتب إلى رفاعة: «انه عن

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1017، عبده 3/ 110؛ لح/ 438، الكتاب/ 53.

(2)- سورة الحشر (59)، الآية 7.

(3)- الوسائل 18/ 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 623

الحكرة، فمن ركب النهي فأوجعه ثم عاقبه بإظهار ما احتكر.» «1»

و رفاعة هذا قالوا في حقه إنه كان قاضيا من قبل أمير المؤمنين «ع» على الأهواز.

6- و فيه أيضا عنه «ع»: «المحتكر آثم عاص.» «2»

7- و فيه أيضا عن جعفر بن محمد «ع»: «و كلّ حكرة تضرّ بالناس و تغلي السعر عليهم فلا خير فيها» «3»

8- و في الغرر و الدرر للآمدي عن أمير المؤمنين «ع»: «الاحتكار رذيلة.» «4»

9- و فيه أيضا عنه «ع»: «الاحتكار داعية الحرمان.» «5»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 623

10- و فيه أيضا عنه «ع»: «الاحتكار شيمة الفجّار.» «6»

11- و فيه أيضا عنه «ع»: «المحتكر محروم من نعمته» «7»

12- و فيه أيضا عنه «ع»: «كن مقتدرا و لا تكن محتكرا.» «8»

13- و فيه أيضا عنه «ع»: «من طبائع الاغمار إتعاب النفوس في الاحتكار.» «9»

14- و في مستدرك الوسائل، عن الآمدي، عنه «ع»: «المحتكر البخيل جامع لمن لا يشكره، و قادم على من لا يعذره.» «10»

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 2/ 36، كتاب البيوع، الفصل 6، الحديث 80.

(2)- دعائم الإسلام 2/ 35، كتاب البيوع، الفصل 6، الحديث 77.

(3)- دعائم الإسلام

2/ 35، كتاب البيوع، الفصل 6، الحديث 78.

(4)- الغرر و الدرر 1/ 39، الحديث 111.

(5)- الغرر و الدرر 1/ 66، الحديث 255.

(6)- الغرر و الدرر 1/ 160، الحديث 606.

(7)- الغرر و الدرر 1/ 127، الحديث 464.

(8)- الغرر و الدرر 4/ 601، الحديث 7139.

(9)- الغرر و الدرر 6/ 28، الحديث 9349.

(10)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 624

15- و في صحيح مسلم بسنده عن معمر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من احتكر فهو خاطئ.» «1»

و في رواية أخرى عن معمر، عنه «ص»: «لا يحتكر إلا خاطئ» «2»

و رواها الترمذي أيضا بهذا اللفظ، و قال:

«و في الباب عن عمر و علي و أبي أمامة و ابن عمر. حديث معمر حديث حسن صحيح. و العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا احتكار الطعام، و رخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام.» «3»

و رواها ابن ماجة أيضا بهذا اللفظ، و قال محشي الكتاب في ذيل الحديث:

«إلا خاطئ: بمعنى آثم. و المعنى: لا يجتري على هذا الفعل الشنيع إلّا من اعتاد المعصية. ففيه دلالة على أنها معصية عظيمة لا يرتكبها الإنسان أوّلا، و إنما يرتكبها بعد الاعتياد و بالتدريج.» «4»

16- و في مستدرك الحاكم النيسابوري بسنده عنه «ص»: «من احتكر يريد أن يتغالى بها على المسلمين فهو خاطئ و قد برئ منه ذمة اللّه.» «5»

17- و فيه أيضا بسنده عنه «ص»: «المحتكر ملعون.» «6»

18- و فيه أيضا بسنده عن اليسع بن المغيرة، قال: «مرّ رسول اللّه «ص» برجل بالسوق يبيع طعاما بسعر هو أرخص من سعر السوق فقال: تبيع في سوقنا بسعر هو أرخص

من سعرنا؟ قال: نعم. قال: صبرا و احتسابا؟ قال: نعم. قال: أبشر، فإن الجالب إلى

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1227، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات، الحديث 1605.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1228، كتاب المساقاة، باب تحريم الاحتكار في الأقوات.

(3)- سنن الترمذي 2/ 369، كتاب البيوع، باب ما جاء في الاحتكار، الحديث 1285.

(4)- سنن ابن ماجة 2/ 728، كتاب التجارات، باب الحكرة، الحديث 2154.

(5)- مستدرك الحاكم 2/ 12، كتاب البيوع.

(6)- مستدرك الحاكم 2/ 11، كتاب البيوع.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 625

سوقنا كالمجاهد في سبيل اللّه، و المحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب اللّه.» «1»

و المورد و إن كان هو الطعام، و لكن كلام رسول اللّه «ص» عامّ يعمّ الطعام و غيره.

19- و فيه أيضا بسنده عن معقل بن يسار، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «من دخل في شي ء من أسعار المسلمين ليغلي عليهم كان حقا على اللّه أن يقذفه في معظم جهنم رأسه أسفله.» «2»

20- و في كنز العمال عن معاذ:

«بئس العبد المحتكر: إن أرخص اللّه- تعالى- الأسعار حزن، و إن أغلاها اللّه فرح.» «3»

21- و فيه أيضا عن ابن عمر: «من تمنّى على أمّتي الغلاء ليلة واحدة أحبط اللّه عمله أربعين سنة.» «4»

22- و فيه أيضا عن علي «ع»: «نهى عن الحكرة بالبلد.» «5»

23- و فيه أيضا عن صفوان بن سليم: «لا يحتكر إلّا الخوّانون.» «6»

24- و فيه أيضا عن أبي هريرة: «يحشر الحكّارون و قتلة الأنفس إلى جهنم في درجة.» «7»

25- و فيه أيضا: «أيّها الناس، احفظوا: لا تحتكروا و لا تناجشوا و لا تلقّوا السلعة ...» «8»

______________________________

(1)- مستدرك الحاكم 2/ 12، كتاب البيوع.

(2)- مستدرك الحاكم

2/ 12، كتاب البيوع.

(3)- كنز العمال 4/ 97، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9715.

(4)- كنز العمال 4/ 98، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9721.

(5)- كنز العمال 4/ 98، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9724.

(6)- كنز العمال 4/ 101، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9738.

(7)- كنز العمال 4/ 101، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9739.

(8)- كنز العمال 4/ 178، الباب 2 من كتاب البيوع من قسم الأفعال، (باب في أحكام البيع و آدابه و محظوراته)، الحديث 10056.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 626

26- و فيه أيضا عن ابن مسعود: «و يقوم المحتكر مكتوب بين عينيه: يا كافر، تبوّأ مقعدك من النار.» «1»

و ظهور هذه الأخبار الكثيرة في حرمة الاحتكار واضح، بل أكثرها يدل على التشديد فيها. و التشكيك في ذلك تشكيك في أمر بيّن.

الطائفة الثانية- ما دلّت على المنع مطلقا في خصوص الطعام:

1- ما رواه الشيخ بسنده عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه «ع»، قال: «لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ» «2»

و إسماعيل بن أبي زياد هو السكوني. و السند لا بأس به ظاهرا.

2- و روى الصدوق، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ.» «3»

و قد مضت الرواية بدون لفظ الطعام عن مسلم و الترمذي و ابن ماجة. و إسناد الصدوق بنحو الجزم إلى رسول اللّه «ص» يدلّ على ثبوت الرواية عنده.

3- و في مستدرك الوسائل عن دعائم الإسلام، عن رسول اللّه «ص» أنه نهى عن الحكرة، و قال: «لا يحتكر الطعام إلا خاطئ.» «4»

4- و في مستدرك الحاكم بسنده عن أبي

أمامة قال:

«نهى رسول اللّه «ص» أن يحتكر الطعام.» «5»

______________________________

(1)- كنز العمال 16/ 65، الباب 2 من كتاب المواعظ و الحكم من قسم الأقوال، الحديث 43958.

(2)- الوسائل 12/ 315، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 12.

(3)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 8.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

(5)- مستدرك الحاكم 2/ 11، كتاب البيوع.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 627

5- و في مستدرك الوسائل، عن طب النبي، عنه «ص»: «من احتكر على المسلمين طعاما ضربه اللّه بالجذام و الإفلاس.» «1»

6- و في البحار بسنده عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السلام- قال: قال رسول اللّه «ص»: «طرق طائفة من بني إسرائيل ليلا عذاب فأصبحوا و قد فقدوا أربعة أصناف: الطبّالين، و المغنّين، و المحتكرين للطعام، و الصيارفة آكلة الربا منهم.» «2»

و رواه المستدرك عن البحار و الجعفريات مثله «3».

7- و فيه أيضا عن الخصال بسنده عن الثمالي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «إن اللّه- عزّ و جلّ- تطوّل على عباده بالحبّة فسلّط عليها القملة، و لو لا ذلك لخزنتها الملوك كما يخزنون الذهب و الفضة.» «4»

8- و روى ابن حزم في المحلّى بسنده عن أبي الحكم:

«أن علي بن أبي طالب أحرق طعاما احتكر بمائة ألف.» «5»

9- و روى فيه أيضا عن حبيش، قال:

«أحرق لي علي بن أبي طالب «ع» بيادر بالسواد كنت احتكرتها لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة.» «6»

10- و في كنز العمال عن أبي أمامة: «أهل المدائن الحبساء في سبيل اللّه، فلا تحتكروا عليهم الطعام و لا تغلوا عليهم الأسعار

...» «7»

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 9.

(2)- بحار الأنوار 100/ 89 (طبعة إيران 103/ 89)، كتاب العقود و الإيقاعات، باب الاحتكار، الحديث 12.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(4)- بحار الأنوار 100/ 87 (طبعة إيران 103/ 87)، كتاب العقود و الإيقاعات، باب الاحتكار، الحديث 3.

(5)- المحلّى 6/ 65 (الجزء 9)، المسألة 1567.

(6)- المحلّى 6/ 65 (الجزء 9)، المسألة 1567.

(7)- كنز العمال 4/ 100، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9734.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 628

و ظهور هذه الأخبار في الحرمة أيضا واضح.

و هل تعارض هذه الروايات للطائفة الأولى المطلقة فتحمل الأولى عليها حمل المطلق على المقيد، أو يكون ذكر الطعام في هذه الروايات من باب الغلبة، حيث إن الطعام من أظهر ما يحتاج إليه الإنسان و من أظهر ما شاع فيه الحبس و يكون حبسه موجبا للضيق و الشدة المأخوذين في مفهوم الحكرة؟ و إن شئت قلت: إن المفهوم في هذه الروايات من قبيل مفهوم اللقب و لا حجية له؟ وجهان. و لعل الثاني هو الأظهر.

و حمل المطلق على المقيد إنما يكون مع إحراز وحدة الحكم؛ كما في قوله: «إن ظاهرت فأعتق رقبة»، و قوله: «إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة»، حيث إنه بسبب وحدة السبب يحرز وحدة الحكم، و ليس المقام كذلك لاحتمال حرمة الاحتكار مطلقا، و شدّة الحرمة في مثل الطعام لكون الاحتياج فيه أظهر. هذا مع قطع النظر عن سائر الطوائف من الأخبار الناهية الآتية.

ثم إنه هل يراد بالطعام مطلق ما يطعم من الأقوات و الأغذية، فيعم جميع الغلات الأربع و

غيرها من الأرز و الذرة و نحوهما، أو يراد به خصوص الحنطة، لعدّها من معانيه في اللغة و لاستعماله فيها في بعض الأخبار؟ وجهان:

قال ابن الأثير في النهاية:

«الطعام عامّ في كل ما يقتات من الحنطة و الشعير و التمر و غير ذلك ... و في حديث أبي سعيد: كنّا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير، قيل: أراد به البرّ ... و قال الخليل: إنّ العالي في كلام العرب أن الطعام هو البرّ خاصة.» «1»

أقول: و فسّر الطعام المذكور في قوله- تعالى-: «وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ» «2» في أخبارنا بالحبوب و البقول و بالعدس و الحمص و غير ذلك، فراجع

______________________________

(1)- النهاية 3/ 126.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 629

الوسائل «1».

الطائفة الثالثة- ما دلت على المنع بعد الثلاثة، أو بعد الأربعين يوما:

1- ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في الشدة و البلاء ثلاثة أيام. فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه ملعون.» «2»

و السند لا بأس به. و ظاهر الحديث جواز الحكرة في الأربعين و في الثلاثة و المنع بعدهما، فيكون للعددين موضوعية و بظاهره أفتى الشيخ:

قال في النهاية:

«و حدّ الاحتكار في الغلاء و قلّة الأطعمة ثلاثة أيام، و في الرخص و حال السعة أربعون يوما.» «3»

و قال في المختلف:

«قال الشيخ: حدّ الاحتكار في الغلاء و قلّة الأطعمة ثلاثة أيّام، و في الرخص و حال السعة أربعون يوما. و تبعه ابن البراج.» «4»

أقول: يشكل الالتزام بموضوعية الأربعين و الثلاثة شرعا و لو بنحو الأمارة الشرعية المجعولة، بل الظاهر أن

التحديد بهما كان بلحاظ الأعمّ الأغلب. فإن الإنسان و لو في الشدة يتمكن غالبا من تهيئة القوت لثلاثة أيام، فلا يصدق الاحتكار المضرّ إلّا بعد هذه المدة. كما أنه لو تحقق حبس الأقوات أربعين يوما فلا محالة

______________________________

(1)- الوسائل 16/ 380- 382، الباب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة من كتاب الأطعمة و الأشربة.

(2)- الوسائل 12/ 312، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(3)- النهاية للشيخ/ 374.

(4)- المختلف/ 346.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 630

يتحقق الضيق و الغلاء للأكثر و لو في حال الخصب. فالملاك في الاحتكار المحرم هو وقوع الناس بسببه في الضيق و الشدة.

قال الشهيد في شرح اللمعة:

«و لا يتقيد بثلاثة أيام في الغلاء، و أربعين في الرخص. و ما روي من التحديد بذلك محمول على حصول الحاجة في ذلك الوقت، لأنه مظنتها.» «1» هذا.

و بهذا البيان يجاب عمّا قد يراد من التمسك بهذه الرواية و أمثالها لنفي حرمة الاحتكار بتقريب أن الزائد على أربعين في الخصب لا يكون حراما قطعا لعدم الضيق و الشدة و مع ذلك وقع اللعن فيه، فيعلم بذلك اجتماع اللعن مع الكراهة أيضا؛ فلا يكون اللعن لما بعد الثلاثة أيضا دليلا على الحرمة.

2- ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد، عن موسى بن جعفر «ع»، عن النبي «ص»، و فيه: «و أما الحنّاط فإنه يحتكر الطعام على أمّتي. و لأن يلقى اللّه العبد سارقا أحبّ إليّ من أن يلقاه قد احتكر الطعام أربعين يوما.» «2»

3- رواية أبي مريم، عن أبي جعفر «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «أيّما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن

كفارة لما صنع.» «3»

4- و في البحار من كتاب الأعمال المانعة من الجنة بسنده، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من احتكر فوق أربعين يوما فإن الجنة توجد ريحها من مسيرة خمسمائة عام و إنه لحرام عليه.» «4»

5- و في مستدرك الوسائل عن طب النبي، عنه «ص» قال: «من حبس طعاما يتربّص به الغلاء أربعين يوما فقد برئ من اللّه و برئ منه.» «5»

______________________________

(1)- الروضة البهية 3/ 299.

(2)- الوسائل 12/ 98، الباب 21 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.

(3)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 6.

(4)- بحار الأنوار 100/ 89 (طبعة إيران 103/ 89)، كتاب العقود و الإيقاعات، باب الاحتكار، الحديث 11.

(5)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 631

6- و في مستدرك الحاكم النيسابوري بسنده، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من اللّه و برئ اللّه منه. و أيّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمّة اللّه.» «1»

7- و في كنز العمال عن معاذ: «من احتكر طعاما على أمّتي أربعين يوما و تصدق به لم تقبل منه.» «2» و روى نحوه عن أنس «3».

و قد عرفت وجه التقييد بالأربعين و أنه بحسب الأغلبية.

و ظهور هذه الأخبار في الحرمة أيضا واضح. و استفاضتها توجب الوثوق بصدور بعضها، مضافا إلى اعتبار خبر السكوني عندنا.

الطائفة الرابعة- ما دلت على التفصيل بين وجود الطعام في البلد و عدمه:
اشارة

1- صحيحة سالم الحنّاط، قال: قال لي أبو عبد اللّه «ع»: ما عملك؟ قلت:

حنّاط، و ربما قدمت على نفاق، و ربما قدمت على كساد فحبست. قال: فما يقول من قبلك فيه؟

قلت: يقولون: محتكر. فقال «ع»: يبيعه أحد غيرك؟ قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزء. قال: لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كلّه، فمرّ عليه النبي «ص» فقال: «يا حكيم بن حزام، إيّاك أن تحتكر.» «4»

و السند صحيح، و قوله «ص»: «إياك أن تحتكر» ظاهر في التحذير بوجه شديد، فيلازم الحرمة. و مجرد وجود هذا النحو من التعبير في المكروهات المؤكدة أيضا لا يجوّز

______________________________

(1)- مستدرك الحاكم 12/ 11، كتاب البيوع.

(2)- كنز العمال 4/ 97، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9720.

(3)- كنز العمال 4/ 99- 100، الباب 3 من كتاب البيوع من قسم الأقوال، الحديث 9733 و 9735.

(4)- الوسائل 12/ 316، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 632

رفع اليد عن ظاهره ما لم يثبت الترخيص. نظير ما ذكروه في باب الأوامر و النواهي من وجوب حملهما على الوجوب و الحرمة و إن شاع استعمالهما في الندب و الكراهة أيضا. و قوله «ع»: «يبيعه أحد غيرك»، لا يراد به بيع واحد و لو لم يكن بقدر الكفاية، بل المراد أن يبيع غيره بقدر الكفاية بحيث لا يكون حبسه موجبا للضيق و الشدة.

و قوله «ع»: «لا بأس»، ظاهره نفي الكراهة أيضا، فيحمل على نفيها من حيث الاحتكار، و إلّا فكون الكسب بيع الطعام عدّ بنفسه من المكروهات، لكونه مظنّة للاحتكار، فراجع «1».

و يظهر من هذه الصحيحة أن الاحتكار المضر المنهي عنه هو الذي يصدر من قبل الأفراد أو الشركات التجارية التي تقدم على الحصار الاقتصادي بحيث

يستقر جميع المتاع في قبضتهم و يعاملون معه كيف ما شاءوا كما هو المعمول في عصرنا في الدول الكبرى الرأسمالية. و أمّا بائع الجزء الذي لا يوجب حبسه تأثيرا عميقا في السوق بحيث يستعقب فقد المتاع فلا يكون محتكرا.

2- ما رواه الكليني بسنده عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«نفد الطعام على عهد رسول اللّه «ص» فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه، قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء إلّا عند فلان، فمره ببيعه. قال: فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: يا فلان، إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلّا شي ء عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه». و رواه الشيخ أيضا إلّا أنه قال: «فقد»، مكان «نفد» في المواضع الثلاثة «2».

و لا كلام في رجال السند إلّا في حذيفة و محمد بن سنان. و الظاهر أن الأمر فيهما سهل و ليسا في حدّ الضعف الموجب لطرح الرواية بالكلية. و لعل فلان في الحديث كان هو حكيم بن حزام المذكور في الصحيحة السابقة.

و أمره «ص» بإخراج الطعام و بيعه، و نهيه عن حبسه يحتمل أن يكون حكما إلهيا فقهيا و الأمر و النهي منه «ص» إرشاديا، و أن يكون حكما ولائيا مولويا صدر

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 97، الباب 21 من أبواب ما يكتسب به.

(2)- الوسائل 12/ 316، الباب 29 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 633

عنه «ص» بما أنه كان واليا على الأمّة.

و كيف كان، فظاهر الأمر الوجوب، و يجب على الأمّة الأخذ به، و لا يختص بزمانه «ص» و لو على الاحتمال الثاني، فإنه «ص» وليّ

المؤمنين و أولى بهم إلى يوم القيامة. و مقتضى وجوب البيع حرمة الحبس و الاحتكار، مضافا إلى التصريح به.

3- و روى الكليني بسند صحيح عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

سألته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به، هل يصلح ذلك؟ قال: «إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به. و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام.» و رواه الشيخ أيضا عنه «1».

و لفظ الكراهة بحسب اللغة، و اصطلاح الكتاب و السنة أعم من الحرمة و الكراهة المصطلحة عند الفقهاء. بل لعل ظهورها في الحرمة كان أقوى، كما هو ظاهر لمن تتبع موارد استعمال اللفظ في الكتاب و السنة، كقوله- تعالى-: «وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيٰانَ،» «2» و قوله في سورة الإسراء- بعد النهي عن مثل الزنا، و قتل الأولاد، و أكل مال اليتيم و نحو ذلك-: «كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً.» «3» و نحو ذلك.

و حينئذ فإذا دلّ دليل على كون عمل مكروها للشارع المقدّس فلا يجوز ارتكابه إلّا إذا ورد دليل على الترخيص فيه. نظير ما ذكروه في باب النهي. و حيث إنه «ع» نفى البأس في الجملة الأولى، و الجملة الثانية تكون بيانا لمفهوم الأولى، صار قوله: «فإنه يكره» بمنزلة أن يقول: «فيه بأس» و ظاهره الحرمة أيضا، فتأمل.

هذا، مضافا إلى أن ترك الناس بلا طعام مما يحكم العقل بقبحه، و الحكم بجوازه بعيد من مذاق الشرع جدّا. فكأنّ الإمام «ع» ذكر الجملة للتعليل بأمر ارتكازي يدركه العقل، فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(2)- سورة الحجرات (49)،

الآية 7.

(3)- سورة الإسراء (17)، الآية 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 634

و كيف كان، فلا ظهور للصحيحة في الكراهة المصطلحة بنحو يرفع به اليد عن ظهور الروايات الكثيرة التي مرّت في الحرمة الشديدة.

4- و روى الصدوق بسنده عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل عن الحكرة فقال: «إنّما الحكرة أن تشتري طعاما ليس في المصر غيره فتحتكره. فإن كان في المصر طعام أو متاع (أو بيّاع- كا.) غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل.» «1»

و روى الكليني نحوه و زاد: «قال: و سألته عن الزبيب فقال: إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه» و رواه الشيخ أيضا مع الزيادة «2».

و السند صحيح لا ريب فيه. و يشبه كون هذا الحديث عين الصحيحة السابقة نقلت بالمعنى بتقديم و تأخير، كما يشهد بذلك اتحاد الراوي، و المروي عنه، و المضمون.

5- و في المستدرك عن دعائم الإسلام، عن أبي عبد اللّه «ع»، أنه قال:

«إنما الحكرة أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره. فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره، أو كان كثيرا يجد الناس ما يشترون فلا بأس به. و إن لم يوجد فإنه يكره أن يحتكر.

و إنما النهي من رسول اللّه «ص» عن الحكرة أن رجلا من قريش يقال له حكيم بن حزام كان إذا دخل المدينة طعام، اشتراه كلّه فمرّ عليه النبي «ص» فقال له: «يا حكيم، إيّاك و أن تحتكر.» «3»

أقول: قوله: «و إنما النهي» عقيب قوله: «فإنه يكره» يمكن أن يستشهد به على إرادة الحرمة من قوله: «يكره»، كما لا يخفى.

فإلى هنا ذكرنا أربع طوائف من أخبار الباب، و بعضها و إن كان قاصرا

سندا أو دلالة إلّا أنه يوجد فيها ما يتم فيهما. مضافا إلى أن كثرتها توجب العلم بصدور

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 12/ 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2، الكافي 5/ 165، كتاب المعيشة، باب الحكرة، الحديث 3.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 22 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2؛ عن الدعائم 2/ 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 635

بعضها إجمالا. و دلالة الأكثر بل الجميع على الحرمة تامة.

الجمع بين الطوائف الأربع:

لا يخفى أن المستفاد من الطائفة الرابعة من أخبار الباب هو أن الحكرة المنهي عنها إنما هي فيما إذا لم يكن في البلد طعام أو متاع بقدر الكفاية بحيث يكون حبسه موجبا لأن يبقى الناس بلا طعام. بل الظاهر من بعضها أن الحكرة لا تصدق إلّا في هذه الصورة. و يشهد لذلك ما مرّت إليه الإشارة من كون الأصل في الكلمة هو الضرر و الظلم و التنقيص و سوء العشرة و نحو ذلك.

و بهذه الطائفة من الأخبار المصرّحة بالتفصيل تفسّر الأخبار السابقة من الطوائف الثلاث و إن كانت بصورة الإطلاق.

قال الشيخ في الاستبصار بعد نقل الأخبار العامّة:

«هذه الأخبار عامة في النهي عن الاحتكار على كل حال، و قد روي أن المحظور من ذلك هو أنه إذا لم يكن في البلد طعام غير الذي عند المحتكر و يكون واحدا فإنه يلزمه إخراجه و بيعه بما يرزقه اللّه، كما فعل النبي «ص». و ينبغي أن نحمل هذه الأخبار المطلقة على هذه المقيدة.» ثم ذكر صحيحتي الحلبي و صحيحة الحناط «1». هذا.

و قد عرفت منّا أن محطّ القولين من الحرمة و الكراهة أيضا

هو هذه الصورة.

و عرفت أيضا أن ظاهر الأخبار هو الحرمة بل ظاهر كثير منها التشديد فيها و كونه موجبا للدخول في النار و في عرض المحرمات الكبيرة من قبيل الإدمان على الخمر و القيادة و نحوهما.

هذا، مضافا إلى أنه لو لم يكن محرما لم يكن وجه لعقوبة فاعله و إجباره على البيع

______________________________

(1)- الاستبصار 3/ 115، باب النهي عن الاحتكار.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 636

من قبل الحاكم.

كيف؟! و هل يمكن القول برضا الشارع بعمل يوجب الضرر و الضيق على الناس؟ فمناسبة الحكم و الموضوع أيضا تقتضي القول بالحرمة. هذا.

كلام صاحب الجواهر:

و لكن صاحب الجواهر أفتى بالكراهة وفاقا للمحقق في الشرائع، و ذكر الأخبار و حملها على الكراهة، بل قال ما حاصله:

«أنها كادت تكون صريحة في الكراهة، ضرورة كون اللسان لسانها و التأدية تأديتها، و لذا صرّح بها في صحيحة الحلبي، بل ربما أشعر بذلك أيضا التقييد بالأمصار، إذ لا فرق على الحرمة بين المصر و غيره، و إنما يختلف بذلك شدة و ضعفا على الكراهة. و كذلك التفصيل بالأربعين و الثلاثة و غير ذلك من أمارات الكراهة.

و موضوع البحث حبس الطعام انتظارا لعلوّ السعر على حسب غيره من أجناس التجارة، لا مع قصد الإضرار بالمسلمين، و لو شراء جميع الطعام فيسعّره عليهم بما يشاء، أو لأجل صيرورة الغلاء بالناس بسبب ما يفعله، أو لإطباق المعظم على الاحتكار على وجه يحصل الغلاء و الإضرار على وجه ينافي سياسة الناس، أو لغير ذلك من المقاصد التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه، مما هو معلوم الحرمة لأمر خارجي.» «1»

أقول: لم يظهر لي أن ما دل على كون المحتكرين و المدمنين على الخمر

و القوّادين في واد من جهنم يغلي، و ما دل على حرمة ريح الجنة على المحتكر، و ما ورد في لعنه و الأمر بتنكيله و عقوبته و إجباره على البيع و كونه أبغض عند اللّه من السارق و نحو

______________________________

(1)- الجواهر 22/ 480.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 637

ذلك كيف يكون لسانها لسان الكراهة و صريحا فيها؟ و التعبير بالكراهة في صحيح الحلبي مرّ الجواب عنه.

و كأنّ صاحب الجواهر جعل محطّ البحث غير ما هو مورده عند الأصحاب و في أخبار الباب بعد حمل بعضها على بعض.

إذ قد عرفت أن محطّ بحث الفقهاء في المسألة، و مورد القولين فيها هو صورة كون الاحتكار موجبا للضرر و الضيق، بل لعلّ اللفظ لا يصدق بحسب مفهومه- على ما استفدناه من اللغة- في غير هذه الصورة. و المستفاد من الأخبار أيضا بعد جمعها و حمل بعضها على بعض حرمة هذه الصورة، كما عرفت.

و التحديد بالثلاثة و بالأربعين يكون بحسب الأعم الأغلب، فإن الشدة و الضيق يحصلان غالبا بعدهما. و ذكر الأمصار أيضا يكون بهذا اللحاظ، فإن الفقدان للأقوات و القحط كانا في الأمصار غالبا.

نعم، لقائل أن يقول: إن النزاع بيننا و بين صاحب الجواهر نزاع لفظي، فإن الصورة التي نحكم فيها بالحرمة، هو أيضا يقول فيها بالحرمة و لكن لا بعنوان الاحتكار بل بعنوان الظلم و الإضرار و نحوهما، فتدبر.

أقسام حبس المتاع:
اشارة

لا يخفى أن حبس المتاع على أقسام:

الأول: أن يكون حبس هذا الشخص، أو حبسه و حبس أمثاله موجبا لفقد المتاع

أو قلّته في السوق، بحيث يقع الناس في ضيق و شدة.

و هذا هو القدر المتيقن من الحكرة و يكون موردا للنهي في صحيحتي الحلبي و الحنّاط و غيرهما من الأخبار. و الظاهر حرمته بمقتضى الأخبار بل بحكم العقل.

سواء وقع الحبس بقصد الإضرار و التضييق أم لا. فالملاك نفس تحقق الضيق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 638

و لعلّ تشخيص كون الحبس من هذا القبيل يكون من وظائف الحاكم المحيط بأوضاع البلد و احتياجات أهله، و لذا أمر أمير المؤمنين «ع» مالكا و رفاعة بالمنع و النهي عنه و تنكيل المرتكب و معاقبته.

الثاني: أن يحصل بحبسه و حبس أمثاله ترقي القيمة السوقية للمتاع

و لكن لا بنحو يقع الناس في الضيق و الشدة، إذ يوجد من يعرض المتاع كثيرا بقدر الحاجة، و يكون الترقي بنحو يتحمل عادة.

و شمول أدلة النهي لهذه الصورة مشكل بل ممنوع، و لا سيما إذا لم نقل بجواز التسعير على المالك، بل لعلّ المستفاد من إطلاق الصحيحتين و نحوهما عدم الحرمة في هذه الصورة.

نعم، قد يقال: إن ما دل على اللعن بعد الأربعين في الخصب يدل على الحرمة بعد الأربعين مطلقا، فيشمل المقام أيضا، و لكنه مشكل لقوة احتمال كون ذكر الثلاثة و الأربعين بلحاظ الأعم الأغلب، كما مر.

الثالث: أن يكون الحبس لانتظار النفاق و الرواج.

فإن الأمتعة حين حصادها و ورودها في السوق من جميع النواحي ربما تواجه الكساد و نزول القيمة، فربما تحبس للأزمنة الآتية فرارا من الكساد. و التجار كما يراعون في تجاراتهم أسعار الأمكنة و البلدان المختلفة و رغباتها يراعون أسعار الأزمنة و رغباتها أيضا، و كلما احتاج الناس إلى الأمتعة عرضوها بأسعار عادلة.

و لا يخفى أن هذه تجارة مربحة مرغّب فيها شرعا، و لا يصدق على هذا النحو من الحبس مفهوم الحكرة أصلا.

الرابع: أن يكون حبسه لادّخار قوت سنته؛ له و لعياله،

لا للبيع و التجارة.

و قد تعارف ادّخار الناس لقوت سنتهم و إن صار إقدام الكثير منهم لهذا الأمر موجبا لرواج المتاع و ترقي قيمته قهرا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 639

و هذا أيضا مما لا إشكال فيه، بل يظهر من الروايات استحبابه:

ففي رواية ابن بكير، عن أبي الحسن «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت.»

و في رواية معمر بن خلّاد أنه سأل أبا الحسن الرضا «ع» عن حبس الطعام سنة فقال: أنا أفعله. يعني بذلك إحراز القوت.

و في رواية أخرى عن الرضا «ع» أنه سمعه يقول: كان أبو جعفر و أبو عبد اللّه «ع» لا يشتريان عقدة حتى يدخلا طعام السنة، و قالا: «إن الانسان إذا أدخل طعام سنة خفّ ظهره و استراح.» إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع «1».

الطائفة الخامسة- ما دلت على أن الحكرة المنهي عنها إنما هي في أمور خاصة:

1- ما رواه المشايخ الثلاثة عن غياث، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن.» و رواه الصدوق بإسناده عن غياث بن ابراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه إلا أنه قال: «و الزبيب و السمن و الزيت.» «2»

و سند الكليني و الشيخ الى غياث، صحيح. و غياث بن إبراهيم وثقه النجاشي «3» و بعض آخر و إن اختلف في مذهبه، و الأكثر على أنه بتريّ. «4»

2- ما رواه في الخصال بسنده عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه «ع» عن النبي «ص»، قال: «الحكرة في ستة أشياء: في الحنطة و الشعير و التمر و الزيت و السمن

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 320، الباب 31 من أبواب آداب التجارة.

(2)- الوسائل 12/ 313، الباب

27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

(3)- رجال النجاشي/ 215 (طبعة أخرى 305). و تنقيح المقال 2/ 366.

(4)- رجال النجاشي/ 215 (طبعة أخرى 305). و تنقيح المقال 2/ 366.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 640

و الزبيب.» «1»

و سند الرواية هكذا: «حمزة بن محمد العلوي، عن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني». و حمزة بن محمد و إن لم يوثق في كتب الرجال و لكن ربما يقال إن كثرة رواية الصدوق عنه مترضيا عليه تدلّ على مدحه، و بقية السند لا بأس بها.

3- ما رواه الحميري في قرب الإسناد عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا «ع» كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، فقال: «ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن.» «2»

و أبو البختري، هو وهب بن وهب. و قالوا في حقه:

«إنه ضعيف عامي المذهب و كان كذّابا.» «3»

4- و في مستدرك الوسائل عن دعائم الإسلام عن عليّ «ع»: «ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و الزبيب و الزيت و التمر.» «4»

5- و فيه أيضا عن طب النبي، قال «ص»: «الاحتكار في عشرة، و المحتكر ملعون: البر و الشعير و التمر و الزبيب و الذرة و السمن و العسل و الجبن و الجوز و الزيت.» «5»

هذه هي الأخبار الحاصرة للحكرة المنهي عنها في أشياء خاصة.

و لا يوجد في هذه الروايات الخمس صحيح أعلائي أصلا، و لا يوجد في الكتب الأربعة إلّا واحدة منها. فمن حصر الحجية بالصحيح الأعلائي كصاحبي المعالم و المدارك يشكل له الأخذ بها. و من حصرها على الكتب الأربعة يشكل

له الأخذ بغير خبر غياث.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 7.

(3)- راجع تنقيح المقال 3/ 281.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 5.

(5)- مستدرك الوسائل 2/ 468، الباب 21 من أبواب آداب التجارة، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 641

[مدار الفتوى هو الحصر في الأشياء الخاصة]

و كيف كان، بعد الأخذ بهذه الروايات فالذي تقتضيه الصناعة الفقهية في بادئ الأمر هو تحكيمها على المطلقات السابقة و حمل المطلقات السابقة عليها.

و الذي عليه مدار الفتوى لأكثر أصحابنا أيضا، هو الحصر في الأشياء الخاصة أو في الأطعمة أو الأقوات. و صرّح كثير منهم بعدم جريان الحكرة في غيرها:

ففي النهاية:

«الاحتكار هو حبس الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن من البيع. و لا يكون الاحتكار في شي ء سوى هذه الأجناس.» «1»

و في المبسوط:

«و أما الاحتكار فمكروه في الأقوات إذا أضرّ ذلك بالمسلمين ... و الأقوات التي يكون فيها الاحتكار: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الملح و السمن.» «2»

و في الوسيلة لابن حمزة:

«الاحتكار يدخل في ستة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الملح.

و لا احتكار مع فقد الحاجة.» «3»

و في السرائر:

«و نهى عن الاحتكار. و الاحتكار عند أصحابنا هو حبس الحنطة و الشعير و التمر.

و الزبيب و السمن من البيع. و لا يكون الاحتكار المنهي عنه في شي ء من الأقوات سوى هذه الأجناس.» «4»

و في الشرائع:

«و إنما يكون في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن، و قيل: و في الملح.» «5» و مثله في

______________________________

(1)-

النهاية للشيخ/ 374.

(2)- المبسوط 2/ 195.

(3)- الجوامع الفقهية/ 745.

(4)- السرائر/ 212.

(5)- الشرائع 2/ 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 642

المختصر النافع «1»

و في القواعد:

«و هو حبس الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الملح.» «2»

و مثله في المنتهى إلا أنّه قال: «و قيل: و الملح.» «3»

و في التذكرة مثل ما في القواعد، ثم قال:

«و تحريم الاحتكار مختص بالأقوات، منها التمر و الزبيب، و لا يعمّ جميع الأطعمة، قاله الشافعي.» «4»

و في الدروس:

«و هو حبس الغلات الأربع و السمن و الزيت و الملح على الأقرب فيهما.» «5»

و في اللمعة:

«ترك الحكرة في سبعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت و الملح.» «6»

هذا.

و في المقنعة:

«و الحكرة: احتباس الأطعمة مع حاجة أهل البلد إليها و ضيق الأمر عليهم فيها.» «7»

و في الكافي لأبي الصلاح:

«و لا يحل لأحد أن يحتكر شيئا من أقوات الناس مع الحاجة الظاهرة إليها.» «8»

و في الغنية:

«و لا يجوز الاحتكار في الأقوات مع الحاجة الظاهرة إليها.» «9»

______________________________

(1)- المختصر النافع/ 120.

(2)- القواعد 1/ 122.

(3)- المنتهى 2/ 1007.

(4)- التذكرة 1/ 585.

(5)- الدروس/ 332، كتاب المكاسب.

(6)- اللمعة الدمشقية 3/ 298.

(7)- المقنعة/ 96.

(8)- الكافي/ 360.

(9)- الجوامع الفقهية/ 528.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 643

و في المقنع للصدوق:

«و إذا لم يكن بالمصر طعام غيره فليس له إمساكه و عليه بيعه و هو محتكر.» «1»

إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب في المسألة. و قد رأيت أن الأشياء الخاصة المذكورة في كلماتهم متخذة من الأخبار، غير الملح، فإنه غير مذكور فيها و لكن الشيخ ذكره في المبسوط و تبعه آخرون. و لعلّه لشدة الحاجة إليه.

و

بالجملة، فالحكرة المنهي عنها عند أصحابنا على ما عرفت، كانت منحصرة في الأطعمة، أو الأقوات، أو الأشياء الخمسة أو الستة أو السبعة المذكورة. و مستندهم الأخبار المذكورة بعد حمل مطلقاتها على المقيّدات منها.

و أما فقهاء السنة، فعن الرملي من فقهاء الشافعية و النووي في شرحه لصحيح مسلم في تعريف الاحتكار:

«أنّه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه و يبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق.» «2»

و قد عرفت نقل التذكرة أيضا عن الشافعي.

و قد مرّت عبارة الشرح الكبير في فقه الحنابلة، حيث اشترط في الاحتكار المحرم ثلاثة شروط، و قال:

«الثاني: أن يكون قوتا. فأما الإدام و العسل و الزيت و علف البهائم فليس احتكاره بمحرم.» «3»

فعند الشافعي و أحمد يختص الاحتكار بقوت الانسان.

نعم في سنن أبي داود قال:

«سألت أحمد ما الحكرة؟ قال: ما فيه عيش الناس.» «4» و لعله أعم من القوت.

و في بدائع الصنائع للكاشاني في فقه الحنفية:

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 31.

(2)- موسوعة الفقه الإسلامي 3/ 195، في الاحتكار.

(3)- المغني 4/ 47، كتاب البيع.

(4)- سنن أبي داود 2/ 243، كتاب الإجارة، باب في النهي عن الحكرة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 644

«ثم الاحتكار يجري في كل ما يضرّ بالعامّة عند أبي يوسف، قوتا كان أو لا. و عند محمد لا يجري الاحتكار إلّا في قوت الناس و علف الدواب من الحنطة و الشعير و التبن و القتّ.» «1»

و في المدوّنة الكبرى في فقه مالك:

«و سمعت مالكا يقول: الحكرة في كل شي ء في السوق من الطعام و الكتاب و الزيت و جميع الأشياء و الصوف و كل ما يضرّ بالسوق.» قال: «و السمن و العسل و العصفر و كل شي ء؟» قال مالك: «يمنع

من يحتكره، كما يمنع من الحبّ».

قلت: «فإن كان ذلك لا يضرّ بالسوق؟» قال مالك: «فلا بأس بذلك إذا كان لا يضر بالسوق.» «2» هذا.

[7]- هل تختصّ الحكرة المنهي عنها بأقوات الإنسان، أو الأشياء الخاصة أم لا؟

قد ظهر لك أن ظاهر كلمات أصحابنا الإمامية حصر الحكرة المنهي عنها في أقوات الإنسان، أو الأشياء الخاصة المذكورة في الروايات. و هو الذي تقتضيه الأخبار في بادئ النظر بعد جمعها و حمل بعضها على بعض. و هو المنسوب الى الشافعي و أحمد أيضا، و لكن الحنفية و المالكية يكون الموضوع عندهم أعم من ذلك، فيشمل كل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته و عيشه. فما هو الحق في المسألة؟

أقول: الظاهر أن حرمة الاحتكار أو كراهته ليس حكما تعبديا بلا ملاك أو بملاك غيبي لا يعرفه أبناء نوع الإنسان. بل الملاك له على ما هو المستفاد من أخبار

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 5/ 129.

(2)- المدوّنة الكبرى 3/ 290، باب ما جاء في الحكرة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 645

الباب أيضا هو حاجة الناس إلى المتاع و ورود الضيق و الضرر عليهم من فقده.

ففي صحيح الحلبي: «إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به. و إن كان قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام.» «1»

يظهر من هذه الصحيحة علة الحكم و ملاكه، و أن نظر الشارع الحكيم في تشريعه إلى كون الناس في سعة و أن لا يتركوا بلا طعام يتوقف عليه حياتهم.

و في ذيل صحيحته الأخرى بنقل الكليني: «و سألته عن الزبيب فقال: إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه.» «2»

و اتفقت الروايات و الفتاوى في الزبيب، مع أنه كثيرا ما تكون حاجة الناس إلى كثير من الأمتعة

أكثر بمراتب من حاجتهم إلى مثل الزبيب.

و قد ذكر الزيت أيضا في بعض الروايات الحاصرة و أفتى به الفقهاء، و أنت تعلم أن الزيت ليس مما تحتاج إليه عامة الناس، بل كان إداما في بعض المناطق، كالشامات و أمثالها.

و قد كثرت البلاد التي تنحصر أقوات أهلها في الأرز أو الذرة مثلا، و يصير احتكارهما موجبا لصيرورتهم بلا طعام. فهل يجوز احتكارهما في هذه البلاد، و لا يجوز احتكار مثل الزبيب أو الزيت فيها؟ و هل تكون حاجتهم إلى الأرز أو الذرة أقل من حاجتهم إلى الزبيب؟!

بل و ربما تكون حاجة الناس إلى بعض الأشياء من غير الأقوات أيضا في زمان أو بلد خاص أشد بمراتب من حاجتهم إلى مثل الزيت و الزبيب. كما إذا شاع مرض في منطقة خاصة و اشتدت حاجة الناس إلى دواء خاص يتوقف عليه حفظ حياتهم أو سلامتهم فاحتكره بعض الصيادلة، أو وقعت الحكرة في جميع الألبسة الصيفية و الشتوية و موادّها الأولية، أو في مثل الوقود و المياه و الأراضي و نحوها و وقع

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 12/ 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2؛ عن الكافي 5/ 165، كتاب المعيشة، باب الحكرة، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 646

الناس في ضيق شديد لذلك.

و قد أوضح أمير المؤمنين «ع» في كتابه إلى مالك ما هو الملاك في المنع من الاحتكار، فقال في شأن التجار:

«و اعلم- مع ذلك- أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، و شحّا قبيحا، و احتكارا للمنافع، و تحكما في البياعات، و ذلك باب مضرة للعامة و عيب على الولاة؛

فامنع من الاحتكار.» «1»

و لم يذكر «ع» الاشياء الخاصة، و لا الأقوات مع كونه في مقام البيان.

و بالجملة، ليست أحكام الشريعة الإسلامية جزافية بلا ملاك، بل شرّعت على أساس المصالح و المفاسد. و ليست أيضا لزمان خاص أو مكان خاص، بل شرّعت لكافّة الناس في جميع البلدان إلى يوم القيامة. و حاجات الناس و ضروريات معاشهم تختلف بحسب الأزمنة و الحالات و الظروف. و إطلاقات الروايات الكثيرة الناهية عن مطلق الحكرة تشمل الجميع. و مناسبة الحكم و الموضوع، و ملاحظة الملاك أيضا تقتضيان الأخذ بالاطلاق. و الأخبار الحاصرة أيضا بنفسها مختلفة؛ فترى الزيت مذكورا فيما روي عن النبي «ص» و لم يذكر فيما روي عن أمير المؤمنين «ع»، و ترى الملح مذكورا في كلام الشيخ و من بعده و لم يذكر في كلام من قبله و لا في الروايات، فاحدس من جميع ذلك عدم انحصار الاحتكار المحرم في أشياء خاصة.

[8]- وجوه الحمل في الأخبار الحاصرة:
اشارة

فإن قلت: فعلى أيّ محمل تحمل الأخبار الحاصرة؟

قلت: يحتمل فيها وجوه:

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1017؛ عبده 3/ 110؛ لح/ 438، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 647

الأول: أن تكون القضية فيها خارجية لا حقيقيّة

بتقريب أن الأشياء الخاصة كانت عمدة ما يحتاج إليه الناس في عصر صدور الخبر و في تلك الظروف، و لا محالة كانت هي التي تقع موردا للحكرة و الحبس و لم يكن غيرها من الأمتعة قليلة بحيث تحتكر أو كثيرة المصرف بحيث يرغب في حبسها و حكرتها، أو يضرهم فقدها على فرض الحبس، و بهذا يوجّه أيضا ذكر الزيت فيما روي عن النبي «ص»، و تركه فيما روي عن أمير المؤمنين «ع».

الثاني: ما ربما ينسبق إلى الخاطر من أن فتوى أبي حنيفة و مالك

فقيهي العراق و الحجاز لعله كان موردا لعمل الخلفاء و عمّالهم في البلاد في عصر الإمام الصادق «ع»، و كانوا باستناد ذلك يتعرضون لأموال الناس باسم المنع عن الحكرة مع أن غير الأشياء الخاصة لم يكن في ذلك العصر في معرض الحاجة الشديدة بحيث يدخل في عنوان الحكرة و يكون مجوّزا لتدخل الحكومة، نظير ما هو المشاهد في عصرنا من الأعمال الحادّة الصادرة من بعض المحاكم الإفراطية، فأراد الإمام الصادق «ع» ردعهم عن ذلك ببيان أن عملهم على خلاف الموازين.

و الظاهر أن لحن التعبير في الروايات الحاصرة يشعر بأنه كان في تلك الأعصار من يصرّ على عموم الحكرة وسعتها لسائر الأشياء، فحكى «ع» قول النبي «ص» و قول أمير المؤمنين «ع» لإلزامهم، و في الحقيقة هذا بيان آخر لكون القضية خارجية لا حقيقيّة.

[الثالث:] تعيين موضوعات الحكرة من شئون الوالي:

الثالث: أن الحصر في الروايات الحاصرة لم يكن حكما فقهيا كليا لجميع الأزمنة و الظروف، بل حكما ولائيا لعصر خاص و مكان خاص، فيكون تعيين الموضوع من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 648

شئون الحاكم بحسب ما يراه من احتياجات الناس في عصره و مجال حكمه.

و المناسب للشريعة السمحة السهلة المشرّعة لجميع الأعصار و الظروف أن يشرّع فيها الكلّيات القابلة للانطباق في كل عصر و مكان، و يفوّض تعيين الموضوعات الجزئية لها إلى الحكّام و الولاة.

نظير ما احتملناه في باب الزكاة من أن المشرّع في الكتاب الكريم كان أصل وجوب الزكاة و أخذ الصدقات من أموال الناس، و تعيين الموضوع لها فوّض إلى الولاة و الحكام على حسب تشخيصهم للثروات العمومية. و تعيين الموضوعات التسعة من قبل النبي «ص» كان حكما ولائيا صدر عنه بما أنه كان

واليا على المسلمين في عصره و كان عمدة ثروة العرب الموضوعات التسعة، كما ربما يشعر بذلك بعض التعبيرات الواردة في الروايات كقوله «ع»: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء و عفا عمّا سوى ذلك.» «1»

و بالجملة، تعيين موضوعات الحكرة من شئون الوالي في كل عصر. و تعيينها في الأخبار الحاصرة كان من هذا القبيل فلا يعمّ جميع الأعصار، فتدبّر.

و مما يشهد لكون أمر الحكرة و النهي عنها من شئون الولاة و الحكام أمر أمير المؤمنين «ع» مالكا و رفاعة بالنهي عن الحكرة و معاقبة من تخلّف، بل أمر رسول اللّه «ص» بالإخراج و البيع في خبر حذيفة، فتدبّر.

فإن قلت: قد مرّ منكم أن الاحكام الولائية الصادرة عن النبي «ص» و الأئمّة- عليهم السلام- أيضا مثل الأحكام الإلهية تعمّ جميع المسلمين إلى يوم القيامة.

قلت: نعم و لكن إذا لم تكن قرينة على الاختصاص. فمنعه «ص» عن الاحتكار يعمّ جميع الأعصار، كنفيه الضرر و الضرار. و أما حصر الحكرة في الأشياء الخاصة فيفهم من الدقة في ملاك الحكم كونه مختصا بعصر خاص، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 32، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 649

[9]- نقل كلام بعض الفقهاء:

و صاحب الجواهر بعد ما أفتى بكراهة الاحتكار بذاته و حرمته مع قصد الإضرار، أو حصول الغلاء و الإضرار بفعله، أو بإطباق المعظم عليه قال:

«بل هو كذلك في كل حبس لكل ما تحتاجه النفوس المحترمة و يضطرّون اليه و لا مندوحة لهم عنه من مأكول أو مشروب أو ملبوس أو غيرها، من غير تقييد بزمان دون زمان، و لا أعيان دون أعيان، و لا انتقال بعقد، و لا تحديد بحدّ،

بعد فرض حصول الاضطرار. بل الظاهر تسعيره حينئذ بما يكون مقدورا للطالبين إذا تجاوز الحد في الثمن. بل لا يبعد حرمة قصد الاضطرار بحصول الغلاء و لو مع عدم حاجة الناس و وفور الأشياء. بل قد يقال بالتحريم بمجرد قصد الغلاء و حبّه و إن لم يقصد الإضرار. و يمكن تنزيل القول بالتحريم على بعض ذلك.» «1»

و فيه أيضا:

«و لو اعتاد الناس طعاما في أيام القحط مبتدعا جرى فيه الحكم لو بني فيه على العلة. و في الأخبار ما ينادي بأن المدار على الاحتياج، و هو مؤيد للتنزيل على المثال، و إن كان فيه ما لا يخفى.» «2»

فهو- قدّس سرّه- قائل بالتعميم و لكن بملاك الحاجة و الاضطرار.

و ممن أفتى بالتعميم من الفقهاء المتأخرين آية اللّه الأصفهاني- طاب ثراه- فإنه قال في كتابه وسيلة النجاة:

«الاحتكار و هو حبس الطعام و جمعه يتربّص به الغلاء حرام مع ضرورة المسلمين و حاجتهم و عدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم ... و إنّما يتحقق الاحتكار بحبس

______________________________

(1)- الجواهر 22/ 481.

(2)- الجواهر 22/ 483.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 650

الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الدهن، و كذا الزيت و الملح على الأحوط لو لم يكن أقوى، بل لا يبعد تحققه في كل ما يحتاج إليه عامة أهالي البلد من الأطعمة، كالأرز و الذرة بالنسبة إلى بعض البلاد.» «1»

أقول: الأرز و الذرة لم يذكرا في الروايات الحاصرة. فمن تعدّيه إليهما يظهر أنه- طاب ثراه- حمل الأشياء المذكورة في الروايات على كونها من باب المثال الظاهر للأشياء الضرورية التي يحتاج إليها الإنسان. و حينئذ فيمكن أن يقال بأنه لا خصوصية للأرز و الذرة.

اللهم

إلا أن يقال: إن المستفاد من الروايات و كلمات الفقهاء كون الموضوع خصوص القوت و الطعام، فلا يتعدى الى غير الأقوات، فتدبر.

و قال المحقق الحائري- طاب ثراه- في كتابه ابتغاء الفضيلة في شرح الوسيلة:

«إذا فرض الاحتياج إلى غير الطعام من الأمور الضرورية للمسلمين كالدواء و الوقود في الشتاء بحيث استلزم من احتكارها الحرج و الضرر على المسلمين فمقتضى ما تقدم من دلالة دليل الحرج و الضرر حرمته و إن لم تصدق عليه لغة الاحتكار.

و يمكن التمسك بالتذييل الذي هو في مقام التعليل بحسب الظاهر المتقدم في معتبر الحلبي، بناء على أنّه إذا كان الظاهر أن التعليل بأمر ارتكازي فيحكم بإلغاء قيد الطعام، لأنه ليس بحسب الارتكاز إلا من جهة توقف حفظ النفس عليه. فإذا وجد الملاك المذكور في الدواء مثلا فلا ريب أنه بحكمه عرفا، و هذا يوجب الغاء الخصوصية المأخوذة في التعليل.» «2»

أقول: استدلاله للتعميم بذيل صحيحة الحلبي حسن جدّا. و احتماله عدم صدق لغة الاحتكار عليه في غاية الضعف، لما مرّ منّا من أنّ اللفظ بحسب اللغة لم يؤخذ

______________________________

(1)- وسيلة النجاة 2/ 8.

(2)- ابتغاء الفضيلة 1/ 197.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 651

فيه العناوين و الأشياء الخاصة، و إنما ذكرها الفقهاء في تعريفهم له إذ كانوا بصدد تحديد ما هو الموضوع عندهم للحرمة أو الكراهة بحسب الأدلة. هذا.

و السيد الأستاذ الإمام- مدّ ظلّه- في تحرير الوسيلة منع التعميم فقال:

«و الأقوى عدم تحققه إلا في الغلات الأربع و السمن و الزيت، نعم هو أمر مرغوب عنه في مطلق ما يحتاج إليه الناس، لكن لا يثبت لغير ما ذكر أحكام الاحتكار.» «1»

[10]- هل يشترط فيه الاشتراء أم لا؟

قال العلامة في المنتهى:

«قال مالك و الأوزاعي

إنما يثبت الاحتكار بشرط أن يشتري. و لو جلب شيئا أو دخل من غلّته شي ء فادّخره لم يكن محتكرا.» «2» و ظاهره ارتضاء هذا القول.

و في مفتاح الكرامة- في شرائط الاحتكار-:

«و زاد في نهاية الإحكام أن يكون قد اشتراه. فلو جلب أو ادّخر من غلّته فلا بأس.

و هو المحكي عن ظاهر المنتهى، و مال إليه في جامع المقاصد أو قال به.» «3»

و قد مر عن الشرح الكبير لابن قدامة أنه قال في شروط الاحتكار:

«أحدها: أن يشتري. فلو جلب شيئا أو أدخل عليه من غلته شيئا فادخره لم يكن محتكرا، روي ذلك عن الحسن و مالك.» «4»

و في بدائع الصنائع في تفسير الاحتكار:

«هو أن يشتري طعاما في مصر و يمتنع عن بيعه و ذلك يضرّ بالناس. و كذلك

______________________________

(1)- تحرير الوسيلة 1/ 502، المسألة 23 من المكاسب المحرمة.

(2)- المنتهى 2/ 1007.

(3)- مفتاح الكرامة ج 4، كتاب المتاجر/ 108.

(4)- المغني 4/ 46.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 652

لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه الى المصر.» «1»

و في موسوعة الفقه الإسلامي عن الشافعية:

«أنه اشتراء القوت وقت الغلات ليمسكه و يبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق.» «2» هذا.

و لكن كلمات أكثر أصحابنا الإمامية و لا سيّما المتقدمين منهم مطلقة تشمل صورة الاشتراء و غيره. كما أن أكثر أخبار الباب أيضا مطلقة. نعم، في إحدى صحيحتي الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» قال: «إنما الحكرة أن تشتري طعاما و ليس في المصر غيره فتحتكره.» «3»

و ظاهر كلمة «إنما» هو الحصر. كما أن المذكور في صحيحة الحناط أن حكيم بن حزام كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله، الحديث «4». و الموضوع في خبر

أبي مريم أيضا اشتراء الطعام «5».

أقول: الظاهر أن الحصر في صحيحة الحلبي إنما يكون في قبال الفقرة الثانية، أعني قوله: «فإن كان في المصر طعام أو متاع غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل»، لا في قبال كون الملكية بغير الاشتراء. فيكون ذكر الاشتراء من باب المثال و الغلبة، و يشهد لذلك عدم ذكره في الصحيحة الأخرى للحلبي «6». و قد عرفت استظهار كونهما رواية واحدة لوحدة الراوي، و المروي عنه، و المضمون.

و كون المورد في صحيح الحناط و خبر أبي مريم خصوص الاشتراء لا يدل على الاختصاص و نفي الغير.

و النهي عن الاحتكار إنما هو لرفع الضيق و الحاجة عن الناس، كما أشار إلى

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 5/ 129.

(2)- موسوعة الفقه الإسلامي 3/ 195، في الاحتكار.

(3)- الوسائل 12/ 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(4)- الوسائل 12/ 316، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 6.

(6)- الوسائل 12/ 313، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 653

ذلك في الصحيحة بقوله «ع»: «و يترك الناس ليس لهم طعام.» فلا دخالة لخصوصية الاشتراء في ذلك.

قال الشيخ الأعظم- قدّس سرّه- في المكاسب بعد الاستدلال بذلك:

«و عليه فلا فرق بين أن يكون ذلك من زرعه، أو من ميراث، أو يكون موهوبا له، أو كان قد اشتراه لحاجة فانقضت الحاجة و بقي الطعام لا يحتاج إليه المالك فحبسه متربّصا للغلاء.» «1»

[11]- اشتراط كون الاستبقاء للزيادة:

الظاهر أن مورد البحث هو صورة كون الاستبقاء للزيادة في الثمن. فلو استبقاه لحاجة نفسه و عائلته، أو للبذر لم يكن محتكرا و لم

يحرم، اللهم إلا في بعض الفروض.

ففي الوسيلة لابن حمزة:

«و إذا احتبس لقوته و قوت عياله لم يكن ذلك احتكارا.» «2»

و قال في الشرائع:

«بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن.» «3»

و في الجواهر في شرح العبارة:

«لا إشكال نصا و فتوى بل و لا خلاف كذلك في أن الاحتكار يكره أو يحرم [بشرط ان يستبقيها للزيادة في الثمن]، فلو استبقاها لحاجة إليها للبذر أو نحوه لم يكن به بأس. بل الظاهر عدم كونه احتكارا كما دلّ عليه النص و الفتوى.» «4»

و في المختصر النافع:

______________________________

(1)- المكاسب/ 213.

(2)- الجوامع الفقهية/ 745.

(3)- الشرائع 2/ 21.

(4)- الجواهر 22/ 483.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 654

«و تتحقق الكراهية إذا استبقاه لزيادة الثمن و لم يوجد باذل (بائع خ. ل) غيره.» «1»

و في القواعد:

«بشرطين: الاستبقاء للزيادة، و تعذر غيره.» «2»

إلى غير ذلك من الكلمات الدالة على كون مورد البحث صورة إرادة الزيادة في القيمة و الغلاء.

و في رواية أبي مريم: «يريد به غلاء المسلمين.» «3»

و في صحيحة الحلبي: «فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل.» «4»

و في رواية الحاكم النيسابوري عن النبي «ص»: «من احتكر يريد أن يتغالى بها على المسلمين فهو خاطئ.» «5»

إلى غير ذلك من الروايات. و كيف كان فالظاهر وضوح المسألة.

نعم، يستحب مساواة الناس حالة الغلاء و لو ببيع ما عنده من الجيّد إذا لم يقدر الناس إلّا على الرديّ:

1- ففي خبر حماد قال: «أصاب أهل المدينة قحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير و يأكله و يشتري ببعض الطعام. و كان عند أبي عبد اللّه «ع» طعام جيّد قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه: اشتر لنا شعيرا فاخلطه بهذا الطعام، أو بعه. فإنّا نكره

أن نأكل جيّدا و يأكل الناس رديّا.» «6»

2- و في خبر معتّب، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»- و قد يزيد السعر بالمدينة-: كم

______________________________

(1)- المختصر النافع/ 120.

(2)- القواعد 1/ 122.

(3)- الوسائل 12/ 314، الباب 27 من أبواب آداب التجارة، الحديث 6.

(4)- الوسائل 12/ 315، الباب 28 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

(5)- مستدرك الحاكم 2/ 12، كتاب البيوع.

(6)- الوسائل 12/ 321، الباب 32 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 655

عندنا من طعام؟ قال: قلت: عندنا ما يكفينا أشهرا كثيرة. قال: أخرجه و بعه. قال:

قلت له: و ليس بالمدينة طعام. قال: بعه. فلما بعته قال: اشتر مع الناس يوما بيوم.

و قال: يا معتّب، اجعل قوت عيالي نصفا شعيرا و نصفا حنطة، فإن اللّه يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها، و لكني أحببت أن يراني اللّه قد أحسنت تقدير المعيشة «1».

[12]- إجبار المحتكر على البيع:

1- قال المفيد في المقنعة:

«و للسلطان أن يكره المحتكر على إخراج غلّته و بيعها في أسواق المسلمين إذا كانت بالناس حاجة ظاهرة إليها.» «2»

2- و قال الشيخ في النهاية:

«و متى ضاق على الناس الطعام و لم يوجد إلا عند من احتكره كان على السلطان أن يجبره على بيعه و يكرهه عليه.» «3»

3- و في المبسوط:

«فمتى احتكر و الحال على ما وصفناه أجبره السلطان على البيع دون سعر بعينه.» «4»

4- و في الكافي لأبي الصلاح:

«و إذا فعل، خوطب في إخراجها إلى أسواق المسلمين. فإن امتنع، أكره على ذلك.» «5»

5- و في الوسيلة:

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 321، الباب 32 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(2)- المقنعة/ 96.

(3)- النهاية/ 374.

(4)- المبسوط 2/ 195.

(5)- الكافي/ 360.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 656

«فإذا احتبس المبيع و مسّت الحاجة إليه من الناس و لم يبعه أجبر على البيع دون السعر.» «1»

6- و في السرائر:

«و متى ضاق على الناس الطعام و لم يوجد إلّا عند من احتكره كان على السلطان و الحكام من قبله أن يجبره على بيعه و يكرهه عليه.» «2»

7- و في الشرائع:

«و يجبر المحتكر على البيع.» «3» و مثله في المختصر «4».

8- و في القواعد:

«و يجبر على البيع لا التسعير على رأي.» «5»

9- و في الدروس:

«فيجبر على البيع حينئذ.» «6»

إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب.

10- و في الحدائق:

«لا خلاف بين الأصحاب في أن الإمام يجبر المحتكرين على البيع، و عليه تدلّ جملة من الأخبار المتقدمة.» «7»

11- و في الجواهر:

«و كيف كان فقد قيل: لا خلاف بين الأصحاب في أن الإمام و من يقوم مقامه و لو عدول المسلمين [يجبر المحتكر على البيع]، بل عن جماعة الإجماع عليه على القولين.» «8»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 745.

(2)- السرائر/ 212.

(3)- الشرائع 2/ 21.

(4)- المختصر النافع/ 120.

(5)- القواعد 1/ 122.

(6)- الدروس/ 332، كتاب المكاسب.

(7)- الحدائق 18/ 64.

(8)- الجواهر 22/ 485.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 657

12- و في مكاسب الشيخ الأعظم:

«الظاهر عدم الخلاف كما قيل في إجبار المحتكر على البيع حتى على القول بالكراهة، بل عن المهذب البارع الإجماع، و عن التنقيح كما في الحدائق عدم الخلاف فيه. و هو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الإجبار لغير الواجب، و لذا ذكرنا أن ظاهر أدلة الإجبار تدلّ على التحريم لأن إلزام غير اللازم خلاف القاعدة.» «1»

أقول: و يدل على الحكم، بعد وضوحه و الإجماع و عدم الخلاف المدعى، أمر النبي

«ص» بالبيع و عدم الحبس في خبر حذيفة السابق، و إخراج الحكرة إلى بطون الأسواق في خبر ضمرة الآتي، و أمر أمير المؤمنين «ع» مالكا و رفاعة بالمنع من الاحتكار و النهي عنه و عقاب من تخلّف، كما مرّ. هذا.

و في الجواهر:

«و لو تعذّر الإجبار قام الحاكم مقامه، بل ظاهر بعض قيامه مقامه مع عدم تعذر الإجبار خصوصا الإمام، و ان كان قد يناقش بأنه خلاف المأثور.» «2»

______________________________

(1)- المكاسب/ 213.

(2)- الجواهر 22/ 485.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 658

التسعير:
[13]- هَل يجوز التسعير أم لا؟ و ذكر بعض كلمات الفقهاء فيه:

اختلفت كلماتهم في ذلك، و الأكثر على المنع بل في مفتاح الكرامة:

«إجماعا و أخبارا متواترة كما في السرائر، و بلا خلاف كما في المبسوط، و عندنا كما في التذكرة.» «1»

أقول: 1- في نهاية الشيخ:

«و لا يجوز له أن يجبره على سعر بعينه، بل يبيعه بما يرزقه اللّه- تعالى- و لا يمكنه من حبسه أكثر من ذلك.» «2»

2- و في المبسوط:

«فصل في حكم التسعير: لا يجوز للإمام و لا النائب عنه أن يسعّر على أهل الأسواق متاعهم من الطعام و غيره، سواء كان في حال الغلاء أو في حال الرخص، بلا خلاف. و روي عن النبي «ص» أنّ رجلا أتاه فقال: سعّر على أصحاب الطعام، فقال: بل أدعو اللّه. ثم جاء آخر فقال: يا رسول اللّه، سعّر على أصحاب الطعام، فقال: بل اللّه يرفع و يخفض. و إنّي لأرجو أن ألقى اللّه و ليست لأحد عندي مظلمة. فإذا ثبت ذلك، فإذا خالف إنسان من أهل السوق بزيادة سعر أو نقصانه

______________________________

(1)- مفتاح الكرامة، ج 4، كتاب المتاجر/ 109.

(2)- النهاية/ 374.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 659

فلا اعتراض

لأحد عليه.» «1»

3- و فيه أيضا:

«فمتى احتكر و الحال على ما وصفناه أجبره السلطان على البيع دون سعر بعينه.» «2»

4- و في الغنية:

«و لا يجوز إكراه الناس على سعر مخصوص.» «3»

5- و في الشرائع:

«و لا يسعّر عليه. و قيل: يسعّر. و الأول أظهر.» «4»

6- و في المختصر:

«و هل يسعّر عليه؟ الأصح، لا.» «5»

7- و في القواعد:

«و يجبر على البيع، لا التسعير على رأي.» «6»

8- و لكن في المقنعة:

«و له أن يسعّرها على ما يراه من المصلحة و لا يسعّرها بما يخسر أربابها فيها.» «7»

9- و في وسيلة ابن حمزة:

«أجبر على البيع دون السعر إلا إذا تشدّد. و إن خالف أحد في السوق بزيادة أو نقصان لم يعترض عليه.» «8»

10- و في الدروس:

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 195.

(2)- المبسوط 2/ 195.

(3)- الجوامع الفقهية/ 528.

(4)- الشرائع 2/ 21.

(5)- المختصر النافع/ 120.

(6)- القواعد 1/ 122.

(7)- المقنعة/ 96.

(8)- الجوامع الفقهية/ 745.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 660

«و لا يسعّر عليه إلّا مع التشدّد.» «1»

و لعلّ المراد بالتشدّد هو الإجحاف، كما في كلام آخرين:

11- ففي مفتاح الكرامة هكذا:

«و في الوسيلة و المختلف و الايضاح و الدروس و اللمعة و المقتصر و التنقيح أنه يسعّر عليه إن أجحف في الثمن، لما فيه من الإضرار المنفي.» «2»

هذه بعض كلمات الفقهاء من أصحابنا.

و أما فقهاء السنة:

12- فقال العلامة في المنتهى:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 660

«على الإمام أن يجبر المحتكرين على البيع، و ليس له أن يجبرهم على التسعير بل يتركهم يبيعوا كيف شاءوا. به

قال أكثر علمائنا و هو مذهب الشافعي. و قال المفيد و سلار «ره»: للإمام أن يسعّر عليهم فيسعّر بسعر البلد. و به قال مالك.» «3»

13- و في موسوعة الفقه الإسلامي:

«نصّ المالكية على أن من اشترى الطعام من الأسواق و احتكره و أضرّ بالناس فإن الناس يشتركون فيه بالثمن الذي اشتراه به.» «4»

14- و فيه أيضا:

«صرّح الحنابلة بأن لوليّ الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه. مثل من عنده طعام يحتاج إليه الناس في مخمصة، فإن من اضطرّ إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل. و لو امتنع عن بيعه إلّا بأكثر من سعره أخذه منه بقيمة المثل ... و من هنا ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بأن من حقّ الإمام، بل من واجبه، أن يسعّر السلع و أن يمنع الناس أن

______________________________

(1)- الدروس/ 332، كتاب المكاسب.

(2)- مفتاح الكرامة، ج 4، كتاب المتاجر/ 109.

(3)- المنتهى 2/ 1007.

(4)- موسوعة الفقه الإسلامي 3/ 198، في الاحتكار.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 661

يبيعوا إلا بقيمة المثل و لا يشتروا إلا بها بلا تردّد في ذلك عند أحد من العلماء.» «1»

فقد ظهر بما حكيناه من الكلمات أن المسألة خلافية بين فقهاء الفريقين، و لكن الأكثر من فقهائنا على منع التسعير اللهم إلّا مع إجحاف المالك.

و استدل العلامة- طاب ثراه- في المنتهى على المنع بالأخبار المروية من الفريقين و ستأتي، و بأن الأصل تحريم نقل مال الغير عنه بغير اذنه، و لأنه مال فلم يجز منعه من بيعه بما تراضيا عليه، و لان فيه مفسدة لأنه ربما سمع الجالب بذلك فلا يقدم بسلعته و ربما سمع

صاحب البضاعة بالإكراه فحبس ماله عنده فيحصل الإضرار بالجانبين: جانب المالك في منع بيع سلعته، و جانب أهل البلد في منع الجلب إليهم «2».

[14]- أخبار التسعير:

1- ما رواه الكليني بسنده عن حذيفة بن منصور، عن أبي عبد اللّه «ع» قال:

«نفد الطعام على عهد رسول اللّه «ص» فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول اللّه، قد نفد الطعام و لم يبق منه شي ء إلا عند فلان، فمره ببيعه. قال: فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «يا فلان، إنّ المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شي ء عندك، فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه.» و رواه الشيخ أيضا بسنده إلا أنه قال «فقد»، مكان «نفد» في المواضع الثلاثة «3».

و قد مرّ الحديث و أنه لا كلام في رجاله إلا في حذيفة و محمد بن سنان. و الظاهر أن الأمر فيهما سهل.

فرسول اللّه «ص» رخّصه في البيع كيف شاء و لم يسعّر عليه.

______________________________

(1)- موسوعة الفقه الإسلامي 3/ 198، في الاحتكار.

(2)- المنتهى 2/ 1007.

(3)- الوسائل 12/ 316، الباب 29 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 662

2- ما رواه الشيخ بسنده عن الحسين بن عبيد اللّه بن ضمرة، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب «ع» أنه قال: رفع الحديث إلى رسول اللّه «ص» أنه مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق، و حيث تنظر الأبصار إليها. فقيل لرسول اللّه «ص»: لو قوّمت عليهم، فغضب رسول اللّه «ص» حتى عرف الغضب في وجهه فقال: «أنا أقوّم عليهم؟! إنما السعر إلى اللّه؛ يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء.» «1» و رواه الصدوق أيضا في الفقيه مرسلا،

و في التوحيد بسند موثوق به «2».

3- ما رواه الصدوق في الفقيه، قال: قيل للنبي «ص» لو سعّرت لنا سعرا، فإن الأسعار تزيد و تنقص. فقال «ص»: «ما كنت لألقى اللّه ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا، فدعوا عباد اللّه يأكل بعضهم من بعض، و إذا استنصحتم فانصحوا» و رواه في التوحيد أيضا إلى قوله: من بعض «3».

4- ما رواه أيضا بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين «ع»، قال:

«إن اللّه- عزّ و جلّ- و كلّ بالسعر ملكا يدبّره بأمره.» و رواه في التوحيد أيضا بسند صحيح «4».

5- ما رواه أيضا عن أبي حمزة الثمالي، قال: ذكر عند علي بن الحسين «ع» غلاء السعر فقال: «و ما عليّ من غلائه، إن غلا فهو عليه، و ان رخص فهو عليه.» و رواه في التوحيد كالذي قبله «5».

6- ما رواه الكليني بسنده عن محمد بن أسلم، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن اللّه- عزّ و جلّ- و كلّ بالسعر ملكا فلن يغلو من قلة و لن يرخص من كثرة.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 317، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1. الفقيه 3/ 265، الحديث 3955 التوحيد/ 388، باب القضاء و القدر، الحديث 33.

(2)- الوسائل 12/ 317، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1. الفقيه 3/ 265، الحديث 3955 التوحيد/ 388، باب القضاء و القدر، الحديث 33.

(3)- الوسائل 12/ 318، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 12/ 318، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 3.

(5)- الوسائل 12/ 318، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 4.

(6)- الوسائل 12/ 318، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 5.

دراسات

في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 663

7- ما رواه أيضا بسنده عن يعقوب بن يزيد، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن اللّه وكّل بالأسعار ملكا يدبّرها.» «1»

8- و في سنن أبي داود بسنده عن أبي هريرة أن رجلا جاء فقال: يا رسول اللّه، سعّر. فقال: «بل أدعو»، ثمّ جاء رجل فقال: يا رسول اللّه، سعّر. فقال: «بل اللّه يخفض و يرفع. و إني لأرجو أن ألقى اللّه و ليس لأحد عندي مظلمة.» «2»

9- و فيه أيضا بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال الناس: يا رسول اللّه، غلا السعر فسعّر لنا، فقال رسول اللّه «ص»: «إن اللّه هو المسعّر القابض الباسط الرازق. و إني لأرجو أن ألقى اللّه و ليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم و لا مال.» «3»

و رواه ابن ماجة أيضا «4». و أحمد في المسند «5».

و روى نحوه عبد الرزاق في المصنف عن الحسن، قال: «غلا السعر مرة بالمدينة فقال الناس. الحديث» «6».

10- و روى ابن ماجة بسنده عن أبي سعيد، قال: غلا السعر على عهد رسول اللّه «ص» فقالوا: لو قوّمت يا رسول اللّه، قال: «إني لأرجو أن أفارقكم و لا يطلبني أحد منكم بمظلمة ظلمته.» «7»

11- و روى عبد الرزاق في المصنف بسنده عن سالم بن أبي الجعد، قال: قيل للنبي «ص» سعّر لنا الطعام، فقال: «إن غلاء السعر و رخصه بيد اللّه. و إني أريد أن ألقى

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 318، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 6.

(2)- سنن أبي داود 2/ 244، كتاب الإجارة، باب في التسعير.

(3)- سنن أبي داود 2/ 244، كتاب الاجارة، باب في التسعير.

(4)- سنن ابن

ماجة 2/ 741، كتاب التجارات، الباب 27، الحديث 2200.

(5)- مسند أحمد 3/ 156.

(6)- المصنف 8/ 205 باب هل يسعّر، الحديث 14897.

(7)- سنن ابن ماجة، 2/ 742، كتاب التجارات، الباب 27، الحديث 2201.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 664

اللّه لا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في مال و لا دم.» «1»

إلى غير ذلك من الروايات في هذا الباب. و روى بعضها أبو يوسف في كتاب الخراج، فراجع «2».

[15]- متى يجوز التسعير؟

أقول: السعر العادي الطبيعي دائر مدار الظروف و الشرائط الطبيعية، من كثرة المتاع و قلته، و كثرة الرغبات و قلتها، و مصارف الإنتاج و التوزيع، و أجرة الحمل و النقل و الحفظ و غير ذلك من الجهات الطبيعية.

و بعبارة أخرى: السعر المتعارف معلول لمسألة العرض و الطلب و الظروف الطبيعية و الاجتماعية. و أمر الجميع ينتهي إلى مشيّة اللّه و إرادته الحاكمة على نظام الوجود.

و الظاهر أن قول رسول اللّه «ص»: «إنّما السعر إلى اللّه يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء» «3»، و ما مر من الأئمة «ع» في أمر السعر أيضا لا يراد به إلّا هذا السعر الطبيعي المتعارف أو ما يقرب منه، فإنه الذي يكون إلى اللّه لا ما يقع إجحافا و ظلما من المالك بعد الحصار الاقتصادي.

فكأنّ القوم أرادوا من النبي «ص» التصرف في السعر الطبيعي و التسعير بما دون المتعارف، فغضب «ص» عليهم لذلك و أحال السعر إلى ما يقتضيه العرض و الطلب و نحوهما من العوامل الطبيعية.

و أما إذا فرض إيجاد الحصار الاقتصادي فلا محالة يحتاج إلى تدخّل الحكومة و الإلزام من قبلها بمقدار الضرورة. و لا يجوز التجاوز عنه، فإن حرمة مال المؤمن

______________________________

(1)- المصنف 8/

205، باب هل يسعّر، الحديث 14899.

(2)- كتاب الخراج/ 49.

(3)- الوسائل 12/ 317، الباب 30 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 665

كحرمة دمه، و الناس مسلطون على أموالهم بحكم الشرع و العقل، و لا يتصرف في مال الغير إلا بإذنه أو بتجارة عن تراض. فلا يجوز الإجبار بأكثر من الضرورة الاجتماعية التي يحكم برعايتها العقل و الشرع، فقد ترتفع الضرورة بالأمر بإخراج المتاع و عرضه على الناس فقط. و قد يواجه الحاكم إجحاف المالك بما يعسر على المجتمع تحمّله فيمنعه عن الإجحاف و الإضرار. و قد لا تعالج المشكلة إلا بالتسعير.

و قد يواجه الحاكم تعنت المالك و استبداده و عصيانه لأوامر الحاكم بالكلية فيتدخل بنفسه في بيع الأمتعة المحتكرة بثمن المثل.

و بالجملة، فروايات المنع من التسعير بكثرتها ناظرة إلى الموارد الغالبة التي لا تصل فيها النوبة إلى تسعير الحاكم بل تنحلّ المشكلة بمجرد عرض المتاع و كثرته في السوق.

قال الصدوق في كتاب التوحيد:

«فما كان من الرخص و الغلاء عن سعة الأشياء و قلتها فإن ذلك من اللّه- عزّ و جلّ- و يجب الرضا بذلك و التسليم له. و ما كان من الغلاء و الرخص بما يؤخذ الناس به لغير قلة الأشياء و كثرتها من غير رضا منهم به، أو كان من جهة شراء واحد من الناس جميع طعام بلد فيغلو الطعام لذلك، فذلك من المسعّر و المتعدي بشرى طعام المصر كله، كما فعله حكيم بن حزام: كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمرّ عليه النبي «ص» فقال: يا حكيم بن حزام، إياك أن تحتكر.» «1»

و في المسالك- بعد استظهار المصنف عدم التسعير- قال:

«إلا مع الإجحاف

و إلّا لانتفت فائدة الإجبار، إذ يجوز أن يطلب في ماله ما لا يقدر على بذله أو يضرّ بحال الناس، و الغرض دفع الضرر.» «2»

و في الروضة:

«و لا يجوز التسعير في الرخص مع عدم الحاجة قطعا. و الأقوى أنه مع الإجحاف

______________________________

(1)- التوحيد/ 389.

(2)- المسالك 1/ 177.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 666

حيث يؤمر به لا يسعّر عليه أيضا بل يؤمر بالنزول عن المجحف و إن كان في معنى التسعير إلّا أنّه لا ينحصر في قدر خاص.» «1»

و في الجواهر:

«نعم لا يبعد ردّه مع الإجحاف، كما عن أبي حمزة و الفاضل في المختلف و ثاني الشهيدين و غيرهم لنفي الضرر و الضرار. و لأنه لو لا ذلك لانتفت فائدة الإجبار، اذ يجوز أن يطلب في ماله ما لا يقدر على بذله و يضرّ بحال الناس. و الغرض دفع الضرر. و ليس ذلك من التسعير و لذا تركه الأكثر. فما عن بعضهم من عدم جواز ذلك أيضا للإطلاق، و صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال في تجار قدموا أرضا اشتركوا على أن لا يبيعوا بيعهم إلا بما أحبوا، قال: «لا بأس»، و قوله «ع» في خبر حذيفة: «بعه كيف شئت» واضح الضعف. ضرورة تقييد الإطلاق بما عرفت مما هو أقوى منه. و خروج الصحيح عما نحن فيه. و الاذن بالبيع كيف يشاء محمول على ما هو الغالب من عدم اقتراح المجحف.» «2»

و يدل على كون المنع من الإجحاف من وظائف الحاكم، مضافا إلى وضوحه، ما مرّ من كلام أمير المؤمنين «ع» في كتابه إلى مالك الأشتر، حيث قال: «فامنع من الاحتكار، فإن رسول اللّه «ص» منع منه.

و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع.»

و قد روى هذا العهد قبل الشريف الرضي- قدّس سرّه- الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول بتفاوت، و في الدعائم باختلاف كثير.

و النص نفسه يؤكّد صحته إجمالا، مضافا إلى اشتهاره بين الأصحاب. و ذكر النجاشي و الشيخ في الفهرست في اصبغ بن نباتة سندهما إليه، و لا بأس بالسند إجمالا.

______________________________

(1)- الروضة البهية 3/ 299.

(2)- الجواهر 22/ 486.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 667

خاتمة [في تحالف أرباب المتاع]

صحيح ابن سنان الذي حكاه صاحب الجواهر آنفا و إن دل على جواز تحالف أرباب المتاع جميعا على سعر خاص لاستزادة في الربح، و لكن هذا فيما إذا لم يوجب التحالف المذكور إجحافا بالناس و إلا فهو مرجوح عند العقل و الشرع.

و بالجملة، فمجرد التحالف على سعر خاص مما لا بأس به بل قد يكون ضرورة ليمنع من تنزل قيمة المتاع و تضرر أهله، و لكن اللازم رعاية الإنصاف و عدم الإجحاف في التسعير.

فروى الكليني بسنده عن أبي جعفر الفزاري، قال: «دعا أبو عبد اللّه «ع» مولى يقال له: مصادف، فاعطاه ألف دينار، و قال له: تجهّز حتى تخرج إلى مصر، فإن عيالي قد كثروا. قال: فتجهز بمتاع و خرج مع التجار إلى مصر، فلما دنوا من مصر استقبلهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة- و كان متاع العامّة- فأخبروهم أنّه ليس بمصر منه شي ء، فتحالفوا و تعاقدوا على أن لا ينقصوا متاعهم من ربح الدينار دينارا، فلما قبضوا أموالهم انصرفوا إلى المدينة، فدخل مصادف على أبي عبد اللّه «ع» و معه

كيسان؛ كل واحد ألف دينار. فقال:

جعلت فداك هذا رأس المال، و هذا الآخر ربح. فقال: إن هذا الربح كثير، و لكن ما صنعتم في المتاع؟ فحدثه كيف صنعوا و كيف تحالفوا، فقال: سبحان اللّه، تحلفون على قوم مسلمين أن لا تبيعوهم إلّا بربح الدينار دينارا؟! ثم أخذ أحد الكيسين و قال: هذا رأس مالي، و لا حاجة لنا في هذا الربح. ثم قال: يا مصادف: مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال.» «1»

فالإمام «ع» في هذه الرواية لم يخطئ أصل التحالف على السعر، و إنما خطأ التحالف على ربح الدينار دينارا الذي كان يعدّ إجحافا، فتدبر.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 311، الباب 26 من أبواب آداب التجارة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 669

الفصل الحادي عشر في وجوب اهتمام الإمام و عمّاله بالأموال العامّة للمسلمين

اشارة

و حفظها، و صرفها في مصارفها المقرّرة، و رعاية العدل في قسمها، و التسوية فيها، و إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، و قطع أيادي الغاصبين عنها بمصادرتها

[تسوية عليّ ع بين الناس]

1- ففي روضة الكافي بسند صحيح، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لما وليّ عليّ «ع» صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: إنّي و اللّه لا أرزؤكم من فيئكم درهما ما قام لي عذق بيثرب، فليصدّقكم أنفسكم، أ فتروني مانعا نفسي و معطيكم؟ قال: فقام إليه عقيل- كرّم اللّه وجهه- فقال له: و اللّه لتجعلني و أسود بالمدينة سواء؟! فقال: اجلس أما كان هاهنا أحد يتكلّم غيرك؟! و ما فضلك عليه إلّا بسابقة أو بتقوى؟» «1»

أقول: قوله: «لا أرزؤكم»، أي لا أنقصكم. قوله: «فليصدّقكم أنفسكم»، أي ليقل أنفسكم لكم صدقا في ذلك و يؤمن أنفسكم به.

2- و فيه أيضا: خطب أمير المؤمنين «ع» فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: «أيّها

______________________________

(1)- الكافي 8/ 182 (الروضة)، الحديث 204. و رواه عنه في الوسائل 11/ 79، الباب 39 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 670

الناس، إنّ آدم لم يلد عبدا و لا أمة، و إنّ الناس كلّهم أحرار، و لكنّ اللّه خوّل بعضكم بعضا، فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمنّ به على اللّه- عزّ و جلّ-. ألا و قد حضر شي ء و نحن مسوّون فيه بين الأسود و الأحمر. فقال مروان لطلحة و الزبير: ما أراد بهذا غيركما. قال: فأعطى كلّ واحد ثلاثة دنانير، و أعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير، و جاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة

دنانير، فقال الأنصاري: يا أمير المؤمنين، هذا غلام اعتقته بالأمس تجعلني و إيّاه سواء؟! فقال: إنّي نظرت في كتاب اللّه فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا.» «1»

أقول: قوله: «فمن كان له بلاء فصبر ...» لعلّه لبيان أنّ من له بلاء و صبر فقد وقع أجره على اللّه و اللّه- تعالى- يوجره لا محالة، فليس له أن يتوقّع التفضيل في العطايا لذلك. فإنّ العطايا على أساس الحاجات لا الفضائل، كما يأتي بيانه.

3- و في فروع الكافي بسند فيه إرسال، عن أبي مخنف الأزدي، قال: أتى أمير المؤمنين «ع» رهط من الشيعة فقالوا: يا أمير المؤمنين، لو أخرجت هذه الأموال ففرّقتها في هؤلاء الرؤساء و الأشراف و فضّلتهم علينا حتّى إذا استوسقت الأمور عدت إلى أفضل ما عوّدك اللّه من القسم بالسّويّة و العدل في الرعيّة. فقال أمير المؤمنين «ع»: «أ تأمرونّي- و يحكم- أن أطلب النصر بالظلم و الجور فيمن ولّيت عليه من أهل الإسلام؟! لا و اللّه لا يكون ذلك ما سمر السمير و ما رأيت في السماء نجما، و اللّه لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم فكيف و إنّما هي أموالهم؟»

قال: ثمّ أزم ساكتا طويلا ثمّ رفع رأسه فقال:

«من كان فيكم له مال فإيّاه و الفساد، فإنّ إعطاءه في غير حقّه تبذير و إسراف و هو يرفع ذكر صاحبه في الناس و يضعه عند اللّه، و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلّا حرّمه اللّه شكرهم و كان لغيره ودّهم، فإن بقي معه منهم بقية ممّن يظهر الشكر له و يريه النصح فإنّما ذلك ملق منه و كذب، فإن زلّت بصاحبهم النعل ثمّ احتاج إلى معونتهم

و مكافأتهم فألأم خليل و شرّ

______________________________

(1)- الكافي 8/ 69 (الروضة)، الحديث 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 671

خدين، و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و عند غير أهله إلّا لم يكن له من الحظّ فيما أتى إلّا محمدة اللئام و ثناء الأشرار ما دام عليه منعما مفضلا، و مقالة الجاهل ما أجوده و هو عند اللّه بخيل، فأيّ حظّ أبور و أخسّ (أخسر خ. ل) من هذا الحظ؟ و أيّ فائدة معروف أقلّ من هذا المعروف، فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة و ليحسن منه الضيافة و ليفكّ به العاني و الأسير و ابن السبيل، فإن الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا و شرف الآخرة.» «1»

و روى صدر الرواية في الوسائل عن الكافي، و كذا عن السرائر نحوه «2».

أقول: أزم عن الكلام من باب ضرب: أمسك عنه.

4- و في كتاب الغارات بسنده: «أنّ طائفة من أصحاب عليّ «ع» مشوا إليه فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعط هذه الأموال و فضّل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم و من تخاف خلافه من الناس و فراره، قال: و إنّما قالوا له ذلك للذي كان معاوية يصنع من أتاه، فقال لهم عليّ «ع»: «أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور إلخ» و ذكر قريبا ممّا في الكافي، فراجع «3».

و روى نحوه في الوسائل عن أمالي ابن الشيخ «ره». و في المستدرك عن أمالي المفيد، فراجع «4».

5- و في نهج البلاغة: و من كلام له «ع» لمّا عوتب على التسوية في العطاء:

«أ تأمرونّي أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ و اللّه ما أطور به ما سمر سمير

و ما أمّ نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف و إنّما المال مال اللّه؟! ألا و إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير و إسراف، و هو يرفع صاحبه في الدنيا و يضعه في الآخرة، و يكرمه في الناس و يهينه عند اللّه. و لم يضع امرؤ ماله في غير حقّه و لا عند غير أهله إلّا حرّمه اللّه شكرهم و كان لغيره ودّهم، فإن

______________________________

(1)- فروع الكافي 4/ 31، (ط. القديم 1/ 170)، كتاب الزكاة، باب وضع المعروف موضعه، الحديث 3.

(2)- الوسائل 11/ 80، الباب 39 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.

(3)- الغارات 1/ 75.

(4)- الوسائل 11/ 81، الباب 39 من أبواب جهاد العدو، الحديث 6؛ و المستدرك 2/ 260، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 672

زلّت به النعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشرّ خدين و ألأم خليل.» «1»

أقول: طار به: قرب منه. و السمر محركة: الليل و حديثه. و السمير: الدهر و المسامر. و ما سمر سمير، أي ما اختلف الليل و النهار. و المقصود أنّي لا أقرب منه و لا أفعله مدى الدهر. و الخدين: الصديق.

و في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح الخطبة، قال:

«و اعلم أنّ هذه مسألة فقهيّة، و رأي عليّ «ع» و أبي بكر فيها واحد و هو التسوية بين المسلمين في قسمة الفي ء و الصدقات، و إلى هذا ذهب الشافعي. و أمّا عمر فإنّه لمّا ولّى الخلافة فضّل بعض الناس على بعض: ففضل السابقين على غيرهم، و فضّل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين، و فضّل المهاجرين كافّة على

الأنصار كافّة، و فضّل العرب على العجم، و فضّل الصريح على المولى. و قد كان أشار على أبي بكر أيّام خلافته بذلك فلم يقبل، و قال: إنّ اللّه لم يفضّل أحدا على أحد و لكنّه قال: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ» و لم يخصّ قوما دون قوم، فلمّا أفضت إليه الخلافة عمل بما كان أشار به أوّلا. و قد ذهب كثير من فقهاء المسلمين إلى قوله، و المسألة محلّ اجتهاد، و للإمام أن يعمل بما يؤدّيه إليه اجتهاده، و إن كان اتّباع عليّ «ع» عندنا أولى، و لا سيّما إذا عضده موافقة أبي بكر على المسألة. و إن صحّ الخبر أنّ رسول اللّه «ص» سوّى فقد صارت المسألة منصوصا عليها لأنّ فعله «ع» كقوله.» «2» انتهى كلام ابن أبي الحديد.

أقول: لا يخفى أنّ محلّ البحث في التسوية و التفضيل هو العطايا المعطاة مجانا من الفي ء و الصدقات في غير المؤلفة قلوبهم لحاجة الأشخاص، و واضح أنّه لا وجه للتفضيلات الّتي ذكروها في ذلك كتفضيل الأسود على الأحمر، أو العرب على

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 389؛ عبده 2/ 10؛ لح/ 183، الخطبة 126. و في الصالح و الفيض: «لا أطور»، و في الصالح: «فشرّ خليل و ألأم خدين».

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8/ 111.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 673

العجم و نحو ذلك. بل و السوابق الحسنة و الفضائل العلميّة و القربات عند اللّه- تعالى- أيضا لا توجب التفضيل في العطايا الملحوظ فيها رفع الحاجة في المعيشة، بل فضائلهم بينهم و بين اللّه كما في الخبر الآتي. نعم، كثرة الحاجة و العائلة تكون ملاكا للتفضيل في ذلك.

و أمّا استخدام

الأشخاص و استيجارهم لأعمال خاصّة فهو تابع لقيمة العمل في المجتمع. و قيمة الأعمال و التخصّصات لا محالة تختلف حسب الأصقاع و الأزمنة كما هو واضح. فاللازم فيه إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه حتّى تنتظم الأمور.

6- و في الوسائل عن الشيخ بسنده، عن حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول- و سئل عن قسم بيت المال- فقال: «أهل الإسلام هم أبناء الإسلام أسوّي بينهم في العطاء و فضائلهم بينهم و بين اللّه، أجعلهم كبني رجل واحد، لا يفضّل أحد منهم لفضله و صلاحه في الميراث على آخر ضعيف منقوص. قال: و هذا هو فعل رسول اللّه «ص» في بدو أمره. و قد قال غيرنا: أقدّمهم في العطاء بما قد فضّلهم اللّه بسوابقهم في الإسلام إذا كان بالإسلام قد أصابوا ذلك فأنزلهم على مواريث ذوي الأرحام بعضهم أقرب من بعض و أوفر نصيبا لقربه من الميّت، و إنّما ورثوا برحمهم، و كذلك كان عمر يفعله.» «1»

7- و في نهج البلاغة من كلام له «ع» كلّم به عبد اللّه بن زمعة و هو من شيعته، و ذلك أنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا فقال «ع»: «إنّ هذا المال ليس لي و لا لك، و إنّما هو في ء للمسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، و إلّا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.» «2»

[عتاب على ع في حفظ بيت المال]

8- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى زياد بن أبيه، و هو خليفة عامله:

عبد اللّه بن عباس على البصرة- و عبد اللّه عامل أمير المؤمنين «ع» يومئذ عليها و على كور الأهواز و فارس و كرمان-: «و إنّي أقسم باللّه قسما صادقا

لئن بلغني أنّك خنت من في ء

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 81، الباب 39 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 728؛ عبده 2/ 253؛ لح/ 353، الخطبة 232.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 674

المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدّن عليك شدّة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر، و السلام.» «1»

أقول: في ء المسلمين ما لهم من غنيمة أو خراج. و الوفر: المال الواسع. و الضئيل:

الضعيف النحيف. فهو «ع» هدّده بأخذ المال و مصادرته ليرجع إلى أهله.

9- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني، و هو عامله على أردشير خرّة: «بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك، و أغضبت إمامك: أنّك تقسم في ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم، و أريقت عليه دماؤهم، فيمن اعتامك من أعراب قومك، فو الذي فلق الحبّة و برأ النسمة، لئن كان ذلك حقّا لتجدنّ بك عليّ هوانا، و لتخفنّ عندي ميزانا، فلا تستهن بحقّ ربّك، و لا تصلح دنياك بمحق دينك، فتكون من الأخسرين أعمالا. ألا و إنّ حقّ من قبلك و قبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفي ء سواء، يردون عندي عليه، و يصدرون عنه.» «2»

أقول: أردشير خرّة بضم الخاء و تشديد الراء: كورة من كور فارس، و الظاهر أنّه ما يسمّى في عصرنا «فيروزآباد». و أردشير خرّة أصله: فرّه أردشير. اعتام: اختار العيمة، أي خيار المال. و اعتامك: اختارك. و القبل بكسر ففتح: ظرف بمعنى عند.

[حساب علي ع عاملي بيت المال]

10- و فيه أيضا و من كتاب له «ع» إلى بعض عمّاله: «أمّا بعد، فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربّك، و عصيت إمامك، و أخزيت

أمانتك. بلغني أنّك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك، و أكلت ما تحت يديك فارفع إليّ حسابك، و اعلم أنّ حساب اللّه أعظم من حساب الناس، و السلام.» «3»

و لعلّ المخاطب في الكتاب هو ابن عباس، كما يأتي بيانه في الكتاب التالي.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 870؛ عبده 3/ 22؛ لح/ 377، الكتاب 20.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 961؛ عبده 3/ 76؛ لح/ 415، الكتاب 43.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 955؛ عبده 3/ 72؛ لح/ 412، الكتاب 40.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 675

11- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى بعض عمّاله: «أمّا بعد، فإنّي كنت أشركتك في أمانتي، و جعلتك شعاري و بطانتي، و لم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي و موازرتي و أداء الأمانة إليّ، فلمّا رأيت الزمان على ابن عمّك قد كلب، و العدوّ قد حرب، و أمانة الناس قد خزيت، و هذه الأمّة قد فنكت و شغرت، قلبت لابن عمّك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين و خذلته مع الخاذلين، و خنته مع الخائنين، فلا ابن عمّك آسيت، و لا الأمانة أدّيت، و كأنّك لم تكن اللّه تريد بجهادك، و كأنّك لم تكن على بيّنة من ربّك، و كأنّك إنّما كنت تكيد هذه الأمّة عن دنياهم، و تنوي غرّتهم عن فيئهم، فلمّا أمكنتك الشدّة في خيانة الأمّة أسرعت الكرّة و عاجلت الوثبة، و اختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم و أيتامهم اختطاف الذئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثّم من أخذه كأنّك- لا أبا لغيرك- صدرت إلى أهلك تراثا من أبيك و أمّك. فسبحان اللّه! أما

تؤمن بالمعاد؟ أو ما تخاف نقاش الحساب؟

أيّها المعدود- كان- عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا و طعاما و أنت تعلم أنّك تأكل حراما و تشرب حراما؟ و تبتاع الإماء و تنكح النساء من مال اليتامى و المساكين و المؤمنين و المجاهدين الذين أفاء اللّه عليهم هذه الأموال و أحرز بهم هذه البلاد؟!!

فاتّق اللّه و اردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنّك إن لم تفعل ثمّ أمكنني اللّه منك لأعذرنّ إلى اللّه فيك، و لأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلّا دخل النار!

و اللّه لو أنّ الحسن و الحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، و لا ظفرا منّى بإرادة حتّى آخذ الحقّ منهما و أزيل الباطل عن مظلمتهما. و أقسم باللّه رب العالمين: ما يسرّني أنّ ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي، فضحّ رويدا فكأنّك قد بلغت المدى، و دفنت تحت الثرى، و عرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة، و يتمنّى المضيّع فيه الرجعة، و لات حين مناص.» «1»

أقول: أشركتك في أمانتي، المراد بها بيت المال الذي في يده، أو أمر الولاية،

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 956؛ عبده 3/ 72؛ لح/ 412، الكتاب 41.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 676

و قد كتب هو «ع» إلى أشعث بن قيس عامله على آذربيجان: «إنّ عملك ليس لك بطعمة و لكنّه في عنقك أمانة.» «1» و الشعار بالفتح و الكسر: ما يلي الشعر من الثياب.

و بطانة الرجل: خاصّته. و كلب الرجل: اشتدّ. و حرب العدوّ: استأسد و اشتدّ غضبه. و خزيت أمانة الناس: هانت. و الفنك: التعدّي و الغلبة بلا حقّ. و شغرت

الأمّة: خلت من الخير و قيل: تفرّقت. و ظهر المجنّ في الحرب يكون إلى طرف العدوّ فإذا قلبه فكأنّه صار مع العدوّ. و أسرعت الكرّة: أي حملت على أموال الناس. و الذئب الأزلّ: خفيف الوركين، فإنّها أسرع لوثبته. و الدامية: المجروحة المدمية. و التأثّم:

التحرّز من الإثم. و الهوادة: المصالحة و المصانعة. فضحّ رويدا: أمر بالاناة و السكون.

قالوا و أصلها الرجل يطعم إبله ضحى و يسيرها مسرعا ليسير فلا يشبعها، فيقال له:

ضحّ رويدا. هذا.

و لعلّ المخاطب في هذا الكتاب و الذي قبله شخص واحد.

و اختلف في المراد منه: فقيل إنّه عبيد اللّه بن عباس عامله «ع» على اليمن و الذي لحق في نهاية الأمر بمعاوية. و قيل إنّه عبد اللّه بن عباس عامله على البصرة و الأهواز و فارس و ملازمه في أكثر ملاحمه و حروبه.

و ربّما يشهد لهذا القول التعبيرات الواردة في الكتاب من قوله «ع»: «أشركتك في أمانتي و جعلتك شعاري و بطانتي و لم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي»، و قوله: «قلبت لابن عمّك»، و قوله: «فلا ابن عمّك آسيت»، و قوله: «أيّها المعدود- كان- عندنا من ذوي الألباب» إلى غير ذلك من تعبيرات الكتاب.

و روى الكشّي في عبد اللّه بن عباس بسنده عن الزهري، قال:

«سمعت الحارث يقول: استعمل عليّ «ع» على البصرة عبد اللّه بن عبّاس، فحمل كلّ مال في بيت المال بالبصرة و لحق بمكّة و ترك عليّا «ع»، و كان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد عليّ «ع» المنبر حين بلغه ذلك فبكا فقال: «هذا ابن عمّ رسول اللّه «ص» في علمه و قدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللّهم إنّي

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/

839؛ عبده 3/ 7؛ لح/ 366، الكتاب 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 677

قد مللتهم فأرحني منهم و اقبضني إليك غير عاجز و لا ملول.»

قال الكشّي:

قال شيخ من أهل اليمامة يذكر عن معلى بن هلال، عن الشعبي قال: لما احتمل عبد اللّه بن عباس بيت مال البصرة و ذهب به إلى الحجاز كتب إليه علي بن أبي طالب- و ذكر قريبا من الكتاب الذي مرّ من نهج البلاغة. ثمّ قال-:

فكتب إليه عبد اللّه بن عباس: «أمّا بعد، فقد أتاني كتابك تعظم عليّ إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، و لعمري إنّ لي في بيت مال اللّه أكثر ممّا أخذت، و السّلام.»

قال: فكتب إليه عليّ بن أبي طالب «ع»: «أمّا بعد، فالعجب كلّ العجب من تزيين نفسك أنّ لك في بيت مال اللّه أكثر ممّا أخذت و أكثر ممّا لرجل من المسلمين، فقد أفلحت إن كان تمنّيك الباطل و ادعاؤك ما لا يكون، ينجيك من الإثم و يحلّ لك ما حرّم اللّه عليك، عمّرك اللّه إنّك لأنت العبد المهتدى إذن، فقد بلغني أنّك اتّخذت مكّة وطنا، و ضربت بها عطنا تشتري مولّدات مكّة و الطائف، تختارهنّ على عينك و تعطي فيهنّ مال غيرك. و إنّي لأقسم باللّه ربّي و ربّك ربّ العزّة ما يسرّني أنّ ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبى ميراثا، فلا غرور أشد باغتباطك بأكله رويدا رويدا، فكأنّ قد بلغت المدى و عرضت على ربّك و المحلّ الذي تتمنّى الرجعة، و المضيّع للتوبة كذلك، و ما ذلك و لات حين مناص. و السلام.»

قال: فكتب إليه عبد اللّه بن عباس: «أمّا بعد، فقد

أكثرت عليّ، فو اللّه لأن ألقى اللّه بجميع ما في الأرض من ذهبها و عقيانها أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه بدم رجل مسلم.» «1» انتهى كلام الكشي.

و روى قريبا من ذلك ابن أبي الحديد في الشرح، فراجع «2».

أقول: ليس المقام مقام تحقيق هذه المسألة التاريخيّة و بيان صحّتها و سقمها،

______________________________

(1)- اختيار معرفة الرجال/ 60- 62.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/ 170.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 678

و ربّما يخطر ببعض الأذهان أنّ حبر الأمّة و عالمها و من روي أنّه دعا له النّبيّ «ص» بالفقه و الحكمة و التأويل، و عرف حاله في المحبّة و الإخلاص لأمير المؤمنين «ع» و النصر له و الذبّ عنه في المواقف الخطيرة كيف يمكن أن يصدر عنه هذه الخيانة!! و كلّ من يقرأ التواريخ و السير يظهر له ثناؤه الدائم لأمير المؤمنين «ع» و ذكره لفضائله و مناقبه، و خصامه و مشاقته لمعاوية حتّى بعد شهادة أمير المؤمنين «ع» و قد كان معاوية يستميل الأشخاص و يجتذبهم بالأموال كما اجتذب عبيد اللّه أخاه و لم يسمع ميل عبد اللّه إلى ساحته أبدا، فيعلم بذلك طهارة ذيله و كذب القصّة. هذا.

و لكن نقول: الروايات التي نقلنا بعضها من الكشي أخبار ضعاف بل و يعلم عداوة بعض رواتها لأهل البيت فلا يعتمد عليها، و لكن ما حكاه السيد الرضي «ره» في نهج البلاغة قد أطبقت الرواة على روايته و ذكر في أكثر كتب السير كما في شرح ابن أبي الحديد، و يشكل حمله على أخيه عبيد اللّه مع ما فيه من القرائن التي مرّت.

و الذي يسهّل الخطب أنّ ابن عباس مع جلالته و

عظم قدره لم يكن عندنا معصوما، و لعلّه بعد ما أيس من دوام الحكومة العادلة الحقة و اطمأنّ بأنّ الحكومة سوف تقع في أيدي الأعداء و قد علم سجيّة بني أميّة و شيمتهم و أنّهم لا محالة ينتقمون يوما من بني هاشم و يمنعونهم حقوقهم و يضيّقون الأمر عليهم قد فكّر في ادّخار بيت المال ليوم الشدّة و المآل، و النفس أمارة بالسوء إلّا ما رحم اللّه و من شأنها دائما التوجيه و التبرير، و قد كفى المرء نبلا أن تعدّ معايبه كما قيل.

و هل لم نر في جميع الأعصار من رجال العلم و الدين رجالا كانوا مخلصين ملتزمين و لكن بعد ما أقبلت الدنيا إليهم و صاروا مراجع للأموال العامّة وقع منهم أو من بعض حواشيهم و أولادهم ما لم يكن يترقّب من الإسراف و التبذير و ادّخار الأموال العامّة و الاستبداد بها في ضوء بعض التوجيهات؟ فنعوذ باللّه من وساوس النفس و هواجسها. هذا.

و لكن بعد اللتيا و التي يشكل الجزم بكون المخاطب في الخطبتين هو عبد اللّه بن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 679

عباس، و ليس لتعقيب الموضوع أثر عمليّ شرعيّ، و اللّه العالم بالأمور.

[طلب عقيل زيادة عن حقه من بيت المال]

12- و في نهج البلاغة أيضا: «و اللّه لأن أبيت على حسك السعدان مسهّدا و أجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه و رسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد و غاصبا لشي ء من الحطام، و كيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها و يطول في الثرى حلولها؟! و اللّه لقد رأيت عقيلا و قد أملق حتّى استماحني من برّكم صاعا، و رأيت صبيانه شعث الشعور غير الألوان

من فقرهم كأنّما سوّدت وجوههم بالعظلم، و عاودني مؤكّدا و كرّر عليّ القول مرددا، فأصغيت إليه سمعي فظنّ أني أبيعه ديني و أتبع قياده مفارقا طريقتي، فأحميت له حديدة ثمّ أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها، و كاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أ تئنّ من حديدة أحماها إنسانها للعبه، و تجرّني إلى نار سجرها جبّارها لغضبه؟! أ تئن من الأذى و لا أئنّ من لظى؟!

و أعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها و معجونة شنئتها كأنّما عجنت بريق حيّة أو قيئها، فقلت: أ صلة أم زكاة أم صدقة؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت فقال: لا ذا و لا ذاك و لكنّها هديّة، فقلت هبلتك الهبول، أ عن دين اللّه أتيتني لتخدعني؟ أ مختبط أم ذو جنّة أم تهجر؟

و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت (ما فعلته خ. ل)، و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليّ و لنعيم يفنى، و لذّة لا تبقى؟! نعوذ باللّه من سبات العقل و قبح الزلل و به نستعين.» «1»

أقول: و إنّما ذكرنا الخطبة بتمامها، لاشتمالها على ما ينبغي لكلّ من يتصدّى للولاية العامّة و يتسلّط على الأموال العامّة و بيت مال المسلمين أن يلاحظها و يطالعها و يجعلها نصب عينيه و يعتبر بها.

و السعدان بالفتح: نبت له شوك و يقال له: حسك السعدان، و تشبّه به حلمة الثدي. و المسهّد: الأرق و القليل النوم. و المصفّد: المقيّد. و القفول: الرجوع.

و الاستماحة: طلب العطيّة. و العظلم كزبرج: نبت يصبغ به

ما يراد اسوداده.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 713؛ عبده 2/ 243؛ لح/ 346، الخطبة 224.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 680

و سجّرها: أوقدها. و الظاهر أن قوله: فذلك محرّم إشارة إلى الزكاة و الصدقة. و كذلك قول الأشعث: لاذا و لا ذاك، و على هذا فالمراد بالهدية و الصلة واحد. و الهبول بالفتح: المرأة التي اعتادت بثكل الولد. و جلب الشعيرة بالضم و قيل بالكسر:

قشرها.

و في شرح ابن أبي الحديد:

«قوله: «بملفوفة في وعائها» كان أهدى له الأشعث بن قيس نوعا من الحلواء تأنق فيه. و كان- عليه السلام- يبغض الأشعث، لأنّ الأشعث كان يبغضه، و ظنّ الأشعث أنّه يستميله بالمهاداة لغرض دنيوي كان في نفس الأشعث. و كان أمير المؤمنين «ع» يفطن لذلك و يعلمه، و لذلك ردّ هدية الأشعث، و لو لا ذلك لقبلها، لأنّ النّبيّ «ص» قبل الهدية، و قد قبل عليّ «ع» هدايا جماعة من أصحابه.

و دعاه بعض من كان يأنس إليه إلى حلواء عملها يوم نوروز فأكل و قال: لم عملت هذا؟ فقال: لأنّه يوم نوروز: فضحك و قال: نورزوا لنا في كلّ يوم إن استطعتم.» «1»

13- و في شرح ابن أبي الحديد: «سأل معاوية عقيلا عن قصّة الحديدة المحماة المذكورة. فبكى و قال: أنا أحدثك يا معاوية عنه «ع»، ثمّ أحدّثك عمّا سألت:

نزل بالحسين ابنه ضيف فاستسلف درهما اشترى به خبزا، و احتاج إلى الإدام فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقّا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن فأخذ منه رطلا، فلمّا طلبها- عليه السلام- ليقسّمها، قال: يا قنبر، أظنّ أنّه حدث بهذا الزقّ حدث، فأخبره، فغضب- عليه السلام- و قال: عليّ بحسين! فرفع عليه

الدرّة فقال: بحقّ عمّي جعفر- و كان إذا سئل بحق جعفر سكن- فقال له: ما حملك أن أخذت منه قبل القسمة؟ قال:

إنّ لنا فيه حقّا، فإذا أعطيناه رددناه. قال: فداك أبوك! و إن كان لك فيه حقّ فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم! أما لو لا أنّي رأيت رسول اللّه «ص» يقبّل ثنيتك لأوجعتك ضربا. ثمّ دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه و قال: اشتر به خير عسل تقدر عليه.

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11/ 247.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 681

قال عقيل: و اللّه لكأنّي أنظر إلى يدي عليّ، و هي على فم الزقّ، و قنبر يقلب العسل فيه، ثمّ شدّه و جعل يبكي، و يقول: اللّهم اغفر لحسين فإنّه لم يعلم!

فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله، رحم اللّه أبا حسن، فلقد سبق من كان قبله، و أعجز من يأتي بعده! هلم حديث الحديدة.

قال: نعم، أقويت و أصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تند صفاته فجمعت صبياني و جئته بهم، و البؤس و الضرّ ظاهران عليهم، فقال: ايتني عشيّة لأدفع إليك شيئا.

فجئته يقودني أحد ولدى، فأمره بالتنحّي، ثمّ قال: ألا فدونك. فأهويت حريصا قد غلبني الجشع- أظنّها صرّة- فوضعت يدي على حديدة تلتهب نارا، فلمّا قبضتها نبذتها و خرت كما يخور الثور تحت يد جازره، فقال لي: ثكلتك أمّك! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا، فكيف بك و بي غدا إن سلكنا في سلاسل جهنّم. ثمّ قرأ: «إذ الأغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون.»

ثمّ قال: ليس لك عندي فوق حقّك الذي فرضه اللّه لك إلّا ما ترى، فانصرف إلى

أهلك.

فجعل معاوية يتعجّب و يقول: هيهات هيهات! عقمت النساء أن يلدن مثله.» «1»

أقول: و روى نظير قصّة الحسين و العسل في المناقب «2» عن الفائق في شأن الحسن بن علي «ع»، و لعلّهما واحدة وقع في إحداهما تصحيف.

و رواه في البحار عن المناقب، فراجع «3».

[عطاء الحسن ع للعقيل من ماله]

14- و في المناقب عن جمل أنساب الأشراف: «و قدّم عليه عقيل فقال للحسن: اكس عمّك. فكساه قميصا من قمصه و رداء من أرديته، فلمّا حضر العشاء فإذا هو خبز و ملح فقال عقيل: ليس إلّا ما أرى؟ فقال: أو ليس هذا من نعمة اللّه فله الحمد كثيرا. فقال: أعطني ما أقضى به ديني و عجّل سراحي حتّى أرحل عنك،

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11/ 253.

(2)- المناقب لابن شهرآشوب 1/ 375.

(3)- بحار الأنوار 41/ 112، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 107 (باب جوامع مكارم أخلاقه)، الحديث 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 682

قال: فكم دينك يا أبا يزيد؟ قال: مأئة ألف درهم. قال: و اللّه ما هي عندي و لا أملكها و لكن اصبر حتّى يخرج عطائي فأواسيكه، و لو لا أنّه لا بدّ للعيال من شي ء لأعطيتك كلّه، فقال عقيل:

بيت المال في يدك و أنت تسوّفني إلى عطائك! و كم عطاؤك و ما عسى يكون و لو أعطيتنيه كلّه؟! فقال: ما أنا و أنت فيه إلّا بمنزلة رجل من المسلمين. و كانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة مشرفين على صناديق أهل السوق. فقال له عليّ «ع»: إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله و خذ ما فيه. فقال: و ما في هذه الصناديق؟ قال: فيها أموال

التجّار.

قال: أ تأمرني ان أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على اللّه و جعلوا فيها أموالهم؟

فقال أمير المؤمنين «ع»: أ تأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم و قد توكّلوا على اللّه و أقفلوا عليها؟ و إن شئت أخذت سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعا إلى الحيرة فإن بها تجّارا مياسير فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله. فقال: أو سارقا جئت؟! قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعا. قال له: أ فتأذن لي أن أخرج إلى معاوية؟ فقال له:

قد أذنت لك. قال: فأعنّي على سفري هذا. قال: يا حسن أعط عمّك أربعمائة درهم فخرج عقيل و هو يقول:

سيغنيني الذي أغناك عنّي و يقضي ديننا ربّ قريب.

و ذكر عمرو بن العاص (عمرو بن العلاء- البحار) أن عقيلا لمّا سأل عطاءه من بيت المال، قال له أمير المؤمنين «ع»: تقيم إلى يوم الجمعة. فأقام فلمّا صلّى أمير المؤمنين «ع» الجمعة قال لعقيل: «ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين؟ قال: بئس الرجل ذاك. قال: فأنت تأمرني أن أخون هؤلاء و أعطيك.» و رواه عنه في البحار. «1»

[علي ع و إطفاء سراج بيت المال]

15- و فيه أيضا: «و سمعت مذاكرة أنّه دخل عليه عمرو بن العاص ليلة و هو في بيت المال، فطفئ السراج و جلس في ضوء القمر، و لم يستحلّ أن يجلس في الضوء من

______________________________

(1)- المناقب لابن شهرآشوب 1/ 376؛ و رواه في بحار الأنوار 41/ 113، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 107 (باب جوامع مكارم أخلاقه)، الحديث 23.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 683

غير استحقاق.» «1»

16- و في تعليقات إحقاق الحقّ عن كتاب المناقب المرتضوية، قال: «كان أمير المؤمنين عليّ

«ع» دخل ليلة في بيت المال يكتب قسمة الأموال فورد عليه طلحة و زبير فأطفأ السراج الذي بين يديه و أمر بإحضار سراج آخر من بيته فسألاه عن ذلك فقال: كان زيته من بيت المال لا ينبغي أن نصاحبكم في ضوئه.» «2»

[انتزع الحلل من الناس و ردّها في البزّ]

17- و في المناقب أيضا عن تاريخ الطبري و فضائل أمير المؤمنين عن ابن مردويه أنّه لمّا أقبل من اليمن تعجّل إلى النّبيّ «ص» و استخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كلّ رجل من القوم حلّة من البزّ الذي كان مع عليّ «ع» فلمّا دنى جيشه خرج عليّ «ع» ليتلقّاهم فإذا هم عليهم الحلل، فقال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوتهم ليتجمّلوا إذا قدموا في الناس. قال:

ويلك، من قبل أن ينتهي إلى رسول اللّه «ص»؟! قال: فانتزع الحلل من الناس و ردّها في البزّ.

و أظهر الجيش شكاية لما صنع بهم.

ثمّ روى عن الخدري أنّه قال: شكا الناس عليّا فقام رسول اللّه «ص» خطيبا فقال: «أيّها الناس، لا تشكوا عليّا، فو اللّه إنّه لخشن في ذات اللّه.» «3»

[طلحة و الزبير جاءا إلى أمير المؤمنين «ع» ليزيد في حقّهم]

18- و فيه أيضا: «و في رواية عن أبي الهيثم بن التيهان و عبد اللّه بن أبي رافع أنّ طلحة و الزبير جاءا إلى أمير المؤمنين «ع» و قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر.

قال: فما كان يعطيكما رسول اللّه «ص»؟ فسكتا. قال: أ ليس كان رسول اللّه «ص» يقسّم بالسّويّة بين المسلمين؟ قالا: نعم. قال: «فسنّة رسول اللّه «ص» أولى بالاتباع عندكم أم سنّة عمر؟

قالا: سنّة رسول اللّه. يا أمير المؤمنين، لنا سابقة و عناء و قرابة. قال: سابقتكما أقرب أم سابقتي؟ قالا: سابقتك. قال: فقرابتكما أم قرابتي؟ قالا: قرابتك. قال: فعناؤكما أعظم من

______________________________

(1)- المناقب لابن شهرآشوب 1/ 377.

(2)- إحقاق الحق 8/ 539.

(3)- المناقب لابن شهرآشوب 1/ 377.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 684

عنائي؟ قالا: عناؤك. قال: فو اللّه ما أنا و أجيري هذا إلّا بمنزلة واحدة.

و أومى بيده إلى الأجير.» «1»

و روى نحوه في المستدرك عن دعائم الإسلام. و في هذا الباب من المستدرك روايات أخر تناسب المقام، فراجع «2».

[إحدى بنات أمير المؤمنين «ع» استعارت من أمين بيت المال]

19- و في التهذيب و الوسائل في حديث أنّ إحدى بنات أمير المؤمنين «ع» استعارت من أمين بيت المال علي بن أبي رافع عقد لؤلؤ كان فيه عارية مضمونة، فقال له أمير المؤمنين «ع»: «أ تخون المسلمين؟» فقال: معاذ اللّه أن أخون المسلمين.

فقال: كيف أعرت بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير أذني و رضاهم؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّها ابنتك و سألتني أن أعيرها إيّاه تتزيّن به فأعرتها إيّاه عارية مضمونة مردودة فضمنته في مالي و عليّ أن أردّه سليما إلى موضعه. قال:

فردّه من يومك، و إيّاك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي ثمّ أولى لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذا أول هاشميّة قطعت يدها في سرقة. قال: فبلغ مقالته ابنته فقالت له: يا أمير المؤمنين، أنا ابنتك و بضعة منك، فمن أحقّ بلبسه منّي؟

فقال لها أمير المؤمنين «ع»: يا بنت علي بن أبي طالب، لا تذهبنّ بنفسك عن الحقّ، أ كلّ نساء المهاجرين تتزين في هذا العيد بمثل هذا؟! قال: فقبضته منها و رددته إلى موضعه «3».

[لا يحلّ للخليفة من مال اللّه إلّا قصعتان]

20- و في كنز العمّال عن عليّ «ع»، قال: «لا يحلّ للخليفة من مال اللّه إلّا قصعتان: قصعة يأكلها هو و أهله، و قصعة يطعمها.» (كر) «4».

21- و فيه أيضا عن عليّ «ع»، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «لا يحلّ للخليفة من مال اللّه إلّا قصعتان: قصعة يأكل منها هو و أهله، و قصعة يضعها بين يدي الناس.»

______________________________

(1)- المناقب لابن شهرآشوب 1/ 378.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 260، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

(3)- تهذيب الأحكام 10/ 151، كتاب الحدود، باب الزيادات، الحديث 37؛ و

الوسائل 18/ 521، الباب 26 من أبواب حدّ السرقة، الحديث 1.

(4)- كنز العمال 5/ 773، الباب 2 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14348.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 685

(كرحم) «1». و رواهما ابن عساكر في تاريخه، فراجع «2».

[بيع علي ع سيفه لأربعة دراهم]

22- و في تاريخ ابن عساكر بسنده عن مجمع التيمي، قال: خرج عليّ بن أبي طالب «ع» بسيفه إلى السوق فقال: «من يشتري منّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته.» «3»

[ما بنى عليّ آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة]

23- و فيه أيضا بسنده عن سفيان، يقول: «ما بنى عليّ آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة و لا قصبة على قصبة، و إن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب.» «4»

[ما قال أمير المؤمنين «ع» حين التوجّه إلى الكوفة]

24- و في كتاب الجمل للشيخ المفيد: «روى أبو مخنف لوط بن يحيى عن رجاله، قال: لما أراد أمير المؤمنين «ع» التوجّه إلى الكوفة قام في أهل البصرة فقال:

ما تنقمون عليّ يا أهل البصرة؟ و أشار إلى قميصه و ردائه فقال: و اللّه إنّهما لمن غزل أهلي، ما تنقمون منّي يا أهل البصرة؟ و أشار إلى صرّة في يده فيها نفقته فقال: و اللّه ما هي إلّا من غلّتي بالمدينة فإن أنا خرجت من عندكم بأكثر ممّا ترون فأنا عند اللّه من الخائنين.» «5»

25- و في كتاب الغارات بإسناده عن بكر بن عيسى، قال: كان عليّ «ع» يقول: «يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت من عندكم بغير رحلي و راحلتي و غلامي فأنا خائن.

و كانت نفقته تأتيه من غلّته بالمدينة من ينبع. و كان يطعم الناس الخبز و اللّحم و يأكل من الثريد بالزيت. الحديث.» و رواه ابن أبي الحديد في الشرح «6».

[ما قال عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ «ع»]

26- و في الغارات أيضا بسنده عن حبيب بن أبي ثابت، قال: قال عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ «ع»: يا أمير المؤمنين، لو أمرت لي بمعونة أو نفقة، فو اللّه

______________________________

(1)- كنز العمال 5/ 773، الباب 2 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14349.

(2)- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 3/ 187.

(3)- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 3/ 189.

(4)- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب 3/ 188.

(5)- الجمل/ 224.

(6)- الغارات 1/ 68؛ و شرح البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 200.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 686

ما عندي إلّا أن أبيع بعض

علوفتي، قال له: لا و اللّه، ما أجد لك شيئا إلّا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك.» «1»

أقول: عن المجلسي «ره» أن العلوفة: الناقة أو الشاة تعلفها و لا ترسلها فترعى «2».

و روى الرواية ابن أبي الحديد، إلّا أنّه قال: «إلّا أن أبيع دابّتي.» «3»

[التسوية بين العرب و العجم]

27- و في الغارات أيضا بسنده عن ابي اسحاق الهمداني: «أنّ امرأتين أتتا عليّا «ع» عند القسمة إحداهما من العرب و الأخرى من الموالي، فأعطى كلّ واحدة خمسة و عشرين درهما و كرّا من الطعام، فقالت العربيّة: يا أمير المؤمنين، إنّي امرأة من العرب، و هذه امرأة من العجم؟! فقال عليّ «ع»: إنّي و اللّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء فضلا على بني إسحاق.» و رواه عنه في الوسائل. و روى نحوه ابن أبي الحديد. «4»

28- و في شرح ابن أبي الحديد:

«روى عليّ بن محمّد بن أبي يوسف المدائني عن فضيل بن الجعد قال: آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أمير المؤمنين «ع» أمر المال، فإنّه لم يكن يفضّل شريفا على مشروف، و لا عربيا على عجميّ، و لا يصانع الرؤساء و أمراء القبائل كما يصنع الملوك و لا يستميل أحدا إلى نفسه. و كان معاوية بخلاف ذلك فترك الناس عليّا و التحقوا بمعاوية.» «5» هذا.

[تعويد ما ذهب من بيت المال إلى محلّه]

29- و في نهج البلاغة فيما ردّه «ع» على المسلمين من قطائع عثمان: «و اللّه لو وجدته قد تزوّج به النساء و ملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة، و من ضاق عليه العدل

______________________________

(1)- الغارات 1/ 66.

(2)- الغارات ج 1 في ذيل ص 67.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 200.

(4)- الغارات 1/ 69؛ و الوسائل 11/ 81، الباب 39 من أبواب جهاد العدو، الحديث 4؛ و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 200.

(5)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/ 197.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 687

فالجور عليه أضيق.» «1»

أقول: و لعلّ المقصود أنّ في العدل سعة

الإمام و الأمّة معا، فإنّ الأمّة تطمئنّ نفوسها تحت لواء العدل فتنقاد قهرا للحكومة العادلة الحافظة لحقوقها، و بذلك يرى الحاكم أيضا سعة و راحة، و أمّا جور الحاكم فيوجب في المآل مخالفة الأمّة له و ثورتها عليه فيضيق الأمر على الإمام و الأمّة معا، فتدبّر.

و في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي:

«القطائع ما يقطعه الإمام بعض الرعيّة من أرض بيت المال ذات الخراج و يسقط عنه خراجه، و يجعل عليه ضريبة يسيرة عوضا عن الخراج، و قد كان عثمان أقطع كثيرا من بني أميّة و غيرهم من أوليائه و أصحابه قطائع من أرض الخراج على هذه الصورة ...

و هذه الخطبة ذكرها الكلبي مرويّة مرفوعة إلى أبي صالح، عن ابن عباس «رض»: أنّ عليّا- عليه السلام- خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: «ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان و كلّ مال أعطاه من مال اللّه فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء، و لو وجدته و قد تزوّج به النساء و فرّق في البلدان لرددته إلى حاله، فإنّ في العدل سعة، و من ضاق عليه الحقّ فالجور عليه أضيق.» ...

قال الكلبي: «ثمّ أمر- عليه السلام- بكل سلاح وجد لعثمان في داره ممّا تقوّى به على المسلمين فقبض، و أمر بقبض نجائب كانت في داره من ابل الصدقة فقبضت، و أمر بقبض سيفه و درعه، و أمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، و بالكفّ عن جميع أمواله التي وجدت في داره و في غير داره، و أمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها. فبلغ ذلك عمرو بن العاص- و كان

بأيلة من أرض الشام، أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها- فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك ابن أبي طالب من كلّ مال تملكه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 66؛ عبده 1/ 42؛ لح/ 57، الخطبة 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 688

كما تقشر عن العصا لحاها.» «1»

30- و قال المسعودي في مروج الذهب:

«و انتزع عليّ «ع» أملاكا كانت لعثمان أقطعها جماعة من المسلمين، و قسم ما في بيت المال على الناس و لم يفضل أحدا على أحد.» «2»

31- و في دعائم الإسلام:

«روينا عن عليّ «ع» أنّه لمّا بايعه الناس أمر بكلّ ما كان في دار عثمان من مال و سلاح و كلّ ما كان من أموال المسلمين فقبضه، و ترك ما كان لعثمان ميراثا لورثته.» «3»

32- و فيه أيضا: «روينا عنه «ع» أنّه خطب الناس بعد أن بايعوه فقال في خطبته: «ألا و كلّ قطعة أقطعها عثمان أو مال أعطاه من مال اللّه فهو ردّ على المسلمين في بيت ما لهم، فإنّ الحقّ لا يذهبه الباطل، و الذي فلق الحبّة و برئ النسمة لو وجدته قد تزوّج به النساء و تفرّق في البلدان لرددته على أهله، فإنّ في الحقّ و العدل لكم سعة و من ضاق به العدل فالجور به أضيق.» «4»

أقول: يظهر من الحديث الشريف برواياته المختلفة المتقاربة أنّ من التكاليف و الوظائف المهمّة الموضوعة على عاتق الحاكم الإسلامي مضافا إلى إحقاق حقوق الضعفاء من الأقوياء، هو ردّ الأموال العامّة المغصوبة المتعلّقة بالمجتمع، إلى بيت مال المسلمين، و يعبّر عن هذا بالمصادرة. و مرور الزمان و التداول بالأيدي المتعاقبة و التفرّق في البلدان لا يوجب ذلك

كلّه بطلان الحقّ و عدم ردّه، اللّهم إلّا أن يرى الإمام من وجد عنده المال مصرفا شرعيّا له فيحسبه عليه.

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 269.

(2)- مروج الذهب 2/ 4.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 396، كتاب الجهاد.

(4)- دعائم الإسلام 1/ 396، كتاب الجهاد.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 689

و قد ترى الناس في هذه المسألة غالبا مفرطا أو مفرّطا. فقد يتوهّم أن ما مضى مضى فلا يتعرّض له أصلا، و قد يتوهم أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال فيصادر حتّى أمواله المحلّلة الشخصيّة، و كلاهما باطلان. فأموال بيت المال تردّ إلى بيت المال، و أمواله الشخصيّة المحلّلة لا يجوز التصرّف فيها بغير إذنه، فتدبّر.

33- و يحتمل أن يكون من هذا القبيل أيضا ما حكم به أمير المؤمنين «ع» بالنسبة إلى منذر بن الجارود عامله على إصطخر، حيث كتب إليه: «أمّا بعد، فإنّ صلاح أبيك غرّني منك فإذا أنت لا تدع انقيادا لهواك ... فاقبل إليّ حين تنظر في كتابي، و السلام.» فأقبل فعزله و أغرمه ثلاثين ألفا. «1» و الكتاب مذكور في نهج البلاغة بتفاوت «2».

و لعلّ المتتبّع يعثر على أكثر من هذا، فتتبّع.

خاتمة [في بعض ما حكي عن الخليفة الثاني]

من المناسب أن نذكر في هذا المجال بعض ما حكي عن الخليفة الثاني نذكرها من شرح ابن أبي الحديد المعتزلي على نهج البلاغة:

1- و فد على عمر و فد فيه رجال الناس من الآفاق، فوضع لهم بسطا من عباء، و قدّم إليهم طعاما غليظا، فقالت له ابنته حفصة أمّ المؤمنين: إنّهم وجوه الناس و كرام العرب، فأحسن كرامتهم.

فقال: يا حفصة، أخبريني بألين فراش فرشته لرسول اللّه «ص»، و أطيب طعام أكله عندك؟

قالت: أصبنا كساء ملبّدا عام

خيبر فكنت أفرشه له فينام عليه، و إنّي رفعته ليلة،

______________________________

(1)- تاريخ اليعقوبي 2/ 179.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1073؛ عبده 3/ 145؛ لح/ 461، الكتاب 71.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 690

فلمّا أصبح قال: ما كان فراشي الليلة؟ قلت: فراشك كلّ ليلة، إلّا أنّي الليلة رفعته لك ليكون أوطأ، فقال: أعيديه لحالته الأولى، فإنّ وطأته منعتني الليلة من الصلاة.

و كان لنا صاع من دقيق سلت فنخلته يوما و طبخته له، و كان لنا قعب من سمن فصببته عليه، فبينا هو- عليه السلام- يأكل إذ دخل أبو الدرداء، فقال: أرى سمنكم قليلا، و إن لنا لقعبا من سمن. قال:- عليه السلام-: فارسل فأت به.

فجاء به فصبّه عليه فأكل، فهذا أطيب طعام أكله عندي رسول اللّه «ص».

فأرسل عمر عينيه بالبكاء، و قال لها: و اللّه لا أزيدهم على ذلك العباء و ذلك الطعام شيئا، و هذا فراش رسول اللّه «ص» و هذا طعامه «1»

2- لمّا قدم عتبة بن فرقد آذربيجان اتي بالخبيص، فلمّا أكله وجد شيئا حلوا طيّبا فقال: لو صنعت من هذا لأمير المؤمنين! فجعل له خبيصا في منقلين عظيمين، و حملهما على بعيرين إلى المدينة. فقال عمر: ما هذا؟ قالوا: الخبيص فذاقه فوجده حلوا، فقال للرسول: ويحك، أ كلّ المسلمين عندكم يشبع من هذا؟ قال: لا.

قال: فارددهما. ثمّ كتب إلى عتبة: أمّا بعد، فإنّ خبيصك الذي بعثته ليس من كدّ أبيك و لا من كدّ أمّك أشبع المسلمين ممّا تشبع منه في رحلك، و لا تستأثر فإنّ الأثرة شرّ، و السلام. «2»

أقول: الخبيص: ضرب من الحلواء، هذا.

فليتنبّه و ليعتبر شيعة الخليفة الثاني الناسبون أنفسهم إليه من الرؤساء و الشيوخ المترفين المتسلطين

على منابع ثروة المسلمين و ذخائرهم الذين يصرفون الأموال العامة في مصالح أنفسهم فيسرفون و يبذرون و يقامرون و يشترون القاعات و المستغلات بأثمان غالية في أروبا و أمريكا و يهيّئون لأنفسهم وسائل الفحشاء و الترف،

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 34.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 691

و المسلمون في شتّى البلاد يكابدون أنواع الفقر المالي و الصحّي و الإعلامي و الثقافي، فعليهم إن لم يكن لهم دين أن يكونوا لا محالة أحرارا في دنياهم.

3- و روى عتبة بن فرقد أيضا، قال: قدمت على عمر بحلواء من بلاد فارس في سلال عظام. فقال: ما هذه؟ قلت: طعام طيّب أتيتك به. قال: ويحك! و لم خصصتني به؟ قلت: أنت رجل تقضي حاجات الناس أوّل النهار فأحببت إذا رجعت إلى منزلك أن ترجع إلى طعام طيّب فتصيب منه فتقوى على القيام بأمرك. فكشف عن سلّة منها فذاق فاستطاب، فقال: عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلّا رزقت كلّ رجل من المسلمين مثله! قلت: و الذي يصلحك يا أمير المؤمنين لو أنفقت عليه أموال قيس كلّها لما وسع ذلك. قال: فلا حاجة لي فيه إذا. «1»

4- كان عمر يصادر خونة العمّال، فصادر أبا موسى الأشعري، و كان عامله على البصرة و قال له: بلغني أنّ لك جاريتين، و أنّك تطعم الناس من جفنتين، و أعاده بعد المصادرة إلى عمله. «2»

5- و صادر أبا هريرة، و أغلظ عليه و كان عامله على البحرين، فقال له: ألا تعلم أنّي استعملتك على البحرين و أنت حاف لا نعل في رجلك! و قد بلغني أنّك بعت أفراسا

بألف و ستمائة دينار. قال أبو هريرة: كانت لنا أفراس فتناتجت. فقال: قد حبست لك رزقك و مئونتك، و هذا فضل. قال أبو هريرة: ليس ذلك لك. قال: بلى، و اللّه و أوجع ظهرك! ثمّ قام إليه بالدرة فضرب ظهره حتّى أدماه، ثمّ قال: ايت بها، فلما أحضرها، قال أبو هريرة: سوف أحتسبها عند اللّه. قال عمر: ذاك لو أخذتها من حلّ و أدّيتها طائعا، أما و اللّه ما رجت فيك أميمة أن تجبى أموال هجر و اليمامة و أقصى البحرين لنفسك، لا للّه و لا للمسلمين، و لم ترج فيك أكثر من رعية الحمر.

و عزله «3».

6- و صادر الحارث بن وهب أحد بني ليث بكر بن كنانة، و قال له: ما قلاص و أعبد

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 35.

(2)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 42.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 42.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 692

بعتها بمائة دينار؟ قال: خرجت بنفقة لي فاتّجرت فيها. قال: و إنا و اللّه ما بعثناك للتجارة، أدّها. قال: أما و اللّه لا أعمل لك بعدها. قال: انا و اللّه لا أستعملك بعدها. ثمّ صعد المنبر، فقال: يا معشر الأمراء، إنّ هذا المال لو رأينا أنّه يحلّ لنا لأحللناه لكم، فأمّا إذ لم نره يحلّ لنا و ظلفنا أنفسنا عنه فاظلفوا عنه أنفسكم، فإنّي و اللّه ما وجدت لكم مثلا إلّا عطشان ورد اللجّة، و لم ينظر الماتح، فلمّا روى غرق «1».

7- و كتب عمر إلى عمرو بن العاص و هو عامله في مصر: «أمّا بعد، فقد بلغني أنّه قد ظهر لك مال من إبل

و غنم و خدم و غلمان، و لم يكن لك قبله مال، و لا ذلك من رزقك، فأنّى لك هذا؟! و لقد كان لي من السابقين الأوّلين من هو خير منك، و لكنّي استعملتك لغنائك، فإذا كان عملك لك و علينا، بم نؤثرك على أنفسنا؟! فاكتب إليّ من أين مالك؟ و عجّل، و السلام.»

فكتب إليه عمرو بن العاص: «قرأت كتاب أمير المؤمنين، و لقد صدق، فأمّا ما ذكره من مالي، فإنّي قدمت بلدة، الأسعار فيها رخيصة و الغزو فيها كثير، فجعلت فضول ما حصل لي من ذلك فيما ذكره أمير المؤمنين. و اللّه يا أمير المؤمنين، لو كانت خيانتك لنا حلالا ما خنّاك حيث ائتمنتنا فاقصر عنّا عناك، فإنّ لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن العمل لك، و أمّا من كان لك من السابقين الأوّلين فهلّا استعملتهم! فو اللّه ما دققت لك بابا.»

فكتب إليه عمر: «أمّا بعد، فإنّي لست من تسطيرك و تشقيقك الكلام في شي ء، إنّكم معشر الأمراء أكلتم الأموال، و أخلدتم إلى الأعذار، فإنّما تأكلون النار و تورّثون العار، و قد وجّهت إليك محمد بن مسلمة ليشاطرك على ما في يديك. و السلام.»

فلما قدم إليه محمّد اتّخذ له طعاما و قدمه إليه، فأبى أن يأكل، فقال: مالك لا تأكل طعامنا؟ قال: إنّك عملت لي طعاما هو تقدمة للشرّ، و لو كنت عملت لي طعام الضيف لأكلته، فابعد عنّي طعامك و احضر لي مالك، فلمّا كان الغد

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 42.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 693

و أحضر ماله جعل محمد يأخذ شطرا و يعطي عمروا شطرا فلمّا رأى عمرو

ما جاز محمد من المال قال: يا محمّد، أقول؟ قال: قل ما تشاء. قال: لعن اللّه يوما كنت فيه واليا لابن الخطاب ...» «1»

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/ 43.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 695

الفصل الثاني عشر في وجوب اهتمام الإمام و عمّاله بأمر الضعفاء و الأرامل و الأيتام و من لا حيلة له:

[النّبيّ «ص» أولى بكلّ مؤمن من نفسه و من ترك دينا فعليه ص]

1- ففي أصول الكافي بسنده عن سفيان بن عيينة، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّ النّبيّ «ص» قال: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، و عليّ أولى به من بعدي.» فقيل له: ما معنى ذلك؟ فقال: «قول النّبيّ «ص»: من ترك دينا أو ضياعا فعليّ، و من ترك مالا فلورثته، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، و ليس له على عياله أمر و لا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، و النبيّ و أمير المؤمنين- عليهما السلام- و من بعدهما ألزمهم هذا، فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم. و ما كان سبب إسلام عامّة اليهود إلّا من بعد هذا القول من رسول اللّه «ص» و أنّهم آمنوا على أنفسهم و على عيالاتهم.» «1»

أقول: الضياع بالفتح: العيال كما في النهاية، و بالكسر جمع ضائع «2».

و قوله: ألزمهم هذا، قال في مرآة العقول:

______________________________

(1)- أصول الكافي 1/ 406، كتاب الحجة، باب ما يجب من حقّ الإمام ...، الحديث 6.

(2)- النهاية لابن الأثير 3/ 107.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 696

«لعلّ الضمير المستتر راجع إلى اللّه- تعالى-، و الضمير البارز إلى النّبيّ «ص» و الأئمّة- عليهم السلام-، و الإشارة إلى الإنفاق و أداء الديون.» «1»

2- و في البحار عن الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن الرضا «ع»، قال:

«صعد النبيّ «ص» المنبر فقال: من ترك دينا

أو ضياعا فعليّ و إليّ، و من ترك مالا فلورثته. فصار بذلك أولى بهم من آبائهم و أمّهاتهم، و صار أولى بهم منهم بأنفسهم. و كذلك أمير المؤمنين «ع» بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول اللّه «ص».» «2».

3- و في مسند أحمد عن النّبيّ «ص»: «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه، فمن ترك دينا أو ضياعا فإليّ، و من ترك مالا فللوارث.» «3»

أقول: و هذا المضمون مستفيض بل متواتر في كتب الفريقين و لا سيّما في كتب السنّة، فراجع.

4- و في أصول الكافي بسنده عن صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

قال رسول اللّه «ص»: «أيّما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك. إنّ اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية.» فهو من الْغٰارِمِينَ و له سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه.» «4»

5- و فيه أيضا بسنده عن علي بن موسى الرضا «ع»: «المغرم إذا تديّن أو استدان في حقّ أجّل سنة، فإن اتّسع و إلّا قضى عنه الإمام من بيت المال.» «5»

6- و في خبر موسى بن بكر، قال: قال لي أبو الحسن «ع»: «من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه، فإن غلب عليه فليستدن على اللّه

______________________________

(1)- مرآة العقول 4/ 342 (ط. القديم 1/ 306)، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام ...، الحديث 6.

(2)- بحار الأنوار 27/ 242، كتاب الإمامة، باب حق الإمام على الرعية و ...، الحديث 1.

(3)- مسند أحمد 2/ 464.

(4)- أصول الكافي

1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حقّ الإمام ...، الحديث 7.

(5)- أصول الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حقّ الإمام ...، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 697

و على رسوله «ص» ما يقوت به عياله. فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره. إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا» إلى قوله: «وَ الْغٰارِمِينَ.» فهو فقير مسكين مغرم.» «1»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة بهذا المضمون، و قد مرّ بعضها في الباب الثالث في فصل الزكاة، فراجع.

[كتاب عليّ «ع» لمالك حين ولّاه مصر]

7- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك حين ولّاه مصر: «ثمّ اللّه اللّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى، فإنّ في هذه الطبقة قانعا و معترّا، و احفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك، و قسما من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى. و كلّ قد استرعيت حقّه فلا يشغلنّك عنهم بطر، فإنّك لا تعذر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهمّ، فلا تشخص همّك عنهم، و لا تصعّر خدّك لهم. و تفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون و تحقّره الرجال، ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التواضع، فليرفع إليك أمورهم. ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى اللّه يوم تلقاه، فإنّ هؤلاء من بين الرعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، و كلّ فأعذر إلى اللّه في تأدية حقّه إليه. و تعهّد أهل اليتم و ذوي

الرقّة في السنّ ممّن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل [و الحقّ كلّه ثقيل] و قد يخفّفه اللّه على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم و وثقوا بصدق موعود اللّه لهم.

و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عامّا فتتواضع فيه للّه الذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتّى يكلمك متكلّمهم غير متتعتع، فإنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول في غير موطن: «لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوى غير متتعتع.» ثمّ احتمل الخرق منهم و العيّ، و نحّ عنهم الضيق و الأنف، يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته، و يوجب لك ثواب طاعته، و أعط ما أعطيت هنيئا، و امنع في إجمال و إعذار.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 91، الباب 9 من أبواب الدين، الحديث 2.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1019؛ عبده 3/ 111؛ لح/ 438، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 698

أقول: البؤسى بضم الباء: شدة الفقر. و الزمنى جمع زمين: المصاب بالزمانة.

و القانع: السائل المتذلّل. و المعترّ بتشديد الراء: المتعرّض للعطاء بلا سؤال. و الصوافي جمع صافية: أرض الغنيمة. و البطر: الطغيان بالنعمة. و التافه: القليل. و صعّر خدّه: أماله تهاونا و كبرا. تقتحمه العيون: تكره النظر إليه احتقارا. و التعتعة في الكلام: التردّد فيه من عجز وعيّ. و الخرق بالضم: العنف. و العيّ بالكسر: العجز عن النطق. و الأنف محركة: الاستكبار و الاستنكاف. و الأكناف: الأجنحة.

8- و في نهج البلاغة أيضا من عهد له- عليه السّلام- إلى بعض عمّاله، و قد بعثه على الصدقة: «آمره بتقوى

اللّه في سرائر أمره و خفيّات عمله، حيث لا شاهد غيره و لا وكيل دونه.

و آمره أن لا يعمل بشي ء من طاعة اللّه فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ. و من لم يختلف سرّه و علانيته، و فعله و مقالته فقد أدّى الأمانة و اخلص العبادة.

و آمره أن لا يجبههم و لا يعضههم و لا يرغب عنهم تفضّلا بالإمارة عليهم، فإنّهم الإخوان في الدين، و الأعوان على استخراج الحقوق.

و إن لك في هذه الصدقة نصيبا مفروضا و حقّا معلوما و شركاء أهل مسكنة، و ضعفاء ذوي فاقة، و إنّا موفّوك حقّك فوفّهم حقوقهم، و إلّا فإنّك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة، و بؤسا لمن خصمه عند اللّه الفقراء و المساكين و السائلون و المدفوعون و الغارم و ابن السبيل. و من استهان بالأمانة و رتع في الخيانة و لم ينزّه نفسه و دينه عنها فقد أحلّ بنفسه في الدنيا الذلّ و الخزي و هو في الآخرة أذلّ و أخزى. و إنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة و أفظع الغشّ غشّ الأئمّة.» «1»

أقول: قوله: «فيخالف إلى غيره» هو مصبّ النهي كما لا يخفى. و جبهه: ضرب جبهته. و عضهه: بهته و شتمه. و البؤس: شدّة الحاجة. و قوله: «و بؤسا» دعاء. و الخزي جمع الخزية، أي البليّة.

[وصية علي ع في اليتامى]

9- و في نهج البلاغة أيضا في وصية له بعد ما ضربه ابن ملجم: «اللّه اللّه في

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 884؛ عبده 3/ 30؛ لح/ 382، الكتاب 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 699

الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم و لا يضيعوا بحضرتكم.» «1»

10- و في أصول الكافي بسنده عن حبيب بن أبي ثابت،

قال: «جاء إلى أمير المؤمنين «ع» عسل و تين من همدان و حلوان، فأمر العرفاء أن يأتوا باليتامى فأمكنهم من رءوس الأزقاق يلعقونها، و هو يقسّمها للناس قدحا قدحا. فقيل له:

يا أمير المؤمنين، ما لهم يلعقونها؟ فقال: إنّ الإمام أبو اليتامى و إنّما ألعقتهم هذا برعاية الآباء.» «2»

[حمل علي ع قربة الماء على كتفه للمرأة و السؤال عن حالها]

11- و في مناقب ابن شهرآشوب في مناقب أمير المؤمنين «ع» عن أبي نعيم:

«و كان «ع» بشره دائم و ثغره باسم، غيث لمن رغب، و غياث لمن وهب (رهب.

ظ) مآل الآمل و ثمال الأرامل، يتعطّف على رعيّته و يتصرّف على مشيته و يكلأه بحجّته، و يكفيه بمهجته.

و نظر عليّ إلى امرأة على كتفها قربة ماء فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها و سألها عن حالها فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فقتل و ترك عليّ صبيانا يتامى و ليس عندي شي ء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس.

فانصرف و بات ليلته قلقا، فلمّا أصبح حمل زنبيلا فيه طعام فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري عنّي يوم القيامة

فأتى و قرع الباب، فقالت: من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإنّ معي شيئا للصبيان. فقالت: رضي اللّه عنك، و حكم بيني و بين عليّ بن أبي طالب.

فدخل و قال: إنّي أحببت اكتساب الثواب فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين، و بين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر و عليه أقدر و لكن شأنك

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 977؛ عبده 3/ 86؛ لح/ 421، الكتاب 47.

(2)- أصول الكافي 1/ 406؛ كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام ...، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 700

و الصبيان، فعلّلهم حتى أفرغ من الخبز.

فعمدت إلى الدقيق فعجنته و عمد عليّ «ع» إلى اللحم فطبخه و جعل يلقم الصبيان من اللحم و التمر و غيره، فكلّما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال: يا بنيّ اجعل عليّ بن أبي طالب في حلّ ممّا مرّ في أمرك. فلمّا اختمر العجين قالت: يا عبد اللّه، سجّر التنور. فبادر لسجره، فلمّا أشعله و لفح في وجهه جعل يقول: ذق يا عليّ، هذا جزاء من ضيّع الأرامل و اليتامى.

فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحك، هذا أمير المؤمنين!

قال: فبادرت المرأة و هي تقول: و احيائي منك يا أمير المؤمنين!

فقال: بل و احيائي منك يا أمة اللّه فيما قصرت في أمرك!» «1» و رواه في البحار أيضا عن المناقب «2»، هذا.

و لا يخفى أنّه في هذه الأعصار التي اتسعت فيها مجالات الحياة و كثرت الضعفاء و الزمنى و الأيتام و من لا حيلة له، و يتصوّر أعمال يمكن أن يتصدّى لها بعض هذه الصنوف فالواجب على الإمام و عمّاله تنظيم برامج واسعة لإحداث أشغال مناسبة لهذه الصنوف حتّى لا يحسّوا بالفقر و الاحتياج و لا تحطّم شخصيّاتهم مهما أمكن، و يتّسع الأعمال و الإنتاجات أيضا. فهذا أولى و أحوط لهم من التصدّق عليهم مجانا الملازم غالبا لتحقيرهم و إحساسهم للحقارة و الاحتياج.

______________________________

(1)- المناقب لابن شهرآشوب 1/ 382.

(2)- بحار الأنوار 41/ 51، تاريخ أمير المؤمنين، الباب 104 (باب حسن خلقه و حلمه و عفوه)، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 701

الفصل الثالث عشر في السياسة الخارجية للإسلام و معاملته مع الأقلّيّات غير المسلمة

اشارة

و فيها جهات من البحث نتعرض لها إجمالا:

الجهة الأولى: في أن الإسلام دين و سياسة، و تشريع و حكومة:

قد مرّ منّا في الباب الثالث من الكتاب أنّه بالمداقّة في الكتاب العزيز، و بالتتبع في أحاديث الفريقين من الشيعة و السنة، و فتاوى فقهائهم في الأبواب المختلفة من الطهارة إلى الديات يظهر أنّ الإسلام ليس- كما يزعمه بعض بسطاء المسلمين، بل و بعض علماء الدين، نتيجة لإلقاءات المستعمرين و أياديهم الخبيثة- ليس منحصرا في أعمال عبادية و آداب و مراسيم شخصية فقط من دون التفات إلى المسائل الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، بل هو نظام جامع كافل لجميع ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه و معاده، من بدو تكوّنه إلى آخر مراحل حياته من الشؤون الفردية و الاجتماعية، و ما يجب أو ينبغي أن يكون عليه الإنسان في علاقته بخالقه و حاكمه و عائلته و أمّته و سائر الأمم ممن أسلم أو لم يسلم. و انّه بحسب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 702

المحتوى غنيّ قويّ معتمد على الوحي الإلهي قابل للانطباق على جميع الأمكنة و الأزمنة، و إنّه يحقّق لتابعيه الاستقلال و الحرّيّة و الرقى و التكامل في جميع المجالات.

و ليس الإسلام منحصرا بمجرد التقنين و التشريع فقط، بل شرّعت أحكامه و مقرراته على أساس الحكومة الصالحة المنفذة لقوانينه العادلة. فهو دين و سياسة، و تشريع و حكومة، فراجع ما حرّرناه بالتفصيل.

الجهة الثانية: في أن الحاكم هو اللّه- تعالى-:

قد مرّ في أوّل الباب السادس أن الحكومة الإسلامية ليس يراد بها السلطة على المسلمين و الحكم عليهم و على بلادهم بما يريده الحاكم و يهواه كما هو دأب الملوك المستبدّة، بل يراد بها تنفيذ مقررات الإسلام و حدوده و إدارة شئون الأمّة على أساس ما شرّعه اللّه- تعالى- و أنزله على رسوله في شتّى مجالات

الحياة من العبادة و السياسة و الاقتصاد و الآداب و الأحكام.

ففي الحقيقة الحاكم هو اللّه- تعالى- مالك البلاد و العباد، العالم بما ينفعهم أو يضرّهم. و النبي الأكرم «ص» هو المبلّغ لأحكامه- تعالى-، و المنفذ لها. و يخلفه في ذلك الأئمّة الهداة، و الخلفاء الصالحون في جميع الأعصار إلى يوم القيامة؛ فلا يجوز تعطيل برامج الإسلام و لا الحكومة المنفذة لها في عصر من الأعصار.

الجهة الثالثة: في أن الإسلام دين عامّ عالمي أبديّ:
اشارة

ليس الإسلام على ما يرى في بعض المنشورات المعاندة دينا لجزيرة العرب أو

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 703

شريعة للعرب فقط. بل هو دين عالمي أتى به النبي الأكرم «ص» لجميع البشر إلى يوم القيامة. فهو خاتم الأديان، و النبي «ص» خاتم النبيين و لا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، كما نطقت بذلك آيات الكتاب العزيز و الأخبار المتواترة:

[الآيات]

1- قال اللّه- تعالى-: «وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلّٰا كَافَّةً لِلنّٰاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لٰا يَعْلَمُونَ.» «1»

2- و قال: «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ، يُحيِي وَ يُمِيتُ؛ فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ كَلِمٰاتِهِ، وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.» «2»

3- و قال: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدىٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.»* «3»

4- و قال: «وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضىٰ لَهُمْ، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لٰا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ.» «4»

5- و قال: «مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً.» «5»

6- و في مجمع البيان- في تفسير سورة الجمعة في ذيل قوله تعالى: «وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّٰا يَلْحَقُوا بِهِمْ.» «6»-:

______________________________

(1)- سورة السبأ (34)، الآية 28.

(2)- سورة الأعراف (7)، الآية 158.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 33.

(4)- سورة النور (24)، الآية 55.

(5)- سورة الأحزاب (33)، الآية 40.

(6)-

سورة الجمعة (62)، الآية 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 704

«قيل: هم الأعاجم و من لا يتكلم بلغة العرب؛ فإن النبيّ «ص» مبعوث إلى من شاهده و إلى كل من بعدهم من العرب و العجم. عن ابن عمر و سعيد بن جبير، و روي ذلك عن أبي جعفر «ع».

و روي أنّ النبيّ «ص» قرأ هذه الآية، فقيل له من هؤلاء؟ فوضع يده على كتف سلمان و قال: لو كان الإيمان في الثّريّا لنالته رجال من هؤلاء.» «1»

[الروايات]

7- و فيه أيضا في تفسير سورة الأحزاب: «و صحّ الحديث عن جابر بن عبد اللّه، عن النبي «ص»، قال: إنّما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها و حسّنها إلّا موضع لبنة، فكان من دخل فيها فنظر إليها قال: ما أحسنها إلّا موضع هذه اللبنة، قال «ص»: فأنا موضع اللبنة، ختم بي الأنبياء. و أورده البخاري و مسلم في صحيحيهما.» «2»

8- و في نهج البلاغة: «ثمّ إنّ هذا الإسلام دين اللّه الذي اصطفاه لنفسه ... ثمّ جعله لا انفصام لعروته، و لا فكّ لحلقته، و لا انهدام لأساسه، و لا زوال لدعائمه، و لا انقلاع لشجرته، و لا انقطاع لمدّته، و لا عفاء لشرائعه، و لا جذّ لفروعه.» «3»

و الأخبار في خاتمية الإسلام، و أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، و حرامه حرام إلى يوم القيامة كثيرة جدّا من طرق الفريقين:

9- و من ذلك صحيحة زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الحلال و الحرام فقال: «حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة و حرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة لا يكون غيره و لا يجي ء غيره.» «4»

[مكاتيب النبي ص إلى الملوك]
اشارة

و قد راسل النبي «ص» الملوك من غير العرب و في خارج الجزيرة و دعاهم إلى قبول الإسلام و التسليم له «ص» هم و أممهم، كما ضبطها المحدّثون و المورّخون، فلنذكر بعضها تيمّنا و تأييدا لما ذكر- نذكرها من كتاب مجموعة الوثائق السياسية.

______________________________

(1)- مجمع البيان 5/ 284 (الجزء 10).

(2)- مجمع البيان 4/ 362 (الجزء 8).

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 638؛ عبده 2/ 200؛/ لح 313- 314، الخطبة 198.

(4)- الكافي 1/ 58، كتاب فضل العلم، باب البدع و ...، الحديث 19.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 705

و من أراد التفصيل و الاطلاع على منابع النقل و أسنادها فليرجع إليه و إلى سائر الكتب المؤلفة في هذا الموضوع:

1- كتابه «ص» إلى النجاشي ملك الحبشة:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم

من محمد رسول اللّه إلى النجاشي: الأصحم ملك الحبشة.

سلّم أنت. فإنّي أحمد إليك اللّه (الذي لا إله إلّا هو)، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، و أشهد أنّ عيسى بن مريم روح اللّه و كلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه اللّه من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده و نفخه.

و إنّي أدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، و الموالاة على طاعته، و أن تتبعني و تؤمن بالّذي جاءني، فإنّي رسول اللّه.

و قد بعثت إليك ابن عمي جعفرا و نفرا معه من المسلمين، فإذا جاءك فاقرهم ودع التجبّر، فإنّي أدعوك و جنودك إلى اللّه، فقد بلّغت و نصحت، فاقبلوا نصحي، و السلام على من اتّبع الهدى.»

و في رواية أخرى لهذا الكتاب وجدت بخاتم النبي «ص» هكذا:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم

من محمد رسول اللّه إلى النجاشي عظيم الحبشة.

سلام على من اتبع الهدى.

أمّا بعد، فإنّي أحمد إليك اللّه الذي لا إله إلّا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن.

و أشهد أنّ عيسى بن مريم روح اللّه و كلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى من روحه و نفخه كما خلق آدم بيده.

و إنّي أدعوك إلى اللّه وحده لا شريك له، و الموالاة على طاعته، و أن تتبعني و توقن بالذي جاءني، فإنّي رسول اللّه. و إنّي أدعوك و جنودك إلى اللّه- عزّ و جلّ-، و قد بلغت و نصحت فاقبلوا نصيحتي، و السلام على من اتبع الهدى. محمّد رسول اللّه.»

«1»

______________________________

(1)- الوثائق السّياسيّة/ 100- 103، الرقم 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 706

2- كتاب آخر له «ص» إليه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

«هذا كتاب من محمّد النبيّ إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة.

سلام على من اتبع الهدى، و آمن باللّه و رسوله، و شهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة و لا ولدا، و أن محمدا عبده و رسوله.

و أدعوك بدعاية الإسلام، فإنّي أنا رسوله فأسلم تسلّم و «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم: ألّا نعبد إلّا اللّه و لا نشرك به شيئا، و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.» فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك.» «1»

أقول: و لعلّه «ص» كتب إليه كتابين في وقتين.

3- كتابه «ص» إلى هر قل عظيم الروم:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم

من محمّد عبد اللّه و رسوله إلى هر قل عظيم الروم.

سلام على من اتبع الهدى.

أمّا بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، و أسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين. و «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم: ألّا نعبد إلّا اللّه و لا نشرك به شيئا، و لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه، فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.» «2»

4- كتاب آخر له «ص» إلى قيصر الروم:

«من محمد رسول اللّه إلى صاحب الروم.

إني أدعوك إلى الإسلام، فإن أسلمت فلك ما للمسلمين و عليك ما عليهم. فإن لم تدخل في الإسلام فأعط الجزية، فإن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ،

______________________________

(1)- الوثائق السياسية/ 103، الرقم 22.

(2)- الوثائق السياسية/ 109، الرقم 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 707

وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» و إلّا فلا تحل بين الفلّاحين و بين الإسلام أن يدخلوا فيه، أو يعطوا الجزية.» «1»

5- كتابه «ص» إلى المقوقس عظيم القبط:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد عبد اللّه و رسوله إلى المقوقس عظيم القبط.

سلام على من اتبع الهدى.

أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، فإن تولّيت فعليك إثم القبط: «يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم: ألّا نعبد إلّا اللّه و لا نشرك به شيئا و لا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه، فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون.» «2»

6- رواية أخرى عن نصّ كتابه «ص» إلى المقوقس:

«من محمد رسول اللّه إلى صاحب مصر و الإسكندرية.

أمّا بعد فإن اللّه- تعالى- أرسلني رسولا و أنزل عليّ قرآنا، و أمرني بالإعذار و الإنذار و مقاتلة الكفّار حتّى يدينوا بديني، و يدخل الناس في ملّتي. و قد دعوتك إلى الإقرار بوحدانية اللّه- تعالى-، فإن فعلت سعدت و إن ابيت شقيت، و السلام.» «3»

7- كتابه «ص» إلى أبرويز عظيم فارس:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم

من محمد رسول اللّه إلى كسرى عظيم فارس.

سلام على من اتبع الهدى، و آمن باللّه و رسوله، و شهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أن محمّدا عبده و رسوله.

______________________________

(1)- الوثائق السّياسيّة/ 110، الرقم 27.

(2)- الوثائق السّياسيّة/ 135، الرقم 49.

(3)- الوثائق السّياسيّة/ 138، الرقم 51.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 708

و أدعوك بدعاء اللّه، فإنّي أنا رسول اللّه إلى الناس كافّة لأنذر من كان حيّا و يحقّ القول على الكافرين. فأسلم تسلم، فإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك.» «1»

8- كتابه «ص» إلى كسرى أيضا:

«من محمد رسول اللّه إلى كسرى عظيم فارس، أن أسلم تسلم. من شهد شهادتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فله ذمّة اللّه و ذمّة رسوله.» «2»

9- كتابه «ص» إلى الهرمزان عامل لكسرى:

«من محمد رسول اللّه «ص» إلى الهرمزان.

إنّي أدعوك إلى الإسلام أسلم تسلم.» «3»

إلى غير ذلك من الروايات، فراجع محالّها. و قد مرّ في بحث القوة التنفيذية عن الكتاني أسامي رسله «ص» إلى الملوك.

الجهة الرابعة: في أن الإسلام يدعو إلى الحق و العدالة:

قد فطر اللّه- تعالى- آدم و ذرّيّته على الحق و العدل و أودع فيهم العقول الحاكمة بهما، و لكن النفس أمّارة بالسّوء و شياطين الجن و الإنس حرصاء على إغوائهم، فاحتاجوا إلى عقول منفصلة، فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين ليستأدوهم ميثاق الفطرة و يثيروا لهم دفائن العقول:

1- قال اللّه- تعالى- «لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْمِيزٰانَ لِيَقُومَ

______________________________

(1)- الوثائق السّياسيّة/ 140، الرقم 53.

(2)- الوثائق السّياسيّة/ 143، الرقم 53/ ألف.

(3)- الوثائق السّياسيّة/ 144، الرقم 54.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 709

النّٰاسُ بِالْقِسْطِ.» «1»

2- و قال: «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبىٰ، وَ يَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.» «2»

3- و قال: «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ.» «3»

4- و قد أمر اللّه- تعالى- نبيّنا بالدعوة إلى الحق و التبليغ له، فقال: «ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.» «4»

و قد ذكر ثلاث مراتب للدعوة حسب اختلاف الناس في التعقل و في الانقياد.

5- و قال: «فَلِذٰلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ.» «5»

6- و قال: «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ.» «6»

و قد صرف هو «ص» ليله و نهاره و جميع قواه و

طاقاته في دعوة الأمّة و هدايتهم حتى كاد أن يبخع نفسه على آثارهم، و بعث رسله و سفراءه إلى القبائل و إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام. و قد اتّبعته الأمّة أيضا في الدعوة و بسط العدل و إقامة المعروف، كما هو واضح.

7- و في الكتاب الكريم: «قُلْ هٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي،

______________________________

(1)- سورة الحديد (57)، الآية 25.

(2)- سورة النحل (16)، الآية 90.

(3)- سورة الأعراف (7)، الآية 29.

(4)- سورة النحل (16)، الآية 125.

(5)- سورة الشورى (42)، الآية 15.

(6)- سورة المائدة (5)، الآية 67.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 710

وَ سُبْحٰانَ اللّٰهِ وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.» «1»

و الآيات و الروايات من طرق الفريقين في وجوب الدعوة إلى الحق و إرشاد الجاهل و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إقامة الحق و العدل كثيرة فوق حدّ الإحصاء. و قد مرّ في بحث القضاء آيات و روايات كثيرة دالّة على اهتمام الإسلام بالقسط و العدل و اقامة الحقّ.

فلا يسمح لأحد من المسلمين بالسكوت في قبال الطغاة و الظالمين، بل إنّ الجهاد الذي حثّ عليه العقل و الشرع ليس إلّا الدفاع عن الحق و العدالة كما مرّ تفصيل ذلك في فصل الجهاد.

فقوله- تعالى-: «وَ مٰا لَكُمْ لٰا تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجٰالِ وَ النِّسٰاءِ وَ الْوِلْدٰانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا أَخْرِجْنٰا مِنْ هٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظّٰالِمِ أَهْلُهٰا، وَ اجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، وَ اجْعَلْ لَنٰا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً» «2» مشعر بأن لزوم القتال في سبيل بسط التوحيد و الدفاع عن المستضعفين أمر يحكم به العقل و الفطرة، فوبّخهم اللّه- تعالى- على تركه. و كثير من

الناس يغلب عليهم الهوى و على طبعهم التجاوز و الاعتداء و لا يقيمهم على الحق و العدالة إلّا القوة و السيف، كما قال رسول اللّه على ما في الكافي عن الإمام الصادق «ع»: «الخير كلّه في السيف و تحت ظلّ السيف و لا يقيم الناس إلّا السيف.» «3» و عن أمير المؤمنين «ع»: «إنّ اللّه فرض الجهاد و عظّمه و جعله نصره و ناصره، و اللّه ما صلحت دنيا و لا دين إلّا به.» «4»

و لا يجوز قتال أحد من الكفار إلّا بعد دعائهم إلى الإسلام و الالتزام بشرائعه، فإن لم يجيبوا حلّ قتالهم:

فعن الكافي بسند لا بأس به عن أمير المؤمنين «ع»، قال: «بعثني رسول اللّه «ص»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 710

______________________________

(1)- سورة يوسف (12)، الآية 108.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 75.

(3)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(4)- الوسائل 11/ 9، الباب 1 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 711

إلى اليمن فقال: يا عليّ، لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه إلى الإسلام، و أيم اللّه لأن يهدي اللّه- عزّ و جلّ- على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس و غربت ...» «1»

و الالتزام بالدين أمر اختياري للبشر و لا إكراه في الدين، و لكن أكثر الناس بفطرتهم التي فطر اللّه الناس عليها متمايلون إلى دين الحق إذا عرض عليهم صحيحا. فلو وقفت أمام عرضه عليهم و طرحه لهم السلطات

الكافرة أو الظالمة التي اتخذت مال اللّه دولا و عباده خولا، كما هو المشاهد غالبا في المجتمعات، وجب من باب اللطف قتالها و رفع شرها عن الأمم.

و قد قال اللّه- تعالى-: «وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ.» «2»

و عن رسول اللّه «ص»: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها منعوا منّي دماءهم و أموالهم إلّا بحقها، و حسابهم على اللّه- عزّ و جلّ-.» «3»

و بالجملة، فالجهاد في الإسلام للدفاع عن التوحيد الذي هو حقّ اللّه على عباده و عن حقوق المستضعفين، لا السلطة على البلاد و العباد على ما هو دأب المستعمرين:

فعن أبي جعفر «ع» في بيان حدود الجهاد: «و أوّل ذلك الدعاء إلى طاعة اللّه من طاعة العباد، و إلى عبادة اللّه من عبادة العباد، و إلى ولاية اللّه من ولاية العباد ... و ليس الدعاء من طاعة عبد إلى طاعة عبد مثله.» «4»

و كيف كان، فالواجب على الأمّة الإسلامية بشعوبها إدامة خطّ النبي «ص» و تعقيب أهدافه القيّمة و أن يصرفوا جميع طاقاتهم و إمكاناتهم البدنية و المالية و السياسية و الثقافية في بسط التوحيد و العدالة و رفع الظلم و الفساد و العمل على تحقيق شرائط ذلك و ظروفه و تقوية المجاهدين في سبيل اللّه و المدافعين عن حقوق المستضعفين في جميع البلاد الإسلامية، قاصيها و دانيها، و إن اختلفوا في العنصر

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 30، الباب 10 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 39.

(3)- سنن أبي داود 2/ 41، كتاب الجهاد، باب على ما يقاتل المشركون؟

(4)- الوسائل 11/ 7، الباب 1 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

دراسات

في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 712

و اللون و اللغة، فإن المسلمين جميعا أمّة واحدة لا تفرّقهم و لا تحكم عليهم الفروقات المادية من العنصرية و اللون و اللغة و الوطن، كما سيأتي في البند الآتي.

الجهة الخامسة: في أنّ المسلمين بأجمعهم أمّة واحدة و لا فضل لأحد منهم على أحد إلّا بالتقوى:

العناصر التي تحقق مفهوم الأمّة الواحدة خارجا هي الأرض و الجنسية و اللغة و اللون و المصلحة المشتركة و الفكر و العقيدة، و لا شك أنّ لكلّ من هذه تأثيرا في تحقيق الوحدة بين الأفراد و في نشوء الإنسان و تربيته، فإن الإنسان ليس منعزلا في حياته عن الشؤون المادية و خواصّها و آثارها.

و لكنه من الواضح لكلّ أحد أنّ إنسانيّة الإنسان و كرامته ليس ببدنه و مزاجه و قواه المادية، بل بعقله و فكره و آرائه، و الذي يحكم على قلبه و روحه هو فكره و إيمانه الذي يعتبره أعزّ الأشياء لديه بحيث يضحّي نفسه في طريقه. فلو فرضنا مواطنين ولدا على أرض واحدة و اشتركا في جميع العناصر المادية و لكنهما اختلفا في العقيدة و الفكر، نراهما كل يوم يتناحران و يتشاجران و لا يوجد بينهما العلاقة و المحبة.

و بالعكس؛ لو فرضنا إنسانين اختلفا في الوطن و العناصر المادية و لكنهما اتفقا في العلاقات الروحية و الأفكار و الآراء، نراهما متحابين متجاذبين كأنّهما روح واحد في جسدين. و لا يمتاز الإنسان عن سائر أنواع الحيوان إلّا بروحه و فكره و عقائده.

فالوحدة في الفكر و الإيمان هي القادرة على جمع أفراد الإنسان و إيجاد العلاقة بينهم، لا وحدة الوطن و العنصر.

و لأجل ذلك ترى الإسلام يحكم بوحدة الأمّة الإسلامية و أخوة المؤمنين بما هم مؤمنون، و لا يرى للامتيازات المادية من الجنس و اللغة

و اللون شأنا بحيث توجب فضيلة للإنسان في قبال الفضائل الروحية و فضيلة الإيمان و التقوى:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 713

1- قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثىٰ وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ.» «1»

2- و قال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.» «2»

3- و قال: «فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ.» «3»

4- و قال: «إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.» «4»

5- و قال: «وَ إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.» «5»

بناء على كون الأمّة في الآيتين بمعنى الجماعة، لا بمعنى الدين و الملّة كما قيل.

فالمسلمون كلّهم أمّة واحدة و ربّهم واحد و دينهم واحد و نبيّهم واحد و كتابهم واحد، و لا ميز لأحد منهم إلّا بالتقوى و التسليم لأوامر اللّه، الموجبة لكمال روحه و رقيّه و التي بها تحصل كرامة الإنسان و شرفه.

6- و عن رسول اللّه «ص»: «أيّها الناس، ألا إنّ ربّكم واحد، و إنّ أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي على عجمي، و لا عجمي على عربي، و لا لأسود على أحمر، و لا لأحمر على أسود إلّا بالتقوى.» «6»

7- و عنه «ص» في حجة الوداع: «أيّها الناس، إنّ ربّكم واحد، و إنّ أباكم واحد.

كلّكم لآدم، و آدم من تراب. «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ» و ليس لعربي على عجمي فضل إلّا

______________________________

(1)- سورة الحجرات (49)، الآية 13.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 10.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 11.

(4)- سورة الأنبياء (21)، الآية 92.

(5)- سورة المؤمنين (23)، الآية 52.

(6)- تفسير القرطبي 16/ 342، ذيل الآية 13 من سورة

الحجرات.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 714

بالتقوى. ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب.» «1»

8- و عن أبي جعفر الباقر «ع»، قال: صعد رسول اللّه «ص» المنبر يوم فتح مكة فقال:

«أيّها الناس إن اللّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية و تفاخرها بآبائها. ألا إنّكم من آدم «ع»، و آدم من طين. ألا إنّ خير عباد اللّه عبد اتّقاه. إنّ العربية ليست بأب والد، و لكنها لسان ناطق؛ فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه. ألا إنّ كلّ دم كان في الجاهلية أو إحنة- و الإحنة: الشحناء- فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة.» «2»

9- و عنه «ص» في خطبته في مسجد الخيف: «المسلمون إخوة؛ تتكافى دماؤهم و يسعى بذمّتهم أدناهم.» «3»

10- و في رواية أخرى عنه «ص»: «المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، و هم يد على من سواهم؛ يسعى بذمّتهم أدناهم.» «4»

11- و عنه «ص» أيضا في حجة الوداع: «أيّها الناس، اسمعوا قولي و اعقلوه، تعلمنّ أنّ كلّ مسلم أخ للمسلم، و أنّ المسلمين إخوة فلا يحلّ لا مرئ من أخيه إلّا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلّغت؟» «5»

12- و عنه «ص» أيضا: «إنّ اللّه- تعالى- جعل الإسلام دينه، و جعل كلمة الإخلاص حسنا له، فمن استقبل قبلتنا، و شهد شهادتنا، و أحلّ ذبيحتنا فهو مسلم، له ما لنا و عليه ما علينا.» «6»

13- و عن أمير المؤمنين «ع»، قال: «من استقبل قبلتنا، و أكل ذبيحتنا، و آمن بنبيّنا،

______________________________

(1)- تحف العقول/ 34.

(2)- الكافي 8/ 246 (الروضة)، الحديث 342.

(3)- الكافي 1/ 403، كتاب الحجة، باب ما أمر النبيّ «ص» بالنصيحة لأئمّة المسلمين ...، الحديث

1.

(4)- الكافي 1/ 404، كتاب الحجة، باب ما أمر النبيّ «ص» بالنصيحة لأئمّة المسلمين ...، الحديث 2.

(5)- سيرة ابن هشام 4/ 251.

(6)- بحار الأنوار 65/ 288 (طبعة إيران 68/ 288)، كتاب الإيمان و الكفر، الباب 24 (باب الفرق بين الإيمان و الإسلام)، الحديث 47؛ عن «نوادر الراوندي»، عن موسى بن جعفر «ع» عنه «ص».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 715

و شهد شهادتنا دخل في ديننا؛ أجرينا عليه حكم القرآن، و حدود الإسلام، ليس لأحد على أحد فضل إلّا بالتقوى. ألا و إنّ للمتقين عند اللّه أفضل الثواب، و أحسن الجزاء و المآب.» «1»

14- و عن رسول اللّه «ص»: «مثل المؤمنين في توادّهم و تعاطفهم و تراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه شي ء تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمّى.» «2»

15- و في صحيحة أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئا منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، و أرواحهما من روح واحدة. و إنّ روح المؤمن لأشدّ اتّصالا بروح اللّه من اتصال شعاع الشمس بها.» «3»

16- و في خبر مفضل بن عمر، قال أبو عبد اللّه «ع»: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ بنو أب و أمّ، و إذا ضرب على رجل منهم عرق سهر له الآخرون.» «4»

17- و في خبر علي بن عقبة، عن أبي عبد اللّه «ع»: «المؤمن أخو المؤمن، عينه و دليله، لا يخونه و لا يظلمه و لا يغشّه و لا يعده عدة فيخلفه.» «5»

18- و في رواية الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه و لا يخذله و لا يغتابه

و لا يخونه و لا يحرمه.» «6»

19- و في خبر الحارث بن المغيرة، قال أبو عبد اللّه «ع»: «المسلم أخو المسلم، هو عينه و مرآته، و دليله، لا يخونه و لا يخدعه و لا يظلمه و لا يكذبه و لا يغتابه.» «7»

20- و عن الصادق «ع»: «المسلم أخو المسلم. و حق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع

______________________________

(1)- بحار الأنوار 65/ 292 (طبعة إيران 68/ 292)، كتاب الإيمان و الكفر، الباب 24، الحديث 52.

(2)- مسند أحمد 4/ 270.

(3)- الكافي 2/ 166، كتاب الإيمان و الكفر، باب أخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، الحديث 4.

(4)- الكافي 2/ 165، كتاب الإيمان و الكفر، باب أخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، الحديث 1.

(5)- الكافي 2/ 166، كتاب الإيمان و الكفر، باب أخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، الحديث 3.

(6)- الكافي 2/ 167، كتاب الإيمان و الكفر، باب أخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، الحديث 11.

(7)- الكافي 2/ 166، كتاب الإيمان و الكفر، باب أخوّة المؤمنين بعضهم لبعض، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 716

و يجوع أخوه، و لا يروى و يعطش أخوه، و لا يكتسي و يعرى أخوه، فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم.» «1»

21- و عن أبي عبد اللّه «ع» أنّ النبي «ص» قال: «من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم. و من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.» «2»

22- و في خبر أبي المعزا، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل و التعاون على التعاطف و المواساة لأهل الحاجة و تعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم اللّه- عزّ و جلّ-: «رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ» متراحمين، مغتمّين لما

غاب عنكم من أمرهم، على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللّه «ص».» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة من طرق الفريقين في هذا المجال.

و أوصيك أن تراجع في هذا الباب أيضا القصص المحكية عن النبي «ص» و الأئمّة المعصومين، الحاكية عن روح المؤاخاة و المواساة بين طبقات المسلمين و إلغاء الامتيازات المادية و العنصرية التي يهتمّ بها أبناء الدنيا.

و من هذا القبيل الروايات الواردة في تزويج النّبيّ زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، و تزويجه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب لمقداد، و خطبته للذلفاء بنت زياد بن لبيد من شرفاء الأنصار لجويبر الأسود المحتاج، و خطبة محمد بن علي بن الحسين ابنة رجل من الأشراف لمنجح بن رباح، و تزوّج علي بن الحسين بمولاة له أعتقها و تزوجها. إلى غير ذلك من القصص، راجع فروع الكافي «4». و قصة جويبر قصّة عجيبة جدّا.

و بالجملة، فالمسلمون لو خلّوا و فطرتهم و وظيفتهم الإسلامية فكلّهم أمّة واحدة

______________________________

(1)- سفينة البحار 1/ 12، في كلمة الأخ؛ عن البحار 71/ 221 (طبعة إيران 74/ 221)؛ عن «الاختصاص».

(2)- الكافي 2/ 164، كتاب الإيمان و الكفر، باب الاهتمام بأمور المسلمين ...، الحديث 5.

(3)- الكافي 2/ 175، كتاب الإيمان و الكفر، باب التراحم و التعاطف، الحديث 4.

(4)- الكافي 5/ 339- 347، كتاب النكاح، باب أن المؤمن كفو المؤمنة، و ما بعده.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 717

و دينهم واحد و إلههم واحد و نبيّهم و كتابهم واحد. و من الواجب أن يحكم عليهم و على بلادهم حكم واحد و تسوسهم سياسة واحدة، كما كان كذلك في صدر الإسلام، و لكن أعداء الإسلام

ألقوا بينهم التعصبات الباطلة و الخلافات العنصرية المادية، و مزّقوهم بذلك كلّ ممزّق و أشعلوا بينهم نيران الفتنة و سلطوا عليهم أياديهم الخبيثة و عملاءهم الظلمة المتأيدين بعلماء السوء، و بذلك تسلطوا على بلادهم و ثقافتهم و ذخائرهم. فيا مصيبة للإسلام و المسلمين من هاتين الشجرتين الخبيثتين، وقى اللّه المسلمين شرّهما بحق محمد و آله.

فليتنبه المسلمون و ليستيقظوا من نوم الغفلة العميقة و يلتفتوا إلى أنّ العدوّ الإسرائيلي جمع أبناءه من شتّى أرجاء العالم باسم الدين و تحت لواء الدين، من دون أن يفرّق بينهم باللغة و اللون و الوطن، و شكّل بذلك قوة و قدرة ضدّ الإسلام و المسلمين، بينما راح المسلمون مع كثرة عددهم وسعة بلادهم و ذخائرهم يعنونون القوميات: العربية و الفارسية و التركية و نحوها فخسروا بذلك أمام إسرائيل الغاصبة المعادية. فهذه نتيجة الافتراق و ذلك ثمرة الاتفاق.

و على هذا فيفرض على الحكومة الإسلامية و أمّتها أن لا تحصر نظرها و إمكاناتها على منطقة خاصة و مجتمع خاص، بل تلتفت إلى جميع المسلمين في شتّى البلاد أقاصيها و أدانيها، فتوجد لهم بقدر الوسع وسائل التعلم و الثقافة و الدفاع، و يسعى في توحيد كلمتهم و رفع الفقر و الاستضعاف و الظلم عنهم و رفع شرّ الأعداء الخارجيين و الداخليين عنهم و عن بلادهم، و الميسور من ذلك كله لا يترك بالمعسور، و ما لا يدرك كله لا يترك كله كما هو واضح بالعقل و الشرع، فتنبّه.

الجهة السادسة: في النهي عن تولّي الكفار و اتخاذهم بطانة:

قد اهتم الإسلام باستقلال المسلمين و مجدهم و عزّهم و أن لا يستولي عليهم الكفار

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 718

أو يستغلّوهم أو يجدوا عليهم سبيلا.

و لعلك لا تجد

في الكتاب الكريم بعد مسألة الجهاد مسألة سياسية عنى بها القرآن الكريم بمثل هذه المسألة المهمّة التي هي أساس السياسة الخارجية للإسلام، حيث إنّ الكفر ملّة واحدة يعاند بتمام وجوده الإسلام، و الكافرون بأجمعهم أعداء ألدّاء للمسلمين. و العدوّ همّه المعاداة و الإضرار بخصيمه علنا أو سرّا و لو تحت ستار التظاهر بالصداقة و التعطف و باسم العمران و الحماية، كما بلي المسلمون بذلك في القرون الأخيرة.

و قد أخبرنا اللّه- تعالى- بالحقد و العداوة الكامنة في قلوب الكفار و المشركين في آيات كثيرة:

1- كقوله- تعالى-: «مٰا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ.» «1»

2- و قال: «إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهٰا، وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لٰا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، إِنَّ اللّٰهَ بِمٰا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.» «2»

3- و قال: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِكُمْ كُفّٰاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ.» «3»

4- و قال في حق اليهود: «فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِيثٰاقَهُمْ لَعَنّٰاهُمْ وَ جَعَلْنٰا قُلُوبَهُمْ قٰاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّٰا ذُكِّرُوا بِهِ، وَ لٰا تَزٰالُ تَطَّلِعُ عَلىٰ خٰائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلّٰا قَلِيلًا مِنْهُمْ.» «4»

5- و قال في حق المشركين: «كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لٰا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لٰا ذِمَّةً،

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 105.

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 120.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 109.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 719

يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ وَ تَأْبىٰ قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فٰاسِقُونَ.» «1»

إلى غير ذلك من آيات الكتاب العزيز الواردة في هذا المجال.

و

لأجل ذلك فرض اللّه- تعالى- على الأمّة الإسلامية أن تتجهز دائما بأنواع أجهزة الدفاع و أكملها و تعدّ لنفسها ما استطاعت من قوة و سلاح لإرهاب العدوّ و إخافته حتى لا يخطر ببالهم الهجمة على بلاد المسلمين، من غير فرق بين من عرف عداوته و غيرهم ممن يحتمل هجمته من العناصر الخارجية و الداخلية، و رغّب في إنفاق المال في هذا السبيل فقال- تعالى-

6-: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لٰا تَعْلَمُونَهُمُ، اللّٰهُ يَعْلَمُهُمْ. وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لٰا تُظْلَمُونَ.» «2»

كما بالغ و شدّد في النهي عن تولّي الكفار و اتخاذهم بطانة بحيث يطلعون على أسرار المسلمين و دواخلهم:

7- قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لٰا تَتَّخِذُوا بِطٰانَةً مِنْ دُونِكُمْ، لٰا يَأْلُونَكُمْ خَبٰالًا، وَدُّوا مٰا عَنِتُّمْ، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضٰاءُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ وَ مٰا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، قَدْ بَيَّنّٰا لَكُمُ الْآيٰاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هٰا أَنْتُمْ أُولٰاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لٰا يُحِبُّونَكُمْ، وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتٰابِ كُلِّهِ، وَ إِذٰا لَقُوكُمْ قٰالُوا آمَنّٰا وَ إِذٰا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنٰامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ.» «3»

8- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لٰا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفّٰارَ أَوْلِيٰاءَ، وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.» «4»

9- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لٰا تَتَّخِذُوا الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، أَ تُرِيدُونَ أَنْ

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 8.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

(3)- سورة آل عمران (3)، الآية 118 و 119.

(4)- سورة

المائدة (5)، الآية 57.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 720

تَجْعَلُوا لِلّٰهِ عَلَيْكُمْ سُلْطٰاناً مُبِيناً.» «1»

10- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لٰا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِمٰا جٰاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ، يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيّٰاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّٰهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهٰاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمٰا أَخْفَيْتُمْ وَ مٰا أَعْلَنْتُمْ، وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوٰاءَ السَّبِيلِ.» «2»

11- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لٰا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ، وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسٰارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشىٰ أَنْ تُصِيبَنٰا دٰائِرَةٌ، فَعَسَى اللّٰهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نٰادِمِينَ.» «3»

12- و قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خٰاسِرِينَ* بَلِ اللّٰهُ مَوْلٰاكُمْ وَ هُوَ خَيْرُ النّٰاصِرِينَ.» «4»

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الناهية عن موالاة الكفار و موادّتهم و إطاعتهم و الاعتماد عليهم.

فتأمّل في هذه الآيات الشريفة و انظر كيف بلي المسلمون في أعصارنا بولاة و حكّام مرضى القلوب ضعفاء النفوس قد حطّموا شخصيات أنفسهم و قداسة أممهم و جعلوا بلادهم و ثقافتهم و ذخائرهم و إمكاناتهم المتنوعة تحت سيطرة الكفار و الصهاينة، معتذرين بالخشية من أن تصيبهم دائرة!

فعسى اللّه أن يأتي بالفتح العاجل للمسلمين في شتّى البلدان، كما أتى به في إيران الإسلامية بإيمانهم و استقامتهم و اتحادهم، و وجود القيامة الجازمة فيهم،

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 144.

(2)- سورة الممتحنة (60)، الآية 1.

(3)-

سورة المائدة (5)، الآية 51- 52.

(4)- سورة آل عمران (3)، الآية 149 و 150.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 721

و يسقط هؤلاء الفسقة الخونة من عروش القدرة الشيطانية و السلطة الطاغوتية في مزبلة التاريخ و مهملاته، كما سقط أمثالهم، و تقطع أيادي الكفر و عملائه من أصلها إن شاء اللّه- تعالى-.

فانظر إلى آثار رحمة اللّه- تعالى- و انتظر رحمته الواسعة.

و لكن على المسلمين الهمّة و الثورة ضد هذه السلطات الطّاغوتية، فإن اللّه- تعالى- «لٰا يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ.»

الجهة السابعة: في مداراة الكفار و حفظ حقوقهم و حرمتهم:

قد ظهر بما مرّ أنّ كيان الإسلام و مجد المسلمين يستدعيان الحفاظ على الاستقلال في الثقافة و السياسة و الاقتصاد، و الحذر من وقوعهم في حبائل الكفر و شباكاته.

و لكن نقول: إنّ ذلك كلّه لا ينافي مداراة الكفّار و دعوتهم إلى الحق، بل و البرّ و الإحسان إليهم و تأليفهم كيما يرغبوا في الإسلام، بل و التعاهد و إيجاد العلاقات السياسية و الاقتصادية معهم إذا رآه الحاكم صلاحا للإسلام و المسلمين مع رعاية الاحتياط و الالتفات إلى جميع الجوانب و الجهات كيلا يتغفلوا أحيانا:

1- قال اللّه بعد الأمر بإعداد القوة في قبال الكفار: «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا، وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.» «1»

2- و قال بعد الأمر بقتال الكفار: «إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثٰاقٌ أَوْ جٰاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقٰاتِلُوكُمْ أَوْ يُقٰاتِلُوا قَوْمَهُمْ، وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقٰاتَلُوكُمْ،

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 61.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 722

فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمٰا جَعَلَ اللّٰهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا.» «1»

3-

و قال: «لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ قٰاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ وَ ظٰاهَرُوا عَلىٰ إِخْرٰاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ، وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ.» «2»

4- و قال: «وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لٰا يَعْلَمُونَ.» «3»

5- و قال: «وَ لٰا تُجٰادِلُوا أَهْلَ الْكِتٰابِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.» «4»

6- و قد عاهد رسول اللّه «ص» مشركي مكّة و يهود المدينة و نصارى نجران و غيرهم، و كان يعاشرهم و يعاملهم بالآداب و الأخلاق الحسنة، و قد جعله اللّه- تعالى- أسوة لنا فقال: «لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّٰهَ كَثِيراً.» «5»

7- و في سنن أبي داود، عن رسول اللّه «ص»: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.» «6»

8- و في فتوح البلدان للبلاذري، عنه «ص»: «من ظلم معاهدا و كلّفه فوق طاقته فأنا حجيجه.» «7»

9- و في كتاب أمير المؤمنين للأشتر النخعي: «و أشعر قلبك الرّحمة للرّعية و المحبّة لهم

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 90.

(2)- سورة الممتحنة (60)، الآية 8 و 9.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 6.

(4)- سورة العنكبوت (29)، الآية 46.

(5)- سورة الأحزاب (33)، الآية 21.

(6)- سنن أبي داود 2/ 152، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في تعشير أهل الذمّة ...

(7)- فتوح البلدان/ 167.

دراسات في ولاية الفقيه

و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 723

و اللطف بهم، و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.» «1»

فيجب على حاكم المسلمين الرّحمة لرعيّته و اللطف بهم و إن لم يكونوا مسلمين.

و يجب على المسلمين أن يجذبوا بسيرتهم و أخلاقهم كل إنسان و إن كان كافرا.

10- و في حديث أنّه مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين «ع»:

ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، نصرانيّ. فقال أمير المؤمنين «ع»: استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال.» «2»

و يرى أمير المؤمنين «ع» لأعراض أهل الكتاب و أموالهم حرمة مثل ما يراه لأعراض المسلمين و أموالهم، فقد قال «ع»- بعد ما سمع إغارة خيل معاوية على الأنبار و تعرضهم لنساء المسلمين و لنساء أهل الذمة-

11-: «و لقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة و الأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها و قلبها و قلائدها و رعاثها، ما تمنع منه إلّا بالاسترجاع و الاسترحام، ثم انصرفوا وافرين؛ ما نال رجلا منهم كلم و لا أريق لهم دم، فلو أنّ امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا.» «3»

12- و قال «ع» في كتاب أرسله إلى عمّاله على الخراج: «و لا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابّة يعتملون عليها و لا عبدا، و لا تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسّنّ مال أحد من الناس: مصلّ و لا معاهد إلّا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام، فإنّه لا ينبغي للمسلم أن يدع

ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه.» «4»

13- و قد بلغ احترام الإسلام للذميّ حدّا يسمح له أن يخاصم إمام المسلمين

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 993؛ عبده 3/ 93؛ لح/ 427، الكتاب 53.

(2)- الوسائل 11/ 49، الباب 19 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 95؛ عبده 1/ 64؛ لح/ 69- 70، الخطبة 27.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 984؛ عبده 3/ 90؛ لح/ 425، الكتاب 51.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 724

و يطالبه بالبيّنة لدعواه، كما اتفق ذلك في قصّة درع أمير المؤمنين «ع» و مخاصمته في عصر خلافته مع رجل من اليهود عند شريح القاضي، و قد مرّ الحديث في مبحث المساواة أمام القانون، فراجع «1».

و لم يكتف الإسلام باحترام الأحياء من أهل الكتاب بل ترى النبي «ص» يحترم بنفسه أمواتهم و يأمرنا بذلك أيضا:

14- ففي صحيح البخاري بسنده، عن جابر بن عبد اللّه، قال: «مرّ بنا جنازة فقام لها النبي «ص» و قمنا به، فقلنا: يا رسول اللّه، إنّها جنازة يهوديّ. قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا.» «2»

15- و فيه أيضا: «كان سهل بن حنيف و قيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمرّوا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنّها من أهل الأرض، أي من أهل الذمّة، فقالا: إنّ النبي «ص» مرّت به جنازة فقام فقيل له: إنّها جنازة يهودي، فقال:

أ ليست نفسا.» «3»

أقول: فهذا منطق الإسلام يرى للإنسان و حتّى لجنازته بأيّ ملّة و دين كان حرمة و شأنا ما لم يتجاوز على حقوق غيره. هذا.

و قد وجد اليهود و النصارى و المجوس في ظلّ الحكومات الإسلامية من كرامة العيش و الحرمة في جميع مجالات الحياة: من السياسة

و الاقتصاد و الحرّيّة في اكتساب العلوم و الصنائع ما لم يجدوه في ظلّ الحكومات المسيحية و غيرها. و قد كانت الدول المسيحية في أروبا يستعبدون اليهود و يذلّونهم و يسومونهم سوء العذاب، و كانت البلاد الإسلامية ملجأ لهم و ملاذا يتمتعون فيها بأحسن ما كان يتمتع به المسلمون، كما شهدت بذلك التواريخ. و لكنك رأيت في نهاية الأمر كيف جبروا

______________________________

(1)- راجع ص 193 من الكتاب.

(2)- صحيح البخاري 1/ 228، في الجنائز، باب من قام لجنازة يهوديّ.

(3)- صحيح البخاري 1/ 228، في الجنائز، باب من قام لجنازة يهوديّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 725

و يجبرون إحسان المسلمين إليهم و كافئوهم في مجازر فلسطين و لبنان، فنرجو من اللّه العزيز المنتقم الجبّار أن يخذلهم و يضرب عليهم الذلّة و المسكنة بأيدي المسلمين الغيارى، و يخلص القدس الشريف من براثنهم الخبيثة إن شاء اللّه- تعالى-.

الجهة الثامنة: في الأمان و الهدنة:
اشارة

لا يخفى أنّه من المناسب هنا البحث في ثلاث مسائل متقاربة متناسبة تعرّض لها الفقهاء في كتاب الجهاد، و هي مسألة إعطاء الأمان للعدوّ، و مسألة الجزية، و مسألة الهدنة.

و المراد بالأول أن يعطي الإمام أو نائبه، أو فرد من المسلمين و لو كان من أدناهم الذمام و الأمان لفرد أو فئة من الكفار المقاتلين.

و المراد بالثاني الضريبة المقرّرة على الكفار من أهل الكتاب أو غيرهم على الخلاف في ذلك على أن يقرّوا على دينهم عائشين في ظلّ الحكومة الإسلامية آمنين في الأموال و الأعراض و النفوس.

و المراد بالثالث ما يعقده الإمام أو نائبه مع المقاتلين من ترك القتال في مدّة مع العوض أو بلا عوض على ما يراه من مصلحة الإسلام و المسلمين.

و لكن لما

كانت دائرة هذه المسائل واسعة جدّا و محل بحثها الكتب الفقهية الموسوعة أحلنا التفصيل فيها إلى محلها، و نبحث عن الجزية بحثا بسيطا في الباب الثامن من الكتاب المعقود للبحث عن المنابع المالية للدولة الإسلامية.

و أمّا الأمان و الهدنة فنشير إليهما هنا بذكر بعض الآيات و الروايات و الكلمات لاطّلاع القارئ إجمالا:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 726

1- عقد الأمان:

1- قال اللّه- تعالى-: «وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ.» «1»

2- و عن رسول اللّه «ص» في خطبته في مسجد الخيف: «المسلمون إخوة، تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمّتهم أدناهم.» «2»

3- و روى السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: ما معنى قول النبي «ص»: يسعى بذمّتهم أدناهم؟ قال: لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم و أناظره، فأعطاه أدناهم الأمان وجب على أفضلهم الوفاء به.» «3»

4- و روى مسعدة بن صدقة، عن أبى عبد اللّه «ع» أنّ عليّا «ع» أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون، و قال: «هو من المؤمنين.» «4»

5- و عن محمد بن الحكم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم الأمان فقالوا: لا، فظنّوا أنّهم قالوا: نعم، فنزلوا إليهم كانوا آمنين.» «5»

6- و قال الشيخ في المبسوط:

«عقد الأمان جائز للمشركين، لقوله- تعالى-: «وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 6.

(2)- الكافي 1/ 403، كتاب الحجة، باب ما أمر النبيّ «ص» بالنصيحة لأئمة المسلمين ...، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 49، الباب 20 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(4)- الوسائل 11/

49، الباب 20 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(5)- الوسائل 11/ 50، الباب 20 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 727

فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلٰامَ اللّٰهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ.» و عقد النبي «ص» الأمان للمشركين عام الحديبية.

فإذا ثبت جوازه نظر، فإن كان العاقد الإمام جاز أن يعقده لأهل الشرك كلّهم في جميع البقاع و الأماكن، لأنّ إليه النظر في مصالح المسلمين، و هذا من ذلك.

و إن كان العاقد خليفة الإمام على إقليم فإنّه يجوز أن يعقد لمن يليه من الكفار دون جميعهم، لأن إليه النظر في ذلك دون غيرها.

و إن كان العاقد آحاد المسلمين جاز أن يعقد لآحادهم و الواحد و العشرة. و لا يجوز أن يعقد لأهل بلد عام و لا لأهل إقليم، لأنّه ليس له النظر في مصالح المسلمين.

فإذا ثبت جوازه لآحاد المسلمين فإن كان العاقد حرّا مكلفا جاز بلا خلاف، و إن كان عبدا صحّ، سواء كان مأذونا له في القتال أو غير مأذون- و فيه خلاف- لقوله «ص»: «يسعى بذمّتهم أدناهم.» و أدناهم: عبيدهم.

و أمّا المرأة فيصحّ أمانها بلا خلاف، لأنّ أم هاني بنت أبي طالب أجارت رجلا من المشركين يوم فتح مكّة فأجاز النبي «ص» أمانها و قال: أجرنا من أجرت، و آمنّا من آمنت.

و الصبي و المجنون لا يصحّ أمانهما لأنّهما غير مكلفين.» «1»

7- و في الشرائع:

«و يجوز أن يذمّ الواحد من المسلمين لآحاد من أهل الحرب، و لا يذمّ عامّا و لا لأهل إقليم. و هل يذمّ لقرية أو حصن؟ قيل: نعم، كما أجاز عليّ «ع» ذمام الواحد لحصن من الحصون. و قيل: لا، و هو الأشبه. و فعل

عليّ «ع» قضيّة في واقعة فلا يتعدّى.

و الإمام يذمّ لأهل الحرب عموما و خصوصا. و كذا من نصبه الإمام للنظر في جهة يذمّ لأهلها. و يجب الوفاء بالذمام ما لم يكن متضمنا لما يخالف الشرع.» «2»

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 14.

(2)- الشرائع 1/ 314.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 728

8- و في كتاب الجهاد من بداية المجتهد لابن رشد:

«و اتّفقوا على جواز تأمين الإمام. و جمهور العلماء على جواز أمان الرجل الحرّ المسلم إلّا ما كان ابن الماجشون يرى أنّه موقوف على إذن الإمام.

و اختلفوا في أمان العبد و أمان المرأة فالجمهور على جوازه، و كان ابن الماجشون و سحنون يقولان: أمان المرأة موقوف على إذن الإمام. و قال أبو حنيفة: لا يجوز أمان العبد إلّا أن يقاتل.» «1»

2- الهدنة و ترك القتال:

1- قال اللّه- تعالى-: «إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظٰاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلىٰ مُدَّتِهِمْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.» «2»

2- و قال: «إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ، فَمَا اسْتَقٰامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.» «3»

فجعل اللّه- تعالى- الوفاء بالمعاهدة من آثار التقوى و لوازمه.

3- و قال: «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا، وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.» «4»

4- و في نهج البلاغة: «و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك [و] للّه فيه رضا، فإنّ في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك، و لكن الحذر كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحه، فإنّ العدوّ ربما قارب ليتغفّل، فخذ بالحزم و اتّهم في ذلك حسن الظّنّ.» «5»

______________________________

(1)- بداية المجتهد 1/ 370 (طبعة أخرى 1/ 326).

(2)- سورة التوبة (9)،

الآية 4.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 7.

(4)- سورة الأنفال (8)، الآية 61.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 1027؛ عبده 3/ 117؛ لح/ 442، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 729

5- و قال الشيخ في المبسوط:

«الهدنة و المعاهدة واحدة، و هو وضع القتال و ترك الحرب إلى مدّة من غير عوض.

و ذلك جائز، لقوله- تعالى-: «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا»، و لأنّ النبي «ص» صالح قريشا عام الحديبية على ترك القتال عشر سنين ...

و ليس يخلو الإمام من أن يكون مستظهرا أو غير مستظهر، فإن كان مستظهرا و كان في الهدنة مصلحة للمسلمين و نظر لهم بأن يرجو منهم الدخول في الإسلام أو بذل الجزية فعل ذلك، و إن لم يكن فيه نظر للمسلمين بل كانت المصلحة في تركه بأن يكون العدوّ قليلا ضعيفا و إذا ترك قتالهم اشتدّت شوكتهم و قرّوا فلا تجوز الهدنة، لأنّ فيها ضررا على المسلمين.

فإذا هادنهم في الموضع الذي يجوز فيجوز أن يهادنهم أربعة أشهر بنصّ القرآن العزيز، و هو قوله- تعالى-: «فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ». و لا يجوز إلى سنة و زيادة عليها ...

فأمّا إذا لم يكن الإمام مستظهرا على المشركين، بل كانوا مستظهرين عليه، لقوّتهم و ضعف المسلمين أو كان العدوّ بالبعد منهم و في قصدهم التزام مؤن كثيرة فيجوز أن يهادنهم إلى عشر سنين، لأنّ النبي «ص» هادن قريشا عام الحديبية إلى عشر سنين، ثمّ نقضوها من قبل نفوسهم.» «1»

أقول: و الظاهر أنّ قوله: «من غير عوض» يريد به عدم اشتراط كون الهدنة بعوض، لا أنّ شرط العوض غير جائز.

6- و لذا قال العلّامة في التذكرة:

«المهادنة و الموادعة و المعاهدة ألفاظ مترادفة،

معناها وضع القتال و ترك الحرب مدّة بعوض و غير عوض. و هي جائزة بالنصّ و الإجماع.» «2»

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 50- 51.

(2)- التذكرة 1/ 447.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 730

7- و في المغني لابن قدّامة الحنبلي:

«و معنى الهدنة أن يعقد لأهل الحرب عقدا على ترك القتال مدّة بعوض و بغير عوض، و تسمّى مهادنة و موادعة و معاهدة. و ذلك جائز بدليل قول اللّه- تعالى-:

«بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.» و قال- سبحانه-: «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا.» و روى مروان و مسور بن مخرمة أنّ النبي «ص» صالح سهيل بن عمرو بالحديبية على وضع القتال عشر سنين. و لأنّه قد يكون بالمسلمين ضعف، فيهادنهم حتى يقوى المسلمون ...» «1»

8- و في التذكرة:

«و يشترط في صحة عقد الذمّة أمور أربعة:

الأوّل: أن يتولّاه الإمام أو من يأذن له، لأنّه من الأمور العظام ...

الثاني: أن يكون للمسلمين إليه حاجة و مصلحة إمّا لضعفهم عن المقاومة فينتظر الإمام قوّتهم، و إمّا لرجاء إسلام المشركين، و إمّا لبذل الجزية منهم و التزام أحكام الإسلام. و لو لم تكن هناك مصلحة للمسلمين، بأن يكون في المسلمين قوّة و في المشركين ضعف و يخشى قوّتهم و اجتماعهم إن لم يبادرهم بالقتال، لم تجز له مهادنتهم ...

و الثالث: أن يخلو العقد من شرط فاسد- و هو حقّ كلّ عقد- فإن عقدها الإمام على شرط فاسد مثل أن يشترط ردّ النساء أو مهورهنّ أو ردّ السلاح المأخوذ منهم أو دفع المال إليهم مع عدم الضرورة الداعية إلى ذلك ... فهذه الشروط كلها فاسدة يفسد بها عقد الهدنة ...

الرابع: المدّة، و يجب ذكر

المدّة التي يهادنهم عليها.» «2»

أقول: فهذا بحث بسيط إجمالي عن مسألتي الأمان و الهدنة، و قد عرفت أنّ محل بحثهما التفصيلي كتاب الجهاد من الفقه، فراجع.

______________________________

(1)- المغني 10/ 517.

(2)- التذكرة 1/ 447.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 731

الجهة التاسعة: في وجوب الوفاء بالعهد و حرمة الغدر و لو مع الكفار:
اشارة

إذا عاهدت الحكومة الإسلامية أو أمّتها دولة أو فردا من الكفّار، أو مؤسسة تجارية أو خدماتية لهم، و استحكم العقد بينهما وجب الوفاء به و لا يجوز نقضه بوجه إلّا مع تخلّف الطرف و نقضه. و يدلّ على ذلك العقل و الشرع:

[الآيات]

1- قال اللّه- تعالى- في سورة المائدة: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.» «1»

افتتح اللّه- تعالى- هذه السورة بإيجاب الوفاء بكل عهد. و التعبير فيه يشعر بكونه من لوازم الإيمان.

و شدّد في هذه السورة أمر الميثاق من المسلمين و اليهود و النصارى:

2- فقال: «وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ مِيثٰاقَهُ الَّذِي وٰاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا.» «2»

3- و قال: «وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّٰهُ مِيثٰاقَ بَنِي إِسْرٰائِيلَ وَ بَعَثْنٰا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.» «3»

4- و قال: «فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِيثٰاقَهُمْ لَعَنّٰاهُمْ وَ جَعَلْنٰا قُلُوبَهُمْ قٰاسِيَةً.» «4»

5- و قال: «وَ مِنَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنّٰا نَصٰارىٰ أَخَذْنٰا مِيثٰاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّٰا ذُكِّرُوا بِهِ.» «5»

فسورة المائدة كأنّها سورة العقد و الميثاق.

و عدّ اللّه- تعالى- من صفات المؤمنين و خواصّهم رعاية العهد:

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 1.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 7.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 12.

(4)- سورة المائدة (5)، الآية 13.

(5)- سورة المائدة (5)، الآية 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 732

6- فقال: «وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰاعُونَ.»* «1»

7- و قال: «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ، وَ لٰا تَنْقُضُوا الْأَيْمٰانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهٰا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، إِنَّ اللّٰهَ يَعْلَمُ مٰا تَفْعَلُونَ.» «2»

8- و قال: «وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلًا.» «3»

و إطلاق الآيات يشمل معاهدات المسلمين مع الكفار أيضا، مضافا إلى التصريح بها في بعض

الآيات الشريفة:

9- فقال: «إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظٰاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلىٰ مُدَّتِهِمْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.» «4»

10- و قال: «كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللّٰهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ، فَمَا اسْتَقٰامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.» «5»

فجعل الوفاء بالعهد في الآيتين من لوازم التقوى.

[الروايات]

11- و عن حبّة العرني، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «من ائتمن رجلا على دمه ثم خاس به فأنا من القاتل بري ء، و إن كان المقتول في النار.» «6»

12- و عن عبد اللّه بن سليمان، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «ما من رجل أمّن رجلا على ذمّة (على دمه خ. ل) ثم قتله إلّا جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر.» «7»

______________________________

(1)- سورة المؤمنين (23)، الآية 8.

(2)- سورة النحل (16)، الآية 91.

(3)- سورة الإسراء (17)، الآية 34.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 4.

(5)- سورة التوبة (9)، الآية 7.

(6)- الوسائل 11/ 51، الباب 20 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(7)- الوسائل 11/ 50، الباب 20 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 733

13- و عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: ما معنى قول النبي «ص»: «يسعى بذمّتهم أدناهم»؟ قال: «لو أنّ جيشا من المسلمين حاصروا قوما من المشركين فأشرف رجل فقال: أعطوني الأمان حتى ألقى صاحبكم و أناظره، فأعطاه أدناهم الأمان، وجب على أفضلهم الوفاء به.» «1»

14- و في الخصال بسنده، عن ابن مسعود، عن النبي «ص»، قال: «أربع من كنّ فيه فهو منافق، و إن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة

من النفاق حتى يدعها: من إذا حدّث كذب، و إذا وعد أخلف، و إذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر.» «2»

15- و في نهج البلاغة: «إنّ الوفاء توأم الصدق، و لا أعلم جنّة أوقى منه. و لا يغدر من علم كيف المرجع. و لقد أصبحنا في زمان قد اتّخذ أكثر أهله الغدر كيسا، و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم؟ قاتلهم اللّه! قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة، و دونه مانع من أمر اللّه و نهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها و ينتهز فرصتها من لا حريجة «3» له في الدين.» «4»

16- و في سنن أبي داود بسنده، عن عمرو بن عبسة، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «من كان بينه و بين قوم عهد فلا يشدّ عقدة و لا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء.» «5»

17- و فيه أيضا بسنده، عن أبي بكرة، قال: قال: رسول اللّه «ص»: «من قتل معاهدا في غير كنهه «6» حرّم اللّه عليه الجنة.» «7»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 49، الباب 20 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- الخصال 1/ 254، باب الأربعة، الحديث 129.

(3)- الحريجة: التحرّز من الآثام.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 126؛ عبده 1/ 88؛ لح/ 83، الخطبة 41.

(5)- سنن أبي داود 2/ 76، كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه و بين العدو عهد فيسير إليه.

(6)- يعني في غير وقته و غاية عهده.

(7)- سنن أبي داود 2/ 76، كتاب الجهاد، باب في الوفاء للمعاهد و حرمة ذمّته.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 734

18- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عمر أنّ رسول اللّه «ص» قال: «إنّ الغادر

ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان.» «1»

و قد أكّد أمير المؤمنين «ع» على حفظ العهود و الذمم و لو كانت مع العدوّ، و بالغ في الحثّ عليه:

19- فقال في كتابه إلى مالك: «و إن عقدت بينك و بين عدوّك عقدة، أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء، و ارع ذمّتك بالأمانة، و اجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت، فإنّه ليس من فرائض اللّه شي ء الناس أشدّ عليه اجتماعا مع تفرّق أهوائهم و تشتّت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود.

و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر، فلا تغدرنّ بذمّتك و لا تخيسنّ بعهدك و لا تختلنّ عدوّك، فإنه لا يجترئ على اللّه إلّا جاهل شقيّ.

و قد جعل اللّه عهده و ذمّته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، و حريما يسكنون إلى منعته، و يستفيضون إلى جواره، فلا إدغال و لا مدالسة و لا خداع فيه، و لا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل، و لا تعوّلنّ على لحن قول بعد التأكيد و التوثقة، و لا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب انفساخه بغير الحقّ، فإنّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، و ان تحيط بك من اللّه فيه طلبة فلا تستقيل فيها دنياك و لا آخرتك.» «2»

20- و في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن عليّ «ع» أن رسول اللّه «ص» قال له فيما عهد إليه: «و إيّاك و الغدر بعهد اللّه و الإخفار لذمته، فإن اللّه جعل عهده و ذمته أمانا أمضاه بين العباد برحمته. و الصبر على ضيق ترجو انفراجه خير من غدر تخاف أوزاره

و تبعاته و سوء عاقبته.» «3»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 75، كتاب الجهاد، باب في الوفاء بالعهد.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1027؛ عبده 3/ 117؛ لح/ 442- 443، الكتاب 53.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 250، الباب 19 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 735

فهذه: سياسة الإسلام المبنية على أساس الصدق و الوفاء بالعهود و الذمم و لو كانت مع الأعداء و أعقب الوفاء بها ضيقا و شدّة، فلا مدالسة و لا خداع و لو مع الاعداء.

نعم، سياسة أبناء الدنيا و أهل الهوى مبنيّة على أساس الغدر و الخداع، كما تراه. و من يتّهم أمير المؤمنين «ع» بعدم السياسة فلا محالة يريد بها هذه السياسة المبنية على الكذب و الغدر، و قد قال- عليه السّلام-: «و اللّه ما معاوية بأدهى منّي و لكنه يغدر و يفجر، و لو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس.» «1» هذا.

و الوفاء بالعهد على ما ذكره أمير المؤمنين «ع» من الفضائل التي اجتمع عليه الناس مع تفرقهم في الآراء و الأهواء، و لزمه المشركون أيضا فيما بينهم مع كونهم دون المسلمين في العقائد و الأخلاق. فهو أمر فطري تستحسنه عقول جميع الناس، و يجب على كل مسلم أن يلتزم به و لو فرض كونه بضرره و كان الطرف كافرا.

و لو لا ذلك لم يعتمد أحد على أحد، و اختلّ النظام فأعقب ذلك الضرر لجميع البشر.

[رسول اللّه «ص» كان يلتزم بمعاهداته]

21- و قد اهتم بذلك رسول اللّه «ص» في سيرته؛ فكان يلتزم بمعاهداته ما لم يخن صاحبه:

فهو «ص» في الحديبية بعد ما تمّ عقد الصلح بينه و بين سهيل بن عمرو من قبل المشركين و كان في

عهده معهم أنّه «من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم»، فبينا هو «ص» يكتب الكتاب هو و سهيل إذ جاء أبو جندل، و كان ممن أسلم من قبل، فقام سهيل و ضرب وجهه و قال يا محمّد، قد لجّت القضية بيني و بينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت. فجعل سهيل يجرّه ليردّه إلى قريش، و جعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين، أ أردّ إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فقال رسول اللّه «ص»: «يا أبا جندل، اصبر و احتسب، فإنّ اللّه جاعل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا. إنّا قد عقدنا بيننا و بين القوم صلحا و أعطيناهم على ذلك و أعطونا عهد اللّه، و إنّا

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 648؛ عبده 2/ 206؛ لح/ 318، الخطبة 200.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 736

لا نغدر بهم.» «1»

و لما رجع رسول اللّه «ص» إلى المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد، و كان ممن حبس بمكة، فلمّا قدم على رسول اللّه «ص» كتب فيه الأزهر و الأخنس إلى رسول اللّه «ص» و بعثا رجلا من بني عامر و معه مولى لهم فقدما على رسول اللّه «ص» بكتاب الأزهر و الأخنس، فقال رسول اللّه «ص»: «يا أبا بصير، إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، و لا يصلح لنا في ديننا الغدر، و إنّ اللّه جاعل لك و لمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا فانطلق إلى قومك.» قال: يا رسول اللّه، أ تردّني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ قال: «يا أبا بصير، انطلق فإنّ اللّه- تعالى- سيجعل لك و لمن معك

من المستضعفين فرجا و مخرجا.» «2»

و قول سهيل: «لجّت القضية»، أي تمّت المعاهدة بيني و بينك.

فتدبّر في اهتمام رسول اللّه «ص» و عنايته بعهده، بحيث لا يرضى بالتخلّف عنه و لو في طريق مصلحة بعض من آمن به و التجأ إليه.

[وفاء عليّ ع بعهده بعد التحكيم]

22- و في وقعة صفّين بعد ما أصرّ أكثر جند أمير المؤمنين «ع» على التحكيم و اختيار أبي موسى الأشعري لذلك، و اضطرّ أمير المؤمنين إلى قبوله، لمّا رجعوا عن ذلك و قالوا له «ع»: «قد كانت منّا زلّة حين رضينا بالحكمين، فرجعنا و تبنا، فارجع أنت يا عليّ كما رجعنا ...»، قال أمير المؤمنين «ع»: «و يحكم، أبعد الرضا و الميثاق و العهد نرجع؟ أ و ليس اللّه- تعالى- قال: «أَوْفُوا بِالْعَهْدِ»، و قال: «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ وَ لٰا تَنْقُضُوا الْأَيْمٰانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهٰا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا». فأبى عليّ «ع» أن يرجع «3». هذا.

و قد تحصل لك من جميع ما ذكرناه في هذا الفصل في السياسة الخارجية للإسلام

______________________________

(1)- راجع سيرة ابن هشام 3/ 332- 333.

(2)- راجع سيرة ابن هشام 3/ 337.

(3)- وقعة صفّين/ 514. و الآيتان من سورتي الإسراء (17)، الرقم 34؛ و النحل (16)، الرقم 91.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 737

و معاملة المسلمين للكفّار أنّ الإسلام دين و سياسة معا، و هو دين عامّ عالميّ أبديّ و دين حق و عدالة، فيجب دعوة جميع الناس إليه و الدفاع عنه و عمن أسلم في شرق الأرض و غربها. و أنّ جميع المسلمين أمّة واحدة لا يحكم عليهم إلّا الإسلام. و أن الكفر بشعبه أيضا ملّة واحدة، و هو يعاند بجميع شعبه

الإسلام، فيجب أن يستعدّ المسلمون و يتجهزوا و يعدّوا القوى في قبال الكفّار و أن يتركوا موالاتهم و اتخاذهم بطانة.

كلّ ذلك لأداء حقّ اللّه و حقّ الإنسانية و الدفاع عن التوحيد و عن العدالة.

و لكن مع ذلك كلّه لو لم يقاتلوا المسلمين و لم يظاهروا عليهم جاز معاملتهم بالبرّ و القسط و التعاهد معهم إذا اقتضته مصلحة الإسلام و المسلمين. و هم ما داموا يوفون بعهدهم و مواثيقهم وجب على الحكومة الإسلامية و الأمّة المسلمة رعاية عهودهم و مواثيقهم، فهي من لوازم الإيمان و التقوى على ما ظهر من نصّ الكتاب العزيز.

نعم، إذا هم غدروا بالمسلمين و نقضوا العهد ارتفعت حرمتهم قهرا بما عملته أيديهم. كما أنّه لو ظهرت أمارات الغدر و الخيانة فالصبر ربّما يكون مخالفا للحزم و الاحتياط و موجبا لسلطتهم على المسلمين على حين غفلة منهم.

فعلى حاكم المسلمين حينئذ إعلامهم بقطع العلاقات احتياطا للإسلام و الأمّة، و لا يجوز له قتالهم قبل الإبلاغ و الإعلام:

قال اللّه- تعالى-: «الَّذِينَ عٰاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لٰا يَتَّقُونَ* فَإِمّٰا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* وَ إِمّٰا تَخٰافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيٰانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلىٰ سَوٰاءٍ، إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُحِبُّ الْخٰائِنِينَ.» «1»

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 56- 58.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 738

الجهة العاشرة: في الحصانة السياسية للسفراء و الرسل:

للسفراء و الرسل حصانة سياسية و احترام خاصّ عند حاكم الإسلام، بحيث يجترئ أحدهم أن يبلغ رسالته و يبرز عقائده المخالفة بجدّ و صراحة من دون أن يعرضه خوف أو يلحقه ضرر:

1- فعن قرب الإسناد، عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن

آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا يقتل الرسل و لا الرهن.» «1»

2- و في سيرة ابن هشام أنّ مسيلمة كتب إلى رسول اللّه «ص»: «من مسيلمة رسول اللّه إلى محمد رسول اللّه: سلام عليك. أمّا بعد فإنّي قد أشركت في الأمر معك، و إنّ لنا نصف الأرض و لقريش نصف الأرض و لكن قريشا قوم يعتدون.»

فقدم إليه رسولان بهذا الكتاب، فقال لهما: ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال.

فقال «ص»: «أما و اللّه لو لا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما.» ثمّ كتب إلى مسيلمة:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللّه إلى مسيلمة الكذّاب: السلام على من اتبع الهدى، أمّا بعد فإنّ الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين.» و ذلك في آخر سنة عشر «2».

3- و في سنن أبي داود بسنده، عن نعيم بن مسعود، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول لهما حين قرءا كتاب مسيلمة: «ما تقولان أنتما؟» قالا: نقول كما

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 90، الباب 44 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- سيرة ابن هشام 4/ 247.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 739

قال. قال: «أما و اللّه لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما.» «1»

4- و فيه أيضا بسنده، عن عبد اللّه، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول:

«لو لا أنّك رسول لضربت عنقك.» «2»

5- و في سنن البيهقي بسنده، عن عبد اللّه، قال: «مضت السنة أن لا تقتل الرسل.» «3»

6- و في سنن أبي داود أيضا بسنده، عن أبي رافع، قال: بعثتني قريش إلى رسول اللّه «ص» فلما رأيت رسول اللّه «ص» ألقى في قلبي الإسلام، فقلت:

يا رسول اللّه،

إنّي و اللّه لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول اللّه «ص»: «إنّي لا أخيس بالعهد و لا أحبس البرد، و لكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع.» قال:

فذهبت ثم أتيت النبي «ص» فأسلمت «4».

أقول: و البرد جمع البريد: و هو الرسول. و لعلّ كلام رسول اللّه «ص» ناظر إلى أمر ارتكازي تحكم به الفطرة، فإنّ الحفاظ على الأنظمة الاجتماعية يتوقف على حفظ الروابط الاجتماعية من حصانة الرسل و الكتب و الوفاء بالمعاهدات و نحو ذلك، و لذلك ترى استقرار سيرة العقلاء على الاهتمام بأمر السفراء و الرسل و حصانتهم.

7- و في أنساب الأشراف للبلاذري في ذكر الصحيفة التي كتبها معاوية إلى عليّ «ع» قال: «فلمّا رآها عليّ قال: ويلك، ما وراءك؟ قال: أخاف أن تقتلني، قال: و لم أقتلك و أنت رسول؟!» «5»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 76، كتاب الجهاد، باب في الرسل.

(2)- سنن أبي داود 2/ 76، كتاب الجهاد، باب في الرسل.

(3)- سنن البيهقي 9/ 212، كتاب الجزية، باب السنّة ان لا يقتل الرسل.

(4)- سنن أبي داود 2/ 75، كتاب الجهاد، باب في الإمام يستجنّ به في العهود.

(5)- أنساب الأشراف 2/ 211.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 740

الجهة الحادية عشرة: في حكم جاسوس العدوّ:

من المسائل المهمة التي تبتلى بها الأنظمة و الدول استخبارات العدوّ الأجنبي بأياديه و جواسيسه الداخلية و الخارجية النافذة في المجتمعات و الدوائر و الجنود و مراكز التصميم و القرار.

و الخسارة المترتبة عليها كثيرة و لا سيما في المعارك و الحروب، فيجب على الحاكم المدبّر العاقل مراقبة أعمال الأفراد و حركاتهم و التهيؤ الدائم في قبالها. إذ ربّ غفلة عن ذلك توجب هزيمة فظيعة و خسارة فادحة

لا يجبرها شي ء، و لعلّ قوله- تعالى- بعد الأمر بإعداد القوّة في قبال الكفّار: «و آخرين من دونهم لا تعلمونهم، اللّه يعلمهم» ناظر إلى هذا الطابور الخامس و الشبكة الداخلية التي يستخدمها العدوّ للتجسّس و الاطلاع على إمكانات المسلمين و روحياتهم.

و يظهر من الآثار و الروايات الإسلامية أنّ الجزاء المناسب لهذا الذنب العظيم هو القتل و الإعدام إلّا أن يعفى عنه لجهات مبرّرة له، فإنّ عظم الجناية و جزاءها متناسبان للشرور و الخسارات المترتبة عليها. فلنذكر بعض الروايات:

1- بعد ما نقض المشركون معاهدة الحديبية و رأى رسول اللّه «ص» عنادهم للإسلام و منعهم عن بسط الحق و العدالة، صمّم «ص» على فتح مكة و رفع شرّهم و كسر شوكتهم بمفاجأتهم و الوقوع عليهم بلا تهيؤ منهم، فأعلم الناس أنّه سائر إلى مكّة، و أمرهم بالجدّ و التهيؤ، و قال: «اللّهم خذ العيون و الأخبار عن قريش حتّى نبغتها في بلادها.» فتجهّز الناس، فلمّا أجمع رسول اللّه «ص» المسير إلى مكّة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول اللّه «ص»، ثمّ أعطاه امرأة و جعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا، فجعلته في رأسها ثمّ فتلت عليه قرونها

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 741

و خرجت به، و أتى رسول اللّه الخبر من السماء، فبعث علي بن أبي طالب و الزبير بن العوّام فقال: أدركا المرأة، فخرجا حتّى أدركاها فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا، فقال لها عليّ بن أبي طالب: إنّي أحلف باللّه ما كذب رسول اللّه «ص» و لا كذبنا، و لتخرجنّ الكتاب أو لنكشفنّك، فلما رأت الجدّ منه قالت: أعرض، فأعرض

فحلّت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب فدفعته إليه، فأتى به رسول اللّه «ص»، فدعا رسول اللّه «ص» حاطبا فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول اللّه، أما و اللّه إنّي لمؤمن باللّه و رسوله، ما غيرت و لا بدّلت، و لكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل و لا عشيرة و كان لي بين أظهرهم ولد و أهل فصانعتهم عليهم. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللّه، دعني فلأضرب عنقه فإنّ الرجل قد نافق، فقال رسول اللّه «ص»: و ما يدريك يا عمر، لعلّ اللّه قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل اللّه- تعالى- في حاطب: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ.» انتهى ما في سيرة ابن هشام ملخصا «1».

و روى نحوه أبو داود في الجهاد من سننه و فيه: «فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول اللّه «ص»: قد شهد بدرا، و ما يدريك لعلّ اللّه اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.» «2»

و روى قصة حاطب أيضا علي بن إبراهيم في تفسيره في تفسير سورة الممتحنة «3»، و الطبرسي في مجمع البيان «4»، و البخاري في كتاب الجهاد «5». و يوجد في النقول اختلافات جزئية، فراجع.

و رسول اللّه «ص» لم يردع عمر عما اعتقده من جواز قتل المنافق المتجسس، بل لعلّه «ص» قرّره على ذلك و لكنه جعل سابقة حاطب في الإسلام و في بدر مبرّرا

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 4/ 39- 41.

(2)- سنن أبي داود 2/ 44- 45، كتاب الجهاد، باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلما.

(3)-

تفسير علي بن إبراهيم 2/ 361.

(4)- مجمع البيان 5/ 269- 270 (الجزء 9).

(5)- صحيح البخاري 2/ 170، كتاب الجهاد و السير، باب الجاسوس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 742

للعفو عنه، فلا ينافي ذلك كون جزاء العمل بطبعه هو القتل كما يظهر من الروايات الآتية.

فما في جهاد المبسوط «1» من عدم حلّ قتل الجاسوس المسلم تمسكا بعدم استحلال النبي «ص» لقتل حاطب قابل للمناقشة.

2- و في المغازي للواقدي في غزوة المريسيع (بني المصطلق) ما ملخصه:

«فلمّا نزل رسول اللّه ببقعاء أصاب عينا للمشركين، فقالوا له: ما وراءك؟ أين الناس؟ قال: لا علم لي بهم. قال عمر: لتصدقنّ أو لأضربنّ عنقك. قال: فأنا رجل من بلمصطلق تركت الحارث بن أبي ضرار قد جمع لكم الجموع و تجلب إليه ناس كثير و بعثني إليكم لآتيه بخبركم و هل تحركتم من المدينة، فأتى عمر بذلك رسول اللّه «ص» فأخبره الخبر، فدعاه رسول اللّه «ص» إلى الإسلام فأبى، فقال عمر: يا رسول اللّه، اضرب عنقه. فقدمه رسول اللّه «ص» فضرب عنقه.» «2»

3- و في مستدرك الوسائل عن دعائم الإسلام: «و الجاسوس و العين إذا ظفر بهما قتلا.

كذلك روينا عن أهل البيت.» «3»

4- و في سنن أبي داود بسنده، عن سلمة بن الأكوع، قال: أتى النبي «ص» عين من المشركين و هو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم انسلّ، فقال النبي «ص»:

«اطلبوه فاقتلوه.» قال: فسبقتهم إليه فقتلته و أخذت سلبه فنفلني إيّاه «4».

5- و فيه أيضا عن سلمة، قال: غزوت مع رسول اللّه «ص» هوازن، قال: فبينما نحن نتضحّى و عامّتنا مشاة و فينا ضعفة إذ جاء رجل على جمل أحمر، فانتزع طلقا من حقو البعير فقيّد

به جملة ثمّ جاء يتغدّى مع القوم، فلمّا رأى ضعفتهم و رقّة ظهرهم

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 15.

(2)- المغازي 1/ 406.

(3)- مستدرك الوسائل 3/ 249، الباب 1 من أبواب الدفاع، الحديث 1.

(4)- سنن أبي داود 2/ 45، كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 743

خرج يعدو إلى جمله فأطلقه ثمّ أناخه فقعد عليه، ثم خرج يركضه، و اتبعه رجل من أسلم على ناقة و رقاء هي أمثل ظهر القوم، قال: فخرجت أعدو فأدركته و رأس الناقة عند ورك الجمل و كنت عند ورك الناقة، ثمّ تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثمّ تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلمّا وضع ركبته بالأرض اخترطت سيفي فأضرب رأسه فندر، فجئت براحلته و ما عليها أقودها فاستقبلني رسول اللّه «ص» في الناس مقبلا فقال: «من قتل الرجل؟» فقالوا: سلمة بن الأكوع.

قال: «له سلبه أجمع.» «1» و رواه مسلم أيضا في صحيحه «2»

أقول: الطلق محركة: العقال من جلد. و حقو البعير: كشحه. و الظهر: المركوب.

و قوله: فندر، أي انفصل عن جسده و مات.

6- و فيه أيضا بسنده، عن فرات بن حيان أنّ رسول اللّه «ص» أمر بقتله و كان عينا لأبي سفيان و كان حليفا لرجل من الأنصار، فمرّ بحلقة من الأنصار فقال: إنّي مسلم، فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللّه إنّه يقول: إني مسلم، فقال رسول اللّه «ص»: «إنّ منكم رجالا نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيّان.» «3»

7- و في إرشاد المفيد: «فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان وفاة أمير المؤمنين «ع» و بيعة الناس ابنه الحسن «ع» دسّ رجلا من حمير إلى الكوفة و رجلا من بني

القين إلى البصرة ليكتبا إليه بالأخبار و يفسدا على الحسن «ع» الأمور، فعرف ذلك الحسن «ع» فأمر باستخراج الحميري من عند لحّام (حجام خ. ل) بالكوفة، فأخرج و أمر بضرب عنقه، و كتب إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم، فأخرج و ضربت عنقه. و كتب الحسن «ع» إلى معاوية: أمّا بعد فإنّك دسست الرجال للاحتيال

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 45، كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1374، كتاب الجهاد و السير، الباب 13 (باب استحقاق القاتل سلب القتيل)، الحديث 1754.

(3)- سنن أبي داود 2/ 45، كتاب الجهاد، باب في الجاسوس الذمّيّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 744

و الاغتيال و أرصدت العيون، كأنّك تحبّ اللقاء، و ما أوشك ذلك ...» «1»

و بالجملة، فالظاهر أنّ استحقاق الجواسيس للقتل كان أمرا واضحا في عصر النبي «ص» و الأئمّة «ع» و إن كان قد يعفى عنهم لجهات مبرّرة.

هذا مضافا إلى صدق عنوان المنافق و المفسد و المحارب و الباغي على الجاسوس غالبا، فتدبّر.

و في خراج أبي يوسف:

«و سألت يا أمير المؤمنين عن الجواسيس يوجدون و هم من أهل الذمّة أو أهل الحرب أو من المسلمين، فإن كانوا من أهل الحرب أو من أهل الذمّة ممن يؤدّي الجزية من اليهود و النصارى و المجوس فاضرب أعناقهم، و إن كانوا من أهل الإسلام معروفين فأوجعهم عقوبة و أطل حبسهم حتى يحدثوا توبة.

قال أبو يوسف: و ينبغي للإمام أن تكون له مسالح على المواضع التي تنفذ إلى بلاد أهل الشرك من الطرق، فيفتشون من مرّ بهم من التجّار؛ فمن كان معه سلاح أخذ منه و ردّ، و من كان معه رقيق ردّ،

و من كانت معه كتب قرئت كتبه؛ فما كان من خبر من أخبار المسلمين قد كتب به أخذ الذي أصيب معه الكتاب و بعث به إلى الإمام ليرى فيه رأيه.» «2»

و الحاصل أنّ حفظ النظام الذي هو من أهمّ الفرائض يتوقف على سياسة الحزم مع المنافقين و جواسيس الأعداء، كما يتوقف على بعث العيون و المراقبين ليستخبروا مكائد العدوّ و قراراته.

و الفرق بين جاسوس العدوّ و جاسوس المسلمين أنّ الأوّل يقوّي جانب الكفر و الفساد، و الثاني يقوّي نظام الحق و العدل، فيجب دفع شرّ الأوّل و تقوية الثاني، فتدبّر.

______________________________

(1)- الإرشاد للمفيد/ 170 (طبعة أخرى/ 188).

(2)- الخراج/ 189.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 745

الجهة الثانية عشرة: في ذكر بعض معاهدات النبي «ص» مع الكفّار من أهل الكتاب و غيرهم:
اشارة

من المناسب في هذا الفصل ذكر بعض معاهدات النبي «ص» مع الكفّار تتميما للفائدة و التفصيل موكول إلى الكتب المفصّلة:

1- عهد كتبه «ص» بين أهل المدينة:
اشارة

بعد ما ورد النبي «ص» يثرب- المدينة- عقد وثيقة سياسية تحدّد العلاقات الإنسانية و الحقوق المتقابلة بين أهل المدينة من المسلمين و اليهود و غيرهم، و تعتبر قانونا أساسيّا للدولة الإسلامية التي أسّسها النبي «ص» في المدينة:

ففي سيرة ابن هشام: «قال ابن إسحاق: و كتب رسول اللّه «ص» كتابا بين المهاجرين و الأنصار، و ادع فيه يهود و عاهدهم، و أقرّهم على دينهم و أموالهم، و شرط لهم، و اشترط عليهم:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ هذا كتاب من محمد النبي «ص»، بين المؤمنين و المسلمين من قريش و يثرب، و من تبعهم فلحق بهم و جاهد معهم، إنهم أمّة واحدة من دون الناس. المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، و هم يفدون عانيهم بالمعروف و القسط بين المؤمنين. و بنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كلّ طائفة تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين. و بنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين و بنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين. و بنو جشم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 746

على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين.

و بنو النجّار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين. و بنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة تفدي عانيها

بالمعروف و القسط بين المؤمنين. و بنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين. و بنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، و كلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف و القسط بين المؤمنين.

و إنّ المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.

قال ابن هشام: المفرح: المثقل بالدين و الكثير العيال. قال الشاعر:

إذا أنت لم تبرح تؤدّي أمانة و تحمل أخرى أفرحتك الودائع.

و أن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه. و إنّ المؤمنين المتقين (أيديهم- الأموال) على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، و إنّ أيديهم عليه جميعا، و لو كان ولد أحدهم.

و لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر. و لا ينصر كافرا على مؤمن. و إنّ ذمّة اللّه واحدة، يجير عليهم أدناهم.

و إنّ المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. و إنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر و الأسوة، غير مظلومين و لا متناصرين عليهم. و إنّ سلم المؤمنين واحد، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل اللّه إلّا على سواء و عدل بينهم. و إنّ كلّ غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.

و إنّ المؤمنين يبئ بعضهم على (عن خ. ل) بعض بما نال دماءهم في سبيل اللّه.

و إنّ المؤمنين المتقين على أحسن هدي و أقومه. و إنّه لا يجير مشرك مالا لقريش و لا نفسا، و لا يحول دونه على مؤمن. و إنّه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بيّنة فإنّه قود به إلّا أن يرضى وليّ المقتول، و إنّ المؤمنين عليه كافة، و لا يحلّ لهم إلّا قيام

عليه. و إنّه لا يحل لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة، و آمن باللّه و اليوم الآخر أن ينصر محدثا و لا يؤويه، و إنّه من نصره أو آواه فإنّ عليه لعنة اللّه و غضبه يوم القيامة، و لا يؤخذ منه صرف و لا عدل.

و إنّكم مهما اختلفتم فيه من شي ء، فإنّ مردّه إلى اللّه- عزّ و جلّ-، و إلى محمّد «ص».

و إنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. و إنّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين، لليهود

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 747

دينهم، و للمسلمين دينهم، مواليهم و أنفسهم إلّا من ظلم و أثم فإنّه لا يوتغ إلّا نفسه و أهل بيته. و إنّ ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. و إنّ ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. و إنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. و إنّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. و إنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. و إن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلّا من ظلم و أثم فإنّه لا يوتغ إلّا نفسه و أهل بيته. و إن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. و إنّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف. و إنّ البرّ دون الإثم. و إنّ موالي ثعلبة كأنفسهم. و إنّ بطانة يهود كأنفسهم. و إنّه لا يخرج منهم أحد إلّا بإذن محمد «ص»، و إنه لا ينحجز على ثار جرح. و إنّه من فتك فبنفسه فتك، و أهل بيته إلّا من ظلم. و إنّ اللّه على أبرّ هذا.

و إنّ على اليهود نفقتهم، و على

المسلمين نفقتهم. و إنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة. و إنّ بينهم النصح و النصيحة و البرّ دون الإثم. و إنّه لا يأثم امرؤ بحليفه، و إنّ النصر للمظلوم. و إنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. و إنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. و إنّ الجار كالنفس غير مضارّ و لا آثم. و إنّه لا تجار حرمة إلّا بإذن أهلها.

و إنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإنّ مردّه إلى اللّه- عزّ و جلّ-، و إلى محمد رسول اللّه «ص». و إنّ اللّه على أتقى هذه الصحيفة و أبرّه. و إنّه لا تجار قريش و لا من نصرها. و إنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، و إذا دعوا إلى صلح يصالحونه و يلبسونه فإنّهم يصالحونه و يلبسونه، و إنّهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنّه لهم على المؤمنين إلّا من حارب في الدين، على كل أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم. و إنّ يهود الأوس مواليهم و أنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحض من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن هشام: و يقال: مع البرّ المحسن من أهل هذه الصحيفة.

قال ابن إسحاق: و إنّ البرّ دون الإثم، لا يكسب كاسب إلّا على نفسه. و إنّ اللّه على أصدق ما في هذه الصحيفة و أبرّه. و إنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم و آثم، و إنّه من خرج آمن و من قعد آمن إلّا من ظلم أو أثم، و إنّ اللّه جار لمن برّ و اتّقى، و محمّد رسول اللّه «ص».» «1»

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 147- 150.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 748

أقول: و رواه مع اختلاف أبو عبيد في الأموال «1» و رواه أيضا في مجموعة الوثائق السياسيّة «2».

و إنّما ذكرناه بطوله لكونه أقدم عهد سياسي باق و أطوله في الإسلام و الحجر الأساسي للحكومة الإسلامية، و يكون دليلا واضحا على بعد نظر رسول اللّه «ص» و عظمته السياسية، فقد ربط بهذا العهد جميع أهل المدينة من الأوس و الخزرج و اليهود، مع ما كان بينهم من التنازع و التناحر، و جعل منهم حصنا منيعا في قبال الكفر و الشرك، و أسّس لهم دولة عادلة تحت لوائه و حكمه.

و الربعة و روي «رباعة» بالكسر و الفتح: الحال و العادة التي كانوا عليها في الدماء و الديات. و العاني: الأسير. و المعاقل جمع المعقلة: الديات. و المفرح بفتح الراء:

المثقل بدين أو دية أو فداء، فيجب على المسلمين أن يعينوه. و الدسيعة: العطية العظيمة. و الظاهر أنّ معنى الجملة أنّه يجب على المؤمنين أن يتعاونوا على دفع كلّ من طلب منهم عطية على وجه الظلم و الإثم. و الأسوة: العون، و التسلية، و المساواة.

و في النهاية: «يعقب بعضها بعضا، أي يكون الغزو بينهم نوبا.» «3» و يبئ بمعنى يقرّ أو يرجع، و لعلّ الثاني أنسب، فيرجع معناه إلى معنى ما سبقه. و قوله: «لا يجير مشرك مالا لقريش و لا نفسا»، أي لا يجوز لمشرك من أهل يثرب أن يحمي مالا لقريش و لا نفسا. و اعتبطه، أي قتله بلا جناية منه توجب قتله. و الصرف: التوبة. و العدل: الفداء. و «إنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين»، أي يؤدّون حصّتهم من نفقة الحرب. لا يوتغ، أي لا يهلك. لا ينحجز على

ثار جرح، أي لا يمنع من طلب الجرح بقصاص أو دية. و «إنّ اللّه على أبرّ هذا»، أي على الرضا به و يكون مع من يكون أطوع لهذا العهد. دهم يثرب:

هاجمها.

______________________________

(1)- الأموال/ 260- 264، الرقم 518.

(2)- الوثائق السياسيّة/ 59- 62، الرقم 1.

(3)- النّهاية لابن الأثير 3/ 267.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 749

و العهد كما ترى يشتمل على أصول مهمة أهمّها:

1- جعل المسلمين على اختلاف شعوبهم و قبائلهم أمّة واحدة في قبال سائر الناس.

2- إقرار المهاجرين و قبائل الأنصار كلّا منهم على عاداتهم و سننهم في أحكام الديات و الدماء. و قد نسخ ذلك فيما بعد بما ورد في الحدود و القصاص و الديات في الإسلام.

3- يجب على كل طائفة أن تفدي أسيرها بالمعروف و القسط.

4- على المؤمنين إعانة المثقل منهم بفداء أو دية.

5- على المؤمنين أن يقيموا بأجمعهم على القائم بينهم بالظلم و الإثم و العدوان و الفساد و لو كان ولدا لأحدهم.

6- لا يقتل مؤمن بكافر، و لا ينصر كافر على مؤمن.

7- يجوز لأدنى المسلمين أن يجير عليهم أيّ شخص أراد.

8- لا يسمح لمشرك أن يجير مالا أو دما لمشرك من قريش.

9- القاتل للمؤمن يقاد منه إلّا أن يرضى وليّ المقتول بالدية.

10- لا يسمح لأحد أن ينصر محدثا أو يؤويه.

11- لقبائل اليهود و مواليهم و بطانتهم حقوقهم العامة من الأمن و الحرية في الدين و سائر الشؤون بشرط أن يسايروا المسلمين، و إنّ عليهم مثل ما على المؤمنين من نفقة الحرب في قبال المهاجمين.

12- على جميع أهل هذا العهد القيام في قبال من هاجم المدينة، و إن دعا أحد الطرفين إلى الصلح فله ذلك إلّا من حارب في الدين.

13- الجار كالنفس غير مضارّ و لا

آثم.

14- النبي «ص» مرجع لهم في المشاكل و الخصومات الواقعة بين المسلمين أو بين اليهود أو بين المسلمين و بين اليهود.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 750

2- هدنة الحديبية:

في أواخر السنة السادسة من الهجرة خرج رسول اللّه «ص» بمن معه معتمرا لا يريد حربا، و أحرم بالعمرة و سار حتى نزل الحديبية، و فيها وقعت بيعة الرضوان.

و صمّمت قريش على منعهم من دخول مكّة. و تبادل النبي «ص» بينه و بينهم سفراء، ثمّ بعثت قريش سهيل بن عمرو إليه «ص» و قالوا له ايت محمدا فصالحه، و لا يكن في صلحه إلّا أن يرجع عنا عامه هذا، فو اللّه لا تحدث العرب عنّا انّه دخلها علينا عنوة أبدا. فتراجع سهيل و رسول اللّه «ص»، ثمّ جرى بينهما الصلح، فدعا رسول اللّه «ص» عليّا «ع» و أمره بكتابته، و هذه صورته:

«باسمك اللّهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه سهيل بن عمرو.

و اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس و يكفّ بعضهم عن بعض، [على أنّه من قدم مكة من أصحاب محمد «ص» حاجّا أو معتمرا أو يبتغي من فضل اللّه فهو آمن على دمه و ماله، و من قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو إلى الشام يبتغي من فضل اللّه فهو آمن على دمه و ماله.]

على أنّه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم، و من جاء قريشا ممّن مع محمّد لم يردّوه عليه.

و أنّ بيننا عيبة مكفوفة، و أنّه لا إسلال و لا إغلال.

و أنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد و عهده دخله، و من أحبّ أن يدخل

في عقد قريش و عهدهم دخل فيه.

و أنت ترجع عنّا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة. و أنّه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا، معك سلاح الراكب، السيوف في القرب، و لا تدخلها بغيرها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 751

[و على أنّ هذا الهدى حيث ما جئناه و محلّه فلا تقدمه علينا.] ...

أشهد على الصلح رجال من المسلمين و رجال من المشركين ... «1»

أقول: الإسلال: الغارة الظاهرة أو سلّ السيوف، و الإغلال: الخيانة.

3- عهد أمان منه «ص» ليهود بني عاديا من تيماء:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمّد رسول اللّه لبني عاديا: إنّ لهم الذمّة و عليهم الجزية، و لا عداء و لا جلاء، الليل مدّ و النهار شدّ، و كتب خالد بن سعيد.» «2»

أقول: العداء: الظلم و التجاوز. و الجلاء: الإخراج عن الوطن. «الليل مدّ و النهار شدّ»، يعني أنّه حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدّا و ظلام الليل مدّا.

4- معاهدته «ص» مع أهل أيلة:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم هذه أمنة من اللّه و محمّد النبيّ رسول اللّه ليحنّة بن رؤبة و أهل أيلة. سفنهم و سيّارتهم في البرّ و البحر، لهم ذمّة اللّه و ذمّة محمد النبيّ، و من كان معهم من أهل الشام و أهل اليمن و أهل البحر.

______________________________

(1)- الوثائق السياسية/ 77 و 80، الرقم 11؛ و سيرة ابن هشام 3/ 331- 332؛ و الأموال/ 206- 209، الرقم 440 و ما بعده، باختلاف في النقل و قد نقلناه من الوثائق.

(2)- الوثائق السّياسيّة/ 98، الرقم 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 752

فمن أحدث منهم حدثا فإنّه لا يحول ماله دون نفسه، و إنّه طيّب لمن أخذه من الناس.

و إنّه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه، و لا طريقا يريدونه من برّ أو بحر.»

هذا كتاب جهيم بن الصلت و شرحبيل بن حسنة بإذن رسول اللّه «1».

5- دعوته «ص» أساقفة نجران:

«من محمد رسول اللّه إلى أساقفة نجران:

بسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب،

أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة اللّه من عبادة العباد، و أدعوكم إلى ولاية اللّه من ولاية العباد. فإن أبيتم فالجزية. و إن أبيتم آذنتكم بحرب. و السلام.» «2»

6- كتابه «ص» لأبي الحارث بن علقمة أسقف نجران:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمّد النّبيّ، إلى الأسقف أبي الحارث، و أساقفة نجران و كهنتهم، و من تبعهم، و رهبانهم:

إنّ لهم ما تحت أيديهم من قليل و كثير، من بيعهم و صلواتهم و رهبانيتهم، و جوار اللّه و رسوله.

لا يغيّر أسقف من أسقفيّته، و لا راهب من رهبانيّته، و لا كاهن من كهانته. و لا يغيّر حقّ من حقوقهم و لا سلطانهم، و لا شي ء ممّا كانوا عليه. [على ذلك جوار اللّه و رسوله أبدا] ما نصحوا و اصطلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم و لا ظالمين.» «3»

______________________________

(1)- الوثائق السّياسيّة/ 117، الرقم 31؛ و الأموال/ 258، الرقم 514، بتفاوت بينهما.

(2)- الوثائق السّياسيّة/ 174، الرقم 93.

(3)- الوثائق السّياسيّة/ 179، الرقم 95.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 753

7- معاهدته «ص» مع نصارى نجران:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما كتب محمّد النّبيّ رسول اللّه لأهل نجران ... و لنجران و حاشيتها جوار اللّه و ذمّة محمّد النّبيّ رسول اللّه على أموالهم، و أنفسهم، و ملّتهم، و غائبهم، و شاهدهم، و عشيرتهم، و بيعهم، و كل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. لا يغيّر أسقف من اسقفيّته، و لا راهب من رهبانيّته، و لا كاهن من كهانته. و ليس عليهم دنيّة (ربّيّة خ. ل)، و لا دم جاهلية، و لا يحشرون، و لا يعشرون، و لا يطأ أرضهم جيش. و من سأل منهم حقّا فبينهم النّصف غير ظالمين و لا مظلومين.

و من أكل ربا من ذي قبل فذمّتي منه بريئة. و لا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر.

و على ما في هذا الكتاب جوار اللّه و ذمّة محمّد النّبيّ رسول اللّه حتى يأتي اللّه بأمره، ما نصحوا

و أصلحوا ما عليهم، غير مثقلين بظلم.» «1»

أقول: قوله: «لا يحشرون»، أي لا يندبون إلى المغازي و لا تضرب عليهم البعوث.

و «لا يعشرون»: لا يؤخذ منهم العشر.

و روى في الوثائق من تاريخ النسطوريين نسختين طويلتين لمكتوب النّبيّ «ص» إلى نجران تشتملان على مسائل مهمّة جدّا، و لكن من المحتمل كونهما موضوعتين، فراجع «2».

______________________________

(1)- الوثائق السّياسيّة/ 175- 176، الرقم 94، و راجع أيضا فتوح البلدان/ 76 و الأموال لأبي عبيد/ 244، الرقم 503.

(2)- الوثائق السّياسيّة/ 181- 190، الرقم 96 و 97.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 755

الفصل الرّابع عشر في إشارة إجمالية إلى اهتمام الإسلام بالقوى العسكرية:

[الدفاع في نظام الطبيعة أمر طبيعيّ ضروري]

قد مرّ منّا في الفصل السادس من السير الإجمالي في روايات الفقه الإسلامي من الباب الثالث بحث في الجهاد و الدفاع و تعرّض لبعض الآيات و الروايات الواردة فيهما، فراجع.

و نقول هنا إجمالا انّ ما ذكروه من الجهاد الابتدائي للدعوة إلى الإسلام يرجع بوجه إلى الدفاع أيضا، كما مرّ بيانه.

و دفاع الإنسان عن نفسه و عما يتعلق به أمر يحكم بحسنه و ضرورته العقل و الفطرة. بل الحيوانات أيضا مفطورة على ذلك و مجهّزة في خلقتها بأجهزة الدفاع.

و كما أودع اللّه- تعالى- في بناء روح الإنسان و غيره من الحيوانات شهوة الغذاء لحفظ البدن، فكذلك أودع فيه قوة الغضب أيضا لينبعث قهرا إلى الدفاع عن نفسه و عما يتعلّق به. و كما خلق في الدم الكريات الحمر لنقل المواد النافعة إلى جميع أجزاء البدن، فكذلك خلق فيه الكريّات البيض أيضا لتدافع عن ملك البدن في قبال الجراثيم المفسدة المهاجمة.

فالدفاع في نظام الطبيعة أمر طبيعيّ ضروري لا محالة. و كما يحتاج الفرد إلى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 756

الدفاع

عن منافعه و مصالحه، فكذلك الأمّة و المجتمع.

فقوام الدّولة و الأمّة بقدرتهما العسكرية، و بقدر ما تجهّزت الأمّة بالعدّة و العدّة، و القوى العسكرية الراقية تقدر على البقاء في مجالات الحياة و الحفاظ على كيانها و استقلالها و أمنها.

و لكن الجنود و الأجهزة العسكرية يجب أن تنظّم و تراقب جدّا تحت قيادة صالحة عادلة، لتجعل في خدمة الشعب و الدّين الحقّ لا في خدمة الشخص و مصالحه و مصالح أقاربه كما في بعض البلاد، و لا وسيلة للتّجاوز على حقوق النّاس و أموالهم و التسلّط على البلاد و العباد بالظلم و الفساد كما هو المشاهد في أكثر البلاد و لا سيّما في الدول الإمبريالية الغربية و الشرقية.

[بعض الآيات الدّالة على اهتمام الإسلام بالقوى العسكرية]

و كيف كان، فلنذكر بعض الآيات و الروايات الدّالة على اهتمام الإسلام بالقوى العسكرية و إعدادها و تقويتها:

1- قال اللّه- تعالى-: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لٰا تَعْلَمُونَهُمُ، اللّٰهُ يَعْلَمُهُمْ. وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لٰا تُظْلَمُونَ.» «1»

فالآية الشريفة تتضمن نكات ينبغي الإشارة إليها:

أ- ضرورة القوة العسكرية، حيث إنّ المجتمع الإنساني يتألف من أفراد و أقوام مختلفين في الطباع و الأفكار و الأهواء، و يوجد بينهم التضادّ في المنافع و السنن، فلو لا التهيّؤ و التجهّز و إعداد القوّة لتجرأ الطرف على الهجوم و الغلبة.

ب- و الواجب هو إعداد القوّة بمفهومها الوسيع، و هي كلّ ما يتقوّى به على حفظ النظام و الدفاع عنه من أنواع السلاح و إحداث الجامعات و المعاهد الحربية و مصانع الطيّارات و الهليكوبترات النظامية و تربية الرجال المدرّبين و الأخصّائيين

في الفنون العسكرية و نحو ذلك، و يختلف ذلك باختلاف الأحوال و الأزمان و البلاد

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 60.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 757

و الشرائط. و الخيل كان أقوى المراكب و أسرعها في تلك الأعصار. و كان من أهمّ القوى حينئذ مرابطة الفرسان في ثغور البلاد، و في كلّ عصر يكون حفظ الثغور في أعلى مراتب الأهميّة، كما لا يخفى.

ج- المخاطب في الآية هو الأمّة لا النّبيّ «ص» أو إمام المسلمين فقط، فتشعر الآية بأن المسؤول في هذه الوظيفة ليس هو النّبيّ أو الحاكم بانفراده، بل على كلّ فرد من آحاد المسلمين أن يقوم بذلك على حدّ استطاعته فيتدرّب في بعض ما يتعلّق بالحرب و ينفق في سبيله، و إن كان التصدّي لبعض شئونها المهمة و تنظيم برامجها من وظائف الحكومة بما أنّها ممثّلة جميع الأمّة، و لها أن تفرض التجنيد الإجباري و تعلّم فنون الحرب إذا رأته صلاحا للإسلام و المسلمين.

د- إنّ إعداد القوّة ليس لإشعال نار الحرب، و ليس التكليف منحصرا في مورد وجد العدوّ و تحقق الهجوم فعلا، بل الغرض من إعداد القوى و رقابة الثغور إرهاب العدوّ الموجود أو المفروض المحتمل و إخافته جدّا، ليحصل الأمن في البلاد و تطمئن النفوس في عقر دارهم. و يطلق على هذا السلم المسلّح.

ه- إنّ العدوّ لا ينحصر فيمن يعلم عداوته، بل لعلّ بعض من يظنّه الإنسان سلما مواليا للمسلمين و يتظاهر بالإسلام يكون بحسب الواقع من ألدّ الأعداء كالطابور الخامس و المنافقين، و لعلّ التهيؤ في قبالهم يحتاج إلى مئونة أكثر، كما لا يخفى.

و- إنّ إعداد القوّة يتوقف على نفقات كثيرة لا يتمكن منها إلّا بالتعاون

الاجتماعي و تطوّع الجميع في سبيل اللّه، فرغب في ذلك بقوله: «وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ.» و إطلاقها يشمل إنفاق الأموال و النفوس و غيرهما، فتدبّر.

2- و في مجمع البيان في تفسير الآية قال: «روى عقبة بن عامر عن النبي «ص»: أنّ القوّة الرّمي.» «1»

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 555 (الجزء 4).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 758

3- و في الوسائل، عن الكافي بسنده، عن عبد اللّه بن المغيرة، رفعه، قال: قال رسول اللّه «ص» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ»، قال: الرّمي. «1»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 758

4- و فيه أيضا، عن الكافي بسنده، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الرّمي سهم من سهام الإسلام.» «2»

5- و في تفسير نور الثقلين، عن تفسير العياشي، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ»، قال: سيف و ترس «3».

6- و فيه أيضا، عن تفسير علي بن إبراهيم: قوله: «و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوة»، قال: السلاح «4».

7- و في الدّرّ المنثور في تفسير الآية، عن أحمد و مسلم و أبي داود و ابن ماجة و غيرهم، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت النبي «ص» يقول و هو على المنبر:

«و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي.» قالها ثلاثا

«5».

8- و فيه أيضا، عن ابن المنذر، عن مكحول، قال: ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة، فتعلّموا الرّمي، فإنّي سمعت اللّه- تعالى- يقول: و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوة. قال: فالرّمي من القوّة «6».

9- و فيه أيضا، عن أبي الشيخ و ابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: و أعدّوا لهم

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 348، الباب 2 من كتاب السبق و الرماية، الحديث 3.

(2)- الوسائل 13/ 348، الباب 2 من كتاب السبق و الرماية، الحديث 2.

(3)- نور الثقلين 2/ 164، الحديث 139.

(4)- نور الثقلين 2/ 165، الحديث 140.

(5)- الدرّ المنثور 3/ 192.

(6)- الدّرّ المنثور 3/ 192.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 759

ما استطعتم من قوّة، قال: الرّمي و السّيوف و السّلاح «1».

[بعض الروايات الدّالة على اهتمام بالرمي و السباحة]

10- و في الوسائل، عن الكافي بسنده، عن عبد اللّه بن المغيرة- رفعه- قال: قال رسول اللّه «ص» في حديث: «كلّ لهو المؤمن باطل إلّا في ثلاث: في تأديبه الفرس، و رميه عن قوسه، و ملاعبته امرأته، فإنّهن حقّ.» «2»

أقول: الظاهر أنّ المراد بالباطل هنا هو الهدر لا الأمر المحرّم، إذ لا دليل على حرمة اللهو بلا رهان في البين و قد ورد عن النبي «ص» انه قال: «الهوا و العبوا، فإنّي أكره أن يرى في دينكم غلظة.» «3»

11- و فيه أيضا، عن الصدوق في الفقيه، قال: قال الصادق «ع»: «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل، و قد سابق رسول اللّه «ص» أسامة بن زيد و أجرى الخيل.» «4»

12- و فيه أيضا، عن الشيخ بسنده، عن العلاء بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع» في

حديث أنّ رسول اللّه «ص» قد أجرى الخيل و سابق، و كان يقول: «إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ و الحافر و الريش، و ما سوى ذلك فهو قمار حرام.» «5»

إلى غير ذلك مما ورد في الرهان و المسابقة في كتب الفريقين.

13- و فيه أيضا، عن الكليني بسنده، عن عليّ بن إسماعيل- رفعه- قال:

قال رسول اللّه «ص»: «اركبوا و ارموا، و أن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا.» ثم قال: «كل لهو المؤمن باطل إلّا في ثلاث: في تأديبه الفرس، و رميه عن قوسه، و ملاعبته امرأته، فانّهنّ حقّ، ألا إنّ

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 192.

(2)- الوسائل 13/ 347، الباب 1 من كتاب السبق و الرماية، الحديث 5.

(3)- نهج الفصاحة/ 105، الحديث 531.

(4)- الوسائل 13/ 347، الباب 1 من كتاب السبق و الرماية، الحديث 6.

(5)- الوسائل 13/ 349، الباب 3 من كتاب السبق و الرماية، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 760

اللّه- عزّ و جلّ- ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: عامل الخشبة، و المقوّي به في سبيل اللّه، و الرامي به في سبيل اللّه.» و روى عن الشيخ أيضا نحوه «1».

14- و في الدّر المنثور، عن أبي داود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم و البيهقي، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إنّ اللّه ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير، و الذي يجهّز به في سبيل اللّه، و الذي يرمي به في سبيل اللّه.» و قال: «ارموا و اركبوا، و أن ترموا خير من أن تركبوا.» و قال:

«كلّ شي ء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلّا ثلاثة:

رميه عن قوسه، و تأديبه فرسه، و ملاعبته أهله، فإنّهن من الحقّ، و من علم الرمي ثمّ تركه فهي نعمة كفرها.» «2»

أقول: من تسويغ الإسلام للرهان و السبق في الخيل و الخفّ و الرمي بل ترغيبه فيه مع تحريمه الرهان في غير ذلك يعلم مقدار اهتمام الإسلام بتدرّب المسلمين في فنون الحرب و تهيئهم للدفاع و الجهاد في سبيل اللّه.

و المذكور في الروايات و فتاوى الأصحاب في باب السبق و إن كان خصوص الخيل و الخفّ و الرمي، و لكن من المحتمل إلغاء الخصوصية و تنقيح المناط، فيتعدّى إلى جميع الوسائل العسكرية الحديثة من الطائرات و الهليكوبترات النظامية و الأساطيل البحرية و المدرّعات و المدافع و القنابل و الصواريخ و نحو ذلك، لوضوح مناط الحكم و ملاكه و ليس حكما تعبّديّا محضا لمصالح غيبية لا يعلمها إلّا اللّه- تعالى-. و محلّ التحقيق في المسألة كتاب السّبق و الرّماية من الفقه.

15- و في الدّر المنثور أيضا، عن البيهقي، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «علّموا أبناءكم السباحة و الرمي، و المرأة المغزل.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 107، الباب 58 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(2)- الدّر المنثور 3/ 192.

(3)- الدّرّ المنثور 3/ 194.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 761

16- و فيه أيضا بسنده، عن أبي رافع، قال: قال رسول اللّه «ص»: «حقّ الولد على الوالد أن يعلّمه الكتابة و السباحة و الرمي.» «1»

17- و في كنز العمّال، عن أبي رافع: «حقّ الولد على والده أن يعلّمه الكتابة و السباحة و الرماية، و أن لا يرزقه إلّا طيبا.» «2»

و رواه في نهج الفصاحة و زاد في آخره: «و أن يزوّجه إذا

بلغ.» «3»

[الجنود على صنفين]

أقول: حيث إنّ الدفاع عن الإسلام و كيان المسلمين و بلادهم و ثقافتهم من أهمّ الفرائض الإسلامية و وجب على المسلمين أن يقوموا به في أيّ حال إلى أن يتصدّى له من فيه الكفاية فلأجل ذلك كان التدرّب في الفروسيّة و الرمي أمرا ضروريّا ينبغي أن يهتمّ به كلّ مسلم، و لذلك وقع الترغيب و التحريص على تعلّم الرّمي و التدرّب فيه بنحو عامّ، و واضح أنّ ذلك يختلف بحسب اختلاف آلات الحرب في الأعصار و البلاد.

و الإسلام بإيجابه الجهاد على المسلمين جعل المسلمين بأجمعهم جندا واحدا للإسلام.

و من أحسن الجيوش و أنجحها الجيوش المتطوّعة المقبلون إلى الجهاد و الدفاع محتسبين به إلى اللّه- تعالى- بالإيمان و الإخلاص، حيث إنّ سلاح الإيمان من أقوى الأسلحة و أقطعها. و هكذا كان الأمر في صدر الإسلام، و لأجل ذلك كان عشرون صابرون منهم يغلبون مأتين مع قلة الوسائل و الأجهزة.

و لا ينافي هذا استخدام الحكومة أيضا لجنود منظمة ثابتة مجهزة باحدث الأسلحة و الأجهزة و يفرض لهم العطاء المستمر احتياطا لحفظ البلاد و الثغور.

و قد صرّح بهذين الصنفين من الجنود الماوردي في الأحكام السلطانية، فقال:

______________________________

(1)- الدّرّ المنثور 3/ 194.

(2)- كنز العمّال 16/ 443، الباب 7 من كتاب النكاح من قسم الأفعال، الحديث 45340.

(3)- نهج الفصاحة/ 293، الحديث 1394.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 762

«و هم صنفان: مسترزقة، و متطوّعة. فأمّا المسترزقة فهم أصحاب الديوان من أهل الفي ء و الجهاد، يفرض لهم العطاء من بيت المال من الفي ء بحسب الغناء و الحاجة.

و أمّا المتطوعة فهم الخارجون عن الديوان من البوادي و الأعراب و سكّان القرى و الأمصار، الذين خرجوا في النفير

الذي ندب اللّه- تعالى- إليه بقوله: «انْفِرُوا خِفٰافاً وَ ثِقٰالًا، وَ جٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ.»

و في قوله- تعالى-: «خِفٰافاً وَ ثِقٰالًا» أربعة تأويلات: أحدها: شبّانا و شيوخا؛ قاله الحسن و عكرمة. و الثاني: أغنياء و فقراء؛ قاله أبو صالح. و الثالث: ركبانا و مشاة؛ قاله أبو عمرو. و الرابع: ذا عيال و غير ذي عيال؛ قاله الفراء.

و هؤلاء يعطون من الصدقات دون الفي ء من سهم رسول اللّه، المذكور في آية الصدقات، و لا يجوز أن يعطوا من الفي ء لأنّ حقّهم في الصدقات. و لا يعطى أهل الفي ء المسترزقة من الديوان من مال الصدقات لأنّ حقهم في الفي ء. و لكلّ واحد من الفريقين مال لا يجوز ان يشارك غيره فيه. و جوّز أبو حنيفة صرف كل واحد من المالين إلى كلّ واحد من الفريقين بحسب الحاجة ...» «1»

أقول: مراده من «سهم رسول اللّه» هو سهم سبيل اللّه، إذ كان رسول اللّه «ص» يصرفه في الجهاد. و يحتمل التصحيف و الغلط، و المذكور في أبي يعلى سهم سبيل اللّه، فراجع «2».

ثمّ إنّ الظاهر جواز إعطاء كل من الصنفين من كل من المالين، بل لعلّ الزكاة قسم من أقسام الفي ء العائد إلى بيت المال و لذا كان الواجب في عصر النبي «ص» إيصالها إليه.

و قال الشيخ في المبسوط:

«الغزاة على ضربين: المتطوعة، و هم الذين إذا نشطوا غزوا و إذا لم ينشطوا اشتغلوا

______________________________

(1)- الأحكام السلطانيّة/ 36.

(2)- الأحكام السلطانيّة/ 39.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 763

بمعايشهم. فهؤلاء لهم سهم من الصدقات، فإذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين و أسهم لهم.

و الضرب الثاني هم الذين أرصدوا أنفسهم للجهاد. فهؤلاء لهم من

الغنيمة الأربعة أخماس. و يجوز عندنا أن يعطوا أيضا من الصدقة من سهم ابن السبيل لأنّ الاسم يتناولهم، و تخصيصه يحتاج إلى دليل.» «1» هذا.

و لم يتغلّب الكفّار على بلاد المسلمين و جميع شئونهم، و ما ضعف المسلمون و ما استكانوا إلّا بعد ما أغفلوا بسبب تسويلات الكفّار و عملائهم و علماء السوء المرتزقة و العلماء السذّج، عن مسائل الجهاد و الدفاع، و عن التسلّح بسلاح اليوم و التدرّب فيه، و هم كلّ يوم يقرءون آيات الجهاد و القتال و الأمر بإعداد القوّة و رباط الخيل، و روايات الفريقين الواردة في هذا المجال. فكأنّهم سحروا و سخّروا في الفكر و العقل و الإرادة، فلا يلتفت القارئ إلى مغزى هذه الآيات و مفادها و مفاد الأخبار الواردة بمضمونها.

[ما في ترك الجهاد من الذّل]

18- و قد قال رسول اللّه «ص» على ما في خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه: «من ترك الجهاد ألبسه اللّه ذلّا و فقرا في معيشته، و محقا في دينه. إنّ اللّه أغنى (أعزّ خ. ل) أمّتي بسنابك خيلها و مراكز رماحها.» «2»

فانظر كيف ذلّ المسلمون في قبال الكفّار الأجانب، و نهبت أموالهم و ذخائرهم و استولى الفقر المالي و الصحّي و الثقافي على بلادهم بما هادنوا الكفّار المهاجمين و تركوا الدفاع و الكفاح المسلّح.

19- و في نهج البلاغة: «أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه اللّه لخاصّة أوليائه، و هو لباس التقوى و درع اللّه الحصينة و جنّته الوثيقة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذلّ و شملة البلاء، و ديّث بالصغار و القماءة، و ضرب على قلبه بالأسداد، و أديل الحق منه بتضييع

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 74.

(2)- الوسائل 11/ 5، الباب 1 من

أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 764

الجهاد، و سيم الخسف و منع النصف ...» «1»

أقول: فالجهاد جنّة تقى مجتمع المسلمين من نفوذ الكفر و مظاهره من الفساد و الفحشاء إليه، و تركه يوجب سلطة الكفار و ذلّة المسلمين و حقارتهم.

و قوله: «ديّث» مبني للمفعول من ديّثه، أي ذلّله، و القماءة: الذلّة. و الأسداد: الحجب التي تحول دون بصيرة الإنسان و رشاده. و من لوازم الذلة و العبودية للغير انهدام شخصيّة الإنسان و عدم إحساسه بنفسيّته و استقلاله. و قوله: «أديل الحقّ»، لعلّ الهمزة للسلب، أي سلب منه دولة الحق. و قوله: «سيم الخسف»، أي كلّف الذلّ و المشقة. و النصف: الإنصاف و العدل. هذا.

و قد مرّ كثير من آيات الجهاد و رواياته في فصل عقدناه لذلك في الباب الثالث، فراجع «2».

20- و يظهر اهتمام الإسلام بأمر الجنود من وصيّة أمير المؤمنين «ع» بهم و برفاههم و الرفق بهم و ما ينبغي أن يراعى في انتخاب الأمراء و الولاة عليهم في كتابه «ع» لمالك الأشتر حين ولّاه مصر فقال:

«فالجنود- بإذن اللّه- حصون الرعية، و زين الولاة، و عزّ الدين، و سبل الأمن، و ليس تقوم الرعية إلّا بهم.

ثمّ لا قوام للجنود إلّا بما يخرج اللّه لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوّهم، و يعتمدون عليه فيما يصلحهم، و يكون من وراء حاجتهم ...

فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا، و أفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء، و ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف.

ثم الصق

بذوي [المروءات] الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة، ثمّ أهل

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 94؛ عبده 1/ 63؛ لح/ 69، الخطبة 27.

(2)- راجع 1/ 112 و ما بعدها من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 765

النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة فإنّهم جماع من الكرم و شعب من العرف.

ثمّ تفقد من أمورهم ما يتفقّد الوالدان من ولدهما، و لا يتفاقمنّ في نفسك شي ء قوّيتهم به، و لا تحقرنّ لطفا تعاهدتهم به و إن قلّ، فإنّه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك و حسن الظنّ بك، و لا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها، فإنّ لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.

و ليكن آثر رءوس جندك عندك من واساهم في معونته و أفضل عليهم من جدته بما يسعهم و يسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتّى يكون همّهم همّا واحدا في جهاد العدوّ، فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك، و إنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد و ظهور مودّة الرعيّة، و إنّه لا تظهر مودّتهم إلّا بسلامة صدورهم، و لا تصحّ نصيحتهم إلّا بحيطتهم على ولاة الأمور و قلّة استثقال دولهم و ترك استبطاء انقطاع مدّتهم.

فافسح في آمالهم و واصل في حسن الثناء عليهم و تعديد ما أبلى ذووا البلاء منهم، فإنّ كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهزّ الشجاع و تحرّض الناكل إن شاء اللّه. ثمّ اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى، و لا تضيفنّ بلاء امرئ إلى غيره، و لا تقصرنّ به دون غاية بلائه، و لا يدعونّك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و

لا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.» «1»

أقول: و للماوردي في بيان حقوق الجيش على أميرهم عند تسييرهم إلى جبهات القتال كلام نذكر ملخصه تتميما للفائدة. قال في الأحكام السلطانية:

«و عليه في السير بهم سبعة حقوق: أحدها: الرفق بهم في السّير الّذي يقدر عليه أضعفهم و تحفظ به قوّة أقواهم، و لا يجدّ السّير فيهلك الضعيف و يستفرغ جلد القويّ و قد قال النبي «ص»: «هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق، فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع و لا ظهرا أبقى. و شرّ السير الحقحقة.» و روي عن النبي «ص» أنه قال: «المضعف أمير الرفقة.» يريد أنّ من ضعفت دابّته كان على القوم أن يسيروا بسيره.

و الثاني: أن يتفقّد خيلهم التي يجاهدون عليها و ظهورهم الّتي يمتطونها ...

و الثالث: أن يراعى من معه من المقاتلة، و هم صنفان: مسترزقة، و متطوعة ...

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1003؛ عبده 3/ 100؛ لح/ 432، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 766

و الرابع: أن يعرف على الفريقين العرفاء و ينقب عليهما النقباء، ليعرف من عرفائهم و نقبائهم أحوالهم ...

و الخامس: أن يجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به، ليصيروا متميزين و بالاجتماع متظافرين ...

و السادس: أن يتصفح الجيش و من فيه، ليخرج منهم من كان فيه تخذيل للمجاهدين و إرجاف للمسلمين، أو عينا عليهم للمشركين ...

و السابع: أن لا يمالئ من ناسبه أو وافق رأيه و مذهبه على من باينه في نسب أو خالفه في رأي و مذهب، فيظهر من أحوال المباينة ما تفرق به الكلمة الجامعة تشاغلا بالتقاطع و الاختلاف ...» «1»

أقول: المنبتّ: المنقطع المتفرق. و الحقحقة: أرفع السير و

أتعبه. و قيل: السير في أول اللّيل. هذا.

و باب الدفاع و الجهاد و التجنيد و إعداد القوّة باب واسع يحتاج البحث فيه إلى تأليف كتاب كبير، و الغرض هنا هو الإشارة إلى أنّ من وظائف الإمام إجمالا هو إعداد العدّة و العدّة بقدر الكفاية للتجهز في قبال العدوّ الموجود في الحال أو المفروض وجوده في المآل، فتدبّر.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانيّة/ 35- 37.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 767

تنبيه [في التسليح بالأسلحة الحديثة]

اعلم أنّ أكثر التشكيلات السياسيّة و الولائيّة إنّما تعرّضت الشريعة الإسلامية لأصولها و أحكامها الكلية، و تركت تفاصيلها لوليّ الأمر في كلّ عصر يحدّدها حسب تغيّر حاجات المسلمين و الشرائط و الإمكانات الزمانيّة و المكانيّة.

و من هذا القبيل تشكيلات القوّات المسلحة و الصنائع الحربية، حيث وردت في الكتاب و السنّة أحكامها الكلية في مثل قوله- تعالى-: «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّكُمْ ...»،

و قول أمير المؤمنين «ع» في عهده لمالك الأشتر: «فالجنود- بإذن اللّه- حصون الرعية، و زين الولاة، و عزّ الدين، و سبل الأمن، و ليس تقوم الرعية إلّا بهم» و نحو ذلك، و تركت تفصيلات نظامها لحكم العقل و سيرة العقلاء في كل عصر و مكان.

و حيث إنّ الأمّة الإسلاميّة في المجال العسكري تحتاج إلى قوّتين مسلّحتين-:

قوة تكون بإذن اللّه حصون الرعية في قبال الأجانب فتحفظ الحدود و الثغور من الأعداء الخارجيين، و قوة أخرى تكون سبل الأمن الداخلي فتحفظ البلاد و العباد من الأعداء الداخليين و المخلّين بأمن الناس في النفوس و الأموال و الحقوق- فلا محالة يحكم العقل بضرورة إيجاد هاتين القوّتين المسلحتين الأساسيّتين بشعبهما المحتاج إليها من

الأرضيّة و الجويّة و البحرية، و تجهيزاتها المناسبة لأعمالها و أهدافها.

و من المناسب أن تجعل القوّة الأولى تحت إشراف وزارة الدفاع، و الثانية تحت إشراف الوزارة الداخلية أو القوّة القضائيّة، و يطلق على الأولى القوّة النظامية و على الثانية القوّة الانتظامية أو ما شئت فعبّر، و لا محالة يؤسّس لتربية الأفراد لكل منهما معهد علمي يخصّها و يناسبها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 768

كما أنّه يحكم العقل و الشرع بلزوم إعداد جميع المسلمين القادرين على القتال و الدفاع، و تدريبهم و تعبئتهم حتى يكونوا جنودا متطوّعين مستعدّين للدفاع عن الإسلام و المسلمين متى عرضت شرائط خاصة غير متوقعة مسّت الحاجة إلى إعانتهم لإحدى القوتين. هذا.

و لإنتاج أنواع الأسلحة و الوسائل العسكرية من القنابل و المدافع و الصواريخ و الأساطيل البحرية و المدرّعات و الطائرات و الهليكوبترات النظامية و غيرها، أيضا يلزم إيجاد المصانع العسكرية المناسبة تحت إشراف مديريّة واحدة قويّة عادلة حتى يعدّ فيها جميع ما يحتاج إليها القوى المسلحة بأصنافها.

فهذا كلّه ما يحكم بضرورته العقل و الشرع.

و بما ذكرنا يتّضح أنّ التشكيلات المسلّحة المتعددة المتكثرة الموجودة في عصرنا و في بلدنا مثل تشكيلات الجيش، و حرس الثّورة الإسلاميّة، و اللّجان الثورية الإسلاميّة، و شرطة البلد، و شرطة الحدود، و الشرطة القضائيّة و الضباط و نحوها ينبغي أن تدغم بالتدريج- بحسب الملاكين المتقدمين، أعنى حفظ الحدود، و حفظ الأمن الداخلي- في القوّتين الأساسيّتين و ترجع الجميع إليهما، إذ تعدّد القوى المسلّحة المتشابهة و تكثرها بشعبها الثلاث من الأرضية و الجوّيّة و البحرية، و كذا تعدّد مؤسّسات الصنائع الحربية المستقلة المتشابهة بحسب الإنتاج بلا ارتباط بينها يوجب أوّلا: تحميل نفقات كثيرة

على بيت مال المسلمين بلا موجب. و ثانيا: اختلاط الوظائف و المسؤوليّات، و تعقيد تفكيكها، و تحيّر الناس في ارتباط الأعمال بالقوى الموظفة، و ثالثا: وجود خطر تضادّ هذه التشكيلات المتشابهة في المستقبل، و تصارعها على النفوذ و السلطة، و هذا أمر مهمّ ينبغي للوليّ المدبّر أن يحسب له حسابه بحسب المآل مهما كانت التشكيلات في الوقت الحاضر مخلصة و منزّهة، و مهما كان المجتمع في الإيمان و الوعي في حدّ أعلى فعلا، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 769

الفصل الخامس عشر في ذكر الآيات و الروايات الدالّة على ثبوت الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمّة،

اشارة

و أنّه يجب على الأمّة التسليم له و إطاعته، و كذا إطاعة عمّاله المنصوبين من قبله، إجمالا:

[الآيات]

1- قال اللّه- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.» «1»

و قد مرّ تفسير الآية الشريفة و معنى أولي الأمر، و الوجه في تكرار قوله: «أطيعوا» في الباب الثاني عند ذكر الآية السادسة من الآيات الدالة على ولاية النبي «ص» و الأئمة «ع»، و كذا في الفصل الثالث من الباب الخامس مقدمة لشرح مقبولة عمر بن حنظلة، فراجع «2».

و محصل ما مرّ هو أنّ الأمر بإطاعة اللّه- تعالى- ناظر إلى إطاعته في أحكامه المبيّنة في الكتاب و السنّة، و الأمر بها إرشاديّ، و الأمر بإطاعة الرسول و أولي الأمر ناظر إلى إطاعتهم في أوامرهم المولوية الصادرة عنهم بما أنّهم ولاة الأمر و ساسة العباد، و الأمر بها

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 59.

(2)- راجع 1/ 64 و 436 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 770

مولويّ لا إرشاديّ، و لأجل ذلك كرّرت لفظة: «أطيعوا».

و المقصود بالأمر في الآية هو الولاية و الحكومة. سمّيت به، لقوامها بالأمر من طرف و الطاعة من طرف آخر، و بهذا الملاك أيضا تسمى حكما و حكومة. فالمراد بأولي الأمر الحكّام الّذين لهم حقّ الأمر و النهي في سياسة البلاد و فصل الخصومات.

و الإمامة العظمى و إن كانت حقّا عندنا للأئمّة المعصومين «ع» من عترة النبيّ «ص» مع حضورهم، و معهم تبطل إمامة غيرهم، و لكن قد مرّ بالتفصيل أنّ الحكومة لا تتعطل في عصر الغيبة، و أنّ تعطيلها يساوق تعطيل الإسلام.

و للحاكم الحقّ مطلقا حقّ الأمر و النهي في مجال حكمه

و نطاق ولايته، و تجب طاعته لا محالة.

إذ كيف يمكن الالتزام بولاية شخص شرعا بالنصب أو بالانتخاب و لو في شعبة أو منطقة خاصة و لا يلتزم بوجوب إطاعته، مع أنّ الأمر لا يتمّ و الغرض لا يحصل إلّا بالطاعة و التسليم؟!

و تعليق وجوب الإطاعة على كونه صاحب الأمر كأنّه من قبيل تعليق الحكم على الوصف، المشعر بالعلّيّة. فالملاك في وجوب الإطاعة كونه صاحب أمر بحيث يحق له الأمر و النهي، معصوما كان أو غير معصوم.

و لا مجال لحصر وجوب الطاعة في الإمام المعصوم، إذ كيف يمكن الالتزام بعدم وجوب طاعة المنصوبين من قبل النبي «ص» أو أمير المؤمنين «ع» أمثال مالك الأشتر في نطاق ولايته و حكومته.

فالحصر المذكور في بعض الأخبار الواردة في تفسير الآية كقول أبي جعفر «ع» في خبر بريد: «إيّانا عنى خاصّة. أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا» «1» مثلا يجب أن يحمل على الحصر الإضافي بالنسبة إلى حكّام الجور المتصدين للحكومة في أعصار الأئمة «ع».

______________________________

(1)- الكافي 1/ 276، كتاب الحجة، باب أنّ الإمام «ع» يعرف الإمام الذي يكون بعده ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 771

كما أنّ إطاعتهم «ع» أيضا واجبة إلى يوم القيامة، و لكن لا ينافي هذا وجوب تأسيس الدولة الحقّة في عصر الغيبة و وجوب إطاعتها. و آيات الكتاب العزيز لا تتقيد بالموارد الخاصّة، و الجري و التطبيق في بعض الروايات على بعض المصاديق لا يمنع من التمسك بالإطلاق و العموم.

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ إطاعة المنصوب من قبلهم أو المنتخب على أساس موازين الإسلام و الضوابط المبيّنة من قبلهم- عليهم السلام- كأنّها ترجع إلى إطاعتهم أيضا، و نحن

لا نأبى ذلك بعد الالتزام بوجوب الإطاعة.

نعم، لا تجوز إطاعتهم في معصية اللّه كما هو المستفاد من الأخبار كما ستأتي، بل من نفس الآية أيضا، إذ الظاهر منها وجوب إطاعة صاحب الأمر، أي من يكون له حقّ الأمر، و لا يحقّ لأحد الأمر بمعصية اللّه. و لا يطلق صاحب الأمر إلّا على من ثبت له حق الأمر، كما لا يطلق صاحب الدار إلّا على من ملكها شرعا دون من تسلّط عليها غصبا و ظلما. فأمراء السوء خارجون من الآية تخصّصا، فتدبّر.

قال الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية:

«و المراد بأولي الأمر منكم أمراء الحقّ، لأن أمراء الجور اللّه و رسوله بريئان منهم، فلا يعطفون على اللّه و رسوله في وجوب الطاعة لهم، و إنّما يجمع بين اللّه و رسوله و الأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل و اختيار الحقّ و الأمر بهما و النهي عن أضدادهما ...

و كيف تلزم طاعة أمراء الجور و قد جنح اللّه الأمر بطاعة أولي الأمر بما لا يبقى معه شكّ، و هو أن أمرهم أوّلا بأداء الأمانات و بالعدل في الحكم، و أمرهم آخرا بالرجوع إلى الكتاب و السنّة فيما أشكل، و أمراء الجور لا يؤدّون أمانة و لا يحكمون بعدل و لا يردّون شيئا إلى كتاب و لا إلى سنّة، إنّما يتّبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولوا الأمر عند اللّه و رسوله، و أحقّ أسمائهم: اللصوص المتغلّبة.» «1»

______________________________

(1)- الكشاف 1/ 535 (طبعة أخرى 1/ 524).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 772

2- و قال- تعالى-: «فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ

حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.» «1»

بناء على عدم اختصاص الحكم به «ص» و استفادة كون الملاك فيه هو ولايته «ص» و كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فيعمّ الحكم كل وليّ كانت ولايته ثابتة بالشرع.

[الروايات]

3- و في أصول الكافي بسند موثوق به، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع» أنّ رسول اللّه «ص» خطب الناس في مسجد الخيف فقال: «نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها و حفظها، و بلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقه غير فقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل للّه، و النصيحة لأئمّة المسلمين، و اللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم. المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمّتهم أدناهم، و هم يد على من سواهم.» «2»

و روى نحوه أيضا بسنده، عن سفيان الثّوري، عن جعفر بن محمد «ع»، عنه «ص» «3».

أقول: قوله: «لا يغلّ» من غلّ يغلّ بالضمّ، أي خان. أو من يغلّ بالكسر، أي كان ذا حقد و غشّ. و قوله: «فإنّ دعوتهم»، قال المجلسي في مرآة العقول:

«و الدّعوة المرّة من الدعاء، و إضافتها إلى الضمير إضافة إلى المفعول، أي دعاء النّبيّ «ص» لهم محيطة بهم فإذا دخل فيهم و لزم جماعتهم شمله ذلك الدعاء، أو إلى الفاعل، أي دعاء المسلمين بعضهم لبعض يشمله.» «4» هذا.

و الحديث مما رواه الفريقان عنه، بل مضمونه مستفيض في كتب الفريقين.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 65.

(2)- الكافي 1/ 403، كتاب الحجّة، باب ما أمر النّبيّ «ص» بالنّصيحة لأئمّة المسلمين و ...، الحديث 1.

(3)- الكافي 1/ 403، كتاب الحجّة، باب ما أمر النّبيّ «ص» بالنّصيحة لأئمّة المسلمين و ...،

الحديث 2.

(4)- مرآة العقول 4/ 325 (ط. القديم 1/ 302).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 773

4- و من ذلك ما رواه أحمد في مسنده بسنده عن أنس بن مالك، عن رسول اللّه «ص»، قال: «نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي هذه فحملها، فربّ حامل الفقه فيه غير ففيه، و ربّ حامل الفقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغلّ عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل للّه- عزّ و جلّ-، و مناصحة أولي الأمر، و لزوم جماعة المسلمين، فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم.» «1»

و فيه أيضا بسنده، عن جبير بن مطعم، عنه «ص» نحوه، و فيه: «إخلاص العمل، و النصيحة لوليّ الأمر، و لزوم الجماعة، فإنّ دعوتهم تكون من ورائه.» «2»

5- و من الروايات الجامعة في بيان ثبوت الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمّة ما خطبه أمير المؤمنين «ع» بصفّين فقال: «أمّا بعد، فقد جعل اللّه لي عليكم حقّا بولاية أمركم، و لكم عليّ من الحقّ مثل الّذي لي عليكم. فالحقّ أوسع الأشياء في التواصف و أضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، و لا يجري عليه إلّا جرى له ...

و أعظم ما افترض اللّه- سبحانه- من تلك الحقوق حقّ الوالي على الرعية، و حقّ الرعية على الوالي، فريضة فرضها اللّه- سبحانه- لكلّ على كلّ، فجعلها نظاما لألفتهم و عزّا لدينهم. فليست تصلح الرّعيّة إلّا بصلاح الولاة، و لا يصلح الولاة إلّا باستقامة الرّعيّة.

فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه، و أدّى الوالي إليها حقّها عزّ الحق بينهم، و قامت مناهج الدّين، و اعتدلت معالم العدل، و جرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، و طمع في بقاء الدولة، و يئست

مطامع الأعداء.

و إذا غلبت الرّعيّة و اليها، أو أجحف الوالي برعيّته اختلفت هنالك الكلمة و ظهرت معالم الجور و كثر الإدغال في الدين، و تركت محاجّ السنن فعمل بالهوى و عطّلت الأحكام و كثرت علل النفوس ...» «3»

أقول: أذلال جمع ذلّ بالكسر، و ذلّ الطريق محجّته. و الإدغال في الدّين: إدخال ما يخالفه و يفسده.

______________________________

(1)- مسند أحمد 3/ 225.

(2)- مسند أحمد 4/ 80.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 681؛ عبده 2/ 223؛ لح/ 332، الخطبة 216.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 774

6- و في نهج البلاغة أيضا: «أيّها النّاس إنّ لي عليكم حقّا، و لكم عليّ حقّ، فأمّا حقّكم عليّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم، و تعليمكم كيلا تجهلوا، و تأديبكم كيما تعلموا، و أمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، و النصيحة في المشهد و المغيب، و الإجابة حين أدعوكم، و الطاعة حين آمركم.» «1»

7- و فيه أيضا: «و إنّ في سلطان اللّه عصمة لأمركم فأعطوه طاعتكم غير ملومة و لا مستكره بها.» «2»

بناء على كون المراد بسلطان اللّه الحكومة العادلة المرضيّة للّه- تعالى- كما لعلّه الظّاهر.

8- و فيه أيضا: «أنبئت بسرا قد اطّلع اليمن، و إنّي و اللّه لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون منكم، باجتماعهم على باطلهم و تفرّقكم عن حقكم، و بمعصيتكم إمامكم في الحقّ و طاعتهم إمامهم في الباطل، و بأدائهم الأمانة إلى صاحبهم و خيانتكم.» «3»

9- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى أمرائه على الجيوش: «أمّا بعد، فإنّ حقّا على الوالي أن لا يغيّره على رعيّته فضل ناله و لا طول خصّ به، و أن يزيده ما قسم اللّه له من نعمه دنوّا من عباده و

عطفا على إخوانه، ألا و إنّ لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرّا إلّا في حرب، و لا أطوي دونكم أمرا إلّا في حكم، و لا أؤخّر لكم حقّا عن محلّه، و لا أقف به دون مقطعه، و أن تكونوا عندي في الحقّ سواء.

فإذا فعلت ذلك وجبت للّه عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، و أن لا تنكصوا عن دعوة و لا تفرّطوا في صلاح و أن تخوضوا الغمرات إلى الحقّ.

فإن أنتم لم تستقيموا [لي] على ذلك لم يكن أحد أهون عليّ ممّن اعوجّ منكم، ثمّ أعظم له العقوبة، و لا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من أمرائكم، و أعطوهم من أنفسكم ما يصلح اللّه

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 114؛ عبده 1/ 80؛ لح/ 79، الخطبة 34.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 548؛ عبده 2/ 99؛ لح/ 244، الخطبة 169.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 89؛ عبده 1/ 60؛ لح/ 67، الخطبة 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 775

به أمركم.» «1»

10- و فيه أيضا في كتابه «ع» إلى أهل مصر لمّا ولّى عليهم الأشتر: «امّا بعد، فقد بعثت إليكم عبدا من عباد اللّه لا ينام أيّام الخوف و لا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشدّ على الكفّار من حريق النّار، و هو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له و أطيعوا أمره فيما طابق الحقّ، فإنّه سيف من سيوف اللّه لا كليل الظبة و لا نابي الضريبة. فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، و إن أمركم أن تقيموا فأقيموا، فإنّه لا يقدم و لا يحجم، و لا يؤخّر و لا يقدّم إلّا عن أمري.» «2»

أقول: نكل: نكص و جبن. و الرّوع بفتح الرّاء: الخوف و

الفزع. و مذحج كمجلس: قبيلة مالك و الظبة بضمّ الأوّل و فتح الثاني مخفّفا: حدّ السيف و السنان.

و الضّريبة: المضروب بالسيف. و نبا عنه السيف: لم يؤثر فيه.

11- و في أصول الكافي بسند صحيح، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «ما نظر اللّه- عزّ و جلّ- إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه و النصيحة إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى.» «3»

12- و فيه أيضا بسنده، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من فارق جماعة المسلمين و نكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه- عزّ و جلّ- أجذم.» «4»

13- و فيه أيضا بسنده، عن أبي حمزة، قال: «سألت أبا جعفر «ع»: ما حقّ الإمام على الناس؟ قال: حقّه عليهم أن يسمعوا له و يطيعوا. قلت: فما حقّهم عليه؟

قال: يقسم بينهم بالسوية و يعدل في الرعية ...» «5»

14- و فيه أيضا بسنده، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 982؛ عبده 3/ 88؛ لح/ 424، الكتاب 50.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 951؛ عبده 3/ 70؛ لح/ 411، الكتاب 38.

(3)- الكافي 1/ 404، كتاب الحجّة، باب ما أمر النّبيّ «ص» بالنصيحة لأئمّة المسلمين و ...، الحديث 3.

(4)- الكافي 1/ 405، كتاب الحجّة، باب ما أمر النّبيّ «ص» بالنصيحة لأئمّة المسلمين و ...، الحديث 5.

(5)- الكافي 1/ 405، كتاب الحجّة، باب ما يجب من حقّ الإمام على الرّعيّة و ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 776

أمير المؤمنين «ع»: «لا تختانوا ولاتكم و لا تغشّوا هداتكم و لا تجهلوا أئمّتكم و لا تصدّعوا عن حبلكم فتفشلوا و

تذهب ريحكم، و على هذا فليكن تأسيس أموركم و الزموا هذه الطريقة ...» «1»

15- و فيه أيضا بسنده، عن سدير، قال: «قلت لأبي جعفر «ع»: إنّي تركت مواليك مختلفين، يبرأ بعضهم من بعض. قال: فقال: و ما أنت و ذاك؟ إنّما كلّف الناس ثلاثة: معرفة الأئمّة، و التسليم لهم فيما ورد عليهم، و الردّ إليهم فيما اختلفوا فيه.» «2»

و في هذا الباب روايات أخر في التسليم للإمام، فراجع.

16- و فيه أيضا بسند صحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن- تبارك و تعالى-: الطاعة للإمام بعد معرفته.»

ثمّ قال: «إنّ اللّه- تبارك و تعالى- يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ، وَ مَنْ تَوَلّٰى فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً.» «3»

17- و فيه أيضا بسنده، عن محمد بن الفضيل، قال: «سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى اللّه- عزّ و جلّ-، قال: أفضل ما يتقرب به العباد إلى اللّه- عزّ و جلّ- طاعة اللّه و طاعة رسوله و طاعة أولي الأمر.» «4»

و في هذا الباب روايات أخر في فرض طاعة الإمام، فراجع.

18- و فيه أيضا بسنده، عن ابن أبي ليلى، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث طويل، قال: «و صل اللّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله، و طاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع اللّه و لا رسوله.» «5»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 405، كتاب الحجّة، باب ما يجب من حقّ الإمام على الرّعيّة و ...، الحديث 3.

(2)- الكافي 1/ 390، كتاب الحجّة، باب التسليم و فضل المسلمين، الحديث 1.

(3)- الكافي 1/ 185، كتاب الحجّة، باب فرض طاعة الأئمّة، الحديث 1. و

الآية المذكورة من سورة النساء، رقمها 80.

(4)- الكافي 1/ 187، كتاب الحجّة، باب فرض طاعة الأئمّة، الحديث 12.

(5)- الكافي 1/ 181، كتاب الحجّة، باب معرفة الإمام و الرّدّ إليه، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 777

19- و في الأمالي للشيخ المفيد بسنده، عن عبد اللّه بن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «اسمعوا و أطيعوا لمن ولّاه اللّه الأمر، فإنّه نظام الإسلام.» «1»

20- و في تحف العقول في رسالة الحقوق لعلي بن الحسين «ع»: «فأمّا حق سائسك بالسلطان فإن تعلم أنّك جعلت له فتنة و أنّه مبتلى فيك بما جعله اللّه له عليك من السلطان، و أن تخلص له في النصيحة و أن لا تماحكه «2» و قد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك و هلاكه ...» «3».

و روى نحوه في الخصال في رسالة الحقوق و قال: «و أمّا حقّ رعيّتك بالسّلطان فإن تعلم أنّهم صاروا رعيّتك لضعفهم و قوّتك، فيجب أن تعدل فيهم و تكون لهم كالوالد الرحيم و تغفر لهم جهلهم و لا تعاجلهم بالعقوبة، و تشكر اللّه- عزّ و جلّ- على ما أتاك من القوّة عليهم.» «4»

21- و في تحف العقول أيضا في وصية موسى بن جعفر «ع» لهشام، قال:

«و طاعة ولاة العدل تمام العزّ.» «5»

22- و فيه أيضا عن الإمام الصادق «ع»: «ثلاث خصال تجب للملوك على أصحابهم و رعيّتهم: الطاعة لهم، و النصيحة لهم في المغيب و المشهد، و الدعاء بالنصر و الصلاح.

ثلاثة تجب على السلطان للخاصّة و العامّة: مكافأة المحسن بالإحسان ليزدادوا رغبة فيه، و تغمّد ذنوب المسي ء ليتوب و يرجع عن غيّه، و تألّفهم جميعا بالإحسان و الإنصاف.» «6»

23- و فيه

أيضا عن النبي «ص»: «و إيّاك أن تشتم مسلما أو تطيع آثما أو تعصي إماما عادلا.» «7»

______________________________

(1)- الأمالي/ 14، المجلس 2، الحديث 2.

(2)- ماحكه: خاصمه و لاجّه.

(3)- تحف العقول/ 260.

(4)- الخصال/ 567 (الجزء 2).

(5)- تحف العقول/ 390.

(6)- تحف العقول/ 319.

(7)- تحف العقول/ 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 778

24- و فيه أيضا في مواعظ عليّ بن الحسين «ع»: «فقدّموا أمر اللّه و طاعته و طاعة من أوجب اللّه طاعته بين يدي الأمور كلّها، و لا تقدّموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت و فتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر اللّه و طاعته و طاعة أولي الأمر منكم ... فاتّقوا اللّه و استقبلوا من إصلاح أنفسكم و طاعة اللّه و طاعة من تولّونه فيها ... و اعلموا أنّه من خالف أولياء اللّه و دان بغير دين اللّه و استبدّ بأمره دون أمر وليّ اللّه، في نار تلتهب تأكل أبدانا غلبت عليها شقوتها ...» «1»

25- و في البحار، عن كتاب مطالب السؤول، عن أمير المؤمنين «ع»، قال:

«العالم حديقة سياحها الشريعة، و الشريعة سلطان تجب له الطاعة، و الطاعة سياسة يقوم بها الملك، و الملك راع يعضده الجيش، و الجيش أعوان يكفلهم المال، و المال رزق يجمعه الرعيّة، و الرعيّة سواد يستعبدهم العدل، و العدل أساس به قوام العالم.» «2»

26- و في أوّل كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده، عن تميم الداري، قال: قال رسول اللّه «ص»: «الدّين النّصيحة. قيل: لمن يا رسول اللّه؟ قال: للّه و لرسوله و لكتابه و للأئمّة و لجماعة المسلمين.» «3»

أقول: النصيحة: الإخلاص و التصفية. و أقوى مراتب الإخلاص للإمام هو إطاعته و التسليم له في غير معصية اللّه-

تعالى-.

27- و فيه أيضا بسنده، عن مصعب بن سعد، قال: قال عليّ بن أبي طالب «ع» كلمات أصاب فيهنّ الحقّ، قال: «يحقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه و أن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقّ على النّاس أن يسمعوا له و يطيعوا و يجيبوه إذا دعا.» «4» و روى نحوه في كنز العمال عنه «ع» «5».

______________________________

(1)- تحف العقول/ 254.

(2)- بحار الأنوار 75/ 83 (طبعة إيران 78/ 83)، كتاب الروضة، الباب 16 (باب ما جمع من جوامع كلم أمير المؤمنين «ع»)، الحديث 87.

(3)- الأموال/ 10.

(4)- الأموال/ 13.

(5)- كنز العمّال 5/ 764، الباب 2 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14313.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 779

28- و في مسند زيد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ «ع»، قال: «حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه، و أن يعدل في الرعيّة، فإذا فعل ذلك فحقّ عليهم أن يسمعوا و أن يطيعوا، و أن يجيبوا إذا دعوا. و أيّما إمام لم يحكم بما أنزل اللّه فلا طاعة له.» «1»

29- و في صحيح مسلم بسنده، عن ابن عباس: «نزل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عديّ السهمي، بعثه النبيّ «ص» في سريّة.» «2»

30- و فيه أيضا بسنده، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه «ص» أنّه قال: «من أطاعني فقد أطاع اللّه، و من عصاني فقد عصى اللّه. و من أطاع أميري فقد أطاعني، و من عصى أميري فقد عصاني.» «3»

31- و فيه أيضا بسنده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «عليك

السّمع و الطاعة في عسرك و يسرك، و منشطك و مكرهك و أثرة عليك.» «4»

32- و فيه أيضا بسنده، عن أبي ذرّ، قال: «إنّ خليلي أوصاني أن أسمع و أطيع و إن كان عبدا مجدّع الأطراف.» «5»

33- و فيه أيضا بسنده، عن يحيى بن حصين، قال: سمعت جدّتي تحدّث أنّها سمعت النبي «ص» يخطب في حجة الوداع و هو يقول: «و لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب اللّه فاسمعوا له و أطيعوا.» «6»

______________________________

(1)- مسند زيد/ 322، كتاب السير، باب طاعة الإمام.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1465، كتاب الإمارة، الباب 8 (باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ...)، الحديث 1834.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1466، كتاب الإمارة، الباب 8.

(4)- صحيح مسلم 3/ 1467، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1836.

(5)- صحيح مسلم 3/ 1467، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1837.

(6)- صحيح مسلم 3/ 1468، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1838.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 780

34- و فيه أيضا بسنده، عن يحيى بن حصين، عن جدّته أمّ الحصين، قال:

سمعتها تقول: «حججت مع رسول اللّه «ص» حجة الوداع، قالت: فقال رسول اللّه «ص» قولا كثيرا، ثمّ سمعته يقول: «إنّ أمّر عليكم عبد مجدّع (حسبتها قالت:) أسود يقودكم بكتاب اللّه فاسمعوا له و أطيعوا.» «1»

35- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عمر، عن النبي «ص» أنّه قال: «على المرء المسلم السمع و الطاعة فيما أحبّ و كره إلّا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع و طاعة.» «2»

36- و فيه أيضا بسنده، عن عبادة، قال:

«بايعنا رسول اللّه «ص» على السمع و الطاعة في العسر و اليسر و المنشط و المكره، و على أثرة علينا،

و على أن لا ننازع الأمر أهله، و على أن نقول بالحق أينما كنّا لا نخاف في اللّه لومة لائم.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

و لا يخفى أنّ المقصود منها هو إطاعة الإمام أو الأمير فيما حكم به من الأمور المرتبطة بسياسة الملك و الأمّة أمرا مولويّا بتّيّا، و في مثلها يكون العزم و القرار النهائي للإمام و يجب على كل فرد إطاعته و التسليم له و لو كان نظره الشخصي مخالفا له في هذا الموضوع الخاص حفظا للنظام، و في نهج البلاغة: «و قال «ع» لعبد اللّه بن عباس- و قد أشار عليه في شي ء لم يوافق رأيه-: لك أن تشير عليّ و أرى، فإن عصيتك فأطعني.» «4» هذا.

و أمّا ما يصدر عن الإمام في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى- فالأمر فيه إرشاديّ لا إطاعة له سوى إطاعة المرشد إليه، نظير أوامر الفقيه في مقام بيان أحكام اللّه- تعالى-.

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1468، كتاب الإمارة، الباب 8.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1469، كتاب الإمارة، الباب 8، الحديث 1839.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1470، كتاب الإمارة، الباب 8.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1239؛ عبده 3/ 230؛ لح/ 531، الحكمة 321.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 781

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

كما أنّه لا طاعة للإمام و لا تجوز إطاعته إذا كان المأمور به من قبل الإمام أو الأمير معصية للّه- سبحانه-. و يدلّ على ذلك- مضافا إلى كونه- تعالى- وليّ الأولياء و لا حقّ لأحد في قبال حقوقه- الآيات و الأخبار المستفيضة بل المتواترة التي مرّ بعضها في الكتاب و في هذا الفصل.

و يكفينا في ذلك 1- قوله- تعالى- حكاية عن أهل النار:

«وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا سٰادَتَنٰا وَ كُبَرٰاءَنٰا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا.» «1»

2- و قوله: «وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ.» «2»

3- و قوله: «وَ لٰا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَ اتَّبَعَ هَوٰاهُ وَ كٰانَ أَمْرُهُ فُرُطاً.» «3»

4- و في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة: «ألا فالحذر الحذر من طاعة ساداتكم و كبرائكم الّذين تكبّروا عن حسبهم و ترفّعوا فوق نسبهم و ألقوا الهجينة على ربّهم و جاحدوا اللّه على ما صنع بهم مكابرة لقضائه و مغالبة لآلائه.» «4»

5- و فيه أيضا: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.» «5»

6- و في الوسائل عن الفقيه قال: من ألفاظ رسول اللّه «ص»: «لا طاعة لمخلوق في

______________________________

(1)- سورة الأحزاب (33)، الآية 67.

(2)- سورة الشعراء (26)، الآية 151 و 152.

(3)- سورة الكهف (18)، الآية 28.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 785؛ عبده 2/ 166؛ لح/ 289، الخطبة 192.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 1167؛ عبده 3/ 193؛ لح/ 500، الحكمة 165.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 782

معصية الخالق.» «1»

7- و في دعائم الإسلام: «روينا عن عليّ «ع» أنّه قال: «بعث رسول اللّه «ص» سريّة و استعمل عليهم رجلا من الأنصار و أمرهم أن يطيعوه، فلمّا كان ذات يوم غضب عليهم، فقال: أ ليس قد أمركم رسول اللّه «ص» أن تطيعوني؟ قالوا: نعم. قال: فاجمعوا لي حطبا فجمعوه، فقال: أضرموه نارا، ففعلوا، فقال لهم: ادخلوها، فهمّوا بذلك، فجعل بعضهم يمسك بعضا و يقولون: إنّما فررنا إلى رسول اللّه «ص» من النار، فما زالوا كذلك حتّى خمدت النار، و سكن غضب الرجل. فبلغ ذلك رسول اللّه «ص» فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها

إلى يوم القيامة، إنّما الطاعة في المعروف. و عن عليّ «ع» أنّه قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.» «2»

و روى القصّة إلى قوله: «إنّما الطّاعة في المعروف» مسلم في صحيحه أيضا عن عليّ «ع» «3».

8- و في المصنف لعبد الرزاق: «إنّ النبي «ص» بعث عبد اللّه بن حذافة على سريّة، فأمر أصحابه فأوقدوا نارا ثمّ أمرهم أن يثبوها، فجعلوا يثبونها، فجاء شيخ ليثبها فوقع فيها فاحترق منه بعض ما احترق، فذكر شأنه لرسول اللّه «ص» فقال:

ما حملكم على ذلك؟ قالوا: يا رسول اللّه، كان أميرا و كانت له طاعة. قال: أيّما أمير أمّرته عليكم فأمركم بغير طاعة اللّه فلا تطيعوه، فإنّه لا طاعة في معصية اللّه.» «4»

و قد مرّ الحديث و بيانه في فصل اشتراط العدالة في الحاكم، فراجع «5».

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في كتب الفريقين في هذا المجال.

و أمّا ما اشتهر بين العوامّ من أنّ المأمور معذور فاعتذار شيطاني لا دليل له لا في العقل و لا في النقل.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 422، الباب 11 من أبواب الأمر و النهي ...، الحديث 7.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 350، كتاب الجهاد، في ذكر ما يجب للأمراء و ما يجب عليهم.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1469، كتاب الإمارة، الباب 8 (باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ...)، الحديث 1840.

(4)- المصنف 11/ 335، باب لا طاعة في معصية، الحديث 20699.

(5)- راجع 1/ 299 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 783

الباب السابع في ذكر بعض الآيات و الروايات الواردة في سيرة الإمام و أخلاقه في معاشرته المسلمين و غيرهم،

اشاره

و في مطعمه و ملبسه و نحو ذلك و فيه ثلاثة فصول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 785

الفصل الأوّل في مكارم أخلاقه و لطفه و عفوه و رحمته

[الآيات الواردة في أخلاق النبيّ ص و لطفه و عفوه و رحمته]

1- قال اللّه- تعالى- مخاطبا لنبيّه «ص»: «فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ، وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ، إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.» «1»

أقول: لا يخفى أنّ رسول اللّه «ص» إمام الأئمّة و الأمّة جميعا، و للجميع فيه أسوة حسنة، فعلى إمام المسلمين و من يلي أمرهم أن يكون ليّنا عفوّا رحيما بهم عطوفا عليهم خاليا من الفظاظة و الغلظة حتى ينجذب إلى الإسلام جميع الأنام إلّا من طبع اللّه على قلبه، و لا ينافي هذا إجراء حدود اللّه و أحكامه في مواردها إذ المنظور فيها أيضا هو إصلاح الأمة و المجتمع لا التحقير و الانتقام.

قال العلامة المجلسي في البحار ما ملخّصه:

«و اختلف في فائدة مشاورته مع استغنائه بالوحي على أقوال: 1- أنه على وجه

______________________________

(1)- سورة آل عمران (3). الآية 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 786

التطييب لنفوسهم و الرفع من أقدارهم. 2- أنه ليقتدى به أمته في المشاورة و لا يرونها نقيصة. 3- أنه لكلا الوجهين. 4- أنّ ذلك ليمتحنهم ليتميّز الناصح من الغاش. 5- أن ذلك في أمور الدنيا و مكائد الحرب و في مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم.» «1»

2- و قال- تعالى-: «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ* وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطٰانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.» «2»

أقول: قال: في مجمع البيان ما محصّله:

«العفو ما عفا من أموال الناس، أي

ما فضل من النفقة. و قيل: خذ العفو من أخلاق الناس، و معناه أنّه أمره بالتساهل و ترك الاستقصاء في القضاء و الاقتضاء.

و قيل: هو العفو في قبول العذر من المعتذر. و روي أنّه لما نزلت الآية سأل رسول اللّه «ص» جبرائيل عن ذلك فقال: لا أدري حتّى أسأل العالم، ثمّ أتاه فقال:

يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك، و تعطي من حرمك، و تصل من قطعك.

و أمر بالعرف، يعني بالمعروف و هو كلّ ما حسن في العقل أو الشرع و لم يكن منكرا و قبيحا.

و النزغ: الوسوسة و النخسة في القلب. قال ابن زيد: لما نزلت هذه الآية قال النبي «ص»: كيف يا ربّ و الغضب؟ فنزل قوله: و إمّا ينزغنّك من الشيطان نزغ.» «3»

3- و قال: «وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ.» «4»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 16/ 198، تاريخ نبيّنا «ص»، الباب 9 (باب مكارم أخلاقه ...)، عن مجمع البيان 1/ 527 (الجزء 2).

(2)- سورة الأعراف (7)، الآية 199 و 200.

(3)- مجمع البيان 2/ 512 (الجزء 4).

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 61.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 787

4- و قال: «لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ، بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.» «1»

قال في المجمع:

«معناه شديد عليه عنتكم، أي ما يلحقكم من الضرر بترك الإيمان.» «2»

5- و قال: «وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ الْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلٰاماً.» إلى قوله: «وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا مِنْ أَزْوٰاجِنٰا وَ ذُرِّيّٰاتِنٰا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنٰا

لِلْمُتَّقِينَ إِمٰاماً.» «3»

أقول: هونا، أي بسكينة و وقار بلا تجبّر و تبختر.

6- و قال: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ* وَ اخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.» «4»

7- و قال: «فَاصْبِرْ، إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ، وَ لٰا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ.» «5»

و في البحار:

«و لا يستخفنك، أي و لا يحملنك على الخفّة و القلق الذين لا يوقنون بتكذيبهم.» «6»

8- و قال: «وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللّٰهِ فَضْلًا كَبِيراً* وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ وَ دَعْ أَذٰاهُمْ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ وَكِيلًا.» «7»

9- و قال: «وَ لٰا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَدٰاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلّٰا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 128.

(2)- مجمع البيان 3/ 86 (الجزء 5).

(3)- سورة الفرقان (25)، الآية 63- 74.

(4)- سورة الشعراء (26)، الآية 214- 215.

(5)- سورة الروم (30)، الآية 60.

(6)- بحار الأنوار 16/ 205، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه ...

(7)- سورة الأحزاب (33)، الآية 47- 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 788

مِنَ الشَّيْطٰانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.» «1»

10- و قال: «مٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ.» «2»

11- و قال: «فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا.» «3»

12- و قال: «وَ اصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا* وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ قَلِيلًا.» «4»

[الروايات الواردة في أخلاق النبيّ ص و لطفه و عفوه و رحمته]

13- و في البحار عن أمالي الطوسي بسنده، عن أمير المؤمنين «ع» في أوصاف النّبيّ «ص»:

«ليس بالعاجز و لا باللئيم،

أكرم الناس عشرة، و ألينهم عريكة، و أجودهم كفّا، من خالطه بمعرفة أحبّه، و من رآه بديهة هابه، عزّه بين عينيه، يقول ناعته: لم أر قبله و لا بعده مثله.» «5»

أقول: العريكة: الطبيعة.

14- و فيه أيضا عن عيون أخبار الرضا بسنده، عن الحسن بن علي بن أبي طالب «ع»، قال: «سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول اللّه «ص» فقال ... و يمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنّما ينحطّ في صبب، و إذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يبدر من لقيه بالسلام ... و لا يتكلّم في غير حاجة، يفتتح الكلام و يختمه بأشداقه، يتكلّم بجوامع الكلم فصلا، لا فضول فيه و لا تقصير، دمثا ليس بالجافي و لا بالمهين ...» «6»

______________________________

(1)- سورة فصلت (41)، الآية 34- 36.

(2)- سورة القلم (68)، الآية 2- 4.

(3)- سورة المعارج (70)، الآية 5.

(4)- سورة المزّمّل (73)، الآية 10- 11.

(5)- بحار الأنوار 16/ 147، تاريخ نبيّنا «ص»، الباب 8 (باب أوصافه ...)، الحديث 3.

(6)- بحار الأنوار 16/ 148- 150، تاريخ نبيّنا «ص»، باب أوصافه ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 789

أقول: الذريع: السريع. و الصبب: ما انحدر من الأرض. و الأشداق: جوانب الفم. و الدمث: سهل الخلق. و هند بن أبي هالة ربيب رسول اللّه «ص» أمّه خديجة أمّ المؤمنين، و كان وصّافا لحلية رسول اللّه «ص». و روى رواية هند بطولها في كنز العمال، فراجع «1».

15- و في البحار أيضا عن العيون بسنده، عن الحسين بن عليّ «ع»، عن أبيه «ع» في وصف رسول اللّه «ص»، قال: «كان

«ص» يخزن لسانه إلّا عما يعنيه و يؤلّفهم و لا ينفرهم، و يكرم كريم كلّ قوم و يولّيه عليهم، و يحذر الناس و يحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره و لا خلقه، و يتفقّد أصحابه، و يسأل الناس عمّا في الناس، و يحسن الحسن و يقوّيه، و يقبّح القبيح و يوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، و لا يقصر عن الحق و لا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة للمسلمين، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و موازرة ... و لا يوطن الأماكن و ينهى عن إيطانها، و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك. و يعطي كلّ جلسائه نصيبه، و لا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، من سأله حاجة لم يرجع إلّا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس من خلقه و صار لهم أبا و صاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم و حياء و صدق و أمانة، لا ترفع فيه الأصوات، و لا تؤبّن (لا توهن خ. ل) فيه الحرم، و لا تنثى فلتاته، متعادلين متواصلين فيه بالتقوى، متواضعين يوقّرون الكبير و يرحمون الصغير، و يؤثرون ذا الحاجة و يحفظون الغريب.

فقلت: فكيف كان سيرته في جلسائه؟ فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظّ و لا صخّاب و لا فحّاش و لا عيّاب و لا مدّاح، يتغافل عمّا لا يشتهي فلا يؤيس منه و لا يخيّب مؤمّليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء و الإكثار و ما لا

يعنيه، و ترك الناس من ثلاث: كان لا يذمّ أحدا و لا يعيّره و لا يطلب عورته و لا عثراته. الحديث» «2»

______________________________

(1)- كنز العمال 7/ 163، كتاب الشمائل من قسم الأفعال، باب في حليته «ص»، الحديث 18535.

(2)- بحار الأنوار 16/ 151- 153، تاريخ نبيّنا «ص»، باب أوصافه ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 790

أقول: قوله: «و لا يوطن الأماكن»، أي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به. و أبّنه: عابه و اتّهمه. لا تنثى فلتاته، أي لا تشاع و لا يتحدّث بها. الصخّاب: الشديد الصياح و مثله السخّاب بالسين.

16- و في البحار أيضا عن العياشي، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، عن النبي «ص» في حديث: «إنّي أنا الذي سمّاني اللّه في التوراة و الإنجيل محمد رسول اللّه المجتبى المصطفى، ليس بفحّاش و لا سخّاب في الأسواق، و لا يتبع السيّئة السيّئة، و لكن يتبع السيّئة الحسنة ...» «1»

17- و فيه أيضا عن الكازروني في المنتقى، عن عليّ «ع» في وصف النبي «ص»: «إذا مشى يتقلّع كأنّما يمشي في صبب، و إذا التفت جميعه، بين كتفيه خاتم النبوة و هو خاتم النبيين. أجود الناس كفّا، و أرحب الناس صدرا، و أصدق الناس لهجة، و أوفى الناس ذمّة، و ألينهم عريكة، و أكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، و من خالطه معرفة أحبّه، يقول ناعته: لم أر قبله و لا بعده مثله.» و روى نحوه بتفاوت ما عن كتاب الغارات عن عليّ «ع» «2».

18- و فيه أيضا عن أمالي الصدوق بسنده، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين «ع»، قال: إنّ يهوديا كان له

على رسول اللّه «ص» دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهوديّ، ما عندي ما اعطيك. فقال: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتّى تقضيني، فقال: إذا أجلس معك، فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الغداة، و كان أصحاب رسول اللّه «ص» يتهدّدونه و يتواعدونه، فنظر رسول اللّه «ص» إليهم فقال:

ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول اللّه، يهوديّ يحبسك؟ فقال «ص»: لم يبعثني ربّي- عزّ و جلّ- بأن أظلم معاهدا و لا غيره، فلمّا علا النهار قال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله، و شطر مالي في سبيل اللّه. أما و اللّه ما فعلت بك الذي فعلت إلّا لأنظر إلى نعتك في

______________________________

(1)- بحار الأنوار 16/ 185، تاريخ نبيّنا «ص»، باب أوصافه ...، الحديث 21.

(2)- بحار الأنوار 16/ 190 و 194، تاريخ نبيّنا «ص»، باب أوصافه ...، الحديث 27 و 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 791

التوراة، فإنّي قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد اللّه مولده بمكة و مهاجره بطيبة، و ليس بفظّ و لا غليظ و لا سخّاب، و لا متريّن بالفحش و لا قول الخناء. و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّك رسول اللّه، و هذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه. و كان اليهوديّ كثير المال. «1»

19- و فيه أيضا عن الأمالي بسنده، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «خمس لا أدعهنّ حتّى الممات: الأكل على الحضيض مع العبيد، و ركوبي الحمار مؤكفا، و حلبي العنز بيدي، و لبس الصوف، و التسليم على الصبيان

لتكون سنّة من بعدي.» «2»

20- و فيه أيضا عن الخصال بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «خمس لست بتاركهنّ حتى الممات: لباسي الصوف، و ركوبي الحمار موكفا، و أكلي مع العبيد، و خصفي النعل بيدي، و تسليمي على الصبيان لتكون سنّة من بعدي.» «3»

21- و فيه أيضا عن أمالي الطوسي بسنده، عن ابن عباس، قال:

«كان رسول اللّه «ص» يجلس على الأرض، و يأكل على الأرض، و يعتقل الشاة، و يجيب دعوة المملوك على خبز الشعير.» «4»

22- و فيه أيضا عن الكافي بسنده، عن جميل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول اللّه «ص» يقسم لحظاته بين أصحابه ينظر إلى ذا، و ينظر إلى ذا بالسوية.» «5»

23- و فيه أيضا عن مكارم الأخلاق، عن أنس بن مالك، قال:

«كان رسول اللّه «ص» إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه، فإن كان

______________________________

(1)- بحار الأنوار 16/ 216، تاريخ نبيّنا «ص»، الباب 9 (باب مكارم أخلاقه ...) الحديث 5.

(2)- بحار الأنوار 16/ 215، تاريخ نبيّنا «ص» باب مكارم أخلاقه، الحديث 2.

(3)- بحار الأنوار 16/ 219، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 11.

(4)- بحار الأنوار 16/ 222، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 19.

(5)- بحار الأنوار 16/ 280، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 121؛ و أصول الكافي 2/ 671، كتاب العشرة، باب النوادر، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 792

غائبا دعا له، و إن كان شاهدا زاره، و إن كان مريضا عاده.» «1»

24- و في مناقب ابن شهرآشوب:

«أمّا آدابه «ص» فقد جمعها بعض العلماء و التقطها من

الأخبار: كان النبي «ص» أحكم الناس و أحلمهم و أشجعهم و أعدلهم و أعطفهم لم تمسّ يده يد امرأة لا تحلّ، و أسخى الناس لا يثبت عنده دينار و لا درهم، فإن فضل و لم يجد من يعطيه و يجنّه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرّأ منه إلى من يحتاج إليه، لا يأخذ مما آتاه اللّه إلّا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر و الشعير، و يضع سائر ذلك في سبيل اللّه، و لا يسأل شيئا إلّا أعطاه. ثمّ يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شي ء.

و كان يجلس على الأرض و ينام عليها و يأكل عليها، و كان يخصف النعل، و يرقع الثوب، و يفتح الباب، و يحلب الشاة، و يعقل البعير و يحلّه، و يطحن مع الخادم إذا أعيى، و يضع طهوره بالليل بيده، و لا يتقدمه مطرق، و لا يجلس متكئا، و يخدم في مهنة أهله، و يقطع اللحم، و إذا جلس على الطعام جلس محقّرا، و كان يلطع أصابعه، و لم يتجشّأ قطّ. و يجيب دعوة الحرّ و العبد و لو على ذراع أو كراع، و يقبل الهدية و لو أنّها جرعة لبن، و يأكلها و لا يأكل الصدقة، و لا يثبت بصره في وجه أحد، يغضب لربّه و لا يغضب لنفسه، و كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يأكل ما حضر، و لا يردّ ما وجد، لا يلبس ثوبين، يلبس بردا حبرة يمنية و شملة جبّة صوف و الغليظ من القطن و الكتان، و أكثر ثيابه البياض، و يلبس العمامة تحت العمامة، يلبس القميص من قبل ميامنه،

و كان له ثوب للجمعة خاصّة، و كان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا، و كان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنى ثنيتين.

يلبس خاتم فضّة في خنصره الأيمن، يحبّ البطيخ، و يكره الريح الرديّة و يستاك عند الوضوء، يردف خلفه عبده أو غيره، و يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار، و يركب الحمار بلا سرج و عليه العذار، و يمشي راجلا و حافيا بلا رداء

______________________________

(1)- بحار الأنوار 16/ 233، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 35.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 793

و لا عمامة و لا قلنسوة، و يشيّع الجنائز، و يعود المرضى في أقصى المدينة، يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين و يناولهم بيده، و يكرم أهل الفضل في أخلافهم، و يتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم.

يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلّا بما أمر اللّه، و لا يجفو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، و كان أكثر الناس تبسّما ما لم ينزل عليه قرآن و لم تجر عظة، و ربّما ضحك من غير قهقهة، لا يرتفع على عبيده و إمائه في مأكل و لا في ملبس، ما شتم أحدا بشتمة و لا لعن امرأة و لا خادما بلعنة، و لا لاموا أحدا إلّا قال: دعوه، و لا يأتيه أحد: حرّ أو عبد أو أمة إلّا قام معه في حاجته، لا فظّ و لا غليظ و لا صخّاب في الأسواق، و لا يجزي بالسيّئة السيّئة و لكن يغفر و يصفح، و يبدأ من لقيه بالسلام، و من رامه بحاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف، و ما أخذ أحد يده فيرسل

يده حتى يرسلها، و إذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة، و كان لا يقوم و لا يجلس إلّا على ذكر اللّه، و كان لا يجلس إليه أحد و هو يصلّى إلّا خفّف صلاته و أقبل عليه و قال: أ لك حاجة؟ و كان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا، و كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، و كان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة، و كان يكرم من يدخل عليه حتّى ربّما بسط ثوبه، و يؤثر الداخل بالوسادة التي تحته، و كان في الرضا و الغضب لا يقول إلّا حقّا. الحديث.» «1»

أقول: قال في البحار:

«قوله: «لا يتقدمه مطرق»، أي كان أكثر الناس إطراقا إلى الأرض حياء، يقال:

أطرق، أي سكت و لم يكلم و أرخى عينيه ينظر إلى الأرض. و المهنة بالفتح و الكسر: الخدمة. و الكراع كغراب من البقر و الغنم: مستدقّ الساق.» «2»

و العذار: ما سال من اللجام على خدّ الفرس.

______________________________

(1)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 126؛ و رواه عنه في بحار الأنوار 16/ 226، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 34.

(2)- بحار الأنوار 16/ 229.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 794

25- و في أصول الكافي بسنده، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إنّ رسول اللّه «ص» أتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي «ص» فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟

فقالت: قلت: إن كان نبيّا لم يضرّه و إن كان ملكا أرحت الناس منه. قال: فعفا رسول اللّه «ص» عنها.» و رواه أيضا ابن هشام في السيرة. «1»

26- و سيرة رسول اللّه «ص» في فتح مكة و معاملته مع رؤساء الكفّار و المشركين بعد ما غلب عليهم من أهم الوقائع

التي ترشدنا إلى ما ينبغي أن يكون عليه إمام المسلمين و زعيمهم من سعة الصدر و كثرة الإغماض و العفو في قبال الأعداء بعد أن أظفره اللّه عليهم، فقد كان أبو سفيان و أهله من ألدّ الأعداء لرسول اللّه «ص» و من أعظم من أوقد نيران الحرب على المسلمين، فلمّا ظفر عليه رسول اللّه «ص» في فتح مكة عرض عليه الإسلام ثمّ جعل داره مأمنا فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.» «2»

و زوجته هند مع ما كانت تؤذي الرسول «ص» في مكّة و ما صنعت في أحد بأجساد القتلى و جسد حمزة جاءت إليه متخفية فأسلمت و أهدت إلى رسول اللّه «ص» جديين و اعتذرت من قلة ولادة غنمها فدعا لها رسول اللّه «ص»، بالبركة في غنمها فكثرت «3».

و غلامهما وحشي بن حرب، قاتل حمزة هرب إلى الطائف ثمّ قدم في وفد أهله على رسول اللّه «ص» و أسلم، فسأله عن كيفية قتل حمزة فأخبره، فبكى «ص» و قال له: غيّب وجهك عنّي. «4»

و لما دخل «ص» مكّة نادى قريش فقال: «يا معشر قريش، ما ترون انّي فاعل بكم؟

قالوا: خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم.» قال: «اذهبوا، فأنتم الطلقاء.» فعفا عنهم

______________________________

(1)- أصول الكافي 2/ 108، كتاب الإيمان و الكفر، باب العفو، الحديث 9؛ و نحوه في سيرة ابن هشام 3/ 352.

(2)- سيرة ابن هشام 4/ 46؛ و الكامل لابن الأثير 2/ 245.

(3)- الكامل لابن الأثير 2/ 251.

(4)- الكامل لابن الأثير 2/ 250.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 795

و كان اللّه قد أمكنه منهم و كانوا له فيئا «1».

إلى غير ذلك ممّا عامل به المشركين في فتح

مكّة و قد كان رؤساء مكّة حاربوه في غزوات كثيرة و قتلوا المسلمين، فعفا عنهم و لم ينتقم حتّى من قاتل عمّه حمزة و من هند آكلة الأكباد.

27- و في غزوة حنين بعد ما ظفر النبيّ «ص» على هوازن بدأ بقسمة الغنائم فقسمها، ثمّ قدم عليه هوازن مسلمين فردّ عليهم السبي، و سألهم عن رئيسهم مالك بن عوف النصري فقالوا: هو مع ثقيف بالطائف، فقال: أخبروه أنّه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله و ماله و أعطيته مأئة من الإبل. فلمّا أخبروا مالكا بذلك ركب مستخفيا فأدرك النبي «ص» بالجعرانة، و قيل: بمكّة، فردّ عليه أهله و ماله و أعطاه مأئة من الإبل كما وعده، و حسن إسلامه. و قال حين أسلم يمدح النبيّ «ص» ... و استعمله النبيّ «ص» على من أسلم من قومه، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلّا أغار عليه و ضيّق عليهم حتّى أسلموا، و شهد فتح القادسية و فتح دمشق في خلافة عمر «2».

و مالك بن عوف هو الذي جمع الجموع في حنين ضدّ رسول اللّه «ص» و كانوا ثلاثين ألفا ثمّ بعد الانهزام فرّ إلى الطائف.

فانظر إلى سعة صدر رسول اللّه «ص» و أنّه كيف كان يعامل مقاتليه بعد أن أظفره اللّه عليهم.

فعلى إمام المسلمين و قائدهم العفو و الإغماض عن خطايا الأمّة مهما تيسّر ذلك و لم يوجب تعطيل الحقوق و الحدود و لا تجرّي الكفّار و المجرمين.

و لا ينافي هذا أمثال قوله- تعالى-: «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ، جٰاهِدِ الْكُفّٰارَ وَ الْمُنٰافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ»* «3»، و قوله: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى الْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ.» «4» إذ موردها

______________________________

(1)- الكامل لابن الأثير

2/ 252؛ و نحوه في سيرة ابن هشام 4/ 55.

(2)- سيرة زيني دحلان المطبوع بحاشية السيرة الحلبية 2/ 306؛ و نحوه في سيرة ابن هشام 4/ 133.

(3)- سورة التحريم (66)، الآية 9.

(4)- سورة الفتح (48)، الآية 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 796

صورة المواجهة و التهاجم و إعدادهم القوى لذلك أو نقضهم العهود مرّة بعد مرّة، كما صنع بنو قريظة و يهود المدينة. و مورد العفو و الرحمة صورة الانتصار و التسلّط عليهم و الأمن من هجومهم و توطئتهم، كما لا يخفى على أهله.

و في الغرر و الدرر: «جمال السياسة العدل في الإمرة، و العفو مع القدرة.» «1»

و فيه أيضا: «ظفر الكرام عفو و إحسان. ظفر اللئام تجبّر و طغيان.» «2» هذا.

أقول: و يمكن أن يستفاد من أمثال هذه الوقائع، و كذا من قصّة عفو أمير المؤمنين «ع» لأصحاب الجمل، بعد ما ظفر عليهم و فيهم الرؤساء كمروان و عبد اللّه بن الزبير و أمثالهما و في رأسهم أمّ المؤمنين عائشة مع ما سبّبوا لقتل كثير من المسلمين، أنّه في موارد الحرب و قتال جيش ضدّ جيش و انتصار أحدهما على الآخر تكون رعاية المصالح العامّة أولى و أقدم من رعاية الحقوق الشخصيّة الفرديّة، و أمر الانتقام و العفو فيها إلى الإمام، و حكم القصاص و التغريم المالي بلحاظ الحقوق الفردية إنّما يجريان في الموارد الشخصيّة الحادثة في خلال المجتمع لا في هذه الموارد العامّة التي يظفر فيها نظام على نظام، بل لعلّ الدليل عليهما منصرف عن أمثالها.

فرسول اللّه «ص» عفا عن مشركي مكّة و هم قد شاركوا في إراقة دماء المسلمين في بدر و أحد و غيرهما من المعارك،

و عفا عن مثل وحشي قاتل عمّه حمزة من غير أن يسترضي فيه بنت حمزة و ورّاثه، و عفا عن مالك بن عوف المسبّب لقتل كثير من المسلمين في هوازن.

و أمير المؤمنين «ع» عفا عن أصحاب الجمل و قد قال فيهم على ما في نهج البلاغة:

«فقدموا على عاملي بها و خزّان بيت مال المسلمين و غيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبرا و طائفة غدرا. فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جرّه لحلّ لي قتل ذلك

______________________________

(1)- الغرر و الدرر 3/ 375، الحديث 4792.

(2)- الغرر و الدرر 4/ 273 و 274، الحديث 6044 و 6045.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 797

الجيش كلّه، إذ حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد، دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم.» «1»

فهذه نكتة فقهية ينبغي أن يلاحظها الفقيه إذ بها يفتتح باب واسع في الفقه.

و يمكن أن تقرّب هذه المسألة- بعد دلالة سيرة النبيّ «ص» و أمير المؤمنين «ع» عليها- بوجوه:

الأول: أنّ أدلّة القصاص و الضمان و إن كانت مطلقة و لكن مع تزاحم الملاكات تتقدّم المصالح العامة لأهميّتها على المصالح الخاصّة، فيجوز للإمام العفو عن الجيش الكافر أو الباغي بعد الغلبة عليه إذا رأى ذلك صلاحا للإسلام و الأمّة، حيث إنّه بذلك تنجذب الفئة الكافرة أو الباغية إلى الإسلام.

الثاني: أن حق القصاص و إن جعل لولي الدّم مطلقا و لكن الإمام وليّ الأولياء و يكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فتقدّم ولايته على ولاية وليّ الدم كما تقدّم ولاية الجدّ على ولاية الأب مع التعارض.

و لعلّه على

هذا الأساس جعل النبي «ص» كلّ دم كان في الجاهلية تحت قدميه.

الثالث: أنّ أدلة القصاص و الضمان منصرفة عن صورة مقابلة جيش لجيش و نظام لنظام، حيث إن كلّا من الطرفين بإقدامه على الحرب كأنّه جعل نفسه و ماله باختياره في معرض التلف. فالمعتدي باعتدائه أهدر ماله و دمه، و المؤمن بإقدامه على الجهاد باع نفسه و ماله في سبيل اللّه.

و لا يتوهّم أن الإغماض عن مثل أبي سفيان و أمثالهم كان لإسلامهم و أنّ

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 556؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 172.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 798

الإسلام يجبّ ما قبله، إذ الجبّ كان في مقام الامتنان، و لا امتنان في إسقاط الضمانات و الحقوق. فلو كان كافر مدينا لمسلم ثمّ أسلم فهل يمكن الالتزام بجبّ الإسلام لدينه؟ فمورد الجبّ التكاليف و الأحكام، فتدبّر.

28- و في سنن ابن ماجة بسنده عن ابن مسعود، قال: «أتى النبي «ص» رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه، فقال له: هوّن عليك، فإنّي لست بملك، إنّما أنا ابن امرأة تأكل القديد.» «1» هذا.

و إنّما تعرّضنا في هذا الباب للآيات و الروايات الواردة في خلق النبيّ «ص» و أدبه و عشرته و عفوه و رحمته لأنّه «ص» أوّل من أسّس الدولة الإسلاميّة و أوّل إمام و قدوة للمسلمين، فعلى الأمّة الإسلاميّة و لا سيّما أئمتهم و قادتهم و المنصوبين من قبلهم الايتمام به في سيرته و أخلاقه و أعماله، كما قال اللّه- تعالى- في كتابه: «لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كٰانَ يَرْجُوا اللّٰهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّٰهَ كَثِيراً.» «2»

و لم يصحّ خلوّ الباب المعقود لبيان سيرة

الإمام و أخلاقه من بيان سيرة أوّل من أقام الحكم الإسلامي و أسّس أساسه. كما أنّه من المتوقّع من حكّام المسلمين و نوّابهم في جميع الأعصار التفقّه في سيرته «ص» و أعماله الفرديّة و العائلية، و في عباداته و معاملاته، و في غزواته و سراياه، و في معاملته مع من كان تحت حكمه و مع أعدائه و مخالفيه. هذا.

29- و في الكافي بسنده عن حنّان، عن أبيه، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللّه، و حلم يملك به غضبه، و حسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم.» و في رواية أخرى: «حتّى يكون للرعيّة كالأب الرحيم.» «3»

______________________________

(1)- سنن ابن ماجة 2/ 1101، كتاب الأطعمة، الباب 30، الحديث 3312.

(2)- سورة الأحزاب (33)، الآية 21.

(3)- أصول الكافي 1/ 407، كتاب الحجّة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 799

30- و فيه أيضا بسنده عن حنان بن سدير الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: نعيت إلى النبيّ «ص» نفسه و هو صحيح ليس به وجع، قال: نزل به الروح الأمين، قال: فنادى «ص»: الصلاة جامعة و أمر المهاجرين و الأنصار بالسلاح، و اجتمع الناس، فصعد النبيّ «ص» المنبر فنعى إليهم نفسه ثمّ قال: أذكّر اللّه الوالي من بعدي على أمّتي ألّا يرحم على جماعة المسلمين فأجلّ كبيرهم و رحم ضعيفهم، و وقّر عالمهم (عاملهم خ. ل)، و لم يضربهم فيذلّهم، و لم يفقرهم فيكفرهم، و لم يغلق بابه دونهم فيأكل قويّهم ضعيفهم، و لم

يخبزهم في بعوثهم فيقطع نسل أمتي، ثمّ قال: «قد بلغت و نصحت فاشهدوا.» و قال أبو عبد اللّه «ع»: هذا آخر كلام تكلّم به رسول اللّه «ص» على منبره «1».

أقول: المراد بالبعوث: الجيوش. و قوله: «لم يخبزهم»، فالمستفاد من البحار و من مرآة العقول «2» أنّه إمّا بالخاء المعجمة و الباء الموحّدة ثم الزاي المعجمة من الخبز بمعنى السوق الشديد. أو بالجيم و النون و الزاي المعجمة من جنزه إذا ستره و جمعه. أو بالجيم و التاء و تشديد الزاي المعجمة افتعال من اجتزّ الحشيش إذا قطعه بحيث لم يبق منه شي ء.

قال: و في قرب الإسناد: «و لم يجمرهم في ثغورهم.» «3» و هو أظهر نظرا إلى التعليل.

قال في النهاية:

«في حديث عمر: «لا تجمروا الجيش فتفتنوهم.» تجمير الجيش: جمعهم في الثغور و حبسهم عن العود إلى أهلهم.» «4»

31- و في كنز العمال: «أوصى الخليفة من بعدي بتقوى اللّه، و أوصيه بجماعة المسلمين أن يعظّم كبيرهم و يرحم صغيرهم، و يوقّر عالمهم، و أن لا يضربهم فيذلهم، و لا يوحشهم فيكفّرهم،

______________________________

(1)- أصول الكافي 1/ 406، كتاب الحجّة، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ...، الحديث 4.

(2)- بحار الأنوار 27/ 247 و 22/ 496؛ و مرآة العقول 4/ 339 (ط. القديم 1/ 305).

(3)- قرب الإسناد/ 48، و فيه «و لم يجهّزهم في ثغورهم».

(4)- النهاية لابن الأثير 1/ 292.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 800

و أن لا يخصيهم فيقطع نسلهم، و أن لا يغلق بابه دونهم فيأكل قويّهم ضعيفهم.» (هق، عن أبي أمامة) «1».

[الروايات الواردة في أخلاق أمير المؤمنين ع و الأئمة من بعده في هذا المجال]

32- و في نهج البلاغة من عهد له «ع» إلى محمد بن أبي بكر حين قلّده مصر:

«فاخفض

لهم جناحك و ألن لهم جانبك، و ابسط لهم وجهك، و آس بينهم في اللحظة و النظرة، حتّى لا يطمع العظماء في حيفك لهم، و لا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم، فإنّ اللّه- تعالى- يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم و الكبيرة، و الظاهرة و المستورة فإن يعذّب فأنتم أظلم، و إن يعف فهو أكرم.» «2»

33- و فيه أيضا في كتاب له «ع» إلى بعض عمّاله: «فاستعن باللّه على ما أهمّك، و اخلط الشدّة بضغث من اللين، و ارفق ما كان الرفق أرفق و اعتزم بالشدّة حين لا يغني عنك إلّا الشدة، و اخفض للرعيّة جناحك (و أبسط لهم وجهك) و ألن لهم جانبك و آس بينهم في اللحظة و النظرة، و الإشارة و التحيّة حتّى لا يطمع العظماء في حيفك، و لا ييأس الضعفاء من عدلك، و السلام.» «3»

34- و فيه أيضا من وصية له «ع» لعبد اللّه بن عباس عند استخلافه إيّاه على البصرة: «سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك. و إيّاك و الغضب، فإنّه طيرة من الشيطان.» «4»

أقول: في شرح عبده:

«الطيرة: الفأل الشؤم. و الغضب يتفأل به الشيطان في نيل مأربه من الغضبان.»

35- و فيه أيضا: «أمّا بعد، فإن حقّا على الوالي أن لا يغيّره على رعيّته فضل ناله، و لا طول

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 47، الباب الأول من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14787.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 886؛ عبده 3/ 31؛ لح/ 383، الكتاب 27.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 976؛ عبده 3/ 85؛ لح/ 420، الكتاب 46.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1080؛ عبده 3/ 149؛ لح/ 465، الكتاب 76.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص:

801

خصّ به، و أن يزيده ما قسم اللّه له من نعمه دنوّا من عباده و عطفا على إخوانه. ألا و إن لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرّا إلّا في حرب، و لا أطوي دونكم أمرا إلّا في حكم، و لا أؤخّر لكم حقّا عن محلّه، و لا أقف به دون مقطعه، و ان تكونوا عندي في الحق سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت للّه عليكم النعمة ولي عليكم الطاعة، و أن لا تنكصوا عن دعوة، و لا تفرّطوا في صلاح، و أن تخوضوا الغمرات إلى الحق. الحديث.» «1»

و روى نحوه في البحار عن كتاب الصفين، فراجع «2».

أقول: الطول بالفتح: عظيم النعمة و الفضل. قوله: «و لا أطوي دونكم أمرا إلّا في حكم»، يعني: لا أدع مشاورتكم في الأمور إلّا في حكم صرّح به الشرع، حيث إنّ حكم اللّه هو النافذ.

36- و فيه أيضا في كتابه «ع» لمالك: «و أشعر قلبك الرحمة للرعيّة و المحبّة لهم و اللطف بهم، و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطأ، فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه فإنّك فوقهم، و والي الأمر عليك فوقك، و اللّه فوق من ولّاك، و قد استكفاك أمرهم و ابتلاك بهم، و لا تنصبنّ نفسك لحرب اللّه، فإنّه لا يدي لك بنقمته و لا غنى بك عن عفوه و رحمته، و لا تندمنّ على عفو. و لا تبجحنّ بعقوبة و لا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة، و

لا تقولنّ إنّي مؤمّر آمر فأطاع، فإنّ ذلك إدغال في القلب و منهكة للدين و تقرّب من الغير.» «3»

أقول: يؤتى على أيديهم مبني للمفعول، و على أيديهم نائب للفاعل، و المقصود أن السيئات و الخطايا تأتي على أيديهم. و قوله: لا يدي لك بنقمته، أي لا تقدر على دفعها.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 982؛ عبده 3/ 88؛ لح/ 424، الكتاب 50.

(2)- بحار الأنوار 72/ 354 (طبعة إيران 75/ 354)، كتاب العشرة، باب أحوال الملوك و الأمراء، الحديث 70؛ و كتاب وقعة صفين/ 107.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 993؛ عبده 3/ 93؛ لح/ 427، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 802

بجح به كفرح لفظا و معنى. و البادرة: ما يبدر من الحدّة و الغضب. و المندوحة:

المخلص. و الإدغال: الإفساد. و نهكه: أضعفه. و الغير: حوادث الدهر و تبدّل الدول.

37- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى بعض عمّاله: «أمّا بعد، فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة و قسوة، و احتقارا و جفوة. و نظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، و لا أن يقصوا و يجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدّة، و داول لهم بين القسوة و الرأفة، و امزج لهم بين التقريب و الإدناء، و الإبعاد و الإقصاء، إن شاء اللّه». «1»

38- و فيه أيضا: «و إنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر و يوضع أمرهم على الكبر، و قد كرهت أن يكون جال في ظنّكم انّي أحبّ الإطراء و استماع الثناء، و لست- بحمد اللّه- كذلك، و لو كنت أحبّ أن يقال ذلك لتركته انحطاطا للّه- سبحانه-

عن تناول ما هو أحقّ به من العظمة و الكبرياء، و ربّما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى اللّه و إليكم من التقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بدّ من إمضائها، فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، و لا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، و لا تخالطوني بالمصانعة، و لا تظنّوا بي استثقالا في حقّ قيل لي و لا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ و لا آمن ذلك من فعلي إلّا أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي فإنّما أنا و أنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيره، يملك منّا ما لا نملك من أنفسنا. الحديث.» «2»

39- و فيه أيضا: و قال- عليه السّلام- و قد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار فترجّلوا له و اشتدّوا بين يديه فقال: «ما هذا الذي صنعتموه؟» فقالوا: خلق منّا نعظّم به أمراءنا. فقال «ع»: «و اللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم و إنّكم لتشقّون على أنفسكم في دنياكم، و تشقون به في آخرتكم، و ما أخسر المشقّة وراءها العقاب، و أربح الدعة معها الأمان من

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 869؛ عبده 3/ 21؛ لح/ 376، الكتاب 19.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 686؛ عبده 2/ 226؛ لح/ 334، الخطبة 216.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 803

النار.» «1»

أقول: ترجلوا، أي نزلوا عن خيولهم مشاة. و اشتدوا: أسرعوا. و الدعة:

الراحة.

40- و في فروع الكافي بسنده عن رجل من ثقيف، قال: استعملني علي بن أبي طالب «ع» على بانقيا و سواد من سواد الكوفة، فقال لي و الناس حضور: «انظر خراجك فجدّ فيه و لا تترك منه درهما، فإذا أردت أن تتوجّه إلى عملك فمرّ بي.» قال فأتيته فقال لي: «إنّ الذي سمعت منّي خدعة، إيّاك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج أو تبيع دابّة عمل في درهم، فإنّما أمرنا أن نأخذ منهم العفو.» و رواه عنه في البحار «2».

41- و في أصول الكافي بسنده عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن آبائه- عليهم السّلام-: «أنّ أمير المؤمنين «ع» صاحب رجلا ذمّيا، فقال له الذّميّ: أين تريد يا عبد اللّه؟ فقال: أريد الكوفة، فلمّا عدل الطريق بالذمّي عدل معه أمير المؤمنين «ع» فقال له الذميّ: أ لست زعمت أنّك تريد الكوفة؟ فقال له: بلى. فقال له الذميّ: فقد تركت الطريق، فقال له: قد علمت. قال: فلم عدلت معي و قد علمت ذلك؟ فقال له أمير المؤمنين «ع»: هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، و كذلك أمرنا نبيّنا «ص». فقال له الذميّ: هكذا قال؟ قال: نعم. قال الذميّ: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك أنّي على دينك. و رجع الذميّ مع أمير المؤمنين «ع»، فلمّا عرفه أسلم.» «3»

42- و فيه أيضا بسنده عن عبد اللّه بن القدّاح، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«دخل رجلان على أمير المؤمنين «ع» فألقى لكل واحد منهما و سادة فقعد عليها أحدهما و أبى الآخر.

فقال أمير المؤمنين «ع»: اقعد عليها، فإنّه لا يأبى الكرامة

إلّا حمار. ثمّ قال: قال رسول اللّه «ص»:

إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.» «4»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1104؛ عبده 3/ 160؛ لح/ 475، الحكمة 37.

(2)- فروع الكافي 3/ 540، (ط. القديم 1/ 152)، كتاب الزكاة، باب أدب المصدق، الحديث 8؛ و في بحار الأنوار 41/ 128، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 107 (باب جوامع مكارم أخلاقه)، الحديث 37.

(3)- أصول الكافي 2/ 670، كتاب العشرة، باب حسن الصحابة و حق الصاحب في السفر، الحديث 5.

(4)- أصول الكافي 2/ 659، كتاب العشرة، باب إكرام الكريم، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 804

43- و في المناقب عن مختار التمار، عن أبي مطر البصري «أنّ أمير المؤمنين «ع» مرّ بأصحاب التمر فإذا هو بجارية تبكي، فقال: يا جارية، ما يبكيك؟ فقالت: بعثني مولاي بدرهم فابتعت من هذا تمرا فأتيتهم به فلم يرضوه، فلمّا أتيته به أبى أن يقبله. قال: يا عبد اللّه، إنّها خادم و ليس لها أمر فاردد إليها درهمها و خذ التمر. فقام إليه الرجل فلكزه. فقال الناس: هذا أمير المؤمنين «ع». فربا الرجل و اصفرّ و أخذ التمر و ردّ إليها درهمها ثمّ قال: يا أمير المؤمنين ارض عنّي. فقال: ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك.

و في فضائل أحمد: إذا وفيت الناس حقوقهم.

و دعا «ع» غلاما له مرارا فلم يجبه، فخرج فوجده على باب البيت فقال:

ما حملك على ترك إجابتي؟ قال: كسلت عن إجابتك و أمنت عقوبتك. فقال: الحمد للّه الذي جعلني ممّن يأمنه خلقه. امض فأنت حرّ لوجه اللّه ...

و كان عليّ «ع» في صلاة الصبح فقال ابن الكواء من خلفه: «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ

لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ.» «1» فأنصت عليّ «ع» تعظيما للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمّ عاد في قراءته، ثمّ أعاد ابن الكوّاء الآية فانصت عليّ «ع» أيضا ثمّ قرأ، ثمّ أعاد ابن الكوّاء فأنصت عليّ «ع» ثمّ قال:

«فاصبر، إنّ وعد اللّه حقّ، و لا يستخفّنك الذين لا يوقنون.» ثمّ أتمّ و ركع ...

و جاء أبو هريرة- و كان يتكلّم فيه و أسمعه في اليوم الماضي- و سأله حوائجه فقضاها فعاتبه أصحابه على ذلك، فقال: إنّي لأستحي أن يغلب جهله علمي، و ذنبه عفوي، و مسألته جودي.» و رواه عنه في البحار «2».

أقول: اللكز: الضرب بجمع الكف. و الربو و الربوة: انتفاخ الجوف و علّة تحدث في الرئة فتصيّر النفس صعبا. و ابن الكوّاء كان من رؤساء الخوارج و اسمه عبد اللّه.

______________________________

(1)- سورة الزمر (39)، الآية 65.

(2)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 379؛ و بحار الأنوار 41/ 48، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 104 (باب حسن خلقه)، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 805

44- و في المناقب أيضا عن العقد و نزهة الأبصار: «و أسر مالك الأشتر يوم الجمل مروان بن الحكم فعاتبه «ع» و أطلقه. و قالت عائشة يوم الجمل: ملكت فأسجح «1»، فجهّزها أحسن الجهاز و بعث معها بتسعين امرأة أو سبعين. و استأمنت لعبد اللّه بن الزبير على لسان محمد بن أبي بكر فآمنه و آمن منعه سائر الناس. و جي ء بموسى بن طلحة بن عبيد اللّه فقال له: قل: أستغفر اللّه و أتوب إليه ثلاث مرّات، و خلّى سبيله و قال: اذهب حيث شئت، و ما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو

كراع فخذه و اتّق اللّه فيما تستقبله من أمرك و اجلس في بيتك.» و رواه عنه في البحار «2».

45- و في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي:

«و قد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلمّا ظفر بها أكرمها، و بعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء عبد القيس عمّمهنّ بالعمائم، و قلّدهنّ بالسيوف. فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، و تأفّفت و قالت: هتك ستري برجاله و جنده الذين وكّلهم بي، فلمّا وصلت المدينة ألقى النساء عمائمهنّ و قلن لها: إنّما نحن نسوة.

و حاربه أهل البصرة، و ضربوا وجهه و وجوه أولاده بالسيوف و شتموه و لعنوه، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم و نادى مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبع مولّ و لا يجهز على جريح و لا يقتل مستأسر، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من تحيّز إلى عسكر الإمام فهو آمن.

و لم يأخذ أثقالهم و لا سبى ذراريهم، و لا غنم شيئا من أموالهم، و لو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل، و لكنّه أبى إلّا الصفح و العفو، و تقيّل سنّة رسول اللّه «ص» يوم فتح مكّة، فإنّه عفا و الأحقاد لم تبرد و الإساءة لم تنس.» «3»

______________________________

(1)- أسجح الوالي: أحسن العفو.

(2)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 381؛ و بحار الأنوار 41/ 50، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، باب حسن خلقه، الحديث 2.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/ 23.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 806

أقول: تقيّل أباه: أشبهه.

46- و في أنساب الأشراف للبلاذري في أمر وقعة النهروان: «و كان عليّ «ع» يقول: إنّا لا نمنعهم الفي ء و لا

نحول بينهم و بين دخول مساجد اللّه و لا نهيّجهم ما لم يسفكوا دما و ما لم ينالوا محرّما.» «1»

47- و في مصنف ابن أبي شيبة بسنده عن كثير بن نمر، قال: بينا أنا في الجمعة و علي بن أبي طالب على المنبر إذ جاء رجل فقال: لا حكم إلّا للّه، ثمّ قام آخر فقال: لا حكم إلّا للّه، ثمّ قاموا من نواحي المسجد يحكّمون اللّه. فأشار عليهم بيده: اجلسوا. نعم، لا حكم إلّا للّه، كلمة حقّ يبتغي بها باطل، حكم اللّه ينتظر فيكم. ألا إنّ لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه، و لا نمنعكم فيئا ما كانت أيديكم مع أيدينا، و لا نقاتلكم حتّى تقاتلوا. ثمّ أخذ في خطبته.» «2»

و رواه عنه البيهقي في سننه. و روى البيهقي قريبا من ذلك أيضا عن الشافعي، عن عليّ، فراجع «3».

48- و في الوسائل عن قرب الإسناد بسنده عن مسعدة بن زياد، عن جعفر، عن أبيه «ع» أنّ عليّا «ع» لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك و لا إلى النفاق، و لكنه كان يقول: «هم إخواننا بغوا علينا.» «4»

قال في الوسائل: «هذا محمول على التقية.»

أقول: و وجهه غير واضح، فإنّ الظاهر أنّ أمير المؤمنين «ع» كان يعاملهم معاملة المسلمين.

49- و روى قريبا من هذه الرواية ابن أبي شيبة في مصنّفه، فروى بسنده عن

______________________________

(1)- أنساب الأشراف 2/ 359.

(2)- مصنف ابن أبي شيبة 15/ 327، كتاب الجمل، الحديث 19776.

(3)- سنن البيهقي 8/ 184، كتاب قتال أهل البغي، باب القوم يظهرون رأى الخوارج ...

(4)- الوسائل 11/ 62، الباب 26 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 10.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 807

أبي البختري قال: سئل عليّ عن أهل الجمل، قال: قيل: أ مشركون هم؟ قال: من الشرك فرّوا. قيل: أ منافقون هم؟ قال: إنّ المنافقين لا يذكرون اللّه إلّا قليلا. قيل:

فما هم؟ قال: إخواننا بغوا علينا. «1»

أقول: فانظر إلى سعة صدر أمير المؤمنين إمام المسلمين و أنه كيف كان يحتمل مخالفيه و أهل حربه و أنه كان يواجههم بالصفح و العفو و حسن العبارة.

50- و في المناقب عن زاذان: أنّه «ع» كان يمشي في الأسواق وحده و هو ذاك يرشد الضّال و يعين الضعيف و يمرّ بالبيّاع و البقال فيفتح عليه القرآن و يقرأ: تلك الدار الآخرة نجعلها ... «2»

51- و في كنز العمّال عن ابن عساكر، عن زاذان، عن عليّ «ع» أنّه كان يمشي في الأسواق وحده و هو وال يرشد الضالّ و ينشد الضالّ و يعين الضعيف و يمرّ بالبيّاع و البقّال فيفتح عليه القرآن و يقرأ: «تِلْكَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا لِلَّذِينَ لٰا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لٰا فَسٰاداً» «3»، و يقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل و التواضع من الولاة و أهل القدرة من سائر الناس «4».

52- و في كتاب الجمل للشيخ المفيد عن الواقدي، عن رجاله، قال: لما أراد أمير المؤمنين «ع» الخروج من البصرة استخلف عليها عبد اللّه بن عباس و وصّاه و كان في وصيته له أن قال: «يا ابن عباس، عليك بتقوى اللّه و العدل بمن ولّيت عليه و أن تبسط للناس وجهك و توسّع عليهم مجلسك و تسعهم بحلمك. و إيّاك و الغضب، فإنّه طيرة الشيطان. و إيّاك و الهوى، فإنّه يصدّك عن سبيل اللّه. و اعلم

أن ما قرّبك من اللّه فهو مباعدك من النار، و ما باعدك من اللّه فمقرّبك من النار. و اذكر اللّه كثيرا و لا تكن من الغافلين.» و قد مرّ نحوه عن نهج البلاغة «5».

______________________________

(1)- مصنف ابن أبي شيبة 15/ 256، كتاب الجمل، الحديث 19609.

(2)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 372.

(3)- سورة القصص (28)، الآية 83.

(4)- كنز العمال 13/ 180، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36538.

(5)- كتاب الجمل/ 223؛ و نهج البلاغة، فيض/ 1080؛ عبده 3/ 149؛ لح/ 465، الكتاب 76.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 808

53- و في الوسائل عن الشهيد الثاني في رسالة الغيبة بسنده عن النوفلي، قال كنت عند جعفر بن محمد الصادق «ع» فإذا بمولى لعبد اللّه النجاشي قد ورد عليه فسلّم و أوصل إليه كتابه ففضّه و قرأه و إذا أوّل سطر فيه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم (إلى أن قال): إنّي بليت بولاية الأهواز فإن رأى سيدي و مولاي أن يحدّ لي حدّا أو يمثّل لي مثالا ...

فأجابه أبو عبد اللّه «ع»: بسم اللّه الرحمن الرحيم ... و اعلم أنّي سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلّصت ممّا أنت متخوّفه، و اعلم أنّ خلاصك ممّا بك (و نجاتك خ. ل) من حقن الدماء و كفّ الأذى عن أولياء اللّه، و الرفق بالرّعيّة، و التأنّي و حسن المعاشرة مع لين في غير ضعف، و شدّة في غير عنف، و مداراة صاحبك، و من يرد عليك من رسله، و ارتق فتق رعيّتك بأن توقفهم على ما وافق الحقّ و العدل إن شاء اللّه. و إيّاك و السعاة و أهل النمائم، فلا يلتزقنّ بك أحد

منهم. و لا يراك اللّه يوما و ليلة و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا فيسخط اللّه عليك ...» و الحديث طويل، فراجع «1».

54- و في تحف العقول عن الإمام الصادق «ع»: «أفضل الملوك من أعطي ثلاث خصال: الرأفة، و الجود، و العدل. و ليس يحبّ للملوك أن يفرّطوا في ثلاث: في حفظ الثغور، و تفقّد المظالم، و اختيار الصالحين لأعمالهم ... ثلاثة تجب على السلطان للخاصّة و العامّة: مكافأة المحسن بالإحسان ليزدادوا رغبة فيه، و تغمّد ذنوب المسي ء ليتوب و يرجع عن غيّه، و تألّفهم جميعا بالإحسان و الإنصاف.» «2»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 2، ص: 808

55- و في أصول الكافي بسند صحيح عن معاوية بن وهب، قال: قلت له:

كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا و بين قومنا و بين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟ قال: «تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فو اللّه إنّهم ليعودون مرضاهم و يشهدون جنائزهم و يقيمون الشهادة لهم و عليهم و يؤدّون الأمانة إليهم.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 150- 152، الباب 49 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1، عن رسالة الغيبة/ 122.

(2)- تحف العقول/ 319.

(3)- أصول الكافي 2/ 636، كتاب العشرة، باب ما يجب من المعاشرة، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 809

56- و فيه أيضا بسند صحيح عن معاوية بن وهب أيضا، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا و بين قومنا

و فيما بيننا و بين خلطائنا من الناس؟ قال: فقال: «تؤدّون الأمانة إليهم و تقيمون الشهادة لهم و عليهم و تعودون مرضاهم و تشهدون جنائزهم.» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، فراجع.

أقول: و قد عثرت بعد جمع هذه الروايات و تنظيمها على رواية لها نظر إلى مضمون روايتي مسعدة و أبي البختري (الرقم 48 و 49)، فلنتعرّض لها هنا استدراكا، و هي ما رواه العيّاشي في تفسير سورة الأعراف بسنده، قال: «جاء رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسين «ع» فقال: أنت علي بن الحسين؟ قال: نعم. قال: أبوك الّذي قتل المؤمنين؟ فبكى علي بن الحسين «ع» ثم مسح عينيه فقال: ويلك! كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟ قال: قوله: إخواننا قد بغوا علينا، فقاتلناهم على بغيهم.

فقال: ويلك! أما تقرأ القرآن؟ قال بلى. قال: فقد قال اللّه: «وَ إِلىٰ مَدْيَنَ أَخٰاهُمْ شُعَيْباً»، «وَ إِلىٰ ثَمُودَ أَخٰاهُمْ صٰالِحاً»؛ فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟ قال له الرجل: لا، بل في عشيرتهم. قال: فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم، و ليسوا إخوانهم في دينهم. قال:

فرّجت عنّي، فرج اللّه عنك.» «2»

______________________________

(1)- أصول الكافي 2/ 635، كتاب العشرة، باب ما يجب من المعاشرة، الحديث 2.

(2)- تفسير العيّاشيّ 2/ 20. و الآية الأولى في سور الأعراف (7)، الرقم 85، و هود (11)، الرقم 84، و العنكبوت (29)، الرقم 36؛ و الآية الثانية في سورة هود (11)، الرقم 61.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 811

الفصل الثاني في أنه على الإمام أن لا يحتجب عن رعيته

1- في البحار عن عيون أخبار الرضا بسنده عن الحسين بن علي «ع»، عن أبيه في وصف النبيّ «ص»: «إذا آوى إلى منزلة جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء:

جزء للّه، و جزء لأهله، و جزء لنفسه. ثم جزأ جزءه بينه و بين الناس فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة، و لا يدّخر عنهم منه شيئا. و كان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، و منهم ذو الحاجتين، و منهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم و يشغلهم فيما أصلحهم و الأمّة: من مسألته عنهم، و إخبارهم بالذي ينبغي، و يقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته، فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة. الحديث» «1»

و روى نحوه في كنز العمّال عن هند بن أبي هالة، فراجع «2».

قال المجلسي في البحار:

______________________________

(1)- بحار الأنوار 16/ 150، تاريخ نبيّنا «ص» باب أوصافه ...، الحديث 4.

(2)- كنز العمال 7/ 163، كتاب الشمائل من قسم الأفعال، باب في حليته «ص»، الحديث 18535.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 812

«قوله «يردّ ذلك بالخاصة على العامّة»، معناه أنّه كان يعتمد في هذه الحال على أنّ الخاصّة يرفع إلى العامّة علومه و آدابه و فوائده. و فيه قول آخر: فيردّ ذلك بالخاصّة على العامّة أن يجعل المجلس للعامّة بعد الخاصّة.»

2- و في نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك: «و أمّا بعد، فلا تطولنّ احتجابك عن رعيّتك، فإنّ احتجاب الولاة عن الرعيّة شعبة من الضيق و قلّة علم بالأمور، و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، و يعظم الصغير، و يقبح الحسن، و يحسن القبيح و يشاب الحق بالباطل، و إنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى

عنه الناس به من الأمور، و ليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب، و إنّما أنت أحد رجلين: إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ، ففيم احتجابك؟ من واجب حقّ تعطيه، أو فعل كريم تسديه؟ أو مبتلى بالمنع. فما أسرع كفّ الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك. مع أنّ أكثر حاجات الناس إليك ممّا لا مئونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.» «1»

و روى نحوه في كنز العمال عن ابن عساكر و الدينوري، فراجع «2».

3- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى قثم بن العباس، و هو عامله على مكة:

«أمّا بعد، فأقم للناس الحج، و ذكّرهم بأيام اللّه، و اجلس لهم العصرين، فأفت المستفتي، و علّم الجاهل، و ذاكر العالم، و لا يكن لك إلى الناس سفير إلّا لسانك، و لا حاجب إلّا وجهك، و لا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها، فإنّها إن ذيدت عن أبوابك في أوّل وردها لم تحمد فيما بعد على قضائها.» «3»

أقول: العصران: الغداة و العشى. إن ذيدت، أي دفعت الحاجّة. و الورد بالكسر: الورود.

4- و في البحار عن أمالي الصدوق بسنده عن الصادق «ع»، قال: «من تولّى أمرا من أمور الناس فعدل، و فتح بابه و رفع شرّه، و نظر في أمور الناس كان حقّا على اللّه- عزّ و جلّ-

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1024؛ عبده 3/ 114؛ لح/ 441، الكتاب 53.

(2)- كنز العمال 13/ 185، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36553.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1062؛ عبده 3/ 140؛ لح/ 457، الكتاب 67.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 813

أن يؤمن روعته يوم

القيامة و يدخله الجنة» «1»

5- و فيه أيضا عن الخصال بسنده عن هشام بن معاذ، قال: «دخل الباقر «ع» على عمر بن عبد العزيز فوعّظه و كان فيما وعّظه: يا عمر افتح الأبواب، و سهّل الحجاب، و انصر المظلوم، و ردّ المظالم.» «2»

6- و فيه أيضا عن ثواب الأعمال بسنده عن ابن نباتة، عن أمير المؤمنين «ع»، قال: «أيّما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب اللّه يوم القيامة عن حوائجه، و إن أخذ هدية كان غلولا، و إن أخذ رشوة فهو مشرك.» «3»

7- و في مسند أحمد بسنده عن عمرو بن مرّة الجهني أنّه قال لمعاوية: يا معاوية، إنّي سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «ما من إمام أو وال يغلق بابه دون ذوي الحاجة و الخلّة و المسكنة إلّا أغلق اللّه- عزّ و جلّ- أبواب السماء دون حاجته و خلّته و مسكنته.» «4»

8- و في كنز العمّال: «من ولّاه اللّه شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم و خلّتهم و فقرهم احتجب اللّه عنه يوم القيامة دون حاجته و خلّته و فقره.» (د و ابن سعد و البغوي، عن أبي مريم الأزدي) «5»

9- و فيه أيضا: «من ولي من أمر المسلمين شيئا فاحتجب عن ضعفة المسلمين و أولي الحاجة

______________________________

(1)- بحار الأنوار 72/ 340 (طبعة إيران 75/ 340)، كتاب العشرة، الباب 81 (باب أحوال الملوك و الأمراء)، الحديث 18.

(2)- بحار الأنوار 72/ 344 (طبعة إيران 75/ 344)، كتاب العشرة، باب الأحوال الملوك و الأمراء، الحديث 36.

(3)- بحار الأنوار 72/ 345 (طبعة إيران 75/ 345)، كتاب العشرة، باب أحوال الملوك و الأمراء، الحديث 42.

(4)- مسند أحمد 4/ 231.

(5)- كنز العمال 6/ 35، الباب الأوّل من كتاب

الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14739، و نحوه الحديث 14740 و غيره.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 814

احتجب اللّه عنه يوم القيامة.» (حم طب، عن معاذ) «1».

10- و فيه أيضا عن علي «ع»، قال: «ثلاثة من كنّ فيه من الأئمة صلح أن يكون إماما اضطلع بأمانته: إذا عدل في حكمه، و لم يحتجب دون رعيّته، و أقام كتاب اللّه- تعالى- في القريب و البعيد.» (الديلمي) «2»

11- و في مسند زيد عن علي «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أيّما وال احتجب من حوائج الناس احتجب اللّه منه يوم القيامة.» «3»

و بالجملة، فمقتضى هذه الأخبار أنّ على الإمام أن لا يحتجب عن رعيّته بالكلّيّة، و الرّعيّة عامّة تشمل جميع طبقات المجتمع اللّهم إلّا أن يكون هناك مانع خاصّ و شرائط خاصّة كما يستفاد من بعض الأخبار، فراجع.

أقول: و يناسب هنا نقل كلامين في هذا الباب عن الخليفة الثاني:

ففي المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود:

«أن عمر بن الخطاب كان إذا بعث عمّاله شرط عليهم أن لا تركبوا برذونا و لا تأكلوا نقيّا، و لا تلبسوا رقيقا، و لا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس. فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلّت بكم العقوبة.» قال: ثم شيّعهم فإذا أراد أن يرجع قال:

«إني لم أسلّطكم على دماء المسلمين و لا على أعراضهم و لا على أموالهم، و لكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة و تقسّموا فيئهم و تحكموا بينهم بالعدل، فإن أشكل عليكم شي ء فارفعوه إليّ ...» «4»

و في كنز العمال عن إبراهيم، قال:

______________________________

(1)- كنز العمال 6/ 36، الباب 1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال، الحديث 14742.

(2)- كنز العمال 5/

764، الباب 2 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14315.

(3)- مسند زيد/ 323، كتاب السير، باب طاعة الإمام.

(4)- المصنف 11/ 324، باب الإمام راع، الحديث 20662.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 815

كان عمر إذا استعمل عاملا فقدم إليه الوفد من تلك البلاد قال: كيف أميركم أ يعود المملوك؟ أ يتبع الجنازة؟ كيف بابه؟ أ ليّن هو؟ فإن قالوا: بابه ليّن و يعود المملوك تركه و إلّا بعث إليه ينزعه. (هناد) «1»

______________________________

(1)- كنز العمال 5/ 770، الباب 2 من كتاب الخلافة مع الإمارة من قسم الأفعال، الحديث 14336.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 817

الفصل الثالث في سيرة الإمام في مطعمه و ملبسه و إعراضه عن الدنيا و زخارفها

[ما في نهج البلاغة في هذا المجال]

1- ففي نهج البلاغة: «و كذلك من عظمت الدنيا في عينه و كبر موقعها في قلبه آثرها على اللّه فانقطع إليها و صار عبدا لها. و قد كان في رسول اللّه «ص» كاف لك في الأسوة، و دليل لك على ذمّ الدنيا و عيبها، و كثرة مخازيها و مساويها، إذ قبضت عنه أطرافها و وطّئت لغيره أكنافها، و فطم عن رضاعها، و زوي عن زخارفها.

و إن شئت ثنيت بموسى كليم اللّه «ص» إذ يقول: «ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير.» و اللّه ما سأله إلّا خبزا يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض. و لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله و تشذّب لحمه.

و إن شئت ثلثت بداود «ص» صاحب المزامير، و قارئ أهل الجنة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده و يقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها؟ و يأكل قرص الشعير من ثمنها.

و إن شئت قلت في عيسى ابن مريم «ع»، فلقد كان يتوسّد الحجر

و يلبس الخشن، و يأكل الجشب، و كان إدامه الجوع و سراجه بالليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها، و فاكهته و ريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، و لم تكن له زوجة تفتنه، و لا ولد يحزنه، و لا مال يلفته، و لا طمع يذلّه، دابّته رجلاه و خادمه يداه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 818

فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر «ص»، فإنّ فيه أسوة لمن تأسّى، و عزاء لمن تعزّى. و أحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه و المقتصّ لأثره، قضم الدنيا قضما، و لم يعرها طرفا، أهضم أهل الدنيا كشحا، و أخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، و علم أنّ اللّه- سبحانه- أبغض شيئا فأبغضه، و حقّر شيئا فحقّره، و صغّر شيئا فصغّره. و لو لم يكن فينا إلّا حبّنا ما أبغض اللّه و رسوله، و تعظيمنا ما صغّر اللّه و رسوله، لكفى به شقاقا للّه و محادّة عن أمر اللّه.

و لقد كان «ص» يأكل على الأرض، و يجلس جلسة العبد، و يخصف بيده نعله، و يرقع بيده ثوبه و يركب الحمار العاري و يردف خلفه، و يكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول:

يا فلانة- لإحدى أزواجه- غيّبيه عنّي، فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا و زخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، و أمات ذكرها من نفسه و أحبّ أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتّخذ منها رياشا و لا يعتقدها قرارا، و لا يرجو فيها مقاما، فأخرجها من النفس، و أشخصها عن القلب، و غيّبها عن البصر. و كذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، و أن يذكر عنده.

و لقد

كان في رسول اللّه «ص» ما يدلّك على مساوي الدنيا و عيوبها، إذ جاع فيها مع خاصّته، و زويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته. فلينظر ناظر بعقله، أكرم اللّه محمدا «ص» بذلك أم أهانه؟

فإن قال: «أهانه» فقد كذب و أتى بالإفك العظيم. و إن قال: «أكرمه» فليعلم أن اللّه قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له، و زواها عن أقرب الناس منه، فتأسّى متأسّ بنبيّه و اقتصّ أثره، و ولج مولجه، و إلّا فلا يأمن الهلكة، فإنّ اللّه جعل محمّدا «ص» علما للساعة، و مبشرا بالجنّة، و منذرا بالعقوبة، خرج من الدنيا خميصا، و ورد الآخرة سليما، لم يضع حجرا على حجر حتّى مضى لسبيله، و أجاب داعي ربّه. فما أعظم منّة اللّه عندنا حين أنعم علينا به سلفا نتبعه، و قائدا نطأ عقبه.

و اللّه لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها. و لقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟

فقلت: اغرب عنّى فعند الصباح يحمد القوم السّرى.» «1»

أقول: الاسوة بالضم و بالكسر: القدوة. المخازي جمع مخزاة: ما يستحى من ذكره

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 505؛ عبده 2/ 72؛ لح/ 226، الخطبة 160.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 819

لقبحه. و المساوي: العيوب. الأكناف: الجوانب و الأطراف. زوي: قبض. شفّ الثوب شفّا و شفيفا: رقّ فحكى ما تحته. الصفاق ككتاب: جلد البطن. الهزال بالضم: نقيض السمن. التشذّب: التفرّق و انهضام اللحم. و مزامير داود: ما كان يتغنّى به من الزبور و الأدعية. السفائف جمع السفيفة: النسيجة. الخوص: بالضمّ:

ورق النخل. الجشب: الخشن الغليظ السي ء المأكل. الظلال جمع الظلّ: الماوى و الكنّ. القضم: الأكل بأطراف الأسنان بحيث لم يملأ بالشي ء فمه و كأنّه

لم يأكله.

لم يعرها طرفا، أي لم يعطها النظر على وجه العارية فكيف بأن يجعلها مطمح نظره.

و الهضم: خلوّ البطن من الجوع. و الكشح: الخاصرة فما دونها. خصف النعل:

خرزها. الرياش: اللباس الفاخر. أشخصها: أبعدها. و المدرعة: ثوب من صوف.

و السّرى بالضمّ: السير في الليل. و الستر الذي فيه تصاوير كان على باب عائشة، كما في كنز العمال عن ابن عساكر عن عروة، قال: «كان على باب عائشة ستر فيه تصاوير فقال النبيّ «ص»: «يا عائشة أخّري هذا، فإنّي إذا رأيته ذكرت الدنيا.» «1» هذا.

فليتأمّل في هذه الخطبة الشريفة قادة المسلمين و من جعل نفسه إماما لهم، فليتأسّوا بأنبياء اللّه و بالنبيّ الأكرم في سيرتهم و لا يغترّوا بزينة الدنيا و زخارفها ليجزيهم اللّه- تعالى- بذلك من درجات الآخرة و نعيمها مع أنبيائه و أوليائه.

2- و فيه أيضا في الخطبة القاصعة: «فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه لخاصّة أنبيائه و أوليائه، و لكنّه- سبحانه- كرّه إليهم التكابر، و رضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، و عفّروا في التراب وجوههم، و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين، و كانوا أقواما مستضعفين، و قد اختبرهم اللّه بالمخمصة و ابتلاهم بالمجهدة، و امتحنهم بالمخاوف، و مخضهم بالمكاره. فلا تعتبروا الرضا و السخط بالمال و الولد جهلا بمواقع الفتنة و الاختبار، في مواضع الغنى و الاقتدار (الإقتار خ. ل)، و قد قال اللّه- سبحانه و تعالى-: «أَ يَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مٰالٍ وَ بَنِينَ* نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرٰاتِ، بَلْ لٰا يَشْعُرُونَ.» «2» فإنّ اللّه- سبحانه- يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم.

______________________________

(1)- كنز العمال 7/ 186، كتاب الشمائل من قسم الأفعال، باب شمائل الأخلاق، الحديث 18604.

(2)- سورة

المؤمنين (23)، الآية 55 و 56.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 820

و لقد دخل موسى بن عمران و معه أخوه هارون- عليهما السلام- على فرعون و عليهما مدارع الصوف و بأيديهما العصيّ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه و دوام عزّه، فقال: «ألا تعجبون من هذين؟ يشرطان لي دوام العزّ و بقاء الملك و هما بما ترون من حال الفقر و الذل، فهلّا ألقي عليهما أساور من ذهب؟!» إعظاما للذهب و جمعه و احتقارا للصوف و لبسه.

و لو أراد اللّه- سبحانه- لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان و معادن العقيان و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرض لفعل. و لو فعل لسقط البلاء، و بطل الجزاء و اضمحلت الأنباء، و لما وجب للقابلين أجور المبتلين، و لا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، و لا لزمت الأسماء معانيها، و لكن اللّه- سبحانه- جعل رسله أولي قوة في عزائمهم و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى، و خصاصة تملأ الأبصار و الأسماع أذى.» «1».

[ما ورد من سائر الأئمة ع في هذا المجال]

3- و في البحار عن أمالي الصدوق بسند صحيح، عن العيص بن القاسم، قال:

قلت للصادق جعفر بن محمد «ع»: حديث يروى عن أبيك «ع» أنّه قال: «ما شبع رسول اللّه «ص» من خبز برّ قطّ.» أ هو صحيح؟ فقال: «لا، ما أكل رسول اللّه «ص» خبز برّ قطّ و لا شبع من خبز شعير قطّ.» «2»

4- و فيه عن الأمالي، عن أمير المؤمنين «ع» قال: «كان فراش رسول اللّه «ص» عباءة و كانت مرفقته ادم حشوها ليف، فثنّيت له ذات ليلة فلما أصبح قال: لقد

منعني الفراش الليلة الصلاة. فأمر «ص» أن يجعل بطاق واحد.» «3»

5- و فيه أيضا عن قرب الإسناد بسنده، عن جعفر، عن أبيه «ع» أنّ رسول اللّه «ص» لم يورّث دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا وليدة و لا شاة و لا بعيرا. و لقد قبض «ص» و إن درعه مرهونة عند يهوديّ من يهود المدينة بعشرين صاعا من شعير استلفها نفقة لأهله.» «4»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 789؛ عبده 2/ 167؛ لح/ 290، الخطبة 192.

(2)- بحار الأنوار 16/ 216، تاريخ نبيّنا «ص»، الباب 9 (باب مكارم أخلاقه ...)، الحديث 4.

(3)- بحار الأنوار 16/ 217، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه ...، الحديث 5.

(4)- بحار الأنوار 16/ 219، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 821

6- و فيه أيضا عن الكافي بسنده عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إيّاك أن تطمح نفسك إلى من فوقك، و كفى بما قال اللّه- عزّ و جلّ- لرسول اللّه «ص»: «فَلٰا تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَ لٰا أَوْلٰادُهُمْ.» «1» و قال اللّه- عزّ و جلّ- لرسوله: «وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا.» «2» فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول اللّه «ص»، فإنّما كان قوته الشعير و حلواه التمر و وقوده السعف إذا وجد.» «3»

7- و فيه أيضا بسنده عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه، قال: «إنّ النبيّ «ص» كان قوته الشعير من غير ادم.» «4»

8- و فيه أيضا عن عيون أخبار الرضا بأسانيده، عن الرضا «ع»، عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أتاني ملك فقال: يا محمد،

إنّ ربّك يقرئك السلام و يقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهبا، قال: فرفع رأسه إلى السماء و قال: يا ربّ، أشبع يوما فأحمدك، و أجوع يوما فأسألك.» «5»

9- و فيه أيضا عن محاسن البرقي بسنده، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول اللّه «ص» يأكل أكل العبد، و يجلس جلوس العبد، و يعلم أنه عبد.»

و رواه أيضا عن الكافي، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّه «ع» «6».

10- و فيه أيضا عن المحاسن بسنده، عن جابر، عن أبي جعفر «ع»، قال:

«كان رسول اللّه «ص» يأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و كان يأكل على الحضيض، و ينام على الحضيض.»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 55.

(2)- سورة طه (20)، الآية 131.

(3)- بحار الأنوار 16/ 280، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 120.

(4)- بحار الأنوار 16/ 281، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 125.

(5)- بحار الأنوار 16/ 220، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 12.

(6)- بحار الأنوار 16/ 225 و 262، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 29 و 52.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 822

و رواه أيضا عن الكافي، عن جابر عنه «ع» «1».

11- و في أصول الكافي بسند صحيح عن حميد و جابر، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «إنّ اللّه جعلني إماما لخلقه، ففرض عليّ التقدير في نفسي و مطعمي و مشربي و ملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري و لا يطغى الغني غناه.» «2»

12- و فيه أيضا بسند صحيح عن المعلّى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» يوما جعلت فداك ذكرت آل فلان

و ما هم فيه من النعيم فقلت: لو كان هذا إليكم لعشنا معكم. فقال «ع»: «هيهات يا معلّى، أما و اللّه إن لو كان ذاك ما كان إلّا سياسة الليل و سياحة النهار و لبس الخشن و أكل الجشب فزوي ذلك عنّا. فهل رأيت ظلامة قطّ صيّرها اللّه نعمة إلّا هذه؟» «3»

13- و في البحار عن غيبة النعماني بسنده عن المفضّل، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» بالطواف، فنظر إليّ و قال لي: يا مفضل، مالي أراك مهموما متغيّر اللون؟ قال: فقلت له: جعلت فداك نظري إلى بني العباس و ما في أيديهم من هذا الملك و السلطان و الجبروت، فلو كان ذلك لكم لكنا فيه معكم، فقال: «يا مفضّل، أما لو كان ذلك لم يكن إلّا سياسة الليل، و سياحة النهار و أكل الجشب و لبس الخشن، شبه أمير المؤمنين، و إلّا فالنار، فزوي ذلك عنّا فصرنا نأكل و نشرب. و هل رأيت ظلامة جعلها اللّه نعمة مثل هذا؟» «4»

14- و فيه أيضا عن غيبة النعماني بسنده عن عمرو بن شمر، قال: كنت عند أبي عبد اللّه في بيته و البيت غاصّ بأهله ... فقال: «لا تبك يا عمرو، نأكل أكثر الطيب و نلبس اللين و لو كان الذي تقول لم يكن إلّا أكل الجشب و لبس الخشن، مثل أمير المؤمنين علي بن أبي

______________________________

(1)- بحار الأنوار 16/ 225 و 262، تاريخ نبيّنا «ص»، باب مكارم أخلاقه، الحديث 30 و 55.

(2)- أصول الكافي 1/ 410، كتاب الحجّة، باب سيرة الإمام ...، الحديث 1.

(3)- أصول الكافي 1/ 410، كتاب الحجّة باب سيرة الإمام ...، الحديث 2.

(4)- بحار الأنوار 52/ 359، تاريخ الإمام الثاني عشر

«ع»، الباب 27 (باب سيره و أخلاقه ...)، الحديث 127.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 823

طالب «ع»، و إلّا فمعالجة الأغلال في النار.» «1»

[بعض ما ورد من سيرة عليّ ع في هذا المجال]

15- و في أصول الكافي أيضا بسند صحيح عن حماد بن عثمان، قال: حضرت أبا عبد اللّه «ع» و قال له رجل: أصلحك اللّه ذكرت أنّ علي بن أبي طالب «ع» كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك، و نرى عليك اللباس الجديد. فقال له: «إنّ علي بن أبي طالب «ع» كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه، و لو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا أهل البيت- عليهم السلام- إذا قام لبس ثياب عليّ «ع» و سار بسيرة عليّ «ع».» «2»

أقول: الظاهر عدم معارضة هذه الرواية لغيرها، إذ لا منافاة بين لزوم رعاية أوضاع الزمان و مقدوراته و تعارفاته و بين لزوم تقدير الإمام نفسه بأضعف أهل زمانه، فتأمّل. و لعلّه يوجد الفرق بين الإمام المبسوط اليد و بين غيره أيضا.

16- و فيه أيضا: «علي بن محمد عن صالح بن أبي حمّاد، و عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، و غيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين «ع» على عاصم بن زياد حين لبس العباء و ترك الملاء و شكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين «ع» أنّه قد غمّ أهله و أحزن ولده بذلك. فقال أمير المؤمنين «ع»: عليّ بعاصم بن زياد. فجي ء به، فلما رآه عبس في وجهه، فقال له: أما استحييت من أهلك؟

أ ما رحمت ولدك؟ أ ترى اللّه أحلّ لك الطيّبات و هو يكره أخذك

منها؟ أنت أهون على اللّه من ذلك! أ و ليس اللّه يقول: «وَ الْأَرْضَ وَضَعَهٰا لِلْأَنٰامِ* فِيهٰا فٰاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذٰاتُ الْأَكْمٰامِ» «3»؟ أ و ليس اللّه يقول: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ* بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لٰا يَبْغِيٰانِ* (إلى قوله) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ» «4»؟ فباللّه لابتذال نعم اللّه بالفعال أحبّ إليه من ابتذاله لها بالمقال، و قد قال اللّه- عزّ

______________________________

(1)- بحار الأنوار 52/ 360، تاريخ الإمام الثاني عشر «ع»، باب سيره و أخلاقه ...، الحديث 128.

(2)- الكافي 1/ 411، كتاب الحجة، باب سيرة الإمام ...، الحديث 4.

(3)- سورة الرحمن (55)، الآية 10 و 11.

(4)- سورة الرحمن (55)، الآية 19- 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 824

و جلّ-: «وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.» «1»

فقال عاصم: يا أمير المؤمنين، فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة، و في ملبسك على الخشونة؟ فقال: ويحك، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره. فألقى عاصم بن زياد العباء و لبس الملاء.» «2»

أقول: العباء: الكساء من الصوف و هي لباس خشن. و الملاء بالضم: الثوب اللين الرقيق. و في مرآة العقول: «ابتذال نعمة اللّه بالفعال بالفتح: أن يصرفها فيما ينبغي متوسعا من غير ضيق.» «3» و طعام جشب، أي غليظ. و تبيّغ به و تبوّغ به: هاج به.

17- و روى القصة في نهج البلاغة بنحو آخر، قال: «و من كلام له- عليه السّلام- بالبصرة، و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي- و هو من أصحابه- يعوده، فلمّا رأى سعة داره قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا؟ أما أنت إليها في الآخرة

كنت أحوج؟ و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف، و تصل فيها الرحم، و تطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة. فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد. قال: و ماله؟ قال: لبس العباءة و تخلّى عن الدنيا.

قال: عليّ به. فلمّا جاء قال: «يا عديّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث. أما رحمت أهلك و ولدك؟ أ ترى اللّه أحلّ لك الطّيّبات و هو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على اللّه من ذلك! قال:

يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك! قال: ويحك، إنّي لست كأنت. إنّ اللّه فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ بالفقير فقره.» «4»

أقول: عديّ تصغير عدوّ. و استهام بك الخبيث، أي جعلك الشيطان هائما ضالّا.

______________________________

(1)- سورة الضّحى (93)، الآية 11.

(2)- أصول الكافي 1/ 410، كتاب الحجة، باب سيرة الإمام ...، الحديث 3.

(3)- مرآة العقول 4/ 367 (ط. القديم 1/ 311).

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 662؛ عبده 2/ 213؛ لح/ 324، الخطبة 209.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 825

و في شرح ابن أبي الحديد المعتزلي:

و اعلم أنّ الذي رويته عن الشيوخ، و رأيته بخطّ عبد اللّه بن أحمد بن الخشّاب «ره» أنّ الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشّابة في جبينه فكانت تنتقض عليه في كل عام فأتاه عليّ «ع» عائدا ... قال الربيع: يا أمير المؤمنين، ألا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي؟ قال: ماله؟ قال: لبس العباء و ترك الملاء و غمّ أهله و حزن ولده ...

إلى آخر ما ذكره، و قد ذكر قريبا ممّا في الكافي، فراجع. قال:

و

الربيع بن زياد هو الذي افتتح بعض خراسان ... و أمّا العلاء بن زياد الذي ذكره الرضي- رحمه اللّه- فلا أعرفه، و لعلّ غيري يعرفه. «1»

18- و في نهج السعادة مستدرك نهج البلاغة عن سبط ابن الجوزي بسنده عن الأحنف بن قيس، قال: دخلت على أمير المؤمنين «ع» ليلة عند إفطاره فقال لي: قم فتعشّ مع الحسن و الحسين. ثمّ قام إلى الصلاة، فلمّا فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج شعيرا مطحونا ثمّ ختمه. فقلت: يا أمير المؤمنين، لم أعهدك بخيلا فكيف ختمت على هذا الشعير؟! فقال: لم أختمه بخلا و لكن خفت أن يبسّه الحسن و الحسين بسمن أو إهالة. فقلت: أ حرام هو؟ قال: «لا، و لكن على أئمة الحق أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالا في الأكل و اللباس، و لا يتميّزون عليهم بشي ء لا يقدرون عليه، ليراهم الفقير فيرضى عن اللّه- تعالى- بما هو فيه، و يراهم الغني فيزداد شكرا و تواضعا.» «2»

أقول: بسّ السويق: خلطه بسمن أو زيت. و الإهالة بالكسر: الشحم المذاب أو دهن يؤتدم به.

19- و في نهج البلاغة من كتاب له «ع» إلى عثمان بن حنيف الأنصاري- و هو عامله على البصرة و قد بلغه أنه دعى إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها-: «أمّا بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها

______________________________

(1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11/ 35- 37.

(2)- نهج السعادة 2/ 48، الخطبة 168.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 826

تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان. و ما ظننت أنك تحبيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ و غنيّهم مدعوّ،

فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه.

ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به و يستضي ء بنور علمه، ألا و إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه و من طعمه بقرصيه. ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفّة و سداد. فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا، و لا حزت من أرضها شبرا ...

و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص و لا عهد له بالشبع!! أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى!! أو أكون كما قال القائل:

و حسبك داء أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ.

أ أقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر؟ أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟ الحديث.» «1»

أقول: المأدبة بفتح الدال و ضمّها: الطعام يصنع لدعوة أو عرس. و الجفان جمع الجفنة و هي القصعة. و القضم: الأكل بطرف الأسنان. و الطمر بالكسر: الثوب الخلق. و التبر بالكسر: ما كان من الذهب غير مصوغ أو غير مضروب. و الوفر: المال الكثير الواسع. و القمح: البرّ. و الجشع: شدّة الحرص. و البطنة: الامتلاء من الطعام.

و القدّ بالكسر و التشديد: القطعة من الجلد غير المدبوغ.

فتأمّل في هذا الكتاب الشريف، و انظر إلى سيرة أمير المؤمنين «ع»

في مطعمه و ملبسه حينما كان متصديا للولاية العامة، و كان في قبضته الأموال العامة و بيت مال المسلمين، و انظر إلى أنّه مع ما كان بين الكوفة و البصرة من المسافة البعيدة و لم تكن توجد في تلك الأعصار ما يوجد من المخابرات كيف كان أمير المؤمنين «ع»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 965؛ عبده 3/ 78؛ لح/ 416، الكتاب 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 827

يتطلّع على أحوال أمرائه و عمّاله؟ و كيف كان يناقشهم على أمور جزئية تبلغه منهم.

فهكذا يجب أن يكون الأئمة و الولاة في مراقبة الأمراء و العمّال و الضبّاط المنصوبين من قبلهم، و في حفظ الأموال العامّة و الاحتياط في صرفها، اللّهم فأعنّا على العمل بوظائفنا و لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا.

20- و في نهج البلاغة أيضا: «و رئي عليه «ع» إزار خلق مرقوع فقيل له في ذلك فقال: «يخشع له القلب، و تذلّ به النفس، و يقتدى به المؤمنون. الحديث.» «1»

21- و في الوسائل بسند صحيح، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع» انّه قال: «و اللّه إن كان عليّ «ع» ليأكل أكل العبد، و يجلس جلسة العبد، و ان كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخيّر غلامه خيرهما، ثمّ يلبس الآخر، فإذا جاز أصابعه قطعه، و إذا جاز كعبه حذفه، و لقد وليّ خمس سنين ما وضع آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا أقطع قطيعا، و لا أورث بيضاء و لا حمراء، و ان كان ليطعم الناس خبز البرّ و اللحم و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخلّ، و ما ورد عليه أمران

كلاهما للّه رضى إلّا أخذ بأشدّهما على بدنه، و لقد أعتق ألف مملوك من كدّ يده، و تربت فيه يداه و عرق فيه وجهه، و ما أطاق عمله أحد من الناس.

الحديث.» «2»

و رواه أيضا في البحار عن أمالي الصدوق بسند صحيح، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر «ع» «3».

أقول: في البحار عن القاموس:

«قميص سنبلاني: سابغ الطول، أو منسوب إلى بلد بالروم.»

22- و في المناقب عن الغزالي في إحياء العلوم: «كان عليّ بن أبي طالب يمتنع

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1132؛ عبده 3/ 173؛ لح/ 486، الحكمة 103.

(2)- الوسائل 1/ 66، الباب 20 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12.

(3)- بحار الأنوار 41/ 102، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 107 (باب جوامع مكارم أخلاقه)، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 828

من بيت المال حتى يبيع سيفه، و لا يكون له إلّا قميص واحد في وقت الغسل لا يجد غيره.» «1»

23- و فيه أيضا: «قال معاوية لضرار بن ضمرة: صف لي عليّا. قال: كان و اللّه صوّاما بالنهار قوّاما بالليل، يحبّ من اللباس أخشنه، و من الطعام أجشبه، و كان يجلس فينا، و يبتدئ إذا سكتنا، و يجيب إذا سألنا، يقسّم بالسويّة و يعدل في الرعيّة، لا يخاف الضعيف من جوره، و لا يطمع القويّ في ميله. و اللّه لقد رأيته ليلة من الليالي و قد أسبل الظلام سدوله و غارت نجومه و هو يتململ في المحراب تململ السليم و يبكي بكاء الحزين، و لقد رأيته مسيلا للدموع على خدّه قابضا على لحيته يخاطب دنياه فيقول: يا دنيا أبي تشوقت و لي تعرضت؟! لا حان حينك، فقد أبنتك ثلاثا لا

رجعة لي فيك، فعيشك قصير و خطرك يسير، آه من قلّة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق.» «2»

24- و في أمالي الصدوق بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان فقال له: صف لي عليّا «ع» قال: أو تعفيني، فقال: لا، بل صفه لي.

قال ضرار: رحم اللّه عليّا، كان و اللّه فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و يقربنا إذا زرناه لا يغلق له دوننا باب و لا يحجبنا عنه حاجب، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلّمه لهيبته و لا نبتديه لعظمته، فإذا تبسّم له ثغر مثل اللؤلؤ المنظوم.

فقال معاوية: زدني في صفته.

فقال ضرار: رحم اللّه عليّا، كان و اللّه طويل السهاد قليل الرقاد، يتلو كتاب اللّه آناء الليل و أطراف النهار و يجود للّه بمهجته و يبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور و لا يدّخر عنّا البدور و لا يستلين الاتكاء و لا يستخشن الجفاء، و لو رأيته إذ مثل في

______________________________

(1)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 366.

(2)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 371.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 829

محرابه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه و هو قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكى بكاء الحزين و هو يقول: يا دنيا، أ لي تعرّضت أم إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات، لا حاجة لي فيك أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك. ثمّ يقول: واه واه لبعد السفر، و قلّة الزاد، و خشونة الطريق.

قال: فبكى معاوية و قال: حسبك يا ضرار كذلك كان و اللّه عليّ، رحم اللّه أبا الحسن.» «1»

و

رواه عنه في البحار و قال:

«البدور جمع البدرة. و السدول جمع السدل و هو الستر. و تململ: تقلّب. و السليم:

من لدغته الحيّة.» «2»

أقول: البدرة: المال الكثير- عشرة آلاف درهم.

25- و في نهج البلاغة قال: و من خبر ضرار بن حمزة الضبابي عند دخوله على معاوية و مسألته له عن أمير المؤمنين «ع» و قال: فاشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و هو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول: «يا دنيا يا دنيا، إليك عنّي، أبي تعرّضت؟! أم إليّ تشوّقت؟

لا حان حينك، هيهات! غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير و خطرك يسير، و أملك حقير، آه من قلة الزاد و طول الطريق و بعد السفر و عظيم المورد.» «3»

أقول: و الظاهر اتحاد الخبرين و أحد الاسمين مصحّف الآخر. و المذكور في تنقيح المقال ضرار بن ضمرة الضبابي، و كذا في نسخة قديمة مخطوطة من نهج البلاغة. و إن شئت تفصيل الخبر فراجع الشرح لابن أبي الحديد «4».

______________________________

(1)- الأمالي/ 371 (طبعة أخرى/ 499)، المجلس 91، الحديث 2.

(2)- بحار الأنوار 41/ 14، تاريخ أمير المؤمنين، الباب 101 (باب عبادته و خوفه)، الحديث 6.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1118؛ عبده 3/ 166؛ لح/ 480، الحكمة 77.

(4)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18/ 225؛ تنقيح المقال 2/ 105؛ و نهج البلاغة المخطوط في سنة 494 ه.

ق، ص 263.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 830

26- و في المناقب أيضا عن الإبانة عن ابن بطّة، و الفضائل عن أحمد: أنّه عليه السّلام- اشترى تمرا بالكوفة

فحمله في طرف ردائه فتبادر الناس إلى حمله و قالوا: يا أمير المؤمنين، نحن نحمله. فقال «ع»: «ربّ العيال أحق بحمله.» «1»

27- و فيه أيضا عن قوت القلوب عن أبي طالب المكي: كان عليّ «ع» يحمل التمر و المالح بيده و يقول:

«لا ينقص الكامل من كماله ما جرّ من نفع إلى عياله.»

«2» 28- و في تاريخ ابن عساكر بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: «لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا يعني بالبصرة حتى فارقنا غير جبّة محشوّة أو خميصة درابجردية.» «3»

و رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه «4».

أقول: الخميصة: ثوب أسود مربّع.

29- و فيه أيضا بسنده عن عبد العزيز بن محمد، عن أبيه أنّ عليا «ع» أوتي بالمال فأقعد بين يديه الوزان و النقّاد فكوّم كومة من ذهب و كومة من فضّة و قال:

«يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي و ابيضّي و غرّي غيري.» «5»

30- و فيه أيضا بسنده عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: دخلت على عليّ بن أبي طالب بالخورنق و عليه قطيفة و هو يرعد من البرد!! فقلت:

يا أمير المؤمنين، إنّ اللّه قد جعل لك و لأهل بيتك في هذا المال نصيبا و أنت تفعل بنفسك هذا؟! فقال: إي و اللّه، لا أرزأ من أموالكم شيئا، و هذه هي القطيفة التي أخرجتها من

______________________________

(1)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 372.

(2)- مناقب ابن شهرآشوب 1/ 372.

(3)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 181.

(4)- مصنّف ابن أبي شيبة 14/ 595، كتاب المغازي، الحديث 18942.

(5)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 182.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2،

ص: 831

بيتي، أو قال: من المدينة «1».

31- و فيه أيضا بسنده عن سفيان، يقول: «ما بنى عليّ آجرّة على آجرّة و لا لبنة على لبنة، و لا قصبة على قصبة، و إن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب.» «2»

32- و فيه أيضا بسنده عن مجمع التيمي، قال: خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق فقال: «من يشتري منّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم اشترى بها إزارا ما بعته.» و نحوها رواية أخرى، فراجع «3».

33- و فيه أيضا بسنده عن ابن عباس، قال: اشترى علي بن أبي طالب قميصا بثلاثة دراهم- و هو خليفة- و قطع كمّيه من موضع الرصغين و قال: الحمد للّه الذي هذا من رياشه. «4»

34- و فيه أيضا بسنده عن مولى لآل عصيفر، قال: رأيت عليّا خرج فأتى رجلا من أصحاب الكرابيس فقال له: عندك قميص سنبلاني؟ قال: فأخرج إليه قميصا فلبسه فإذا هو إلى نصف ساقيه، فنظر عن يمينه و عن شماله فقال: ما أرى إلّا قدرا حسنا، بكم هو؟ قال: بأربعة دراهم يا أمير المؤمنين، قال: فحلّها من إزاره فدفعها إليه ثمّ انطلق. «5»

35- و فيه أيضا بسنده عن سعيد الرجاني، قال: اشترى عليّ قميصين سنبلانيين انبجانيين بسبعة دراهم فكسا قنبر أحدهما، فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من أديم «6».

______________________________

(1)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 188.

(2)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 188.

(3)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 189.

(4)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 191.

(5)- تاريخ ابن عساكر،

قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 191.

(6)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 191.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 832

36- و فيه أيضا بسنده عن زيد بن وهب الجهني، قال: خرج علينا عليّ بن أبي طالب ذات يوم و عليه بردان متّزر بأحدهما، مرتد بالآخر قد أرخى جانب إزاره و رفع جانبا قد رقع إزاره بخرقة، فمرّ به أعرابيّ فقال: أيّها الإنسان، البس من هذا الثياب، فإنّك ميّت أو مقتول. فقال: «أيّها الأعرابي، إنّما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو، و خيرا لي في صلاتي، و سنّة للمؤمن.» «1»

37- و فيه أيضا بسنده عن صالح بيّاع الأكسية، عن جدّته، قالت: رأيت عليّا اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفته فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟

فقال «أبو العيال أحق بحمله.» و رواه عنه في كنز العمال «2»

38- و في كنز العمال عن ابن عساكر و غيره، عن علي بن الأرقم، عن أبيه، قال: «رأيت علي بن أبي طالب يعرض سيفا له في رحبة الكوفة و يقول: من يشتري منّي سيفي هذا؟ و اللّه لقد جلوت به غير مرّة من وجه رسول اللّه «ص». و لو أنّ عندي ثمن إزار ما بعته.» «3»

39- و فيه أيضا عن علي «ع» قال: «نكحت ابنة رسول اللّه «ص» و ليس لنا فراش إلّا فروة كبش فإذا كان الليل بتنا عليها و إذا أصبحنا فقلبنا و علفنا عليها الناضح.» «4»

أقول: هذا لم يكن في عصر خلافته و إمامته.

40- و فيه أيضا عن عمرو بن قيس، قال: رؤي على عليّ «ع» إزار مرقوع فقيل له. فقال: يقتدي به

المؤمن و يخشع به القلب. «5»

______________________________

(1)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 192.

(2)- تاريخ ابن عساكر، قسم ترجمة علي بن أبي طالب «ع» 3/ 200؛ و كنز العمال 13/ 180، كتاب الفضائل، باب فضائل الصحابة، الحديث 36537.

(3)- كنز العمال 13/ 178، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36531.

(4)- كنز العمال 13/ 179، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36536.

(5)- كنز العمال 13/ 181، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36542.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 2، ص: 833

41- و فيه أيضا عن مسند عليّ، عن عبد اللّه بن شريك، عن جدّه أنّ علي بن أبي طالب «ع» أتي بفالوذج فوضع قدامه، فقال: إنّك طيّب الريح حسن اللون طيّب الطعم، و لكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتد «1».

42- و فيه أيضا عن ابن المبارك، عن زيد بن وهب، قال: خرج علينا عليّ «ع» و عليه رداء و إزار قد رقّعه بخرقة فقيل له، فقال: «إنما ألبس هذين الثوبين ليكون أبعد لي من الزهو، و خيرا لي في صلاتي، و سنّة للمؤمنين.» «2»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

و قد مرّ في الفصل الأوّل من هذا الباب أيضا روايات كثيرة تدلّ على مضمون هذا الفصل، فراجع.

و الحمد للّه رب العالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين، و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

تمّ الجزء الثاني من الكتاب، و يتلوه إن شاء اللّه الجزء الثالث، و أوّله الباب الثامن منه في المنابع الماليّة للدولة الإسلاميّة و يحقّ هنا أن أبرز تقديري و شكري للعلمين الفاضلين حجّتي

الإسلام الشيخ محمود واحد و الشيخ قربانعلي حبيب اللّهي، دامت إفاضاتهما؛ حيث صرفا طاقاتهما في تصحيح الكتاب و تطبيقه على مصادره، فللّه- تعالى- درّهما و عليه أجرهما.

______________________________

(1)- كنز العمال 13/ 184، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36549.

(2)- كنز العمال 13/ 185، كتاب الفضائل من قسم الأفعال، باب فضائل الصحابة، الحديث 36552.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

الجزء الثالث

الباب الثّامن من الكتاب في البحث عن المنابع المالية للدولة الإسلامية

اشارة

و فيه مقدمة و ستة فصول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 3

مقدمة

لا يخفى أنّ إدارة المجتمعات و تأسيس الدولة و تشكيل السلطات الثلاث و التصدي للأمور العامّة الاجتماعية في المجالات المختلفة لا تتيسر قهرا إلّا بصرف أموال كثيرة ضخمة في طريقها. و كلّما اتّسع نطاق الحكومة و ازدادت توقعات الأمم من حكوماتها اتّسع نطاق الاحتياج إلى الأموال العامّة أيضا. و على هذا فلا بدّ لمن يخطّط دولة و حكومة و لو في منطقة خاصة من أن يخطّط لها منابع مالية تناسب المصارف اللازمة.

و التاريخ يشهد بأن من أهمّ ما كان يفكّر فيها السلاطين و رؤساء الدول في الأعصار و البلدان المختلفة كان هو تخطيط منابع مالية و تثبيتها لتطبيق خططهم الفكرية في المجتمعات، فهذا أمر بديهي لا يشوبه شك و ترديد.

و الإسلام كما مرّ تفصيله في أبواب هذا الكتاب من بدأ ظهوره كان دينا و دولة و مشتملا على العبادة و الاقتصاد و السياسة معا.

و القرآن و السنّة حاويان لبيان منابع مالية للدولة الإسلامية يرفع بها الحاجات العامة بحسب الأعصار و القرون المتتالية:

فقد ترى آيات الكتاب العزيز أنها في أكثر الموارد التي يحثّ فيها على الصلاة التي هي عمود الدين و أساسه يحثّ فيها أيضا على الزكاة و الإنفاق في سبيل اللّه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 4

فمن ذلك يظهر أهمية المال لبقاء الدين و الدولة مدّ الأعصار و القرون. هذا.

و حيث إن بيان المنابع المالية الواردة في الإسلام بنحو التفصيل في باب خاص من هذا الكتاب ليس إلّا كصبّ بحر في جرّة، و هذا مما لا يعقل، فلا محالة نكتفي فيها ببيان بسيط،

حرصا على عدم خلوّ الكتاب منها. و نوصي القرّاء الكرام

بالرجوع إلى الكتب المفصلة المؤلفة في ذلك من الفريقين.

و قد طبع من مؤلفاتنا في هذا المجال الى الآن مجلدان في الزكاة و مجلد في الخمس و الأنفال. و لعلّ اللّه- تعالى- يوفقنا على تتميم بحث الزكاة في المآل بحوله و قوّته، إن شاء اللّه تعالى.

إذا عرفت هذا فنقول: العناوين المهمة الواردة في الكتاب و السنة للمنابع المالية أمور:

الأول: الزكاة و الصدقات بسعتها التي منها الصدقات المندوبة و الأوقاف و المشاريع العامّة.

الثاني: الخمس بأقسامه التي منها خمس أرباح المكاسب و الفوائد اليومية بسعتها و شمولها.

الثالث: غنائم الحرب التي منها الأرضون المفتوحة عنوة و السبايا.

الرابع: الفي ء بما له من المعنى و منه الخراج و الجزايا.

الخامس: الأنفال التي من أهم أقسامها الأرضون و الآجام و البحار و المعادن الظاهرة و الباطنة كما يأتي بيانها.

فلنتعرض إجمالا لهذه العناوين الخمسة في خمسة فصول، ثم نعقب ذلك بفصل سادس للبحث عن ضرائب أخرى ربّما يقال بأن للحكومة و الدولة الحقة أن تفرضها حسب احتياجاتها و عدم كفاية الضرائب المنصوصة. فهنا ستة فصول:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 5

الفصل الاول في الزكاة و الصدقات

اشارة

و فيه جهات من البحث:

الجهة الأولى: في بيان مفهوم الزكاة و الصدقة:
[مفهوم الزكاة]

اعلم ان الزكاة في اللغة: النماء و الطهارة، و إليهما يرجع سائر المعاني:

ففي معجم مقاييس اللغة- في لغة زكى-:

«الزاي و الكاف و الحرف المعتل اصل يدلّ على نماء و زيادة. و يقال: الطهارة.

زكاة المال، قال بعضهم: سميت بذلك لأنها مما يرجى به زكاء المال و هو زيادته و نماؤه. و قال بعضهم: سميت زكاة لأنها طهارة. قالوا: و حجة ذلك قوله- جلّ ثناؤه-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «1» و الأصل في ذلك كله راجع

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 6

إلى هذين المعنيين و هما النماء و الطهارة.» «1»

و في مفردات الراغب:

«أصل الزكاة: النموّ الحاصل عن بركة اللّه- تعالى- ... يقال: زكا الزرع يزكو إذا حصل منه نموّ و بركة.» «2»

أقول: و من النماء ظاهرا ما في نهج البلاغة: «المال تنقصه النفقة، و العلم يزكو على الإنفاق.» «3» و من الطهارة قوله- تعالى-: «ذٰلِكُمْ أَزْكىٰ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ» «4» و قوله: «فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً» «5» و قوله: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا» «6» بل و قوله: «فَلٰا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقىٰ.» «7» و التفعيل للنسبة.

و الزكاة المصطلحة يمكن أخذها من كل من المعنيين، إذ بالزكاة ينمو المال و بها يطهر المال و صاحبه، و لكن الأنسب بقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «8» هو المعنى الثاني. و حيث إن المقصود بها طهارة صاحب المال اعتبر فيها

قصد القربة، و هذا من ميزات اقتصاد الإسلام حيث صبغ واجباته المالية بصبغة العبودية و القربة. هذا.

و الزكاة اصطلاحا عبارة عن: «قدر مخصوص يطلب

إخراجه من المال بشروط خاصة» أو: «حق مالي يعتبر في وجوبه النصاب» أو: «صدقة متعلقة بنصاب بالأصالة» أو غير ذلك مما قيل في تعريفها.

______________________________

(1)- معجم مقاييس اللغة 3/ 17.

(2)- مفردات الراغب/ 218.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 1155؛ عبده 3/ 187؛ لج/ 496، الحكمة 147.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 232.

(5)- سورة الكهف (18)، الآية 19.

(6)- سورة الشمس (91)، الآية 9.

(7)- سورة النجم (53)، الآية 32.

(8) سورة التوبة (9)، الآية 103.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 7

[مفهوم الصدقة]

و أما الصدقة فقال الراغب في المفردات:

«و الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل يقال للمتطوّع به و الزكاة للواجب، و قد يسمى الواجب صدقة إذا تحرّى صاحبها الصدق في فعله، قال: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» و قال: إنما الصدقات للفقراء» «1».

و في مجمع البيان:

«الفرق بين الصدقة و الزكاة أن الزكاة لا تكون إلا فرضا و الصدقة قد تكون فرضا و قد تكون نفلا.» «2»

أقول: يمكن نقض ما ذكره بالزكوات المستحبة كزكاة مال التجارة و زكاة الخيل و نحوهما و قد أطلقت في القرآن أيضا على غير الواجب بل غير المقدر أيضا كما في قوله- تعالى-: «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلٰاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ.» «3» حيث فسرت في أخبار الفريقين بالخاتم الذي تصدّق به أمير المؤمنين «ع» في صلاته.

و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«الصدقة زكاة، و الزكاة صدقة، يفترق الاسم و يتفق المسمّى، و لا يجب على المسلم في ماله حق سواها، قال رسول اللّه «ص»: ليس في المال حق سوى الزكاة.» «4»

أقول: كأن الصدقة مأخوذة من الصدق و قد اشرب

في مفهومها الشفقة و الرحمة على المعطى له كما يشهد بذلك قول إخوة يوسف له: «تَصَدَّقْ عَلَيْنٰا» «5»، سواء كان

______________________________

(1)- المفردات/ 286.

(2)- مجمع البيان 1/ 384، (الجزء 2).

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 55.

(4)- الأحكام السلطانية/ 113.

(5)- سورة يوسف (12)، الآية 88.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 8

لها تقدير خاص أم لا، و سواء كانت فرضا أو نفلا. و بهذه المناسبة أيضا لم تحلّ لبني هاشم الذين هم من بيت الإمارة على المسلمين و شرّع لهم الخمس بعنوان حق الإمارة كما سيأتي بيانه.

و أما الزكاة فهي حقّ مالي مقدر في مال خاص أو على فرد خاص شرّع لتطهير المال أو صاحبه فرضا كان أو نفلا، فتشمل زكاة المال و الفطرة و الزكوات الواجبة و المستحبة، بل لعلها تشمل الخمس المصطلح أيضا، كما يساعد ذلك ملاحظة مفهومها بحسب اللغة، إذ لا فرق في حصول البركة و الطهارة بين الزكاة المعهودة و بين الخمس، و هو المناسب أيضا لذكرها رديفا للصلاة في آيات كثيرة من الكتاب العزيز.

و لو سلّم كونها قسيما للخمس المصطلح فالظاهر أنها ذكرت في الآيات الشريفة من باب المثال، فتكون كناية عن كل حق مالي شرّعه اللّه- تعالى- فيراد في الآيات الشريفة الحثّ على الواجبات البدنية و المالية معا و أن المؤمن من تعبّد بكلتيهما، فتدبّر.

و كيف كان فلو جعلنا الزكاة قسيما للخمس المصطلح كانت الصدقة أعم منها مطلقا، و لو جعلناها أعم منه كانت النسبة بين الصدقة و الزكاة عموما من وجه كما لا يخفى.

[الزكاة ليست من مخترعات الإسلام]

و ليست الزكاة من مخترعات الإسلام بل كانت ثابتة في الشرّائع السالفة أيضا مثل الصلاة؛ فالقرآن يحكي عن عيسى بن مريم أنه قال:

«وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ مٰا دُمْتُ حَيًّا.» «1» و عن إسماعيل صادق الوعد: «وَ كٰانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ.» «2»

و يذكر الأنبياء السالفين فيقول: «وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا، وَ أَوْحَيْنٰا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرٰاتِ وَ إِقٰامَ الصَّلٰاةِ وَ إِيتٰاءَ الزَّكٰاةِ.» «3»

و هذا أيضا مما يؤيّد ما لوّجنا إليه من كون المراد بالزكاة كل حق مالي مقدر،

______________________________

(1)- سورة مريم (19)، الآية 31.

(2)- سورة مريم (19)، الآية 55.

(3)- سورة الأنبياء (21)، الآية 73.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 9

و لا محالة يختلف مقدارا و موردا بحسب الشرائع و الأصقاع و الأزمنة، فتدبّر. هذا.

[التعبير عن الزكاه بلفظ الصدقة]

و قد عبّر عما هو قسيم الخمس المصطلح في روايات الفريقين بلفظ الصدقة على وفق القرآن، حيث قال- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «1» و قال:

«إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية.» و قال: «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ.» «2»

و وقع التعبير عما لا يحلّ لبني هاشم أيضا في روايات الفريقين بلفظ الصدقة لا الزكاة، فراجع الباب التاسع و العشرين من أبواب المستحقين للزكاة من الوسائل و ما بعده من الأبواب. «3»

نعم، في خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: «هي الزكاة.» «4»

و لكن لا يخفى أن المركوز في ذهن السائل في هذه الرواية أيضا كون المحرم هو الصدقة، و الجواب بالزكاة يكون في كلام الإمام «ع» و يمكن أن يقال: إن الزكاة في كلامه «ع» إشارة إلى الصدقة الواجبة المقدرة في قبال الصدقات المستحبة، حيث إنها تحلّ لهم على ما في بعض الأخبار.

و نظير هذه الرواية رواية زيد

الشحام، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ فقال: هي الزكاة المفروضة، و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض.» «5» هذا.

و مسلم في صحيحه ذكر ثمان روايات في تحريم الصدقة على رسول اللّه «ص» و على آله، و المذكور في جميعها لفظ الصدقة أيضا لا الزكاة. نعم، المذكور في عنوان الباب هو لفظ الزكاة و لعله اشتباه منه، فراجع صحيح مسلم. «6»

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 60 و 58.

(3)- الوسائل 6/ 185 و ما بعدها.

(4)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.

(5)- الوسائل 6/ 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.

(6)- صحيح مسلم 2/ 751، كتاب الزكاة، الباب 50.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 10

الجهة الثانية: في بيان ما فيه الزكاة إجمالا:
[كلمات الفريقين]

و أما ما فيه الزكاة فروايات الفريقين و فتاواهما مختلفة في هذا المجال، و قد تعرّضنا للمسألة تفصيلا في الجزء الأول من زكاتنا المطبوع «1»، فلنذكر هنا نماذج و نحيل التفصيل و التحقيق في المسألة إلى ذلك الكتاب:

1- قال السيد المرتضى «ره» في الانتصار:

«و مما ظنّ انفراد الإمامية به القول بأن الزكاة لا تجب إلّا في تسعة أصناف:

الدنانير و الدراهم، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الإبل و البقر و الغنم، و لا زكاة فيما عدا ذلك، و باقي الفقهاء يخالفونهم في ذلك. و حكي عن ابن أبي ليلى و الثوري و ابن حي انه ليس في شي ء من المزروع زكاة إلّا الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و هذه موافقة للإمامية. و أبو حنيفة و زفر يوجبون العشر في جميع ما أنبتت الأرض

إلا الحطب و القصب و الحشيش. و ابو يوسف و محمد يقولان: لا يجب العشر إلّا فيما له ثمرة باقية و لا شي ء في الخضروات. و قال مالك: الحبوب كلها فيها الزكاة و في الزيتون. و قال الشافعي: إنما يجب فيما يبس و يقتات و يدّخر مأكولا، و لا شي ء في الزيتون. و الذي يدل على صحة مذهبنا مضافا إلى الاجماع أن الأصل براءة الذمة من الزكاة و إنما يرجع إلى الأدلة الشرعية في وجوب ما يجب منها، و لا خلاف فيما أوجبت الإمامية الزكاة فيه، و ما عداه فلم يقم دليل قاطع على وجوب الزكاة فيه فهو باق على الأصل و هو قوله- تعالى-: و لا يسألكم أموالكم.» «2»

2- و قال العلامة في التذكرة:

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 147 و ما بعدها.

(2)- الجوامع الفقهية/ 152 (طبعة أخرى/ 110).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 11

«قد أجمع المسلمون كافة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء: الإبل و البقر و الغنم، و الذهب و الفضة، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و اختلفوا فيما زاد على ذلك.» «1»

3- و قال في المختلف:

«قال ابن الجنيد: تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كلّ ما دخله القفيز من حنطة و شعير و سمسم و أرز و دخن و ذرة و عدس و سلت و سائر الحبوب و من التمر و الزبيب.

و الحق الاستحباب فيما عدا الأصناف الأربعة.» «2»

4- و فيه أيضا:

«اختلف علماؤنا في مال التجارة على قولين فالأكثر قالوا بالاستحباب و آخرون قالوا بالوجوب.» «3»

5- و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«الأنواع التي تجب فيها الزكاة خمسة أشياء: الأول: النعم و هي الإبل و البقر

و الغنم ... و لا زكاة في غير ما بيناه من الحيوان فلا زكاة في الخيل و البغال و الحمير و الفهد و الكلب المعلّم و نحوها إلّا إذا كانت للتجارة ... الثاني: الذهب و الفضة و لو غير مضروبين. الثالث: عروض التجارة. الرابع: المعدن و الركاز. الخامس:

الزروع و الثمار و لا زكاة فيما عدا هذه الأنواع الخمسة.» «4»

6- و فيه أيضا:

«جمهور الفقهاء يرون وجوب الزكاة في الأوراق المالية لأنها حلّت محلّ الذهب و الفضة في التعامل، و يمكن صرفها بالفضة بدون عسر، فليس من المعقول أن يكون لدى الناس ثروة من الأوراق المالية و يمكنهم صرف نصاب الزكاة منها بالفضة و لا يخرجون منها زكاة، و لذا أجمع فقهاء ثلاثة من الأئمة على وجوب الزكاة فيها،

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 205.

(2)- المختلف/ 180.

(3)- المختلف/ 179.

(4)- الفقه على المذاهب الأربعة 1/ 596.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 12

و خالف الحنابلة فقط.» «1»

أقول: نحن وجّهنا زكاة الأوراق المالية في أول زكاة النقدين من كتابنا في الزكاة «2» بوجوه ثلاثة:

الأول: أن الأوراق المالية لا موضوعية لها و لا قيمة، بل هي حوالة على النقدين فالمالك لها في الحقيقة مالك لهما.

الثاني: إلغاء الخصوصية بتقريب أن الذهب و الفضة المسكوكتين إنما وجبت فيهما الزكاة بما أنهما نقدان رائجان و بهما تقوم سائر الأشياء و تعتبر ماليتها، فالموضوع في الحقيقة هو النقد الرائج الذي تقوّم به الأشياء و يصير واسطة في المبادلات، و ربما نلتزم بذلك في باب المضاربة أيضا بناء على ما ادعوه من الإجماع على عدم صحتها في غير النقدين.

الثالث: العمومات و الإطلاقات التي يستفاد منها ثبوت الزكاة في جميع الأموال كقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ

أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» «3» و قوله: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ». «4» و التخصيص بالتسعة كان في تلك الأعصار التي راج فيها النقدان و كانت التسعة عمدة ثروة العرب. هذا.

و يمكن أن يناقش الوجه الأول، بأن الأوراق المالية في أعصارنا صارت لها موضوعية و قيمة بحسب الاعتبار العقلائي و ليست حوالة على النقدين و إلّا لكانا محفوظين للمحتال فيما إذا تلفت الأوراق أو ضاعت، و لبطلت المعاملات على الأوراق لمن لا يعلم ما بإزائها من النقدين، و الالتزام بهما مشكل.

و الوجه الثاني بأنه قياس مستنبط العلة و نحن لا نقول به.

______________________________

(1)- الفقه على المذاهب الأربعة 1/ 605.

(2)- كتاب الزكاة 1/ 280 و ما بعدها.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 267.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 13

و الوجه الثالث بأنها خصصت بالروايات الخاصة، فتدبّر.

الروايات الواردة فيما فيه الزكاة:
اشارة

و أما أخبار ما فيه الزكاة فهي كثيرة من طرق الفريقين و تنقسم إلى أربع طوائف على ما فصلناه في كتاب الزكاة «1».

الطائفة الأولى: ما تضمنت أن رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سواها.

و مفاد هذه الأخبار نقل واقعة تاريخية فقط و إن كان فيها إشعار ببيان الحكم أيضا، و لكن لا تعارض ما دلت على ثبوتها فيما عدا التسعة أيضا.

1- و من هذه الطائفة ما رواه الكليني بسند صحيح، عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية العجلي و الفضيل بن يسار كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، قالا: «فرض اللّه- عز و جل- الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنّها رسول اللّه «ص» في تسعة أشياء، و عفا (رسول اللّه «ص») عما سواهن: في الذهب و الفضة، و الابل و البقر و الغنم، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه «ص» عمّا سوى ذلك.» «2»

2- و منها أيضا ما رواه بسند لا بأس به، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الذهب و الفضة، و الإبل و البقر و الغنم، و عفا عمّا سوى ذلك.» قال يونس: معنى قوله: إن الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك، إنما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين، ثم زاد رسول اللّه «ص» فيها سبع ركعات، و كذلك

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 150 و ما بعدها.

(2)- الوسائل 6/ 34، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 14

الزكاة

وضعها و سنّها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب.» «1»

الطائفة الثانية: [ما دلت على أن هذا الحكم أبدي]

ما اشتملت على بيان هذه الواقعة التاريخية مع التصريح أو الظهور في كون الحكم الفعلي في عصر الإمام الحاكي لها أيضا ذلك و أنه حكم أبدي يجب الأخذ به في جميع الأعصار و إن كان حكما سلطانيا منه «ص».

1- و من هذه الطائفة خبر محمد الطيار، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عما تجب فيه الزكاة، فقال: «في تسعة أشياء: الذهب و الفضة، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك.» فقلت: أصلحك اللّه فإن عندنا حبا كثيرا، قال: فقال: و ما هو؟ قلت: الارز، قال: نعم ما أكثره. فقلت: أ فيه الزكاة؟

فزبرني، قال: ثم قال: «أقول لك: إن رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك و تقول: إن عندنا حبا كثيرا أ فيه الزكاة؟» «2»

2- و منها أيضا خبر جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول:

«وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك: على الفضة و الذهب، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الإبل و البقر و الغنم.» فقال له الطيار و أنا حاضر: إن عندنا حبا كثيرا يقال له: الأرز، فقال له أبو عبد اللّه: «و عندنا حب كثير.» قال: فعليه شي ء؟

قال: «لا، قد أعلمتك أن رسول اللّه عفا عما سوى ذلك.» «3»

و قوله «ع» في خبر الطيّار: «أقول لك إن رسول اللّه «ص» عفا ...» يحتمل فيه أمران:

الأول و هو الأظهر: أن يريد أنه بعد عفو الرسول «ص» عن غير التسعة

لا وجه لسؤالك عن ثبوت الزكاة في الأرز.

______________________________

(1)- الكافي 3/ 509، كتاب الزكاة، باب ما وضع رسول اللّه ...، الحديث 2؛ و الوسائل 6/ 34، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.

(2)- الوسائل 6/ 36، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(3)- الوسائل 6/ 36، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 15

الثاني: أن يريد أن ما صدر عني هو نقل فعل النبي «ص» و عفوه عن غير التسعة و هذا لا ينافي ثبوت الزكاة في غيرها بعد ذلك فيكون سؤالك بلا وجه، و لكن هذا الاحتمال خلاف الظاهر، مضافا إلى أن ظاهر السؤال في صدر الخبر هو السؤال عن الحكم الفعلي لا عما صنعه رسول اللّه «ص»، فتأمّل.

3- و منها أيضا مرسلة القمّاط، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سئل عن الزكاة فقال: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عما سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الذهب و الفضة، و البقر و الغنم و الإبل.» فقال السائل: و الذرة، فغضب «ع» ثم قال: «كان و اللّه على عهد رسول اللّه «ص» السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك.» فقال:

إنهم يقولون: إنه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه «ص» و إنما وضع على تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال: «كذبوا. فهل يكون العفو إلا عن شي ء قد كان؟

و لا و اللّه ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.» «1»

و الحديث مرسل، مضافا إلى أن

عدم ذكره في الكتب الأربعة أيضا ربما يوهنه.

و ظاهر هاتين الطائفتين سعة موضوع الزكاة بحسب الجعل الأولي من قبل اللّه- تعالى- و لكن رسول اللّه «ص» بما أنه كان سلطانا و حاكما على المسلمين وضعها على تسعة و عفا عما سواها، و ظاهر الطائفة الثانية أن حكمه السلطاني مستمر دائم لا أنه مخصوص بعصره «ص». و التعبير بعفو الرسول «ص» وقع في أحاديث السنّة أيضا بالنسبة إلى بعض الأشياء: ففي سنن البيهقي بسنده، عن معاذ بن جبل أن رسول اللّه «ص» قال: «فيما سقت السماء و البعل و السيل العشر، و فيما سقي بالنضح نصف العشر.» و إنما يكون ذلك في التمر و الحنطة و الحبوب، فأما القثاء و البطيخ و الرمان و القضب فقد عفا عنه رسول اللّه «ص». «2» إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 33، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2)- سنن البيهقي 4/ 129، كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 16

الطائفة الثالثة: ما دلت بالصراحة على ثبوت الزكاة في غير التسعة أيضا

من الذرة و الأرز و سائر الحبوب:

1- فمنها ما رواه الكليني بسند صحيح، عن حريز، عن محمد بن مسلم، قال:

سألته «ع» عن الحبوب ما يزكّى منها؟ قال: «البرّ و الشعير و الذرة و الدخن و الأرز و السلت و العدس و السمسم، كل هذا يزكّى و أشباهه.» و رواه الشيخ أيضا عن الكليني «1».

2- ثم قال الكليني: حريز، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» مثله و قال:

«كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة. و قال: جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و

البقول و كل شي ء يفسد من يومه.» «2»

و الظاهر في أمثال هذه الموارد من الكافي كون السند معلقا على ما قبله، فالرواية صحيحة مسندة بالسند السابق عليها.

3- ما رواه الكلينيّ بسنده، عن محمد بن إسماعيل، قال: قلت لأبي الحسن «ع» إن لنا رطبة و أرزا، فما الذي علينا فيها؟ فقال: «أما الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أما الأرز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر من كل ما كلت بالصاع، أو قال: وكيل بالمكيال.» «3»

4- ما رواه الكليني أيضا بسند فيه إرسال، عن أبان، عن أبي مريم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال: «البرّ و الشعير و الذرة و الأرز و السلت و العدس، كل هذا مما يزكى. و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة.» «4»

______________________________

(1)- الكافي 3/ 510، كتاب الزكاة، باب ما يزكى من الحبوب، الحديث 1؛ و الوسائل 6/ 40، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 40، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.

(3)- الوسائل 6/ 39، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 39، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 17

5- ما رواه الشيخ بسند موثوق به، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

في الذرة شي ء؟ فقال لي: «الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير.

و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة.» «1»

6- ما رواه أيضا

بسند موثوق به، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

هل في الأرز شي ء؟ فقال: نعم. ثم قال: «إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه، و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامّة خراج العراق منه.» «2»

و ظاهر الروايات الوجوب، و يشهد له أيضا عدّ الذرة و الأرز و أمثالهما في عداد البرّ و الشعير الواجب فيهما الزكاة. و الحمل على التقية ينافيه تعرض الإمام «ع» في آخر بعض الروايات لبيان الميزان الكلي لما فيه الزكاة، إذ التقية ضرورة و الضرورات تتقدر بقدرها و السائل سأل في بعضها عن الأرز أو عن الذرة مثلا؛ فأيّ داع دعاه «ع» إلى أن يذكر الزكاة في كل ما كيل إذا فرض كون الحكم على خلاف الواقع أو ينسب إلى رسول اللّه «ص» أمرا مخالفا للواقع، و الضرورة كانت ترتفع بقوله: «نعم» مثلا.

اللهم إلا أن يقال: إن التقية قد تكون للإمام و قد تكون للسائل و قد تكون لسائر الشيعة، و لعلها تكون هنا من قبيل الثالث، حيث إن الشيعة كانت مبتلاة بحكّام الجور و هم كانوا يطلبون الزكاة من كل ما كيل، فأراد الإمام «ع» أداءهم للزكاة إليهم و عدم مقاومتهم في قبالهم حفظا لهم من تعرضاتهم و ظلاماتهم. هذا.

7- و في سنن البيهقي بسنده، عن مجاهد، قال: «لم تكن الصدقة في عهد رسول اللّه «ص» إلا في خمسة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذرة» «3» و الحصر إضافي لا محالة، أي فيما أنبتت الأرض.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 41، الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10.

(2)- الوسائل 6/ 41، الباب 9 من أبواب ما تجب

فيه الزكاة، الحديث 11.

(3)- سنن البيهقي 4/ 129، كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميّون.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 18

8- و فيه أيضا بسنده، عن عاصم بن ضمرة، عن علي «ع»، قال: «ليس في الخضر و البقول صدقة.» «1» و ظاهره الثبوت في غيرهما.

9- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عمر، عن النبي «ص»، قال: «العسل في كل عشرة أزقاق زقّ.» «2»

10- و فيه أيضا بسنده، عن أبي هريرة، قال: كتب رسول اللّه «ص» إلى أهل اليمن: «أن يؤخذ من العسل العشر.» «3»

11- و فيه أيضا بسنده، عن أبي ذرّ، قال: قال رسول اللّه «ص»: «في الإبل صدقتها و في الغنم صدقتها و في البزّ صدقته.» «4»

12- نعم، فيه أيضا بسنده، عن أبي موسى و معاذ بن جبل أن رسول اللّه «ص» بعثهما إلى اليمن فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم و قال: «لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير و الحنطة و الزبيب و التمر.» «5»

13- و فيه أيضا بسنده، عن أبي موسى الأشعري أنه لما أتى اليمن لم يأخذ الصدقة إلا من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. «6»

14- و فيه أيضا بسنده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي «ع»، قال:

«ليس في العسل زكاة.» «7» إلى غير ذلك من الأخبار. هذا.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 4/ 130، كتاب الزكاة، باب الصدقة فيما يزرعه الآدميّون.

(2)- سنن البيهقي 4/ 126، كتاب الزكاة، باب ما ورد في العسل.

(3)- سنن البيهقي 4/ 126، كتاب الزكاة، باب ما ورد في العسل.

(4)- سنن البيهقي 4/ 147، كتاب الزكاة، باب زكاة التجارة.

(5)- سنن البيهقي 4/ 125، كتاب الزكاة، باب لا

تؤخذ صدقة شي ء من الشجر غير النخل و العنب.

(6)- سنن البيهقي 4/ 125، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ صدقة شي ء من الشجر غير النخل و العنب.

(7)- سنن البيهقي 4/ 128، كتاب الزكاة، باب ما ورد في العسل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 19

و هنا أخبار مستفيضة وردت من طرقنا يستفاد منها ثبوت الزكاة في مال التجارة و ظاهرها الوجوب أيضا، كما وردت أخبار تدل على عدم الوجوب فيه، فراجع الوسائل. «1» و قد أشبعنا الكلام في زكاة مال التجارة في المجلد الثاني من كتابنا في الزكاة، فراجع «2».

الطائفة الرابعة من أخبار الباب: ما اشتملت على مضمون الطائفتين: الثانية و الثالثة

المتعارضتين، بحيث يستفاد منها صدور كلتا الطائفتين و عدم كذب إحداهما، و هي ما رواه الكليني بسند صحيح، عن علي بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد إلى أبي الحسن «ع»: جعلت فداك روي عن أبي عبد اللّه «ع»: أنه قال: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الذهب و الفضة، و الغنم و البقر و الإبل، و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك. فقال له القائل: عندنا شي ء كثير يكون أضعاف ذلك، فقال: و ما هو؟ فقال له: الأرز، فقال أبو عبد اللّه «ع»: أقول لك: إن رسول اللّه «ص» وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك و تقول: عندنا أرز و عندنا ذرة و قد كانت الذرة على عهد رسول اللّه «ص».

فوقّع «ع»: كذلك هو. و الزكاة على كل ما كيل بصاع.»

و كتب عبد اللّه: و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد اللّه «ع»: أنه سأله عن الحبوب، فقال: و ما هي؟

فقال: السمسم و الأرز و الدخن، و كل هذا غلة كالحنطة و الشعير، فقال أبو عبد اللّه «ع»: «في الحبوب كلها زكاة.»

و روي أيضا عن أبي عبد اللّه «ع»: أنه قال: «كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.» قال: فأخبرني- جعلت فداك. هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب: الحمّص و العدس زكاة؟ فوقّع «ع»: «صدقوا، الزكاة في كل شي ء كيل.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 45 و 48، الباب 13 و 14 من ابواب ما تجب فيه الزكاة.

(2)- كتاب الزكاة 2/ 181 و ما بعدها.

(3)- الكافي 3/ 510 و 511، كتاب الزكاة، باب ما يزكّى من الحبوب، الحديث 3 و 4؛ و الوسائل 6/ 39، الباب 9 من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 20

فهذه أربع طوائف من الأخبار الواردة في الباب، و قد تعرضنا لها في المجلد الأول من كتاب الزكاة، فراجع «1».

ثم تعرضنا لوجوه الجمع بينها:
الوجه الأول: ما مرّ في كلام يونس من أن العفو عن غير التسعة كان في أول النبوة.

و فيه أولا: أن الأمر بأخذ الزكاة لم يكن في أول النبوة، حيث إن قوله- تعالى- «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» «2» في سورة التوبة، و هي قد نزلت في أواخر النبوة.

و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «لما نزلت آية الزكاة:

«خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» في شهر رمضان فأمر رسول اللّه «ص» مناديه، فنادى في الناس: إن اللّه- تبارك و تعالى- قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة، و الإبل و البقر و الغنم، و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان، و

عفا لهم عما سوى ذلك. الحديث.» «3»

و ثانيا: أن كلامه لا يفيد في الجمع بين جميع الأخبار، إذ المستفاد من أخبار الطائفة الثانية حصر الزكاة في التسعة بعد النبي «ص» أيضا فضلا عن عصره.

الوجه الثاني: حمل ما دلّ على الزكاة في غير التسعة على الاستحباب،

اختاره

______________________________

«- أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(1)- كتاب الزكاة 1/ 150 و ما بعدها.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(3)- الوسائل 6/ 32، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 21

المفيد و الشيخ و من تبعهما:

ففي المقنعة ما حاصله:

«و يزكى سائر الحبوب ... سنة مؤكدة دون فريضة واجبة، و ذلك أنه قد ورد في زكاة سائر الحبوب آثار عن الصادقين «ع» مع ما ورد في حصرها في التسعة، و قد ثبت أن أخبارهم لا تتناقض فلم يكن لنا طريق إلى الجمع بينها إلا إثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه فيه، و حمل ما اختلفوا فيه مع عدم ورود التأكيد في الأمر به على السنة المؤكدة.» «1»

و في الاستبصار:

«و ما يجري مجرى هذه الأخبار التي تتضمن وجوب الزكاة في كل ما يكال أو يوزن فالوجه فيها أن نحملها على ضرب من الاستحباب و الندب دون الفرض و الإيجاب لئلا تتناقض الأخبار، و لأنا قد قدمنا في أكثر الأخبار ان رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك، و لو كانت هذه الأشياء تجب فيها الزكاة لما كانت معفوا عنها.» «2»

أقول: و فيه- مضافا إلى أن كثيرا من الأخبار مما يأبى هذا الحمل- أن الجمع بين الدليلين يجب أن يكون مما يقبله العرف و الوجدان كما في حمل المطلق على المقيد و تخصيص العام بالخاص و نحوهما، و أما الجمع

التبرعي بين الدليلين بإعمال الدقة العقلية فاعتباره بحيث يصير أساسا للافتاء و مصححا للفتوى بالاستحباب محل إشكال، إذ الاستحباب كسائر الاحكام يحتاج إلى دليل شرعي و ليس في أخبار الباب اسم منه، و ليس ينسبق إلى الذهن من أخبار الباب.

الوجه الثالث: حمل ما دل على الزكاة في غير التسعة على التقية،

ذكره السيد المرتضى في الانتصار، و أصرّ عليه صاحب الحدائق، و قرّبه المحقق الهمداني في مصباح الفقيه. و لكن الالتزام بذلك مشكل و لا سيما في كثير من هذه الأخبار،

______________________________

(1)- المقنعة/ 40.

(2)- الاستبصار 2/ 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 22

فراجع.

قال في الانتصار بعد ما ادعى إجماع الإمامية على أن الزكاة لا تجب إلّا في تسعة، و قد مرّ بعض كلامه، قال ما ملخصه:

«فإن قيل: كيف تدّعون إجماع الإمامية، و ابن الجنيد يخالف في ذلك و يذهب إلى أن الزكاة واجبة في جميع الحبوب و روى في ذلك أخبار كثيرة عن أئمتنا و ذكر أن يونس كان يذهب إلى ذلك.

قلنا: لا اعتبار بشذوذ ابن الجنيد و لا يونس و قد تقدم إجماع الإمامية و تأخر عن ابن الجنيد و يونس. و الأخبار التي تعلق ابن الجنيد بها معارضة بأظهر و أكثر و أقوى منها و يمكن حملها بعد ذلك على أنها خرجت مخرج التقية فإن الأكثر من مخالفي الإمامية يذهبون إلى أن الزكاة واجبة في الأصناف كلها.» «1»

و قال في الحدائق ما ملخصه و محصله:

«و الأصحاب قد جمعوا بين الأخبار بحمل هذه الأخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم و عادتهم في جميع الأبواب. و الأظهر عندي حمل هذه الأخبار على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية، فإن القول بوجوب الزكاة في هذه الأشياء مذهب الشافعي

و أبي حنيفة و مالك و أبي يوسف و محمد كما نقله في المنتهى.

و يدل على ذلك ما رواه الصدوق عن أبي سعيد القمّاط، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»: أنه سئل عن الزكاة فقال: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة و عفا عما سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الذهب و الفضة، و البقر و الغنم و الإبل.» فقال السائل: و الذرة؟ فغضب «ع» ثم قال: «كان و اللّه على عهد رسول اللّه «ص» السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك.» فقال: إنهم يقولون: إنه لم يكن ذلك على عهد رسول اللّه «ص»، و إنما وضع على التسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك؟ فغضب و قال: «كذبوا. فهل يكون العفو إلا عن شي ء قد كان، فلا و اللّه

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 153 (طبعة أخرى/ 111).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 23

لا أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر.» «1»

و مما يستأنس به لذلك صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة، حيث إنه أقرّ السائل على ما نقله عن أبي عبد اللّه «ع» من تخصيص الوجوب بالتسعة و العفو عما سواها و إنكاره على السائل لما راجعه في الأرز، و مع هذا قال له: الزكاة في كل ما كيل بالصاع، فلو لم يحمل كلامه على التقية للزم التناقض بين الكلامين، و لو كان الاستحباب مرادا لما خفي على أصحاب الأئمة المعاصرين لهم و لما احتاجوا إلى عرض هذه الأخبار على الإمام «ع» ...» «2»

و في مصباح الفقيه بعد الإشارة إلى الوجوه الثلاثة للجمع قال ما محصله:

«و ملخص الكلام

أن الجمع بين الخبرين المتعارضين بحمل أحدهما على الاستحباب و إن كان في حد ذاته أقرب من الحمل على التقية الذي هو في الحقيقة بحكم الطرح، و لكنه في غير مثل المقام الذي يكون احتمال التقية فيه أقوى، فإن الحمل على التقية حينئذ أقرب إلى الواقع من الحمل على الاستحباب ... فالذي ينبغي أن يقال: إن الأخبار المثبتة للزكاة في كل ما يكال ليست جميعها على نسق واحد، بل بعضها يعدّ في العرف معارضا للروايات الحاصرة للزكاة في التسعة، فهذا ما يتعين حمله على التقية مثل قوله «ع» في صحيحة زرارة: «و جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كل شي ء أنبتت الأرض إلّا الخضر و البقول»، فإنه ينافي التصريح بأن رسول اللّه لم يضع الزكاة على غير التسعة بل عفا عنها، و بعضها ليس كذلك فإنه قد يوجد فيها ما لا يراه العرف مناقضا لتلك الأخبار بل يجعل تلك الأخبار قرينة على حمل هذا البعض على مطلق الثبوت غير المنافي للاستحباب ... فالإنصاف أن حمل الأخبار المثبتة للزكاة في سائر الأجناس بأسرها على التقية أشبه. اللهم إلا أن يقال: إن رجحان الصدقة بالذات و إمكان إرادة استحبابها بعنوان الزكاة من هذه الأخبار و لو على سبيل التورية مع اعتضاده بفهم الأصحاب و فتاويهم كاف في

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 33، الباب 8 من ابواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(2)- الحدائق 12/ 108 و 109.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 24

إثبات استحبابها من باب المسامحة.» «1»

أقول: و ربما يؤيد الحمل على التقية القرائن الداخلية و الخارجية:

أما الخارجية فاشتهار الفتوى بوجوب الزكاة فيما عدا التسعة بين أهل الخلاف.

و أما الداخلية فالتعبيرات الواقعة

في بعض الأخبار، فراجع مرسلة القماط و رواية الطيار و رواية جميل «2». مضافا إلى تأكيد الأئمة «ع» في أخبار كثيرة بأن رسول اللّه «ص» عفا عما سوى ذلك حيث يستشعر من ذلك وجود خلاف في البين فأراد الأئمة «ع» إقناعهم ببيان عمل النبي «ص». هذا.

و لكن يمكن أن يقال: أولا: إن ما قد يتوهم من كون أئمتنا «ع» ضعفاء مستوحشين يقلّبون الحق بأدنى خوف من الناس أمر يعسر علينا قبوله. كيف؟! و إن بناءهم كان على بيان الحق و رفع الباطل في كل مورد انحرف الناس عن مسير الحق. ألا ترى كيف أنكروا العول و التعصيب في المواريث، و الجماعة في صلاة التراويح و صلاة الضحى، و الطلاق ثلاثا و أمثال ذلك ممّا استقرّ عليه فقه أهل الخلاف بلسان قاطع صريح؟

و ثانيا: قد أشرنا إلى أن التقية ضرورة، و الضرورات تتقدر بقدرها مع أن أجوبة الأئمة «ع» في الطائفة الثالثة وقعت فوق مقدار الضرورة.

و ثالثا: إن الانحصار في التسعة ليس من خصائص الشيعة الإمامية بل أفتى به بعض فقهاء السنّة و وردت به رواياتهم أيضا، فلا يبقى مجال للتقية. و قد حكينا بعضا من أقوالهم في صدر المسألة و نتمم ذلك بنقل عبارة المغني لابن قدامة الحنبلي، قال:

«و قال مالك و الشافعي: لا زكاة في ثمر إلا التمر و الزبيب، و لا في حبّ إلا ما كان قوتا في حالة الاختيار لذلك إلا في الزيتون على اختلاف. و حكي عن أحمد إلا في

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 19.

(2)- الوسائل 6/ 33 و ما بعدها، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 25

الحنطة و الشعير

و التمر و الزبيب. و هذا قول ابن عمر و موسى بن طلحة و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و الحسن بن صالح و ابن أبي ليلى و ابن المبارك و أبي عبيد ...

و قد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرو أنه قال: إنما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب. و في رواية عن أبيه، عن جده، عن النبي «ص» أنه قال: «و العشر في التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير.» و عن موسى بن طلحة، عن عمر أنه قال: «إنما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.» و عن أبي بردة، عن أبي موسى و معاذ «أن رسول اللّه «ص» بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الاربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب.» رواهن كلهن الدار قطني.» «1»

اللهم إلا أن يقال كما مرّ أن التقية لم تكن من الفقهاء و المفتين و لا لمصلحة الإمام «ع» بل لحفظ الشيعة من شرّ السلاطين و حكّام الجور و جباتهم، حيث إن الزكاة كانت من منابع ثرواتهم و كانوا يطالبونها من غير التسعة أيضا فأراد الأئمة «ع» حثّ الشيعة على أداء الزكاة المطالب بها إليهم دفعا لشرورهم، فتدبّر.

الوجه الرابع: [ثبتت الزكاة في الإسلام و فوّض بيان ما فيه الزكاة إلى أولياء المسلمين]

ما ذكرناه بنحو الاحتمال و إن أشكل الالتزام به. و محصل ذلك أن أصل ثبوت الزكاة من القوانين الأساسية للإسلام، بل لجميع الأديان الإلهية. و قد جعلت الزكاة في آيات الكتاب العزيز عدلا للصلاة التي هي عمود الدين، و تكررت في آيات كثيرة لأنها أساس مالية الحكومة

الإسلامية، و لا سيما إن أرجعنا الخمس أيضا إليها و جعلناه من مصاديق الزكاة كما مرّ بيانه. و قد مرت الآيات الحاكية لها عن المسيح و إسماعيل و الأنبياء السالفين، فهي كانت أمرا ثابتا في جميع الأديان الإلهية و شرّعت في الإسلام أيضا.

و حيث إن ثروات الناس و منابع أموالهم تختلف بحسب الأزمنة و الأمكنة،

______________________________

(1)- المغني 2/ 549.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 26

و دين الإسلام شرّع لجميع البشر و لجميع الأعصار كما نطق بهما الكتاب و السنّة، فلا محالة ذكر في الكتاب العزيز أصل ثبوت الزكاة و خوطب النبي «ص» بقوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» «1» و لم يذكر فيه ما فيه الزكاة بنحو التعيين، بل الجمع المضاف يفيد العموم، و ذكر فيه عمومات اخر أيضا كقوله- تعالى-: «وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ» «2»* و قوله: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» «3» و غير ذلك من الآيات العامّة- و المقصود بالإنفاق هو الزكاة بدليل قوله- تعالى-: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ.» «4»-

و فوّض بيان ما فيه الزكاة إلى أولياء المسلمين و حكّام الحق في كل صقع و كل زمان، و قد وضع رسول اللّه «ص» بما أنه كان حاكما على المسلمين في عصره الزكاة على تسعة أشياء لما كانت هذه التسعة عمدة ثروة العرب في عصره و مجال حكمه و عفا عما سوى ذلك، و لعله «ص» جعلها في آخر عمره الشريف في أكثر من ذلك، كما في كلام يونس، و هو كان رجلا بصيرا بالكتاب و السنّة و

كان من أجلّاء أصحاب الرضا «ع» و من علمائهم، و أئمتنا «ع» أيضا ربما جعلوها في بعض الأحيان في أكثر من التسعة كما تدلّ على ذلك روايات كثيرة و فيها الصحاح و الحسان، و ربما شاهدوا في بعض الأحيان أن الزكوات المأخوذة كانت تصرف في تقوية دول الضلال و الجور و رأوا أن الجباة لها يستندون في تعميمها لسائر الحبوب و أموال التجارة و غيرها إلى النقل عن النبي «ص» فأراد الأئمة «ع» تضعيف دولتهم بسدّ منابعهم المالية فنقلوا ما هو الواقع من أن النبي «ص» وضعها في تسعة ليرتدع الناس عن إعطاء الزكاة إليهم.

و بالجملة، حيث إن ثروات الناس و منابع أموالهم تتطور و تتغير بحسب الأصقاع

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 3.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 267.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 27

و الأعصار و كذلك الخلّات و الحاجات فلا مناص عن إحالة تعيين ما فيه الزكاة من الأعيان إلى ولاة الأمر و حكّام العدل في كل عصر و مكان حسب ما يبدو لهم من الحاجات، و البلاد و الأصقاع من حيث الإنتاجات و الاحتياجات في غاية الاختلاف.

و يشهد لذلك ما ورد من جعل أمير المؤمنين «ع» الزكاة في الخيل، و ظاهر ذلك جعلها بنحو الوجوب:

ففي صحيحة محمد بن مسلم و زرارة، عنهما- عليهما السلام- جميعا، قالا: «وضع أمير المؤمنين «ع» على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين و جعل على البراذين دينارا» «1»

و الظاهر أن المراد بها الزكاة لا الخراج، لتسمية ذلك صدقة في صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» هل

في البغال شي ء؟ فقال: لا، فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: لأن البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء. قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها شي ء. قال: قلت:

هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ فقال: «لا ليس على ما يعلف شي ء، انما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل.» «2»

هذا.

و هل يمكن الالتزام في مثل أعصارنا بحصر الزكاة في التسعة المعهودة بالشرائط الخاصة؟! مع أن الذهب و الفضة المسكوكين و كذا الأنعام الثلاثة السائمة لا توجد إلا أقل قليل و كأنها منتفية موضوعا، و الغلات الأربع في قبال سائر منابع الثروة:

من المصانع العظيمة، و التجارات الضخمة المربحة، و الأبنية المرتفعة، و السفن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 51، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 51، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ...، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 28

و السيارات و الطيارات و المحصولات الزراعية المتنوعة غير الغلات الأربع، قليلة القيمة جدّا. و مصارف الزكاة الثمانية التي تساوق عمدة خلّات المجتمع و الدول و احتياجاتهم في المجالات المختلفة تحتاج إلى أموال كثيرة.

و قد دلت أخبار كثيرة على أن اللّه- تعالى- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم. و لعل ذكر الفقراء كان من باب المثال فكان المقصود المصارف الثمانية المذكورة للزكاة:

1- ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أن ذلك

لا يسعهم لزادهم. إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه- عزّ و جلّ- و لكن أوتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض اللّه لهم. و لو أن الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير.» «1»

2- و في صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن اللّه- عزّ و جلّ- فرض الزكاة كما فرض الصلاة، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب، و ذلك أن اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم. و إنما يؤتى الفقراء فيما أوتوا من منع من منعهم حقوقهم لا من الفريضة.» «2»

3- و في خبر معتب مولى الصادق «ع» قال: قال الصادق «ع»: «إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أن الناس أدّوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا و لاستغنى بما فرض اللّه له. و إن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلا بذنوب الأغنياء: الحديث.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ...، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 4، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ...، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 29

4- و في كتاب الأموال لأبي عبيد: حدثني أحمد بن يونس، عن أبي شهاب الحناط، عن أبي عبد اللّه الثقفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدّث أن عليا «ع» قال:

«إن اللّه- عز و جل- فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي للفقراء. فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، و حق على اللّه- تبارك و تعالى- أن يحاسبهم و يعذبهم.» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

فنفس هذه الروايات الكثيرة من أقوى الأدلة على أن الزكاة ليست من الواجبات العبادية المجهولة الملاك التي يؤتى بها بداعي التقرب المحض من دون أن يلحظ في تشريعها الحكم و المصالح الاجتماعية. بل الزكاة المفروضة في كل زمان و صقع يجب أن تناسب المصارف الثمانية المذكورة لها في الكتاب العزيز.

و بعبارة أخرى: هذه الروايات الدالة على حكمة الزكاة محكمات و ميزان يوزن به الحق من أخبار الباب.

و حيث إن منابع الثروة و كذا المصارف و الحاجات تتغير بحسب الأصقاع و الأزمنة فلا محالة يتغير ما فيه الزكاة أيضا بحسبهما و لا يتحقق ذلك إلا بما لوّحنا إليه من كون المشرّع بحسب حكم اللّه- تعالى- أصل وجوب الزكاة و إيجاب أخذها من قبل الحكومة الحقة و صرفها في مصارفها الثمانية على ما نطق به القرآن، و أما ما فيه الزكاة فالكتاب دلّ عليه بنحو العموم، و تعيينه في الأموال الخاصة مفوض إلى من إليه الحكم في كل صقع و زمان حسب تشخيصه للأموال و الحاجات و لعل موضوعها في الشرائع السالفة أيضا كان مسانخا لعمد ثروتهم في تلك الأعصار.

ثم إن القول بأن اللّه- تعالى- جعل الزكاة أعني العشر و ربع العشر و نحوهما في التسعة المعهودة فقط بشرائطها الخاصة للمصارف الثمانية بسعتها، و جعل الخمس في سبعة أمور منها المعادن بسعتها و أرباح المكاسب بشعبها للإمام و لفقراء بني هاشم

______________________________

(1)- الأموال/ 709.

دراسات في ولاية الفقيه

و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 30

فقط بالمناصفة بحيث يصير عشر كل المستفادات لفقراء بني هاشم فقط مع أن زكاة بني هاشم تكفي لأنفسهم إذا لوحظوا بالنسبة إلى سائر الناس و هم يستفيدون أيضا مما صرف في سبل الخير و المشاريع العامة، يوجب هذا القول القول بعدم إحاطة اللّه تعالى- نعوذ باللّه- بأعداد الناس و احصائياتهم و حاجاتهم، و لا يكفي في الفرار من هذا الإشكال ما ورد من أن ما زاد عن بني هاشم يرجع إلى الإمام بعد عدم كون المجعولين في البابين متعادلين و متناسبين في مقام الجعل و التشريع، فتدبّر. هذا.

و مقتضى ما احتملناه أن تصير الماليات المفروضة من قبل الحكومة الحقة في كل عصر و زمان على أموال الناس حسب الاحتياجات العارضة مصداقا للزكاة و منصبغة بصبغتها. و لو أبيت ذلك و ثقل عليك تسليمه فلا محالة يلتزم بذلك فيما إذا فرضها الوالي في الموارد التي استحبّت فيها الزكاة و ندب إليها، و هي أيضا كثيرة أنهيناها في المجلد الثاني من كتاب الزكاة الى اثني عشر موردا:

الأول: مال التجارة مع بقاء رأس المال طول الحول.

الثاني: كل ما يكال أو يوزن مما تنبت الأرض.

الثالث: الخيل الإناث.

الرابع: حاصل المساكن و البساتين و الدكاكين و الحمامات و الخانات و غيرها من الأبنية و العقارات التي لها عوائد.

الخامس: الحليّ، و زكاته إعارته.

السادس: المال الغائب أو المدفون بعد ما تمكن منهما، فيزكّى لسنة واحدة على ما قالوا.

السابع: ما تصرّف فيه بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة.

الثامن: الغلّات الأربع من غير البالغ.

التاسع: مال التجارة إذا لم يطلب في الحول برأس المال أو بزيادة.

العاشر: الإبل العوامل و معلوفتها.

الحادي عشر: الرقيق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 31

الثاني عشر: الحلي المحرم لبسه، مثل حليّ النساء للرجال و بالعكس.

و تفصيل شرائط الزكاة و مقدارها و الدليل عليها في هذه الأمور يطلب من الكتاب المذكور و غيره، فراجع. «1»

فيقال: إن الزكاة في هذه الأمور و إن كانت بحسب الجعل الشرعي مندوبة و لكن للحاكم في كل عصر أن يفرضها حسب الاحتياج، كما صنع أمير المؤمنين «ع» في الخيل على ما نطقت به الأخبار. «2» هذا.

و لكن الإنصاف أن ما بيناه و حررناه و إن كان موافقا للاعتبار و لكنه ليس في الحقيقة جمعا بين أخبار الباب بل طرحا لكثير منها فلا بد لرفع المعضلة من إبداء فكر آخر.

و يمكن بيان حلّ المعضلة بتعبير آخر، و هو أن أخبار التعميم مضافا إلى كونها أكثر و فيها الصحاح و الحسان لما كانت موافقة لعمومات الكتاب و لما دلت على مصالح التشريع و حكمه من سدّ جميع الخلّات فلأجل ذلك تقدّم على أخبار التخصيص بالتسعة، فتطرح أخبار الحصر أو تحمل على ما مرّ من إرادة الأئمة «ع» تضعيف الدول و الحكومات الجائرة بسدّ منابعهم المالية، و لا نسلّم كون الشهرة الفتوائية مرجحة مطلقا حتى مع وجود عمومات الكتاب و مع وضوح مبنى فتواهم، فتدبّر. هذا.

و سيجي ء في الفصل التالي احتمال كون فعلية خمس الأرباح مجعولة من قبل أئمتنا «ع» لجبران ما ذكرنا من وجوب كون المالية المفروضة متطورة بتطور الأصقاع و الأزمنة و مناسبة للمصارف و الحاجات الطارية في كل صقع و عصر، و على هذا فيكون خمس الأرباح بمنزلة المتمم للزكاة التي فرضت في أشياء خاصة بل لا نأبى من تسميته زكاة أيضا كما عرفت، و لا نسلّم تقسيمه بين الإمام

و بني هاشم و إن قيل بذلك في سائر أقسام الخمس و سيأتي تفصيل ذلك، و لعله بذلك يرتفع الإشكال و المعضلة، فافهم.

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 2/ 181- 284.

(2)- الوسائل 6/ 51، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 32

الجهة الثالثة: في أن الزكاة تكون تحت اختيار الإمام:

اعلم أن الزكاة على ما يظهر من بيان مصارفها في الكتاب العزيز لم تكن تختص بالفقراء و المساكين فقط و لم تكن تحت اختيار الأشخاص يضعونها حيث شاءوا، بل شرّعت لسدّ جميع الخلّات التي تحدث في المجتمع، و بقرينة ذكر العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم في عداد مصارفها يظهر أنها ميزانية إسلامية تقع تحت اختيار الحكومة الإسلامية، و يكون الحاكم هو الذي يتصدّى لأخذها و صرفها في مصارفها.

و يشهد لذلك أيضا قوله- تعالى-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً» «1»، حيث إن النبي «ص» بما أنه كان حاكما على المسلمين أمر بأخذها، و هكذا كان عمله و عليه استقرت سيرته و سيرة الخلفاء من بعده فكانوا يبعثون العمال و الجباة و يطالبونها. و الأخبار الدالة على هذا المعنى في غاية الكثرة:

1- ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد اللّه «ع»: أ رأيت قول اللّه- تبارك و تعالى-: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ» «2» أكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال «ع»: «إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة.» قال زرارة:

قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: «يا زرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف

لم يوجد لها موضع، و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه. فأما اليوم فلا تعطها أنت

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 60.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 33

و أصحابك إلا من يعرف. الحديث.» «1»

يظهر من هذه الصحيحة أن الزكاة بحسب التشريع الأولي تكون في تصرف الإمام و هو يسدّ بها خلّات من يكون تحت لوائه و حكمه، عارفا كان أو غير عارف.

و لكن لما تصدى للحكومة غير أهلها و كانت الزكوات تصرف في غير مصارفها و كان الشيعة يبقون محرومين أمر الإمام «ع» بإعطاء الشيعة زكواتهم للعارفين بحقهم. فهذا حكم موقّت منه «ع» و إجازة موقتة.

2- و في خبر علي بن إبراهيم في تفسيره، عن العالم «ع»: «و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات. و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد. و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب ما لهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» «2»

3- و في خبر صباح بن سيّابة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك،

إن اللّه- تبارك و تعالى- يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ. الآية.» فهو من الغارمين، و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.» «3»

4- و في مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»، قال: «و الأرضون التي أخذت عنوة ... فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجّهها اللّه على ثمانية أسهم: لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 143، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

(3)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب ما يجب من حق الإمام على الرّعيّة و ...، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 34

وَ ابْنِ السَّبِيلِ، ثمانية أسهم يقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير.

فإن فضل من ذلك شي ء ردّ إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا. الحديث.» «1»

5- و في خبر أبي علي بن راشد، قال: «سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال:

للإمام. قال: قلت له: فأخبر أصحابي؟ قال: نعم، من أردت أن تطهره منهم.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار في هذا المجال، و هي كثيرة مرّ بعضها في الباب الثالث من هذا الكتاب، فراجع. «3»

قال الشيخ المفيد في الزكاة من المقنعة:

«باب وجوب إخراج الزكاة إلى الإمام: قال اللّه- عزّ

و جلّ-: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلٰاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» فأمر نبيه بأخذ صدقاتهم تطهيرا لهم بها من ذنوبهم، و فرض على الأمة حملها إليه بفرضه عليها طاعته و نهيه لها من خلافه. و الإمام قائم مقام النبي «ص» فيما فرض عليه من إقامة الحدود و الأحكام لأنه مخاطب بخطابه في ذلك على ما بيّنّاه فيما سلف و قدمناه، فلما وجد النبي «ص» كان الفرض حمل الزكاة إليه، و لما غابت عينه من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته. فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه من خاصته لشيعته، فإذا عدم السفراء بينه و بين رعيته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأن الفقيه أعرف بموضعها ممن لا فقه له في ديانته.» «4» هذا.

أقول: و كان يترقب في بحث الزكاة بيان مصارفها الثمانية أيضا، و لكن رأينا أن البحث المختصر لا يقنع و التفصيل لا يناسب هذا الكتاب، فنحيل القرّاء الكرام إلى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 184، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 240، الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.

(3)- راجع 1/ 98 و ما بعدها من الكتاب.

(4)- المقنعة/ 41.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 35

الكتب الموسوعة المؤلفة في فقه الزكاة، و لنقتصر هنا على ذكر الآية الشريفة و رواية جامعة في هذا الباب:

قال اللّه- تعالى- في سورة التوبة: «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ

حَكِيمٌ.» «1»

و في الوسائل عن الشيخ بإسناده، عن علي بن إبراهيم أنه ذكر في تفسيره تفصيل هذه الثمانية الأصناف فقال: «فسّر العالم «ع» فقال:

الفقراء هم الذين لا يسألون و عليهم مئونات من عيالهم، و الدليل على أنهم هم الذين لا يسألون قول اللّه- تعالى-: «لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لٰا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمٰاهُمْ لٰا يَسْئَلُونَ النّٰاسَ إِلْحٰافاً.» «2»

و المساكين هم أهل الزمانات، و قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان.

و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها.

و المؤلفة قلوبهم قال: هم قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه و لم يدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول اللّه «ص»، و كان رسول اللّه «ص» يتألفهم و يعلّمهم و يعرّفهم كيما يعرفوا فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا.

وَ فِي الرِّقٰابِ قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم، و ليس عندهم ما يكفّرون و هم مؤمنون، فجعل اللّه لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم.

و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم و يفكّهم من مال الصدقات.

و في سبيل اللّه قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به، أو قوم من المؤمنين ليس

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 60.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 273.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 36

عندهم ما يحجّون به أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال

الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد.

وَ ابْنِ السَّبِيلِ أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.» و عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق «ع» نحوه «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 145، الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 37

الجهة الرابعة: في الصدقات المندوبة و الأوقاف العامة:

هذا كله في الزكاة، و أما الصدقات المندوبة فلا نصاب لها و لا حدّ، و موضوعها جميع الأموال و الطاقات، فهي منبع غنيّ عامّ لسدّ الخلّات و الحاجات، و قد حثّ عليها الكتاب و السنة بنحو عامّ بحيث يتشوق إليها كل من كان له قلب أو ألقى السمع، و لو كانت الحكومات صالحة عادلة و الحكام عقلاء متشابكين مع الأمة و واجهوا الناس بالصداقة و الرحمة لتطايرت قلوب الناس إليهم و آثروهم على أنفسهم بالأموال و الطاقات. و ما ينفقه الإنسان بطوعه و رغبته أولى و أهنأ مما يؤخذ منه جبرا عليه.

و من أوفر الصدقات و أكثرها نفعا و عائدة الأوقاف و المشاريع العامة، فلو كان للحكومة سياسة و كفاية لأوجدت للأوقاف العامّة نظاما صحيحا صالحا، بحيث لا يقع فيها التفريط و لا تصل إليها أيدي الغاصبين، فتكثر عوائدها و يرتفع ببركتها كثير من الحاجات و الخلّات في المجالات المختلفة، هذا.

و الآيات و الروايات الواردة في الإنفاق و الصدقات في غاية الكثرة، فلنذكر بعضا منها نموذجا:

1- قال اللّه- تعالى- في سورة البقرة: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنٰابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، وَ اللّٰهُ يُضٰاعِفُ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ.» «1»

2- و

قال: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 261.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 38

وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.» «1»

و الموصول عام، و عمومه بعموم صلته، فالآية تشمل جميع عوائد الإنسان كما هو ظاهر.

3- و قال: «وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللّٰهَ يَعْلَمُهُ وَ مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ أَنْصٰارٍ.» «2»

فقد وردت في هذه السورة أربع عشرة آية متتالية في الحث على الإنفاق في سبيل اللّه و الإخلاص فيه و أنحائه، و من تلا الآيات بالتفات و توجّه أعجب أمر الإنفاق في سبيل اللّه و تاقت إليه نفسه قهرا، فتدبّر.

و قد تعرض في أول هذه الآيات لمضاعفة ما ينفقه الإنسان في سبيل اللّه سبعمائة مرّة، و ذكر بعد آيات الإنفاق بلا فصل آيات الربا الذي يتصوره الناس زيادة المال، و من جملتها قوله: «يَمْحَقُ اللّٰهُ الرِّبٰا وَ يُرْبِي الصَّدَقٰاتِ.» «3» فهو- تعالى- قابل بين الإنفاق الذي يراه الناس غرما و الربا الذي يرونه زيادة، و وعد بمضاعفة الأول أضعافا مضاعفة و محق الثاني الذي يرونه زيادة، و هذا من أحسن التعبيرات و أوقع البواعث في نفوس أهل المعرفة باللّه- تعالى-، فتدبّر.

4- و في سورة البقرة أيضا: «وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ، قُلِ الْعَفْوَ.» «4»

قال في المجمع:

«فيه أقوال: أحدها: أنه ما فضل عن الأهل و العيال أو الفضل عن الغنى، عن ابن عباس و قتادة. و ثانيها: أن العفو الوسط من غير اسراف و لا اقتار، عن الحسن و عطاء و هو

المروي عن أبي عبد اللّه «ع». و ثالثها: أن العفو ما فضل عن قوت السنة، عن أبي جعفر الباقر «ع». قال و نسخ ذلك بآية الزكاة، و به قال السدّي. و رابعها: أن

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 267.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 270.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 276.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 219.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 39

العفو أطيب المال و أفضله.» «1»

5- و في سورة آل عمران: «لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى تُنْفِقُوا مِمّٰا تُحِبُّونَ، وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ فَإِنَّ اللّٰهَ بِهِ عَلِيمٌ.» «2»

6- و في سورة التوبة: «أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ وَ أَنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ.» «3»

7- و في سورة الحديد: «آمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ أَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ.» «4»

إلى غير ذلك من آيات الكتاب الكريم.

8- و في الوسائل بسنده، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «الصدقة تدفع ميتة السوء.» «5»

9- و فيه أيضا بسنده، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «تصدّقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة، فتصدقوا رحمكم اللّه.» «6»

10- و فيه أيضا بإسناده، عن الرضا «ع»، عن آبائه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «التوحيد نصف الدين، و استنزلوا الرزق بالصدقة.» «7»

11- و فيه أيضا بسنده، عن الرضا «ع»، عن آبائه «ع»، قال: قال النبي «ص»:

______________________________

(1)- مجمع البيان 1/ 316، (الجزء 2).

(2)- سورة آل عمران (3)، الآية 92.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 104.

(4)- سورة الحديد (57)، الآية 7.

(5)- الوسائل 6/ 255،

الباب 1 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(6)- الوسائل 6/ 257، الباب 1 من أبواب الصدقة، الحديث 8.

(7)- الوسائل 6/ 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 40

«خير مال المرء و ذخائره الصدقة». «1»

12- و فيه أيضا بسنده، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «داووا مرضاكم بالصدقة.» «2»

13- و فيه أيضا بسنده، عن أبي جعفر «ع»، قال: «البرّ و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة السوء.» «3»

14- و فيه أيضا بسنده، عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«داووا مرضاكم بالصدقة و ادفعوا البلاء بالدعاء، و استنزلوا الرزق بالصدقة، فإنها تفكّ من بين لحى سبعمائة شيطان.» «4»

و نحو ذلك أخبار أخر أيضا، فراجع.

15- و في تفسير العياشي، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»:

«أ ترى اللّه أعطى من أعطى من كرامته عليه، و منع من منع من هوان به عليه؟ لا، و لكن المال مال اللّه يضعه عند الرجل ودائع، و جوّز لهم أن يأكلوا قصدا، و يشربوا قصدا، و يلبسوا قصدا، و ينكحوا قصدا، و يركبوا قصدا، و يعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين و يلمّوا به شعثهم، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا و يشرب حلالا و يركب حلالا و ينكح حلالا، و من عدا ذلك كان عليه حراما. ثم قال: «وَ لٰا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.» أ ترى اللّه ائتمن رجلا على مال خوّل له أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم و يجزيه فرس بعشرين درهما، و يشتري

جارية بألف دينار و يجزيه جارية بعشرين دينارا و قال: وَ لٰا تُسْرِفُوا، إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.»؟! «5»

16- و في الوسائل بسند صحيح، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، الحديث 14.

(2)- الوسائل 6/ 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، الحديث 18.

(3)- الوسائل 6/ 255، الباب 1 من أبواب الصدقة، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 260، الباب 3 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(5)- تفسير العياشى 2/ 13؛ و الميزان- عنه- 8/ 93.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 41

قال رسول اللّه «ص»: «كل معروف صدقة.» «1»

17- و فيه أيضا بسند صحيح، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «كل معروف صدقة.» «2»

18- و فيه أيضا بسنده، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و سنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، و ولد صالح يدعو له.» «3»

و نحو ذلك أخبار أخر أيضا، فراجع. «4»

19- و فيه أيضا بسنده، عن أيوب بن عطية، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «قسّم رسول اللّه «ص» الفي ء فأصاب عليا «ع» أرض، فاحتفر فيها عينا فخرج منها ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير فسمّاها عين ينبع، فجاء البشير، يبشّره، فقال: بشّر الوارث، بشّر الوارث، هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله، لا تباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، لا

يقبل اللّه منه صرفا و لا عدلا.» «5»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في صدقات رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين و فاطمة و الأئمة- عليهم السلام-. «6»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 2.

(3)- الوسائل 13/ 292، الباب 1 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 1.

(4)- الوسائل 13/ 292، و ما بعدها، الباب 1 من كتاب الوقوف و الصدقات.

(5)- الوسائل 13/ 303، الباب 6 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

(6)- راجع الوسائل ج 13، كتاب الوقوف و الصدقات.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 43

الفصل الثاني في الخمس

اشارة

و فيه أيضا جهات من البحث:

الجهة الأولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه:
[الخمس لغة]

قال في المقاييس:

«و الخمس: واحد من خمسة. يقال: خمست القوم: أخذت خمس أموالهم أخمسهم.» «1»

و في لسان العرب:

«و الخمس و الخمس و الخمس: جزء من خمسة، يطّرد ذلك في جميع هذه الكسور عند بعضهم، و الجمع أخماس. و الخمس: أخذك واحدا من خمسة، تقول: خمست

______________________________

(1)- معجم مقاييس اللغة 2/ 217.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 44

مال فلان و خمسهم يخمسهم بالضم خمسا: أخذ خمس أموالهم ... و في حديث عديّ بن حاتم: ربعت في الجاهلية و خمست في الإسلام، يعني قدت الجيش في الحالين، لأن الأمير في الجاهلية كان يأخذ الربع من الغنيمة و جاء الإسلام فجعله الخمس و جعل له مصارف.» «1»

و ذكر نحو ذلك ابن الاثير في النهاية. «2»

و هذا مما يؤيد ما سنذكره من كون الخمس حق الإمارة و كونه حقا وحدانيا تحت اختيار الحاكم. هذا بحسب اللغة.

و أمّا شرعا

فالخمس ضريبة مالية تعادل واحدا من خمسة جعلها في الشرع على أمور يأتي بيانها. و كونه حقيقة شرعية ممنوع بل اللفظ استعمل بمعناها اللغوي.

[آية الخمس]

و ثبوت الخمس إجمالا من ضروريات الإسلام، و يدل عليه الكتاب و السنّة و الإجماع:

قال اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.» «3»

صدّر- سبحانه و تعالى- كلامه بالبعث على العلم اهتماما بالحكم المذكور في الآية، و أكّده بالإتيان بحرف التأكيد، و علّقه على الموصول الذي هو من المبهمات و يدل على العموم بعموم صلته، و فسّره بمبهم آخر للدلالة على التعميم، فكل ما انطبق عليه مفهوم الصلة و صدق عليه لفظ الشي ء فهو موضوع لهذا الحكم.

و اختلفت كلمات أهل اللغة في معنى الغنم بمشتقاته، فيظهر من بعضها اختصاصها بما أصيب به بالحرب، و من بعضها عمومها لكل ما يستفيده الإنسان و يفوز به من الأموال، و الظاهر أن المراد بها ما يفوز به الإنسان من غير مشقة،

______________________________

(1)- لسان العرب 6/ 70.

(2)- النهاية 2/ 79.

(3)- سورة الأنفال (8)، الآية 41.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 45

فتكون في الحقيقة نعمة غير مترقبة، سواء أصيب به بالحرب أم بغيرها، فيكون إطلاق الكلمة على غنائم الحرب من باب إطلاق المطلق على أظهر أفراده:

قال في المقاييس:

«الغين و النون و الميم أصل صحيح واحد يدلّ على إفادة شي ء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر و غلبة.» «1»

أقول: لعل قوله:

«يختص به» يراد به غلبة إطلاقه عليه لا الاختصاص بنحو يهجر إطلاقه على المطلق.

و في القاموس:

«و المغنم و الغنيم و الغنيمة و الغنم بالضم: الفي ء ... و الفوز بالشي ء بلا مشقة.» «2»

و في النهاية:

«قد تكرر فيه ذكر الغنيمة و الغنم و المغنم و الغنائم، و هو ما أصيب من أموال أهل الحرب و أوجف عليه المسلمون بالخيل و الركاب ... و منه الحديث: «الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة.» إنما سماه غنيمة لما فيه من الأجر و الثواب، و منه الحديث:

«الرهن لمن رهنه، له غنمه و عليه غرمه.» «3»

أقول: ما رواه من الحديثين يشهدان بأن مفهوم اللفظ أعمّ من غنائم الحرب، كما لا يخفى.

و في لسان العرب:

«و الغنم: الفوز بالشي ء من غير مشقة، و الاغتنام: انتهاز الغنم، و الغنم و الغنيمة و المغنم: الفي ء.» «4»

و عن خليل بن أحمد في عين اللغة:

______________________________

(1)- معجم مقاييس اللغة 4/ 397.

(2)- قاموس اللغة/ 783.

(3)- النهاية لابن الأثير 3/ 389.

(4)- لسان العرب 12/ 445.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 46

«الغنم هو الفوز بالشي ء من غير (في غير خ. ل) مشقة.» «1»

و في مفردات الراغب:

«الغنم معروف، قال: وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمٰا، و الغنم: إصابته و الظفر به ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى و غيرهم.» «2»

أقول: و الظاهر أنه أحسن ما قيل في المقام. و ربما قيل:

«الغنم ما يناله الإنسان و يظفر به من غير مقابل يبذله في سبيله، ضدّ الغرم و هو ما يتحمله الإنسان من خسر و ضرر بغير خيانة و جناية.»

و لا يصدق الغنم على كل ما يظفر به الإنسان و إن كان بتبديل ماله به

بلا حصول فائدة، فلا محالة يعتبر في صدقه خصوصية، و الظاهر أن الخصوصية التي أشربت في معناه هو المجانية و عدم الترقب، فهو عبارة عما ظفر به الإنسان بلا توقع لحصوله و تصدّ مستقيم لتحصيله، و بعبارة أخرى: النعمة غير المترقبة.

فما يتصدى الإنسان لتحصيله في الحروب هو خذلان العدوّ و الغلبة عليه، لا اغتنام الأموال، فهو نعمة غير مترقبة، و كذلك ما يحصل بالظفر بالكنز و المعدن و بالغوص نعم غير مترقبة بحسب العادة قد تحصل و قد لا تحصل. و ما يتصدى الإنسان لتحصيله في مكاسبه و حرفه اليومية بحسب العادة هو ما يعيش به و يرفع به حاجاته اليومية، فالزائد على ذلك نعمة غير مترقبة، و لذا قلنا في باب أرباح المكاسب إن مقدار المؤونة اليومية خارج تخصّصا لا تخصيصا.

و كيف كان فالظاهر أنه لم يؤخذ في مفهوم الغنم خصوصية الحرب و القتال كما يعرف ذلك بملاحظة ضده أعني الغرم. و الغنيمة و المغنم أيضا من مشتقاته، فلا تختصان بمغانم الحرب. و لو سلّم ذلك فيهما بسبب كثرة الاستعمال فلا نسلّم ظهور الفعل في ذلك، فالآية تشمل بإطلاقها غنائم الحرب و غيرها. و وقوع الآية في سياق آيات غزوة البدر لا يوجب التخصيص، إذ المورد غير مخصص و إلا لوجب اختصاص

______________________________

(1)- عين اللغة 4/ 426.

(2)- مفردات الراغب/ 378.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 47

الخمس بغنائم بدر فقط، و لا مانع من أن يصير مورد خاص موجبا لنزول حكم كلي يشمله بعمومه و إطلاقه، بل هو المتعارف في آيات الكتاب العزيز.

و بالجملة، فالآية الشريفة بعمومها تشمل المعادن و الكنوز و الغوص و أرباح المكاسب بل و الهبات و

الجوائز أيضا، و قد نطقت بهذا العموم الأخبار المستفيضة الواردة في تفسيرها في الأبواب المختلفة:

1- ففي حديث وصايا النبي «ص» لعلي «ع»: «يا علي، إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه له في الإسلام. (إلى أن قال:) و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدق به فأنزل اللّه: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فأنّ للّه خمسه. الآية.» «1»

2- و في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، عن أبي جعفر الثاني «ع»: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. الآية». فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب ...» «2»

3- و في رواية حكيم مؤذن بني عيس، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ»؟ قال: «هي و اللّه الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكوا.» «3»

4- و في باب الغنائم و الخمس من فقه الرضا:

«و قال- جلّ و علا-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ» ... و كل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص و مال الفي ء الذي لم يختلف فيه و هو ما ادعي فيه الرخصة، و هو ربح التجارة، و غلّة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 50- 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس،

الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 48

الضيعة و سائر الفوائد، من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأن الجميع غنيمة و فائدة من رزق اللّه- تعالى-، فإنه روي أن الخمس على الخيّاط من إبرته و الصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس.» «1»

أقول: قوله: «و هو ربح التجارة» الظاهر زيادة الضمير فيه كما لا يخفى.

و قال المحقق في المعتبر بعد ذكر الآية الشريفة:

«و الغنيمة اسم للفائدة، و كما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه يتناول غيرها من الفوائد.» «2»

و المحقق «ره» مضافا إلى كونه فقيها عرب أصيل عارف بلغة العرب.

أقول: و يمكن أن يحمل على ذلك أيضا صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصة.» «3»

فتحمل الغنائم فيها على المعنى الأعم لا خصوص غنائم الحرب، و يكون الحصر في قبال ما يملكه الإنسان بالاشتراء و نحوه بلا ربح، بل و الأرباح بمقدار تصرف في مئونة السنة أيضا، بناء على ما أشرنا إليه من عدم صدق الغنيمة عليه و كون خروجها تخصصا لا تخصيصا. هذا.

و يحتمل في الصحيحة أن يكون الحصر فيها بالإضافة إلى الفي ء و الأنفال، و محطّ النظر فيها خصوص ما يصل إلى المسلمين من أموال الكفّار، فيكون المراد أن ما يصل إليهم من أموال الكفّار لا تخمس إلا الغنائم التي تقسم بين المقاتلين، و أما الفي ء و الأنفال فكلّها للإمام و لا خمس فيها خلافا لما عن الشافعي و غيره من ثبوت الخمس في الفي ء

أيضا كما يأتي في محلّه.

و أما الخمس في الحلال المختلط بالحرام و الأرض التي اشتراها الذمي فسيأتي

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 293.

(2)- المعتبر/ 293.

(3)- الوسائل 6/ 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 49

منّا المناقشة في كونهما من الخمس المصطلح، و الصحيحة ناظرة إلى الخمس المصطلح. هذا.

و قد يقال:

«إنه قد ورد أن رسول اللّه «ص» قسّم أموال غزوة أهل بدر بسير على أميال من بدر.» «1»

و ظاهره تقسيم الجميع.

و روي عن ابن عباس و ابن الزبير و زيد بن ثابت أن سورة الأنفال نزلت بالمدينة. «2»

و عن عبادة بن الصامت قال:

«سلمنا الأنفال للّه و رسوله، و لم يخمّس رسول اللّه «ص» بدرا و نزلت بعد: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» فاستقبل رسول اللّه «ص» بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر.» «3»

و عن أبي عبيد:

«لم يخمّس رسول اللّه «ص» غنائم بدر.» «4»

و في تفسير علي بن إبراهيم:

«فلم يخمّس رسول اللّه «ص» ببدر و قسّمه بين أصحابه ثم استقبل يأخذ الخمس بعد بدر.» «5»

فيظهر بذلك كله عدم كون غنائم بدر موردا لآية الخمس.

أقول: يرد على ذلك أولا: أن ظاهر آية الخمس كونها نازلة في بدر و في يوم

______________________________

(1)- الأمّ للشافعيّ 4/ 65، تفريق القسم فيما أوجف عليه الخيل و الركاب؛ و سيرة ابن هشام 2/ 297.

(2)- الدّر المنثور 3/ 158.

(3)- الدّر المنثور 3/ 187.

(4)- تفسير القرطبي 8/ 9.

(5)- تفسير عليّ بن إبراهيم (القمّى) 1/ 235، في تفسير سورة الأنفال (ط. أخرى 1/ 255).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 50

حادثته، لأنه المراد

بيوم الفرقان يوم التقى الجمعان في الآية الشريفة كما وردت به أخبار، اللهم إلا أن يقال إن قوله: و ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان إشارة إلى نزول آية الأنفال لا آية الخمس.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 50

و ثانيا: أن ما ذكر من الأخبار أخبار آحاد عارضها أخبار أخر:

فعن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الأنفال؟ قال: «نزلت في بدر.» «1»

و ظاهرها تمام السورة.

و عن أمير المؤمنين «ع» قال: «كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، و كان رسول اللّه «ص» أعطاني شارفا من الخمس يومئذ.» «2»

أقول: الشارف: الناقة المسنة.

و في الرسالة المنسوبة إلى الإمام الصادق «ع» بعد ذكر نزول آية الأنفال في بدر قال: «فلما قدم رسول اللّه «ص» المدينة أنزل اللّه عليه: «و اعلموا أنما غنمتم ... فخمّس رسول اللّه «ص» الغنيمة التي قبض بخمسة أسهم فقبض سهم اللّه لنفسه ... فهذا يوم بدر و هذا سبيل الغنائم التي أخذت بالسيف ...» «3» و ظاهره تخميس غنيمة بدر.

و ثالثا: لعل عدم تخميس النبي «ص» لغنائم بدر على فرض صحته كان من جهة عدم الاحتياج إليه و عدم وجود مصرفه في ذلك اليوم، و لكن اللّه- تعالى- أراد بإنزال الآية الشريفة تفهيمهم بأن الخمس ثابت بحسب التشريع لئلا يتوقع المقاتلون في الوقائع الآتية تقسيم جميع الغنيمة.

و رابعا: أن عدم تخميس مغانم بدر لا يدل على عدم ثبوت الخمس في سائر مغانم الحروب، فتدبّر.

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 158.

(2)- تفسير القرطبي 8/ 9، عن

مسلم في صحيحه.

(3)- تحف العقول/ 341.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 51

الجهة الثانية: فيما يجب فيه الخمس:
اشارة

قال المحقق في خمس الشرائع:

«فيما يجب فيه، و هو سبعة: الأول: غنائم دار الحرب مما حواه العسكر و ما لم يحوه من أرض و غيرها، ما لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد، قليلا كان أو كثيرا.

الثاني: المعادن، سواء كانت منطبعة كالذهب و الفضة و الرصاص، أو غير منطبعة كالياقوت و الزبرجد و الكحل، أو مائعة كالقير و النفط و الكبريت ...

الثالث: الكنوز، و هو كل مال مذخور تحت الأرض ...

الرابع: كل ما يخرج من البحر بالغوص كالجواهر و الدرر ...

الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة له و لعياله من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

السادس: إذا اشترى الذمّي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس ...

السابع: الحلال إذا اختلط بالحرام و لا يتميز وجب فيه الخمس.» «1»

و قال في المدارك:

«هذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية، و ذكر الشهيد في البيان أن هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة.» «2»

أقول: إدراج الحلال المختلط بالحرام و الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم في عنوان الغنيمة لا يخلو من إشكال، و لعل الخمس فيهما أيضا سنخ آخر و له مصرف آخر كما

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 179- 181 (طبعة أخرى 1/ 133).

(2)- المدارك/ 335.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 52

سيأتي، و أما الخمسة الأخر فهي مندرجة تحت عنوان الغنيمة و تشملها الآية الشريفة بعمومها كما مرّ، و لا نتقيد بصدق العناوين الخاصة بعد صدق عنوان الغنيمة عليها.

و بالجملة، فموضوع الخمس المصطلح هو أمر واحد تعرّض له الكتاب العزيز، و الملاك في جميع الموارد هو صدق هذا

العنوان أعني قوله: «أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ» بمفهومه العام، فتدبّر.

و تفصيل البحث في الخمس يطلب من الكتب الفقهية، و قد طبع منّا في سالف الزمان أيضا كتاب في الخمس و الأنفال، و إنما نتعرض هنا للموضوعات السبعة بنحو الإجمال فنقول:

الأول: غنائم دار الحرب:

و يدل على ثبوت الخمس فيها إجمالا الكتاب و السنّة و إجماع المسلمين. و قد مرّ البحث في الآية الشريفة إجمالا.

و من السنّة قوله «ع» في صحيحة عبد اللّه بن سنان السابقة، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة.» «1» و المتيقن منها غنائم الحرب.

و خبر أبي بصير، عن أبي جعفر «ع»، قال: «كل شي ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه «ص» فإن لنا خمسه ...» «2»

و مرسلة حماد الطويلة، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال:

«الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص، و من الكنوز، و من المعادن و الملاحة. الحديث.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 53

إلى غير ذلك من الأخبار و منها صحيحة ربعي الآتية. «1»

و بالجملة ثبوت الخمس إجمالا في غنائم الحرب مما لا إشكال فيه، من غير فرق بين القليل منها و الكثير، فلا يعتبر فيها نصاب.

و ظاهر المشهور ثبوت الخمس حتى في الأراضي التي لا تقسم عندنا بين الغانمين بل تبقى للمسلمين، فقد لاحظت آنفا عبارة الشرائع في الخمس و قال

في الجهاد منه:

«و أما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة و فيه الخمس، و الإمام مخيّر بين إفراز خمسه لأربابه و بين إبقائه و إخراج الخمس من ارتفاعه.» «2»

و قال الشيخ في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 18):

«ما لا ينقل و لا يحوّل من الدور و العقارات و الأرضين عندنا إن فيه الخمس، فيكون لأهله و الباقي لجميع المسلمين من حضر القتال و من لم يحضر فيصرف ارتفاعه إلى مصالحهم، و عند الشافعي أن حكمه حكم ما ينقل و يحوّل: خمسه لأهل الخمس و الباقي للمقاتلة الغانمين، و به قال ابن الزبير ...» «3»

و بذلك أفتى الشيخ في النهاية و المبسوط أيضا، فراجع. «4»

و استدل لذلك بعموم الآية و عموم رواية أبي بصير التي مرت. «5»

و خالف في ذلك صاحب الحدائق فقال ما حاصله:

«قد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار فلم أقف فيها على ما يدل على دخول الأرض و نحوها في الغنيمة التي يتعلق بها الخمس.» «6»

ثم ذكر ثلاث طوائف من الأخبار و أراد أن يستنتج منها عدم الخمس فيها:

الأولى: ما وردت في تقسيم الغنيمة، مثل صحيحة ربعي، عن أبي عبد اللّه «ع»،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2)- الشرائع 1/ 322 (طبعة أخرى/ 245).

(3)- الخلاف 2/ 333.

(4)- النهاية/ 198؛ و المبسوط 1/ 235 و 236.

(5)- الوسائل 6/ 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(6)- الحدائق 12/ 325.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 54

قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس

بين الناس الذين قاتلوا عليه ...» «1»

فمن أمثال هذه الروايات لا يستفاد حكم الأرض قطعا، إذ الأرض لا تقسم بين المقاتلين قطعا، بل لعل المستفاد منه أن الخمس إنما يثبت فيما يقسم.

الثانية: ما دلت على أن الأرض المفتوحة عنوة في ء لجميع المسلمين من وجد و من سيوجد إلى يوم القيامة و أن أمرها إلى الإمام يقبلها أو يعمرها و يصرف حاصلها في مصالح المسلمين.

و الظاهر منها أن ذلك حكم جميع الأرض لا أربعة أخماسها.

الثالثة: ما ورد في بيان عمل النبي «ص» و الإمام بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة و منها أرض خيبر، و لم يتعرض في واحدة منها للتخميس مع بيان الزكاة في حاصلها، و لو ثبت الخمس فيها لكان أولى بالذكر لتعلقه برقبة الأرض.

فمن هذه الروايات ما عن الكافي بسنده، عن صفوان و البزنطي، قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده ... و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر: قبّل سوادها و بياضها، يعني أرضها و نخلها ... و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم، الحديث.» «2» و نحوه صحيحة البزنطي، عن الرضا «ع» «3».

أقول: لا يخفى أن الطائفة الأولى لا دلالة لها على المقصود، إذ غاية الأمر قصورها عن إفادة التعميم لا أنها صالحة لتقييد الآية و الرواية، و أما الطائفتان الأخيرتان فدلالتهما واضحة، و هما أخصّ موردا من الآية و الرواية- و إطلاق الخاص مقدم-، بل في المستمسك:

«أن ظاهر النصوص الإشارة إلى الأرض الخارجية الخراجية، فالموضوع نفس

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 356،

الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(2) الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(3) الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 55

الأرض، و الحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوّز لا قرينة عليه.» «1»

و الحاصل أن الروايات الكثيرة الواردة في بيان حكم أرض الخراج و بيان سيرة النبي «ص» فيها مع كونها في مقام البيان ساكتة عن ثبوت الخمس فيها و هي أخص موردا من الآية و الرواية.

بل لأحد أن يدعي انصراف الآية الشريفة عن مثل الأراضي التي هي في ء لعنوان المسلمين عموما، كما يظهر من تقريرات بحث السيد الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- في الخمس «2»، فإن الخطاب فيها متوجه إلى خصوص من غنم بشخصه أو حضر الحرب و جاهد و اغتنم، و الأراضي ليست غنيمة عائدة إليهم كما هو المفروض، بل هي غنيمة للإسلام و عنوان المسلمين، و ظاهر الخطاب في قوله: «غَنِمْتُمْ» كونه للأشخاص الغانمين لا للحيثيات و العناوين، فتدبّر.

بل يظهر من بعض أن لفظ الغنيمة منصرف إلى خصوص المنقولات، قال الماوردي: «و أما الأموال المنقولة فهي الغنائم المألوفة.» «3»

هذا مضافا إلى أنه لم يعهد من الخلفاء و من أمير المؤمنين «ع» تخميس أراضي العراق و غيرها من الأراضي التي فتحت عنوة، و لا تخميس خراجها و عوائدها السنوية، و لو كان هذا لبان و أثبته المؤرخون.

و إلى أن الخمس كما يأتي بيانه من الضرائب و الماليات المقررة في الإسلام لمنصب الإمامة و الحكومة الحقة، كما أن الأراضي المفتوحة عنوة أيضا تكون من هذا القبيل و تكون تحت اختيار الحكومة الإسلامية

و إمام المسلمين كما مرّ في خبر صفوان و البزنطي «4».

و لم يعهد في الحكومات المتعارفة جعل الضرائب على الضرائب و الأموال العامة الواقعة تحت اختيار الحكومة و إن اختلفت فيها المصارف و الجهات. و إنما توضع

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 444.

(2)- زبدة المقال/ 16.

(3)- الأحكام السلطانية/ 138.

(4)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدو ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 56

الضرائب على غنائم الناس و فوائدهم بنفع بيت المال.

و يشهد لذلك قوله «ع» في مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»:

«و ليس في مال الخمس زكاة لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس ... و لذلك لم يكن على مال النبي «ص» و الوالي زكاة.» «1»

و يمكن أن يحمل على ذلك أيضا ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: «أحلت يا أبا محمد؟ أما علمت أن الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها إلى من يشاء؟ الحديث.» «2»

فيكون المراد أن ما هو ملك للإمام بما أنه إمام أي ما حصل في بيت مال المسلمين لا يتعلق به زكاة، و إلا فيستبعد جدّا عدم تعلق الزكاة بما هو ملك لشخص الإمام «ع» إذا بلغ النصاب المقرر، فإنه «ع» أحد من المكلفين، و عمومات التكليف تشمله، فكما تجب عليه الصلاة في أوقاتها الخمسة فكذلك تتعلق الزكاة بأمواله الشخصية أيضا إذا بلغت النصاب المقرر. هذا.

و في كتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي قال:

«و قال بعض الفقهاء: الأرض لا تخمّس لأنها في ء و ليست بغنيمة لأن الغنيمة لا توقف، و الأرض إن شاء الإمام وقفها و إن شاء

قسمها كما يقسم الفي ء فليس في الفي ء خمس و لكنه لجميع المسلمين ...» «3». هذا.

و قد عثرت بعد ما كتبت المسألة على أخبار ربما يستفاد منها تخميس رسول اللّه «ص» لأراضي خيبر أو عوائدها و خيبر كانت مفتوحة عنوة:

ففي سيرة ابن هشام:

«قال ابن إسحاق: و كانت المقاسم على أموال خيبر على الشق و نطاة و الكتيبة، فكانت الشق و نطاة في سهمان المسلمين، و كانت الكتيبة خمس اللّه و سهم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام، الحديث 4.

(3)- الخراج/ 20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 57

النبي «ص» و سهم ذوي القربى و اليتامى و المساكين (و ابن السبيل- الطبري.)

و طعم أزواج النبي «ص» و طعم رجال مشوا بين رسول اللّه «ص» و بين أهل فدك بالصلح ... فأخبرني ابن شهاب أنّ رسول اللّه «ص» افتتح خيبر عنوة بعد القتال و كانت خيبر مما أفاه اللّه- عزّ و جلّ- على رسول اللّه «ص» خمّسها رسول اللّه «ص» و قسمها بين المسلمين.» «1»

و روى صدر الحديث الطبري أيضا «2»، و روى خبر ابن شهاب أبو عبيد أيضا «3».

و لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر مما ذكر تقسيم رسول اللّه «ص» نفس أراضي خيبر لا تقسيم عوائدها فقط، فلعل التخميس على فرض صحة الرواية كان ثابتا عند التقسيم لا مطلقا لما عرفت من أنه لم يعهد التخميس في أراضي العراق و نحوها، و لعل الحكم الشرعي في بادي الأمر كان تقسيم الأراضي أيضا أو تخيير الإمام بينه و بين وقفها للمسلمين ثم نسخ بعد ذلك على ما

يشهد به الروايات و العمل كما يأتي.

قال أبو عبيد:

«فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين: أما الأول منهما فحكم رسول اللّه «ص» في خيبر و ذلك أنه جعلها غنيمة فخمسها و قسمها ... و أما الحكم الآخر فحكم عمر في السواد و غيره، و ذلك أنه جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا و لم يخمّسه، و هو الرأي الذي أشار به عليه علي بن أبي طالب و معاذ بن جبل.» «4»

هذا مضافا إلى أن المستفاد من صحيحة صفوان و البزنطي الماضية و نحوها عدم التقسيم لأراضي خيبر و لم يذكر فيها الخمس أيضا.

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 3/ 363 و 371.

(2)- تاريخ الطبري 3/ 1588 (طبعة ليدن).

(3)- الأموال/ 70.

(4)- الأموال/ 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 58

و في البخاري أيضا بسنده، عن عبد اللّه، قال: «أعطى رسول اللّه «ص» خيبر اليهود أن يعملوها و يزرعوها و لهم شطر ما يخرج منها.» «1»

فليس فيه أيضا اسم من التقسيم و لا الخمس، و لعل إعطاءه «ص» سهما من عوائدها إلى أزواجه و عائلته قد عبّر عنه الأصحاب بالخمس و هما منهم أنه كان من باب التخميس المصطلح، و قد يعبّر عن سهم النبي و سهم ذي القربى في باب الفي ء أيضا بالخمس توهما منهم على وجوب تخميس الفي ء خمسة أسهم حذفا لسهم اللّه.

و يأتي تتمة لذلك في فصل الفي ء و مصرفه، فتدبّر.

فإن قلت: في صحيح مسلم عن رسول اللّه «ص»: «و أيّما قرية عصمت اللّه و رسوله فإن خمسها للّه و لرسوله ثم هي لكم.» «2»

و رواه أحمد أيضا في المسند. «3» و ظاهر الحديث أيضا تقسيم الأرض و تخميسها.

قلت:

يمكن أن يحمل الحديث أيضا على تقسيم الفي ء، فتكون القرية مفتوحة صلحا، أو يراد تقسيم أموال القرية التي حواها العسكر فتخمس و تقسم البقية بين المقاتلين، فتأمّل.

الثاني مما فيه الخمس: المعادن:

من الذهب و الفضة و الرصاص و الصفر و الحديد و الياقوت و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الزيبق و النفط و الكبريت و القير و الملح و نحو ذلك.

و لا إشكال عندنا في تعلق الخمس بها. و يدل على ذلك مضافا إلى عموم الآية

______________________________

(1)- صحيح البخاري 2/ 76، باب مشاركة الذّمي و المشركين في المزارعة.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1376، كتاب الجهاد و السير، باب حكم الفي ء، الحديث 1756.

(3)- مسند أحمد 2/ 317.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 59

الشريفة كما مرّ، الأخبار المستفيضة:

1- كصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعا.» «1»

2- و صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع» قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس.» و قال: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّه- سبحانه- منه من حجارته مصفى الخمس.» «2»

3- و صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الكنز كم فيه؟ قال:

الخمس. و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس. و عن الرصاص و الصفر و الحديد و ما كان من المعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة.» «3»

4- و صحيحة محمد بن مسلم الأخرى، قال: «سألت أبا جعفر «ع» عن الملاحة، فقال: و ما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير ملحا، فقال: هذا المعدن فيه الخمس.

فقلت: و الكبريت و النّفط يخرج من الأرض؟ قال: فقال: هذا و أشباهه فيه الخمس.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع الوسائل: الباب الثالث مما يجب فيه الخمس.

و وافقنا في المسألة بعض فقهاء السنة أيضا:

ففي زكاة الخلاف (المسألة 137):

«المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب و الفضة و الحديد و الصفر و النحاس و الرصاص و نحوها مما ينطبع و مما لا ينطبع كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج و نحوها،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 60

و كذلك القير و الموميا و الملح و الزجاج و غيره.

و قال الشافعي: لا يجب في المعادن شي ء إلّا الذهب و الفضة، فإن فيهما الزكاة، و ما عداهما ليس فيه شي ء، انطبع أو لم ينطبع.

و قال أبو حنيفة: كل ما ينطبع مثل الحديد و الرصاص و الذهب و الفضة ففيه الخمس، و ما لا ينطبع فليس فيه شي ء ...

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ ... و روي عن النبي «ص» أنه قال: «في الركاز الخمس» و المعدن ركاز.» «1»

و في خراج أبي يوسف القاضي:

«قال أبو يوسف: في كل ما أصيب من المعادن من قليل أو كثير الخمس، و لو أنّ رجلا أصاب في معدن أقلّ من وزن مأتي درهم فضة أو أقل من وزن

عشرين مثقالا ذهبا فإن فيه الخمس، ليس هذا على موضع الزكاة، إنما هو على موضع الغنائم، و ليس في تراب ذلك شي ء، إنما الخمس في الذهب الخالص و في الفضة الخالصة و الحديد و النحاس و الرصاص ... و ما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة مثل الياقوت و الفيروزج و الكحل و الزيبق و الكبريت و المغرة فلا خمس في شي ء من ذلك، إنما ذلك كله بمنزلة الطين و التراب ... قال: و أما الركاز فهو الذهب و الفضة الذي خلقه اللّه- عز و جل- في الأرض يوم خلقت، فيه أيضا الخمس ... قال أبو يوسف: و حدثني عبد اللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن جده، قال: كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله، و إذا قتلته دابة جعلوها عقله، و إذا قتله معدن جعلوه عقله، فسأل سائل رسول اللّه «ص» عن ذلك. فقال «ص»: «العجماء جبار، و المعدن جبار، و البئر جبار، و في الركاز الخمس.» فقيل له: و ما الركاز؟ يا رسول اللّه! فقال: الذهب و الفضة الذي خلقه اللّه في الأرض يوم خلقت.» «2»

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 319.

(2)- الخراج/ 21 و 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 61

أقول: الجبار بالضم: الهدر. و الركاز بالكسر من الركز بمعنى الثبات، فتخصيصه بالذهب و الفضة بلا وجه إلا أن يكونا من باب المثال، و الظاهر أن الركاز بمفهومه يشمل المعدن و الكنز كليهما، بل صدق مفهوم الثبات في المعدن أقوى و أشدّ. و قوله في الحديث: «خلقه اللّه في الأرض يوم خلقت» أيضا ظاهر في المعدن.

و في نهاية ابن الأثير:

«الركاز عند أهل الحجاز

كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، و عند أهل العراق:

المعادن. و القولان تحتملهما اللغة، لأن كلا منهما مركوز في الأرض، أي ثابت» «1»

و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«و قد اختلف الناس في معنى الركاز: فقال أهل العراق: هو المعدن و المال المدفون كلاهما، و في كل واحد منهما الخمس. و قال أهل الحجاز: الركاز هو المال المدفون خاصة، و هو الذي فيه الخمس. قالوا: فأما المعدن فليس بركاز و لا خمس فيه، إنما فيه الزكاة فقط.» «2»

و قد مرت صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن المعادن ما فيها؟

فقال: «كل ما كان ركازا ففيه الخمس.» «3» و ظاهرها إرادة المعدن من الركاز.

و في سنن البيهقي بسنده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «الركاز:

الذهب الذي ينبت في الأرض.» «4» و هذا أيضا ينطبق على المعدن.

و لكن في صحيح البخاري:

«قال مالك و ابن إدريس: الركاز دفن الجاهلية، في قليله و كثيره الخمس، و ليس المعدن بركاز.» «5»

______________________________

(1)- النهاية 2/ 258.

(2)- الأموال/ 422.

(3)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(4)- سنن البيهقي 4/ 152، كتاب الزكاة، باب من قال المعدن ركاز فيه الخمس.

(5)- صحيح البخاري 1/ 262، باب في الركاز الخمس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 62

و لم يعلم وجه ما ذكره، اللهم إلا أن يقال: إن النبي «ص» كان يتكلّم بلغة الحجاز. هذا.

و حديث الخمس في الركاز- على ما قيل- مروي عن ابن عباس و أبي هريرة و جابر و عبادة بن الصامت و أنس بن مالك عن النبي «ص». رواه البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة و

مالك و أحمد و البيهقي. راجع كتاب الزكاة من البخاري باب في الركاز الخمس، و الحدود من مسلم باب جرح العجماء و المعدن و البئر جبار، و الزكاة من البيهقي «1»، و راجع أيضا ديات الوسائل «2».

و الخمس عندنا ثابت في جميع المعادن: المنطبعة و غيرها و الجامدة و المائعة، فنفي الخمس عن الياقوت و أمثاله بلا وجه.

و قد شرحنا مفهوم المعدن و حكينا كلمات أهل اللغة فيه في كتاب الخمس «3».

و محصل ما اخترناه أن المراد به مطلق ما تكوّن في الأرض و لو كان مائعا إذا اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها و تصيّره ذا قيمة و إن لم يخرج بها عن حقيقة الأرضية كبعض الأحجار القيّمة.

و هل يعتبر في خمس المعدن النصاب؟ في المسألة أقوال ثلاثة: الأول: عدم اعتباره. الثاني: اعتبار بلوغه عشرين دينارا. الثالث: اعتبار بلوغه دينارا. نسب الأول إلى أكثر القدماء، و ظاهر الخلاف و السرائر الإجماع عليه، و اختار بعض الأصحاب و منهم الشيخ في النهاية الثاني، و آخر الثالث، و بكل من الأخيرين رواية، فراجع كتاب الخمس «4».

و هاهنا إشكال ينبغي الالتفات إليه، و هو أن الأقوى عندنا على ما يأتي بيانه و يستفاد من بعض الأخبار كون المعادن من الأنفال، و الأنفال تكون بأجمعها

______________________________

(1)- صحيح البخاري 1/ 262؛ و صحيح مسلم 3/ 1334؛ و سنن البيهقي 4/ 152.

(2)- الوسائل 19/ 203، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان.

(3)- كتاب الخمس/ 43 و ما بعدها.

(4)- كتاب الخمس/ 48 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 63

للإمام بما أنه إمام المسلمين، و ظاهر الأخبار الدالة على وجوب الخمس في المعدن كون الباقي بعد

الخمس لمن أخرجه فكيف الجمع بين هذين الأمرين؟

و يمكن أن يجاب عن ذلك أولا: بأن جعل الخمس فيها لعله كان من قبل النبي «ص» و الأئمة «ع» بما هم أئمة، و حكما سلطانيا بعنوان حق الاقطاع، فيكون نفس ذلك إذنا منهم- عليهم السلام- في استخراج المعادن بإزاء تأدية الخمس من حاصلها.

و ثانيا: باحتمال كون التخميس حكما شرعيا إلهيا ثابتا لمن أخرج المعادن بإذنهم- عليهم السلام- و لو بالتحليل المطلق في عصر الغيبة. و كون الخمس بعنوان حق الإقطاع لا يقتضي اختصاص الإمام- عليه السلام- به و عدم صرف نصفه إلى السادة كما توهم، إذ هو تابع لكيفية جعل الإمام إياه.

هذا مضافا إلى ما يأتي منّا من احتمال كون الخمس بأجمعه مطلقا حقا وحدانيا ثابتا للإمام كما يدلّ عليه بعض الأخبار و يعبّر عنه بحق الإمارة غاية الأمر أن إدارة أمر فقراء بني هاشم تكون من وظائف الإمام و من شئونه بما أنهم من أغصان شجرة النبوة و الإمامة، فتدبّر. هذا.

و تحليل الأئمة «ع» الأنفال لشيعتهم في عصر الغيبة لا ينافي جواز دخالة الحاكم الشرعي فيها مع بسط يده، إذ الظاهر أن التحليل صدر عنهم توسعة للشيعة عند عدم بسط اليد للحكومة الحقة و عدم تصرفها فيها بنفسها.

و على هذا فإذا فرض تصرف الحكومة الحقة في المعادن و استخراجها لها مباشرة فالظاهر عدم تعلق الخمس بها حينئذ، إذ الخمس كما عرفت ضريبة إسلامية، و مورده هو ما يغنمه الناس فلا يتعلق بما يغنمه الدولة و الحكومة بنفسها، و سيأتي لذلك تفصيل في مبحث الأنفال.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 64

الثالث مما فيه الخمس: الكنز:

و هو المال المذخور في الأرض أو الجدار أو الجبل، سواء

كان من الذهب أو الفضة أو غيرهما من الجواهر، و لا خلاف في ثبوت الخمس فيه إجمالا بين الفريقين:

قال الشيخ في زكاة الخلاف (المسألة 145):

«الركاز هو الكنز المدفون، يجب فيه الخمس بلا خلاف. و يراعى عندنا فيه أن يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة، و هو قول الشافعي في الجديد، و قال في القديم: يخمّس قليله و كثيره، و به قال مالك و أبو حنيفة. دليلنا إجماع الفرقة ...» «1»

نعم، في مصرف خمس الكنز و المعادن عند فقهاء السنة خلاف: قال في الخلاف (المسألة 151):

«مصرف الخمس من الركاز و المعادن مصرف الفي ء، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي و أكثر أصحابه: مصرفها مصرف الزكاة، و به قال مالك و الليث بن سعد.

و قال المزني و ابن الوكيل من أصحاب الشافعي: مصرف الواجب في المعدن مصرف الصدقات، و أما مصرف حق الركاز فمصرف الفي ء.» «2» هذا.

و يدل على ثبوت الخمس في الكنز- مضافا إلى عدم الخلاف فيه و صدق الغنم في الآية- أخبار مستفيضة:

منها صحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن الكنز، كم فيه؟ فقال:

«الخمس ...» «3»

و منها صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن الرضا «ع»، قال: سألته عما يجب فيه

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 321.

(2)- الخلاف 1/ 322.

(3)- الوسائل 6/ 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 65

الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس.» «1»

و هل المراد بالمثلية، المثلية في الجنس أو المقدار أو كليهما؟ وجوه ذكرناها في كتاب الخمس، فراجع «2».

و هاهنا أمر ينبغي الإشارة إليه، و هو أنه من المحتمل جدا كون الكنز

أيضا مثل المعدن من الأنفال، أعني الأموال العامة التي تكون بأجمعها تحت اختيار الإمام.

و الحكم بالتخميس إما أن يكون إذنا من قبل الأئمة «ع» في استخراجه و يكون الخمس حكما سلطانيا بعنوان حق الإقطاع، أو يكون حكما شرعيا إلهيا ثابتا على من استخرجه بإذن الإمام.

و كيف كان فللإمام أو الحاكم الشرعي عند بسط اليد منع الأشخاص عن استخراجه. و لو استخرجه الإمام أو الحاكم الشرعي بنفسه فلا خمس فيه. فوزانه وزان المعدن على ما مرّ. و يساعد ذلك الاعتبار العقلائي و السيرة الجارية في جميع البلاد أيضا، فتدبّر.

الرابع مما فيه الخمس: الغوص:

و هو إخراج الجواهر من البحر بلا خلاف فيه عندنا.

و يشهد له، مضافا إلى صدق الغنم في الآية، النصوص:

ففي خبر البزنطي، عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن «ع»، قال:

سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(2)- كتاب الخمس/ 79 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 66

هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس.» «1»

و في صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه «ع» عن العنبر و غوص اللؤلؤ، فقال: عليه الخمس.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار.

و نصاب الغوص دينار كما هو المشهور شهرة محققة، و يدلّ عليه رواية محمد بن علي.

الخامس مما فيه الخمس: ما يفضل عن مئونة السنة:
اشارة

من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

و ثبوت الخمس فيه إجمالا مما لا إشكال فيه عند أصحابنا و إن لم يوافقنا فقهاء السنة.

و يدلّ عليه عموم الكتاب و إجماع أصحابنا و الروايات المستفيضة إن لم تكن متواترة.

أما الكتاب

فواضح، لصدق قوله: «ما غَنِمْتُمْ»، على ما مرّ من بيان مفاده.

و في الانتصار:

«و مما انفردت به الإمامية القول بأن الخمس واجب من جميع المغانم و المكاسب، و مما استخرج من المعادن و الغوص و الكنوز، و مما فضل من أرباح التجارات و الزراعات و الصناعات بعد المؤونة و الكفاية في طول السنة على اقتصاد.» «3»

و قال الشيخ في زكاة الخلاف (المسألة 138):

«يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات و الغلات و الثمار على

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- الوسائل 6/ 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(3)- الجوامع الفقهية/ 155 (طبعة أخرى/ 113).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 67

اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها و مؤنها، و إخراج مئونة الرجل لنفسه و مئونة عياله سنة، و لم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و طريقة الاحتياط تقتضي ذلك.» «1»

و في الغنية:

«و يجب الخمس أيضا في الفاضل عن مئونة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أيّ وجه كان، بدليل الإجماع المشار إليه و طريقة الاحتياط.» «2»

و قال العلامة في المنتهى:

«الصنف الخامس: أرباح التجارات و الزراعات و الصنائع و جميع أنواع الاكتسابات و فواضل الأقوات من الغلات و الزراعات عن مئونة السنة على الاقتصاد. و يجب

فيها الخمس، و هو قول علمائنا أجمع، و قد خالف فيه الجمهور كافة، لنا قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ. الآية.» «3»

و ذكر نحو ذلك في التذكرة أيضا، فراجع «4». إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب في المقام، فراجع كتاب الخمس منّا. «5»

و أما الأخبار

في المسألة فكثيرة ذكرها في الوسائل في الباب الثامن مما يجب فيه الخمس، فلنذكر بعضها:

1- موثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الخمس، فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.» «6»

2- و في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة، قال: كتب إليه أبو جعفر «ع» (إلى

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 319.

(2)- الجوامع الفقهية/ 507 (طبعة أخرى/ 569).

(3)- المنتهى 1/ 548، و الآية من سورة الأنفال (8) الآية 41.

(4)- التذكرة 1/ 253.

(5)- كتاب الخمس/ 145 و ما بعدها.

(6)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 68

أن قال): «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام. قال اللّه- تعالى-: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فإن اللّه خمسه. الآية. فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب، و ما صار إلى قوم من موالي من أموال الخرّمية الفسقة. فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لإيصاله و

لو بعد حين. الحديث.» «1»

و الرواية من الروايات الجامعة في الباب و قد شرحناها في كتاب الخمس، فراجع «2».

و لعل تقييد الجائزة بالتي لها خطر و الميراث بالذي لا يحتسب يشهدان بما مر منّا من اشتراط عدم الترقب في صدق عنوان الغنيمة.

3- و في صحيحة أخرى لعلي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له:

أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال: «يجب عليهم الخمس.» فقلت: ففي أيّ شي ء؟

فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم (ضياعهم خ. ل).» قلت: و التاجر عليه و الصانع بيده؟

فقال: «إذا أمكنهم بعد مئونتهم.» «3»

و أبو علي بن راشد اسمه الحسن، بغدادي ثقة من أصحاب الجواد و الهادي- عليهما السلام-، و كان وكيلا للإمام الهادي- عليه السلام-، فالظاهر عود الضمير في قوله: «قلت له» إليه- عليه السلام-.

4- حسنة محمد بن الحسن الأشعري، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني «ع»: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(2)- كتاب الخمس/ 165.

(3)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 69

جميع الضروب و على الصنّاع، و كيف ذلك؟ فكتب «ع» بخطه: «الخمس بعد المؤونة» «1»

5- و في خبر محمد بن علي بن شجاع النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الثالث «ع» عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأئة كرّ ما يزكّى، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة

ثلاثون كرا، و بقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقّع: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته.» «2»

و محمد بن علي بن شجاع مجهول.

6- و في صحيحة الريّان بن الصلت أو حسنته، قال: كتبت إلى أبي محمد «ع»: ما الذي يجب عليّ يا مولاي في غلّة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و برديّ و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب «ع»: «يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه- تعالى-.» «3»

7- و في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب «ع»: الخمس في ذلك. و عن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما، هل عليه الخمس؟ فكتب «ع»: أما ما أكل فلا، و أما البيع فنعم هو كسائر الضياع. «4»

و في السند ضعف باحمد بن هلال.

8- و في خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «على كل امرئ غنم أو

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 70

اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة-

عليها السلام- و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرّم عليهم الصدقة، حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة، إنه ليس من شي ء عند اللّه يوم القيامة أعظم من الزنا، إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ سل هؤلاء بما أبيحوا.» «1»

و في سند الرواية ضعف.

إلى غير ذلك من الروايات المستفاد منها ثبوت الخمس في الفوائد اليومية بعد إخراج المؤونة له و لعياله و هي كثيرة. و ظاهر أكثرها أو صريحها كونها في مقام بيان الوظيفة الفعلية للشيعة، و أكثرها صادرة عن الأئمة المتأخرين، و هم كانوا يطالبون الخمس من شيعتهم و ينصبون الوكلاء لمطالبته و أخذه، و استمرّت هذه السيرة حتى في عصر النوّاب الأربعة للإمام الثاني عشر «ع»، فلا مجال لأن يحمل هذه الأخبار على أصل الجعل و التشريع و يقال إنه لا يعارضها أخبار التحليل بل تحكّم عليها.

و خمس الأرباح ماليّة كثيرة ضخمة جدا و تتغيّر بحسب منابع الثروة و الأصقاع و الأزمان. و سيجي ء كون الخمس و لا سيما خمس الأرباح حقا وحدانيا يكون تحت اختيار إمام المسلمين، و لو طولب و جبي في كل عصر بنظام صحيح لسدّ به كثير من الحاجات و الخلّات.

نعم،

يقع البحث هنا في أمور
اشارة

ذكرناها في كتاب الخمس و لنشر هنا إلى أمور ثلاثة:

الأمر الأول: في الإشارة إلى إشكال وقع في خمس الأرباح و الجواب عنه:

إن الأخبار الدالة على هذا الخمس مرويّة عن الصادقين- عليهما السلام- و من

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 71

بعدهما من الأئمة «ع»، بل أكثرها مروية عن الجواد و الهادي- عليهما السلام- من الأئمة المتأخرين، و لا تجد في صحاحنا و لا صحاح السنّة حديثا في هذا الباب مرويّا عن النبي «ص» أو أمير المؤمنين «ع»، اللهم إلا بعض العمومات التي ربما يحتمل انطباقها عليه، و لم يضبط في التواريخ أيضا مطالبتهما «ع» لهذا الخمس من أحد، مع أنه لو كان ثابتا مشرّعا في عصرهما كان مقتضى عموم الابتلاء به نقل الرواة و المؤرخين له من طرق الفريقين.

و ليس هذا مما يخالفه حكومات الجور حتى يظن ذلك سببا لاختفائه كيف؟! و هو كان يوجب مزيد بيت المال و تقوية الجهات المالية.

فلم صار هذا الحكم مهجورا عند فقهاء السنة و رواتهم بحيث لم يفت به أحد منهم و لم يتعرض لثبوته أو مطالبته و أخذه أحد من أهل الحديث و التاريخ؟!

و لم لا يوجد في كتب النبي «ص» و كتب أمير المؤمنين «ع» إلى العمّال و جباة الأموال اسم و لا رسم من خمس الأرباح، مع أنه لو كان لنقل لعموم الابتلاء به، إذ يعمّ الحكم كل تاجر و كاسب و صانع و زارع و عامل؟!

نعم، في رواية ابن طاوس بإسناده، عن عيسى بن المستفاد، عن موسى بن جعفر، عن أبيه «ع»: «أن رسول اللّه «ص» قال لأبي ذرّ و سلمان و المقداد ... و إخراج الخمس من

كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم.» «1»

و لكن فيه مضافا إلى ضعف السند أن هذا غير خمس الأرباح، و لعله كان مندوبا إليه من باب صلة الإمام، فتأمّل.

و قد يقال: إنما في بعض كتب النبي «ص» و عهوده من أخذ الخمس من المغانم كقوله «ص» في كتابه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: «و أمره أن يأخذ من المغانم خمس اللّه و ما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار. الحديث.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 386، الباب 4 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 21.

(2)- سيرة ابن هشام 4/ 242.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 72

و قوله لوفد عبد القيس: «و أن تعطوا من المغنم الخمس.» «1»

و في كتابه «ص» لملوك حمير: «و آتيتم الزكاة و أعطيتم من المغانم خمس اللّه و سهم النبيّ و صفيّه.» «2»

و في كتابه «ص» لصيفي بن عامر سيد بني ثعلبة: «من أسلم منهم و أقام الصلاة و آتى الزكاة و أعطى خمس المغنم و سهم النبي «ص» و الصفيّ فهو آمن بأمان اللّه.» «3»

إلى غير ذلك مما في كتب النبي «ص» و عهوده للوفود، لا يمكن أن يراد. بالخمس فيها خمس مغانم الحرب لنهيه «ص» عن الإغارة و نهب الأموال، و كون أمر الحروب بيده «ص»، فلا محالة يراد بالخمس فيها خمس الأرباح و الاستفادات اليومية.

و لكن يمكن أن يورد على ذلك أولا: بأنّا لا نسلّم عدم إجازة الحرب من قبله «ص»، إذ قتال الكفار لدعوتهم إلى الإسلام لم يكن منهيّا عنه، و يشهد لذلك ذكر الصفي أيضا في بعض هذه الأخبار و هو ما كان يصطفى

من غنائم الحرب.

قال في النهاية:

«الصفيّ: ما كان يأخذه رئيس الجيش و يختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة و يقال له: الصفية و الجمع: الصفايا، و منه حديث عائشة: كانت صفية «رض» من الصفيّ.» «4»

و في مرسلة حماد الطويلة: «و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها الجارية الفارهة و الدابة الفارهة.» «5» و نحوها أخبار أخر.

و ثانيا: أن خمس الركاز أيضا مما أمر به النبي «ص» و يصدق عليه المغنم أيضا، و أما خمس الأرباح فلو كان واجبا في عصره و تعارف مطالبته و أخذه لذاع و شاع

______________________________

(1)- صحيح البخاري 1/ 20، باب أداء الخمس من الإيمان.

(2)- فتوح البلدان/ 82.

(3)- الإصابة 2/ 197.

(4)- النهاية لابن الأثير 3/ 40.

(5)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 73

ذكره في المحاورات و الكتب و لم يكن يخفى و يهمل إلى عصر الصادقين «ع»، فهذه معضلة قوية ينبغي الالتفات إليها و التحرّي لحلّها، هذا.

و لكن مع ذلك لا يضرّ هذا الإشكال بأصل الحكم بعد ما ثبت بعموم الكتاب و إجماع الفرقة المحقة و الأخبار المستفيضة كما مرّ.

و لعل الحكم ثبت في عصر النبي «ص» بنحو الاقتضاء و الإنشاء المحض، و لكن لما كان تنفيذه و إجراؤه موجبا للحرج بسبب الفقر النوعي أو لاستيحاش المسلمين منه لكونهم حديثي العهد بالإسلام، أو كونه «ص» مظنة للتهمة حيث إن الخمس كان بنفع شخصه و أهل بيته فلأجل ذلك أخرت فعليته و تنفيذه إلى عصر الأئمة- عليهم السلام-.

و أحكام الإسلام تدريجية و ربما أخرت فعلية بعضها حتى إلى عصر ظهور الإمام المنتظر لعدم تحقق شرائطها

قبل ذلك.

و يمكن أن يقال أيضا: إن هذا الخمس ضريبة سلطانية وضعها الأئمة المتأخرون من العترة الطاهرة بما هم أئمة العباد و ساسة البلاد شرعا حسب الاحتياج في أعصارهم، حيث إن الزكوات و الأموال العامة و سائر الضرائب الإسلامية قد انحرفت عن مسيرها الأصلي و صارت تحت اختيار خلفاء الجور و عمّالهم، و لذلك ترى الأئمة- عليهم السلام- محللين له تارة و مطالبين له أخرى.

و قد احتملنا نظير ذلك في خمس المعادن و الكنوز أيضا بناء على كونهما من الأنفال و كون الخمس فيهما بعنوان حق الإقطاع و إجازة التصرف فيهما.

و مقتضى ذلك جواز تجديد النظر في ذلك بحسب مقتضيات الزمان و الشرائط.

و لكن يبعّد هذا الاحتمال استدلالهم- عليهم السلام- لهذا الخمس و كذا لخمس الكنز بالآية الشريفة و تطبيقهم الآية عليهما. اللهم إلّا أن يكون الاستدلال بها وقع جدلا لإقناع من في قلبه مرض و ريب من سعة اختيارهم- عليهم السلام-، أو يراد بذكر الآية تثبيت الحكم إنشاء و اقتضاء و إن كانت فعليته من قبلهم- عليهم السلام-.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 74

و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم. و ربما يؤيده ما دلّ من الأخبار الواردة من طرق الفريقين على حرمة الزكاة على بني هاشم و تعويضهم منها بالخمس، فكما أن موضوعات الزكاة كانت أمورا مستمرة سنوية وجب أن يكون للخمس الذي هو عوض عنها أيضا موضوع مستمر سنوي و ليس هو إلّا أرباح المكاسب، إذ غنائم الحرب و المعادن و الكنوز و نحوها أمور اتفاقية قد لا تتحقق في سنوات متلاحقة فيلزم من ذلك حرمان بني هاشم في كثير من الأحيان، فتدبّر.

الأمر الثاني: في ذكر أخبار التحليل و الجواب عنها:

لا يخفى أن

هنا أخبارا كثيرة يستفاد منها تحليل الخمس إجمالا. و ليس مفاد ما دلّ على ثبوت الخمس في الأرباح و غيرها مجرّد الجعل و التشريع اقتضاء و إنشاء حتى يحكم بحكومة أخبار التحليل عليها و عدم المعارضة بينهما. بل قد عرفت أن أكثرها ظاهرة أو صريحة في بيان الحكم الفعلي و أن الأئمة «ع» كانوا يطالبونه و يعيّنون الوكلاء لمطالبته أو كانوا يأمرون بأدائه، فلا بد من بيان محمل لأخبار التحليل:

أما إجمالا، فنقول: إن ما دلّ على المطالبة و وجوب الأداء رويت عن موسى بن جعفر «ع» و من بعده من الأئمة المتأخرين- عليهم السلام-، و هي مستفيضة بل لعلها متواترة أفتى بمضمونها الأصحاب.

و أما أخبار التحليل فمرويّة عن الإمامين الهمامين: الباقر و الصادق- عليهما السلام- إلا صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني «ع» و لكن موردها صورة الإعواز و عدم إمكان الأداء.

و التوقيع المروي عن صاحب الزمان «ع». و فيه إجمال، لكون الجواب فيه ناظرا إلى سؤال السائل و هو غير معلوم، فلعله كان في مورد خاص، مضافا إلى ظهوره في المناكح خاصة بقرينة التعليل فيه بطيب الولادة، فعلى هذا يكون التحليل في زمان خاص أو موضوع خاص و يتعين العمل بالأخبار الصادرة عن الأئمة المتأخرين عن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 75

الصادقين «ع» الدالة على وجوب الأداء و فعليته.

و أما تفصيلا، فأخبار التحليل منها ما يختص بحال الإعواز بالنسبة إلى حق الإمام فقط.

كصحيحة علي بن مهزيار، قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر «ع» من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس، فكتب بخطه: «من أعوزه شي ء من حقي فهو في حلّ.»

«1»

و المراد بأبي جعفر هنا بقرينة الراوي هو أبو جعفر الثاني، أعني جواد الأئمة «ع».

و لا يخفى أن هذه الصحيحة بنفسها شاهدة على أن البناء و العمل في عصر الإمام الجواد «ع» كان على أداء الخمس و لذا استحلّ الرجل لنفسه، فيعلم بذلك أن أخبار التحليل مع كثرتها و صدورها عن الصادقين «ع» لم تكن بإطلاقها موردا للعمل في عصره «ع»، و ظاهر الجواب هو التحليل لخصوص المعوز لا مطلقا، بل لعل التحليل وقع للمعوز في عصره فقط.

و منها ما يدل على تحليل المناكح لشيعتهم:

1- كخبر ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم و لميلادهم.» «2»

2- و خبر أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج، ففزع أبو عبد اللّه «ع»، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: «هذا لشيعتنا حلال: الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ و ما يولد

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 76

منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما و اللّه لا يحلّ إلا لمن أحللنا له، و لا و اللّه ما أعطينا أحدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد (هوادة) و لا لأحد عندنا ميثاق.» «1»

و لعل المراد

بالميراث و التجارة و ما أعطيه بقرينة السؤال خصوص الإماء و الفتيات.

و لو أريد الأعم فيحمل على خصوص ما انتقل إليه ممن لا يعتقد الخمس أو لا يخمّس، إذ الظاهر من الحديث تعلق حق الإمام به قبل أن ينتقل إليه فلا يشمل الخمس المتعلق بأموال نفسه قطعا، بل يشكل هذا الحمل أيضا لمعارضته بخبر أبي بصير عن أبي جعفر «ع»، قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحل له.» «2» و خبره الآخر عنه «ع»، قال: «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا.» «3»

فالمتيقن من الرواية خصوص الإماء و الفتيات المغنومة المنتقلة إليه بالشراء أو بالميراث أو نحوهما.

3- و مما ورد في المناكح أيضا خبر محمد بن مسلم، عن أحدهما «ع»، قال: «إن أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيّبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكو أولادهم.» «4»

و لعل مرسل العياشي أيضا قطعة من هذا الحديث فيحمل إطلاقه على المناكح أيضا. «5»

4- و خبر الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: إن لنا أموالا من غلّات و تجارات و نحو ذلك، و قد علمت أن لك فيها حقّا، قال: «فلم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 338، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 5.

(5)- الوسائل 6/ 386، الباب 4 من أبواب الأنفال ...،

الحديث 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 77

أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب.» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار الناظرة إلى المناكح بلحاظ التعليلات الواردة فيها، فتأمّل.

و منها ما يحمل على تحليل ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس أو من لا يخمس في زمان خاص:

كبعض ما ذكر، و كرواية يونس بن يعقوب، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» فدخل عليه رجل من القمّاطين فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال و الأرباح و تجارات نعلم أن حقك فيها ثابت و أنّا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد اللّه «ع»: «ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم». «2»

و ظهورها في التحليل في زمان خاص ظاهر، كظهورها فيما تعلق به الخمس أو حق آخر في يد الغير ثم انتقل إليه، فلا تشمل ما تعلق به الحق في يده.

و منها ما دل على تحليل الفي ء و غنائم الحرب الواصلة إلى الشيعة من أيدي المخالفين:

كصحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر «ع»، قال: «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع»: «هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، الا و إن شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ.» و رواه الصدوق أيضا مثله إلا أنه قال: «و أبناءهم» «3».

إذ الظاهر أن المشار إليه لقوله: «من ذلك» الحق الثابت عند الناس إذا وصل إلى الشيعة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 9.

(2)- الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

(3)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

دراسات

في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 78

و خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «إن اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء فقال- تبارك و تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.» فنحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب على شي ء منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا. الحديث.» «1»

و قد كثرت الغنائم الحربية و الجواري المسبية في تلك الأعصار و كثر ابتلاء الشيعة بها فاقتضت المصلحة تسهيل الأمر على الشيعة و تحليلها لهم فعدم شمول هذه الأخبار لمثل أرباح المكاسب و سائر الموضوعات التي تعلق بها الخمس عند الإنسان واضح جدا.

و منها ما دلّ على تحليل الأراضي و الأنفال، ككثير من أخبار الباب، فراجع و يأتي بحثه في فصل الأنفال. «2»

بقي الكلام في التوقيع المروي في الإكمال و الاحتجاج، عن الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، عن صاحب الزمان «ع»:

ففي الاحتجاج: محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان- عليه السلام-: ... و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله يأكل النيران. و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث.» «3»

و إسحاق بن يعقوب لم يذكر بمدح و لا قدح.

______________________________

(1)- الوسائل

6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 19.

(2)- راجع المسألة الثانية من الجهة الرابعة من فصل الأنفال في الجزء التالي من الكتاب.

(3)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 79

و يظهر من هذا التوقيع بنفسه أن صاحب الأمر «ع» أيضا كان يطالب الأموال و يأخذها و لم يكن حلّلها بالكلية استغناء منها، فلعل الخمس المذكور في التوقيع كان نوعا خاصا منه اقتضت المصلحة تحليله كما يشعر بذلك التعليل بطيب الولادة، فلعله كان مرتبطا بخمس الغنائم و الجواري المسبية من قبل حكّام الجور المبتلى بها الشيعة في عيشتهم. و لا دليل على حمل اللام على الاستغراق بعد كون جوابه «ع» مسبوقا بالسؤال، و السؤال غير مذكور و لا معلوم، فلعل المسؤول عنه كان نوعا خاصا من الخمس، و اللام للعهد و الإشارة اليه، و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

هذا مضافا إلى أن ظاهر الكلام في التوقيع و غيره تحليل جميع الخمس حتى سهم السادة منه، و هو المستفاد من سائر أخبار التحليل أيضا.

و لا يمكن الالتزام بذلك بعد ما حرم الصدقة عليهم و جعل الخمس عوضا عنها.

و بالجملة، فصحيحة علي بن مهزيار كان موضوعه من أعوز، و التوقيع أيضا فيه إجمال، و أما غيرهما من أخبار التحليل المذكورة في الباب الرابع من أبواب الأنفال من الوسائل فجميعها صادرة عن الإمامين الهمامين الباقر و الصادق «ع» إلا رواية واحدة عن تفسير الإمام حاكية لتحليل أمير المؤمنين «ع». «1»

و إذا شاهدنا الأئمة المتأخرين عنهما «ع» يحكمون بوجوب الخمس في الأرباح و يطالبونه و يأخذونه كلا أو بعضا فلا محالة يجب أن تحمل

أخبار التحليل على موضوعات خاصة أو زمان خاص:

فمنها ما تدل على تحليل المناكح و الجواري المسبية المبتلى بها في تلك الأعصار، حفظا لطيب الولادات.

و منها ما تدل على تحليل الفي ء و غنائم الحرب الواصلة إلى الشيعة من أيدي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 80

المخالفين، و قد كثرت الغنائم الحربية و الجواري المسبية في تلك الأعصار و كثر ابتلاء الشيعة بها.

و منها ما تحمل على تحليل ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس أو لا يخمّس.

و منها ما تحمل على التحليل في زمان خاص.

و منها ما تدل على تحليل الأراضي و الأنفال.

فلا يستفاد من هذه الأخبار تحليل خمس أرباح المكاسب و سائر الموضوعات التي يتعلق بها الخمس عند المكلف، فتدبّر. و إن شئت التفصيل فراجع ما ذكرناه في كتاب الخمس «1». هذا.

1- و روى الصدوق بإسناده، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا، ما أريد بذلك إلا أن تطهروا.» «2»

2- و روى الكليني بإسناده، عن محمد بن زيد الطبري، قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا «ع» يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم. إن اللّه واسع كريم، ضمن على العمل الثواب و على الضيق الهمّ، لا يحل مال إلا من وجه أحلّه اللّه، إن الخمس عوننا على ديننا و على عيالنا و على موالينا و ما نبذله و نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم

عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم و تمحيص ذنوبكم، و ما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، و المسلم من يفي للّه بما عهد إليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب. و السلام.» «3»

3- و بالإسناد، عن محمد بن زيد، قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا «ع» فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال «ع»: «ما أمحل هذا؟!

______________________________

(1)- كتاب الخمس/ 151 و ما بعدها.

(2)- الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 375، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 81

تمحضونا المودّة بألسنتكم و تزوون عنّا حقّا جعله اللّه لنا و جعلنا له و هو الخمس، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حلّ. «1»

و رواهما الشيخ أيضا بإسناده، عن محمد بن زيد مثله. «2»

4- و روى الكليني و الشيخ عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني «ع» إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل- و كان يتولّى له الوقف بقم- فقال: يا سيّدي، اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ، فإني قد أنفقتها.

فقال له: أنت في حلّ. فلما خرج صالح قال أبو جعفر «ع»: «أحدهم يثب على أموال آل محمد و أيتامهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجي ء فيقول: اجعلني في حلّ، أ تراه ظن أني أقول: لا أفعل، و اللّه ليسألنهم اللّه يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا.» «3»

و الشيخ في الاستبصار بعد نقل أخبار التحليل و الأخبار الثلاثة الأخيرة قال:

«فالوجه في الجمع بين هذه الروايات ما كان يذهب

إليه شيخنا «ره»، و هو أنه ما ورد من الرخصة في تناول الخمس و التصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة «ع» لتطيب ولادة شيعتهم، و لم يرد في الأموال، و ما ورد من التشدّد في الخمس و الاستبداد به فهو يختص بالأموال.» «4»

هذا.

مضافا إلى أن الخمس و كذا الأنفال ليسا ملكا لشخص الإمام المعصوم كما قد يتوهم، بل هما لمنصب الإمامة أعني منصب زعامة المسلمين و إدارة شئونهم العامة، و الإمامة و الزعامة من الضروريات لمجتمع المسلمين في جميع الأعصار، و الخمس من أهمّ الميزانيات و الضرائب المشرعة لها و لذا عبّر عنه في رواية المحكم و المتشابه عن أمير المؤمنين «ع» بوجه الإمارة «5».

كما أن الأنفال أيضا أموال عامة راجعة إلى الحكومات في جميع النظامات

______________________________

(1) الوسائل 6/ 376، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(2) الوسائل 6/ 376، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 375، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

(4)- الاستبصار 2/ 60، كتاب الزكاة، الباب 32، ذيل الحديث 11.

(5)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 82

و منها نظام الإسلام.

فالتحليل المطلق للخمس و الأنفال هدم لأساس الإمامة و الحكومة الحقة، فلا محالة يجب أن تحمل أخبار التحليل كما عرفت على موضوعات خاصة أو زمان خاص أو شرائط خاصة.

و لعل تحليل الأنفال العامة كالأراضي و الآجام و نحوهما للشيعة كان يختص بعصر استبدّ بها حكّام الجور و أياديهم، و احتاج بعض الشيعة إليها و لم يتيسر لهم الاستيذان من أئمة

العدل و نوّابهم، و إلا فإطلاق سراح الأنفال مطلقا و عدم السماح لتحديدها و تقسيمها على وفق موازين العدل و الإنصاف يوجب استبداد جمع بها و حرمان المستحقين الضعفاء منها كما هو المشاهد في أعصارنا. و هذا أمر مرغوب عنه شرعا كما لا يخفى على من عرف مذاق الشرع المبين، فتدبّر.

الأمر الثالث: في أن الموضوع في هذا القسم من الخمس هل هو الأرباح أو مطلق الفائدة؟

لا يخفى أن المحتملات فيه أربعة: الأول: اعتبار صدق التكسب، أعني القصد إلى حصول المال و التصدي لذلك مطلقا، نسب إلى المشهور.

الثاني: اعتبار ذلك مع اتخاذه مهنة و حرفة مستمرة، كما نسب إلى المحقق الخونساري في حاشيته على شرح اللمعة.

الثالث: عموم الحكم للتكسب و للفائدة الاتفاقية أيضا مع حصولها بالاختيار كالهبة و الجائزة.

الرابع: عموم الحكم و لو للفائدة غير الاختيارية كالمواريث و نحوها.

و المذكور في كلمات أكثر القدماء من أصحابنا خصوص ما يستفاد بالاكتساب كأرباح التجارات و الصناعات و الزراعات.

و لكن المستفاد من الآية الشريفة و الأخبار هو الأعمّ من ذلك و مما لا يتصدى لتحصيله، سواء كان بالاختيار كالهبات و الجوائز أو بغيره كالميراث الذي لا يحتسب بل مطلقا على قول.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 83

توضيح ذلك أن المتعارف بين الناس أن يتوصل كل منهم بشغل من الأشغال لرفع حاجاته اليومية. فمنهم من يتوصل بالتوليد و الإنتاج كالزرّاع، و منهم من يتوصل بنقل الأموال كالتجّار، و منهم من يتوصل بتغيير صور الأمتعة و العمل عليها بما يزيد في قيمتها كالصنّاع.

فهذه هي عمدة وجوه الاستفادة المتعارفة بين الناس و قد تعرّض لها الأصحاب في كلماتهم.

نعم، قد يحصل للإنسان المال من دون تعب و تصدّ لتحصيله إما مع الاختيار كالهبات و الجوائز و الصداق و عوض الخلع و نحوها

أو بلا اختيار له كالميراث و نذر النتيجة على القول بصحته، و لكنها فوائد اتفاقية نادرة و ليس بناء اقتصاد الناس عليها و لا يصدق عليها الاكتساب و يشكل شمول كلمات الأصحاب لها.

اللهم إلا أن يحمل العناوين المذكورة في كلماتهم على المثال و يقال إن غرضهم بيان مطلق الفوائد اليومية غير العناوين الخاصة التي مرت من الغنائم و المعادن و الكنوز و الغوص التي لها أحكام خاصة.

و يؤيد ذلك كلمة «غير ذلك» المذكورة في النهاية و الغنيمة بعد عناوين التجارة و الصناعة و الزراعة.

و كيف كان فقد نسب إلى المشهور عدم ثبوت الخمس في الفوائد الاتفاقية، و لكن الأقوى هو الثبوت في مثل الهدية و الجائزة.

و يدل على ذلك، مضافا إلى عموم الآية الشريفة لصدق الغنيمة عليها، أخبار مستفيضة:

1- ففي صحيحة علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني «ع»- بعد الحكم بوجوب الخمس في الغنائم و الفوائد- قال: «فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب.

الحديث.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 50- 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 84

و تقييد الجائزة بالتي لها خطر لعله من جهة أن الجائزة الحقيرة تصرف فورا فلا تبقى إلى السنة. و من تقييد الميراث يستفاد عدم الخمس في المواريث المتعارفة التي تحتسب كما يأتي بيانه.

2- و في موثقة سماعة قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الخمس، فقال: «في

كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير.» «1» بناء على عموم اللفظ للفوائد الاتفاقية أيضا كما لا يبعد.

3- و في صحيحة علي بن مهزيار، عن أبي علي بن راشد، عنه «ع»، قال: «يجب عليهم الخمس.» فقلت: ففي أيّ شي ء؟ فقال: «في أمتعتهم و صنائعهم. الحديث.» «2»

بتقريب أن المتاع بحسب اللغة و الاستعمال يراد به كل ما يتمتع به في الحاجات فيعمّ جميع لوازم المعيشة و إن حصلت بالهبة و نحوها.

و في القاموس:

«و المتاع: المنفعة و السلعة و الأداة و ما تمتعت به من الحوائج، ج: أمتعة». «3»

و الظاهر أن الموضوع له هو الأخير و الباقي من قبيل المصاديق له.

4- و في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه و المنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب «ع»: «الخمس في ذلك.» «4»

أقول: في سند الرواية أحمد بن هلال، و فيه كلام.

5- و في خبر عبد اللّه بن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة «ع» و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس. الحديث.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(3)- قاموس اللغة/ 508.

(4)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 85

بناء على عدم كون الترديد

من الراوي. و في سند الرواية ضعف كما لا يخفى على أهله.

6- و في خبر أحمد بن محمد بن عيسى، عن يزيد، قال: كتبت: جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة و ما حدّها؟ رأيك- أبقاك اللّه- أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي و لا صوم، فكتب: «الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام أو جائزة.» «1»

و يزيد هذا يظن كونه يزيد بن إسحاق بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، و قد وثقوه.

7- و في رواية علي بن الحسين بن عبد ربّه، قال: سرّح الرضا «ع» بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليّ فيما سرّحت إليّ خمس؟ فكتب إليه: «لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس.» «2»

يظهر من الرواية أن الصلة بالطبع فيها الخمس. و في سند الرواية سهل بن زياد، و الأمر فيه سهل.

8- و في تحف العقول، عن الرضا «ع» في كتابه إلى المأمون قال: «و الخمس من جميع المال مرة واحدة.» «3» و لكن ليست هذه الجملة في نقل العيون.

9- و في رواية عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه «ع» أن رسول اللّه «ص» قال: «... و إخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى وليّ المؤمنين و أميرهم. الحديث.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

(2)- الوسائل 6/ 354، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 13.

(4)- الوسائل 6/ 386، الباب 4 من أبواب

الأنفال ...، الحديث 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 86

10- و في فقه الرضا بعد ذكر الآية الشريفة قال:

«و كل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص ... و هو ربح التجارة و غلّة الضيعة و سائر الفوائد من المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأن الجميع غنيمة و فائدة.» «1»

هذا مضافا إلى أنه إذا كان ما يحصل للإنسان بتعب و مشقة موردا للمالية و الضريبة فما يحصل له مجانا و بلا تعب أولى بذلك و أحق، فهذا أمر يحكم به العقل و الاعتبار العرفي.

و بالجملة، قد تحصل لك أن المستفاد من الآية الشريفة و الأخبار المستفيضة ثبوت الخمس في مطلق الفائدة.

و لكن المذكور في كلمات الأصحاب خصوص أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات، فهل يؤخذ بعموم الآية و مفاد الروايات المذكورة و تحمل كلماتهم على قصد المثال و بيان المنابع المتعارفة لتحصيل المال، أو يؤخذ بظاهر كلماتهم و يرفع اليد عمّا دلّ على ثبوت الخمس في مثل الهدية و الجائزة و الميراث بإعراض الأصحاب، بتقريب أن عدم تعرّضهم لمثل الميراث و الهدية و الجائزة في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن الأئمة «ع» مع عموم الابتلاء بها يكشف كشفا قطعيا عن خروجها عندهم عن موضوع الخمس و أنهم تلقوا ذلك عن الأئمة يدا بيد.

قال في السرائر:

«قال بعض أصحابنا إن الميراث و الهدية و الهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه، و لم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار إليه، و لو كان صحيحا لنقل نقل أمثاله متواترا، و الأصل براءة الذمة.» «2»

و في مصباح الفقيه ما

حاصله:

______________________________

(1)- فقه الرضا/ 294.

(2)- السرائر/ 114.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 87

«لا ينبغي الارتياب في عدم تعارفه بين المسلمين في زمان النبي «ص» و لا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمة «ع»، و إلا امتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم أعني وجوب صرف خمس المواريث، بل و كذا العطايا مع عموم الابتلاء به، على النساء و الصبيان من المسلمين فضلا عن صيرورته خلافيا أو صيرورة خلافه مشهورا لو لم يكن مجمعا عليه، فوقوع الخلاف في مثل المقام أمارة قطعية على عدم معروفيته في عصر الأئمة «ع» بل و لا في زمان الغيبة الصغرى، و إلا لقضت العادة بصيرورته من ضروريات الدين لو كان في عصر النبي «ص» أو المذهب لو كان في أعصار الأئمة «ع».» «1»

أقول: قد عرفت في أوائل بحث الخمس أن الغنيمة اسم لكل فائدة غير مترقبة أو زائدة على ما يترقب، فتشمل مثل الهدية و الجائزة الخطيرة بلا إشكال. و تعرضت لها الأخبار أيضا.

و أما الميراث فحيث إنه مما يقتضيه نظام التكوين لكل أحد بلا استثناء فيمكن أن يقال إنه أمر مترقب و مرجوّ الحصول و مقطوع التحقق، فلا يصدق عليه الاغتنام إلا فيما لا يحتسب كما دلّ على ذلك صحيحة ابن مهزيار.

بل يمكن أن يقال إن الاغتنام إنما يصدق في تبديل الأموال و نقلها، و ما هو المتبدل في المواريث إنما هو الملّاك لا الأموال فكأن الأموال و العقارات باقية على حالها و في مكانها و إنما تبدّل ملاكها بحسب ما اقتضاه نظام التكوين، فتأمّل.

ثم لو أبيت إلا عن صدق الغنيمة على الميراث أمكن الاستدلال على عدم الخمس في ما يحتسب منه بمفهوم الوصف في

الصحيحة و بأنه لو كان الخمس ثابتا فيه لاشتهر غاية الاشتهار بين العوام أيضا فضلا عن الخواص لكثرة الابتلاء به في جميع البلاد و في جميع الأعصار.

و لعل وزان الصداق أيضا وزان الميراث، فإنه أمر يرجى حصوله بحسب نظام

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 129.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 88

المجتمع. بل يمكن أن يقال إنه عوض عن الزوجية و البضع، حيث إن الزوجة تجعل نفسها تحت سلطنة الزوج بإزائه و تسلب حريتها بذلك فلا يصدق عليه الاغتنام

و من هذا القبيل أيضا عوض الخلع، فإنه بإزاء رفع اليد عن السلطة المملوكة.

هذا مضافا إلى أنه لو ثبت فيهما الخمس لاشتهر و بان لكثرة الابتلاء بهما و لا سيما بالصداق. هذا.

و أما رفع اليد عن العمومات و الأخبار المستفيضة الدالة على ثبوت الخمس في الهبة و الهدية و الجائزة و الميراث الذي لا يحتسب باستناد إعراض الأصحاب عنها فالالتزام به مشكل، لعدم ثبوت الإعراض، و إنما الثابت هو عدم تعرض الأكثر، و لعلهم ذكروا عناوين التجارة و الصناعة و الزراعة من باب المثال و من باب ذكر المصاديق الغالبة التي يزاولها الأكثر، و لذا قد عطف بعضهم عليها كلمة: «و غير ذلك.»

و كيف كان فالأقوى فيها ثبوت الخمس، وفاقا لأبي الصلاح و استحسنه في اللمعة و مال إليه في شرحها و قواه الشيخ الأعظم في خمسه بل لعله الظاهر من المعتبر أيضا، فتدبّر.

ثم لا يخفى أن من مصاديق الفوائد التي قوينا فيها الخمس ما إذا اشترى شيئا للقنية لا للتجارة، ثم اتفق أن باعه بأكثر مما اشتراه به، فالزائد على الثمن يكون من فوائد سنة البيع فيثبت الخمس فيما زاد منها على

مئونة السنة، بل لأحد أن يدرج هذا في عنوان التكسب أيضا، إذ حين الشراء و إن لم يكن قاصدا للنماء و الزيادة و لكنه قصدها حين ما باعه و يكفي هذا في صدق عنوان التكسب. بل قد يقال بذلك في مثل الهبة أيضا بتقريب أن قبولها نوع من التكسب، فتأمّل.

السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم:

«عند ابني حمزة و زهرة و أكثر المتأخرين من أصحابنا، بل في الروضة نسبته إلى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 89

الشيخ و المتأخرين أجمع، بل في المنتهى و التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الغنية الإجماع عليه، و هو- بعد اعتضاده بما عرفت- الحجة.» كذا في الجواهر. «1»

و في نهاية الشيخ:

«و الذمي إذا اشترى من مسلم أرضا وجب عليه فيها الخمس.» «2»

و في المبسوط:

«و إذا اشترى دمي من مسلم أرضا كان عليه فيها الخمس.» «3»

و في الغنية:

«و في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه، و في الأرض التي يبتاعها الذمي بدليل الإجماع المتردد.» «4» هذا.

و لكن في المختلف:

«لم يذكر ذلك ابن الجنيد و لا ابن أبي عقيل و لا المفيد و لا سلّار و لا أبو الصلاح.» «5»

فالمسألة مختلف فيها. و الأصل في المسألة ما رواه الشيخ بسند صحيح، عن أبي عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس.» و رواه الصدوق أيضا بإسناده، عن الحذاء «6».

و في زيادات المقنعة عن الصادق «ع» قال: «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس.» «7» و هي مع إرسالها يحتمل رجوعها إلى الصحيحة و وقوع الوهم في النسبة إلى الصادق «ع».

و الظاهر من الحديث و لا سيما المرسلة تعلق الخمس

برقبة الأرض، و هو الظاهر من النهاية و المبسوط و غيرهما. و لكن التتبع يوجب التزلزل في المسألة:

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 65.

(2)- النهاية/ 197.

(3)- المبسوط 1/ 237.

(4)- الجوامع الفقهية/ 507 (طبعة أخرى/ 569).

(5)- المختلف/ 203.

(6)- الوسائل 6/ 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(7)- الوسائل 6/ 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 90

1- ففي خراج أبي يوسف:

«قال أبو يوسف: و كل أرض من أرض العشر اشتراها نصراني تغلبي فإن العشر يضاعف عليه كما يضاعف عليهم في أموالهم التي يختلفون بها في التجارات، و كل شي ء يجب على المسلم فيه واحد فعلى النصراني التغلبي اثنان. قال: و إن اشترى رجل من أهل الذمة سوى نصارى بني تغلب أرضا من أرض العشر فإن أبا حنيفة قال: أضع عليها الخراج ... و أنا أقول أن يوضع عليها العشر مضاعفا فهو خراجها ... قال أبو يوسف: حدثني بعض أشياخنا أن الحسن و عطاء قالا في ذلك العشر مضاعفا، قال أبو يوسف: فكان قول الحسن و عطاء أحسن عندي من قول أبي حنيفة.» «1»

2- و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«أخبرني محمد، عن أبي حنيفة، قال: إذا اشترى الذمي أرض عشر تحوّلت أرض خراج، قال: و قال أبو يوسف: يضاعف عليه العشر ... قال أبو عبيد: و كان سفيان بن سعيد يقول: عليه العشر على حاله ... و روى بعضهم عن مالك أنه قال: لا عشر عليه و لكنه يؤمر ببيعها لأن في ذلك إبطالا للصدقة، و كذلك يروى عن الحسن بن صالح أنه قال: لا عشر عليه و لا خراج.» «2»

3- و

في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«قال حرب: سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر؟ قال: لا أعلم شيئا و أهل المدينة يقولون في هذا قولا حسنا: يقولون: لا يترك الذمي يشتري أرض العشر، و أهل البصرة يقولون قولا عجبا: يقولون: يضاعف عليهم، و قد روى عن احمد انهم يمنعون من شرائها، اختارها الخلّال و هو قول مالك و صاحبه فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس.» «3» هذا.

4- و الشيخ «ره» عنون في الخلاف ثلاث مسائل متعاقبة متناسبة فقال في المسألة

______________________________

(1)- الخراج/ 121.

(2)- الأموال/ 116- 118.

(3)- المغني 2/ 576.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 91

«84»: من الزكاة:

«إذا اشترى الذمي أرضا عشرية وجب عليه فيها الخمس، و به قال أبو يوسف فإنه قال: عليه فيها عشران. و قال محمد: عليه عشر واحد. و قال أبو حنيفة: تنقلب خراجية. و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج. دليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، و هي مسطورة لهم منصوص عليها، روى ذلك أبو عبيدة الحذاء، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس.» «1»

و في المسألة «85»:

«إذا باع تغلبي و هم نصارى العرب أرضه من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر، و لا خراج عليه. و قال الشافعي: عليه العشر. و قال أبو حنيفة:

يؤخذ منه عشران. دليلنا أن هذه ملك قد حصل لمسلم و لا يجب عليه في ذلك أكثر من العشر، و ما كان يؤخذ من الذمي من الخراج كان جزية، فلا يلزم المسلم ذلك.» «2»

و في المسألة «86»:

«إن اشترى تغلبي من ذمي أرضا لزمته الجزية كما

كانت تلزم الذمي. و قال أبو حنيفة و أصحابه: عليه العشران. و هذان العشران عندهم خراج يؤخذ باسم الصدقة. و قال الشافعي: لا عشر عليه و لا خراج. دليلنا أن هذا ملك قد حصل لذمي فوجب عليه فيه الجزية كما يلزم في سائر أهل الذمة.» «3»

5- و قال العلامة في المنتهى:

«الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم وجب عليه الخمس. ذهب إليه علماؤنا.

و قال مالك: يمنع الذمي من الشراء إذا كانت عشرية، و به قال أهل المدينة و أحمد في رواية. فإن اشتراه ضوعف العشر فوجب عليه الخمس. و قال أبو حنيفة: تصير

______________________________

(1)- الخلاف 1/ 300.

(2)- الخلاف 1/ 300.

(3)- الخلاف 1/ 300.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 92

أرض خراج. و قال الثوري و الشافعي و أحمد في رواية أخرى: يصح البيع و لا شي ء عليه و لا عشر أيضا. و قال محمد بن الحسن: عليه العشر. لنا أن في إسقاط العشر إضرارا بالفقراء، فإذا تعرضوا لذلك ضوعف عليهم فأخرج الخمس. و يؤيده ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة الحذاء. الحديث.» «1»

و نحو ذلك في التذكرة أيضا. «2»

و تعرض للمسألة و نقل الأقوال المحقق في المعتبر أيضا، فراجع. «3»

6- و في منتقى الجمان بعد نقل الصحيحة قال:

«قلت: ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أن المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود، و للنظر في ذلك مجال. و يعزى إلى مالك القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية و أنه إن اشتراها ضوعف العشر فيجب عليه الخمس، و هذا المعنى يحتمل إرادته من الحديث إما موافقة عليه أو تقية على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم. و معلوم أن رأي مالك

كان هو الظاهر في زمن الباقر «ع».

و مع قيام هذا الاحتمال بل قربه لا يتّجه التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه، و ليس هو بمظنّة بلوغ حد الإجماع ليغنى عن طلب الدليل فإن جمعا منهم لم يذكروه أصلا و صرّح بعضهم بالتوقف فيه ...» «4»

أقول: ولادة مالك على ما في مقدمة الموطأ كانت في 95 من الهجرة، و في هذه السنة أيضا بدأت إمامة الباقر «ع» على ما في أصول الكافي، و وفاة الإمام «ع» كانت في 114 «5» فلم يكن مالك في عصر إمامته «ع» أهلا لأن يظهر فتواه و يتقى منه. نعم، هذه الفتوى كانت ظاهرة قبل ذلك عن الحسن و عطاء كما مرّ بل كان

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 549.

(2)- التذكرة 1/ 253.

(3)- المعتبر/ 293.

(4)- منتقى الجمان 2/ 443.

(5)- الموطّأ، أو اخر المقدمة؛ و أصول الكافي 1/ 466 و 469.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 93

هذا عمل النبي «ص» و كذا الخليفة الثاني كما يأتي عن قريب.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 93

و كيف كان فهل نلتزم بثبوت الخمس في رقبة الأرض تمسكا بظاهر الصحيحة و الإجماع المنقول و شهرة المتأخرين من أصحابنا، أو نمنع ذلك بتقريب أن صدور الحديث من الإمام «ع» في جوّ كان البحث عن بيع الأرض العشرية من الذمّي و عن كيفية المعاملة معه من أخذ الخراج أو العشر أو الخمس ظاهرا بينهم يوجب التردد في الحكم لاحتمال صدور الحديث تقية أو كون مراد الإمام- عليه السلام-

أيضا ثبوت الخمس أي العشرين في حاصل الأرض بعنوان الزكاة وفقا لهم و لما حكي عن النبي «ص». إذ لا بعد في كون الحكم ذلك لئلا يرغب أهل الذمة في شراء أراضي المسلمين، بل أنس ذهن الراوي بالحكم الشائع في ذلك الجو يوجب انسباق ذلك من كلام الإمام أيضا. فيمنع بذلك ظهور الصحيحة في خمس الرقبة.

كيف؟! و عمدة الدليل على حجية الخبر بناء العقلاء، و يمكن منع بنائهم على العمل مع تلك القرائن الموجبة لعدم الظهور أو عدم إرادته.

و لعل نظر بعض المفتين في المسألة كالشيخ في الخلاف و العلامة في المنتهى و التذكرة أيضا كان إلى ثبوت الخمس في حاصل الأرض لا في رقبتها، فتأمل في العبارات التي مرت، بل الظاهر من عبارة الخلاف كون موضوع البحث عند أصحابنا أيضا هو حاصل الأرض العشرية و أنهم حملوا الصحيحة أيضا على ذلك.

نعم للحاكم الإسلامي منع الذمي من شراء الأرض و سائر العقارات من المسلمين إذا كان هذا مقدمة لاستيلائهم الاقتصادي و السياسي كما شوهد ذلك في فلسطين، و له أيضا جعل الخمس على رقبة الأرض إذا فرض اشتراؤها و يصير هذا نحو جزية عليهم. هذا.

و ليس جعل الخمس في حاصل أراضي الكفّار أمرا غريبا يستوحش منه، بل له سابقة في سيرة النبي «ص» و الخلفاء:

ففي خبر محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 94

هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم؛ أما عليهم في ذلك شي ء موظّف؟ فقال: «كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية؛ إن شاء الإمام

وضع ذلك على رءوسهم و ليس على أموالهم شي ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء» فقلت: «فهذا الخمس؟» فقال: «إنما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص».» «1»

و روى الصدوق، قال: قال الرضا «ع»: «إن بني تغلب أنفوا من الجزية و سألوا عمر أن يعفيهم، فخشى أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رءوسهم و ضاعف عليهم الصدقة، فعليهم ما صالحوا عليه و رضوا به إلى أن يظهر الحق.» «2»

و قد ظهر مما ذكرناه بطوله الإشكال في خمس رقبة الأرض التي اشتراها الذمّيّ من المسلم، بل الثابت هو الخمس في حاصلها بعنوان الزكاة، و على ذلك تحمل الصحيحة و كثير من كلمات الأصحاب أيضا، فليس في المسألة إجماع و لا شهرة مقنعة، و الظاهر من كلمة الأرض في تلك الأعصار كان أراضي الزراعة و التنمية لا مثل أراضي الدور و الدكاكين و نحوها لعدم الاهتمام فيها بأرضها، فتدبّر.

السابع مما فيه الخمس: الحلال المختلط بالحرام

على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره، فيحلّ بإخراج خمسه:

و قد أفتى بذلك في النهاية و الغنية و غيرهما بل ادعي عليه الإجماع و الشهرة:

قال في النهاية:

«و إذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام و لا يتميز له، و أراد تطهيره

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 116، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 95

أخرج منه الخمس و حلّ له التصرف في الباقي.» «1»

و في الغنية في عداد ما فيه الخمس:

«و في المال الذي لم يتميز حلاله من حرامه، و في الأرض التي يبتاعها

الذمي، بدليل الإجماع المتردد.» «2»

نعم، لم يذكره المفيد و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، كما في المختلف.

و قال في المدارك:

«المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه و التفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك.» «3»

و كيف كان فقد استدلوا لوجوب الخمس في المقام بروايات، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة عمار بن مروان، المروية عن الخصال، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس.» «4»

و الرواية لا بأس بها سندا و دلالة. و ظاهر الخمس فيها، هو الخمس المصطلح، نعم ربما يوهنها عدم ذكرها في الكتب الأربعة.

2- ما رواه الشيخ بسنده، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«إن رجلا أتى أمير المؤمنين «ع» فقال: يا أمير المؤمنين، إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه؟

فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن اللّه- عزّ و جلّ- قد رضي من ذلك المال بالخمس،

______________________________

(1)- النهاية/ 197.

(2)- الجوامع الفقهية/ 507 (طبعة أخرى/ 569).

(3)- المدارك/ 339.

(4)- الوسائل 6/ 344، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 96

و اجتنب ما كان صاحبه يعلم.» «1»

هكذا في الوسائل، و لكن الشيخ رواها في موضعين من التهذيب ذكر في الموضع الأول «يعمل» بدل قوله: «يعلم»، و في الموضعين «قد رضي من المال» بدل قوله: «قد رضي من ذلك المال.» «2»

3- ما رواه المشايخ الثلاثة بسند لا بأس به، عن السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»: ففي

الفقيه: «روى السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن أبيه، عن آبائه «ع»، قال: «أتى رجل عليا «ع» فقال: إني كسبت مالا أغمضت في طلبه حلالا و حراما، فقد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و لا الحرام فقد اختلط عليّ؟ فقال علي «ع»: أخرج خمس مالك، فإن اللّه- عزّ و جلّ- قد رضي من الإنسان بالخمس، و سائر المال كله لك حلال.» «3»

و رواه الكليني أيضا إلا أنه قال: «فقال أمير المؤمنين «ع»: «تصدق بخمس مالك، فإن اللّه- جلّ اسمه- رضي من الأشياء بالخمس، و سائر الأموال لك حلال.» «4» و رواه الشيخ أيضا بسنده عن الكليني. «5»

و الظاهر رجوع روايتي السكوني و الحسن بن زياد إلى رواية واحدة، لتشابههما في السؤال و نقلهما لواقعة واحدة اتفقت في زمان أمير المؤمنين «ع». و يبعد تعدد الواقعة.

و على هذا فيشكل الاعتماد على ما اختلفتا فيه من الخصوصيات.

و هل تحمل الروايتان على المال الذي أصابه الإنسان من شخص آخر بالوراثة أو الاشتراء أو نحوهما و قد اختلط مال ذلك الشخص إجمالا و لكن يحتمل كون المال المنتقل إليه بأجمعه من الحلال فيكون حلالا له و يحمل الخمس فيه على خمس الأرباح و الفوائد كما قد يحتمل، أو يراد المال الذي قد اختلط عند نفسه أو عند غيره و لكن المختلط قد انتقل إليه فيكون الخمس للتحليل؟ و جهان، و لعل الثاني هو الأظهر.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 352، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

(2)- التهذيب 4/ 124 و 138، كتاب الزكاة، الباب 35 و 39.

(3)- الفقيه 3/ 189، كتاب المعيشة، باب الدين و القرض، الحديث 3713.

(4)- الكافي 5/ 125 (ط. القديم من الفروع

1/ 363)، كتاب المعيشة، باب المكاسب الحرام، الحديث 5.

(5)- الوسائل 6/ 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 97

و يحتمل فيهما أيضا أن يراد حلية المال المختلط أو المشتبه بسبب توبة الشخص و يكون الخمس فيه أيضا من قبيل خمس الفوائد، و لا بعد في أن يحل المال المختلط أو المشتبه و ينصبغ الحرام في البين بصبغة الحلية بسبب التوبة، كما يشهد بذلك الأخبار المستفيضة الواردة في المال المختلط بالربا، فراجع الوسائل الباب الخامس من أبواب الربا. «1» و كذلك موثقة سماعة فيمن أصاب مالا من عمل بني أميّة. «2»

و يشهد بذلك أيضا مرسلة الصدوق في المقام، و قد فصّلنا البحث في ذلك في كتاب الخمس، فراجع. «3»

4- مرسلة الصدوق، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين «ع» فقال:

يا أمير المؤمنين، أصبت مالا أغمضت فيه، أ فلي توبة؟ قال: ايتني خمسه، فأتاه بخمسه، فقال: «هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه.» «4»

و الظاهر كونها مشيرة إلى نفس الواقعة المذكورة في روايتي السكوني و الحسن بن زياد، فيجري فيها ما مضى فيهما.

5- موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلّا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت.» «5»

أقول: الظاهر أن المراد بالخمس فيه هو الخمس المصطلح و لكن المورد في الحديث هو المال المشتبه لا المختلط، إذ المنتقل إليه لا يعلم بوجود الحرام فيه، فالخمس فيه هو خمس الأرباح، فتأمل.

______________________________

(1)- الوسائل 12/

430.

(2)- الوسائل 12/ 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الخمس، الحديث 2.

(3)- كتاب الخمس/ 110 و ما بعدها.

(4)- الوسائل 6/ 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 98

فالعمدة في المسألة هو صحيحة عمار بن مروان و معتبرة السكوني. و عمدة الإشكال في المسألة هو أن الحكم الشرعي في المال الذي لا يعرف صاحبه أو لا يمكن إيصاله إلى صاحبه كاللقطة و ما أودعه اللصوص عند الإنسان و غير ذلك هو التصدق به كما نطقت بذلك الأخبار في الموارد المختلفة.

و من البعيد جدا كون المصرف هو التصدق فيما إذا علم مقدار الحرام، و الخمس المصطلح فيما إذا لم يعلم مقداره. فيحتمل قويا كون مصرف الخمس في المقام هو مصرف الصدقات، غاية الأمر أن المقدار لما كان مجهولا فاللّه- تعالى-، مالك الأملاك و وليّ الغائب، صالح الحرام الموجود في البين بالخمس.

و يؤيد ذلك قوله «ع» في خبر السكوني بنقل الكليني: «تصدق بخمس مالك.»

و الكليني ذكر روايات الخمس في أواخر كتاب الحجة من الكافي، لكونه عنده من حقوق الإمامة، و لكنه ذكر خبر السكوني الذي مرّ في كتاب المعيشة من الفروع، فيظهر بذلك أنه لم يجعل الخمس في المال المختلط من قبيل الخمس المصطلح.

و في حاشية الفروع عن مرآة العقول قال: «و اختلفوا في أنه خمس أو صدقة، و الأخير أشهر.» «1»

و ليس لفظ الخمس حقيقة شرعية في الخمس المصطلح المعهود كما قد يتوهم، بل يراد به جزء من الأجزاء الخمسة. نعم، قرينة السياق في صحيحة عمّار بن

مروان ربما تشهد بإرادة الخمس المصطلح. هذا.

و لو قيل بأن الخمس المصطلح بأجمعه حق وحدانيّ لمنصب الإمامة كما سيأتي بيانه، و أن مصرف الصدقة مطلقا هو جميع المصارف الثمانية التي منها جميع سبل الخير لا خصوص الفقراء و المساكين كما لا يبعد، و يشهد له آية مصرف الصدقات، و كذا إطلاق الصدقة على الأوقاف العامّة، و قوله «ع»: «كل معروف صدقة» «2»، و قوله «ع»: «عونك للضعيف من أفضل الصدقة» «3»، و نحو ذلك من الاستعمالات، انحلّ

______________________________

(1)- الكافي 5/ 125، كتاب المعيشة، باب المكاسب الحرام، ذيل خبر السكوني.

(2)- الوسائل 6/ 321، الباب 41 من أبواب الصدقة، الحديث 1 و 2.

(3)- تحف العقول/ 414.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 99

الإشكال من رأسه، إذ يصرف الجميع في مصالح الإسلام و المسلمين و شئون الإمامة و الحكومة، و منها فقراء المسلمين و فقراء بني هاشم، فتأمل، لبقاء الإشكال إن منعنا إعطاء الصدقة لبني هاشم، اللّهم إلا أن يقال باختصاص ذلك بالزكاة الواجبة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 100

الجهة الثالثة: في مصرف الخمس:
[كلمات الفريقين]

1- قال الشيخ في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 37):

«عندنا أن الخمس يقسّم ستة أقسام: سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أسهم كانت للنبي «ص» و بعده لمن يقوم مقامه من الأئمة، و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل من آل محمد «ص» لا يشركهم فيه غيرهم.

و اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الشافعي إلى أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول اللّه «ص» و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فأمّا سهم

رسول اللّه «ص» فيصرف في مصالح المسلمين، و أما سهم ذي القربى فإنه يصرف إلى ذوي القربى على ما كان يصرف إليهم على عهد النبي «ص» على ما نبينه فيما بعد.

و ذهب أبو العالية الرياحي إلى أن الخمس من الغنيمة و الفي ء مقسوم على ستة أقسام: سهم للّه- تعالى-، و سهم لرسوله، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لأبناء السبيل. و ذهب مالك إلى أن خمس الغنيمة و أربعة أخماس الفي ء مفوض إلى اجتهاد الإمام ليصرفه إلى من رأى أن يصرفه إليه.

و ذهب أبو حنيفة إلى أن خمس الغنيمة و أربعة أخماس الفي ء يقسم على ثلاثة أسهم:

سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل. هذا الذي رواه عنه الحسن بن زياد اللؤلؤي ...

دليلنا إجماع الفرقة المحقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: فأنّ للّه خمسه و للرسول. الآية.» «1»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 340.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 101

2- و فيه أيضا (المسألة 38):

«سهم ذي القربى ثابت لم يسقط بموت النبي «ص»، و هو لمن قام مقامه. و قال الشافعي: سهم ذي القربى ثابت و هو خمس الخمس يصرف إلى أقاربه الغني و الفقير منهم و يستحقونه بالقرابة. و قال أبو حنيفة: سهم ذي القربى سقط بموت النبي «ص» ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: و لذي القربى ...» «1»

3- و فيه أيضا (المسألة 39):

«عندنا أن سهم ذي القربى للإمام، و عند الشافعي لجميع ذي القربى يستوي فيه القريب و البعيد و الذكر و الأنثى ... دليلنا إجماع الفرقة.» «2»

4- و فيه أيضا (المسألة 41):

«الثلاثة أسهم التي هي لليتامى و

المساكين و أبناء السبيل من الخمس، يختص بها من كان من آل الرسول «ص» دون غيرهم، و خالف جميع الفقهاء في ذلك و قالوا: إنها لفقراء المسلمين و أيتامهم و أبناء سبيلهم دون من كان من آل الرسول خصوصا. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «3»

5- و في خراج أبي يوسف القاضي:

«و أما الخمس الذي يخرج من الغنيمة فإن محمد بن السائب الكلبي حدثني عن أبي صالح، عن عبد اللّه بن عباس: أن الخمس كان في عهد رسول اللّه «ص» على خمسة أسهم: للّه و للرسول سهم، و لذي القربى سهم، و لليتامى و المساكين و ابن السبيل ثلاثة أسهم، ثم قسمه أبو بكر و عمر و عثمان على ثلاثة أسهم، و سقط سهم الرسول و سهم ذوي القربى، و قسم على الثلاثة الباقية، ثم قسمه علي بن أبي طالب على ما قسمه عليه أبو بكر و عمر و عثمان. و قد روي لنا عن عبد اللّه بن عباس أنه قال:

عرض علينا عمر بن الخطاب أن نزوّج من الخمس أيّمنا و نقضي منه عن مغرمنا،

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 341.

(2)- الخلاف 2/ 343.

(3)- الخلاف 2/ 344.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 102

فأبينا إلا أن يسلمه لنا، و أبى ذلك علينا.

قال: و أخبرني محمد بن اسحاق، عن أبي جعفر (عن جعفر خ. ل)، قال: قلت له:

ما كان رأي علي في الخمس؟ قال: كان رأيه فيه رأي أهل بيته و لكنه كره أن يخالف أبا بكر و عمر ...

قال: و حدثني عطاء بن السائب أن عمر بن عبد العزيز بعث بسهم الرسول و سهم ذوي القربى إلى بني هاشم.» «1»

6- و في تفسير القرطبي:

«قال مالك:

هو موكول إلى نظر الإمام و اجتهاده فيأخذ منه من غير تقدير و يعطي منه القرابة باجتهاد، و يصرف الباقي في مصالح المسلمين، و به قال الخلفاء الأربعة و به عملوا و عليه يدلّ قوله «ص»: مالي مما أفاء اللّه عليكم إلّا الخمس، و الخمس مردود عليكم.» «2»

7- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«الفصل الرابع أن الخمس يقسم على خمسة أسهم، و بهذا قال عطاء و مجاهد و الشعبي و النخعي و قتادة و ابن جريج و الشافعي. و قيل يقسم على ستة: سهم للّه، و سهم لرسوله ...

و روى ابن عباس أن أبا بكر و عمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم، و نحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفية، و هو قول أصحاب الرأي: قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى و المساكين و ابن السبيل، و أسقطوا سهم رسول اللّه «ص» بموته و سهم قرابته أيضا.

و قال مالك: الفي ء و الخمس واحد يجعلان في بيت المال، قال ابن القاسم: و بلغني عمن أثق به أن مالكا قال: يعطي الإمام أقرباء رسول اللّه «ص» على ما يرى، و قال الثوري و الحسن: يضعه الإمام حيث أراه اللّه- عزّ و جلّ-. و لنا قول اللّه

______________________________

(1)- الخراج/ 19- 21.

(2)- تفسير القرطبي 8/ 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 103

- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ. الآية.» «1»

أقول: ما في كلام الشيخ و غيره من أصحابنا من كون الأسهم الثلاثة حتى سهم ذي القربى في عصر النبي «ص» للنبي «ص» يشهد لما سنبينه من كون الأسهم الثلاثة بل الستة حقا للإمامة و الإمارة، حيث إن منصب الإمامة في عصر النبي «ص» كان

له نفسه و كانت الإمامة قائمة به «ص». و لازم ذلك انتقال هذه السهام منه «ص» إلى الإمام بعده و هكذا.

و ما أفتى به أبو حنيفة و أتباعه من سقوط السهام الثلاثة بموته «ص» يكون على أساس ما حكوه من عمل الخلفاء بعده «ص». و يشاهد من له ثقافة من خلفه يد السياسة قهرا، و إلّا فأيّ وجه لسقوط حق ذي القربى بموت النبي «ص».

و ما أفتى به مالك من جعل الخمس و الفي ء في بيت المال و إعطاء الإمام منه أقرباء الرسول «ص» يرجع الى ما سنبيّنه من كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا يكون في اختيار إمام المسلمين، و وزانه وزان الفي ء و الأنفال، غاية الأمر أن الإمام يسدّ به خلّات الأصناف الثلاثة من السادة بما أنهم من بيت الوحي و الإمامة، فتدبّر.

و كيف كان فتقسيم الخمس ستة أسهم نسب إلى المشهور، و في مجمع البيان:

«ذهب إليه أصحابنا.» و في الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه، و عن الأمالي أنه من دين الإمامية.

و استدلوا عليه- مضافا إلى الإجماع المدعى و الشهرة المحققة- بظاهر الآية و بأخبار مستفيضة:

______________________________

(1)- المغني 7/ 300.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 104

بيان مفاد الآية الشريفة:

قال اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ. الآية» «1».

و قد مرّ في أوّل البحث بيان صدر الآية، فراجع.

و أما قوله: «فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ ...» ففيه بالنظر البدوي احتمالان:

الأوّل: أن يراد به التقسيم و التسهيم، فيكون المراد تقسيمه ستة أسهم، كما عليه المشهور من أصحابنا، أو خمسة أسهم بجعل سهم اللّه و الرسول واحدا كما قال

به بعض، و يدلّ على هذا الاحتمال ظواهر كثير من الأخبار أيضا.

الثاني: أن يراد به الترتيب في الاختصاص، بتقريب أن الخمس بأجمعه حق وحداني جعله اللّه- تعالى- لمنصب الإمامة و الحكم، و حيث إن الحكم يكون أولا و بالذات للّه- تعالى-، مالك الملك و الملكوت (إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ) «2»* و قد جعله اللّه تعالى للرسول بقوله: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» «3» و جعله النبي «ص» لذي القربى كما يشهد بذلك قوله «ص» في غدير خم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» «4» فلا محالة يكون الخمس بأجمعه أولا و بالذات للّه- تعالى-، و في طول ذلك بأجمعه للرسول، و بعده لمن قام مقامه من ذوي قرباه، إماما بعد إمام، على ما هو معتقدنا في الإمامة.

و أما قوله: «وَ الْيَتٰامىٰ» و ما بعده فحيث لم يدخل عليه لام الملك و الاختصاص فلا اختصاص للخمس بهم و ليس ملكا لهم، و إنما يكونون من قبيل المصارف، و قد

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 41.

(2)- سورة الأنعام (6)، الآية 57، و سورة يوسف (12)، الآية 40 و 67.

(3)- سورة الأحزاب (33)، الآية 6.

(4)- راجع الغدير 1/ 9 و ما بعدها، و هذا الجزء من كلام النبي «ص» في «ص» 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 105

ذكروا في الآية اهتماما بشأنهم و إشعارا بأنهم من شئون الحكومة و من لواحقها.

و لعل في عدم ذكر اللام مضافا إلى ذلك نكتة أخرى أيضا، و هي الإشارة إلى شدّة اتّصالهم بالرسول و بذي القربى، فتدلّ الآية على اعتبار انتسابهم إليهما، فتدبّر.

و أما قوله- تعالى-: «وَ لِذِي الْقُرْبىٰ» ففيه بالنظر البدوي ثلاث احتمالات:

الأول: أن يراد به أقارب

من تعلق به الخمس، نظير قوله- تعالى-: «وَ آتَى الْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ.» «1»

و الظاهر أنه لم يقل بهذا الاحتمال في هذا المقام فيما أعرف أحد من الخاصة و لا العامة.

الثاني: أن يراد به أقارب النبي «ص» من قريش أو من بني هاشم أو بني هاشم و بني المطلب مطلقا، و اختار هذا فقهاء السنّة و نسب إلى ابن الجنيد من فقهائنا أيضا.

الثالث: أن يراد به خصوص الإمام «ع»، و قد ذكر مفردا للإشعار بذلك، حيث إن الإمام في كل عصر شخص واحد، و قد أشعر اللّه- تعالى- بهذا التعبير إلى أن المستحق لمنصب الإمامة بعد الرسول هو ذو القربى منه، و هذا الاحتمال هو ظاهر أصحابنا الإمامية و عليه دلت رواياتنا، و قد مرّت عبارة الخلاف في ذلك و لم ينسب الخلاف فيه إلا إلى ابن الجنيد من أصحابنا.

و حيث إن الأصناف الثلاثة لا يراد بها عندنا إلا من انتسب إلى النبي «ص» كما يأتي فلا محالة لا يراد بذي القربى مطلق من يتقرب به حذرا من التكرار، فالمراد به من له قرابة خاصة و هو الإمام بعده، فتأمل.

و أما قوله- تعالى-: «وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ»، فالمشهور بين أصحابنا اختصاصها بمن كان من آل الرسول «ص»، و ادعى بعضهم عليه الإجماع.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2) الآية 177.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 106

و أما فقهاء السنة فقالوا بعمومها لجميع يتامى المسلمين و مساكينهم و أبناء سبيلهم، و وافقهم في الجملة ابن الجنيد منّا.

و استدل أصحابنا على ذلك بعد الإجماع المدعى و الشهرة المحققة بأخبار مستفيضة:

منها قوله «ع» في مرسلة

ابن بكير، عن أحدهما «ع»: «و اليتامى يتامى الرسول و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم.» «1»

و منها قوله في مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»: «و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم. الحديث.» «2» إلى غير ذلك من الأخبار، فراجع.

و يمكن أن يقرب التعميم بوجهين: الأول: أن مفاد الآية و إن كان عاما لكن موردها غزوة بدر الواقعة في السنة الثانية من الهجرة، و في ذلك الوقت لم يكن لمن أسلم من بني هاشم أيتام و مساكين و أبناء سبيل يوزع عليهم خمس الغنيمة و لكن كثرت الأصناف الثلاثة من غيرهم و لا سيما من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم. اللّهم إلّا أن يقال إن التشريع وقع بلحاظ الأعصار اللاحقة لا عصر النزول فقط.

الثاني: مماثلة آية الفي ء المذكورة في سورة الحشر «3» لهذه الآية في الألفاظ و الخصوصيات، و الفي ء عندنا من الأنفال المختصة بالإمام و لا تقسيم و لا تسهيم فيه، نعم للإمام صرفه في الأصناف الثلاثة مطلقا كما صرفه رسول اللّه «ص» في الفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم و في بعض الأنصار. هذا.

و في أخبارنا أيضا ما يدلّ على التعميم: ففي الرسالة المنسوبة إلى الإمام الصادق «ع» المروية في تحف العقول قوله: «فخمّس رسول اللّه «ص» الغنيمة التي قبض

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 358، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(3)- سورة الحشر (59)، الآية 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 107

بخمسة أسهم، فقبض سهم اللّه لنفسه يحيي به ذكره

و يورث بعده، و سهما لقرابته من بني عبد المطلب، فأنفذ سهما لأيتام المسلمين و سهما لمساكينهم و سهما لابن السبيل من المسلمين في غير تجارة، فهذا يوم بدر. الحديث.» «1»

الروايات المتعرضة لمصرف الخمس:

و أما الروايات المتعرضة لمصرف الخمس فكثيرة يظهر من بعضها تقسيمه ستة أسهم و من بعضها تقسيمه خمسة أسهم، و قد تعرضنا لها بالتفصيل في كتاب الخمس، فراجع «2». و لنذكر هنا نماذج:

1- مرسلة حماد الطويلة المشتملة على أحكام كثيرة، رواها الكليني و الشيخ:

ففي أواخر كتاب الحجة من أصول الكافي: «علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه- تعالى- له و يقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك.

و يقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم للّه و سهم لرسول للّه و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، فسهم اللّه و سهم رسول اللّه «ص» لأولي الأمر من بعد رسول اللّه «ص» وراثة فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة و سهم مقسوم له من اللّه، و له نصف الخمس كملا.

و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته: فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة (على الكفاف و السعة- التهذيب.) ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شي ء فهو للوالي، و إن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده

______________________________

(1)- تحف العقول/ 341.

(2)- كتاب الخمس/ 255 و

ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 108

بقدر ما يستغنون به، و إنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم. الحديث.» «1»

و الرواية مع إرسالها قد عمل بفقراتها الأصحاب في الأبواب المختلفة، و حماد ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. «2»

و محط النظر في الرواية بيان كيفية تقسيم الإمام و صرفه للأموال و الضرائب الإسلامية من الأخماس و الزكوات و خراج الأراضي و الأنفال بعد فرض كونه مبسوط اليد و متصديا للحكومة الإسلامية و كونه بحيث يجتمع عنده الضرائب.

فالاستدلال بها لتتميم حاجات الذرّيّة من سهم الإمام في عصر الغيبة أو عدم بسط اليد مع كون الوجوه المجتمعة أقل قليل و كون بعض المصارف أهمّ بمراتب مشكل جدّا كما لا يخفى.

و عدم تعرض الرواية لخمس الأرباح مع كونها في مقام الاستقصاء و كون خمس الأرباح في عصر الإمام الكاظم- عليه السلام- مما تعم به البلوى يوجب نوع وهن و إشكال في خمس الأرباح، فتدبّر.

2- و نظير هذه المرسلة في موارد الخمس و تقسيمه ستة أسهم و تتميم حق السادة إن نقص مرفوعة أحمد بن محمد التي رواها الشيخ، فراجع. «3»

3- ما رواه الشيخ بسند موثوق به، عن عبد اللّه بن بكير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما «ع» في قول اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ ...» قال: «خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول: الإمام. و اليتامى يتامى الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم.» «4»

و عبد اللّه بن بكير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. «5»

______________________________

(1)- أصول الكافي 1/ 539، كتاب الحجة،

باب الفي ء و الأنفال ...؛ و الوسائل 6/ 358، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- تنقيح المقال 1/ 367.

(3)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.

(4)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.

(5)- تنقيح المقال 2/ 171.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 109

4- و في الدرّ المنثور: «و أخرج ابن المنذر من طريق أبي مالك، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللّه «ص» يقسم ما افتتح على خمسة أخماس: فأربعة أخماس لمن شهده و يأخذ الخمس خمس اللّه فيقسمه على ستة أسهم: فسهم للّه، و سهم للرسول، و سهم لذي القربى، و سهم لليتامى، و سهم للمساكين، و سهم لابن السبيل. الحديث.» «1»

5- صحيحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه. ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس:

يأخذ خمس اللّه- عزّ و جلّ- لنفسه. ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقا. و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول «ص».» «2»

و مفاد الصحيحة نقل ما كان يصنعه النبي «ص» في الغنيمة و في الخمس لا مرّة بل بالاستمرار، و لعله كان يصنع ذلك في الخمس توفيرا على سائر المستحقين.

و لا ينافي ذلك قوله «ع»: «و كذلك الإمام»، اذ لعل المماثلة كان في أخذ الصفو و الخمس، لا في جميع الجهات.

و ظاهر هذه الصحيحة عموم الأصناف

الثلاثة و عدم اختصاصها بالذرية.

و الحمل على التقية مشكل، إذ يبعد جدا نسبة خلاف الواقع إلى النبي «ص» بداعي التقية. هذا و لكن يشكل مقاومة الصحيحة لظاهر الآية و صريح الأخبار و الفتاوى الدالة على ستة أسهم، فتأمل. هذا.

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 186.

(2)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 110

الخمس حق وحداني ثابت لمنصب الإمامة:

و لكن قد مرّ منّا في تفسير الآية الشريفة احتمال آخر قوي في نفسه، و هو أن يراد بها الترتيب في الاختصاص لا التقسيم و التسهيم، بتقريب أن الخمس حق وحداني جعل لمنصب الإمامة و الحكم. و حيث إن الحكم يكون أولا و بالذات للّه- تعالى-، و من قبله- تعالى- جعل للرسول حق الحكم، و من قبل الرسول «ص» جعل لذي القربى في غدير خم فلا محالة يكون الخمس بأجمعه أولا و بالذات للّه- تعالى-، و في الرتبة المتأخرة يكون بأجمعه للرسول بما أنه خليفة اللّه في الحكم، و بعده للإمام القائم مقامه. و مثله الأنفال أيضا.

لا أقول: إنهما لشخص الإمام، بل أقول: إنهما لمنصب الإمامة، نظير ما يحكم على الأموال العامة أنها للدولة و الحكومة. و أما الأصناف الثلاثة فلا ملكية لها و لا اختصاص بل هي مصارف له، و لذا لم يدخل عليها اللام لا في آية الخمس و لا في آية الفي ء.

و يشهد لهذا الاحتمال سياق الآية و أخبار كثيرة:

أما الآية فأولا من جهة أنه- تعالى- أدخل لام الاختصاص على اسمه الشريف و على كل من الرسول و ذي القربى، دون الأصناف الثلاثة، و ظاهر اللام الاختصاص التام و الملكية المستقلة.

و مقتضى ذلك اختصاص جميع الخمس باللّه-

تعالى- مستقلا و بالرسول كذلك و بذي القربى كذلك و لا محالة يكون ذلك طولية مترتبة.

و أما الأصناف الاخر فلا اختصاص بهم و لا ملكية لهم و إنما هم مصارف محضة، فيرتزقون من ميزانية الحكومة و الإمامة لكونهم من بيتها و من شئونها، و بذلك يفترقون عن سائر الفقراء، حيث إنهم يرتزقون من أموال الناس و صدقاتهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 111

و ثانيا من جهة أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، و على هذا فتقديم قوله:

«لِلّٰهِ» على قوله: «خُمُسَهُ» مما يظهر منه اختصاص جميع الخمس باللّه.

ثم لو فرض ظهور الآية في التقسيم كان مقتضاه التقسيم أثلاثا لا أسداسا فيجعل سهم للّه و سهم لرسوله و سهم لذي القربى و الأصناف الثلاثة التابعة له المسانخة له من جهة الانتساب إلى النبي «ص».

و أما الأخبار الظاهرة في كون الخمس حقا وحدانيا ثابتا لمنصب الإمامة فكثيرة نذكر بعضها:

الأول: ما رواه السيّد المرتضى في المحكم و المتشابه، نقلا عن تفسير النعماني بإسناده عن علي «ع»، قال: «و أما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا- سبحانه- ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة و وجه العمارة و وجه الإجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات.

فأما وجه الإمارة فقوله- تعالى-: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء فأنّ للّه خمسه و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين فجعل للّه خمس الغنائم ... الحديث» «1»

فانظر أنه- عليه السلام- سمّى الخمس بأجمعه وجه الإمارة ثم صرّح بكونه للّه- تعالى-، و ليس المقصود مالكيته تكوينا فإنها لا تختص بالخمس بل المقصود كونه للّه تشريعا، و لو كان له السدس فقط لم

يحسن نسبة الجميع إليه، فصح ما قلنا من كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا ثابتا لمن له الحكم و الأمر. و الحكم للّه- تعالى- و لرسوله و لمن قام مقامه على سبيل الترتيب.

و قد يسمّى الأموال العامة الواقعة تحت اختيار الإمام بمال اللّه كما في نهج البلاغة: «يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع.» «2» هذا.

و لكن في صحة روايات الكتاب كلام مرّ في بعض المباحث السابقة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 30؛ لح/ 49، الخطبة 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 112

الثاني: ما رواه الصدوق في الفقيه بإسناده، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه «ع»، قال: قال علي «ع»: «الوصية بالخمس، لأن اللّه- عزّ و جلّ- قد رضي لنفسه بالخمس.» «1»

يظهر منه أن الخمس بأجمعه للّه- تعالى-. نعم لأحد أن يقول: إن المراد بالخمس هنا ليس هو الخمس المصطلح بل ما يوصى به في القربات.

الثالث: ما رواه الصفار في بصائر الدرجات، عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر «ع»، قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: «ما كان للّه فهو لرسوله، و ما كان لرسوله فهو لنا»، ثم قال: «و اللّه لقد يسّر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربّهم واحدا و أكلوا أربعة أحلّاء.» «2»

يظهر من الرواية أن الخمس حق وحداني جعل للرب، و يكون للرسول و للإمام في طوله لا في عرضه، فتأمل.

و الأخبار الدالة على كون الخمس بأجمعه للّه- تعالى- المعبر فيها عنه بخمس اللّه كثيرة من طرق الفريقين يجدها المتتبع في مظانها. و احتمال كون الإضافة إليه-

تعالى- بلحاظ تشريعه من ناحيته أو كونه واقعا في سبيل قربه و مرضاته كسائر القربات خلاف الظاهر، فتأمّل.

الرابع: قوله- عليه السلام- في رواية ابن شجاع النيسابوري التي مرّت: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته.» «3» فأضاف الإمام «ع» جميع الخمس إلى نفسه.

الخامس: صحيحة أبي علي بن راشد، قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أيّ شي ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: «يجب عليهم الخمس.» فقلت: ففي أيّ شي ء؟ فقال: «في أمتعتهم

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 361، الباب 9 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 338، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

(3)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 113

و صنائعهم. الحديث.» «1»

يظهر منها أن الخمس بأجمعه حق للإمام. و أبو علي بن راشد بغدادي ثقة و كان وكيلا للإمام الهادي «ع». «2»

السادس: قول الرضا «ع» في تفسير آية الخمس: «الخمس للّه و الرسول، و هولنا.» «3»

فجعل جميع الخمس لأنفسهم.

السابع: قوله «ع» في آخر مرسلة حماد الطويلة في مقام التعليل لعدم الزكاة في مال الخمس: «و ليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس ... و لذلك لم يكن على مال النبي «ص» و الوالي زكاة.» «4» فجعل جميع الخمس للنبي «ص» و الوالي مع كون هذه المرسلة بعينها متعرضة للتقسيم أسداسا فيجب توجيه التقسيم كما يأتي بيانه، فتأمّل.

الثامن: خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» في قول اللّه- عزّ و جلّ-:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي

الْقُرْبىٰ» قال: «هم قرابة رسول اللّه «ص» و الخمس للّه و للرسول و لنا.» «5»

التاسع: صحيحة البزنطي، عن الرضا «ع» قال: سئل عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ. الآية.» فقيل له: فما كان للّه فلمن هو؟ فقال:

لرسول اللّه «ص»، و ما كان لرسول اللّه «ص» فهو للإمام. فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقلّ ما يصنع به؟ قال: «ذاك إلى الإمام، أ رأيت رسول اللّه «ص» كيف يصنع، أ ليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- تنقيح المقال 3/ 27 من فصل الكنى.

(3)- الوسائل 6/ 361، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 18.

(4)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(5)- الوسائل 6/ 357، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 5.

(6)- الوسائل 6/ 362، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 114

فالصحيحة صريحة في أن مرجع المال بأجمعه هو الإمام «ع» و أنه يقسمه على ما يرى و لا يجب التقسيم أسداسا أو أخماسا، فتأمّل.

العاشر: خبر ابن سنان، قال: قال أبو عبد اللّه: «على كل امرئ غنم أو اكتسب:

الخمس مما أصاب لفاطمة «ع» و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا.» «1»

و الظاهر أن المراد بأمر فاطمة أمر الإمامة و الولاية، و إنما ذكرت هي لكونها صدف درر الإمامة- عليها و عليهم السلام-.

و بالجملة فظاهر كثير من أخبار الخمس و كذا الأنفال أن الجميع

حق وحداني ثابت للإمام بما هو إمام، أي لوحظت الإمامة حيثية تقييدية لا تعليلية، فالمال لمنصب الإمامة لا لشخص الإمام و لذا ينتقل منه إلى الإمام بعده لا إلى ورثته كما يدلّ على ذلك ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث «ع» إنا نؤتى بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر «ع» عندنا فكيف نصنع؟ فقال «ع»: «ما كان لأبي «ع» بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنة نبيّه.» «2»

و مما يشهد أيضا لكون الخمس حقا وحدانيا ثابتا للإمام بما أنه إمام أخبار التحليل بكثرتها، إذ يستفاد منها أنه «ع» هو المرجع الوحيد في الخمس و أنه بأجمعه له و أن الأصناف الثلاثة من باب المصرف.

و يشهد لذلك أيضا أنه- تعالى- جعل الفي ء أيضا في آية الفي ء المذكورة في سورة الحشر لنفس المصارف الستة المذكورة في آية الخمس بلا تفاوت بينهما، فهو

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 115

- سبحانه- ذكر نفسه و الرسول و ذا القربى مع لام الاختصاص، و الأصناف الثلاثة بدونها مع اختصاص الفي ء بالإمام و عدم وجوب تقسيمه ستة أسهم، و سيأتي البحث في آية الفي ء في الفصل الرابع.

و الكليني «قده» لم يعقد في فروع الكافي بحثا في الخمس و الأنفال و إنما تعرض لرواياتهما في آخر كتاب الحجة من الأصول «1»، فيظهر بذلك أنه جعلهما من حقوق الإمامة و شئونها، فتدبّر.

فإن قلت: ما ذكرت من كون

الخمس بأجمعه حقا وحدانيا للإمام ينافي ما دلّ من الأخبار المستفيضة على تقسيم الخمس ستة أسهم أو خمسة أسهم، و أن النبي «ص» كان يقسمه كذلك و كذلك الإمام. بل المستفاد من مرسلة حماد الطويلة و مرفوعة أحمد بن محمد هو التقسيم بسهام متساوية؛ حيث حكم فيهما بعد تقسيمه ستة أسهم بأن للإمام نصف الخمس كملا و النصف الباقي للأصناف الثلاثة الباقية. و هذا هو المفتى به لأصحابنا في الأعصار المختلفة.

قلت: صدر المرسلة و كذا المرفوعة و إن دلّ على التقسيم بسهام متساوية، و لكن ذكر فيهما بعد ذلك أن الإمام يقسم بين الأصناف الثلاثة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل شي ء كان للوالي، و إن نقص كان عليه أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، فيعلم بذلك عدم تعين التسهيم، نعم على الإمام أن يمون أهل الحاجة.

و يشهد لذلك أولا: وقوع التعبير بثمانية أسهم في مرسلة حماد بالنسبة إلى الزكاة أيضا، مع أن المصارف الثمانية في باب الزكاة مصارف محضة، و لا يتعين فيها التسهيم عندنا.

و ثانيا: عدّ الخمس بأجمعه في آخر المرسلة مالا للنبي و الوالي كما مرّ.

______________________________

(1)- أصول الكافي 1/ 538. كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 116

و لعل اصرار الإمام «ع» على التعبير بالسهام كان في مقام الإلزام و الجدل، حيث إن الفتوى الرائج في عصر الإمام موسى بن جعفر «ع» و بعده كان فتوى أبي حنيفة، و هو كان قائلا بسقوط حق النبي «ص» و حق ذي القربى بعد وفاة النبي «ص»، فيقسم الخمس عنده ثلاثة أسهم للأصناف الثلاثة. و فقهاء السنة جميعا كانوا يقولون بالتعميم في

الأصناف الثلاثة لغير السادة أيضا. و قد أنتج ذلك حرمان أئمتنا «ع» و السادة الأطياب عن حقهم المشروع لهم. بل كان هذا مدار عمل الخلفاء بعد وفاة النبي «ص» كما مر فيما حكيناه في نقل الأقوال عن خراج أبي يوسف «1»، فأراد أئمتنا «ع» إثبات حقهم بقدر الإمكان بظاهر الآية الشريفة على مذاق فقهاء السنة حيث حملوها على التقسيم و التسهيم.

و الحاصل أن مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون جميع الخمس حقا للإمام بما أنه إمام، و بين أخبار التقسيم هو حمل أخبار التقسيم على الجدل و الإلزام أو نحو ذلك من المحامل، و الالتزام بكون الخمس بأجمعه للإمام، و على هذا كان عمل أئمتنا «ع» فهم كانوا يطالبون الخمس بأجمعه جملة واحدة، و هكذا كان يصنع وكلاؤهم.

و يشهد لذلك نفس أخبار التقسيم أيضا، حيث دلت على أن الزائد عن مئونة السنة للأصناف الثلاثة كان للإمام و كان يرجع إليه. و قد أفتى بهذا المضمون كثير من أصحابنا فينتفي ملكية الأصناف الثلاثة و ثبوت التقسيم المتساوي قهرا، فتدبّر.

و المفروض في مرسلة حماد وجود إمام مبسوط اليد و رجوع جميع الأخماس و الزكوات و غيرهما من الأموال الشرعية إليه، و حينئذ فيكفي في أعصارنا خمس بلد من البلاد الكبيرة كطهران مثلا لفقراء جميع السادة، فكيف يجعل نصف خمس ثروة العالم بكثرتها لهم.

______________________________

(1)- الخراج/ 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 117

فيعلم بذلك كله أنه ليس للأصناف الثلاثة بالنسبة إلى الخمس ملكية و اختصاص، بل الخمس بأجمعه حق وحداني ثابت للإمام، نعم عليه أن يمون منه فقراء السادة، فهم ذكروا بعنوان المصارف فقط نظير ذكر الأصناف الثلاثة و ذكر فقراء المهاجرين في

سورة الحشر بعد آية الفي ء مع وضوح أن الفي ء يختص بالإمام بما هو إمام كما يأتي بيانه.

توضيح و تكميل: المعروف بين أصحابنا الإمامية وجوب الزكاة في تسعة أشياء و وجوب الخمس في سبعة،

و ذكروا من السبعة المعادن بكثرتها و أرباح المكاسب بشعبها. و لا يخفى كثرة المعادن المستخرجة و عوائدها، و كذا أرباح المكاسب بشعبها المختلفة في جميع الأعصار و لا سيما في هذه الأزمان، فالخمس ثروة عظيمة موفورة لا تحصى بالمليارات فما فوقها.

و أما الأموال الزكوية التسعة فهي بنفسها أقل من مواضيع الخمس بمراتب، و الزكاة المفروضة عليها أيضا أقل من الخمس فإنها العشر أو نصف العشر أو ربع العشر.

و ذكروا ان نصف الخمس في جميع الموارد لفقراء السادة لا يشركهم فيه غيرهم، و ذكروا للزكاة مصارف ثمانية على ما في القرآن منها الفقراء و منها سبل الخير كلها كإحداث المساجد و المعاهد العلمية و المستشفيات و الطرق و القناطر و تهيئة العدّة و العدّة للجهاد و نحو ذلك من المصارف المهمة العامة المتوقفة على صرف أموال كثيرة.

و ذكروا أن زكوات بني هاشم يجوز صرفها في أنفسهم، و أنت ترى أن عدد بني هاشم بالنسبة إلى غيرهم في غاية القلة و لا سيما في صدر الإسلام و حين تشريع هذه الأحكام.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 118

فعلى مذاق القوم شرّع نصف الخمس كملا مع كثرته موضوعا و مقدارا للفقراء من بني هاشم مع قلتهم جدّا و لا يشركهم فيه غيرهم، و شرّع الزكاة مع قلتها جدّا بالنسبة إلى الخمس موضوعا و مقدارا لأن تصرف في مصارف ثمانية منها جميع سبل الخير التي يستفيد منها الجميع حتى السادة و منها جميع الفقراء حتى فقراء السادة بالنسبة إلى زكاة أموال السادة، فهل لا يعدّ هذا الجعل

و التشريع ظلما و زورا مخالفا للعقل و الحكمة، لا يوجد فيه التعادل و التناسب أصلا؟! و لا سيما مع ملاحظة ما في أخبار كثيرة من أن اللّه- تعالى- جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، حيث يستفاد من هذه الروايات أن الجعل و التشريع كان على حساب الحاجات و الخلات.

و على هذا فيتعين ما قلناه من أن الخمس حق وحداني جعل لمنصب الإمامة و الحكم و تحت اختيار الإمام، و أن له أن يصرفه في جميع ما يراه من مصالح نفسه و مصالح المسلمين، و منها أيضا إدارة عيشة الفقراء، كما جعلت الزكاة و سائر الضرائب الإسلامية أيضا تحت اختياره، غاية الأمر أنه يتعين عليه أن يمون فقراء بني هاشم من تلك الضريبة المنسوبة إلى الإمامة و الإمارة رفعا لشأنهم لأنهم من أهل بيت النبوة و الإمامة، و المرء يكرم في بيته و عائلته.

قال الإمام الخميني- مدّ ظلّه- في كتاب البيع من أبحاثه:

«و بالجملة من تدبر في مفاد الآية و الروايات يظهر له أن الخمس بجميع سهامه من بيت المال، و الوالي ولي التصرف فيه، و نظره متبع بحسب المصالح العامة للمسلمين، و عليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرر ارتزاقهم منه حسب ما يرى. كما أن أمر الزكوات بيده في عصره يجعل السهام في مصارفها حسب ما يرى من المصالح. هذا كله في السهمين. و الظاهر أن الأنفال أيضا لم تكن ملكا لرسول اللّه و الأئمة- صلوات اللّه عليهم أجمعين- بل لهم ملك التصرف، و بيانه يظهر مما تقدم.» «1» هذا.

______________________________

(1)- كتاب البيع 2/ 495.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص:

119

الورود في المسألة من طريق آخر:

و لو أبيت ما ذكرناه فلنا أن نشيّد المطلب بطريق آخر، و محصله: أن خمس المال المخلوط بالحرام لعلّه يكون من قبيل الصدقات كما مرّ بيانه.

و خمس أرض الذمي أيضا يكون من قبيل الزكوات و يكون متعلقا بحاصل الأرض لا رقبته كما مرّ.

و المعادن و الكنوز و ما في قعر البحار أيضا حيث إنها من الأنفال المختصة بالإمام فالخمس فيها من قبيل حق الإقطاع المجعول من ناحية الإمام لمن تصرف في ملكه و استخرجه، فلا يرتبط ببني هاشم بل هو بأجمعه للإمام بما هو إمام، أي للإمامة و الحكومة الحقّة.

و أما خمس الأرباح فقد عرفت فيما مرّ احتمال كونه من الضرائب المرسومة من قبل الأئمة المتأخرين «ع» لإحساس الاحتياج إليه بعد انقطاع أيديهم من الزكوات و الضرائب الإسلامية المشروعة من قبل اللّه- تعالى-، فهو أيضا يختص بالإمام، و لذا أضافه في رواية ابن شجاع النيسابوري إلى نفسه بقوله «ع»: «لي منه الخمس مما يفضل من مئونته»، و عدّ في صحيحة أبي علي بن راشد حقّا له «ع». «1»

و في الحدائق نقلا عن المنتقى في مقام الجواب عن الإشكالات الواردة على صحيحة علي بن مهزيار الطويلة: احتمال اختصاص هذا الخمس بالإمام و استظهاره من بعض أخبار الباب و من جماعة من القدماء، فراجع. «2»

و يظهر من المحقق السبزواري في الكفاية و الذخيرة الميل إلى كون الخمس بأجمعه للإمام. «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 و 3.

(2)- الحدائق 12/ 356.

(3)- الكفاية/ 44؛ و الذخيرة/ 486.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 120

و في أواخر الخمس من الجواهر في المسألة الرابعة قال:

«بل لو لا

وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام «ع» و إن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، و لذا لو زاد كان له «ع»، و لو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، و حللوا منه من أرادوا.» «1»

و على هذا فلا يبقى للتقسيم و التسهيم إلّا خمس مغانم الحرب. و موضوعه منتف في أعصارنا.

و لا يخفى أن مغانم الحرب تمتاز عن سائر الأموال بوقوعها من أول الأمر في اختيار الرسول أو الإمام بسبب الظفر على العدوّ، و ليست من قبيل الضرائب التي تؤخذ من الناس، فلعلّ رفع خلات بني هاشم منها دون الزكوات و سائر الضرائب المأخوذة من الناس كان لرفع التهمة عنه «ص» بأن يتوهم الحدثاء في الإسلام أن إصراره «ص» على أخذ الزكوات و سائر الضرائب يكون لتموين عائلته و عشيرته فحرّمها لهم.

و التعبير بالأوساخ في الزكوات على فرض صحته أيضا كان لاشميزاز عائلته منها و عدم إصرارهم على الاستفادة منها، و إلّا فأيّ فرق بين الزكوات و بين الأخماس المأخوذة من الناس؟ و لم صارت الأولى أوساخا دون الثانية؟

اللهم إلّا أن يفرّق بينهما بأن الزكوات تؤخذ من الناس مباشرة باسم الفقراء و المساكين بداعي تطهير الناس كما يدلّ عليه قوله- تعالى-: «تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا.» «2»

فلذلك سمّيت أوساخا، و أما الأخماس فجعلت أولا و بالذات بأجمعها للّه- تعالى- كما بيّناه، و من ناحيته- تعالى- ينتقل إلى الرسول و ذي القربى و ذوي الحاجة من بني هاشم بتبع انتقال الحكومة منه- تعالى- إلى الرسول و إلى ذي القربى. ففقراء الناس عيال للناس، و فقراء بني هاشم عيال اللّه و من شئون

الإمامة و الحكومة الإسلامية، و بين الاعتبارين فرق واضح، فتأمّل.

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 155.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 121

نعم يبقى هنا إشكال ربما يتفوه به، و هو أن الميز بين بني هاشم و بين غيرهم خلاف ما يقتضيه طبع الإسلام و روحه من المساواة بين الطبقات و العناصر و هدم أساس الامتيازات العنصرية و الشعبية. هذا.

و لكن إكرام الرجل في عشيرته و عائلته أمر عقلائي عرفي يقبله روح الاجتماع، و احترام ذرية الرسول «ص» و أقربائه يعدّ احتراما له «ص»، فأيّ مانع من أن يسدّ خلاتهم من أموال الحكومة الإسلامية لكونهم من أغصان شجرة النبوة؟

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 122

الجهة الرابعة: في حكم الخمس في عصر الغيبة:
قال الشيخ الطوسي- قدّس سرّه- في النهاية:

«فأما في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس و غيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن. فأما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال.

و ما يستحقونه من الأخماس في الكنوز و غيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، و ليس فيه نص معين إلّا أن كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط: فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح و المتاجر.

و قال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيّا، فإذا حضرته الوفاة وصّى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلّمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصي به حسب ما وصّى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر «ع».

و قال قوم: يجب دفنه، لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم «ع».

و قال قوم: يجب

أن يقسم الخمس ستة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته. و الثلاثة أقسام الأخر يفرّق على مستحقيه من أيتام آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم.

و هذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه، لأن هذه الثلاثة أقسام مستحقها ظاهر و إن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم ليس بظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر و إن كان المتولي لقبضها و تفريقها ليس بظاهر. و لا أحد يقول في الزكاة إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 123

و لو أن إنسانا استعمل الاحتياط و عمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوما. فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط، و الأولى اجتنابه حسب ما قدمناه.» «1»

أقول: و الغرض من نقل كلامه بطوله أن يظهر لك كون المسألة خلافية عند القدماء أيضا و أنه لا إجماع فيها و لا شهرة، فيجب أن يعمل فيها بما تقتضيه القواعد.

و قد صرّح بالاختلاف في المقنعة أيضا فقال:

«قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة، و ذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام ...» «2»

و قد أنهى الأقوال في الحدائق إلى أربعة عشر: «3»
الأول: عزل الخمس جميعا و الوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهور الإمام «ع»،

و إليه ذهب المفيد.

الثاني: القول بالتحليل و سقوطه مطلقا،

نسب إلى سلار و الفاضل الخراساني و جمع من الأخباريين. و لكن الدقة في عبارة المراسم توجب الاطمينان بأن مورد حكمه بالتحليل هو الأنفال لا الخمس، فراجع. «4»

الثالث: القول بدفنه جميعا،

نقله في المقنعة و النهاية عن بعض الأصحاب استنادا إلى ما رواه في المقنعة من أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام «ع».

الرابع: دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة، و النصف الذي له «ع» يودع أو يدفن،

و هو مذهب الشيخ في النهاية.

الخامس: كسابقه بالنسبة إلى حصة الأصناف،

و أما حقه «ع» فيحفظ إلى أن يصل اليه، استصوبه في المقنعة و اختاره أبو الصلاح و ابن البراج و ابن إدريس و استحسنه العلامة في المنتهى و اختاره في المختلف.

______________________________

(1)- النهاية/ 200.

(2)- المقنعة/ 46.

(3)- الحدائق 12/ 437 و ما بعدها.

(4)- الجوامع الفقهية/ 582 (طبعة أخرى/ 644).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 124

السادس: دفع حصة الأصناف إليهم و كذا حصة الإمام تتميما لهم،

استقربه في المختلف و نقله عن جملة من علمائنا و هو اختيار المحقق في الشرائع و المشهور بين المتأخرين من أصحابنا و عمدة دليلهم للتتميم مرسلة حماد و مرفوعة أحمد المتقدمتان.

السابع: صرف النصف إلى الأصناف، و أما حصة الإمام فتوصل إليه مع الإمكان

و إلا فتصرف إلى الأصناف الثلاثة و مع تعذر الإيصال و عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة، و هو اختيار صاحب الوسائل.

الثامن: صرف النصف إلى الأصناف و إباحة حصة الإمام للشيعة

فيسقط إخراجها، و هو ظاهر المدارك و المحدث الكاشاني في الوافي و المفاتيح و استقر به في الحدائق.

التاسع: صرف النصف إلى الأصناف و صرف حصته في مواليه العارفين،

و هو اختيار ابن حمزة.

العاشر: تخصيص التحليل بخمس الأرباح

لكونه بأجمعه للإمام، و أما خمس سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينه و بين الأصناف، اختاره في المنتقى حملا لأخبار التحليل على خصوص خمس الأرباح.

أقول: حمل جميع أخبار التحليل على خصوص خمس الأرباح مشكل و لا سيما ما اشتمل منها على تحليل السبي و الفروج.

الحادي عشر: عدم إباحة شي ء بالكلية حتى من المناكح و المساكن و المتاجر

التي جمهور الأصحاب على تحليلها، بل ادعي إجماعهم على إباحة المناكح، و هو الظاهر من أبي الصلاح الحلبي في الكافي.

الثاني عشر: قصر أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه

بأن يضمن الخمس في ذمته، و هو مختار المجلسي «ره».

الثالث عشر: صرف حصة الأصناف إليهم و التخيير في حصة الإمام

بين الدفن و الوصية على الوجه المتقدم وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن الفقيه، و هو مذهب الشهيد في الدروس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 125

الرابع عشر: صرف حصة الأصناف إليهم وجوبا أو استحبابا و حفظ نصيب الإمام إلى حين ظهوره،

و جواز صرف العلماء إياه في المستحقين من الأصناف، و هو اختيار البيان.

فهذه أربعة عشر قولا في المسألة ذكرها في الحدائق.

و هنا قولان آخران للمتأخرين من أصحابنا:
الأول: صرف حصة الأصناف إليهم، و التصدق بحصة الإمام من قبله،

لما يستفاد من أخبار التصدق بالمال المجهول مالكه من أن الملاك في وجوب التصدق هو عدم إمكان إيصال المال إلى صاحبه و إن كان يعرفه بشخصه كما في رواية يونس عن الرضا «ع» فيمن بقي عنده بعض المتاع من رفيق له بمكة بعد ما رحل إلى منزله و لا يعرف بلده فقال «ع»: «إذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه.» «1» و قد قوّى هذا القول في الجواهر و مصباح الفقيه. «2»

الثاني: صرف حصة الأصناف إليهم و صرف حصة الإمام فيما يعلم برضاه

أو يوثق به من تتميم نصيب الذرية أو إعانة فقراء الشيعة أو إدارة الحوزات العلمية و كل ما فيه تشييد مباني الدين المبين.

بتقريب أن التصدق بالمال الذي لا يمكن إيصاله إلى صاحبه إنما يجوز إذا لم يعلم بما يرتضيه المالك، و أما إذا أحرز رضاه بالصرف في مصرف خاص و لم يحرز رضاه بغيره أو أحرز عدمه فلا يجوز التعدي عنه، فلو كان مال زيد عند عمرو مثلا و لم يمكنه إيصاله إليه و لكن كان لصاحب المال أهل بيت فقراء أو دار مشرفة إلى الخراب فهل يرضى صاحبه بأن يتصدق بماله و لا يصرف في عائلته أو تعمير داره؟ و نحن نعلم من سيرة الأئمة «ع» في أعصارهم أن تتميم إعاشة الذرية و إعانة فقراء الشيعة و إقامة دعائم الدين و ترويج الشرع المبين كانت من أهمّ الأمور عندهم، فالواجب علينا صرف مال الإمام «ع» فيما نعلم قطعا باهتمامه به. و يختلف ذلك باختلاف المقامات.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 357، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث 2.

(2)- الجواهر 16/ 177؛ و مصباح الفقيه/ 158- 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 126

فالتخصيص بفقراء الذرية كما في كلام كثير من المتأخرين

بلا وجه بعد ما يوجد هنا أمور ربما تكون أهم عنده بمراتب. و المفروض في المرسلة و المرفوعة الدالتين على تتميم نصيب الذرية و التوسعة عليهم هو صورة بسط يد الإمام و اجتماع جميع الضرائب و الأموال العامة لديه و إدارته لجميع الخلات، فلا يستفاد منهما حكم صورة تزاحم المصارف و كون بعضها أهمّ من التوسعة على الذرية بمراتب.

و على هذا فإذا أحرز من عنده مال الإمام «ع» رضاه بصرف ماله في جهة خاصة جاز له التصدي لذلك بلا رجوع إلى الفقيه، و كون الفقيه وليّا على الغائب لا يشمل المقام، إذ أدلة ولاية الفقيه بنيابته عن الإمام «ع» في الأمور العامة الحسبية و ولايته على الغائب تنصرف عن الولاية على نفس الإمام «ع». اللّهم إلا أن يقال بان الفقيه أبصر بمصالح الدين و بما يرتضيه الأئمة «ع».

أقول: تبقى على هذا الوجه نكتة و هي أن مجرد رضا المالك قلبا بصرف ماله في جهة خاصة لا يخرج المعاملات الواقعة على ماله عن الفضولية ما لم يكن في البين إذن مالكي أو شرعي أو إجازة لا حقة، إذ اللازم استناد العقد إلى المالك بحيث يقال باع ملكه مثلا، و لا يتحقق هذا إلّا بإذنه أو إجازته، و قد أشار إلى هذه النكتة الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه- في أول مبحث الفضولي من مكاسبه و إن قوى هو كفاية الرضا، فراجع. «1»

[المختار في المسألة]

ثم نقول: هذه أقوال أصحابنا في حكم الخمس في عصر الغيبة. و ضعف بعضها واضح كالقول بوجوب دفن الجميع أو حصة الامام إلى أن يظهر الإمام و يستخرجه، أو عزله و حفظه و إيداعه إلى أن يصل إليه و نحو ذلك مما يوجب ضياع المال و

تلفه و حرمان مستحقيه و تعطيل مصارفه الضرورية، و كالقول بالتحليل المطلق و لا سيما بالنسبة إلى سهام الأصناف مع حرمانهم عن الزكاة أيضا.

______________________________

(1)- راجع المكاسب/ 124 (ط. أخرى 8/ 156- 157).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 127

و لا يخفى ابتناء أكثر هذه الأقوال على كون الخمس بالطبع منصّفا بنصفين و كون النصف ملكا للأصناف الثلاثة و النصف الآخر لشخص الإمام المعصوم و من أمواله الشخصية بحيث يجب أن يحفظ ليوصل إليه أو يتصدق به عنه أو يتصرف فيما أحرز رضاه به. و لكن قد مرّ منّا مرارا أن الخمس بأجمعه حق وحداني جعل لمنصب الإمامة و الحكومة الحقة، فهو مال للإمام بما أنه إمام لا لشخصه، و حيثية الإمامة لوحظت تقييدية لا تعليلية، و نحوه الأنفال أيضا و المتصدي لأخذهما و صرفهما في شئون الإمامة و الحكومة من له حق الحكم، و هو النبي «ص» في عصره الشريف، و بعده للإمام المعصوم، و في غيبته للفقيه العادل العالم بمصالح الإسلام و المسلمين. و إن شئت قلت: إنهما أموال عامة جعلتا شرعا في اختيار ممثّل المجتمع و من له حق الحكم عليهم، و إذنه و إجازته مصححان للمعاملات الواقعة عليهما، فمعنى كونهما للإمام هو أن الإمام وليّ التصرف فيهما و بيده اختيارهما، و مصرفهما المصالح العامة على ما يشخّصها الإمام العادل. و من أهم المصالح إدارة عائلة شخص الإمام أيضا و حفظ شئونه، كما أن تموين الأصناف الثلاثة أيضا من أظهر وظائفه، فتدبّر.

و حيث إن الإمامة و الحكومة لا تتعطل شرعا، و لا يجوز تعطيل شئونها و وظائفها و لو في عصر الغيبة كما بيّناه بالتفصيل في هذا الكتاب فلا

محالة لا يجوز حذف النظام المالي المقرر لها و تعطيله بالكلية. و الخمس و الأنفال من أهمّ المنابع المالية للحكومة الإسلامية فلا مجال لتحليلهما المطلق، أو إيجاب حفظهما و الإباء عن صرفهما في مصارفهما المقررة، أو استبداد الناس في صرفهما بلا رجوع إلى من ثبت له الحكم و لو في بلد خاص أو منطقة خاصة.

و عدم بسط يد الفقهاء الصالحين للحكومة و عدم استقرار الحكومة المطلقة لهم لا ينافي وجوب تصديهم لبعض شئونها الممكنة و صرف الأموال المقررة في مصارفها بقدر سعة نطاق الحكم كما استقرّ على ذلك عمل أئمتنا «ع».

و من أهم المصارف الواجبة عقلا و شرعا حفظ الحوزات العلمية الدينية و ترويج الشرع المبين و تهيئة المقدمات و الوسائل لتحقيق الحكومة الصالحة الدينية و توسعة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 128

نطاقها التي ببركتها يرجى إقامة العدل في البلاد و تنفيذ قوانين الإسلام بين الأمة و لو في منطقة خاصة. هذا.

و هل يمكن الالتزام بأن اللّه- تعالى- جعل خمس أموال الناس أو عشرها بكثرتها و جميع الأموال التي ليس لها مالك خاص كأرض الموات و الآجام و الأودية و الجبال و المعادن و البحار و نحوها لشخص خاص و لو كان معصوما بحيث يعدّ من أمواله الشخصية يتصرف فيها كيف يشاء بلا لحاظ لمصالح الأمة و ينتقل إلى ورثته نظير ما دخل في ملكه بنشاطه و صنعه أو بالوراثة من مورّثه؟ لا أظن ذلك، فتدبّر.

و قد اقتبسنا كثيرا مما ذكرناه هنا في الزكاة و الخمس مما كتبناه سابقا في البابين و قد طبع الكتابان في السنين السابقة. و لأجل ذلك أدرجنا البحث فيهما هنا، فإن شئت التفصيل فراجع

إليهما.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 129

الفصل الثالث في غنائم الحرب التي منها الأراضي المفتوحة عنوة و السبايا و الأسارى

اشارة

و نحن نبحث فيها هنا بنحو الإجمال و نحيل من أراد التفصيل إلى كتاب الجهاد من كتب الفقه الموسوعة.

و في المسألة جهات من البحث:

الجهة الأولى: في مفاد الغنيمة و الفرق بينها و بين الفي ء:

1- قال الراغب في المفردات:

«الغنم معروف، قال: «وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنٰا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمٰا.» و الغنم: إصابته و الظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى و غيرهم، قال: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ»، فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً». «1»

______________________________

(1)- مفردات الراغب/ 378.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 130

و قد مرّ في أول بحث الخمس كلام في معنى الغنيمة و نقل لبعض الكلمات، فراجع. «1»

2- و في مجمع البيان في ذيل آية الخمس:

«الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال، و هي هبة من اللّه- تعالى- للمسلمين، و الفي ء ما أخذ بغير قتال، و هو قول عطاء و مذهب الشافعي و سفيان، و هو المروي عن أئمتنا «ع». و قال قوم: الغنيمة و الفي ء واحد، و ادّعوا أن هذه الآية ناسخة للتي في الحشر من قوله: مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.» «2»

و ذكر نحو ذلك الشيخ أيضا في التبيان في ذيل آية الخمس. «3»

3- و في تفسير القرطبي في ذيل الآية:

«الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي ... و المغنم و الغنيمة بمعنى، يقال: غنم القوم غنما. و اعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله- تعالى-:

«غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ» مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة و القهر.

و لا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بينّاه، و لكن عرف

الشرع قيد اللفظ بهذا النوع. و سمّى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة و فيئا.

فالشي ء الذي يناله المسلمون من عدوّهم بالسعي و إيجاف الخيل و الركاب يسمّى غنيمة، و لزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا. و الفي ء مأخوذ من فاء يفي ء إذا رجع. و هو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب و لا إيجاف كخراج الأرضين و جزية الجماجم و خمس الغنائم. و نحو هذا قال سفيان الثوري و عطاء بن السائب.

و قيل: إنهما واحد و فيهما الخمس، قاله قتادة. و قيل: الفي ء عبارة عن كل ما صار للمسلمين من الأموال بغير قهر، و المعنى متقارب.» «4»

______________________________

(1)- راجع ص 44 و ما بعدها من الكتاب.

(2)- مجمع البيان 2/ 543 (الجزء 4).

(3)- التبيان 1/ 797. في تفسير سورة الأنفال.

(4)- تفسير القرطبي 8/ 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 131

4- و قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«و أموال الفي ء و الغنائم ما وصلت من المشركين أو كانوا سبب وصولها، و يختلف المالان في حكمهما. و هما مخالفان لأموال الصدقات من أربعة أوجه ...

أما الفي ء و الغنيمة فهما متفقان من وجهين و مختلفان من وجهين:

فأما وجها اتفاقهما فأحدهما: أن كل واحد من المالين واصل بالكفر. و الثاني: أن مصرف خمسهما واحد.

و أما وجها افتراقهما فأحدهما: أن مال الفي ء مأخوذ عفوا و مال الغنيمة مأخوذ قهرا.

و الثاني: أن مصرف أربعة أخماس الفي ء مخالف لمصرف أربعة أخماس الغنيمة على ما سنوضح إن شاء اللّه تعالى.» «1»

و ذكر نحو ذلك أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية. «2»

أقول: سيجي ء في الفصل الرابع البحث في معنى الفي ء و حكمه و أنه هل

يثبت فيه الخمس أم لا؟ و هل يقسم أو يكون كله للإمام؟ و يظهر من كلماتهم أن الغنيمة و الفي ء عندهم إما متباينان أو متساويان على ما مرّ من القولين.

و لكن يمكن أن يقال: إنهما متخالفان مفهوما و إن بينهما عموما من وجه أو يكون الفي ء أعم مطلقا: إذ الفي ء يراد به ما رجع إلى إمام المسلمين و بيت مالهم إما مطلقا أو من ناحية الكفار فقط كما لعله الأظهر فيعم غنائم الحرب و القتال أيضا، و قد أطلق عليها في كثير من الأخبار كما سيأتي، و من ذلك ما في نهج البلاغة: «إن هذا المال ليس لي و لا لك و إنما هو في ء للمسلمين و جلب أسيافهم.» «3»

و كون مورد آية الفي ء في سورة الحشر ما حصل بغير حرب لا يدل على اختصاص اللفظ به.

و الغنيمة عندنا يراد بها كل مال مظفور به و لو بالكسب مثلا، و تطلق على غنائم

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 126.

(2)- الأحكام السلطانية/ 136.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 728؛ عبده 2/ 253؛ لح/ 353، الخطبة 232.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 132

الحرب أيضا بلحاظ ظفر المقاتلين به و حصولها لهم، و لا يضاف إليهم إلّا بعد ما أريد تقسيمها بينهم، و على هذا فيكون بينهما عموم من وجه.

و إن أريد بالغنيمة خصوص غنائم الحرب لكثرة استعمالها فيها كان الفي ء أعم مطلقا منها، اللّهم إلّا أن يدّعى إطلاق الغنيمة على ما حصل من الكفّار بغير حرب و قتال أيضا كما لا يبعد، فيتساوى اللفظان مفهوما و موردا، فتدبّر. و ظاهر ما مرّ من كلماتهم أن الغنيمة تختص بما يؤخذ من الكفار فقط. و سيأتي البحث في

حكم ما يؤخذ من البغاة و إطلاق الغنيمة عليه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 133

الجهة الثانية: في أن الغنائم للّه و للرسول و أنها من الأنفال، و آية الأنفال نزلت فيها:
1- قال في مجمع البيان في ذيل آية الأنفال:

«قال ابن عباس أن النبي «ص» قال يوم بدر: من جاء بكذا فله كذا، و من جاء بأسير فله كذا، فتسارع الشبان و بقي الشيوخ تحت الرايات فلما انقضى الحرب طلب الشبان ما كان قد نفلهم النبي «ص» به فقال الشيوخ كنّا ردء لكم و لو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا. و جرى بين أبي اليسر بن عمرو الأنصاري أخي بني سلمة و بين سعد بن معاذ كلام فنزع اللّه- تعالى- الغنائم منهم و جعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية.

و قال عبادة بن الصامت: اختلفنا في النفل و ساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا فجعله إلى رسوله «ص» فقسمه بيننا على السواء، و كان ذلك في تقوى اللّه و طاعته و صلاح ذات البين.

و قال سعد بن أبي وقاص: قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت سعيد بن العاص بن أمية و أخذت سيفه و كان يسمّى ذا الكتيفة فجئت به إلى النبي «ص» و استوهبته منه، فقال: «ليس هذا لي و لا لك، اذهب فاطرحه في القبض»، فطرحت و رجعت و بي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي و أخذ سلبي و قلت: عسى أن يعطى هذا لمن لم يبل بلائي، فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول و قد أنزل اللّه: «يَسْئَلُونَكَ. الآية.»

فخفت أن يكون قد نزل فيّ شي ء. فلما انتهيت إلى رسول اللّه «ص» قال:

«يا سعد، إنك سألتني السيف و ليس لي و إنه قد صار لي فاذهب فخذه فهو لك.»

و قال علي بن طلحة

عن ابن عباس: كانت الغنائم لرسول اللّه «ص» خاصة ليس لأحد فيها شي ء، و ما أصاب سرايا المسلمين من شي ء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 134

سلكا فهو غلول فسألوا رسول اللّه «ص» أن يعطيهم منها فنزلت الآية.

و قال ابن جريج: اختلف من شهد بدرا من المهاجرين و الأنصار في الغنيمة فكانوا ثلاثا فنزلت الآية و ملكها اللّه رسوله يقسمها كما أراه اللّه.» «1»

أقول: القبض- بالتحريك-: ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم. و قوله: «فكانوا ثلاثا» أي ثلاث طوائف: طائفة عقّبت العدوّ و طائفة تحوز الغنائم و طائفة أحدقت برسول اللّه «ص» يحفظونه من العدوّ.

2- و في الرسالة المنسوبة إلى الإمام الصادق «ع» المروية في تحف العقول

ما ملخصه: «و أما المغانم فإنه لما كان يوم بدر قال رسول اللّه «ص»: من قتل قتيلا فله كذا و كذا، و من أسير أسيرا فله من غنائم القوم كذا و كذا. فلما هزم اللّه المشركين و جمعت غنائمهم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول اللّه، إني قتلت قتيلين- لي بذلك البينة- و أسرت أسيرا، فأعطنا ما أوجبت على نفسك يا رسول اللّه ثم جلس.

فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول اللّه، ما منعنا أن نصيب مثل ما أصابوا جبن عن العدوّ و لا زهادة في الآخرة و المغنم، و لكنا تخوّفنا إن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند المشركين أو و لا زهادة في الآخرة و المغنم، و لكنا تخوّفنا إن بعد مكاننا منك فيميل إليك من جند المشركين أو يصيبوا منك ضيعة، و إنك إن تعط هؤلاء القوم ما طلبوا يرجع سائر المسلمين ليس لهم من الغنيمة شي ء، ثم جلس فقام الأنصاري فقال

مثل مقالته الأولى ثم جلس، يقول ذلك كل واحد منهما ثلاث مرات، فصدّ النبي «ص» بوجهه، فأنزل اللّه- عزّ و جلّ-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» و الأنفال اسم جامع لما أصابوا يومئذ مثل قوله: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ» و مثل قوله: «أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ» ثم قال: «قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» فاختلجها اللّه من أيديهم فجعلها للّه و لرسوله ...

فلما قدم رسول اللّه «ص» المدينة أنزل اللّه عليه: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ». الآية ... فهذا يوم بدر و هذا سبيل الغنائم التي أخذت بالسيف.» «2»

3- و في سيرة ابن هشام:

«ثم إن رسول اللّه «ص» أمر بما في العسكر مما جمع الناس جمع، فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه: هو لنا، و قال الذين كانوا يقاتلون العدوّ و يطلبونه: و اللّه لو لا

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 517 (الجزء 4).

(2)- تحف العقول/ 339 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 135

نحن ما أصبتموه، لنحن شغلنا عنكم القوم حتى أصبتم ما أصبتم، و قال الذين كانوا يحرسون رسول اللّه «ص» مخافة أن يخالف إليه العدوّ: و اللّه ما أنتم بأحق به منّا، و اللّه لقد رأينا أن نقتل العدوّ إذ منحنا اللّه أكتافه، و لقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه و لكنا خفنا على رسول اللّه «ص» كرّة العدوّ فقمنا دونه، فما أنتم بأحق به منّا ...

ثم روى بسنده عن أبي أمامة، قال:

«سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، و ساءت فيه اخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا فجعله إلى رسوله، فقسمه رسول اللّه «ص» بين المسلمين عن بواء- يقول:

عن السواء- ... ثم أقبل رسول اللّه «ص» حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق و بين النازية- يقال له: سير- إلى سرحة به فقسم هنالك النفل الذي أفاء اللّه على المسلمين من المشركين على السواء.» «1»

أقول: لا يخفى أنه في هذه العبارة أطلق النفل و كذا الفي ء على غنائم الحرب.

و روى رواية عبادة بن الصامت السيوطي أيضا في الدرّ المنثور عن أحمد و عبد بن حميد و ابن جرير و أبي الشيخ و ابن مردويه و الحاكم و البيهقي، فراجع. «2»

4- و في الدرّ المنثور:

«أخرج ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» قال: الأنفال:

المغانم كانت لرسول اللّه «ص» خالصة ليس لأحد منها شي ء، ما أصاب سرايا المسلمين من شي ء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول، فسألوا رسول اللّه «ص» أن يعطيهم منها شيئا فأنزل اللّه: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لي جعلتها لرسولي ليس لكم منه شي ء، فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ إلى قوله: «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ثم أنزل اللّه: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ، الآية» ثم قسم ذلك

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 2/ 295.

(2)- الدّر المنثور 3/ 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 136

الخمس لرسول اللّه و لذي القربى و اليتامى و المساكين و المهاجرين في سبيل اللّه، و جعل أربعة أخماس الناس فيه سواء للفرس سهمان و لصاحبه سهم و للراجل سهم.» «1»

و عليك بمراجعة تفسير علي بن إبراهيم و التبيان و المجمع و الدر المنثور و القرطبي

و سنن البيهقي و الأموال لأبي عبيد «2» و غير ذلك من الكتب في شأن نزول آية الأنفال، يظهر لك بذلك أن الغنائم من الأنفال قطعا و أنها التي وقع فيها النزاع و السؤال.

و سيأتي في فصل الأنفال أن المقصود بالأنفال هي الأموال العامة التي ليس لها مالك شخصي. و بهذا المعنى يطلق اللفظ على غنائم الحرب و على مثل أرض الموات و الآجام و الجبال و الأدوية و نحوها بمعنى واحد، و إن كان الغالب في أخبارنا و فتاوى أصحابنا إطلاق اللفظ على القسم الثاني، بل هو المنصرف إليه في أعصارنا.

و التخاصم في الأنفال و السؤال عنها و إن وقعا في خصوص غنائم الحرب على ما في الأخبار التي مرت، و لكن لا مانع من حمل الجواب في الآية على ظاهره من العموم و الاستغراق، فتكون اللام في قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» للعهد، و في قوله:

«قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ» للاستغراق.

بل يمكن أن يقال: إن مورد السؤال و إن كان هو الغنائم و لكن السؤال وقع عنها بما هي من الأنفال، لا بما هي غنائم مأخوذة عنوة، فيكون السؤال و الجواب متطابقين في الورود على الأنفال بإطلاقها و عمومها، و اللام في كليهما للاستغراق، فتدبّر.

ليست الغنائم و الأنفال لشخص الرسول و الإمام بل هما تحت اختيارهما:

و ليس المقصود من جعل الغنائم و الأنفال للرسول أو الإمام بعده جعلهما ملكا

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 160.

(2)- تفسير علي بن إبراهيم (القمي)/ 235؛ التبيان 1/ 780؛ مجمع البيان 2/ 517؛ الدّر المنثور 3/ 158 و ما بعدها؛ تفسير القرطبي 8/ 2؛ سنن البيهقي 6/ 291، كتاب قسم الفي ء و الأنفال؛ الأموال/ 382 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 137

لشخصه نظير ما يملكه

بتجارة أو وراثة مثلا. بل المقصود جعلهما تحت اختياره و تدبيره ينفل منها ما يشاء لمن يراه صلاحا و يصرف منها ما يريد فيما ينوبه، فإن بقي من الغنائم شي ء أخرج الخمس منها لأهله، و قسم البقية بين من قاتل، فهو المتولّي لأمرها و للتصرف فيها، و ليس لمن قاتل الاعتراض عليه بذلك و إن استوعب النفل و الجعائل جميع المغنم، و ليس التقسيم بين المتقاتلين متعينا فيها:

1- ففي مرسلة حماد الطويلة التي عمل بها الأصحاب، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع» قوله: «و للإمام صفو المال: أن يأخذ من هذه الأموال صفوها:

الجارية الفارهة، و الدابة الفارهة، و الثوب و المتاع مما يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس. و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله، و قسم الباقي على من ولي ذلك،

و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي ء فلا شي ء لهم. و ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر.» «1»

2- و في صحيحة زرارة قال: «الإمام يجري و ينفل و يعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّه «ص» بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا، و إن شاء قسم ذلك بينهم.» «2»

أقول: كون الرواية مقطوعة لا يضرّ بالاستدلال بعد كون زرارة من فقهاء أصحاب الباقر و الصادق «ع» و واقفا على نظر الأئمة «ع» و أنه لم يكن مثله يتكلم في أحكام اللّه- تعالى- إلّا عن نصّ وصل إليه، فتأمّل.

و ما

في المرآة «3» من تفسير القوم في الرواية بالأعراب الذين لا سهم لهم في الغنائم تفسير لا شاهد له. و قد ذكر زرارة فعل الرسول «ص» شاهدا على ما ذكره من فعل الإمام.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4. و تمام الحديث في الكافي 1/ 539- 543، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 2.

(3)- مرآة العقول 6/ 271 (ط. القديم 1/ 446).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 138

و يظهر من الرواية أن الفي ء كان يطلق على غنائم الحرب أيضا، فليس الفي ء قسيما للغنيمة و إن قال به بعض كما مرّ، و سيأتي التحقيق في معناه.

و بما ذكرنا يظهر صحة عدّ غنائم الحرب من المنابع المالية للدولة الإسلامية، فإن الأرضين و العقارات و ما ليس في العسكر لا تقسم أصلا بل تجعل تحت اختيار الإمام، و له أيضا أن يسدّ النوائب و الخلات بما احتوى عليه العسكر و إنما يقع التقسيم على خصوص هذا بعد سدّ جميع النوائب و الخلّات لوجود نحو اختصاص له بالمقاتلين. هذا.

و قد أفتى أصحابنا بمفاد الحديثين إجمالا:

1- قال المفيد في المقنعة:

«و للإمام قبل القسمة من الغنيمة ما شاء على ما قدمناه في صفو الأموال، و له أن يبدأ بسدّ ما ينوبه بأكثر ذلك المال، و إن استغرق جميعه فيما يحتاج إليه من مصالح المسلمين كان ذلك له جائزا و لم يكن لأحد من الأمة عليه اعتراض.» «1»

و سيأتي في هذا المجال عبارة عن المبسوط أيضا في بيان فتح مكة عنوة. «2»

2- و في الكافي لأبي الصلاح الحلبي:

«يجب في جميع

ما غنمه المسلمون من ضروب المحاربين- منفردين به و متناصرين، بجملة الجيش أو السرايا، بحرب و غير حرب- إحضاره إلى وليّ الأمر. فإذا اجتمعت المغانم كان له إن كان إمام الملة أن يصفى قبل القسمة لنفسه الفرس و السيف و الدرع و الجارية، و أن يبدأ بسدّ ما ينوبه من خلل في الإسلام و ثغوره و مصالح أهله. و لا يجوز لأحد أن يعترض عليه و إن استغرق جميع المغنم. و يجوز ذلك لمن عداه من أولياء السلطان في الجهاد عن تشاور من صلحاء المسلمين. ثم يخرج الخمس من الباقي لأربابه، و يقسم الأربعة الأخماس الباقية بين من قاتل عليها دون من عداهم من المسلمين: للراجل سهم و للفارس سهمان ...

و من السنة تنفيل النساء قبل القسمة، لأنهن يداوين الجرحى و يعلّلن المرضى

______________________________

(1)- المقنعة/ 46، باب الزيادات.

(2)- راجع ص 141 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 139

و يصلحن أزواد المجاهدين.» «1»

3- و في الغنية لابن زهرة:

«و للإمام أن يصطفي لنفسه قبل القسمة ما شاء من فرس أو جارية أو درع أو سيف أو غير ذلك، و هذا من جملة الأنفال، و أن يبدأ بسدّ ما ينوبه من خلل في الإسلام، و ليس لأحد أن يعترض عليه و إن استغرق ذلك جميع الغنيمة، ثم يخرج منها الخمس لأربابه، و يقسم ما بقي مما حواه العسكر بين المقاتلة خاصة: لكل راجل سهم و لكل فارس سهمان.» «2»

4- و في الوسيلة لابن حمزة:

«فالأموال يخرج منها الصفايا للإمام قبل القسمة، و هي ما لا نظير له من الفرس الفاره و الثوب المرتفع و الجارية الحسناء و غير ذلك. ثم تخرج منها المؤن

و هي ثمانية أصناف: أجرة الناقل و الحافظ، و النفل، و الجعائل، و الرضيخة للعبيد و النساء و من عاونهم من المؤلفة و الأعراب على حسب ما يراه الإمام، ثم يخرج الخمس من الباقي لأهله. ثم يقسم الباقي بين من قاتل و من هو في حكمه بالسوية: للراجل سهم و للفارس سهمان ...» «3»

5- و في جهاد القواعد:

«المطلب الثاني في قسمة الغنيمة: تجب البدأة بالمشروط كالجعائل و السلب و الرضخ، ثم بما يحتاج إليه الغنيمة من النفقة مدّة بقائها حتى تقسم كأجرة الراعي و الحافظ، ثم الخمس، و تقسم أربعة الأخماس الباقية بين المقاتلة و من حضر و إن لم يقاتل حتى المولود بعد الحيازة قبل القسمة، و المدد المتصل بهم بعد الغنيمة قبل القسمة، و المريض بالسوية، و لا يفضّل أحد لشدّة بلائه: للراجل سهم و للفارس سهمان و لذي الأفراس ثلاثة.» «4»

______________________________

(1)- الكافي لأبي الصلاح/ 258.

(2)- الجوامع الفقهية/ 522 (طبعة أخرى/ 584).

(3)- الجوامع الفقهية/ 732 (طبعة أخرى/ 696).

(4)- القواعد 1/ 107.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 140

6- و في التذكرة:

«يجوز للإمام أن يجعل جعلا لمن يدلّه على مصلحة من مصالح المسلمين كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يأخذه أو عدوّ يغير عليه أو ثغر يدخل منه بلا خلاف. و قد استأجر النبي «ص» في الهجرة من دلّهم على الطريق.» و ذكر نحو ذلك في المنتهى «1».

7- و في المراسم:

«فإن اختار الإمام قبل القسمة شيئا من الغنيمة كائنا ما كان فهو له.» «2»

8- و في جهاد الدروس:

«و للإمام الاصطفاء من الغنيمة، و جوّز الحلبي أن يبدأ بسدّ ما ينوبه من خلل في الإسلام

و مصالح أهله و لو استغرق الغنيمة، و هو نادر.» «3»

9- و في متن اللمعة:

«و المنقول بعد الجعائل و الرضخ و الخمس و النفل و ما يصطفيه الإمام يقسم بين المقاتلة و من حضر حتى الطفل المولود بعد الحيازة و قبل القسمة، و كذا المدد الواصل إليهم حينئذ: للفارس سهمان و للراجل سهم و لذوي الأفراس ثلاثة.» «4»

إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب في هذا المجال، و يشترك الجميع في الدلالة على كون الغنائم في اختيار الإمام و أنه يصطفي منها و ينفل منها حسب المصالح. نعم، تتفاوت كلماتهم في ما للإمام سعة و ضيقا.

و لعل الصفايا أيضا على قسمين: قسم يصطفيه الإمام لشخصه لشدّة حاجته إليه، و هو أحقّ بأن يسدّ خلّاته، و سدّ خلّاته من أهم المصالح العامة. و قسم يصطفيه ليدخره في بيت مال المسلمين لغلائه و علوّ قيمته و أنه مما يرغب فيه جدّا و لا يمكن تقسيمه، و إيثار البعض به دون بعض يوجب التبعيض و الفتنة، فيدخر في

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 429؛ و المنتهى 2/ 938.

(2)- الجوامع الفقهية/ 581 (طبعة أخرى/ 643).

(3)- الدروس/ 162.

(4)- اللمعة الدمشقية 2/ 403 و ما بعدها (طبعة أخرى من متن اللمعة/ 45).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 141

المتاحف لمستقبل المسلمين، و ذلك كالجواهر الثمينة النفيسة و نحوها، فتدبّر. هذا.

عدم تقسيم النبي «ص» غنائم مكة و حنين بين المقاتلين و قد فتحتا عنوة:

لا يخفى أن ما في صحيحة زرارة السابقة من نقل عمل رسول اللّه «ص» لعله إشارة إلى ما صنعه هو «ص» في فتح مكة و هوازن، حيث إنهما فتحتا عنوة و لم يقسم هو «ص» بين المقاتلين شيئا:

1- قال الشيخ في كتاب السير من الخلاف (المسألة 13):

«مكة فتحت عنوة بالسيف،

و به قال الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه و مالك. و قال الشافعي: إنها فتحت صلحا، و به قال مجاهد. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.

و روي أن النبي «ص» لما دخل مكة استند إلى الكعبة ثم قال: «من ألقى سلاحه فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن.» فآمنهم بعد أن ظفر بهم، و لو كان دخلها صلحا لم يحتج إلى ذلك. و أيضا قوله- تعالى: «إِنّٰا فَتَحْنٰا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً»، و إنما أراد فتح مكة، و الفتح لا يسمّى إلا ما أخذ بالسيف. و قال- تعالى-: «إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَ الْفَتْحُ» يعني فتح مكة. و قال- تعالى-: «وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ»، و هذا صريح في الفتح. و من قرأ السير و الأخبار و كيفية دخول النبي «ص» مكة علم أن الأمر على ما قلناه. و روي عن النبي «ص» أنه قال: «كل بلدة فتحت بالسيف إلا المدينة فإنها فتحت بالقرآن.»

و روي عن النبي «ص» أنه دخل مكة و على رأسه المغفر. و قتل خالد بن الوليد أقواما من أهل مكة. و هذا علامة القتال.» «1»

2- و قال في المبسوط:

«ظاهر المذهب أن النبي «ص» فتح مكة عنوة بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك، و إنما

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 232.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 142

لم يقسم الأرضين و الدور لأنها لجميع المسلمين كما نقوله في كل ما يفتح عنوة إذا لم يمكن نقله إلى بلد الإسلام فإنه يكون للمسلمين قاطبة. و منّ النبي «ص» على رجال من المشركين فأطلقهم، و عندنا أن للإمام أن يفعل ذلك،

و كذلك أموالهم منّ عليهم بها لما رآه من المصلحة.» «1»

3- و قال العلامة في المنتهى:

«مسألة: الظاهر من المذهب أن النبي «ص» فتح مكة بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك، و به قال أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي.

و قال الشافعي إنه «ع» فتحها صلحا بأن قدر لهم قبل الدخول، و هو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن و مجاهد.

لنا ما رواه الجمهور عن النبي «ص» أنه قال لأهل مكة: ما تروني صانعا بكم؟

فقالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم و هو أرحم الراحمين، أنتم الطلقاء.

و من طريق الخاصة ما رواه الشيخ، عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر، قالا: ذكرنا له الكوفة- إلى أن قال-: إن أهل الطائف أسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر. و إن مكة دخلها رسول اللّه «ص» عنوة و كانوا أسراء في يده فأعتقهم فقال:

اذهبوا فأنتم الطلقاء.

احتجّ الشافعي بما رواه عبد اللّه بن عباس، قال: لما نزل رسول اللّه بمرّ الظهران قال العباس: قلت: و اللّه لئن دخل رسول اللّه «ص» عنوة قبل أن يأتوه و يستأمنوه إنه لهلاك قريش ...» «2»

أقول: خبر صفوان و أحمد بن محمد بن أبي نصر رواه في جهاد الوسائل، فراجع. «3»

و دلالته واضحة و إن كان السند مخدوشا بعلي بن أحمد بن أشيم، و يأتي البحث

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 33.

(2)- المنتهى 2/ 937.

(3)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 143

فيه و أن المجلسي «ره» صحّحه. «1»

4- و في المغازي

للواقدي:

«و قد كان صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو قد دعوا إلى قتال رسول اللّه «ص» و ضوى إليهم ناس من قريش و ناس من بني بكر و هذيل و تلبسوا السلاح و يقسمون باللّه لا يدخلها محمد عنوة أبدا. فكان رجل من بني الديل يقال له: حماس بن قيس بن خالد الديلي لما سمع برسول اللّه «ص» جلس يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لمن تعدّ هذا؟ قال: لمحمد و أصحابه، فإني أرجو أن أخدمك منهم خادما فإنك إليه محتاجة ... فلما دخل خالد بن الوليد وجد جمعا من قريش و أحابيشها قد جمعوا له، فيهم صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو، فمنعوه الدخول، و شهروا السلاح و رموا بالنبل، و قالوا لا تدخلها عنوة أبدا. فصاح خالد بن الوليد في أصحابه و قاتلهم، فقتل منهم أربعة و عشرين رجلا من قريش و أربعة من هذيل و انهزموا أقبح الانهزام حتى قتلوا بالحزورة و هم مولّون في كل وجه، و انطلقت طائفة منهم فوق رءوس الجبال و أتبعهم المسلمون، فجعل أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام يصيحان: يا معشر قريش، على م تقتلون أنفسكم؟ من دخل داره فهو آمن، و من وضع السلاح فهو آمن ...» «2» و روى نحو ذلك ابن هشام في السيرة. «3»

أقول: الحزورة: سوق مكة، و قد دخلت في المسجد لما زيد فيه. هذا.

و لم يقع منه «ص» تخميس و لا تقسيم لأموال أهل مكة، بل نادى قريشا فقال:

«يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم و ابن أخ كريم.

قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء.»

فعفا عنهم و كان اللّه قد أمكنه منهم و كانوا له فيئا.» «4»

______________________________

(1)- راجع ص 193 من الكتاب.

(2)- المغازي 2/ 823 و ما بعدها.

(3)- سيرة ابن هشام 4/ 49.

(4)- الكامل 2/ 252؛ و نحوه سيرة ابن هشام 4/ 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 144

5- و في سيرة ابن هشام و كذا في غيرها من كتب السيرة و الحديث في شأن غنائم حنين ما محصله:

«و لما فرغ رسول اللّه «ص» من ردّ سبايا حنين إلى أهلها ركب «ص» و أتبعه الناس يقولون: يا رسول اللّه، اقسم علينا فيئنا من الإبل و الغنم، حتى ألجئوه إلى شجرة، فقام إلى جنب بعير فأخذ و برة من سنامه ثم قال: أيها الناس، و اللّه مالي من فيئكم و لا هذه الوبرة إلا الخمس، و الخمس مردود عليكم، فأدّوا الخياط و المخيط، فإن الغلول يكون على أهله عارا و نارا و شنارا يوم القيامة.

و أعطى رسول اللّه «ص» المؤلفة قلوبهم و كانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم و يتألف بهم قومهم: فأعطى أبا سفيان و ابنه معاوية و حكيم بن حزام و الحارث بن كلدة و الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى و العلاء بن جارية و عيينة بن حصن و الأقرع بن حابس و مالك بن عوف النضري و صفوان بن أمية كل واحد منهم مأئة بعير. و أعطى دون المائة رجالا من قريش منهم مخرمة بن نوفل و عمير بن وهب و هشام بن عمرو ...

لما أعطى رسول اللّه «ص» ما أعطى من تلك العطايا في قريش و في قبائل العرب و لم يكن في الأنصار

منها شي ء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم: لقي و اللّه رسول اللّه «ص» قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة فقال: يا رسول اللّه، إن هذا الحي من الانصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفي ء الذي أصبت، قال: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال:

يا رسول اللّه، ما أنا إلا من قومي. قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة.

فخرج سعد فجمع الأنصار، فأتاهم رسول اللّه «ص»، فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: «يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني عنكم و جدة وجدتموها عليّ في أنفسكم؟

ألم آتكم ضلّالا فهداكم اللّه، و عالة فأغناكم اللّه، و أعداء فألّف اللّه بين قلوبكم» قالوا: بلى، اللّه و رسوله أمنّ و أفضل. ثم قال: ... ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة و البعير و ترجعوا برسول اللّه «ص» إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ... فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم و قالوا:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 145

رضينا برسول اللّه «ص» قسما و حظّا، ثم انصرف رسول اللّه «ص» و تفرّقوا.» «1»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 145

أقول: الغلول: الخيانة. الشنار- بالفتح-: اقبح العار. القالة: القول الرديّ.

الجدة: الغضب. عالة- جمع عائل-: الفقير. المنّ و المنّة: النعمة. أخضلوا لحاهم:

بلّوها بالدموع.

6- و في رواية أنس بن مالك:

«أنّ ناسا من الأنصار قالوا ...: يغفر اللّه لرسوله «ص»؛ يعطي

قريشا و يتركنا و سيوفنا تقطر من دمائهم.» «2»

و راجع في هذه القصة تفسير مجمع البيان في شرح غزوة حنين من سورة التوبة، «3» و روايات أنس بن مالك و عبد اللّه بن زيد بن عاصم في سنن البيهقي «4» و البخاري «5»، و روايات غزوة حنين من جامع الأصول لابن الأثير. «6»

7- و قد ورد في كتب السير: أنه زحمت ناقة أبي رهم الغفاري ناقة رسول اللّه «ص»، فوقع حرف نعله على ساق رسول اللّه «ص» فأوجعه، فقرع رجله بالسوط ثم استرضاه و أعطاه من الغنائم غنما عوضا من ضربته. «7»

8- و حكي وقوع نحو ذلك عن عبد اللّه بن أبي حدرد فأوجعه بعصاه ثم أعطاه ثمانين شاة ضائنة. «8»

9- و ضرب هو «ص» ناقته بالسوط فأصاب سوطه أبا زرعة الجهني فأعطاه غنما و قال: خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السوط أمس. قال: فعددتها فوجدتها عشرين

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 4/ 134- 143.

(2)- سنن البيهقي 6/ 337، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما كان النبي «ص» يعطي المؤلّفة ...

(3)- مجمع البيان 3/ 19 (الجزء 5).

(4)- سنن البيهقي 6/ 337 و 339، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما كان النبي «ص» يعطي المؤلّفة ...، و باب سهم اللّه و سهم رسوله ...

(5)- صحيح البخاري 2/ 198- 199، كتاب الجهاد و السير، باب ما كان النبي «ص» يعطي المؤلّفة قلوبهم.

(6)- جامع الأصول 9/ 269- 286، غزوة حنين.

(7)- المغازي للواقدي 2/ 939 (الجزء 3).

(8) المغازي 2/ 940 (الجزء 3).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 146

و مأئة رأس. «1»

10- و طاف صفوان بن أمية مع النبي «ص» و هو يتصفح

الغنائم إذ مرّ بشعب مما أفاء اللّه عليه، فيه غنم و إبل و رعاؤها مملوء. فأعجب صفوان و جعل ينظر إليه، فقال رسول اللّه «ص»: أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟ قال: نعم، قال: هو لك و ما فيه، فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط إلّا نبي و أشهد أنك رسول اللّه. «2»

11- و كانت في سبي هوازن أخته «ص» من الرضاع و هي الشيماء، قيل: و أمّه حليمة: و لما قالت له الشيماء: أنا أختك يا رسول اللّه، قال: و ما علامة ذلك؟ فأخبرته بعضّة كان عضّها إياها حين كان مسترضعا عندهم و أرته إيّاها، فعرفها و تذكر ذلك فقام و بسط لها رداءه ...

فقال «ص»: إن أحببت فعندي محبّة مكرمة، و إن أحببت أن أمتعك و ترجعي إلى قومك، قالت: بل تمتعني و أرجع إلى قومي، فأعطاها نعما و شاء و غلاما و جارية. «3»

12- و قال «ص» في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيّا ثم كلّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له.» «4»

أقول: و كل هذه العطايا كانت من الغنائم، و حملها على كونها من سهمه «ص» من الخمس مشكل بل ممنوع قطعا في بعضها.

و محصل ما يستفاد من الآيتين الشريفتين و من أخبار الباب الواردة من طرق الفريقين بعد إرجاع بعضها إلى بعض هو أن الغنائم كسائر الأنفال تكون من الأموال العامة التي لا تتعلق بالأشخاص و لا تدخل بمجرد الاغتنام أيضا في ملك المقاتلين، بل تقع تحت اختيار قائد المسلمين و إمامهم فيضبطها و يحفظها و ينفل منها و يجعل منها الجعائل حسب ما اقتضته المصالح العامة في عصره و بيئته و إن استوعبت

______________________________

(1)- المغازي

2/ 940 (الجزء 3).

(2)- المغازى 2/ 946 (الجزء 3).

(3)- سيرة زيني دحلان (المطبوع بهامش السيرة الحلبيّة) 2/ 306.

(4)- صحيح البخاري 2/ 196، باب منّ النبيّ على الأسارى من غير أن يخمّس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 147

كلّها، و ليست من الأملاك الشخصية للرسول أو الإمام، بل هو و الناس فيها سواء. و ليس له أن يتصرف فيها جزافا أو يهبها لمن أراد بلا ملاك، بل الملاك هو رعاية المصالح العامة في كل مورد، و ليس للناس الاعتراض عليه.

و من جملة المصالح العامة المهمة تأليف القلوب و جذب الرجال و النساء و لا سيما أهل الشوكة منهم إلى قبول الحق و التسليم له و رفع شرهم و أذاهم و حفظ الموازين الأخلاقية و العاطفية التي يهتم بها العقلاء في نظامهم.

فإن بقي منها شي ء أخذ منها الخمس لأهله و لما يمكن أن يواجهه الإمام من الحاجات في المستقبل و قسّم البقية بين المقاتلين حسب ما حكم به الشرع المبين.

ر إنما يؤخذ منها الخمس بعد لحاظ تعلقها بالمقاتلين و كونها غنيمة لهم و إرادة تقسيمها بينهم.

و بالجملة، قد كانت العرب تعدّ الغنائم ملكا للمقاتلين و حقا طلقا لهم، بل ربما كان الاغتنام هدفا أساسيا لهم في المقاتلات و الحروب فكانت تغير قبيلة على قبيلة بداعي اغتنام الأموال و سبي الذراريّ و النساء، و بذلك ساءت أخلاقهم، و قد أراد اللّه- تعالى- أن يكون بسط التوحيد و العدل هدفهم و مغزاهم، فجعل بإنزال آية الأنفال الغنائم تحت اختيار الرسول و الإمام، فهو الذي يتصرف فيها حسب المصالح العامة و قد يقسمها بينهم، فتدبّر.

ليس بين آية الأنفال و آية الخمس تهافت و ليس في البين نسخ:

و لا تهافت بين كون الأنفال للّه و الرسول و بين

تعيّن المصارف من قبل الشرع المبين و منها التخميس و التقسيم بعد الجعائل و النوائب. إذ ليس كونها للرسول أو الإمام إلّا بمعنى كونها تحت اختياره و تدبيره و أنه المتصرف فيها و لو بالتقسيم:

فقد مرّ في قصة غنائم حنين عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «و اللّه ما لي من فيئكم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 148

و لا هذه الوبرة إلا الخمس، و الخمس مردود عليكم، فأدّوا الخياط و المخيط.» ثم رأيت أنه «ص» أعطى هذه المغانم لأشراف قريش و رؤساء القبائل.

و مرّ في مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع» أنه قال: «و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله و قسم الباقي على من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي ء فلا شي ء لهم.» «1»

و في نهج البلاغة من كلام له «ع» كلّم به عبد اللّه بن زمعة لما قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا قال: «إنّ هذا المال ليس لي و لا لك، و إنما هو في ء للمسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.» «2»

هذا.

و قد ظهر بما ذكرنا من عدم التهافت بين الآيتين بطلان ما توهم من كون آية الخمس ناسخة لآية الأنفال:

1- قال الشيخ الطوسي في التبيان في تفسير آية الأنفال:

«و اختلفوا هل هي منسوخة أم لا؟ فقال قوم: هي منسوخة بقوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية. و روي ذلك عن مجاهد

و عكرمة و السدّي و عامر الشعبي، و اختاره الجبائي. و قال آخرون: ليست منسوخة، ذهب إليه ابن زيد و اختاره الطبري و هو الصحيح، لأن النسخ محتاج إلى دليل. و لا تنافي بين هذه الآية و بين آية الخمس، فيقال إنها نسختها.» «3»

فشيخ الطائفة في التبيان أيضا أنكر التنافي و النسخ كما قلناه.

2- و لكنه قال في المبسوط بخلاف ذلك، فقال في كتاب قسمة الفي ء و الغنائم منه:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال و ...، الحديث 4.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 728؛ عبده 2/ 253؛ لح/ 353، الخطبة 232.

(3)- التبيان 1/ 781.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 149

«و الغنيمة كانت محرّمة في الشريعة المتقدمة، و كان يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء فتأكلها، ثم أنعم اللّه- تعالى- على النبي «ص» فجعلها له خاصة بقوله:

«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ.» و روي عن النبي «ص» أنه قال:

أحلّ لي الخمس، لم يحلّ لأحد قبلي. و جعلت لي الغنائم. و كان النبي «ص» يقسم الغنيمة أولا لمن يشهد الوقعة، لأنها كانت له خاصة. و نسخ بقوله: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ. الآية.» فأضاف المال إلى الغانمين ثم انتزع الخمس لأهل السهمان فبقي الباقي على ملكهم، و عليه الإجماع.» «1» هذا.

3- و في الدر المنثور:

«و أخرج أبو عبيد و ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: يسألونك عن الأنفال، قال:

هي الغنائم، ثم نسخها: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء. الآية.» «2»

4- و فيه أيضا:

«و أخرج ابن أبي شيبة و النحاس في ناسخه و أبو الشيخ عن مجاهد و عكرمة قالا:

كانت الأنفال للّه و الرسول حتى

نسخها آية الخمس: و اعلموا أنما غنمتم من شي ء.

الآية.» «3»

5- و فيه أيضا:

«و أخرج النحاس في ناسخه عن سعيد بن جبير أن سعدا و رجلا من الأنصار خرجا يتنفلان فوجدا سيفا ... فنزلت: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ ... ثم نسخت هذه الآية فقال: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. الآية.» «4»

6- و في تفسير القرطبي:

«هذه الآية ناسخة لأول السورة عند الجمهور. و قد ادّعى ابن عبد البرّ الإجماع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ.» و أن أربعة أخماس الغنيمة

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 64.

(2)- الدّر المنثور 3/ 160.

(3)- الدّر المنثور 3/ 161.

(4)- الدّر المنثور 3/ 160.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 150

مقسومة على الغانمين على ما يأتي بيانه، و أن قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدم في أول السورة ...

و قد قيل: إنها محكمة غير منسوخة و إن الغنيمة لرسول اللّه «ص»، و ليست مقسومة بين الغانمين، و كذلك لمن بعده من الأئمة. كذا حكاه المازري عن كثير من أصحابنا، و أن للإمام أن يخرجها عنهم. و احتجوا بفتح مكة و قصة حنين. و كان أبو عبيد يقول: افتتح رسول اللّه «ص» مكة عنوة و منّ على أهلها فردّها عليهم و لم يقسمها و لم يجعلها عليهم فيئا. و رأى بعض الناس أن هذا جائز للأئمة بعده.

قلت: و على هذا يكون معنى قوله- تعالى-: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ و الأربعة الأخماس للإمام، إن شاء حبسها، و إن شاء قسمها بين الغانمين. و هذا ليس بشي ء، لما ذكرناه، و لأن اللّه- سبحانه- أضاف الغنيمة

للغانمين فقال:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ ...» «1»

أقول: الظاهر أن القول بالنسخ كان اجتهادا من ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و عكرمة و من تبعهم لتوهم التهافت بين الآيتين، و قد عرفت عدم التهافت بينهما و أن محطّ النظر في آية الأنفال بيان حكم الأموال العامة بما هي أموال عامّة و ليس لها مالك شخصي يدبرها و يتصرف فيها، فتفيد أنها تكون تحت اختيار الرسول أو الإمام الذي هو ممثّل المجتمع فهو المتصرف فيها على حسب ما تقتضيه المصالح و بيّنه الشرع المبين. و آية الخمس ناظرة إلى تشريع الخمس في جميع الغنائم الواصلة إلى الأشخاص و منها غنائم الحرب بعد إخراج الجعائل و النوائب منها و إرادة تقسيمها بين المقاتلين، حيث إنها بلحاظ تقسيمها بينهم تصير غنيمة لهم و عائدة إليهم، فتأمّل.

و يظهر من السياق و من الأخبار الواردة نزول الآيتين في شأن غنائم بدر فيقرب زمان نزول إحداهما من الأخرى فيبعد جدّا النسخ في مثله، اللّهم إلا أن يراد

______________________________

(1)- تفسير القرطبي 8/ 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 151

بالنسخ تبيين مصرف الغنائم إجمالا في آية الخمس بالتخميس و التقسيم بعد ما كان غير مبين في الأخرى. و إن شئت قلت: إن النسبة بين الآيتين نسبة المجمل و المبيّن لا نسبة المنسوخ و الناسخ، فتدبّر.

فإن قلت: في مرسلة الوراق عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام. و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس. «1»»

و مفاد هذه المرسلة يختلف عما تقول من كون الغنيمة من الأنفال و كونها للإمام، إذ التفصيل

دليل التفاوت و قد أفتى بمضمونها الأصحاب.

قلت: نحن لا نأبى وجود تفاوت ما بين الغنيمتين بعد اشتراكهما في كونهما تحت اختيار الإمام، إذ لا تخميس و لا تقسيم فيما إذا كان الغزو بغير إذن الإمام لعدم احترام عمله بعد اشتراط الغزو بإذنه. و أما فيما وقع بإذنه فينفل منها و يتصرف فيها حسب المصالح الملزمة أو الراجحة و إن استوعبتها، فإن بقي منها شي ء وجب التخميس ثم التقسيم، حيث إنها جلب أسيافهم، فلهم نحو اختصاص بها بعد ما كان الغزو بإذن الإمام، فهذا هو الفارق كما مر. و الإمام هو المتصدّي لهما، فتدبّر.

فإن قلت: في رواية حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه «ع» قوله: «قلت: فهل يجوز للإمام أن ينفل؟ فقال: له أن ينفل قبل القتال، فأما بعد القتال و الغنيمة فلا يجوز ذلك لأن الغنيمة قد أحرزت.» «2»

قلت: النفل كان يطلق غالبا على جعل يجعله الإمام لسريّة تغير على العدوّ زائدا على سهامها في الغنيمة، أو لمن يدلّه على مصلحة كسهولة طريق أو ماء في مفازة أو موضع فتح القلعة أو مال يغتنم أو عدوّ يغار عليه أو ثغر يدخل منه،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 16.

(2)- الوسائل 11/ 79، الباب 38 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 152

فلا محالة لا يبقى له موضوع بعد القتال و الغنيمة.

و هذا بخلاف النوائب و المصالح العامة التي تنوب الإمام مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و نحوه، فإنها تعرض كثيرا بعد الاغتنام أيضا كما فيما صنعه النبي «ص» في حنين، و قد دلّت النصوص و الفتاوى التي مرت على جواز سدّ

الإمام إياها من الغنيمة.

فإن قلت: قد ورد في كتب السير و الحديث ما محصّله:

«أن وفد هوازن أتوا رسول اللّه «ص» بالجعرانة و قالوا: إنا أصل و عشيرة فامنن علينا منّ اللّه عليك، فقال لهم: اختاروا إحدى الطائفتين إما السبي و إما المال، قالوا فإنا نختار سبينا، فقام رسول اللّه «ص» في المسلمين و قال: إن إخوانكم قد جاؤوا تائبين و إني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحبّ منكم أن يطيّب ذلك فليفعل، و من أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتى نعطيه من أول ما يفي ء اللّه علينا فليفعل. فقال الناس:

قد طيبنا ذلك يا رسول اللّه، فقال: إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم، فكلّمهم عرفاؤهم فأخبروا أنهم طيّبوا و أذنوا.»

فيقال: لو كان أمر السبي و الغنائم إلى النبي «ص» فلم استأذن هو «ص» أصحابه في ردّ السبي؟

قلت: الظاهر أنه كان هذا بعد ما قسّم النساء و الذراري أو أكثرها و تملكها أصحابه، فاحتاج إلى الاستيذان قهرا، كما يشهد بذلك قوله على ما في المغازي:

«فمن كان عنده منهن شي ء فطابت نفسه أن يردّه فليرسل، و من أبى منكم و تمسك بحقه فليردّ عليهم و ليكن فرضا علينا ستّ فرائض من أول ما يفي ء اللّه به علينا». فراجع المغازي للواقدي و البخاري و ابن هشام و غيرها من الكتب. «1»

و من المحتمل أيضا أن يكون الاسترضاء عملا أخلاقيا عاطفيّا منه «ص» و إن لم يكن يجب، فتأمّل.

______________________________

(1)- المغازي 2/ 949 و ما بعدها (الجزء 3)؛ و صحيح البخاري 3/ 66؛ و سيرة ابن هشام 4/ 131.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 153

الجهة الثالثة: في كيفية تقسيم الغنائم:
[كلمات الفقهاء]

1- قال الشيخ الطوسي- قدّس سرّه- في كتاب الفي ء و قسمة الغنائم من الخلاف (المسألة 15):

«مال الغنيمة لا يخلو من ثلاثة أحوال: ما يمكن نقله و تحويله إلى بلد الإسلام مثل الثياب و الدراهم و الدنانير و الأثاث و العروض، أو يكون اخشاشا (احسانا خ. ل) مثل النساء و الولدان، أو كان مما لا يمكن نقله كالأرض و العقار و البساتين. فما يمكن نقله يقسم بين الغانمين بالسوية لا يفضل راجل على راجل و لا فارس على فارس.

و إنما يفضل الفارس على الراجل، و به قال الشافعي غير أنه لا يدفع الغنيمة إلى من لم يحضر الوقعة، و عندنا يجوز ذلك أن يعطى لمن يلحق بهم مددا لهم و إن لم يحضر الوقعة، و يسهم عندنا للصبيان و من يولد في تلك الحال و سيجي ء الخلاف فيه.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يعطى لغير الغانمين لكن يجوز أن يفضل بعض الغانمين على بعض.

و قال مالك: يجوز أن يفضل بعضهم على بعض، و يجوز أن يعطى منها لغير الغانمين.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

أقول: لم يتعرض هو لتخميس الغنيمة اعتمادا على وضوحه و ذكره في محله.

2- و قال في جهاد النهاية:

«كل ما غنمه المسلمون من المشركين ينبغي للإمام أن يخرج منه الخمس، فيصرفه إلى أهله و مستحقيه حسب ما قدمناه في كتاب الزكاة. و الباقي على ضربين: ضرب

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 331، و الظاهر أنه سقط من هذه الطبعة قوله: «و قال مالك: يجوز أن يفضل بعضهم على بعض و يجوز أن يعطي منها لغير الغانمين».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 154

منه للمقاتلة خاصة دون غيرهم من المسلمين، و

ضرب هو عام لجميع المسلمين:

مقاتلتهم و غير مقاتلتهم. فالذي هو عام لجميع المسلمين فكل ما عدا ما حوى العسكر من الأرضين و العقارات و غير ذلك، فإنه بأجمعه في ء للمسلمين: من غاب منهم و من حضر على السواء. و ما حوى العسكر يقسم بين المقاتلة خاصة و لا يشركهم فيه غيرهم.

فإن قاتلوا و غنموا فلحقهم قوم آخرون لمعاونتهم، كان لهم من القسمة مثل مالهم، يشاركونهم فيها.

و ينبغي للإمام أن يسوّى بين المسلمين في القسمة، و لا يفضّل أحدا منهم لشرفه أو علمه أو زهده على من ليس كذلك في قسمة الفي ء. و ينبغي أن يقسم للفارس سهمين و للراجل سهما، فإن كان مع الرجل أفراس جماعة لم يسهم منها إلّا لفرسين منها. و من ولد في أرض الجهاد كان له من السهم مثل ما للمقاتل على السواء.» «1»

3- و قال المحقق في جهاد الشرائع:

«الطرف الخامس في أحكام الغنيمة ... و هي أقسام ثلاثة:

[1]- ما ينقل كالذهب و الفضة و الأمتعة. [2]- و ما لا ينقل كالأرض و العقار.

[3]- و ما هو سبي كالنساء و الأطفال.

و الأول: ينقسم إلى ما يصحّ تملكه للمسلم و ذلك يدخل في الغنيمة، و هذا القسم يختص به الغانمون بعد الخمس و الجعائل، و لا يجوز لهم التصرف في شي ء منه إلّا بعد القسمة و الاختصاص.

و قيل: يجوز لهم تناول ما لا بدّ منه كعليق الدابة و أكل الطعام.

و إلى ما لا يصحّ تملكه كالخمر و الخنزير، و لا يدخل في الغنيمة بل ينبغي إتلافه كالخنزير أو يجوز إتلافه و إبقاؤه للتخليل كالخمر ...

و أما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة و فيه الخمس، و الإمام مخيّر بين إفراز خمسه لأربابه

و بين إبقائه و إخراج الخمس من ارتفاعه.

______________________________

(1)- النهاية/ 294.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 155

و أما النساء و الذراري فمن جملة الغنائم و يختصّ بهم الغانمون و فيهم الخمس لمستحقه ...

الثالث في قسمة الغنيمة: يجب أن يبدأ بما شرطه الإمام كالجعائل و السلب إذا شرط للقاتل، و لو لم يشرط لم يختص به، ثم بما يحتاج إليه من النفقة مدة بقائها حتى يقسم كأجرة الحافظ و الراعي و الناقل، و بما يرضخه للنساء و العبيد و الكفار إن قاتلوا بإذن الإمام، فإنه لا سهم للثلاثة، ثم يخرج الخمس. و قيل: بل يخرج الخمس مقدما عملا بالآية، و الأول أشبه. ثم يقسم الأربعة الأخماس بين المقاتلة و من حضر القتال و لو لم يقاتل حتى الطفل و لو ولد بعد الحيازة و قبل القسمة، و كذا من اتصل بالمقاتلة من المدد و لو بعد الحيازة و قبل القسمة. ثم يعطي الراجل سهما و الفارس سهمين، و قيل: ثلاثة، و الأول أظهر. و من كان له فرسان فصاعدا أسهم لفرسين دون ما زاد.» «1»

4- و في خراج أبي يوسف بعد ذكر آية الخمس قال:

«فهذا- و اللّه اعلم- فيما يصيب المسلمون من عساكر أهل الشرك، و ما أجلبوا به من المتاع و السلاح و الكراع فإن في ذلك الخمس لمن سمّى اللّه- عزّ و جلّ- في كتابه العزيز، و أربعة أخماسه بين الجند الذين أصابوا ذلك من أهل الديوان و غيرهم، يضرب للفارس منهم ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه و سهم له، و للراجل سهم على ما جاء في الأحاديث و الآثار و لا يفضل الخيل بعضها على بعض ...» «2»

5- و في

المغني لابن قدامة بعد قول الخرقي:

«و أربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة؛ للراجل سهم و للفارس ثلاثة أسهم إلا أن يكون الفارس على هجين فيكون له سهمان: سهم له و سهم لهجينه.»

قال:

«أجمع أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين، و قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» يفهم منه أن أربعة أخماسها لهم، لأنه أضافها

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 320- 324 (طبعة أخرى/ 244- 248).

(2)- الخراج/ 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 156

إليهم، ثم أخذ منها سهما لغيرهم فبقي سائرها لهم كقوله- تعالى-: «وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» و قال عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة.

و ذهب جمهور أهل العلم إلى أن للراجل سهما و للفارس ثلاثة أسهم. و قال أبو حنيفة للفارس سهمان، و خالفه أصحابه فوافقوا سائر العلماء، و قد ثبت عن ابن عمر: أن النبي «ص» أسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهم له و سهمان لفرسه. متفق عليه. و قال خالد الحذاء: إنه لا يختلف فيه عن النبي «ص» أنه أسهم للفرس سهمين و لصاحبه سهما و للراجل سهما. و الهجين من الخيل هو الذي أبوه عربي و أمّه غير عربية.» «1»

الأخبار الواردة في تقسيم الغنيمة:

1- صحيحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: كان رسول اللّه «ص» إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، الحديث.» «2» و ظاهر الصحيحة استقرار عمل النبي «ص» على ذلك و استمراره.

2. مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»، قال: «الخمس من خمسة أشياء:

من الغنائم و الغوص و

من الكنوز و من المعادن و الملاحة، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله اللّه له و يقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه و ولي ذلك ... و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله، و قسم الباقي على من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب

______________________________

(1)- المغني 7/ 312.

(2)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 157

شي ء فلا شي ء لهم.» «1»

3- صحيحة معاوية بن وهب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف تقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ.» «2»

4- خبر هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الغنيمة فقال:

يخرج منها خمس للّه و خمس للرسول، و ما بقي قسم بين من قاتل عليه و ولي ذلك.» «3»

5- خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» في الغنيمة، قال: يخرج منه الخمس، و يقسم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك. و أما الفي ء و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه «ص». «4»

و في المستدرك، عن العياشي في تفسيره، عن ابن سنان مثله. «5»

6- و في المستدرك، عن العياشي، عن ابن الطيار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«يخرج خمس الغنيمة ثم

يقسم أربعة أخماس على من قاتل على ذلك و وليه.» «6»

7- و فيه أيضا، عن دعائم الإسلام، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «الغنيمة يقسم على خمسة أخماس فيقسم أربعة أخماس على من قاتل عليها، و الخمس لنا أهل البيت.

الحديث.» «7»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 358 و 365، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، و الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 86، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 5.

(4)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(5)- مستدرك الوسائل 2/ 261، الباب 36 من أبواب جهاد العدو ...، الحديث 1.

(6)- مستدرك الوسائل 2/ 261، الباب 36 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2.

(7)- مستدرك الوسائل 2/ 261، الباب 36 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 158

8- و في سنن البيهقي بسنده، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فينادي في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسها و يقسمها، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال: يا رسول اللّه، هذا فيما كنّا أصبناه من الغنيمة، فقال: أسمعت بلالا نادى ثلاثا؟ قال: نعم. قال: فما منعك أن تجي ء به؟

فاعتذر، فقال: كن أنت تجي ء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك.» «1»

9- و فيه أيضا بسنده، عن رجل من بلقين، قال: «أتيت النبي «ص» و هو بوادي القرى و هو يعرض فرسا، فقلت: يا رسول اللّه، ما تقول في الغنيمة؟ قال: للّه خمسها و أربعة أخماس للجيش. قلت: فما

أحد أولى به من أحد؟ قال: لا، و لا السهم تستخرجه من جنبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم.» «2»

10- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس: «في سورة الأنفال قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ قال: الأنفال: المغانم، كانت لرسول اللّه «ص» خالصة ليس لأحد منها شي ء، ما أصاب سرايا المسلمين أتوا به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول، فسألوا رسول اللّه «ص» أن يعطيهم منها: قال اللّه- تبارك و تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لي جعلتها لرسولي ليس لكم منها شي ء، فاتقوا اللّه و أصلحوا ذات بينكم، إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. ثم أنزل اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ. ثم قسم ذلك الخمس لرسول اللّه وَ لِذِي الْقُرْبىٰ يعني قرابة النبي «ص» وَ الْيَتٰامىٰ و المجاهدين في سبيل اللّه، و جعل أربعة أخماس الغنيمة بين الناس، الناس فيه سواء، للفرس سهمان و لصاحبه سهم و للراجل سهم. كذا وقع في الكتاب: «و المجاهدين»، و هو غلط إنما هو ابن السبيل.» «3»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 293، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب بيان مصرف الغنيمة ...

(2)- سنن البيهقي 6/ 324، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب إخراج الخمس من رأس الغنيمة و ...

(3)- سنن البيهقي 6/ 293، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب بيان مصرف الغنيمة ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 159

أقول: و قد مرت هذه الرواية عن الدرّ المنثور أيضا، فراجع. «1»

المشهور بيننا أنّ للفارس سهمين و للراجل سهما واحدا:

1- قال الشيخ في كتاب الفي ء و قسمة الغنائم من الخلاف (المسألة 24):

«للراجل سهم و للفارس سهمان: سهم له

و سهم لفرسه، و به قال أبو حنيفة. و في أصحابنا من قال: للفارس ثلاثة أسهم: سهم له و سهمان لفرسه، و به قال الشافعي، و في الصحابة علي «ع» و عمر، و في التابعين عمر بن عبد العزيز و الحسن البصري و ابن سيرين، و في الفقهاء مالك و أهل المدينة و الأوزاعي و أهل الشام و الليث بن سعد و أهل مصر و أحمد و إسحاق و أبو يوسف و محمد. دليلنا على الأول الأخبار التي رواها أصحابنا ...» «2»

2- و في الشرائع:

«ثم يعطى الراجل سهما و الفارس سهمين، و قيل ثلاثة، و الأول أظهر.» «3»

3- و في الجواهر في ذيل عبارة الشرائع قال:

«و أشهر، بل المشهور شهرة عظيمة، بل عن الغنيمة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد خبر حفص بن غياث.» «4»

4- و في خراج أبي يوسف:

«يضرب للفارس منهم ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، و سهم له، و للراجل سهم على ما جاء في الأحاديث و الآثار، و لا يفضل الخيل بعضها على بعض ... قال أبو يوسف: حدثنا الحسن بن علي بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن

______________________________

(1)- الدّر المنثور 3/ 160.

(2)- الخلاف 2/ 335.

(3)- الشرائع 1/ 324 (طبعة أخرى/ 247).

(4)- الجواهر 21/ 201.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 160

عبد اللّه بن عباس أن رسول اللّه «ص» قسم غنائم بدر: للفارس سهمان و للراجل سهم. قال: و حدثنا قيس بن الربيع، عن محمد بن علي، عن إسحاق بن عبد اللّه، عن أبي حازم، قال: حدثنا أبو ذر الغفاري، قال: شهدت أنا و أخي مع رسول اللّه «ص» حنينا و معنا فرسان لنا فضرب لنا

رسول اللّه ستة أسهم: أربعة لفرسينا و سهمين لنا فبعنا الستة الاسهم بحنين ببكرين.

قال أبو يوسف: و كان الفقيه المقدم أبو حنيفة يقول: للرجل سهم و للفرس سهم، و قال: لا أفضل بهيمة على رجل مسلم، و يحتج بما حدثناه عن زكريا بن الحارث، عن المنذر بن أبي خميصة الهمداني أن عاملا لعمر بن الخطاب قسم في بعض الشام للفارس سهم و للرجل سهم فرفع ذلك إلى عمر فسلّمه و أجازه، فكان أبو حنيفة يأخذ بهذا الحديث و يجعل للفرس سهما و للرجل سهما ...» «1»

أقول: و يدل على القول المشهور بيننا:

1- خبر حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سأله عن سريّة كانوا في سفينة فقاتلوا و غنموا و فيهم من معه الفرس، و إنما قاتلوهم في السفينة، و لم يركب صاحب الفرس فرسه، كيف تقسم الغنيمة بينهم؟ فقال: للفارس سهمان و للراجل سهم. قلت: و لم يركبوا و لم يقاتلوا على أفراسهم؟ قال: أ رأيت لو كانوا في عسكر فتقدم الرجالة فقاتلوا فغنموا كيف أقسم بينهم؟ أ لم أجعل للفارس سهمين و للراجل سهما، و هم الذين غنموا دون الفرسان. الحديث.» «2»

2- ما عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «أربعة أخماس الغنيمة لمن قاتل عليها: للفارس سهمان و للراجل سهم.» «3»

______________________________

(1)- الخراج/ 18.

(2)- الوسائل 11/ 79، الباب 38 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 261، الباب 36 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 161

3- ما عن عوالي اللئالي، عن النبي «ص»: «أنه قسم في النفل للفارس سهمين و للراجل سهما.» «1»

4- ما في

سنن البيهقي بسنده، عن مجمع بن جارية الأنصاري في حديث طويل يذكر فيه تقسيم النبي «ص» غنائم خيبر على أهل الحديبية، قال: «فأعطى الفارس سهمين و الراجل سهما.» «2»

5- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عمر: «أن النبي «ص» قسم يوم خيبر للفارس سهمين و للراجل سهما.» «3»

أقول: و لكن البيهقي ضعف سند الحديثين.

6- خبر ابن عباس الذي مرّ عن أبي يوسف في تقسيم رسول اللّه «ص» غنائم بدر. «4»

7- و في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 24) و الجواهر عن المقداد قال:

«أعطاني رسول اللّه «ص» سهمين: سهما لي و سهما لفرسي.» «5»

و أما القول الآخر فيدل عليه أخبار من طرقنا و أخبار كثيرة من طرق السنة:

1- خبر مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، قال: «كان رسول اللّه «ص» يجعل للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهما.» «6» قال في الوسائل: هذا محمول

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 261، الباب 36 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 8.

(2)- سنن البيهقي 6/ 325، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في سهم الراجل و الفارس.

(3)- سنن البيهقي 6/ 325، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في سهم الراجل و الفارس.

(4)- الخراج لأبي يوسف/ 18.

(5)- الخلاف 2/ 336؛ و الجواهر 21/ 201.

(6)- الوسائل 11/ 79، الباب 38 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 162

على تعدد الأفراس.

2- خبر إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: «أن عليا «ع» كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم و للراجل سهما.» «1» قال في الوسائل: حمله الشيخ على تعدد الأفراس للفارس.

3- خبر أبي البختري، عن جعفر،

عن أبيه: «أن عليا «ع» كان يسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهمين لفرسه و سهما له و يجعل للراجل سهما.» «2»

أقول: التعبير بالماضي الاستمراري في الأخبار الثلاثة يدلّ على الاستمرار في العمل، و الحمل على تعدد الأفراس خلاف الظاهر و لا سيما مع هذا التعبير.

و يحتمل أن يراد الجعل قبل القتال تشويقا فيه لا التقسيم بعد إحراز الغنيمة.

و يحتمل أيضا حملها على التقية، فإن هذا القول مشهور بين فقهاء السنة و استفاضت به أخبارهم، فراجع البيهقي. «3»

و يحتمل أيضا حمل اختلاف الأخبار على اختلاف المقامات من كثرة الأفراس و قلتها و شدة الحاجة إليها و ضعفها، فكان الاختيار في ذلك إلى الإمام حسب إحساس الحاجة إلى الخيل و محصول عملها و اختلافها في النفقات و العنصر و القوة و الضعف و نحو ذلك، و قد عرفت بالتفصيل أن الغنيمة بأجمعها تكون تحت اختيار الإمام.

و لو أبيت جميع ذلك فالشهرة مرجحة للطائفة الأولى من الأخبار، و هي أول المرجحات في باب تعارض الأخبار. و أما حديث تعدد الأفراس فرواه الكليني بسنده، عن حسين بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جده، قال: قال أمير المؤمنين «ع»:

«إذا كان مع الرجل أفراس في الغزو لم يسهم له إلا لفرسين منها.» و رواه الشيخ أيضا بسنده عن حسين بن عبد اللّه مثله. «4»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 88، الباب 42 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 89، الباب 42 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 3.

(3)- سنن البيهقي 6/ 325، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في سهم الراجل و الفارس.

(4)- الوسائل 11/ 88، الباب 42 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 163

و الذي يسهّل الخطب في المقام انتفاء موضوع هذه المسائل في أعصارنا، فإن الأفراس قد تبدّلت بالسيارات و الطائرات و الهليكوبترات العسكرية و سيأتي الإشارة إلى حكمها.

حكم المدد و الصبيان و النساء و العبيد و الكفار في هذا الباب:

1- قال الشيخ في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 32):

«إذا انفلت أسير من يد المشركين فلحق بالمسلمين بعد تقضي القتال و حيازة المال قبل القسمة فإنه يسهم له، و عند الشافعي لا يسهم له. دليلنا إجماع الفرقة على أن من لحقهم مددا قبل القسمة فإنه يسهم له، و هذا منهم.» «1»

2- و فيه أيضا (المسألة 20):

«الصبيان يسهم لهم مع الرجال، و به قال الأوزاعي. و كذلك من يولد قبل القسمة. و أما النساء و العبيد و الكفار فلا سهم لهم، و إن شاء الإمام أن يرضخ لهم فعل، و عند الشافعي له أن يرضخ لهؤلاء الأربعة و لا سهم لهم. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «2»

3- و فيه أيضا (المسألة 21):

«النساء لا سهم لهن و إنما يرضخ لهن، و به قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي فإنه قال: يسهم للنساء. دليلنا إجماع الفرقة ...» «3»

4- و فيه أيضا (المسألة 22):

«الكفار لا سهم لهم مع المسلمين سواء قاتلوا بإذن الإمام أو بغير إذن الإمام، و إن قاتلوا بإذنه أرضخ لهم إن شاء الإمام و به قال الشافعي إلّا أنه قال: يرضخ لهم.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 338.

(2)- الخلاف 2/ 334.

(3)- الخلاف 2/ 335.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 164

و قال الأوزاعي: يسهم لهم مع المسلمين. دليلنا إجماع الفرقة ...» «1»

5- و في الوسائل بسنده عن حفص بن غياث، قال: «كتب إليّ بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه «ع» عن مسائل من

السيرة (السنن خ. ل) فسألته و كتبت بها إليه، فكان فيما سألت: أخبرني عن الجيش إذا غزوا أرض الحرب فغنموا غنيمة ثم لحقهم جيش آخر قبل أن يخرجوا إلى دار الإسلام و لم يلقوا عدوّا حتى خرجوا إلى دار الإسلام هل يشاركونهم فيها؟ قال: نعم.» «2»

6- و فيه أيضا بسنده، عن طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي «ع» في الرجل يأتي القوم و قد غنموا و لم يكن ممن شهد القتال؟ قال: فقال: «هؤلاء المحرمون (المحرمون خ. ل) فأمر أن يقسم لهم.» «3»

7- و في صحيح البخاري بسنده عن أبي موسى، قال: «بلغنا مخرج النبي و نحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا و أخوان لي أنا أصغرهم، أحدهما أبو بردة و الآخر أبو رهم، إما قال: في بضع و إما قال: في ثلاثة و خمسين أو اثنين و خمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، و وافقنا جعفر بن أبي طالب و أصحابه عنده فقال جعفر: إن رسول اللّه «ص» بعثنا هاهنا و أمرنا بالإقامة فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا النبي «ص» حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال: فأعطانا منها، و ما قسّم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلّا أصحاب سفينتنا مع جعفر و أصحابه قسم لهم معهم.» «4»

8- و في الوسائل بسنده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر، عن أبيه، عن

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 335.

(2)- الوسائل 11/ 78، الباب 37 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

(3)- الوسائل 11/ 78، الباب 37 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2.

(4)- صحيح البخاري 2/ 195، باب و من الدليل

على أن الخمس لنوائب المسلمين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 165

آبائه «ع» أن عليا «ع» قال: «إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء اللّه عليهم.» «1»

9- و فيه أيضا بسنده عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي «ع» قال: «إذا ولد المولود في أرض الحرب أسهم له.» «2»

10- و فيه أيضا بسند موثوق به، عن سماعة، عن أحدهما «ع»، قال: «إن رسول اللّه «ص» خرج بالنساء في الحرب يداوين الجرحى، و لم يقسم لهن من الفي ء شيئا و لكنه نفلهن.» «3»

11- و فيه أيضا في مرسلة حماد الطويلة، عن أبي الحسن «ع»، قال: «و ليس للأعراب من الغنيمة شي ء و إن قاتلوا مع الإمام، لأن رسول اللّه «ص» صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا على أنه إن دهم رسول اللّه «ص» من عدوه دهم أن يستنفرهم فيقاتل بهم، و ليس لهم في الغنيمة نصيب، و سنته جارية فيهم و في غيرهم.» «4»

12- و فيه أيضا بسنده، عن عبد الكريم بن عتبة، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال لعمرو بن عبيد: «أ رأيت إن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟» قال: أخرج الخمس و أقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه- إلى أن قال:- «أ رأيت الأربعة أخماس تقسمها بين جميع من قاتل عليها؟» قال: نعم. قال: «فقد خالفت رسول اللّه «ص» في سيرته؛ بيني و بينك فقهاء المدينة و مشيختهم و أسألهم، فإنهم لا يختلفون أن رسول اللّه «ص» صالح الأعراب على أن يدعهم في ديارهم و لا يهاجروا على أنه إن دهمهم من عدوه دهم أن يستنفرهم

فيقاتل بهم، و ليس لهم في القسمة (الغنيمة- الكافي) نصيب، و أنت تقول: بين جميعهم، فقد خالفت رسول اللّه «ص» في كل ما قلت في سيرته في المشركين.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 87، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 8.

(2)- الوسائل 11/ 87، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 9.

(3)- الوسائل 11/ 86، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(4)- الوسائل 11/ 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(5)- الوسائل 11/ 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 166

13- و في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين «ع» أن رسول اللّه «ص» قال: «ليس للعبيد من الغنيمة شي ء. و إن حضر و قاتل عليها فرأى (فإن رأى- الدعائم) الإمام أو من أقامه الإمام أن يعطيه على بلائه إن كان منه أعطاه من خرثيّ المتاع ما يراه.» «1»

أقول: الخرثيّ: أردأ المتاع و سقطه.

و راجع في مسألة العبيد، الجواهر «2» و سنن البيهقي. «3»

و قد طوينا هذه المسائل لعدم الابتلاء به في أعصارنا و التفصيل يطلب من محله.

و اعلم أن المذكور في كلمات الفقهاء في المقام هو «الرضخ»، و فسر في اللغة بالعطاء القليل، و قال في المسالك:

«الرضخ: العطاء الذي ليس بالكثير. و المراد به هنا وجوب العطاء الذي لا يبلغ سهم الفارس إن كان المرضخ له فارسا و لا الراجل إن كان راجلا.» «4»

أقول: لا يخفى أن إقامة الدليل على هذا التحديد مشكلة. و لو فرض إشرابه في معناه لغة أمكن الإيراد على ذلك بأن المذكور في أخبار الباب ليس لفظ الرضخ، و إنما ذكر هذا في

كلمات الفقهاء، فتدبّر.

و هنا فروع ينبغي الإشارة إليها:
الأوّل: إن المتعارف في أعصارنا استعمال السيّارات و الطيّارات و الهليكوبترات العسكرية في الحروب.

فإذا فرض أن شارك أحد في الحرب بسيارته مثلا فهل

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 261، الباب 36 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6، عن الدعائم 1/ 387.

(2)- الجواهر 21/ 192.

(3)- سنن البيهقي 9/ 53، كتاب السير، باب العبيد و النساء و الصبيان يحضرون الوقعة.

(4)- المسالك 1/ 156.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 167

لا يسهم لسيارته أصلا لعدم الدليل على إلحاقها بالفرس، أو يسهم لها سهم الفرس بالأولوية القطعية، أو يعتبر مقدار تأثيرها في الظفر على العدوّ و مقدار نفقاتها، فلعلّ سيارة واحدة تساوي عشرة أفراس مثلا في الأثر المترقب منها و تقتضي نفقات كثيرة؟ وجوه.

و حيث اخترنا أن اختيار الغنيمة يكون بيد الإمام ينفل منها حسب ما يراه صلاحا فالأمر يدور مدار جعل الإمام أو من يقوم مقامه في ذلك.

الثاني: إن تقسيم الغنيمة بين المقاتلين كان في عصر كانت الجيوش متطوّعين

يشاركون في الحروب بداع إلهي، و كانت الآلات العسكرية و الأفراس ملكا لأنفسهم، فلعلّ تقسيم الغنيمة بينهم كان بلحاظ الجزاء لنشاطاتهم و تضحياتهم و الجبر لنفقاتهم، كما ربّما يشهد بذلك الفرق بين الراجل و الفارس، حيث إن الفرس كانت له مئونة و نفقة زائدة فناسب هذا الجزاء الأوفى و إن لم يتفق القتال عليه.

و على هذا، فإذا كانت الجيوش موظفين من قبل الحكومة أجراء على الأعمال العسكرية، و كانت النفقات و المراكب و الوسائل العسكرية أيضا ملكا للحكومة، كما هو الغالب في عصرنا، فهل يجب في هذه الصورة أيضا تقسيم الغنيمة بينهم، أو يجري حكم التقسيم في المتطوعين فقط؟ في المسألة و جهان.

و العمدة هي ما ذكرناه من عدم تعين التقسيم إذا كان هنا مصارف مهمّة و نوائب تنوب الإمام بحيث تستوعب الغنائم، فتدبّر.

الثالث: قال العلامة في جهاد المنتهى ما ملخصه:

«مسألة: لا يجوز التصرف في شي ء من الغنيمة، قيل: إلّا ما لا بدّ له منه كالطعام و علف الدوابّ. و قد أجمع العلماء على جواز التصرف في الطعام و علف الدوابّ إلّا من شذّ. و به قال سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن البصري و الشعبي و الثوري و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أحمد و أصحاب الرأي. و قال الزهري: لا يؤخذ إلّا بإذن الإمام.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 168

لنا ما رواه الجمهور، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنّا نصيب العسل و الفواكه في مغازينا فنأكله و لا نرفعه. و عن عبد اللّه بن أبي أوفى، قال: أصبنا طعاما يوم خيبر و كان الرجل يأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينصرف. و كتب صاحب جيش الشام إلى عمر: إنا أصبنا أرضا

كثيرة الطعام و العلف، فكتب إليه عمر دع الناس يعلفون و يأكلون، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة ففيه خمس اللّه و سهام المسلمين.

و من طريق الخاصة ما رواه الشيخ، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه «ع» في وصية رسول اللّه «ص» لأمير السرية: «و لا تقطعوا شجرة مثمرة، و لا تحرقوا زرعا، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه. و لا تعقّروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله.» «1»

و لأن الحاجة يشتد إليه و في المنع مضرة عظيمة بالمسلمين و بدوابّهم، لتعسر نقل الطعام و العلف من بلاد الإسلام، و لا يجدون بدار الحرب ما يشرونه، و لو وجدوه لم يوجد الثمن ...

الثالث: إذا ذبحت الأنعام للأكل ردّ جلودها إلى المغنم و لم يجز استعمالها، لأنه ليس مما يدعو الحاجة إليه مع اشتراك الغانمين فيها، و لأنه ليس بطعام فلا يثبت فيه الترخص كغيره من أموال الغنيمة.

الرابع: لا يجوز تناول ما عدا الطعام و العلف و اللحم و استعماله و لا الانفراد به، لقوله «ع»: أدّوا الخيط و المخيط، فإن الغلول عار و نار و شنار يوم القيامة.

الخامس: الدهن المأكول يجوز استعماله في الطعام عند الحاجة، لأنه طعام فأشبه الحنطة و الشعير.

السادس: يجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه، كالجلاب و السكنجبين و غيرهما عند الحاجة، لأنه من الطعام. و قال أصحاب الشافعي ليس له تناوله، لأنه ليس من القوت و لا يصلح به القوت.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 44، الباب 15 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 169

السابع: لا يجوز أن يغسل ثوبه بالصابون، لأنه ليس

بطعام و لا علف و إنما يراد للتحسين و التزيين لا للضرورة.» «1» انتهى كلام المنتهى.

أقول: قد تعرّض لجواز التصرّف في الطعام و العلف في التذكرة أيضا، و تعرض له الشيخ أيضا في المبسوط. و عمدة الدليل فيه الإجماع المدعى و السيرة في عصر النبي «ص» في غزواته و سراياه. فإن ثبت بدليل قاطع فهو، و إلّا فالأصل يقتضي عدم الجواز إلّا في صورة الضرورة بمقدارها مع الضمان. و خبر مسعدة لا يدل على أزيد من مقدار الضرورة العرفية، و لا يستفاد منه عدم الضمان. و نسب الجواز فيما مر من عبارة الشرائع إلى القيل مشعرا بتمريضه. نعم، للإمام الإذن في ذلك بناء على ما مر من كون الغنائم من الأنفال و اختيارها بيد الإمام، فتدبّر.

الرابع: هل التخميس يقدّم على الجعائل و النوائب و النفقات و الرضخ،

أو يؤخر عنها، أو يفصّل بين الرضخ و غيره؟ وجوه:

من أن الغنيمة تصدق على الجميع، فيدل على تخميسه الآية الشريفة و الروايات.

و من أن الغنائم على ما مر تكون من الأنفال، أعني الأموال العامّة الواقعة تحت اختيار الإمام بما هو إمام، و لا يتعلق بمال الإمام الخمس و الزكاة و نحوهما، و إنما يتعلق بها الخمس بعد إرادة تقسيمها بين الأشخاص بلحاظ صيرورتها بالتقسيم غنيمة لهم و عائدة إليهم فيخرج خمسها. و في مرسلة حماد الطويلة: «و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوبه. فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله.» «2» فيظهر منها أن الخمس يكون بعد النوائب و قبل التقسيم.

و من أن الرضخ في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة، غايته أنه ناقص عن

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 923.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1

من أبواب الأنفال من كتاب الخمس، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 170

السهام، فيتفاوت مع غيره بتقديم الخمس عليه. كما قواه في المسالك و الروضة، و لعلّه الأقوى.

قال في المسالك:

«تقديم السلب و الجعائل على الخمس متجه، لخروجها عن اسم الغنيمة التي أوجب اللّه- تعالى- فيها الخمس بالآية. و أما تقديم الرضخ عليه فغير واضح، لأن الرضخ في الحقيقة نوع من قسمة الغنيمة، غايته أنه ناقص عن السهام، و ذلك غير مانع. كما أن نقص سهم الراجل عن سهم الفارس غير مؤثر في تقديم الخمس عليه. و إطلاق اسم الغنيمة على المال المدفوع رضخا واضح، فوجوب الخمس فيه قوى.» «1»

______________________________

(1)- المسالك 1/ 156.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 171

الجهة الرابعة: في السَلَب:
اشارة

1- في سيرة ابن هشام في قصة غزوة حنين، عن ابن إسحاق بسنده، عن أبي قتادة ما ملخصه: «فلما وضعت الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا و فرقنا من القوم قال رسول اللّه «ص»: «من قتل قتيلا فله سلبه.» فقلت: يا رسول اللّه، و اللّه لقد قتلت قتيلا ذا سلب فأجهضني عنه القتال فما أدري من استلبه. فقال رجل من أهل مكة: صدق يا رسول اللّه، و سلب ذلك القتيل عندي. فقال رسول اللّه «ص»: اردد عليه سلبه. و عن أنس بن مالك، قال: لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلا.» «1»

و راجع في قصة أبي قتادة صحيح مسلم «2»، و البيهقي «3» و غيرهما من الكتب.

2- و في سنن أبي داود بسنده، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه «ص» يومئذ- يعني يوم حنين-: «من قتل كافرا فله سلبه.» فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا و

أخذ أسلابهم. «4»

3- و في صحيح مسلم بسنده، عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال ما ملخصه:

«بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فإذا أنا بين غلامين من الأنصار فغمزني أحدهما فقال: يا عمّ، تعرف أبا جهل؟ قلت: نعم، و ما حاجتك إليه؟ قال: أخبرت أنه

______________________________

(1)- سيرة ابن هشام 4/ 91.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1370، كتاب الجهاد و السير، الباب 13 (باب استحقاق القاتل سلب القتيل)، الحديث 1751.

(3)- سنن البيهقي 6/ 306، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب السلب للقاتل.

(4)- سنن أبي داود 2/ 65، كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 172

يسبّ رسول اللّه «ص». فغمزني الآخر فقال مثلها. فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه، فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول اللّه «ص» فأخبراه، فقال: «أيّكما قتله؟» فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال «ص»: «مسحتما سيفيكما؟» قالا: لا. فنظر في السيفين فقال: «كلا كما قتله.» و قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. و الرجلان:

معاذ بن عمرو بن الجموح، و معاذ بن عفراء. «1»

و رواه البخاري «2»، و البيهقي في السنن «3».

و قد روى البيهقي في هذا الباب روايات كثيرة. و في بعضها: «فطعنت رجلا فقتلته فنفلني رسول اللّه «ص» سلبه.» و في بعضها: «فشددت على رجل فطعنته فقطرته و أخذت سلبه فنفلنيه رسول اللّه.» و في بعضها: «بارز عقيل بن أبي طالب رجلا يوم موتة فنفله رسول اللّه «ص» سيفه و ترسه.» و في بعضها أنه بعد ما هشم عتبة بن أبي وقاص في أحد وجه رسول اللّه «ص»

و دقّ رباعيته بحجر قال حاطب بن أبي بلتعة: «فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه فهبطت فأخذت رأسه و سلبه و فرسه و جئت بها إلى النبي «ص» فسلّم ذلك إليّ و دعا لي.»

إلى غير ذلك من التعبيرات الواردة في أخبار الباب الدالّة على أن إعطاء السلب كان نفلا منه «ص» بعد الظفر على العدوّ.

إ ذا عرفت هذا فنقول: البحث في السلب يقع في مسائل شتّى نشير إلى بعضها إجمالا و نحيل التفصيل إلى الكتب الموسوعة:

______________________________

(1)- صحيح مسلم 3/ 1372، كتاب الجهاد و السير، الباب 13، الحديث 1752.

(2)- صحيح البخاري 2/ 197، كتاب الجهاد و السير، باب من لم يخمّس الأسلاب ...

(3)- سنن البيهقي 6/ 305، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب السلب للقاتل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 173

المسألة الأولى: هل السلب للقاتل مطلقا، أو فيما إذا شرطه الإمام له؟

1- قال الشيخ في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 8):

«السلب لا يستحقه القاتل إلّا أن يشرط له الإمام، و به قال أبو حنيفة و مالك.

و قال الشافعي: هو للقاتل و إن لم يشرط له الإمام، و به قال الأوزاعي و الثوري و أحمد بن حنبل.

دليلنا أنه إذا شرط استحقه بلا خلاف، و إذا لم يشرط له ليس على استحقاقه له دليل.» «1»

2- و قال في المبسوط:

«السلب لا يختص السالب إلّا بأن يشرط له الإمام، فإن شرطه له كان له خاصة، و لا يخمس عليه. و إن لم يشرط كان غنيمة.» «2»

3- و في المغني لابن قدامة الحنبلى في بحث السلب قال:

«الفصل السادس: إن القاتل يستحق السلب، قال ذلك الإمام أو لم يقل، و به قال الأوزاعي و الليث و الشافعي و إسحاق و أبو عبيد و أبو

ثور. و قال أبو حنيفة و الثوري: لا يستحقه إلّا أن يشرطه الإمام له. و قال مالك: لا يستحقه إلّا أن يقول الإمام ذلك. و لم ير أن يقول الإمام ذلك إلّا بعد انقضاء الحرب على ما تقدم من مذهبه في النفل ...

و لنا قول النبي «ص»: «من قتل قتيلا فله سلبه.» و هذا من قضايا رسول اللّه «ص» المشهورة التي عمل بها الخلفاء بعده. و أخبارهم التي احتجوا بها تدل على ذلك، فإن عوف بن مالك احتج على خالد حين أخذ سلب المدديّ، فقال له عوف: أما

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 330.

(2)- المبسوط 2/ 66، كتاب قسمة الفي ء و الغنائم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 174

تعلم أن رسول اللّه «ص» قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى ...» «1»

أقول: قصة المدديّ رواها البيهقي بسنده، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال ما ملخصه:

«خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة موتة و رافقني مدديّ من أهل اليمن، فلقينا جموع الروم و فيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهّب و سلاح مذهّب، فجعل الرومي يفري بالمسلمين، و قعد له المددي خلف صخرة فمرّ به الرومي فعرقب فرسه فخرّ و علاه فقتله و حاز فرسه و سلاحه، فلما فتح اللّه- عزّ و جلّ- للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ السلب. قال عوف فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول اللّه «ص» قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى و لكني استكثرته. قلت: لتردّنّه إليه أو لأعرفنكها (لأعرفنكما خ. ل) عند رسول اللّه «ص». قال: لن نردّ عليه.

قال عوف فاجتمعنا عند رسول اللّه «ص» فقصصت عليه قصة المدديّ و ما فعل خالد، فقال رسول اللّه

«ص»: يا خالد، ما حملك على ما صنعت؟ قال: استكثرته، فقال: رد عليه ما أخذت منه. قال عوف: فقلت: دونك يا خالد، أ لم أف لك؟ فقال رسول اللّه «ص»: و ما ذاك؟ فأخبرته. قال: فغضب رسول اللّه «ص» فقال: يا خالد، لا تردّ عليه، هل أنتم تاركوا لي أمرائي لكم صفوة أمرهم و عليهم كدره؟» «2»

و روى القصة أيضا مسلم، فراجع. «3»

و يظهر من احتجاج عوف على خالد بقضاء رسول اللّه «ص» أن الأصحاب فهموا من قضائه «ص» كونه حكما دائما لا مختصا بموارد خاصّة.

و يمكن أن يستدل لهذا أيضا بأن المتبادر من جعل النبي «ص» السلب للقاتل في

______________________________

(1)- المغني 10/ 426- 427.

(2)- سنن البيهقي 6/ 310، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في تخميس السلب.

(3)- صحيح مسلم 3/ 1373، كتاب الجهاد و السير، الباب 13 (باب استحقاق القاتل سلب القتيل)، الحديث 1753.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 175

موارد كثيرة من غزواته، و كذا من قوله: «من قتل قتيلا فله سلبه»، أو «من قتل كافرا فله سلبه» أنه حكم كلي إلهي أجراه النبي «ص» و بيّنه بقوله على ما هو شأن النبوة، فإن شأن النبي بما هو نبي إنما هو تلقي الأحكام بالوحي و بيانه للأمّة.

و لو سلّم كون كلامه «ص» قضاء منه و حكما سلطانيا فلا دليل أيضا على حصره بعصره و غزواته، نظير قوله «ص»: «لا ضرر و لا ضرار»، بناء على كونه حكما سلطانيا منه على ما هو ظاهر لفظ القضاء.

و يؤيد ذلك أيضا مساعدة العرف و الاعتبار العقلائي لكون القاتل أولى بسلب مقتوله، و كأنه محصول عمله و نشاطه، و الإنسان يملك

محصول نشاطه و عمله. هذا.

و لكنّ الظاهر من الروايات بعد إرجاع بعضها إلى بعض كون السلب نفلا منه «ص» و حكما سلطانيا منه في الموارد الخاصّة تشويقا لأصحابه في أمر الجهاد و المبارزة.

و ليس في كلامه «ص» ما يشهد بكونه في مقام بيان حكم كلي ثابت لجميع الأعصار و الموارد حتى يخصص به عمومات تقسيم الغنيمة بين الجميع بالسوية.

و المخصص إذا كان مجملا مرددا أمره بين الأقل و الأكثر و كان منفصلا لم يسر إجماله إلى العام، فيكون العام حجة في الموارد المشكوكة، فتدبّر.

و قصة المدديّ أيضا تشهد بعدم تعيّن السلب للمقتول، فإن النبي «ص» و إن أمر في بادي الأمر بردّه إليه و لكنه في النهاية قال: «يا خالد، لا ترد عليه.» و لا يتوهم أنه وقع تعزيرا للمدديّ حيث استخف بالأمير، إذ المستخف به هو عوف لا المدديّ، فكيف يمنع حقه إن ثبت؟! اللّهم إلّا أن يقال: لعلّ المورد كان من الصفي و اختياره كان إلى النبي «ص». هذا.

و قد مرّ عن الشرائع قوله: «و السلب، إذا شرط للقاتل، و لو لم يشرط لم يختص به.» «1»

و نسبه في الجواهر إلى المشهور ثم قال: «بل لا أجد فيه خلافا إلّا من الإسكافي.» «2»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 323 (ط. أخرى/ 247).

(2)- الجواهر 21/ 186.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 176

و هذا القول هو الأقوى و إن كان الاحتياط يقتضي الأخذ بالأول.

المسألة الثانية: هل القاتل يستحق السلب مطلقا، أو يعتبر في ذلك شروط؟

قال الشيخ في الخلاف (المسألة 11):

«إذا شرط له الإمام السلب إذا قتله فإنه متى قتله استحق سلبه على أيّ حال قتله. و قال داود و أبو ثور: السلب للقاتل من غير مراعاة شرط. و قال الشافعي و بقية الفقهاء:

إن السلب لا يستحقه إلّا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يقتله مقبلا مقاتلا و الحرب قائمة، و لا يقتله منهزما و قد انقضت الحرب. و الثاني: أن لا يقتله و هو مثخن بالجراح. و الثالث: لا يكون ممن يرمي سهما من صف المسلمين إلى صف المشركين فيقتله لأنه يحتاج أن يكون مغررا بنفسه.

دليلنا أنه إذا شرط الإمام السلب فالظاهر أنه متى حصل القتل استحق السلب، و لأن قول النبي «ص»: «من قتل كافرا فله سلبه» على عمومه، و من راعى شرطا زائدا فعليه الدلالة.» «1»

أقول: و قد يضاف إلى الشروط الثلاثة شروط أخر: الأول: أن يكون القاتل ممن يستحق السهم أو الرضخ. الثاني: أن يقتل أو يثخن بالجراح. فلو جرحه بجراح غير مثخن أو أسره و قيده لم يستحق سلبه. الثالث: أن يكون المقتول من المقاتلة الذين يجوز قتلهم. فلو قتل صبيا أو امرأة أو شيخا فانيا غير مقاتلين أو رجلا مستأمنا لم يستحق سلبه، للنهي عن قتلهم. هذا.

و لا يخفى أن البحث في اعتبار الشروط كان على القول باستحقاق السلب

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 330، كتاب الفي ء.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 177

شرعا، و أما على ما اخترناه من استحقاقه بشرط الإمام ذلك و أنه من مصاديق النفل الذي قد يجعله الإمام لبعض فالحكم تابع لجعله سعة و ضيقا، كما لا يخفى.

المسألة الثالثة: في المقصود من السلب:

قال الشيخ في المبسوط:

«و أما السلب الذي يستحقه القاتل فكل ما كان يده عليه و هو جنّة للقاتل أو سلاح كان له، مثل الفرس و البيضة و الخوذة و الجوشن و السيف و الرمح و الدرقة و الثياب التي عليه، فإن جميع ذلك كله له. و ما لم يكن

يده عليه، مثل المضرب و الرحل و الجنائب التي تساق خلفه و غير ذلك، فإنه يكون غنيمة و لا يكون سلبا.

و ما كان يده عليه و ليس بجنة للقتال، مثل المنطقة و الخاتم و السوار و الطوق و النفقة التي معه، فالأولى أن نقول: إنه له، لعموم الخبر.» «1»

و راجع في المسألة المنتهى «2»، و المغني «3»، و الجواهر «4».

و الذي يسهّل الخطب أن الاستحقاق عندنا يكون بجعل الإمام، فالأمر تابع لموضوع جعله سعة و ضيقا.

و على فرض كونه حكما كليا فلا محالة يكون المرجع في موارد الشك عمومات تقسيم الغنيمة على السواء كما مر نظيره، فتدبّر.

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 67، كتاب قسمة الفي ء.

(2)- المنتهى 2/ 945؛ و المغني لابن قدّامة 10/ 428؛ و الجواهر 21/ 190.

(3)- المنتهى 2/ 945؛ و المغني لابن قدّامة 10/ 428؛ و الجواهر 21/ 190.

(4)- المنتهى 2/ 945؛ و المغني لابن قدّامة 10/ 428؛ و الجواهر 21/ 190.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 178

المسألة الرابعة: هل السلب يخمّس خمس غنائم الحرب أم لا؟

قال الشيخ في الخلاف (المسألة 9):

«إذا شرط له الإمام السلب لا يحتسب عليه من الخمس و لا يخمّس. و عند أبي حنيفة يحتسب عليه من الخمس. و قال الشافعي: لا يخمّس، و به قال سعد بن أبي وقاص. و قال ابن عباس: يخمّس السلب، قليلا كان أو كثيرا. و قال عمر: إن كان قليلا لا يخمّس و إن كان كثيرا خمّس.

دليلنا أنه ينبغي أن يكون لشرط الإمام تأثير، و لو احتسب عليه من الخمس لم يكن فيه فائدة، و كذلك لو خمس. على أن ظاهر شرط الإمام يقتضي أنه له، و من قال إنه يحتسب عليه أو يخمس فعليه الدلالة.» «1»

و في

المغني لابن قدامة:

«الفصل الخامس: إن السلب لا يخمّس. روي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، و به قال الشافعي و ابن المنذر و ابن جرير. و قال ابن عباس: يخمّس، و به قال الأوزاعي و مكحول، لعموم قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ.» و قال إسحاق: إن استكثر الإمام السلب خمّسه، و ذلك إليه، لما روى ابن سيرين أن البراء بن مالك بارز مرزبان الزارة بالبحرين، فطعنه فدقّ صلبه و أخذ سواريه و سلبه، فلما صلّى عمر الظهر أتى أبا طلحة في داره فقال: إنا كنّا لا نخمّس السلب، و إن سلب البراء قد بلغ مالا و أنا خامسه، فكان أول سلب خمّس في الإسلام سلب البراء. رواه سعيد في السنن. و فيها إن سلب البراء بلغ ثلاثين ألفا.

و لنا ما روى عوف بن مالك و خالد بن الوليد أن رسول اللّه «ص» قضى بالسلب للقاتل و لم يخمّس السلب. رواه أبو داود. و عموم الأخبار التي ذكرناها. و خبر عمر

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 330، كتاب الفي ء و قسمة الغنائم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 179

حجة لنا، فإنه قال: إنا كنّا لا نخمّس السلب ...» «1»

أقول: قد مرّ أن السلب إنما يستحقه القاتل بجعل الإمام، و قد عرفت منّا تقديم الجعائل على الخمس.

و لكن مع ذلك يمكن أن يقال بافتراق السلب عنها كما في الجواهر باندراجه تحت اسم الغنيمة بالمعنى الأخص بالنسبة إلى السالب دونها، فيشمله عموم آية الخمس و الروايات. و مثله ما ينفله الإمام من الغنيمة لبعض المقاتلين زائدا على سهمه، و كذلك الرضخ كما مرّ.

اللّهم إلّا أن يقال بانصراف أدلّة خمس الغنيمة

بالمعنى الأخص عن مثله.

أو يقال بأن الظاهر من جعل الإمام إياه للسالب جعل مجموعه لا أربعة أخماسه، و خمس الغنيمة بالمعنى الأخص يأخذه الإمام قبل تقسيمها.

و على هذا فالمتّبع ظاهر الجعل؛ فإن كان ظاهرا في كونه له بأجمعه بلا خمس فهو، و إلّا فعموم دليل خمس الغنيمة محكّم فيأخذ الإمام خمسه و يعطيه البقية، فتدبّر.

و على فرض العدم فالظاهر شمول أدلة خمس الفائدة له، كما لا يخفى.

______________________________

(1)- المغني 10/ 425.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 180

الجهة الخامسة: في الصفايا و أنها للإمام:

قد كان من المتعارف في جميع الأعصار اصطفاء الملوك و الأمراء من بين غنائم العدوّ الأشياء القيّمة النفيسة منها لأنفسهم أو لبيوت أموالهم و متاحفهم، و كان يطلق عليها الصفايا.

و هذا الصنف من الأشياء النفيسة لا تقبل التقسيم غالبا. و إيثار البعض بها دون بعض تورث الخلاف و الضغائن. فلا مجال إلّا لإبقائها ذخرا لمستقبل الأمّة تحت اختيار إمامهم. و ربما يستفيد منها الإمام الّذي هو مقبول الأمّة جميعا و يكون أحق الأشخاص بالاستفادة منها. و نحن نحيل البحث التفصيلي في الصفايا إلى فصل الأنفال لمناسبتها لها و إن ناقشنا في إطلاق لفظ الأنفال عليها، و الغرض هنا هو الإشارة إليها و أنها مما يستثنى من الغنائم قبل التقسيم، فانتظر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 181

الجهة السادسة: في حكم الأراضي المفتوحة عنوة:
اشارة

و قبل البحث فيها نشير إلى أقسام الأرضين و أحكامها، فنقول:

[أقسام الأرضين و أحكامها]

الأرض إما موات و إما عامرة، و كل منهما إما أن تكون كذلك بالأصالة أو عرض لها ذلك، فهي أربعة أقسام:

أما الموات بالأصالة، فلا إشكال و لا خلاف منّا في كونها من الأنفال و كونها للإمام بما هو إمام. و مثلها العامرة بالأصالة، أي لا من معمر، سواء كانتا في بلاد الإسلام أو في بلاد الكفر، إذ لم يتحقق فيهما ما هو الملاك لتملك الشخص و هو الإحياء. و سيأتي البحث فيهما في فصل الأنفال.

و أما الموات بالعرض، فإن كانت العمارة السابقة فيها أصلية أو من معمر بقصد الملك و لكن باد أهلها بالكلية أو أعرض عنها كذلك فهي أيضا للإمام، و صار حكمها حكم الموات بالأصالة.

و إن كانت من معمر بقصد الملك و لم يبد أهلها و لم يعرض عنها ففي بقائها بعد الموت على ملك معمرها أو خروجها عن ملكه، أو يفصل بين ما كان الملك بغير الإحياء كالميراث و الشراء و نحوهما فيبقى أو بالإحياء فيزول؟ وجوه سيأتي تفصيله في فصل الأنفال.

و أما العامرة بالعرض، فإن كانت العمارة بنفسها فهي أيضا للإمام.

و إن كانت من معمر بقصد التملك فهي له و يملكها المحيي إجمالا إما لرقبتها أو لحيثية الإحياء فقط، كما سيأتي.

و حينئذ فإن كان المحيي مسلما أو أسلم عليها فلا تخرج عن ملكه إلّا بالإعراض أو المعاملات الناقلة أو النواقل القهرية كالميراث مثلا أو صيرورتها مواتا

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 182

على الخلاف فيه كما مرّ. و كذلك الذميّ و المعاهد.

و إن كان المالك لها كافرا محاربا فملكه يزول بما يزول به ملك المسلم،

و بالاغتنام عنوة كسائر أموالهم فتصير ملكا للمسلمين بما هم مسلمون.

و كذلك إن صولح عليها على أن تكون للمسلمين بما هم مسلمون، و المتولي للتصرف فيها و تقبيلها هو الإمام يصرف حاصلها في مصالحهم.

و إن أخذت بغير حرب و عنوة أو صولح عليها على أن تكون للإمام صارت للإمام و تكون من الأنفال.

[حكم الأراضي المفتوحة عنوة و قهرا]
اشارة

إذا عرفت هذا فنقول: البحث هنا في الأراضي المفتوحة عنوة و قهرا التي هي قسم من غنائم الحرب. و في حكمها ما صولح عليها على أنها للمسلمين. و لا إشكال عندنا في عدم تقسيمها بين المقاتلين، بل يجب أن تبقى وقفا على مصالح المسلمين.

و قد تطابقت على ذلك فتاوى أصحابنا و رواياتهم، و إن كانت المسألة خلافية بين فقهاء السنة:

[كلمات الفقهاء]

1- قال الشيخ في كتاب الزكاة من النهاية:

«الأرضون على أربعة أقسام: ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم و يؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، و كانت ملكا لهم يصح لهم التصرف فيها بالبيع و الشرى و الوقف و سائر أنواع التصرف. و هذا حكم أراضيهم إذا عمروها و قاموا بعمارتها، فإن تركوا عمارتها و تركوها خرابا كانت للمسلمين قاطبة ...

و الضرب الآخر من الأرضين ما أخذ عنوة بالسيف، فإنها تكون للمسلمين بأجمعهم.

و كان على الإمام أن يقبلها لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع، و كان على المتقبل إخراج ما قد قبل به من حق الرقبة، و فيما يبقى في يده و خاصّه العشر أو نصف العشر. و هذا الضرب من الأرضين لا يصح التصرف فيه بالبيع و الشرى و التملك و الوقف و الصدقات. و للإمام أن ينقله من متقبل إلى غيره عند انقضاء مدة ضمانه. و له التصرف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 183

و هذه الأرضون للمسلمين قاطبة، و ارتفاعها يقسم فيهم كلهم: المقاتلة و غيرهم، فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما يحويه العسكر من

الغنائم.

و الضرب الثالث كل أرض صالح أهلها عليها، و هي أرض الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النصف أو الثلث أو الربع، و ليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها كان حكم ارضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، و يسقط عنهم الصلح لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم و أموالهم و قد سقطت عنهم بالإسلام ...

و الضرب الرابع كل أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما و غيرها مما لا يزرع فيها فاستحدثت مزارع، فإن هذه الأرضين كلها للإمام خاصة ليس لأحد معه فيها نصيب، و كان له التصرف فيها بالقبض و الهبة و البيع و الشرى حسب ما يراه، و كان له أن يقبلها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع ...» «1»

أقول: لم يتعرض هو- قدّس سرّه- لمسألة الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة، خلافا لما يأتي عنه في الخلاف.

و في قوله في الأراضي التي أسلم أهلها و تركوها خرابا: إنها للمسلمين، كلام.

إذ الظاهر أنها بالإعراض عنها تصير من الأنفال و تكون للإمام. و كأن الشيخ أخذ هذا من خبر صفوان و البزنطي، و يأتي الكلام في ذلك.

و ما ذكره في ارتفاع الأراضي المفتوحة عنوة من أنه يقسم فيهم كلهم، قابل للمناقشة، إذ لا يتعين فيه التقسيم بل يكون مفوضا إلى نظر الإمام. و كأنه أخذ ذلك مما ورد من تقسيم رسول اللّه «ص» ارتفاع أراضي خيبر، فراجع.

و ما ذكره في الضرب الثالث من كونها أرض الجزية و سقوط حق القبالة عنهم بإسلامهم، إنما يصح إذا وقع الصلح على أن تبقى رقبة الأرض ملكا لأنفسهم. و أما

______________________________

(1)- النهاية/ 194.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3،

ص: 184

إذا وقع الصلح على أن تقع الأرض ملكا للمسلمين أو لإمام المسلمين فلا وجه لرجوعها إليهم بالإسلام، كما لا يخفى وجهه.

2- و قال في الخلاف في كتاب الفي ء (المسألة 18):

«ما لا ينقل و لا يحوّل من الدور و العقارات و الأرضين عندنا أن فيه الخمس فيكون لأهله، و الباقي لجميع المسلمين: من حضر القتال و من لم يحضر، فيصرف ارتفاعه إلى مصالحهم.

و عند الشافعي أن حكمه حكم ما ينقل و يحوّل: خمسه لأهل الخمس و الباقي للمقاتلة الغانمين، و به قال ابن الزبير.

و ذهب قوم إلى أن الإمام مخير فيه بين شيئين: بين أن يقسمه على الغانمين، و بين أن يقفه على المسلمين. ذهب إليه عمر و معاذ و الثوري و عبد اللّه بن المبارك.

و ذهب أبو حنيفة و أصحابه إلى أن الإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسمه على الغانمين، و بين أن يقفه على المسلمين، و بين أن يقرّ أهلها عليها و يضرب عليهم الجزية باسم الخراج؛ فإن شاء أقرّ أهلها الذين كانوا فيها، و إن شاء أخرج أولئك و أتى بقوم آخرين من المشركين و أقرّهم فيها و ضرب عليهم الجزية باسم الخراج.

و ذهب مالك إلى أن ذلك يصير وقفا على المسلمين بنفس الاغتنام و الأخذ من غير إيقاف الإمام، فلا يجوز بيعه و لا شراؤه.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. و روي أن النبي «ص» فتح هوازن و لم يقسم أرضها بين الغانمين. فلو كانت للغانمين لقسمها فيهم. و روي أن عمر فتح قرى بالشام فقال له بلال: اقسمها بيننا، فأبى عمر ذلك و قال: اللّهم اكفني شر بلال و ذريته.

فلو كانت القسمة واجبة لكان يفعلها عمر.

و روي

أن عمر استشار عليا «ع» في ارض السواد، فقال علي «ع»: دعها عدّة للمسلمين و لم يأمره بقسمتها. و لو كان واجبا لكان يشير عليه بالقسمة.» «1»

و تعرض في كتاب السير (المسألة 23) من الخلاف أيضا للمسألة، فراجع. «2»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 333.

(2)- الخلاف 3/ 235.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 185

أقول: قد مرّ منّا في بحث خمس الغنائم الإشكال في وجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة، فراجع. و معقد الإجماع المدعى هو أصل المسألة أعني عدم تقسيم الأراضي عندنا، كما يستفاد من سائر ما ذكره دليلا، لا مسألة الخمس فإنها ذكرت تطفلا.

3- و قال في جهاد المبسوط:

«ظاهر المذهب أن النبي «ص» فتح مكة عنوة بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك، و إنما لم يقسم الأرضين و الدور لأنها لجميع المسلمين، كما نقوله في كل ما يفتح عنوة إذا لم يمكن نقله إلى بلد الإسلام، فإنه يكون للمسلمين قاطبة. و منّ النبي «ص» على رجال من المشركين فأطلقهم، و عندنا أن للإمام أن يفعل ذلك. و كذلك أموالهم منّ عليهم بها لما رآه من المصلحة.

و أما أرض السواد فهي الأرض المغنومة من الفرس التي فتحها عمر، و هي سواد العراق. فلما فتحت بعث عمر عمار بن ياسر أميرا، و ابن مسعود قاضيا و واليا على بيت المال، و عثمان بن حنيف ماسحا فمسح عثمان الأرض. و اختلفوا في مبلغها فقال البياجي (الساجي خ. ل): اثنان و ثلاثون ألف ألف جريب. و قال أبو عبيدة: ستة و ثلاثون ألف ألف جريب. و هي ما بين عبّادان و الموصل طولا، و بين القادسية و حلوان عرضا. ثم ضرب على كل جريب نخل ثمانية دراهم،

و الرطبة ستة، و الشجر كذلك، و الحنطة اربعة، و الشعير درهمين. و كتب إلى عمر فأمضاه. و روي أن ارتفاعها كان في عهد عمر مأئة و ستين ألف ألف درهم، فلما كان في زمن الحجاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم، فلما وليّ عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أول سنة، و في الثانية بلغ ستين ألف ألف، فقال: لو عشت سنة أخرى لرددتها إلى ما كان في أيّام عمر، فمات تلك السنة. و كذلك أمير المؤمنين «ع» لما أفضي الأمر إليه أمضى ذلك، لأنه لم يمكنه أن يخالف و يحكم بما يجب عنده فيه.

و الذي يقتضيه المذهب أن هذه الأراضي و غيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس و أربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة: للغانمين و غير

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 186

الغانمين في ذلك سواء. و يكون للإمام النظر فيها و تقبيلها و تضمينها بما شاء، و يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالح المسلمين و ما ينوبهم من سد الثغور و معونة المجاهدين و بناء القناطر و غير ذلك من المصالح. و ليس للغانمين في هذه الأرضين خصوصا شي ء بل هم و المسلمون فيها سواء.

و لا يصح بيع شي ء من هذه الأرضين و لا هبته و لا معاوضته و لا تمليكه و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه.

و لا يصح أن يبنى دورا و منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع الملك. و متى فعل شي ء من ذلك كان التصرف باطلا و هو باق

على الأصل. و على الرواية التي رواها أصحابنا: «أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت يكون الغنيمة للإمام خاصة» هذه الأرضون و غيرها مما فتحت بعد الرسول إلّا ما فتحت في أيام أمير المؤمنين «ع» إن صح شي ء من ذلك تكون للإمام خاصة و تكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره.» «1»

أقول: لم يفصل الشيخ- قدّس سرّه- في عباراته الثلاث بين المحياة من أراضيهم وقت الفتح و الموات منها، و لكن الظاهر كما يأتي اختصاص الحكم بالمحياة منها وقت الفتح، إذ الموات ليس ملكا للكفّار حتى يغنم منهم، اللّهم إلّا أن يقال: إن الموات منها أيضا يكون تحت استيلاء دولة الكفر، فيشمله عموم ما أخذت بالسيف المذكور في بعض أخبار الباب. و في موضع آخر من جهاد المبسوط فرق بين المحياة وقت الفتح و الموات، فقال:

«و أما الأرضون المحياة فهي للمسلمين قاطبة، و للإمام النظر فيها ... فأمّا الموات فإنها لا تغنم و هي للإمام خاصة، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف فيها و يكون للإمام طسقها.» «2»

و لم يفرق الشيخ بين المحياة قبل نزول آية الأنفال و المحياة بعده، و هو الحق

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 33.

(2)- المبسوط 2/ 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 187

و سيأتي البحث فيه.

و ما نقله عن أبي عبيدة في مقدار أراضي السواد يحتمل فيه كون أبي عبيدة مصحف أبي عبيد؛ ففي كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده، عن الشعبي:

«أن عمر بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد فوجده ستة و ثلاثين ألف ألف جريب.» «1»

و قوله: «و لا يصح أن يبنى دورا و منازل ...»، أراد به

لا محالة الاستبداد بالتصرف فيها بدون إذن الإمام أو الاستيجار منه.

و ما ذكره أخيرا في المبسوط مبني على عدم إذن أمير المؤمنين «ع» للغزوات التي وقعت في عصره بعد النبي «ص» و القول بشمول الرواية التي أشار اليها للأرضين أيضا، و سيأتي الكلام في ذلك.

4- و قال العلامة في المنتهى:

«الأرضون أربعة أقسام: أحدها ما يملك بالاستغنام و يؤخذ قهرا بالسيف، فإنها تكون للمسلمين قاطبة فلا يختص بها المقاتلة، بل يشاركهم غير المقاتلة من المسلمين. و كما لا يختصون بها كذلك لا يفضلون، بل هي للمسلمين قاطبة. ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال مالك. و قال الشافعي: إنها تقسم بين الغانمين كسائر الأموال ...» «2»

5- و فيه أيضا:

«أرض السواد هي الأرض المغنومة من الفرس، التي فتحها عمر بن الخطاب، و هي سواد العراق. و حدّه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبّادان من شرقي دجلة. فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هو إسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص. و ما والاها كانت سباخا و مواتا فأحياها عثمان بن أبي العاص. و سمّيت هذه الأرض سوادا لأن الجيش لما خرجوا من البادية و رأوا هذه

______________________________

(1)- الأموال/ 88.

(2)- المنتهى 2/ 934.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 188

الأرض و التفاف شجرها سمّوها السواد لذلك. و هذه الأرض فتحت عنوة فتحها عمر بن الخطاب ثم بعث إليها بعد فتحها ثلاثة أنفس: عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرا، و ابن مسعود قاضيا و واليا على بيت المال، و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض، و فرض

لهم في كل يوم شاة: شطرها مع السواقط لعمّار، و شطرها للآخرين. و قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلّا سريع في خرابها ...» «1»

6- و في جهاد الشرائع:

«كل أرض فتحت عنوة و كانت محياة فهي للمسلمين قاطبة، و الغانمون في الجملة.

و النظر فيها إلى الإمام، و لا يملكها المتصرف على الخصوص، و لا يصح بيعها و لا هبتها و لا وقفها، و يصرف الإمام حاصلها في المصالح مثل سدّ الثغور و معونة الغزاة و بناء القناطر.» «2»

7- و في الجواهر في شرح الجملتين الأوليين قال:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا ... بل في الغنية و المنتهى و قاطعة اللجاج للكركي و الرياض و موضعين من الخلاف بل و التذكرة على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه بل هو محصل.» «3»

8- و في خراج أبي يوسف:

«قال أبو يوسف: و حدثني بعض مشايخنا عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى سعد حين افتتح العراق: أما بعد، فقد بلغني كتابك، تذكر فيه أن الناس سألوك أن تقسم بينهم مغانمهم و ما أفاء اللّه عليهم. فإذا أتاك كتابي هذا فانظر ما أجلب الناس عليك به إلى العسكر من كراع و مال فاقسمه بين من حضر من المسلمين، و اترك الأرضين و الأنهار لعمّالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شي ء ...

قال أبو يوسف: و حدثني غير واحد من علماء أهل المدينة، قالوا: لما قدم على

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 937.

(2)- الشرائع 1/ 322 (ط. أخرى/ 245).

(3)- الجواهر 21/ 157.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 189

عمر بن الخطاب جيش

العراق من قبل سعد بن أبي وقاص شاور أصحاب محمد في تدوين الدواوين ...

و شاورهم في قسمة الأرضين التي أفاء اللّه على المسلمين من أرض العراق و الشام، فتكلم قوم فيها و أرادوا أن يقسم لهم حقوقهم و ما فتحوا. فقال عمر: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت و ورثت عن الآباء و حيزت؟ ما هذا برأى ... فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها و أرض الشام بعلوجها فما يسدّ به الثغور، و ما يكون للذرية و الأرامل بهذا البلد و بغيره من أرض الشام و العراق؟ فأكثروا على عمر و قالوا: أ تقف ما أفاء اللّه علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا و لم يشهدوا ...

و رأى عثمان و علي و طلحة و ابن عمر رأي عمر. فأرسل إلى عشرة من الأنصار:

خمسة من الأوس و خمسة من الخزرج من كبرائهم و أشرافهم، فلما اجتمعوا حمد اللّه و أثنى عليه بما هو أهله ثم قال: ... و قد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها و أضع عليهم فيها الخراج و في رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين: المقاتلة و الذرية و لمن يأتي من بعدهم. أ رأيتم هذه الثغور لا بدّ لها من رجال يلزمونها، أ رأيتم هذه المدن العظام- كالشام و الجزيرة و الكوفة و البصرة و مصر- لا بد لها من أن تشحن بالجيوش و إدرار العطاء عليهم، فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون و العلوج؟ فقالوا جميعا: الرأي رأيك، فنعم ما قلت و ما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور و هذه المدن بالرجال و تجري عليهم ما يتقوون به رجع أهل الكفر إلى مدنهم.

فقال: قد بان لي الأمر

فمن رجل له جزالة و عقل يضع الأرض مواضعها، و يضع على العلوج ما يحتملون؟ فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف و قالوا: تبعثه إلى أهمّ ذلك، فإن له بصرا و عقلا و تجربة، فأسرع إليه عمر فولّاه مساحة أرض السواد، فأدت جباية سواد الكوفة قبل أن يموت عمر بعام مأئة ألف ألف درهم. و الدرهم يومئذ درهم و دانقان و نصف، و كان وزن الدرهم يومئذ وزن المثقال ...» «1»

______________________________

(1)- الخراج/ 24- 26.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 190

9- و في كتاب الخراج أيضا:

«و حدثني محمد بن إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن عمر بن الخطاب أنه أراد أن يقسم السواد بين المسلمين فأمر بهم أن يحصوا، فوجد الرجل يصيب الاثنين و الثلاثة من الفلّاحين، فشاور أصحاب محمد «ص»، فقال علي: «دعهم يكونوا مادة للمسلمين.» فبعث عثمان بن حنيف فوضع عليهم ثمانية و أربعين درهما، و أربعة و عشرين درهما، و اثني عشر درهما.» «1»

و في كتاب الأموال لأبي عبيد عن إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن ابن إسحاق نحو ذلك، فراجع. «2»

10- و في تاريخ اليعقوبي:

«و شاور عمر أصحاب رسول اللّه «ص» في سواد الكوفة فقال له بعضهم: تقسمها بيننا، فشاور عليا «ع» فقال: «إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجي ء بعدنا شي ء، و لكن تقرّها في أيديهم يعملونها فتكون لنا و لمن بعدنا.» فقال: وفّقك اللّه، هذا الرأي.» «3»

أقول: ظاهر هذه القصة التي تعرض لها أبو يوسف و أبو عبيد و غيرهما باختلاف في بعض الجزئيات هو أن حفظ الأرض المفتوحة عنوة لمستقبل المسلمين و عدم تقسيمها بين المقاتلين كان أمرا خاصا اقترحه عمر في خصوص ما

افتتح في عصره، و استشار أمير المؤمنين و أعاظم الصحابة في ذلك فصوّبوا رأيه، أو رأيا ألقاه أمير المؤمنين «ع» فصوّبه عمر.

فيستفاد من ذلك أن الأراضي تكون تحت اختيار إمام المسلمين و لكن الظاهر من فتاوى فقهائنا و من الأخبار الكثيرة الآتية أن إبقاءها للمسلمين كان حكما إلهيا كليا أو حكما سلطانيا كليا نافذا في جميع الأعصار لجميع الأراضي التي فتحت أو تفتح في كل عصر. و بين الأمرين فرق ظاهر، كما لا يخفى. إذ لو كان

______________________________

(1)- الخراج/ 36.

(2)- الأموال/ 74.

(3)- تاريخ اليعقوبي 2/ 129.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 191

حكما كليا ثابتا لم يحتج إلى الشور و النظر. هذا.

11- و في كتاب الأموال أيضا بسنده، عن أبي مجلز- لا حق بن حميد-:

«أن عمر بن الخطاب بعث عمّار بن ياسر إلى أهل الكوفة على صلاتهم و جيوشهم، و عبد اللّه بن مسعود على قضائهم و بيت مالهم، و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض، ثم فرض لهم في كل يوم شاة بينهم. قال: أو قال: جعل لهم في كل يوم شاة:

شطرها و سواقطها لعمّار، و الشطر الآخر بين هذين، ثم قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلّا سريعا في خرابها ...» «1»

أقول: السواقط، يراد به مثل الكبد و الكرش و أمثالهما. قيل: و يظهر بذلك أن عمّارا كان أكثر عيالا من صاحبيه، فخصّه عمر بنصف الشاة و سواقطها. هذا.

و لا حظ كيف استكثر عمر شاة واحدة على أهل ثلاثة بيوت كان يمثلون الهيئة الحاكمة على مدينة كبيرة مثل الكوفة و توابعها. و عليك بالمقايسة بين هذا و بين الإسرافات و التبذيرات التي ربما ترتكب في أعصارنا

في قاعات الحكّام و دوائرهم.

12- و في كتاب الأموال أيضا:

«قال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول اللّه «ص» و الخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام: أرض أسلم عليها أهلها، فهي لهم ملك أيمانهم، و هي أرض عشر لا شي ء عليهم فيها غيره. و أرض افتتحت صلحا على خرج معلوم، فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه. و أرض أخذت عنوة، فهي التي اختلف فيها المسلمون: فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة فتخمس و تقسم فيكون أربعة أخماسها خططا بين الذين افتتحوها خاصة، و يكون الخمس الباقي لمن سمّى اللّه- تبارك و تعالى-. و قال بعضهم: بل حكمها و النظر فيها إلى الإمام: إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمّسها و يقسمها كما فعل رسول اللّه «ص» بخيبر، فذلك له. و إن رأى أن يجعلها فيئا فلا يخمسها و لا يقسمها و لكن تكون موقوفة على المسلمين عامة

______________________________

(1)- الأموال/ 86.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 192

ما بقوا، كما صنع عمر بالسواد، فعل ذلك.» «1»

11- و فيه أيضا بإسناده، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال:

«سمعت عمر يقول: لو لا آخر الناس ما فتحت قرية إلّا قسمتها كما قسم رسول اللّه «ص» خيبر.» «2»

و رواه البخاري أيضا «3». و راجع في أحكام الأراضي الماوردي أيضا «4».

ما ورد من الروايات في الأراضي المفتوحة عنوة و حكم بيعها و شرائها:

1- ما عن الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن أحمد بن أشيم، عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر جميعا قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته. فقال: من أسلم طوعا

تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر مما سقت السماء و الأنهار، و نصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها.

و ما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبّله ممن يعمره و كان للمسلمين. و على المتقبلين في حصصهم العشر و نصف العشر. و ليس في أقلّ من خمسة أوساق شي ء من الزكاة.

و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر: قبّل سوادها و بياضها- يعني أرضها و نخلها-، و الناس يقولون: لا يصلح قبالة الأرض و النخل، و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر. و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم.

و قال: إن أهل الطائف أسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر، و إن مكة دخلها

______________________________

(1)- الأموال/ 69.

(2)- الأموال/ 71.

(3)- صحيح البخاري 2/ 193، كتاب الجهاد و السير، باب الغنيمة لمن شهد الوقعة.

(4)- الأحكام السلطانية/ 146 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 193

رسول اللّه «ص» عنوة فكانوا أسراء في يده فأعتقهم و قال: اذهبوا، فأنتم الطلقاء.» «1»

أقول: لا يخفى أن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي كليهما من أعاظم أصحاب الرضا «ع»، فالضمير المجرور عائد إليه «ع» ظاهرا، كما يشهد بذلك الرواية الآتية التي يقرب جدّا اتحادها مع هذه الرواية.

و لا إشكال في رجال الحديث إلّا في علي بن أحمد بن أشيم، حيث عدّه الشيخ في أصحاب الرضا «ع» و قال: إنه مجهول. «2»

و لكن العلامة المجلسي في مرآة العقول «3» صحح الحديث. و قال العلامة الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال:

«حكم خالي العلامة بحسنه، لوجود طريق

للصدوق إليه، و الرواية عنه كثيرة.

و يؤيده رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه.» «4» هذا.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 193

و الأراضي المفتوحة عنوة كانت تسمى أراضي خراجية. و الخراج و المقاسمة كانا يطلقان على الطسق الذي كان يؤخذ منها: فإن كان التقبيل بمال معين بنحو الإجارة سمّي خراجا، و إن كان بسهم مشاع من عائدة الأرض بنحو المزارعة سمّي مقاسمة. و ربما أطلق على كليهما الخراج.

و قد كان خراج الأراضي الخراجية من أهمّ المنابع المالية للحكومة الإسلامية على ما يشهد به التواريخ، فراجع.

و الظاهر أن المراد بقوله «ع»: «و ما لم يعمروه منها»، هو الموات من الأراضي، و يأتي أنه يعدّ من الأنفال الّتي تكون للإمام بما هو إمام. فقوله «ع»: «و كان للمسلمين» أقوى شاهد على ما نصرّ عليه من عدم تفاوت أساسي بين الأرض المفتوحة عنوة و أرض

______________________________

(1)- الكافي 3/ 513، كتاب الزكاة، باب أقلّ ما يجب فيه من الحرث، الحديث 2؛ و الوسائل 11/ 119، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- رجال الشيخ/ 384.

(3)- مرآة العقول 16/ 26 (ط. القديم 3/ 187).

(4)- راجع التعليقة (المطبوعة بهامش منهج المقال)/ 225؛ و راجع أيضا تنقيح المقال 2/ 265.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 194

النفل، و أن كليهما من الأموال العامة المتعلقة بالمسلمين، و أن المتولي لهما و المتصدي للتصرف فيهما هو الإمام بما أنه إمام و ممثل للمجتمع، و عليه أن يراعي في ذلك مصالح المسلمين و

يصرف الخراج فيما يصلحهم.

و كما يكون للإمام تقبيل الأراضي المفتوحة عنوة و أخذ الطسق منها يجوز له ذلك في أرض الموات أيضا، كما دلت عليه صحيحة أبي خالد الكابلي و غيرها.

نعم، يجوز له تحليلها لمن أحياها أيضا إذا رآه صلاحا، و سيأتي تفصيل ذلك في مبحث الأنفال، فانتظر.

و يطلق على هذا السنخ من الأموال المتعلقة بالمجتمع مال اللّه و مال الإمام و مال المسلمين، و مآل الجميع واحد. هذا.

و الشيخ الطوسي و أكثر الفقهاء حملوا قوله: «و ما لم يعمروه منها» في الحديث على ما كان ملكا لمن أسلم، بالإحياء أو غيره ثم ترك عمرانها، و اختلفوا في حكمها فقال الشيخ في زكاة المبسوط إن الإمام يقبّلها ممن يعمرها و يعطي صاحب الرقبة طسقها. و قال ابن حمزة إنها صارت للمسلمين، أي بحكم الموات التي يأخذ الإمام طسقها للمسلمين. و قال ابن إدريس إنه لا يجوز التصرف فيها بغير إذن صاحبها، فراجع جهاد المختلف. «1»

و المتبادر من قوله: «و ما أخذ بالسيف»، المحياة من أراضيهم لا مطلق الأراضي و إن توهم. و هل يراد به طبيعة ما أخذ بالسيف بإطلاقها، أو يكون إشارة إلى خصوص ما أخذ بالسيف من أراضي الكوفة و سواد العراق المذكورة في السؤال؟ لعلّ الأظهر هو الأوّل.

و قوله: «و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل»، إشارة إلى منع أبي حنيفة للمساقاة، و منع مالك و أبي حنيفة و الشافعي للمزارعة أيضا، و الإمام «ع» استدلّ بعمل النبي «ص» على صحة كلا العقدين.

و قد تعرض في الحديث لفتح مكة عنوة و أن رسول اللّه «ص» أعتق أهلها، فهل منّ عليهم بأراضيها أيضا أو أنه أبقاها للمسلمين؟ قد مرّ من المبسوط

قوله: «و إنما

______________________________

(1)- المختلف 1/ 332، عن المبسوط 1/ 235؛ و الجوامع الفقهية/ 717 (ط. أخرى 681)؛ و السرائر/ 110.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 195

لم يقسم الأرضين و الدور لأنها لجميع المسلمين، كما نقوله في كل ما يفتح عنوة.» «1»

و لكنه من المحتمل أنه «ص» منّ عليهم بها أيضا. و عليه فلا يتعين إبقاء الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين بل تكون تحت اختيار الإمام كسائر الغنائم كما مرّ، و الإبقاء أحد شقوق اختياره، فتدبّر.

2- ما عن الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا «ع» الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: «العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا، تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره و كان للمسلمين. و ليس فيما كان أقل من خمسة أوساق شي ء. و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر: قبّل أرضها و نخلها. و الناس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد، و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر.» «2»

أقول: من اتحاد الراوي و المروي عنه و المضمون ربما يحدث اتحاد الروايتين.

و السند في هذه الرواية و إن كان بحسب الظاهر صحيحا و لكن يحتمل جدا سقوط ابن أشيم من سندها، فيأتي فيها ما مرّ في السابقة، فتدبّر.

و كيف كان فالروايتان ظاهرتان في عدم تقسيم الأراضي المفتوحة عنوة بل

وجوب إبقائها للمسلمين.

3- مرسلة حماد الطويلة التي رواها الكليني و الشيخ: ففي أواخر كتاب الحجة من أصول الكافي: علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال: «... و ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين و لا ما غلبوا عليه إلّا ما احتوى عليه العسكر ...

و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل و رجال فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 33.

(2)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 196

عليها، على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق: النصف أو الثلث أو الثلثين، و على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرّهم. فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجّهه في الجهة التي وجهها اللّه على ثمانية أسهم ...

و يؤخذ بعد ما بقي من العشر فيقسم بين الوالي و بين شركائه الذين هم عمّال الأرض و أكرتها، فيدفع إليهم أنصباؤهم على ما صالحهم عليه. و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير.» «1»

أقول: العنوة: الخضوع و الذلّ، و منه قوله- تعالى-: «وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ.» «2»

و المراد كون الفتح بالقهر و إخضاع الطرف. و هذه المرسلة قد عمل بها الأصحاب

في الأبواب المختلفة. و حمّاد من أصحاب الإجماع الذين أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنهم. و التعبير عن الشخص المبهم ببعض أصحابنا يشعر بنحو إجلال له، فلعلّ الرواية مع إرسالها لا تنقص عن رواية حسنة. و الدلالة على المقصود واضحة.

و قوله «ع»: «ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير»، فالظاهر أنه لا يراد به إلّا تأكيد كون الأرضين لجميع المسلمين و أنه تصرف عوائدها في مصالحهم، دفعا لتوهم كون بعضها ملكا لشخص الإمام. و على هذا فلا يدلّ على منع استفادة شخصه منها إذا فرض احتياجه إليها، حيث إن سدّ خلّات الإمام و عائلته من أهمّ مصالح العامة.

و يشهد لذلك الروايات المستفيضة الدالّة على أن النبي «ص» صرف من عوائد خيبر في مصارف نفسه و أزواجه. و خيبر فتحت عنوة.

فمن هذه الروايات ما رواه أبو داود في السنن بسنده، عن بشير بن يسار: «أن رسول اللّه «ص» لمّا أفاء اللّه عليه خيبر قسمها ستة و ثلاثين سهما جمع: فعزل للمسلمين الشطر

______________________________

(1)- الكافي 1/ 539، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال ...، الحديث 4.

(2)- سورة طه (20)، الآية 111.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 197

ثمانية عشر سهما يجمع كل سهم مأئة، النبي «ص» معهم له سهم كسهم أحدهم. الحديث.» «1»

فراجع السنن و الأموال لأبي عبيد «2» و غيرهما.

و قد يناقش في المرسلة بأن الظاهر منها كون التقبيل بنحو المزارعة و الشركة في العوائد و قد حكم فيها بتقديم الزكاة على تقسيم العوائد، مع أن المحقق عندنا أن النصاب في المال المشترك يراعى بعد التقسيم لاعتباره في نصيب كل واحد منهما.

و يدل على ذلك خبر صفوان و البزنطي أيضا.

اللّهم إلّا أن يحمل ما في المرسلة على الغالب من كون نصيب كل منهما يبلغ النصاب. هذا. مع أن الظاهر أن حق الإمام لا يتعلق به زكاة، إذ الزكاة إنما تتعلق بأموال الناس بنفع بيت المال، فتدبّر.

4- صحيحة محمد الحلبي، قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن السواد ما منزلته؟

فقال: «هو لجميع المسلمين: لمن هو اليوم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد.»

فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال: «لا يصلح، إلّا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها.» قلت: فإن أخذها منه؟ قال: «يردّ عليه رأس ماله و له ما أكل من غلتها بما عمل.» «3»

أقول: المراد بالسواد أرض العراق، كما مرّ. و الظاهر أن المقصود من ذيل الحديث عدم صحة اشتراء رقبة الأرض، و لكن يجوز اشتراء حق الزارع فيها من بناء أو مرز أو غيرهما، و لا أقلّ من حق اختصاصه بها، و ينتقل حق المسلمين إلى عهدته.

5- رواية أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا تشتر من أرض السواد (أراضي أهل السواد خ. ل) شيئا إلّا من كانت له ذمّة، فإنما هو في ء للمسلمين.» «4»

و المراد أنه لا يجوز اشتراؤها إلّا لمن تقبل الخراج على ذمته، أو أنه لا يناسب اشتراؤه لغير أهل الذمة، حيث إنه كان يعد ذلك عيبا في تلك الأعصار، كما

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 143، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

(2)- الأموال/ 71.

(3)- الوسائل 12/ 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 4.

(4)- الوسائل 12/ 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع

و شروطه، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 198

يشهد به الخبر التالي، أو أن أهل الذمة كانت تترك أراضيهم لهم لقبولهم الجزية فيجوز شراؤها منهم، فتأمّل.

6- خبر محمد بن شريح، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن شراء الأرض من أرض الخراج، فكرهه و قال: «إنما أرض الخراج للمسلمين.» فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل و عليه خراجها؟ فقال: «لا بأس، إلّا أن يستحي من عيب ذلك.» «1»

7- رواية أبي بردة بن رجاء، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: «و من يبيع ذلك، هي أرض المسلمين؟» قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده. قال: «و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟» ثم قال: «لا بأس، اشترى حقّه منها و يحوّل حق المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه.» «2»

أقول: في الوسائل و التهذيب و الاستبصار أبو بردة بن رجاء، و ليس منه اسم في كتب الرجال. و في رجال الشيخ في أصحاب الصادق «ع»: «بردة بن رجاء.» «3»

و لم يذكر في الرجال بمدح و لا قدح، فهو مجهول. نعم يمكن أن يكون نقل صفوان عنه في الحديث جابرا لضعفه.

و قوله: «اشترى حقه فيها» يحتمل أن يراد به حق البائع في الأرض، و يحتمل أن يراد حق المشتري من جهة أن لكل مسلم حقا فيها، كما يظهر من بعض الأخبار الآتية.

و هل يكون أرض الجزية و أرض الخراج في روايات الباب إشارة إلى أراضي خاصة كان عليها الخراج في تلك الأعصار كأرض السواد مثلا، أو يراد بهما طبيعة الأرض المفتوحة عنوة بإطلاقها في أيّ عصر فتحت؟ كل محتمل. و قد مرّ

تطرق الاحتمالين في خبري صفوان و البزنطي أيضا. نعم ظاهر مرسلة حماد هو الاحتمال الثاني.

و قد عرفت أنه يحتمل أن يكون الحكم بكون الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 9.

(2)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1، عن التهذيب 4/ 146، و الاستبصار 3/ 109.

(3)- رجال الشيخ/ 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 199

حكما كليا إلهيا أو سلطانيا كليا ثابتا، كما يحتمل أن يكون الحكم فيها هو أنها في اختيار الإمام في كل عصر، و إبقاؤها للمسلمين يكون أحد شقوق اختياره، كما هو المستفاد من قصة صنع الخليفة الثاني في أرض السواد و تصويب أمير المؤمنين «ع» له كما مرّ. نعم، ظاهر أصحابنا الإجماع على الأول، فتدبّر.

8- موثقة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ص» عن الشراء من أرض اليهود و النصارى؟ فقال: «ليس به بأس، قد ظهر رسول اللّه «ص» على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها، فلا أرى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا. و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحق بها و هي لهم.» «1»

أقول: الظاهر أن منشأ السؤال أن أراضي اليهود و النصارى لم تكن لأنفسهم بل للمسلمين و هم كانوا زرّاعها و أكرتها. و أراضي خيبر كانت كذلك، لأنها فتحت عنوة، فمتعلق الاشتراء فيها لا محالة لم يكن رقبتها بل حق الإحياء الثابت لليهود فيها بالنسبة إلى ما حصل بعد الفتح.

و يستفاد من هذا الحديث أمران ينبغي الالتفات اليهما:

الأول: أن الإحياء يوجب الأحقية و لو كان المحيي

غير مسلم، و هو الّذي يقتضيه الطبع أيضا، حيث إن حياة الأرض محصول عمل المحيي، و عمله محصول فكره و قواه، و الإنسان مالك لفكره و قواه تكوينا فيملك محصولها أيضا، إذ نظام التشريع الصحيح تابع لنظام التكوين.

الثاني: ما يأتي منا في محله من أن إحياء الأرض لا يستلزم ملكية الرقبة، و إنما يستلزم ملكية ما صدر عن المحيي، و هو حيثية الإحياء و العمران فقط. و يستفاد هذا المعنى من تطبيق الإمام «ع» قوله: «و أيّما قوم أحيوا ...» على أرض خيبر، مع أن رقبتها خرجت عن ملك اليهود بالاغتنام. و على هذا فالاستدلال بهذا التعبير على ملكية الرقبة محل نظر و إشكال، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 200

9- صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن شراء أرضهم، فقال: «لا بأس أن

تشتريها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدي فيها كما يؤدون فيها.» «1»

10- صحيحته الأخرى، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن شراء أرض أهل الذمة فقال: «لا بأس بها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدي عنها كما يؤدون.» «2»

و نحو ذلك موثقة محمد بن مسلم و عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه «ع». «3»

11- خبر إبراهيم بن أبي زياد، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض الجزية، قال: فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «4»

12- خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، و الساباطي و زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع» أنهم سألوهما عن شراء أرض الدهاقين من أرض الجزية، فقال: «إنه إذا كان ذلك

انتزعت منك أو تؤدي عنها ما عليها من الخراج؟» قال عمّار: ثم أقبل عليّ فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «5»

13- خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل اشترى (اكترى خ. ل) أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج و أهلها كارهون، و إنما يقبّلها من السلطان لعجز أهلها أو غير عجز؟ فقال: «إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها إلّا أن يضارّوا، و إن أعطيتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم فخذوها.»

قال: و سألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج فبنى بها أو لم يبن غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدّوا جزية

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 7.

(2)- الوسائل 12/ 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 8.

(3)- راجع الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(4)- الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(5)- الوسائل 12/ 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 201

رءوسهم؟ قال: «يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال.» «1»

14- ما عن الجعفريات، بسنده، عن علي «ع»، قال: «لا تشتر من عقار أهل الذمّة و لا من أرضهم شيئا، لأنه في ء المسلمين.» «2»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، فراجع.

و المستفاد من هذه الأخبار

أن الأرض المفتوحة عنوة لا تقسم بين المقاتلين، بل تكون لجميع المسلمين و يجب أن تبقى عدّة لهم و تكون في اختيار الإمام و لا يجوز

بيع و لا اشتراء رقبتها، نعم يجوز نقل الآثار المحدثة فيها و الحق المتعلق بها لكل متصرف مع التزام المشتري بخراجها، و على هذا استقرت فتاوى أصحابنا و حكي عليه إجماعهم.

فإن قلت: نعم، و لكن ينافي هذا أولا إطلاق آية الغنيمة، حيث إن ظاهرها تخميس الغنيمة مطلقا و كون البقية للغانمين كالأموال المنقولة. و ثانيا ما هو المأثور من سيرة رسول اللّه «ص» في تقسيم غنائم خيبر:

ففي سيرة ابن هشام:

«قال ابن إسحاق: و كانت المقاسم على أموال خيبر على الشق و نطاة و الكتيبة، فكانت الشق و نطاة في سهمان المسلمين، و كانت الكتيبة خمس اللّه و سهم النبي «ص» و سهم ذوي القربى و اليتامى و المساكين (و ابن السبيل- الطبري) و طعم أزواج النبي «ص» و طعم رجال مشوا بين رسول اللّه «ص» و بين أهل فدك بالصلح ... فأخبرني ابن شهاب أن رسول اللّه «ص» افتتح خيبر عنوة بعد القتال، و كانت خيبر مما أفاء اللّه على رسول اللّه «ص»، خمّسها رسول اللّه «ص» و قسمها بين المسلمين» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 10.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 462، الباب 13 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1.

(3)- سيرة ابن هشام 3/ 363 و 371.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 202

و روى صدر الحديث الطبري أيضا. «1» و روى خبر ابن شهاب أبو عبيد «2» أيضا.

قلت: أمّا آية الغنيمة فيجاب عنها أولا بأن تخميس الغنيمة لا يدل على كون الباقي لخصوص المقاتلين. و ثانيا بأن المطلق صالح للتقييد، فلا يقاوم الأخبار التي مرت. و ثالثا بأن الخطاب في الآية

متوجه إلى كل من غنم بشخصه بكسب أو باغتنام في حرب أو نحوهما. فإذا فرض دلالة الأخبار على أن الأراضي لا تعود إلى الأشخاص بل تعود إلى عنوان المسلمين، فالآية تنصرف عنها قهرا.

قال الماوردي: «و أما الأموال المنقولة فهي الغنائم المألوفة.» «3»

و أما ما ذكرت من تقسيم رسول اللّه «ص» غنائم خيبر و أراضيها فيرد عليه:

أولا: أنه لو ثبت تقسيمه لنفس الأراضي فلعلّه لأن الحكم الشرعي في بادئ الأمر كان تقسيم الأراضي أو تخيير الإمام بينه و بين إبقائها عدّة للمسلمين ثم نسخ بعد ذلك أو أنه تعين بعد ذلك الإبقاء بالحكم الولائي الدائم عن النبي «ص» أو عن أمير المؤمنين «ع» في عصر عمر بعد ما استشار هو إيّاه و جمعا من الصحابة كما مرّ، فتدبّر.

و ثانيا: أن من المحتمل بل الظاهر أن رسول اللّه «ص» لم يقسم رقبة الأراضي في خيبر بحيث يملكها الأشخاص و إن أوهم ذلك بعض التعبيرات الواقعة في التواريخ، و إنما قسم عوائدها و خراجها. و هو «ص» بما أنه كان وليّ أمر المسلمين و إمامهم قبّل الأراضي و صرف عوائدها في مصالح المسلمين و نوائبهم، و إن كان من أهمّ المصالح و النوائب أيضا سدّ خلّات نفسه و عائلته و أزواجه و فقراء المسلمين و المجاهدين في سبيل اللّه.

و هذا هو الذي ربما يتحصل من الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في المقام:

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 3/ 588 (من ط. ليدن).

(2)- الأموال/ 70.

(3)- الأحكام السلطانية/ 138.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 203

1- فقد مرّ في خبر صفوان و البزنطي قوله «ع»: «و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه

«ص» بخيبر: قبّل سوادها و بياضها- يعني أرضها و نخلها- و الناس يقولون: لا يصلح قبالة الأرض، و قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر. الحديث.» «1»

2- و نحو ذلك صحيحة البزنطي التي مرّت. «2»

3- و مرّ في موثقة محمد بن مسلم قول الصادق «ع»: «قد ظهر رسول اللّه «ص» على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها. الحديث.» «3»

4- و في البخاري بسنده، عن عبد اللّه، قال: «أعطى رسول اللّه «ص» خيبر اليهود أن يعملوها و يزرعوها و لهم شطر ما يخرج منها.» «4»

5- و في سنن أبي داود بسنده، عن ابن عمر: «أن رسول اللّه «ص» عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع.» «5»

6- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عمر: «أن النبي «ص» دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر و أرضها على أن يعتملوها من أموالهم و أن رسول اللّه «ص» شطر ثمرتها.» «6»

7- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: «افتتح رسول اللّه «ص» خيبر و اشترط أن له الأرض و كل صفراء و بيضاء. قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة و لنا نصف. فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد اللّه بن رواحة فحزر عليهم

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 119، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(3)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(4)- صحيح البخاري 2/ 76، كتاب المظالم، باب مشاركة الذّمي و المشركين في المزارعة.

(5)- سنن أبي داود 2/ 235، كتاب البيوع،

باب في المساقاة.

(6)- سنن أبي داود 2/ 235، كتاب البيوع، باب في المساقاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 204

النخل. الحديث.» «1»

أقول: حزر الشي ء بالمهملة ثم المعجمة ثم المهملة: قدّره بالحدس و التخمين.

8- و فيه أيضا بسنده، عن سهل بن أبي حثمة، قال: «قسم رسول اللّه «ص» خيبر نصفين: نصفا لنوائبه و حاجته، و نصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما.» «2»

9- و فيه أيضا بسنده، عن بشير بن يسار، عن رجال من أصحاب النبي «ص»:

«أن رسول اللّه «ص» لما ظهر على خيبر قسمها على ستة و ثلاثين سهما، جمع كل سهم مأئة سهم، فكان لرسول اللّه «ص» و للمسلمين النصف من ذلك، و عزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود و الأمور و نوائب الناس.» «3»

10- و فيه أيضا بسنده، عن بشير بن يسار أيضا: «أن رسول اللّه «ص» لما أفاء اللّه عليه خيبر قسمها ستة و ثلاثين سهما جمع: فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما يجمع كل سهم مأئة، النبي «ص» معهم له سهم كسهم أحدهم، و عزل رسول اللّه «ص» ثمانية عشر سهما- و هو الشطر- لنوائبه و ما ينزل به من أمر المسلمين، فكان ذلك الوطيح و الكتيبة و السلالم و توابعها، فلما صارت الأموال بيد النبي «ص» و المسلمين لم يكن لهم عمّال يكفونهم عملها، فدعا رسول اللّه «ص» اليهود فعاملهم.» «4»

و نحو ذلك روايات أخر. و راجع في ذلك كتاب الأموال لأبي عبيد أيضا «5»، و سيرة ابن هشام «6»، و فتوح البلدان للبلاذري «7».

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 235، كتاب البيوع، باب في المساقاة.

(2)- سنن أبي داود 2/ 142، كتاب الخراج

و الفي ء و الإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

(3)- سنن أبي داود 2/ 142، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

(4)- سنن أبي داود 2/ 143، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

(5)- الأموال/ 70 و ما بعدها.

(6)- سيرة ابن هشام 3/ 364.

(7)- فتوح البلدان/ 40.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 205

فالجمع بين هذه الأخبار و غيرها مما وردت في هذا المجال يقتضي الحكم بأن تقبيل جميع أراضي خيبر كان بتصدي رسول اللّه «ص» بما أنه كان وليّ أمر المسلمين و الأراضي المفتوحة عنوة كانت لهم. و التقسيم كان يقع على عوائدها و خراجها حسب الحاجات و المصالح و النوائب، و لا مانع من وقوع التقسيم و التسهيم بحسب القرى و المزارع، كما هو المذكور في بعض هذه الأخبار، و لم يقصد بذلك تقسيم رقبة الأراضي و تمليكها للأشخاص.

و ما ذكر في بعض الروايات من تخميسها أيضا لعلّه كان من جهة توهم الرواة أن صرفه «ص» لبعض العوائد في مصارف نفسه و عائلته كان من باب الخمس المذكور في آية الخمس، و قد مرّ منّا الإشكال في ثبوت الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة في رقبتها و في عوائدها، فإنها من الأموال العامة الواقعة تحت اختيار الإمام و لا ضريبة في الضرائب، فراجع ما ذكرناه في باب خمس الغنائم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 206

البحث في أمور:
اشارة

إذا عرفت ما ذكرناه من الفتاوى و الأخبار في الأراضي المفتوحة عنوة فلنبحث في أمور:

الأمر الأول: [المفتوحة عنوة لجميع المسلمين لا يراد بها صيرورتها كالمباحات الأصلية]

لا يخفى أن صيرورة الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين لا يراد بها صيرورتها كالمباحات الأصلية التي الناس فيها شرع سواء، و لا مالكيتهم لها و لبنائها و عمرانها بنحو الإشاعة و الشركة، بل صيرورتها ملكا للعنوان و الجهة، نظير ملك الفقراء للزكاة، و يتصدى للتصرف فيها ممثل المسلمين و إمامهم.

و الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للعناوين و الجهات أيضا، كما يصح اعتبارها للبقاع و الأمكنة كالمساجد و المدارس و المعاهد و نحوها. و هذا هو المراد من قولهم: «إنها للمسلمين قاطبة: من وجد و من سيوجد إلى يوم القيامة.» و يدل عليه صحيحة محمد الحلبي كما مرّت.

بل يمكن أن يقال: إنها تصير بمنزلة الوقف على الجهة لا ملكا لها، فتكون إضافتها إلى المسلمين إضافة حق لا ملك. نظير العين الموقوفة و الموصى بها كذلك.

و عليه فيشكل بيع رقبتها و تبديلها حتى لإمام المسلمين أيضا، بل يجب إبقاؤها و صرف حاصلها و عوائدها في مصالحهم على ما أفتى به الأصحاب، و يشهد له مرسلة حمّاد.

قال المقدّس الأردبيلي في الجهاد من مجمع البرهان ما ملخصه:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 207

«معنى كون هذه الأرض للمسلمين كونها معدّة لمصالحهم العامة مثل بناء القناطر و المساجد و نفقة الأئمة و القضاة و الكتّاب و مئونة الغزاة و غيرها من المصالح العامة.

و الناظر عليها هو الإمام، فيوجرها و يأخذ قبالتها و يصرفها في المصالح حتى لا يحل للمستأجر حصة من الأرض و الأجرة لأنه ليس مالكا بالحقيقة، بل هي أرض جعلها اللّه- تعالى- كالوقف على مصالح المستأجر و غيره من

المسلمين، لا أنها ملك للمسلمين على الشركة.» «1»

و في إحياء الموات من الكفاية:

«المراد بكونها للمسلمين أن الإمام يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالحهم على حسب ما يراه، لا أن من شاء من المسلمين له التسلط عليها أو بعضها بلا خلاف في ذلك.» «2»

أقول: فظاهر هاتين العبارتين أن وزانها وزان الأرض الموقوفة للمصالح العامة.

و القول بأن خروجها عن ملك الكفّار بالاغتنام يستلزم دخولها في ملك غيرهم إذ لا يتصور الملك بلا مالك ممنوع، لاحتمال كون اغتنامها موجبا لانفكاكها عن الملكية بالكلية. و هو أحد الاحتمالين في الوقف و لا سيما الأوقاف العامة.

و مفاد اللام هو الاختصاص و هو اعمّ من الملكية، فتأمّل.

بل يمكن أن يقال إنها لو كانت ملكا للجهة لجاز للإمام تمليكها للشخص بتطبيق الجهة عليه كما في الزكاة، و الظاهر عدم جوازه، فيتعين كونها نظير الوقف.

و الحق في الوقف أنه لا يصير ملكا للموقوف عليه، بل الواقف كأنه يجعله على رأس الموقوف عليه لتدّر منافعه عليه كالسحابة الممطرة. و لذا يتعدى بعلى، فيكون باقيا على ملك الواقف أو يكون فكّا للملكية. و للبحث فيه محل آخر.

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان، كتاب الجهاد، المطلب الثالث من المقصد الثالث.

(2)- كفاية الأحكام/ 239.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 208

الأمر الثاني: [هل المراد بالأرض المفتوحة ما استولت عليها دولة الكفر من الأراضي]

هل المراد بالأرض المفتوحة عنوة في الأخبار و الفتاوى مطلق ما استولت عليها دولة الكفر من الأراضي: من الموات و العامرة بالأصالة أو بالعرض، أو خصوص العامرة منها بالإحياء؟ الأقوى هو الثاني، إذ الظاهر من الأخبار و الفتاوى إرادة انتقال ما كان ملكا للكفّار إلى المسلمين. و الموات و كذا العامرة بالأصالة كالآجام و الغابات الطبيعية لم تكن ملكا للكفّار حتى تغتنم منهم.

فهي باقية على اشتراكها الأصلي و تكون كسائر الموات و الآجام من الأنفال المتعلقة بالإمام، و سيأتي البحث فيها.

1- قال الشيخ في إحياء الموات من الخلاف (المسألة 1):

«الأرضون الغامرة في بلاد الإسلام التي لا يعرف لها صاحب معين للإمام خاصة ... دليلنا إجماع الفرقة على أن أرض الموات للإمام خاصة و أنها من جملة الأنفال و لم يفصلوا بين ما يكون في دار الإسلام و بين ما يكون في دار الحرب».

و (المسألة 2):

«الأرضون الغامرة في بلد الشرك التي لم يجر عليها ملك أحد للإمام خاصة. و قال الشافعي: كل من أحياها من مشرك و مسلم فإنه يملك بذلك. دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى سواء.» «1»

2- و في جهاد المبسوط:

«و أما الأرضون المحياة فهي للمسلمين قاطبة، و للإمام النظر فيها ... فأما الموات فإنها لا تغنم و هي للإمام خاصة.» «2»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 222.

(2)- المبسوط 2/ 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 209

3- و في جهاد الشرائع:

«كل أرض فتحت عنوة و كانت محياة فهي للمسلمين ... و ما كانت مواتا وقت الفتح فهو للإمام خاصة.» «1»

4- و في الجواهر في شرح العبارة الأخيرة:

«بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه ...» «2» و نحو ذلك في إحياء الموات منه، فراجع «3».

5- و في إحياء الموات من الكفاية:

«و ما كان مواتا وقت الفتح فهو للإمام «ع» بلا خلاف.» «4»

6- و قال في مجمع البرهان:

«و سيظهر لك كون المراد بما كان له هذا الحكم المعمورة منها حال الفتح و القهر و الغلبة دون مواتها حينئذ، فإنها للإمام «ع» كسائر الموات التي ليست ملكا لأحد و لم تجر عليه يد الملكية بالاتفاق.» «5» هذا.

و

يشهد لذلك- مضافا إلى وضوحه و الإجماع و الاتفاق و عدم الخلاف المذكورات- عموم ما دل على أن الموات من الأرض و كذا ما لا ربّ له للإمام.

و لا يعارضه إطلاق قوله «ع» في خبر صفوان و البزنطي: «و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله ...» «6»، لانصرافه إلى خصوص ما كان ملكا للكفّار و اغتنم منهم. هذا.

و لكن قد يقال: إن الموات و العامرة بالأصالة و إن لم يكونا ملكا لأحد شرعا، و لكنهما بعد ما كانتا تحت استيلاء دولة الكفر و تحررتا بالسيف لا نرى مانعا من شمول عموم الموصول لهما، فيكون بين الدليلين عموم من وجه، و لا نرى وجها لتقديم أحدهما على الآخر.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 322. (ط. أخرى/ 245).

(2)- الجواهر 21/ 169، و 38/ 18.

(3)- الجواهر 21/ 169، و 38/ 18.

(4)- كفاية الأحكام/ 239.

(5)- مجمع الفائدة و البرهان، كتاب الجهاد، المطلب الثالث من المقصد الثالث.

(6)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 210

بل يمكن أن يقال: إن قوله: «و ما أخذ بالسيف ...»، يكون واردا على ما في موثقة عمار «1» من عدّ كل أرض لا ربّ لها من الأنفال، إذ عنوان المسلمين يصير ربّا لها.

أقول: سيأتي منّا في مبحث الأنفال أن الملكية الشرعية لا تتحقق إلّا بالإنتاج أو الانتقال ممن أنتج، و أن كون المشتركات كأرض الموات و الجبال و الأودية و نحوها للإمام و تحت اختيار قائد الأمّة ليس أمرا أبدعه الشرع المبين، بل هو أمر يحكم به عقلاء الأمم و استقرت عليه سيرتهم في جميع الأعصار. و ارتكاز هذا في الأذهان يوجب انصراف

قوله: «ما أخذ بالسيف» إلى خصوص ما ملكه الكفّار، فتبقى المشتركات و الأموال العامة على ما كانت عليه، غاية الأمر أن الإمام الحقّ يخلف الإمام الباطل في ذلك، فتدبّر.

و الذي يسهّل الخطب في المقام أنه لا يوجد عندنا فرق بيّن أساسي بين ما يكون للمسلمين بما هم مسلمون و بين ما يكون للإمام بما هو إمام و قائم بأمورهم. و سيأتي في مبحث الأنفال أن الأنفال ليست لشخص الإمام المعصوم، بل هي أموال عامة مشتركة خلقها اللّه- تعالى- لمصالح العباد و جعلت تحت اختيار الإمام الصالح العادل، فانتظر.

الأمر الثالث: [كون الأرض المفتوحة للمسلمين أنه ينتقل إليهم بالفتح]

لا يخفى أن معنى كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين أنه ينتقل إليهم بالفتح ما كان يملكه الكفّار في الأراضي و العقارات، فإن قلنا بأنهم بإحياء الأرض يملكون رقبتها و عمرانها معا فلا محالة هما بالفتح ينتقلان إلى المسلمين. و إن قلنا بأن الإحياء يوجب ملكية العمران فقط مطلقا أو في صورة إذن الإمام و أن الذي يثبت للمحيي

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال من كتاب الخمس، الحديث 20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 211

بالنسبة إلى الرقبة هو الحق فقط فالمنتقل إلى المسلمين هو العمران و الحق فقط.

و سيأتي منّا في مبحث الأنفال تقريب أن الثابت بالإحياء هو الحق فقط لا الملكية.

و كيف كان فالظاهر أن الحكم بكون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين حكم عام يجري في جميع الأعصار و في جميع الأراضي، سواء كان الإحياء قبل نزول آية الأنفال أو بعده.

و ربما يتوهم اختصاص الحكم بما إذا كان الإحياء قبل نزول الآية، إذ مقتضى الآية الشريفة أن موات الأرض للإمام، فلو أحياها الكافر بعد نزولها لم يملكها حتى

تنتقل منه إلى المسلمين، بل تبقى على ملك الإمام.

قال صاحب الجواهر في مبحث الأنفال منه:

«نعم لا يعتبر فيما له «ع» من الموات بقاؤه على صفة الموت، للأصل و ظاهر صحيح الكابلي السابق. فلو اتفق حينئذ إحياؤه كان له «ع» أيضا من غير فرق بين المسلمين و الكفّار إلّا مع إذنه «ع». و إطلاق الأصحاب و الأخبار ملكية عامر الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين يراد به ما أحياه الكفّار من الموات قبل أن جعل اللّه الأنفال لنبيه «ص» و إلّا فهو له أيضا و إن كان معمورا وقت الفتح.» «1»

أقول: مورد كلامه- قدّس سرّه- صورة عدم إذن الإمام في الإحياء، فيصح ما ذكره بالنسبة إلى رقبة الأرض ملكا و حقا، و أما العمران المتحقق بالإحياء فأيّ مانع من القول بملكية الكافر له و انتقاله منه إلى المسلمين؟! و أما إذا فرض إذن الإمام للكافر أيضا و لو بعموم أدلّة الإحياء فلا إشكال و إن اخترنا عدم ملكية الرقبة لانتقال الحق و العمران حينئذ إلى المسلمين، لإطلاق قوله: «و ما أخذ بالسيف ...»،

فتأمل.

و قال في كتاب إحياء الموات من الجواهر في تقريب عدم اشتراط الإسلام في المحيي ما هذا لفظه:

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 118.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 212

«كل ذلك مضافا إلى ما يمكن القطع به من ملك المسلمين ما يفتحونه عنوة من العامر في أيدي الكفّار و إن كان قد ملكوه بالإحياء. و لو أن إحياءهم فاسد لعدم الإذن لوجب أن يكون على ملك الإمام «ع»، و لا أظنّ أحدا يلتزم به.» «1» هذا.

و كأن القائلين بالتفصيل بين كون الإحياء قبل نزول آية الأنفال أو بعده توهموا أن الحكم بكون الأنفال أي

الأموال العامة للّه و الرسول و للإمام بعده أمر حادث أبدعه الإسلام، و قبل هذا الحكم كانت الأموال العامة بلا ربّ و صاحب شرعا و كان يملكها كل من غلب عليها بلا ملاك.

و لكن ستعرف منّا في مبحث الأنفال أن كون الأموال العامة في اختيار الإمام بما أنه إمام و حاكم أمر عرفي عقلائي كان ثابتا في جميع القرون و الأعصار، و شرع الإسلام قد أمضاه بالآية. و الأرض لم تخل في عصر من الأعصار من حجة اللّه- تعالى- و وليّه في أرضه و عباده، و إنما الناس اشتبه عليهم الأمر فيعاملون مع حكّام الجور و الطواغيت معاملة أئمة العدل و ولاة اللّه في أرضه، فتدبّر.

و قد عرفت أيضا أن الذي يسهّل الخطب في المقام و نظائره أنه لا يوجد عندنا فرق بيّن أساسي بين ما يكون للمسلمين بما هم مسلمون و بين ما يكون للإمام بما أنه إمام، إذ كلاهما من الأموال العامة و تحت اختيار الإمام فيقبّلهما و يصرف حاصلهما في مصالح المسلمين، فتأمّل.

الأمر الرابع: [عدم جواز بيع رقبة الأرض المفتوحة عنوة و لا شرائها]

ظاهر ما مرّ من الأخبار و الفتاوى عدم جواز بيع رقبة الأرض المفتوحة عنوة و لا شرائها على أن تكون جزء من البيع. نعم، يجوز نقل الآثار و الأبنية المحدثة فيها بعد الاغتنام، بل و الحق المتعلق بها للمتصرف. فتصير الأرض للمشتري على وجه

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 213

كانت للبائع من ثبوت حق الأولوية و عدم جواز المزاحمة إذا فرض كون التصرف و إحداث الآثار بإذن الإمام، أو بإجازته العامة للشيعة على القول بها، أو بإذن نائبه الخاص أو العام، أو بتقبيل السلطان الجائر بناء على إمضائهم «ع» لذلك

كما يأتي.

1- قال ابن إدريس في أواخر الزكاة من السرائر (باب أحكام الأرضين):

«و هذا الضرب من الأرضين لا يصح التصرف فيه بالبيع و الشراء و الوقف و الهبة و غير ذلك، أعني نفس الرقبة. فإن قيل: نراكم تبيعون و تشترون و تقفون أرض العراق و قد أخذت عنوة. قلنا: إنما نبيع و نقف تصرفنا فيها و تحجيرنا و بناءنا، فأما نفس الأرض لا يجوز ذلك فيها.» «1»

2- و في المنتهى:

«و إذا تصرف فيها أحد بالبناء و الغرس صح له بيعها على معنى أنه يبيع ماله فيها من الآثار و حق الاختصاص بالتصرف لا الرقبة، لأنها ملك المسلمين قاطبة.» «2»

3- و في المسالك عند قول المصنف: «و لا يجوز بيعها و لا وقفها و لا هبتها»، قال:

«أي لا يصح شي ء من ذلك في رقبتها مستقلة، أما لو فعل ذلك بها تبعا لآثار المتصرف من بناء و غرس و زرع فجائز على الأقوى. فإذا باعها بائع مع شي ء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع، و كذا الوقف و غيره. و يستمر كذلك ما دام شي ء من الآثار باقيا، فإذا ذهبت أجمع انقطع حق المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها. هكذا ذكره جمع من المتأخرين، و عليه العمل.» «3»

و بالجملة فرقبة الأرض و كذا الآثار و الأبنية الموجودة حين الاغتنام تصير للمسلمين و تكون بحكم العين الموقوفة، فلا يصح نقلها و لا وقفها، و تكون تحت اختيار امام المسلمين يقبّلها لمن رآه صلاحا بما رآه و يصرف حاصلها في مصالحهم، و لكن

______________________________

(1)- السرائر/ 111.

(2)- المنتهى 2/ 936.

(3)- المسالك 1/ 155.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 214

المتصرف بإذنه له

حق اختصاص بها و يملك الآثار المحدثة فيها بإذنه و له نقلها و وقفها و يتبعها الأرض أيضا في الانتقال و الوقفية، نظير ما تعارف بين الفلّاحين من بيع الآثار في أراضي الزراعة التي هي للغير.

و سيأتي منّا في مبحث الأنفال تقوية نظير ذلك في أرض الموات التي يتصدى الإنسان لإحيائها أيضا، فيملك حيثية الإحياء الذي هو أثر فعله و قواه و فكره لا الرقبة، نعم هو أحق بها ما دامت الآثار باقية فيها و لم يتركها. و اختار هذا الشيخ أيضا و ابن زهرة، و يدلّ عليه أخبار مستفيضة كما يأتي. هذا.

و لكن ظاهر كلام الشيخ «ره» في التهذيب جواز شراء الأرض المفتوحة عنوة في عصر الغيبة دون أراضي الأنفال. قال في زيادات الزكاة:

«فأما الأرضون فكل أرض تعين لنا أنها مما قد أسلم أهلها عليها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم و المعاوضة و ما يجري مجراهما.

و أما أراضي الخراج و أراضي الأنفال و التي قد انجلى أهلها عنها فإنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الإمام «ع» مستترا، فإذا ظهر يرى هو «ع» في ذلك رأيه.

فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين. و قد قدمنا ما يدل على ذلك. و الذي يدل عليه أيضا ما رواه ...

فإن قال قائل: إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين، و لم يدل على أنه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فإذا لم يصح الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح، مثل الوقف و النحلة و الهبة و ما يجري مجرى ذلك.

قيل له: إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على ثلاثة أقسام: أرض يسلم أهلها عليها، فهي

تترك في أيديهم و هي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صح لنا شراؤها و بيعها.

و أما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها و بيعها، لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين. و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 215

فيه على هذا الوجه.

و أما الأنفال و ما يجري مجراها فليس يصح تملكها بالشراء و البيع، و إنما أبيح لنا التصرف حسب. و الذي يدل على القسم الثاني ما رواه ...» «1»

ثم ذكر خبر أبي بردة، و موثقة محمد بن مسلم اللتين مرّتا، و صحيحة محمد بن مسلم و عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن ذلك فقال: «لا بأس بشرائها، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم يؤدي عنها كما يؤدي عنها.» و خبر إبراهيم بن أبي زياد، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض الجزية، قال: فقال:

«اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» إلى غير ذلك من الأخبار. «2»

أقول: من الدقة في جميع كلامه و من استدلاله بخبر أبي بردة، و صحيحة محمد بن مسلم و عمر بن حنظلة يظهر أن مراده- قدّس سرّه- من جواز الشراء شراء حق التصرف لا شراء نفس الرقبة، نعم يقع الإشكال في تفريقه بينها و بين أراضي الأنفال مع صحة ذلك في أراضي الأنفال أيضا بعد إحيائها. اللّهم إلّا أن يقال إن مقصوده منع بيع و شراء الأنفال قبل التصرف فيها بالإحياء، فيصح ما ذكره و وجهه واضح.

و في جهاد الدروس:

«و لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام

«ع»، سواء كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك. و أطلق في المبسوط أن التصرف فيها لا ينفذ. و قال ابن إدريس: إنما يباع و يوقف تحجيرنا و بناؤنا و تصرفنا لا نفس الأرض.» «3»

فظاهره أيضا جواز البيع و الوقف في حال الغيبة.

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 144 و ما بعدها.

(2)- التهذيب 4/ 147، كتاب الزكاة، الباب 39 (باب الزيادات)، الحديث 30 و 31. و نقل عنه الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3 و 4.

(3)- الدروس/ 163.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 216

و في جهاد جامع المقاصد أيضا في ذيل قول المصنف:

«و لا يصح بيعها و لا وقفها و لا هبتها» قال:

«هذا في حال ظهور الإمام «ع»، أما في حال الغيبة فينفذ ذلك كله، كما صرّح به في الدروس و صرح به غيره.» «1»

و اعترض عليهما المحقق الأردبيلي- طاب ثراه- في مجمع البرهان بقوله:

«و فيه تأمل، لأنها ملك للغير، و البيع و الوقف موقوفان على كونها ملكا للبائع و الواقف. بل يحصل الشبهة في جواز هذه حال الحضور، لبعد حصول الإذن بذلك عنه «ع» إلّا أن يقتضي مصالح العامة ذلك بأن يجعل قطعة منها مسجدا لهم أو حصل الاحتياج إلى ثمنها. و مع ذلك الظاهر أنه لا يبعد قول الدروس مع المصلحة، إذ قد تكون المصلحة في ذلك مع غيبته «ع». و أيضا قد يؤول إلى التصرف فيما له من البناء و العمارة و الأحقية.» «2»

أقول: الأظهر أن تحمل العبارات و كذا الروايات الموهمة لجواز البيع و الشراء على ما ذكره أخيرا من نقل البناء و العمارة و الأحقية من غير فرق

بين زمان الحضور و الغيبة

و لعل نظر من فرق بينهما إلى أنه في عصر الظهور لا يصح التصرف بدون الإذن، بخلاف عصر الغيبة لوجود الإذن العام فيه للشيعة على القول به.

و أما رقبة الأرض و كذا الآثار و الأبنية الموجودة حال الفتح و الاغتنام فقد مرّ كونها للمسلمين قاطبة: من وجد و من يوجد، فلا يجوز بيعها و لا نقلها و لا وقفها، بل يشكل بيع نفس الإمام أيضا لها في حال الظهور و بسط اليد.

بل يمكن الإشكال في جعلها مساجد أيضا. اللّهم إلّا أن يقال: إنها بنفسها من المصالح العامة التي جعلت مصرفا لها. و يؤيد ذلك السيرة المستمرة في عصر

______________________________

(1)- جامع المقاصد 3/ 403 (ط. القديم 1/ 190).

(2)- مجمع الفائدة و البرهان، كتاب الجهاد، المطلب الثالث من المقصد الثالث.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 217

الخلفاء من إحداث المساجد و غيرها من المشاريع العامة في العراق و مكة و غيرهما مما فتحت عنوة من دون أن نقف في ذلك على ردع من الأئمة «ع» و من أصحابهم، و لو كان لبان قطعا.

و اشتراط كون أرض المسجد ملكا شخصيا حتى يصح وقفه لذلك مما لم يقم عليه دليل، و إلّا لم يصح إحداثها في أرض الموات أيضا إلّا بعد إحيائها و تملكها، و المستفاد من بعض الأخبار خلاف ذلك:

ففي صحيحة أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر «ع» أنه قال: «من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنة.» قال أبو عبيدة: و مر بي و أنا بين مكة و المدينة أضع الأحجار فقلت: هذا من ذاك؟ قال: نعم. «1»

و نحوها صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه

«ع». «2»

و في خبر آخر قال أبو الصباح لأبي عبد اللّه «ع»: ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال: «بخ بخ، تيك أفضل المساجد. من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنة.» «3»

فليس في هذه الأخبار دلالة على وجوب تملك الأرض ثم وقفها مسجدا، فتأمّل.

الأمر الخامس: [المتصدي للتصرف في هذه الأراضي هو الإمام أو نائبه]

إن المتصدي للتصرف في هذه الأراضي بالتقبيل و الإجارة و الإجازة هو الإمام أو نائبه، فإنه وليّ أمر المسلمين و الأولى بهم من أنفسهم.

______________________________

(1)- الوسائل 3/ 486، الباب 8 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 2.

(2)- الوسائل 3/ 485، الباب 8 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1.

(3)- الوسائل 3/ 486، الباب 8 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 218

و تدل على ذلك مضافا إلى وضوحه ما مرّ من رواية صفوان و البزنطي و مرسلة حمّاد الطويلة و غير ذلك من الأخبار. و لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها جزافا بلا إذن. و ما مرّ من المبسوط من قوله: «و لا يصح أن يبنى دورا و منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرف»، يحمل لا محالة على صورة عدم الإذن أو ما إذا تصرف فيها بقصد تملك الأرض غصبا. هذا في حال حضور الامام و التمكن منه.

و أما في عصر الغيبة فالقاعدة تقتضي أن يكون المتصدي لها هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم و الولاية، على ما مرّ بيانه من عموم ولايته. و لو لم يوجد أو تعذر الرجوع إليه تصدى لها عدول المؤمنين، لكونه من الأمور الحسبية التي لا مجال لإهمالها.

و لا وجه للرجوع فيها إلى حكام الجور و

الطواغيت في حال الاختيار مع ما نراه من تحذير الأئمة «ع» من الرجوع إليهم.

و ربما يستفاد من بعض العبارات- مثل ما مرّ في الأمر السابق من التهذيب و الدروس و جامع المقاصد و نحو ذلك من الكلمات- القول بإباحة الأئمة «ع» لشيعتهم التصرف فيها في عصر الغيبة تسهيلا لهم، كما أباحوا التصرف في سائر الأنفال، إما بلا خراج أو مع الالتزام بخراجها و صرفه في مصالح المسلمين.

قال في الحدائق:

«و احتمال التصرف فيها للشيعة مطلقا و الحال هذه لا يخلو من قوة، لأنها و إن كانت منوطة بنظر الإمام «ع» كما هو مدلول خبري أحمد بن محمد بن أبي نصر المتقدمين و كذا رواية حمّاد بن عيسى، مع وجوده و تمكنه، إلّا أنه مع عدم ذلك لا يبعد سقوط الحكم و جواز التصرف. و ليس الرجوع إلى حاكم الجور- بعد تعذر الرجوع إليه «ع» كما عليه ظاهر الأصحاب- بأولى من الرجوع إلى المسلمين يتصرفون كيف شاءوا و أرادوا، لا سيما مع استلزام ما ذكروه المعاونة على الإثم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 219

و العدوان و تقوية الباطل و تشييد معالمه، للنهي عنه كتابا و سنة.» «1»

أقول: أولا: نحن لا نقول بجواز الرجوع إلى حاكم الجور في حال الاختيار حتى يقال بأن الرجوع إلى المسلمين أولى منه.

و ثانيا: لو فرض أن الجائر يصرف الفوائد في مصالح المسلمين و حفظ نظامهم فلعله يكون أولى من تصرف المسلمين فيها تصرف الملّاك في أملاكهم الشخصية، كيفما أرادوا بلا خراج و طسق.

و قد روي عن النبي «ص» أنه قال: «إن اللّه- تبارك و تعالى- سيؤيد هذا الدين بأقوام لأخلاق لهم.» «2»

و في رواية أخرى عنه

«ص»: «إن اللّه- عزّ و جلّ- يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.» «3»

و في رواية طويلة عن أبي عبد اللّه «ع» قال في آخرها: «إن اللّه ينصر هذا الدين بأقوام لأخلاق لهم.» «4»

و ثالثا: إذا فرض التمكن من الفقيه العادل الواجد لشرائط الحكم فلم لا يرجع إليه في أمر يرتبط بالإمام بما أنه إمام؟! و قد مرّ منّا بالتفصيل أن وظائف الإمامة لا تتعطل بغيبة الإمام الثاني عشر «ع». بل قد أشرنا إلى احتمال وجوب الرجوع إلى عدول المؤمنين و الاستيجار منهم مع عدم التمكن من الفقيه، حيث إن حفظ مصالح المسلمين و ثغورهم من أهمّ الأمور الحسبية التي لا يجوز إهمالها.

و في المسالك:

«و ليس هذا من باب الأنفال التي أذنوا «ع» لشيعتهم من التصرف فيه حال

______________________________

(1)- الحدائق 18/ 301.

(2)- مسند أحمد 5/ 45.

(3)- مسند أحمد 2/ 309.

(4)- الوسائل 11/ 28، الباب 9 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 220

الغيبة، لأن ذلك حقهم فلهم الإذن فيه مطلقا. بخلاف الأرض المفتوحة عنوة، فإنها للمسلمين قاطبة و لم ينقل عنهم «ع» الإذن في هذا النوع.» «1»

و في مكاسب الشيخ الأعظم في مبحث شرائط العوضين قال:

«و أما في زمان الغيبة ففي عدم جواز التصرف إلّا فيما أعطاه السلطان الذي حل قبول الخراج و المقاسمة منه، أو جوازه مطلقا نظرا إلى عموم ما دلّ على تحليل مطلق الأرض للشيعة لا خصوص الموات التي هي مال الإمام «ع»، و ربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الأرض فيجوز التصرف في عينها مجانا، أو عدم جوازه إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام، أو التفصيل بين من يستحق أجرة هذه

الأرض فيجوز له التصرف فيها لما يظهر من قوله «ع» للمخاطب في بعض أخبار حل الخراج: «و إن لك نصيبا في بيت المال» و بين غيره الذي يجب عليه حق الأرض و لذا أفتى غير واحد على ما حكي بأنه لا يجوز حبس الخراج و سرقته عن السلطان الجائر و الامتناع عنه، و استثنى بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الإمام «ع»، أو بين ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح و بين الباقية على عمارتها من حين الفتح فيجوز إحياء الأوّل لعموم أدلّة الإحياء و خصوص رواية سليمان بن خالد و نحوها وجوه، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث ثم الرابع ثم الخامس.» «2»

أقول: و من الأخبار التي استدل بها لتحليل الأراضي و لو كانت خراجية للشيعة خبر عمر بن يزيد أو صحيحته:

ففي أصول الكافي: «محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه «ع» تلك السنة مالا، فردّه أبو عبد اللّه «ع»، فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه «ع» المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت ولّيت

______________________________

(1)- المسالك 1/ 155.

(2)- المكاسب/ 163 (ط. أخرى 10/ 81).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 221

البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، و قد جئتك بخمسها: بثمانين ألف درهم و كرهت أن أحبسها عنك و أن أعرض لها و هي حقك الذي جعله اللّه- تبارك و تعالى- في أموالنا. فقال: «أو ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّه منها إلّا الخمس؟

يا أبا سيّار!

إن الأرض كلها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا.» فقلت له:

و أنا أحمل إليك المال كله؟ فقال: «يا أبا سيّار، قد طيّبناه لك و أحللناك منه، فضمّ إليك مالك. و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم فيترك الأرض في أيديهم. و أما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، فيأخذ الارض من أيديهم و يخرجهم صغرة.» «1»

و رواه الشيخ أيضا في التهذيب بتفاوت ما، فراجع. «2»

أقول: الاستدلال بالخبر للمقام إما بإطلاق لفظ الأرض و عمومه أو بذكر الطسق الظاهر في الخراج.

و لكن يمكن أن يقال: إن مورد الخبر هو البحرين، فلعلّ اللام في قوله: «من الأرض» تكون للعهد. و البحرين مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب كما في موثقة سماعة «3»، فتكون خالصة للإمام، و لا مانع من أخذ الطسق من الأنفال أيضا، كما يأتي بيانه في مبحث الأنفال.

هذا مضافا إلى أن الغوص يكون في البحر و هو أيضا من الأنفال التي تكون خالصة للإمام، فتدبّر.

و من الأخبار التي يستدل بها للإباحة و التحليل في المقام أيضا ما رواه الكليني بسنده، عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

مالكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: «إن اللّه- تبارك و تعالى- بعث جبرئيل «ع» و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض: منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ، و الخشوع و هو نهر

______________________________

(1)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أن الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 382، الباب

4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 12، عن التهذيب 4/ 144.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 222

الشاش، و مهران و هو نهر الهند، و نيل مصر، و دجلة، و الفرات. فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شي ء إلّا ما غصب عليه، و إن وليّنا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه.

يعني بين السماء و الأرض. ثم تلا هذه الآية: «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا (المغصوبين عليها) خٰالِصَةً (لهم) يَوْمَ الْقِيٰامَةِ (بلا غصب).» «1»

بتقريب أن ذكر الفرات و دجلة شاهد على شمول الأرض المحللة لأراضي الخراج أيضا.

و في دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد «ع» أنه سئل عن الأرض تفتح عنوة- أي قهرا- قال: «توقف ردء للمسلمين: لمن في ذلك اليوم و لمن يأتي من بعدهم إن رأى ذلك الإمام، و إن رأى قسمتها قسمها. و الأرض و ما فيها للّه و لرسوله، و الإمام في ذلك بعد الرسول يقوم مقامه.»

ثم قال لمن حضره من أصحابه: «احمدوا اللّه، فإنكم تأكلون الحلال و تلبسون الحلال و تطؤون الحلال، لأنكم على المعرفة بحقنا و الولاية لنا، أخذتم شيئا طبنا لكم به نفسا. و من خالفنا و دفع حقنا يأكل الحرام و يلبس الحرام و يطأ الحرام.» «2»

فظاهر الحديث أن الأرض المذكورة فيه يعمّ أرض الخراج أيضا و أن التحليل يشملها و إنما ذكر الأكل و غيره من باب المثال.

و من هذا القبيل أيضا الأخبار الدالّة على جواز شرائهم لأرض الخراج، معللا بأن لهم من الحق ما هو أكثر من ذلك،

كخبر إبراهيم بن أبي زياد، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض الجزية. قال: فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «3» و نحوه خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر، و عمّار و زرارة، عن أبي عبد اللّه؛ و صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه؛ و صحيحة أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه «ع». و يأتي ذكرها و بيان مفادها في الأمر

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 384، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 17، عن أصول الكافي 1/ 409.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 386، كتاب الجهاد- ذكر قسمة الغنائم.

(3)- الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 223

التاسع، فانتظر «1».

و يؤيد ذلك أيضا الأخبار الكثيرة الواردة في تحليل الخمس و الأنفال، و ما دل على تحليل المناكح و المساكن و المتاجر، مما يستفاد منها عناية الأئمة «ع» بشيعتهم و تسهيل الأمر عليهم، فيشمل التحليل كل ما كان تحت اختيارهم سواء كان للإمام بما هو إمام أو للمسلمين بما هم مسلمون. هذا. و لكن الأحوط مع ذلك الرجوع إلى الفقيه الواجد لشرائط الحكم، لما مرّ من أدلّة ولايته و عدم تعطل الحكومة في عصر من الأعصار.

الأمر السادس: [إذا كانت هذه الأراضي تحت استيلاء حكام الجور]

قد عرفت أن المتصدي للتصرف في هذه الأراضي بالتقبيل و نحوه هو الإمام أو نائبه الخاص أو العام أو عدول المؤمنين حسبة. و لا وجه للرجوع فيها إلى حكام الجور و عمالهم، فنقول: هذا كله في حال الاختيار.

و أما إذا كانت هذه الأراضي تحت استيلائهم و تصرفهم و بليت الشيعة بالمعاملة معهم و الرجوع إليهم

في قبالة الأرض و دفع الخراج أو أخذه منهم مجانا أو بعوض، فمقتضى القاعدة و إن كان حرمتها و بطلانها لعدم استحقاق الجائر لذلك و كون التراضي معه نظير تراضي مستأجر دار الغير مع ظالم في دفع الأجرة إليه، حيث لا تبرأ ذمته قطعا، و لو قهره على أخذ شي ء منه بهذه العناوين ففساده أوضح، لكن الظاهر من الأخبار و الفتاوى إجازة الأئمة «ع» لذلك تسهيلا لشيعتهم بل حكي الإجماع و عدم الخلاف في ذلك عن كثير من الأصحاب:

1- قال الشيخ في النهاية:

«و لا بأس بشراء الأطعمة و سائر الحبوب و الغلات على اختلاف أجناسها من

______________________________

(1)- راجع ص 234 من هذا الجزء من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 224

سلاطين الجور و إن علم من أحوالهم أنهم يأخذون ما لا يستحقون و يغصبون ما ليس لهم ما لم يعلم في ذلك شيئا بعينه غصبا، فإن علمه كذلك فلا يتعرض لذلك. فأما ما يأخذونه من الخراج و الصدقات، و إن كانوا غير مستحقين لها جاز له شراؤها منهم.» «1»

2- و قال المحقق في تجارة الشرائع:

«السابعة: ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة، و الأموال باسم الخراج عن حق الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة يجوز ابتياعه و قبول هبته، و لا يجب إعادته على أربابه و إن عرف بعينه.» «2»

3- و ذيل ذلك في المسالك بقوله:

«ما يأخذه الجائر في زمن الغيبة قد أذن أئمتنا «ع» في تناوله منه. و أطبق عليه علماؤنا لا نعلم فيه مخالفا و إن كان ظالما في أخذه، و لاستلزام تركه و القول بتحريمه الضرر العظيم و الحرج العظيم على هذه الطائفة. و لا يشترط

رضا المالك، و لا يقدح فيه تظلمه ما لم يتحقق الظلم بالزيادة عن المعتاد أخذه من عامة الناس في ذلك الزمان ...

و لا يشترط قبض الجائر له و إن أفهمه قوله: «ما يأخذه الجائر.» فلو أحاله به أو وكله في قبضه أو باعه هو في يد المالك أو ذمته حيث يصح البيع كفى و وجب على المالك الدفع، و كذا القول فيما يأخذه باسم الزكاة.» «3»

4- و في المختصر النافع:

«يجوز أن يشتري من السلطان ما يأخذه باسم المقاسمة و اسم الزكاة من ثمرة و حبوب و نعم و إن لم يكن مستحقا له.» «4»

5- و ذيله في التنقيح بقوله:

______________________________

(1)- النهاية/ 358.

(2)- الشرائع 2/ 13 (ط. أخرى/ 266).

(3)- المسالك 1/ 168.

(4)- المختصر النافع/ 118.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 225

«و إنما قلنا بجواز الشراء من الجائر مع كونه غير مستحق، للنص الوارد عنهم «ع» بذلك و الإجماع و إن لم يعلم مستنده. و يمكن أن يكون مستنده أن ما يأخذ الجائر حق لأئمة العدل و قد أذنوا لشيعتهم في شراء ذلك، فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولي إذا انضمّ إليه إذن المالك.» «1»

6- و في الرياض:

«و الأصل في المسألة بعد عدم الخلاف في الطائفة و الإجماع المستفيض حكايته في كلام جماعة: المعتبرة المستفيضة.» «2»

7- و في جامع المقاصد:

«و لا فرق بين قبض الجائر إياها و إحالته بها إجماعا. و لا يعتبر رضا المالك قطعا، لأن ذلك حق عليه لا يجوز له منعه بحال. و الجائر و إن كان ظالما بالتصرف فيه إلّا أن الإجماع من فقهاء الإمامية و الأخبار المتواترة عن الأئمة «ع» دلت على جواز أخذ أهل الحق لها عن قول

الجائر، تفصيا من الحرج العظيم ...» «3»

إلى غير ذلك من الكلمات الحاوية لا دعاء الإجماع في المسألة.

و يدل على الحكم- بعد الإجماع، و السيرة القطعية من الأئمة «ع» و أصحابهم في الدولتين: الأموية و العباسية من المعاملة معهم في قبالة الأراضي و استيجارها و دفع خراجها و أخذها منهم معاملة الدولة العادلة من غير نكير، و لزوم الحرج العظيم بل اختلال النظام من الاجتناب عن هذه الأموال بالكلية- الأخبار الكثيرة الواردة في هذا المجال و في أخذ الجوائز منهم، فلنذكر بعضها:

1- صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال في حديث: «لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان.» و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف

______________________________

(1)- التنقيح الرائع 2/ 19.

(2)- الرياض 1/ 508.

(3)- جامع المقاصد 4/ 45 (ط. القديم 1/ 207)، كتاب المتاجر، ذيل قول المصنف: و الّذي يأخذه الجائر ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 226

و الثلث؟ قال: نعم، لا بأس به، قد قبّل رسول اللّه «ص» خيبر، أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر. و الخبر هو النصف.» «1»

إذ الظاهر أن السلطان في الحديث إشارة إلى سلاطين الجور الموجودين في عصره، فيدل على صحة التقبل منهم و أن حكمه حكم التقبل من الإمام العادل.

و بالجملة القضية في الرواية تشبه القضية الخارجية. و يشهد لذلك صدر الحديث أيضا، فراجع.

و أما احتمال أن يراد طبيعة السلطان بشرائطه التي منها العدالة بنحو القضية الحقيقية فبعيد جدا، فتدبّر.

2- موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى، ثم آجرها و شرط لمن

يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك؟ قال: نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك.

قال: و سألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي ء معلوم، فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان، و لا ينفق شيئا، أو يؤاجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر و النفقة، فيكون له في ذلك فضل على إجارته، و له تربة الأرض أو ليست له؟ فقال له: إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت.» «2»

إذ الظاهر منها كون الاستيجار من السلطان مفروض الجواز و الصحة، و إنما الشبهة كانت في حلية الفضل الباقي. و السلطان كما مر إشارة إلى السلاطين الموجودين من الأموية و العباسية و نحوها من السلاطين المبتلى بهم خارجا و لو في الأعصار المستقبلة.

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام 7/ 202، كتاب التجارات، الباب 19 (باب المزارعة)، الحديث 34.

(2)- الوسائل 13/ 261، الباب 21 من كتاب الإجارة، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 227

و حمله على السلطان العادل الحق بعيد جدّا، لاستلزام حمله على موضوع فرضي لا وجود له خارجا.

3- موثقته الأخرى عنه «ع»: «في الرجل يتقبل بجزية رءوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطير، و هو لا يدري لعلّه لا يكون من هذا شي ء أبدا أو يكون، أ يشتريه و في أيّ زمان يشتريه و يتقبل منه؟ قال: إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره و تقبل به

(منه).»

و رواه الصدوق نحوه إلّا أنه قال: «بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصايد و السمك و الطير.» «1»

حيث إن التقبل من سلطان الجور كان مفروض الجواز، و الشبهة كانت في إمكان عدم حصول الثمر و الطير و نحوهما.

4- رواية الفيض بن المختار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: جعلت فداك، ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثمّ أؤاجرها أكرتي على أن ما أخرج اللّه منها من شي ء كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان؟ قال: لا بأس به، كذلك أعامل أكرتي.» «2»

و الظاهر أن محطّ النظر في السؤال بقرينة الجواب هو صحة المزارعة المخالف لها أكثر فقهاء السنة. و يظهر بذلك أن صحة التقبل من السلطان كانت مفروغا عنها، و الحمل على التقية لا يحتمل مع هذا الفرض و هذا الجواب.

5- موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم؟ قال: «يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا.» «3»

بتقريب أن الظاهر من الشراء من العامل هو شراء ما هو عامل فيه من قبل

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 264، الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 4.

(2)- الوسائل 13/ 208، الباب 15 من كتاب المزارعة و المساقاة، الحديث 3.

(3)- الوسائل 12/ 163، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 228

السلطان و منه الخراج.

6- صحيحة أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من

الحق الذي يجب عليهم؟ قال: فقال «ع»: «ما الإبل إلّا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك، لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه.»

قيل له: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منّا صدقات أغنامنا فنقول: بعناها، فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: «إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس.» قيل له:

فما ترى في الحنطة و الشعير، يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظّنا و يأخذ حظّه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: «إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه من غير كيل.» «1»

تدل هذه الصحيحة على أن شراء الصدقات و الخراج من السلطان و عمّاله كان مفروغ الجواز عند السائل إجمالا، و إنما سأل أولا عن الجواز مع العلم الإجمالي بحصول الحرام أيضا في أيديهم. و ثانيا عن جواز الاشتراء منه بتوهم مرجوحية شراء ما أخرج في الصدقة. و ثالثا عن جواز الاعتماد على الكيل الأول.

و الظاهر من السؤال الأخير السؤال عن حكم المقاسمة التي هي قسم من الخراج بالمعنى الأعم.

و بالجملة ففي الصحيحة سؤالا و جوابا إشعار بأن الجواز كان من الواضحات غير المحتاجة إلى السؤال، و إلّا لكان أصل الجواز أولى بالسؤال.

و لكن يظهر من المحقق الأردبيلي في المتاجر من مجمع البرهان التأمّل في دلالة الحديث، فقال:

«و في الدلالة عليه أيضا تأمّل، إذ لا دلالة في قوله: «لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» إلّا على أنه يجوز شراء ما كان حلالا بل مشتبها أيضا، و لا يجوز شراء ما هو معروف أنه حرام. و لا يدل على جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 162، الباب 52 من

أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 229

و لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته للعقل و النقل. و يحتمل أن يكون سبب الإجمال التقية. و يؤيد عدم الحمل على الظاهر أنه غير مراد بالاتفاق، إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر، فتأمّل.» «1»

و اعترض عليه الشيخ الأعظم في المكاسب بقوله:

«و أنت خبير بأنه ليس في العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور. و أيّ فارق بين هذا و بين ما أحلّوه لشيعتهم مما فيه حقوقهم؟ و لا في النقل إلّا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الأصحاب رواية و عملا، مع نقل الاتفاق عن جماعة. و أما الحمل على التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات، كما لا يخفى.» «2»

أقول: و الروايات التي يمكن الاستدلال بها للمقام كثيرة متفرقة في الأبواب المختلفة، و منها ما دلت على حلّ جوائز السلاطين و قد كان جلّها من الخراج. و ابتلي بها الأئمة «ع» و الصحابة و أصحاب أئمتنا «ع»، و ربما كانوا يقبلونها كما تدل عليه التواريخ و الروايات، فراجع الوسائل «3» و غيره من الكتب.

الأمر السابع: [هل وزان الجائر في خراج الأراضي التي تسلط عليها وزان الإمام العادل مطلقا]

هل الحكم الذي مرّ مختصّ بما أخذه الجائر و قبضه من الخراج فقبل أخذه له لا يصح شراؤه منه و لا قبوله بحوالة منه، أو يعمّ جميع الصور فيكون وزان الجائر في خراج الأراضي التي تسلط عليها وزان الإمام العادل مطلقا؟ وجهان، بل قولان.

و الظاهر هو التعميم، و هو المستفاد من الروايات الواردة في تقبل الأرض و خراج الرجال و النخل و الشجر و نحوهما، فراجع. و قد مرّ عن المسالك قوله:

______________________________

(1)- مجمع الفائدة و البرهان، كتاب المتاجر، ذيل قول المصنف:

و ما يأخذه السلطان الجائر ...

(2)- المكاسب/ 73 (ط. أخرى 5/ 251).

(3)- الوسائل 12/ 156، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 230

«و لا يشترط قبض الجائر له و إن أفهمه قوله: «ما يأخذه الجائر»، فلو أحاله به أو وكّله في قبضه أو باعه هو في يد المالك أو ذمته حيث يصح البيع كفى و وجب على المالك الدفع.» «1»

و عن جامع المقاصد قوله: «و لا فرق بين قبض الجائر إياها و إحالته بها إجماعا.» «2»

الأمر الثامن: هل يختص حكم الجواز بمن ينتقل إليه الخراج،

فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلا و لم يمض الشارع من هذه المعاملة إلا حلّ ذلك المال للمنتقل إليه بل في بعض كلمات الشيخ الأعظم أن المال باق على ملك المأخوذ منه و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف، أو يكون الشارع قد أمضى سلطنة الجائر عليه، فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوض عنه حراما؟ و جهان:

فعن رسالة المحقق الكركي أنه قال:

«ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم- لا سيما شيخنا الأعظم الشيخ علي بن هلال «قده»- أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده و لا منعه و لا شي ء منه، لأن ذلك حق واجب عليه.» «3»

و في المسالك:

«و قد ذكر الأصحاب أنه لا يجوز لأحد جحدها و لا منعها و لا التصرف فيها إلّا بإذنه، بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه ... و كيف كان فظاهر الأصحاب أن الخراج و المقاسمة لازمة للجائر حيث يطلبه أو يتوقف على إذنه.» «4»

______________________________

(1)- المسالك 1/ 168.

(2)- جامع المقاصد 4/ 45 (ط. القديم 1/ 207)، كتاب المتاجر، ذيل قول المصنف: و الّذي يأخذه الجائر ...

(3)- المكاسب/ 74

(ط. أخرى 5/ 270)؛ و كلمات المحققين/ 190 (آخر الرسالة الخراجية).

(4)- المسالك 1/ 155.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 231

أقول: قال الشيخ الأعظم في المكاسب:

«إن أريد منع الحصة مطلقا فيتصرف في الأرض من دون أجرة فله وجه، لأنها ملك المسلمين فلا بد لها من أجرة تصرف في مصالحهم.

و إن اريد منعها من خصوص الجائر فلا دليل على حرمته، لأن اشتغال ذمة مستعمل الأرض بالأجرة لا يوجب دفعها إلى الجائر، بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن لأنه غير مستحق فيسلّم إلى العادل أو نائبه الخاص أو العام، و مع التعذر يتولى صرفه في المصالح حسبة. مع أن في بعض الأخبار ظهورا في جواز الامتناع، مثل صحيحة زرارة، قال: اشترى ضريس بن عبد الملك و أخوه من هبيرة أرزا بثلاثمائة ألف. قال: فقلت له: ويلك- أو ويحك!- انظر إلى خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي، فأبى علي. قال: فأدى المال و قدم هؤلاء فذهب أمر بني أمية. قال: فقلت ذلك لأبي عبد اللّه «ع»، فقال مبادرا للجواب: هوله، هوله.

فقلت له: إنه قد أداها، فعضّ على إصبعه.» «1»

و لا يخفى أن ما ذكره الشيخ الأعظم أوفق بالقواعد.

و الظاهر أنه لا إشكال في أن الجائر يحرم عليه التصرف تكليفا و يثبت عليه الضمان وضعا، و إن جاز للآخذ الأخذ منه و التصرف.

و ربما يتوهم عدم ضمانه بوجهين: الأول: أن المستفاد من الأخبار أن أئمتنا «ع» أجازوا له التصرف في هذا المال بعد ما تقمص الخلافة و غصبها بنحو الترتب حفظا لمصالح المسلمين.

الثاني: أن صحة المعاملة من طرف يستدعي الصحة من الطرف الآخر، إذ لا يتصور أن تكون معاملة واحدة

صحيحة من طرف و فاسدة من طرف آخر، فإذا صحّ الشراء من الجائر صحّ البيع أيضا.

و كلا الوجهين قابلان للمناقشة، إذ الأول ادعاء محض لا دليل عليه. و يرد على الثاني أن إذن الإمام الذي هو وليّ المال لمن أخذه من شيعته لا يستلزم إجازته لما

______________________________

(1)- المكاسب/ 74 (ط. أخرى 5/ 272). و الرواية في الوسائل 12/ 161، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 232

صدر عن الجائر و تصحيح معاملاته حتى يرتفع عنه الضمان، و ليس في الأخبار دلالة على ذلك. فإذن الإمام للآخذ من شيعته نظير اجازة المالك لعقد الفضولي، حيث لا يستلزم ذلك، رفع الإثم عنه في تصرفه و غصبه و انتقال العوض إليه، فتدبّر.

و الحاصل أن المحتملات في المسألة ثلاثة:

الأول: أن يقال: إن المال باق على ملك المأخوذ منه، و مع ذلك أجيز للآخذ التصرف فيه، كما هو ظاهر ما حكيناه عن الشيخ.

الثاني: أن الإمام «ع» أجاز تصرفات الجائر و معاملاته، و أمر أن يعامل معه معاملة الإمام العادل حتى إنه يحرم منع الجائر من أجرة الأرض بعد ما كان هو المتصدي لإجارته.

الثالث: أن يقال: إن وزان الجائر في المقام وزان الفضولي، فتصرفه حرام و لو أتلف المال أو ثمنه يكون ضامنا، غاية الأمر أن الإمام الذي هو وليّ أمر المسلمين أجاز التصرفات و المعاملات بالنسبة إلى شيعتهم، فالمال انتقل إلى الآخذ و لكن بإجازته، كما أنه في المعاملات الفضولية ينتقل المال بإجازة المالك إلى المشتري و الثمن إلى المالك من دون أن يقتضي ذلك رفع الحرمة أو الضمان بالنسبة إلى الفضولي أو انتقال العوض إليه. و أقوى

المحتملات هو الثالث، فتدبّر.

الأمر التاسع: هل الحكم الذي مضى يختص بالسلطان المخالف

المعتقد لاستحقاق أخذ الخراج، أو يعم كلا من المؤمن و المخالف بل و الكافر أيضا؟:

من اختصاص موارد الأخبار بالمخالف المعتقد لاستحقاقه التقبيل و الأخذ و الإعطاء، فيقتصر في الحكم المخالف للقواعد عليه. و كأنه من قبيل إلزام الناس بما ألزموا به أنفسهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 233

و من لزوم الحرج و الضرر و تنقيح المناط القطعي، بل و إطلاق بعض الأخبار على ما قيل:

كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»: «لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان. الحديث» «1»

و صحيحة أبي بصير و محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» أنهما قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: «كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك مما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه. الحديث.» «2»

و غير ذلك من الأخبار التي وقع فيها الحكم على طبيعة السلطان فيؤخذ بإطلاقه.

في المسألة قولان: قال الشهيد في المسالك:

«و الظاهر أن الحكم مختص بالجائر المخالف للحق، نظرا إلى معتقده من استحقاقه ذلك عندهم. فلو كان مؤمنا لم يحلّ أخذ ما يأخذه منهما، لاعترافه بكونه ظالما فيه، و إنما المرجع حينئذ إلى رأي حاكمهم الشرعي. مع احتمال الجواز مطلقا، نظرا إلى إطلاق النص و الفتوى. و وجه التقييد أصالة المنع إلّا ما أخرجه الدليل، و تناوله للمخالف متحقق، و المسؤول عنه للأئمة «ع» إنما كان مخالفا للحق فيبقى الباقي، و إن وجد مطلقا فالقرائن دالة على إرادة المخالف منه التفاتا إلى الواقع أو الغالب.» «3»

و اعترض عليه في كفاية الأحكام بقوله:

«ما يظهر من كلام الشهيد الثاني من الميل إلى اختصاص حكم حل الخراج

بالمأخوذ من المخالفين فلا وجه له، إذ الظاهر أن ترخيص الأئمة «ع» إنما هو لغرض

______________________________

(1)- تهذيب الأحكام 7/ 202، كتاب التجارات، الباب 19 (باب المزارعة)، الحديث 34.

(2)- الوسائل 6/ 129، الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.

(3)- المسالك 1/ 169.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 234

توصل الشيعة إلى حقوقهم في بيت مال المسلمين لعلمهم بأن ذلك غير مقدور لهم لعجزهم و استيلاء السلاطين على الأموال، كما يشير إليه رواية عبد اللّه بن سنان، عن أبيه و رواية أبي بكر الحضرمي. و اعتقاد الجائر إباحته بالنسبة إليه جهلا غير مؤثر في جواز الأخذ منه، لأن الجهل ليس بعذر، و لو كانت مؤثرة لكان تأثيرها في تسويغه بالنسبة إليه أولى.» «1»

أقول: الظاهر أنه أراد بالروايتين ما رواه الشيخ بسند صحيح، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبيه، قال: «قلت لأبي عبد اللّه «ع»: إن لي أرض خراج و قد ضقت بها، أ فأدعها؟ قال: فسكت عني هنيهة ثم قال: «إن قائمنا لو قد قام كان نصيبك من الأرض أكثر منها.» و قال: «لو قد قام قائمنا كان للإنسان أفضل من قطائعهم.» و روى نحوها الكليني أيضا.» «2»

و ما رواه الشيخ أيضا بسند صحيح، عن أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت على أبي عبد اللّه «ع» و عنده إسماعيل ابنه، فقال: «ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس؟» ثم قال لي: «لم تركت عطاءك؟» قال: قلت: مخافة على ديني. قال: «ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك؟ أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟» «3»

و يشهد لهذا المضمون

أيضا خبر إبراهيم بن أبي زياد، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض الجزية. قال: فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «4»

و خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، و الساباطي و زرارة، عن أبي

______________________________

(1)- كفاية الأحكام/ 79.

(2)- الوسائل 11/ 121، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.

(3)- الوسائل 12/ 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.

(4)- الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 235

عبد اللّه «ع» أنهم سألوهما عن شراء أرض الدهاقين من أرض الجزية، فقال: «إنه إذا كان ذلك انتزعت منك أو تؤدي عنها ما عليها من الخراج.» قال عمّار: ثم أقبل عليّ فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «1»

فيستفاد من هذه الأخبار أن من كان له حق في الزكاة أو الخراج أو نحوهما يجوز له استنقاذ حقه و لو كان من يد الجائر الغاصبة. فكأن الإمام «ع» بولايته أجاز و أنفذ تصرف الجائر و أخذه و إعطاءه بالنسبة إلى حق من له حق و يصل إليه حقه، و لا سيما إذا كان من شيعتهم تسهيلا لهم و تعطفا عليهم. و مقتضى ذلك تحليل جوائز السلطان و الأراضي و الأموال المأخوذة منه لخصوص من كان مستحقا لها و مصرفا لها شرعا، و إن لم تحل لغيره.

و لعلّه إلى هذا المعنى أشار العلامة في بيع التذكرة، حيث قال:

«ما يأخذ الجائر من الغلات باسم المقاسمة، و من الأموال باسم الخراج عن حق الأرض، و من الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه و اتّهابه،

و لا تجب إعادته على أصحابه و إن عرفوا، لأن هذا مال لا يملكه الزارع و صاحب الأنعام و الأرض فإنه حق للّه أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته و جاز شراؤه.» «2» هذا.

و يمكن أن يوجّه المورد و أمثاله بأنها من الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع الحكيم بتعطّلها و إهمالها، فإذا لم يتمكن الإمام من إقامتها و لا الحاكم الشرعي و لا عدول المؤمنين صحت إقامتها من حكّام الجور و عمّالهم بل كل جائر و فاسق تصدى لها، سواء كان مؤمنا أو مخالفا.

و بهذا البيان يصحح جميع تصرفاتهم التي تكون من وظائف الإمامة الحقة، مثل ما يقع منهم في حفظ بيضة الإسلام و حفظ الثغور و الدفاع عن حرمات المسلمين و حقوقهم، و إيجاد الأمن في السبل و إحداث المساجد و المستشفيات و المشاريع العامة و بسط المعروف و قطع جذور الفساد و غير ذلك، و إن عوقبوا لتصدي الخلافة و تقمصها و عدم تفويضها إلى أهلها، و وجب على الأمة أيضا السعي في إقامة

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1.

(2)- التذكرة 1/ 583.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 236

الدولة الحقة العادلة، إذ لا منافاة بين الوظيفتين: فعلى الأمة السعي في إرجاع الحكم إلى أهله و وجب عليه أيضا تفويض الأمر إليه، و لكنه مع ذلك يجب عليه بعد تقمص الخلافة و تحصيل القدرة التصدي للأمور المهمة التي لا يرضى الشارع بإهمالها من باب الحسبة، و يجب على الأمة أيضا إطاعته و إعانته في هذا السنخ من الأمور إلى أن تستقر الدولة الحقة فيرجع الأمور إليها، فتدبّر.

و يمكن أن يناقش في

الأدلة التي ذكرت للتعميم في المسألة:

اولا: بانصراف لفظ السلطان في الروايات إلى سلاطين عصرهم من الأموية و العباسية المدعين للخلافة، و اللام للعهد، و القضايا قضايا خارجية لا حقيقية، كيف؟! و إلّا حملت على السلطان الواجد للشرائط الشرعية.

و ثانيا: بمنع الإطلاق، لكون ما توهم إطلاقه مسوقا لبيان حكم آخر كجواز إدخال أهل الأرض الخراجية في تقبلها في صحيحة الحلبي، و جواز التقبيل بالأكثر مما تقبل به الأرض من السلطان في رواية الفيض بن المختار و نحو ذلك.

و ثالثا: بمنع لزوم الحرج و الضرر المدعى، لكون حرمة الأخذ مختصة بما علم تفصيلا كونه زكاة أو خراجا، و ليس جميع ما في أيديهم كذلك لاحتمال وجود الحلال في ما بأيديهم، و مجرد الاحتمال يكفي في جواز الأخذ. و لا يضر العلم الإجمالي بعد كون بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء، نظير الأخذ ممن لا يؤدي الحقوق الواجبة.

و رابعا: بالنقض بلزوم الحرج بالامتناع عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و الضرائب أيضا، فلا بدّ من الحكم بجوازه و لم يقل به أحد.

و خامسا: بما في كلام الشيخ الأعظم، من أن عنوان المسألة في كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة أو الزكاة كما في المنتهى أو باسم الخراج أو المقاسمة كما في غيره، و ما يأخذه الجائر المؤمن ليس لشبهة الخراج و المقاسمة، لأن المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة في مذهب العامة دون مذهب الشيعة.

و على هذا فالأحوط الرجوع إلى الحاكم الشرعي و الاستيذان منه في كل مورد

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 237

شك في الحلية و الجواز.

الأمر العاشر: [ما ورد في أرض السواد من كونها للمسلمين]

ربما أشكل الاستدلال للحكم في المقام بما ورد في أرض السواد من كونها للمسلمين،

بتقريب أن سواد العراق لم يفتح بأمر الإمام و إذنه، و المشهور بين أصحابنا بل قيل لا خلاف فيه: أن ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام يكون من الأنفال و يكون للإمام خاصة.

و يشهد له مرسل الورّاق، عن رجل سمّاه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس.» «1»

و قد مرّ عن مبسوط الشيخ- قدّس سرّه- قوله:

«و على الرواية التي رواها أصحابنا: «أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام فغنمت يكون الغنيمة للإمام خاصة»، هذه الأرضون و غيرها مما فتحت بعد الرسول إلّا ما فتح في أيام أمير المؤمنين «ع» إن صح شي ء من ذلك تكون للإمام خاصة.» «2»

و على هذا فيجب أن تحمل لا محالة أخبار أرض السواد على التقية. هذا.

و أجيب عن هذا الإشكال أولا: بأن المتبادر من المرسل خصوص الغنيمة التي تخمّس و تقسم، فلا تشمل الأراضي التي لا خمس فيها و لا تقسيم كما مرّ.

و ثانيا: بأن عمر استشار أمير المؤمنين «ع» في ذلك. و يدل على ذلك فعل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام، الحديث 16.

(2)- المبسوط 2/ 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 238

عمّار، حيث كان من خواص أصحابه «ع» و لم يكن يصدر إلّا عن أمره. اللّهم إلّا أن يقال: إن مجرد الرضا و الإذن لا يكفي في ذلك، بل يعتبر أن يكون الغزاء بأمر الإمام و تحت قيادة أمير أمّره.

و في كفاية الأحكام بعد تضعيف المرسل قال:

«ثم لو صحت لا تضرّ، لأن الظاهر أن الفتوح

التي وقعت في زمن عمر كانت بإذن أمير المؤمنين «ع» لأن عمر كان يشاور الصحابة خصوصا أمير المؤمنين «ع» في تدبير الحروب و غيرها، و كان لا يصدر إلّا عن رأيه «ع». و النبي «ص» أخبره بالفتوح و غلبة المسلمين على أهل الفرس و الروم. و قبول سلمان تولية المدائن و عمّار إمارة العساكر مع ما روي فيهما قرينة على ما ذكرنا.

و مع ذلك وقع التصريح بحكم أرض السواد و كونها للمسلمين في النص الصحيح كما ذكرنا.

و قد روى الشيخ، عن محمد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر «ع»، قال:

سألته عن سيرة الإمام «ع» في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه «ص»، فقال:

إن أمير المؤمنين «ع» قد سار في أهل العراق بسيرة، فهم إمام لسائر الأرضين.

الحديث.» «1»

و في الجواهر بعد نقل كلام الكفاية قال:

«و عن الصدوق أنه روى مرسلا استشارة عمر عليا «ع» في هذه الأراضي فقال:

«دعها عدة للمسلمين».

و عن بعض التواريخ أن عمر لما رأى المغلوبية في عسكر الإسلام في غالب الأسفار و الأوقات استدعى من أمير المؤمنين «ع» أن يرسل الحسن «ع» إلى محاربة يزدجرد، فأجابه و أرسله. و حكي أنه ورد ري و شهريار، و في المراجعة ورد قم، و ارتحل منها إلى كهنك، و منها إلى أردستان، و منها إلى قهبان و منها إلى أصفهان، و صلّى في المسجد الجامع العتيق، و اغتسل في الحمام الذي كان متصلا بالمسجد، ثم نزل

______________________________

(1)- كفاية الأحكام/ 79. و الرواية في الوسائل 11/ 117، الباب 69 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 239

لنبان و صلّى في مسجده. إلّا أن ذلك كما ترى لا

يعول عليه بعد عدم كونه بسند معتبر.

و يحتمل بعضه أو جميعه غير صدور الإذن.

لكن قد يقال بأن الحكم في النصوص المعتبرة السابقة بكون هذه الأراضي للمسلمين بعد معلومية اعتبار الإذن فيها شاهد على صدورها منهم- عليهم السلام-.

و لعله أولى من الحمل على التقية خصوصا بعد عدم معروفيته بين العامة، و إنما يحكى عن مالك منهم و لم يكن مذهبه معروفا كي يتقى منه، خصوصا بعد مخالفة الشافعي و أبي حنيفة له.» «1»

أقول: و الحق الصحيح هو ما ذكره أخيرا.

و يشهد لذلك أيضا ما رواه الصدوق في الأبواب السبعة من الخصال بسنده، عن أبي جعفر «ع» في حديث طويل يذكر فيه أن عليا «ع» قال لرأس اليهود عند منصرفه عن النهروان: «إن اللّه- عزّ و جلّ- يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ... ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء «ع» في سبعة مواطن- إلى أن قال: «و أما الرابعة يا أخا اليهود، فإن القائم بعد صاحبه (يعني عمر بعد أبي بكر) كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمرى و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا و لا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري. الحديث.» «2»

و لا يخفى أن عموم الأمور يشمل مثل الخروج إلى الكفّار و دعائهم إلى الإسلام، و إنما الإشكال في سند الحديث، إلّا أن يقال أن اعتماد الصدوق عليه جابر لضعفه. هذا.

و الذي يسهّل الخطب ما مرّ منّا من عدم تفاوت أساسي بين كون الأرض للإمام بما أنه إمام، أو للمسلمين بما هم مسلمون، حيث إن الإمام يقبل كليهما

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 161.

(2)- الخصال/ 365 و 374 (الجزء 2)، باب السبعة، الحديث 58.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 240

و يصرف حاصلهما في مصالح المسلمين و سدّ خلّاتهم. نعم، يوجد التفاوت بين وجود الإذن و عدمه بالنسبة إلى المنقولات، حيث إن ما غنم بالإذن يقسم ما زاد منه عن النوائب و الخمس بين المقاتلين بخلاف ما غنم بغير إذن. و قد مرّ احتمال كون الموضوع في مرسل الورّاق هو المنقولات فقط فلا يشمل الأراضي أصلا، فتدبّر.

الأمر الحادي عشر: [إثبات الأمور الثلاثة مع تقادم الزمان و تقلب الأحوال في غاية الإشكال]

قد ظهر مما مر إلى هنا أن كون الأرض خراجية و كونها للمسلمين بما هم مسلمون يتوقف على أمور ثلاثة: الأول: كونها مفتوحة عنوة أو صلحا على أنها للمسلمين. الثاني: كونها محياة حال الفتح. الثالث: كون الفتح بإذن الإمام على ما هو المشهور، و يستدل عليه بمرسل الورّاق و سيأتي بيانه في مبحث الأنفال. و لا يخفى أن إثبات هذه الأمور الثلاثة مع تقادم الزمان و تقلب الأحوال و الأراضي في غاية الإشكال.

قال الشيخ الأعظم- قدّس سرّه- في المكاسب:

«يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم، و بشهادة العدلين، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم، بناء على كفايته في كل ما يعسر إقامة البيّنة عليه، كالنسب و الوقف و الملك المطلق. و أما ثبوتها بغير ذلك من الأمارات الظنية حتى قول من يوثق به من المؤرخين فمحل إشكال، لأن الأصل عدم الفتح عنوة و عدم تملك المسلمين. نعم، الأصل عدم تملك غيرهم أيضا، فإن فرض دخولها بذلك في الأنفال و ألحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو، و إلّا فمقتضى القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زرّاعها. و أما الزرّاع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع فيعمل فما معهم على طبق ما يقتضيه القواعد عنده من كونه مال الإمام «ع» أو مجهول المالك أو غير

ذلك.» «1»

______________________________

(1)- المكاسب/ 77 (ط. أخرى 5/ 337).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 241

و قال الشهيد في المسالك:

«و يثبت كونها مفتوحة عنوة بنقل من يوثق بنقله، و اشتهاره بين المؤرخين. و قد عدّوا من ذلك مكة المشرفة و سواد العراق و بلاد خراسان و الشام. و جعل بعض الأصحاب من الأدلة على ذلك ضرب الخراج من الحاكم و إن كان جابرا، و أخذ المقاسمة من ارتفاعها، عملا بأنّ الأصل في تصرفات المسلمين الصحة، و كونها عامرة وقت الفتح بالقرائن المفيدة للظن المتاخم للعلم كتقادم عهد البلد و اشتهار تقدمها على الفتح، و كون الأرض مما يقضي القرائن المذكورة بكونها مستعملة في ذلك الوقت لقربها من البلد و عدم المانع من استعمالها عادة و نحو ذلك مما لا يضبطه إلّا الأمارات المفيدة للعلم أو ما يقاربه.» «1»

أقول:

هاهنا نكات و مناقشات ينبغي الإشارة إليها:
الأولى: أن ما في كلام الشيخ من الثبوت بشهادة العدلين يمكن أن يورد عليه

بأنهما إن شهدا على السماع من بينة سابقة عليهما، و السابقة أيضا على السماع من سابقتها، و هكذا إلى زمان الواقعة فلا إشكال في حجيتها، و لكن تحقق مثلها مقطوع العدم.

و أما الشهادة المستندة إلى ما في التواريخ أو ما على الأفواه أو غيرهما من الأمارات الظنية فيشكل الاعتماد عليها بعد عدم الاعتماد على مستنداتها.

و الحاصل أنه يعتبر في الشهادة المعتبرة أن تكون عن حس لا عن حدس و اجتهاد.

الثانية: قد يقال: إن الاشتهار بين المؤرخين إن أفاد العلم فلا إشكال في حجيته،

و لكن يبعد جدا تحقق ذلك مع كثرة الاختلاف بينهم، و تأخر زمانهم عن الحوادث، و ابتناء اكثر آرائهم على الحدسيات و النقليات الضعيفة. و أما إن أورث الظن فقط فلا دليل على حجيته. هذا.

______________________________

(1)- المسالك 1/ 155.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 242

و ربما يقرب حجيته بوجهين: الأول: أن قول المؤرخ الثبت الثقة نظير قول اللغوي في اللغة و الطبيب في طبه و الصانع في صنعته، و قد استقرت سيرة العقلاء في جميع الأعصار حتى في عصر الأئمة «ع» على الأخذ بقول أهل الخبرة في كل فن و حرفة. و لم يرد عنهم ردع عن ذلك.

الثاني: أن في هذا السنخ من الموضوعات الشرعية التي يكثر الابتلاء بها و يعسر تحصيل العلم فيها و لا يجوز إهمالها بالكلية لا محيص عن العمل بالظن، و إلّا لزم تعطيل الأحكام، و يطلق على هذا الانسداد الصغير.

و تقريبه أنا نعلم إجمالا بثبوت التكليف فيها و عدم جواز إهمالها و انسداد باب العلم فيها غالبا. و لا يمكن الاحتياط فيها غالبا، لدوران الأمر بين المتباينين، أو كونه موجبا لاختلال النظام، أو مرجوحا قطعا لمخالفته لسهولة الشريعة السمحة.

و تقديم المرجوح على الراجح قبيح عقلا فيتعين

العمل بالظن دون الوهم.

و يظهر من الكفاية اعتماده على الظن لذلك ثم قال:

«و الظن قد يحصل بالتواريخ المعتبرة إذا كان صاحب الكتاب اشتهر بصحة النقل و الاعتماد على كتابه و العمل بقوله بين الناس، كابن جرير الطبري، و صاحب المغازي: الواقدي، و البلاذري، و المدائني، و ابن الأثير، و المسعودي و أضرابهم. و قد يحصل باستمرار أخذ السلاطين الخراج منه و أخذ المسلمين من السلاطين، إذ الظاهر أن أخذ الخراج من ذلك البلد إذا كان مستمرا في الأعصار التي نعلمها لم يكن شيئا حادثا من بعد سلاطين الجور، بل كان شيئا مستمرا من الصدر الأول من غير نكير، و أنه لو كان حادثا فالظاهر أنه كان ذلك منقولا في كتب التواريخ و الأخبار لاعتناء أهل التواريخ ببيان أمثال هذه المبتدعات و الحوادث. و أخذ الناس ذلك الخراج من السلاطين مستمرا شاهد على ذلك، فإن الظاهر جريان أفعال المسلمين على وجه الصحة و المشروعية ما لم يعلم خلاف ذلك.» «1»

______________________________

(1)- كفاية الأحكام/ 79.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 243

أقول: ثبوت الحجية لمطلق الظن و لا سيما إذا كان في قباله أمارة معتبرة كاليد المدعية للملك أو المتصرفة تصرف الملاك في أموالهم ممنوع. نعم، إذا بلغ حد الوثوق و سكون النفس بحيث لا يعتني العقلاء باحتمال خلافه فالظاهر حينئذ حجيته و يعدّ هذا علما عاديا. و كثيرا ما يحصل ذلك من استفاضة نقل المؤرخين بل من نقل مؤرخ واحد إذا كان ثقة ثبتا. و بناء العقلاء في جميع مراحل الحياة على العمل بالوثوق و سكون النفس، و لا يلتزمون بتحصيل العلم بنحو المائة في المائة، و التشكيك في ذلك يعد وسواسا.

و أما

استقرار السيرة على العمل بقول أهل الخبرة في كل فن، فإن أريد بذلك تعبد العقلاء به عملا و إن لم يحصل لهم وثوق بصدقه نظير ما نلتزم به في حجية البينة شرعا، ففيه أن الظاهر عدم وجود الحجية التعبدية عند العقلاء بما هم عقلاء.

و حجية البينة شرعا إنما ثبتت بالروايات الدالة عليها تعبدا.

و إن أريد به أخذهم به بعد ما حصل لهم الوثوق بقوله كما هو الغالب، فهو الذي أشرنا إليه من كونه علما عاديا عندهم. فإذا رجع شخص إلى الطبيب و حصل له الوثوق و سكون النفس برأيه و تشخيصه أخذ به و إلّا رجع إلى طبيب آخر أو شورى طبية، اللّهم إلّا أن يعمل به رجاء و احتياطا إذا أمن الضرر و الخطر من ناحيته.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 243

ثم لو فرض وجود التعبد عند العقلاء و جواز الأخذ بسيرتهم في ذلك فيجب أن يتصل السيرة في كل شي ء بخصوصه إلى عصر الأئمة «ع» حتى ينكشف إمضاؤهم لها، و لم يثبت استقرار السيرة على العمل بقول اللغوي أو المؤرخ في أعصارهم.

و لا يكفي تحقق السيرة في بعض الأمور في أعصارهم لإثبات حجية ما لم يثبت استقراره في أعصارهم، فتدبّر.

الثالثة: و أما ما ذكر من إثبات كون الأرض خراجية بضرب الخراج عليها

من السلطان الجائر و أخذه منها حملا لتصرف المسلم على الصحة، ففيه أنه إن أريد بفعل المسلم تصرف الجائر بأخذ الخراج فلا ريب أن تصرفه و أخذه حرام و إن علم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 244

كون الأرض خراجية و

لا اعتبار بعقده و عقد عمّاله مع العلم بعدم ولايته على الأرض فكيف يصح فعله؟!

و دعوى أنّ أخذه الخراج من أرض الخراج أقل فسادا يدفعها أولا: عدم الفرق لأن مناط الحرمة في المقامين واحد و هو أخذ مال الغير بلا استحقاق. و اشتغال ذمة المأخوذ منه بالخراج لا يهون الحرمة بالنسبة الى الآخذ.

و ثانيا: أنه لا دليل على وجوب حمل الفاسد على الأقل فسادا فيما إذا لم يتعدد عنوان الفساد، كما إذا دار الأمر بين كون الزنا بإكراه المرأة أو برضاها، حيث إن الظلم محرم آخر غير الزنا.

هذا مضافا إلى أن الحمل على الصحة إنما يكون فيما إذا احتمل اعتناء الفاعل بالموازين الشرعية، و أما إذا علم من طبعه و سيرته أنه لا يريد إلّا ما استهواه فيشكل الحمل على الصحة.

و إن أريد بفعل المسلم تصرف المسلمين فيما يأخذونه من الجائر من خراج الأرض ففيه أنه لا عبرة بفعلهم إذا علمنا بأنهم مثلنا في الجهل بحال هذه الأراضي.

و ربما يقال: إن الجائر الذي يرى نفسه وليّا على المسلمين إذا ضرب الخراج على أرض بهذا العنوان فبعمله تقع الأرض تحت يد المسلمين، و هي أمارة الملكية نظير ما إذا وقع ملك في تصرف الوقف عملا و إن كان المتصدي له غير المتولي الشرعي.

و فيه مالا يخفى، إذ الموجود خارجا هي اليد الغاصبة، و إثباتها الملكية للجهة المنتحلة محل إشكال، فتدبّر.

الرابعة: و أما ما ذكره الشهيد من كون سواد العراق و بلاد خراسان و الشام مما فتحت عنوة

فقد ناقشه في الكفاية، حيث حكى عن بعض التواريخ ما ملخصه:

«إن حيرة بقرب الكوفة فتحت صلحا، و نيشابور و بلخ و هرات و فوسخ و التوابع من بلاد خراسان فتحت صلحا و بعضها فتحت عنوة، فحال بلاد خراسان مختلفة، و كذلك بلاد الشام، فحكي أن حلب

و حماة و حمص و طرابلس فتحت صلحا. و أن أهل طبرستان صالحوا أهل الإسلام، و آذربايجان فتحت صلحا، و أهل أصفهان

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 245

عقدوا أمانا، و الري فتح عنوة ...» «1»

أقول: غالب بلاد الإسلام فتحت عنوة، و منها مكة المكرمة على ما مرّ و سواد العراق و أكثر بلاد الشام و أكثر بلاد إيران و بلاد السند و شمال إفريقا و مصر و بلاد أندلس و نحوها. و تحقيق حال البلاد يحتاج إلى تتبع كثير لا يناسب وضع هذا الكتاب، فراجع.

و قوله: «فوسخ» في الجواهر: «قوسيخ» و في حاشية المكاسب للسيد «ترشيج» «2»، و لعلّه الأصح. و يراد به «كاشمر» الفعلي.

الخامسة: و أما ما ذكره الشيخ الأعظم من أصالة عدم التملك فنقول:

إن كان الشك في أصل التملك فبأصالة عدم التملك تدخل الأرض في أرض لا ربّ لها، و قد عدّ هذا العنوان من الأنفال، كما في خبر أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» المروي في المستدرك من كتاب عاصم بن حميد. «3»

و أما إن علم التملك إجمالا و شك في كونها للمسلمين أو للأشخاص فالأصلان يتعارضان، و تصير الأرض من مصاديق مجهول المالك، و مصرفه التصدق به، و اختيارها إلى الإمام. و لو أريد بالتصدق في مجهول المالك معناه الأعم، بحيث يشمل الصرف في المصارف الثمانية التي منها سبل الخير كما لعلّه المستفاد من آية مصرف الصدقات، فلا يبقى إشكال في البين، إذ الصرف في المصالح العامة صرف في مصرف مشترك، و إلّا فالأحوط إعطاؤه لفقير يقوم ببعض المصالح العامة.

و مقتضى صحيحة الكابلي و غيرها كما يأتي أن للإمام تقبيل الأنفال و ضرب الطسق عليها أيضا.

و لعلّ المستفاد مما دلّ على تنفيذ الأئمة «ع» لأعمال

الجائر بالنسبة إلى شيعتهم المبتلاة بهم تسهيلا لهم و إجازة أن يعامل معهم في هذا السنخ من الأمور معاملة

______________________________

(1)- كفاية الأحكام/ 76.

(2)- الجواهر 21/ 167؛ و حاشية المكاسب/ 53.

(3)- مستدرك الوسائل 1/ 553، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 246

الإمام العادل هو جواز ما يعطونه للشيعة من خراج هذه الأراضي أيضا، كما أجازوا التصرف فيما يأخذونه من الخراج و المقاسمة و الزكوات، فتدبّر.

السادسة: في مكاسب الشيخ الأعظم أيضا:

«ثم إنه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة. و مع الشك فيها فالأصل العدم و إن وجدناها الآن محياة لأصالة عدمها حال الفتح، فيشكل الأمر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة. نعم، ما وجد منها في يد مدع للملكية حكم بها له. أما إذا كانت بيد السلطان أو من أخذها منه فلا يحكم لأجلها بكونها خراجية، لأن يد السلطان عادية على الأراضي الخراجية أيضا.

و ما لا يد لمدعي الملكية عليها كان مرددا بين المسلمين و مالك خاص مردد بين الإمام لكونها تركة من لا وارث له و بين غيره، فيجب مراجعة حاكم الشرع في أمرها. و وظيفة الحاكم في الأجرة المأخوذة منها إما القرعة و إما صرفها في مصرف مشترك بين الكل، كفقير يستحق الإنفاق من بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين.» «1»

أقول: ظاهر كلامه- قدّس سرّه- أن ميراث من لا وارث له يكون لشخص الإمام، مع أنه من الأنفال كما دلّت عليه أخبار مستفيضة، و الأنفال للإمام بما أنه إمام لا لشخصه، و إن شئت قلت: إنها أموال عامة و إنما الإمام وليّ أمرها فله التصرف فيها بما رآه صلاحا، و سيأتي

تحقيقه في محله.

السابعة: و فيه أيضا:

«ثم اعلم أن ظاهر الأخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق المسمى بأرض السواد، من غير تقييد بالعامر، فينزل على أن كلها كانت عامرة حال الفتح ...

______________________________

(1)- المكاسب/ 78، (ط. أخرى 5/ 362).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 247

فما قيل من أن البلاد المحدثة بالعراق، مثل البغداد و الكوفة و الحلّة و المشاهد المشرفة إسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة و لم يثبت أن أرضها يملكها المسلمون بالاستغنام، و التي فتحت عنوة و أخذت من الكفار قهرا قد انهدمت، لا يخلو عن نظر، لأن المفتوحة عنوة لا يختص بالأبنية حتى يقال إنها انهدمت. فإذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فأين أرض العراق المفتوحة عنوة المقدرة بستة و ثلاثين ألف ألف جريب؟ و أيضا من البعيد عادة أن يكون بلد المدائن على طرف العراق بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة مواتا غير معمورة وقت الفتح.» «1»

أقول: قد مر أن السواد كان يطلق عليها باعتبار أشجارها و نخيلها، و سواد العراق لا يدل على كون جميع الأرض سوادا و عامرة، فلعلّه من إضافة الجزء إلى الكل لا الصفة إلى الموصوف.

نعم، كون أراضي العراق أراضي سهلة واقعة بين النهرين العظيمين يوجب الحدس القوي بكون أكثرها محياة حال الفتح و لو بالزراعة، فإن الاحياء لا يختص بإحداث الأبنية.

و احتمال كون جميع المشاهد المشرفة و البلاد المبتلى بها في أعصارنا محدثة في الموات حال الفتح بعيد جدا. فهذا أمر واضح ظاهر. و لكن تأييد الشيخ- قدّس سرّه- ذلك بالمساحة التي نقلها أمر غريب، فإن مساحة العراق أزيد من ذلك بكثير:

ففي الجغرافية المطبوعة أخيرا

المسمّاة: «گيتاشناسي» أن مساحتها:

438446 كم. «2» و هكذا حكي عن جغرافية العراق.

و في أعلام المنجد: 448742 كم «3». فلو جعلنا الجريب ألف مترا كما هو

______________________________

(1)- المكاسب/ 78، (ط. أخرى 5/ 364 و 367).

(2)- گيتاشناسي/ 202 (من الطبعة الرابعة بالفارسية).

(3)- المنجد في الأعلام/ 458.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 248

المعروف صارت مساحتها على الأول: 438446000 جريبا، و على الثاني:

448742000 جريبا.

فلعل المساحة المنقولة كانت لخصوص الأراضي المجاورة منها لأرض الحجاز المفتوحة بدوا. نعم، العراق الفعلي شاملة لبلاد الكرد أيضا.

و كيف كان فاحتمال خروج البلاد المعمورة فعلا عما كانت محياة حال الفتح بعيد جدا، و لكن في كتاب البيع للأستاذ الإمام- مدّ ظلّه-:

«فعلى ما ذكر تكون أرض الأعتاب المقدسة و سائر ما حدثت فيه العمارة في عصر الخلفاء و من بعدهم باقية تحت الأصل الذي قدمناه من كونها للإمام «ع» و أن من أحياها فهي له فلا يبقى إشكال فيها. و توهم العلم الإجمالي بأن كثيرا من أرض العراق كانت محياة فلا بد من الاحتراز عن الجميع مدفوع بأن كثيرا من البلاد معلوم حياتها في عصر الفتح تفصيلا، و هي التي كانت في صدر الإسلام معروفة مذكورة في جميع الكتب و التواريخ، و ليس لنا علم زائد على ما ذكر. هذا مع الغضّ عن عدم منجزية العلم الإجمالي فيما إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء ...» «1»

أقول: و قد ظهر بما ذكرنا ما فيه، فلا نعيد. هذا.

و هنا فروع أخر في مسألة الأراضي المفتوحة عنوة نحيلها إلى الكتب الموسوعة و يأتي الإشارة إلى بعضها في مبحث الأنفال. و قد خرجنا في هذه المسألة عن طور الاختصار المناسب لهذا الكتاب، فمن

القرّاء الكرام أعتذر.

______________________________

(1)- كتاب البيع 3/ 76.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 249

الجهة السابعة: في الأسارى:
قال الراغب في المفردات:

«الأسر: الشدّ بالقيد، من قولهم: أسرت القتب. و سمّي الأسير بذلك، ثم قيل لكل مأخوذ و مقيد و إن لم يكن مشدودا ذلك، و قيل في جمعه اسارى و أسارى و اسرى.» «1»

[الإسلام و الاسترقاق]

و قد كانت الأسارى في جميع البلدان و الأعصار مما يرغب فيها المقاتلون كثيرا و يعدونها من أوفر الغنائم و أنفعها. بل ربما كانت القبائل يشنّون الإغارات كثيرا لأخذ الأسارى و استعبادهم و يهاجمون على الضعفاء و يسترقّونهم لتوفير الأموال و الثروات. و قد استمرت هذه الخصلة السيئة الظالمة إلى قرب أعصارنا، فكان المتمكنون من الغربيين يهاجمون على قبائل السود في إفريقيا بخشونة و قسوة و يسترقّونهم للبيع في الأسواق أو الاستخدام في المزارع و المصانع.

و لكن نظر الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى الحروب و الغنائم و الأسارى نظر آخر يباين هذه الطريقة المشؤومة بالكلية، فليس بناء الجهاد الإسلامي على أساس أن يسمح للمسلمين الاستبداد بالتغلب على الأناسي و البلدان بداع الاستغنام و الاستعباد.

نعم، فرض الإسلام على متابعيه السعي في بسط التوحيد و العدالة و الدفاع عن الحق و الإنسانية. و إذا فرض أن وقفت أمام هذا الهدف الصالح المهم سلطات كافرة أو ظالمة اتخذوا مال اللّه دولا و عباده خولا أوجب حينئذ على المسلمين أن

______________________________

(1)- المفردات/ 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 250

يجاهدوا في سبيل اللّه و يدافعوا عن الحق تحت لواء النبي «ص» أو الإمام العادل.

و أوّل حدود الجهاد على ما عن أبي جعفر «ع»: «الدعاء إلى طاعة اللّه من طاعة العباد، و إلى عبادة اللّه من عبادة العباد، و إلى ولاية اللّه من ولاية العباد ... و ليس الدعاء من طاعة عبد إلى طاعة

عبد مثله.» «1»

فشرع الجهاد للدعاء إلى طاعة اللّه، و فرض أن يكون تحت إشراف النبي «ص» أو الإمام العادل الصالح، لئلا يتخطى المقاتلون عن موازين الشرع و الأهداف الأساسية.

نعم، الغنائم و الأسارى نتائج طبيعية قهرية للحروب و الغزوات، و لكنها أيضا جعلت تحت اختيار الإمام، فله أن يصرف جميع الغنائم في نوائب المسلمين و لا يقسم منها شيئا بين المقاتلين كما مرّ بالتفصيل، و له أيضا أن يطلق الأسارى إن رآه صلاحا كما صنع رسول اللّه «ص» في فتح مكة و حنين. فليس تقسيم الغنائم و الأسارى حكما إلزاميا.

و لو قسمت الأسارى فلا يراد به إلّا هضم بقيّة السيف من الفئة الكافرة المعاندة و ذراريهم و نسائهم في خلال بيوتات الإسلام ليتعلموا بالتدريج موازين الإسلام و يكتسبوا جنسية إسلامية، و لئلا يتمكنوا من التجمع و التشكل ثانيا ضد الإسلام و الحق.

ثم بعد ذلك شرع الإسلام طرقا عديدة لتحريرهم، و حكم بالإعتاق أو الانعتاق القهري في موارد كثيرة بعد ما حصل لهم بالطبع الانعطاف و التربية الإسلامية و انصبغوا بصبغته.

و قد أمر اللّه- تعالى- نبيّه باستمالتهم و تسليتهم، فقال: «يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرىٰ إِنْ يَعْلَمِ اللّٰهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّٰا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّٰهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.» «2» و أوصى النبي «ص» و الأئمة «ع» بحسن معاشرتهم و السعي في إعتاقهم.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 7، الباب 1 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 70.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 251

و قد أعتق أمير المؤمنين «ع» ألف مملوك من كد يده. «1»

فهذا ما شرعه الشريعة الإسلامية في الأسارى. و هذا

أمر يحكم بحسنه العقل و الفطرة. و المعيار في هذه الأمور أحكام الإسلام و موازينه المقررة في الكتاب و السنة، لا ما كان يصنعه الملوك و الطواغيت المنتحلة به في الأعصار المختلفة باسم الإسلام.

و لأجل ذلك كله لم يشرع الأسر إلّا في حق النساء و الأطفال، حيث لا قتال لها و يغلب على طباعها الانهضام في المجتمع قهرا. و لم يجز عندنا أسر الرجال الكبار من الكفّار المقاتلين و إبقاؤهم بالمن أو الفداء إلّا بعد ما غلب المسلمون، و صارت الفئة الكافرة المقاتلة مقهورة مثخنة، بحيث ارتفع خطر تجمعهم و هجمتهم ثانيا.

قال اللّه- تعالى- في سورة الأنفال: «مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيٰا وَ اللّٰهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» «2»

و قال في سورة محمد «ص»: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا. الآية.» «3»

فيظهر من الآيتين الشريفتين منع إبقاء الأسير من الكفّار المقاتلين حيا بالمنّ أو الفداء إلّا بعد إثخانهم، و المراد به إكثار القتل و الجرح فيهم بحيث لا يقدرون ثانيا على النهوض و التهاجم.

قال في المفردات:

«يقال: ثخن الشي ء فهو ثخين: إذا غلظ فلم يسل و لم يستمرّ في ذهابه. و منه استعير قولهم: أثخنته ضربا و استخفافا.» «4»

______________________________

(1)- راجع الوسائل 16/ 4، الباب 1 من أبواب كتاب العتق، الحديث 6.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 67.

(3)- سورة محمد «ص» (47)، الآية 4.

(4)- المفردات/ 75.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 252

و آية سورة الأنفال على ما قالوا يرتبط بقصة البدر. و يظهر من الأخبار و السير

أن أصحاب النبي «ص» اختلف أنظارهم في قتل أسارى بدر أو أخذ الفداء منهم، و النبي «ص» كان يكره أخذ الفداء:

ففي سورة الأنفال من تفسير علي بن إبراهيم:

«فلما قتل رسول اللّه «ص» النضر و عقبة خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم فقاموا إلى رسول اللّه «ص» فقالوا: يا رسول اللّه، قد قتلنا سبعين و أسرنا سبعين و هم قومك و أساراك، هبهم لنا يا رسول اللّه و خذ منهم الفداء و أطلقهم ...» «1»

و في كنز العرفان:

«روي ان النبي «ص» كان يكره أخذ الفداء، و لما رأى سعد بن معاذ كراهته في وجهه قال: يا رسول اللّه، هذا أول حرب لقينا فيه المشركين أردت أن تثخن فيهم القتل حتى لا يطمع أحد منهم في خلافك و قتالك، فقال: كرهت ما كرهت، و لكن رأيت ما صنع القوم.

و استدل جماعة من مخالفينا كأحمد بن حنبل و غيره بهذه القصة على جواز الاجتهاد على النبي «ص» فإن أخذ الفداء لم يكن بالوحي و إلّا لما أنكره اللّه. و الجواب: جاز أنه كان مخيرا بين القتل و الفداء، و كان القتل أولى و العتاب على تركه.» «2» هذا.

و كيف كان فنساء الكفّار و صبيانهم لا تقتل بلا خلاف و لا إشكال، بل تسبى و يكون حكمها حكم الغنائم التي تنقل: يقسمها الإمام بعد التخميس. نعم، لو أقدمن على القتال جاز قتالهن

و أما الرجال المقاتلون منهم إذا أسروا فقد فصل فيهم فقهاؤنا بين ما إذا أسروا و الحرب قائمة و بين ما إذا أسروا بعد ما وضعت الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا. و فتاوى فقهاء السنة خالية من هذا التفصيل. نعم، لهم خلاف في حكم الأسارى البالغين.

______________________________

(1)- تفسير علي بن إبراهيم

(القميّ)/ 247 (ط. أخرى 1/ 270).

(2)- كنز العرفان 1/ 368.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 253

فهنا مسألتان:
المسألة الأولى: في حكم النساء و الذراريّ:
[كلمات الفقهاء]

1- قال الشيخ في جهاد المبسوط:

«الآدميّون على ثلاثة أضرب: نساء و ذرّيّة، و مشكل، و بالغ غير مشكل. فأما النساء و الذرية فإنهم يصيرون مماليك بنفس السبي. و أما من أشكل بلوغه فإن كان أنبت الشعر الخشن حول الذكر حكم ببلوغه، و إن لم ينبت ذلك جعل في جملة الذرية لأن سعدا حكم في بني قريظة بهذا فأجازه النبي «ص».» «1»

2- و قال المحقق في الشرائع:

«الطرف الرابع في الأسارى. و هم ذكور و إناث. فالإناث يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة. و كذا الذراريّ. و لو اشتبه الطفل بالبالغ اعتبر بالإنبات، فمن لم ينبت و جهل سنه ألحق بالذراريّ.» «2»

أقول: و في إيجاب الاعتبار بالإنبات إشعار بوجوب الفحص في الشبهات الموضوعية حتى مع جريان الاستصحاب. نعم، لا إشكال في عدم الوجوب في باب الطهارة و النجاسة، كما حقق في محله.

3- و فيه أيضا:

«و أما النساء و الذراريّ فمن جملة الغنائم. و يختص بهم الغانمون، و فيهم الخمس لمستحقه.» «3»

4- و في الجواهر في شرح العبارة الأولى في ذيل قول المصنف: «و كذا الذراريّ» قال:

«أي غير البالغين، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك كما اعترف به في المنتهى،

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 19.

(2)- الشرائع 1/ 317 (ط. أخرى/ 241).

(3)- الشرائع 1/ 322 (ط. أخرى/ 245).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 254

بل عن الغنية و التذكرة الإجماع عليه. و هو الحجة مع ما أرسله في المنتهى من أن النبي «ص» نهى عن قتل النساء و الولدان، و كان يسترقّهم إذا سباهم.

نعم،

يعتبر في التملك تحقق صدق السبي و القهر لأصالة عدمه مع عدمهما، فلا يكفي مجرد النظر، و لا وضع اليد و لا غير ذلك مما لا يتحقق معه صدقهما. نعم، لا يعتبر استمرار القهر، فيبقى على الملك لو هرب، كالصيد الذي ما نحن فيه نحوه بعد أن أباح الشارع تملكهم بذلك. بل الظاهر عدم اعتبار نيّة التملك بعد الاستيلاء على الوجه المزبور، كما قلناه في حيازة المباح ...» «1»

5- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«و جملته أن من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب: أحدها: النساء و الصبيان، فلا يجوز قتلهم و يصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبي، لأن النبي «ص» نهى عن قتل النساء و الولدان. متفق عليه. و كان «ع» يسترقهم إذا سباهم.» «2»

و أما أخبار المسألة:

1- فعن الكليني بسند صحيح، عن معاوية بن عمّار، قال: أظنه عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا أراد أن يبعث سريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا باسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه، لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تغدروا، و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيا و لا امرأة، و لا تقطعوا شجرا إلّا أن تضطروا إليها. الحديث.» «3»

2- و في فروع الكافي بسند لا بأس به، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول اللّه «ص» إذا بعث سريّة دعا بأميرها فأجلسه إلى جنبه و أجلس أصحابه بين يديه ثم قال:

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 120.

(2)- المغني 10/ 400.

(3)- الوسائل 11/ 43، الباب 15 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2، عن الكافي 5/ 27.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 3، ص: 255

سيروا باسم اللّه و باللّه و في سبيل اللّه و على ملة رسول اللّه «ص». لا تغدروا و لا تغلوا، و لا تمثلوا، و لا تقطعوا شجرة إلّا أن تضطروا إليها، و لا تقتلوا شيخا فانيا و لا صبيا و لا امرأة. الحديث.» «1»

و رواه الشيخ أيضا في التهذيب. «2»

3- و في دعائم الإسلام: «روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع» أن رسول اللّه «ص» كان إذا بعث جيشا أو سريّة أوصى صاحبها بتقوى اللّه ... و قال:

اغزوا باسم اللّه و في سبيل اللّه ... و لا تقتلوا وليدا و لا شيخا كبيرا و لا امرأة- يعني: إذا لم يقاتلوكم-، و لا تمثلوا و لا تغلوا و لا تغدروا.» «3»

و رواه عنه في المستدرك. «4»

4- و في الوسائل بسنده، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه «ع» أن النبي «ص» قال: «اقتلوا المشركين، و استحيوا شيوخهم و صبيانهم.» «5»

5- و فيه أيضا بسنده، عن حفص بن غياث أنه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن و رفعت عنهن؟ قال: فقال: «لأن رسول اللّه «ص» نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلّا أن يقاتلن، فإن قاتلن أيضا فأمسك عنها ما أمكنك و لم تخف خللا. الحديث.» «6»

6- و فيه أيضا بسنده، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال: «ان رسول اللّه «ص» عرضهم يومئذ على العانات، فمن وجده أنبت قتله، و من لم يجده أنبت ألحقه بالذراريّ.» «7»

______________________________

(1)- الكافي 5/ 30، كتاب الجهاد، باب وصيّة رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» في السرايا، الحديث 9.

(2)- تهذيب

الأحكام 6/ 139، كتاب الجهاد، باب ما ينبغي لوالي الإمام أن يفعله ...، الحديث 3.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 369، كتاب الجهاد- ذكر الأفعال الّتي ينبغي فعلها قبل القتال.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 249، الباب 14 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(5)- الوسائل 11/ 48، الباب 18 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(6)- الوسائل 11/ 47، الباب 18 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(7)- الوسائل 11/ 112، الباب 65 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 256

7- و في دعائم الإسلام: «روينا عن جعفر بن محمد «ع» أن بني قريظة نزلوا من حصنهم على حكم سعد بن معاذ، فأمر رسول اللّه «ص» بأن يحكم سعد، فحكم بأن تقتل مقاتلتهم و تسبى ذراريّهم، فقال رسول اللّه «ص» لسعد: لقد حكمت بحكم اللّه- تعالى- من فوق سبعة أرقعة.» «1»

أقول: في المنجد:

«الرقيع: السماء عموما، أو السماء الأولى في عرف الأقدمين.» «2»

8- و في سنن البيهقي بسنده، عن ابن عمر: «أن يهود بني النضير و قريظة حاربوا رسول اللّه «ص» فأجلى رسول اللّه «ص» بني النضير، و أقرّ قريظة و منّ عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم و قسم نساءهم و أولادهم و أموالهم بين المسلمين إلّا بعضهم لحقوا برسول اللّه «ص» فأمنهم و أسلموا. الحديث.» «3»

9- و فيه أيضا بسنده، عن عامر بن سعد، عن أبيه أن سعد بن معاذ حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل من جرت عليه الموسى و أن تقسم أموالهم و ذراريّهم.

فذكر ذلك لرسول اللّه «ص» فقال: «لقد حكم اليوم فيهم بحكم اللّه الذي حكم به من فوق سبع سماوات.» «4»

10- و فيه

أيضا بسنده، عن أبي سعيد الخدري، و فيه عن سعد بن معاذ أنه قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل مقاتلتهم و تسبى ذراريّهم. قال: فقال رسول اللّه «ص»: «حكمت بحكم الملك.» و ربما قال: «حكمت بحكم اللّه.» «5»

11- و فيه أيضا بسنده عن عطية القرظي، قال: «كنت فيمن حكم فيهم

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 377، كتاب الجهاد- ذكر الحكم في الأسارى.

(2)- المنجد/ 275.

(3)- سنن البيهقي 6/ 323، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في قتل من رأى الإمام منهم.

(4)- سنن البيهقي 6/ 323، كتاب السير، باب ما يفعله بذراريّ من ظهر عليه.

(5)- سنن البيهقي 9/ 63، كتاب السير، باب ما يفعله بذراريّ من ظهر عليه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 257

سعد بن معاذ، فأمر رسول اللّه «ص» أن يقتل مقاتلتهم و تسبى ذراريّهم.» قال:

«فجاءوا بي و لا أراني إلا سيقتلونني، فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي.» «1»

12- و فيه أيضا بسنده، عن نافع أن عبد اللّه بن عمر أخبره: «أن امرأة وجدت في بعض مغازى رسول اللّه «ص» مقتولة، فانكر رسول اللّه «ص» قتل النساء و الصبيان.» «2» رواه عن البخاري و مسلم.

13- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عمر، قال: «وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي، فنهى رسول اللّه «ص» عن قتل النساء و الصبيان.» «3» رواه أيضا عنهما.

14- و فيه أيضا بسنده، عن الأسود بن سريع، قال: أتيت رسول اللّه «ص» فغزوت معه، فأصبنا ظفرا فقتل الناس يومئذ حتى قتلوا الذريّة، فبلغ ذلك رسول اللّه «ص» فقال: «ما بال أقوام جاوز بهم القتل حتى قتلوا الذريّة؟» فقال رجل:

يا رسول اللّه، إنما هي (هم

خ. ل) أبناء المشركين. قال: «ألا إن خياركم أبناء المشركين.» ثم قال: «لا تقتلوا الذريّة.» قالها ثلاثا و قال: «كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها و ينصرانها.» «4»

15- و فيه أيضا بسنده، عن ابن كعب بن مالك، عن عمه أن النبي «ص» لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء و الولدان. «5»

16- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: أخبرني الصعب بن جثامة أنه

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 63، كتاب السير، باب ما يفعله بذراريّ من ظهر عليه.

(2)- سنن البيهقي 9/ 77، كتاب السير، باب النهي عن قصد النساء و الولدان بالقتل.

(3)- سنن البيهقي 9/ 77، كتاب السير، باب النهي عن قصد النساء و الولدان بالقتل.

(4)- سنن البيهقي 9/ 77، كتاب السير، باب النهي عن قصد النساء و الولدان بالقتل.

(5)- سنن البيهقي 9/ 78، كتاب السير، باب قتل النساء و الصبيان في التبييت ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 258

سمع النبي «ص» يسأل عن أهل الدار من المشركين يبيّتون فيصاب من نسائهم و ذراريهم، فقال النبي «ص»: «هم منهم.» و زاد عمرو بن دينار عن الزهري: «هم من آبائهم.» ...

قال الشافعي: فكان سفيان يذهب إلى أن قول النبي «ص»: «هم منهم» إباحة لقتلهم و أن حديث ابن أبي الحقيق ناسخ له. قال (أبو عبد اللّه): و كان الزهري إذا حديث بحديث الصعب بن جثامة أتبعه حديث ابن كعب بن مالك. «1»

أقول: المستفاد من حديث التبييت هو أن الضرورة في الحرب إن أدّت إلى التبييت جاز الإقدام عليه و إن استلزم تلف بعض النساء و الولدان قهرا، فلا يدل على جواز التعمد

لقتلهن.

المسألة الثانية: في حكم الأسارى البالغين من الكفّار:
[الفرق بين ما إذا كانت الحرب قائمة و بين غيره]

و قد مرّ أن فقهاءنا الإمامية فرّقوا فيها بين ما إذا كانت الحرب قائمة و بين غيره:

1- قال اللّه- تعالى- في سورة الأنفال: «مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيٰا وَ اللّٰهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللّٰهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» «2»

2- و قال في سورة محمد: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا.» «3»

فظاهر الآيتين عدم جواز إبقاء من أسر قبل إثخان العدوّ.

3- و في المجمع في تفسير الآية الثانية قال:

«و اختلف في ذلك: فقيل: كان الأسر محرما بآية الأنفال ثم أبيح بهذه الآية، لأن هذه السورة نزلت بعدها. فإذا أسروا فالإمام مخيّر بين المنّ و الفداء بأسارى المسلمين و بالمال و بين القتل و الاستعباد، و هو قول الشافعي و أبي يوسف و محمد بن إسحاق.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 78، كتاب السير، باب قتل النساء و الصبيان في التبييت ...

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 67.

(3)- سورة محمد «ص» (47)، الآية 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 259

و قيل: إن الإمام مخير بين المنّ و الفداء و الاستعباد و ليس له القتل بعد الأسر، عن الحسن. و كأنه جعل في الآية تقديما و تأخيرا، تقديره فضرب الرقاب حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا، ثم قال: حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً.

و قيل: إن حكم الآية منسوخ بقوله: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ»، «1» و بقوله:

«فَإِمّٰا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ.» «2» عن قتادة و السدّي و ابن جريج.

و قال ابن عباس و الضحاك: الفداء منسوخ.

و قيل: إن حكم الآية ثابت

غير منسوخ، عن ابن عمر و الحسن و عطاء. قالوا: لأن النبي «ص» منّ على أبي عزة، و قتل عقبة بن أبي معيط، و فادى اسارى بدر.

و المروي عن أئمة الهدى «ص» أن الاسارى ضربان: ضرب يؤخذون قبل انقضاء القتال و الحرب قائمة، فهؤلاء يكون الإمام مخيرا بين أن يقتلهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و يتركهم حتى ينزفوا، و لا يجوز المنّ و لا الفداء. و الضرب الآخر الذين يؤخذون بعد أن وضعت الحرب أوزارها و انقضى القتال، فالإمام مخير فيهم بين المنّ و الفداء إما بالمال أو بالنفس و بين الاسترقاق و ضرب الرقاب. فإذا أسلموا في الحالين سقط جميع ذلك و كان حكمهم حكم المسلمين. «حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا»، أي حتى يضع أهل الحرب أسلحتهم فلا يقاتلون. و قيل: حتى لا يبقى أحد من المشركين، عن ابن عباس. و قيل: حتى لا يبقى دين غير دين الإسلام، عن مجاهد ...» «3»

أقول: حكمه بجواز ضرب الرقاب فيمن أخذ بعد انقضاء القتال مخالف لما هو المشهور بيننا، كما سيأتي.

4- و قال الشيخ في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 17):

» الأسير على ضربين: ضرب يؤسر قبل أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا، فالإمام مخير فيه

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 5.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 57.

(3)- مجمع البيان 5/ 97 (الجزء 9).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 260

بين شيئين: إما أن قتله، أو يقطع يديه و رجليه و يتركه حتى ينزف. و أسير يؤخذ بعد أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا، فهو مخير بين ثلاثة أشياء: المنّ و الاسترقاق و المفاداة.

و قال الشافعي: هو مخير بين أربعة أشياء: القتل و المنّ و

المفاداة و الاسترقاق، و لم يفصل.

و قال أبو حنيفة: هو مخير بين القتل و الاسترقاق، دون المنّ و المفاداة.

و قال أبو يوسف و محمد: هو مخير بين القتل و الاسترقاق و المفاداة على الرجال دون الأموال. و أجمعوا كلهم على أن المفاداة على الأموال لا تجوز، أعني أهل العراق.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و قد ذكرناها في الكتاب الكبير. و يدل على جواز المنّ قوله- تعالى-: «فَضَرْبَ الرِّقٰابِ حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ، فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا.» و من ادعى نسخ هذه الآية فعليه الدلالة.

و روى الزهري، عن جبير بن مطعم، عن أبيه (محمد بن جبير، عن أبيه- البخاري)، عن النبي «ص» قال في اسارى بدر: «لو كان مطعم بن عدي حيّا و كلّمني في هؤلاء السبي لأطلقتهم.» و في هؤلاء النتنى لتركتهم له- البخاري.) فأخبر أنه لو كان مطعم حيّا لمنّ عليهم، لأنه كان له عنده يد لو سأله في أمرهم فأطلقهم.

فدلّ على جواز المنّ.

و روى أبو هريرة: أن النبي «ص» بعث سرية قبل نجد، فأسروا رجلا يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد يمامة فأتوا به و شدّوه إلى سارية من سواري المسجد، فمرّ به النبي «ص» فقال: ما عندك؟ يا ثمامة! فقال: خير، إن قتلت قتلت ذا رحم (ذا دم خ. ل) و إن مننت مننت (و إن أنعمت أنعمت خ. ل) على شاكر، و إن أردت مالا فاسأل تعط ما شئت. فتركه و لم يقل شيئا. فمرّ به اليوم الثاني فقال له مثل ذلك، فمرّ به اليوم الثالث فقال له مثل ذلك و لم يقل النبيّ «ص» شيئا، ثم قال:

أطلقوا ثمامة. فأطلقوه فمرّ و اغتسل

و جاء فأسلم، و كتب إلى قومه فجاءوا مسلمين.

و هذا نص في جواز المنّ، لأنه أطلقه من غير شي ء.

و روي أن أبا عزة الجهني (الجمحي خ. ل) وقع في الأسر يوم بدر، فقال: يا محمد،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 261

إني ذو عيلة فامنن علي، فمنّ عليه على أن لا يعود إلى القتال. فمرّ إلى مكة فقال:

إني سخرت بمحمد. و عاد إلى القتال يوم أحد، فدعا رسول اللّه «ص» أن لا يفلت، فوقع في الأسر، فقال: إني ذو عيلة فامنن علي، فقال النبي «ص»: أمنّ عليك حتى ترجع إلى مكة فتقول في نادي قريش: إني سخرت بمحمد مرتين؟ لا يلسع المؤمن من جحر مرتين، فقتله «ص» بيده. و هذا نص في جواز المنّ.

و أما الدليل على جواز المفاداة بالرجال ما رواه أبو قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن الحصين: أن النبي «ص» فادى رجلا برجلين.

و أما الدليل على جواز المفاداة بالمال ما فعله النبي «ص» يوم بدر؛ فإنه فادى جماعة من كفار قريش بمال. و القصة مشهورة. قيل: إنه فادى كل رجل بأربعمائة، و قال ابن عباس بأربعة آلاف، و فيهم نزل قوله- تعالى-: «مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ- إلى قوله- عَذٰابٌ عَظِيمٌ.» و روي أن أبا العاص زوج زينب بنت رسول اللّه «ص» كان ممن وقع في الأسر، و كانت هي بمكة فأنفذت مالا له لتفكّه من الأسر، و كانت فيه قلادة كانت لخديجة أدخلت بها زينب على أبي العاص، فلما رآها رسول اللّه «ص» عرفها، فرق لها رقة شديدة، فقال: لو خليتم أسيرها و رددتم مالها. قالوا: نعم: ففعلوا ذلك. و

هذا نصّ، لأنهم فادوه بالمال ثم منّوا عليه بردّ المال عليه.» «1»

أقول: راجع للروايات التي ذكرها الشيخ في هذه المسألة سنن البيهقي. «2»

5- و في صحيح البخاري بسنده، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه أن النبي «ص» قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيّا ثم كلّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له.» «3»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 332.

(2)- سنن البيهقي 6/ 319 و ما بعدها، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في منّ الإمام ...، و باب ما جاء في مفاداة رجال منهم بالمال.

(3)- صحيح البخاري 2/ 196، كتاب الجهاد، باب ما منّ النبيّ «ص» على الأسارى من غير أن يخمس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 262

6- و في نهاية الشيخ:

«و الأسارى على ضربين: ضرب منهم هو كل أسير أخذ قبل أن تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا و ينقضي القتال، فإنه لا يجوز للإمام استبقاؤهم، و يكون مخيرا بين أن يضرب رقابهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم و يتركهم حتى ينزفوا و يموتوا. و الضرب الآخر هو كل أسير أخذ بعد أن وضع الحرب أوزارها، فإنه يكون الإمام فيه مخيرا: إن شاء منّ عليه فأطلقه، و إن شاء استعبده، و إن شاء فاداه.» «1»

7- و في المبسوط بعد العبارة التي حكيناها عنه في المسألة السابقة قال:

«و أما من لم يشكل أمر بلوغه فإن كان أسر قبل تقضي القتال فالإمام فيه بالخيار بين القتل و قطع الأيدي و الأرجل و يتركهم حتى ينزفوا، إلّا أن يسلموا فيسقط ذلك عنهم.

و إن كان الأسر بعد انقضاء الحرب كان الإمام مخيرا بين الفداء و المنّ و الاسترقاق، و ليس له قتلهم، أيّ

هذه الثلاثة رأى صلاحا و حظّا للمسلمين فعله.

و إن أسلموا لم يسقط عنهم هذه الأحكام الثلاثة، و إنما يسقط عنهم القتل لا غير. و قد قيل: إنه إن أسلم سقط عنه الاسترقاق، لأن عقيلا أسلم بعد الأسر ففاداه النبي «ص» و لم يسرقه ...

و إن أسر الرجل بالغ فإن كان من أهل الكتاب أو ممن له شبهة كتاب فالإمام مخير فيه على ما مضى بين الثلاثة أشياء، و إن كان من عبدة الأوثان فإن الإمام مخير فيه بين المفاداة و المنّ، و سقط الاسترقاق. لأنّه لا يقرّ على دينه بالجزية كالمرتدّ.» «2»

أقول: التفصيل الأخير لم يكن في الخلاف و النهاية، و لا دليل عليه أيضا. و عدم الجزية لا يستلزم عدم الاسترقاق، كما ترى انفكاكهما في النساء و الولدان.

8- و في الشرائع:

«و الذكور البالغون يتعين عليهم القتل إن كانت الحرب قائمة ما لم يسلوا، و الإمام

______________________________

(1)- النهاية/ 296.

(2)- المبسوط 2/ 20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 263

مخير: إن شاء ضرب أعناقهم، و إن شاء قطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و تركهم ينزفون حتى يموتوا. و إن أسروا بعد تقضي الحرب لم يقتلوا و كان الإمام مخيرا بين المنّ و الفداء و الاسترقاق، و لو أسلموا بعد الأسر لم يسقط عنهم هذا الحكم.» «1»

و بالجملة، لا خلاف بيننا في القسم الأولى في تعين القتل و حرمة الإبقاء.

و يساعده الاعتبار العقلي أيضا، لبقاء خطر انضوائه إلى جيش الكفار.

و في القسم الثاني أمره مفوض إلى الإمام، فيختار المنّ أو الفداء أو الاسترقاق حسب ما يراه صلاحا. و في المنتهى و التذكرة «2» نسب هذا إلى علمائنا أجمع. و المشهور بيننا عدم

جواز القتل في هذه الصورة و أفتى بعض أصحابنا بجوازه أيضا، كما أفتى به الشافعي و سيأتي. و صريح الكتاب العزيز يدلّ على جواز المنّ و الفداء، و لا دليل على نسخه و إن قيل. و إطلاق الفداء يعمّ الفداء بالمال و بالرجال، و يدلّ عليهما أيضا عمل النبي «ص» كما مرّ عن الخلاف. و لم يذكر الشيخ في الخلاف دليلا للاسترقاق.

و يدل على حكم المسألة

مضافا إلى ما مرّ:

1- ما رواه في الكافي، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: كان أبي «ع» يقول:

«إن للحرب حكمين: إذا كانت الحرب قائمة لم تضع أوزارها و لم يثخن أهلها فكل أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار: إن شاء ضرب عنقه، و إن شاء قطع يده و رجله من خلاف بغير حسم و تركه يتشحّط في دمه حتى يموت. و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-: «إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلٰافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ.» «3»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 317 (ط. أخرى/ 242).

(2)- راجع المنتهى 2/ 927؛ و التذكرة 1/ 424.

(3)- سورة المائدة (5)، الآية 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 264

ألا ترى أن المخير الذي خير اللّه الإمام على شي ء واحد و هو الكفر، و ليس هو على أشياء مختلفة. فقلت لأبي عبد اللّه «ع»: قول اللّه- عزّ و جلّ-: أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ؟ قال: ذلك الطلب؛ أن

تطلبه الخيل حتى يهرب، فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام التي وصفت لك.

و الحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها و أثخن أهلها، فكل أسير أخذ في تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار: إن شاء منّ عليهم فأرسلهم، و إن شاء فاداهم أنفسهم، و إن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا.»

و روى الشيخ أيضا بإسناده، عن طلحة بن زيد، عنه «ع» نحوه. «1»

و السند إلى طلحة صحيح، و طلحة و إن كان بتريا و لكن عمل برواياته الأصحاب، و قال الشيخ إن كتابه معتمد. «2»

و الحسم: الكيّ بعد قطع العرق لئلا يسيل دمه.

و قوله: «و هو الكفر»، قال في حاشية الكافي المطبوع:

«المراد بالكفر هاهنا: الإهلاك بحيث لا يرى أثره. قال في الصحاح: الكفر- بالفتح-: التغطية. و كفرت الشي ء- بالفتح- كفرا: إذا سترته. و روى الشيخ هذا الخبر بإسناده في التهذيب. و فيه مكان الكفر الكلّ باللام المشددة، و هو كما في القاموس: السيف.» «3»

و كيف كان فالحديث دليل على المسألة بشقّيها. و لا يضرّ بالاستدلال به عدم وضوح المراد بهذه الكلمة، كما لا يضر به الاستشهاد بآية المحاربة الشاملة بإطلاقها للمحارب المسلم و المشتملة على غير القتل أيضا على الظاهر.

2- و في الوسائل بإسناده، عن الزهري، عن علي بن الحسين «ع» في حديث قال: «إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله و لا تقتله، فإنك لا تدري

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 53، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1، عن الكافي 5/ 32، و التهذيب 6/ 143.

(2)- راجع الفهرست/ 86 (ط. أخرى/ 112).

(3)- الكافي 5/ 32، كتاب الجهاد.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 265

ما

حكم الإمام فيه.» و قال: «الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئا.» «1»

ففي صدر الرواية إشعار بجواز القتل أيضا و لكن بحكم الإمام. و في الذيل دلالة على جواز الاسترقاق.

3- و روى البيهقي بسنده، عن ابن عباس في قوله: «مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ»: «و ذلك يوم بدر، و المسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا و اشتد سلطانهم أنزل اللّه- تعالى- هذا في الأسارى: «فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً». فجعل اللّه النبي و المؤمنين بالخيار في أمر الأسارى: إن شاءوا قتلوهم، و إن شاءوا استعبدوهم، و إن شاءوا فادوهم.» «2»

بل لعل الاسترقاق هو الأصل في الأسير عند العرف و المتشرعة، و غيره من القتل أو المنّ أو الفداء يحتاج إلى دليل.

بل ربما ورد في بعض الأخبار جواز إجراء حكم الرقّ على ما سباه و سرقه بعض الظلمة من أولاد أهل الحرب، معللا بأنهم أخرجوهم بذلك من الشرك إلى دار الإسلام، يعني أنهم ينهضمون بالطبع في المجتمعات الإسلامية و يكتسبون جنسية إسلامية:

ففي صحيحة رفاعة النخّاس، قال: قلت لأبي الحسن «ع»: إن الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري و الغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم و نحن نعلم أنهم قد سرقوا و إنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال: «لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الإسلام.» «3»

أقول: في حاشية الكافي:

«الصقالبة- بالصاد و السين- جيل من الناس حمر الألوان كانوا بين بلغر و قسطنطنية.»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 53، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- سنن البيهقي 6/ 324، كتاب قسم الفي ء

و الغنيمة، باب ما جاء في استعباد الأسير.

(3)- الكافي 5/ 210، كتاب المعيشة، باب شراء العقيق، الحديث 9؛ و في الوسائل 13/ 27.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 266

و ليس في الصحيحة إمضاء لسرقتهم و إخصائهم للغلمان، بل إمضاء للشراء منهم فقط، فتأمّل.

و في خبر اللحّام، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها (أمة خ. ل). قال: «لا بأس.» و في خبر آخر له قال:

سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها؟

قال: فقال: «لا بأس.» «1»

أقول: شراء المرأة يوجب التحاقها بدار الإسلام و اكتسابها بالتدريج جنسية إسلامية، و المفروض أن أباها أو زوجها قد أقدم على بيعها فجاز إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، و أهل الشرك لا حرمة لهم أصلا، و لأجل ذلك لم يجز ذلك في أهل الذمة كما في خبر زكريا بن آدم، قال: و سألته (الرضا «ع») عن أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه رجل بولده فقال: هذا لك أطعمه و هو لك عبد، فقال «ع»: «لا تبتع حرّا، فإنه لا يصلح لك و لا من أهل الذمّة.» «2»

و كيف كان فأصحابنا الإمامية فصّلوا في الأسير البالغ بين من أسر قبل إثخان العدوّ، و من أسر بعده، فيتعيّن في الأول القتل أو تقطيع اليد و الرجل حتى يموت إلّا أن يسلم، و في الثاني يتخير الإمام بين ثلاث خصال أو أربع. و لا نرى لهذا التفصيل أثرا في كلمات فقهاء السنة، مع أن الآيتين الشريفتين ربما تشعران بذلك كما مرّ.

و قد مرّ عن الخلاف و المجمع ذكر أقوالهم، فلنذكر هنا كلام ابن قدّامة

الحنبلي أيضا و الماوردي تتميما للفائدة:

قال في المغني:

«و جملته أن من أسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب:

______________________________

(1)- الوسائل 13/ 28، الباب 3 من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة، الحديث 2 و 3.

(2)- الوسائل 13/ 28، الباب 3 من أبواب بيع الحيوان، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 267

أحدها: النساء و الصبيان. فلا يجوز قتلهم، و يصيرون رقيقا للمسلمين بنفس السبي، لأن النبي «ص» نهى عن قتل النساء و الولدان. متفق عليه. و كان «ع» يسترقهم إذا سباهم.

الثاني: الرجال من أهل الكتاب و المجوس الذين يقرّون بالجزية. فيخيّر الإمام فيهم بين أربعة أشياء: القتل و المنّ بغير عوض و المفاداة بهم و استرقاقهم.

الثالث: الرجال من عبدة الأوثان و غيرهم ممن لا يقرّ بالجزية. فيتخير الإمام فيهم بين ثلاثة أشياء: القتل أو المنّ و المفاداة، و لا يجوز استرقاقهم. و عن أحمد جواز استرقاقهم، و هو مذهب الشافعي. و بما ذكرنا في أهل الكتاب قال الأوزاعي و الشافعي و أبو ثور. و عن مالك كمذهبنا. و عنه: لا يجوز المنّ بغير عوض لأنه لا مصلحة فيه، و إنما يجوز للإمام فعل ما فيه المصلحة.

و حكي عن الحسن و عطاء و سعيد بن جبير كراهة قتل الأسرى و قالوا لو منّ عليه أو فاداه. كما صنع بأسارى بدر. و لأن اللّه- تعالى- قال: «فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً»، فخير بين هذين بعد الأسر لا غير.

و قال أصحاب الرأي: إن شاء ضرب أعناقهم، و إن شاء استرقّهم لا غير، و لا يجوز منّ و لا فداء لأن اللّه- تعالى- قال: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» بعد قوله:

«فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ

وَ إِمّٰا فِدٰاءً.» و كان عمر بن عبد العزيز و عياض بن عقبة يقتلان الأسارى.

و لنا على جواز المنّ و الفداء قول اللّه- تعالى-: «فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً»، و أن النبي «ص» منّ على ثمامة بن أثال و أبي عزة الشاعر و أبي العاص بن الربيع، و قال في أسارى بدر: «لو كان مطعم بن عدي حيّا ثم سألني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له.»

وفادى أسارى بدر و كانوا ثلاثة و سبعين رجلا كلّ رجل منهم بأربعمائة، وفادى يوم بدر رجلا برجلين و صاحب العضباء برجلين.

و أما القتل فلأن النبي «ص» قتل رجال بني قريظة و هم بين الستمائة و السبعمائة، و قتل يوم بدر النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط صبرا، و قتل أبا عزة يوم أحد.

و هذه قصص عمّت و اشتهرت و فعلها النبي «ص» مرات و هو دليل على جوازها،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 268

و لأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى ...» «1»

و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«فأما الأسرى فهم الرجال المقاتلون من الكفّار إذا ظفر المسلمون بأسرهم أحياء، فقد اختلف الفقهاء في حكمهم:

فذهب الشافعي إلى أن الإمام أو من استنابه الإمام عليهم في أمر الجهاد مخير فيهم إذا أقاموا على كفرهم في الأصلح من أحد أربعة أشياء: إما القتل، و إما الاسترقاق، و إما الفداء بمال أو أسرى، و إما المنّ عليهم بغير فداء. فإن أسلموا سقط القتل عنهم و كان على خياره في أحد الثلاثة.

و قال مالك: يكون مخيرا بين ثلاثة أشياء: القتل أو الاسترقاق أو المفاداة بالرجال دون المال، و ليس له المنّ.

و قال

أبو حنيفة: يكون مخيرا بين شيئين: القتل أو الاسترقاق، و ليس له المنّ و لا المفاداة بالمال ...» «2»

______________________________

(1)- المغني 10/ 400.

(2)- الأحكام السلطانية/ 131.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 269

و هاهنا أمور ينبغي التعرض لها إجمالا:
الأول: [حكم تعيين قتل الأسارى مختص بما إذا كان في إبقائهم محذور و خطر]

يمكن أن يقال: إن الحكم بتعين قتل الأسارى و الحرب قائمة مختص بما إذا كان في إبقائهم محذور و خطر تجمع و هجمة، كما كان الأمر كذلك في غزوات صدر الإسلام، حيث إن الإمكانيات كانت محدودة جدّا فكان يعسر عليهم حفظ الأسارى و الحرب قائمة، ففي كل وقت و ظرف كان الأمر كذلك تعين قتلهم لا محالة حذرا من الخطر المحتمل.

و يمكن أن يستفاد ذلك من قوله- تعالى-: «حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ»، و قوله: «حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ»، حيث يظهر منهما أن الغرض إثخان العدوّ و إضعافه بحيث لا يقوى على التعرض و الهجمة.

فإذا فرض أن كان المسلمون أقوياء و كثرت إمكانياتهم لنقل الأسارى و حفظهم و لم يكن في قتلهم تقوية للمسلمين و إضعاف لعدوّهم فالآيات و الأخبار ربما تنصرف عنه فجاز إبقاؤهم بل ربما كان كثرة الأسارى موجبة لتسليم العدوّ و خضوعه و انعطافه.

و قد أشار إلى هذه النكتة الجصاص في أحكام القرآن، فقال في تفسير سورة محمد:

«إن اللّه- تعالى- أمر نبيّه «ص» بالإثخان بالقتل و حظر عليه الأسر إلّا بعد إذلال المشركين و قمعهم، و كان ذلك في وقت قلة عدد المسلمين و كثرة عدد عدوهم من المشركين، فمتى أثخن المشركون و أذلّوا بالقتل و التشريد جاز الاستبقاء، فالواجب أن يكون هذا حكما ثابتا إذا وجد مثل الحال التي كان عليها المسلمون في أول الإسلام.» «1»

______________________________

(1)- أحكام القرآن 3/ 481.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية،

ج 3، ص: 270

و في تفسير المنار في تفسير آية الأنفال:

«فإذا التقى الجيشان فالواجب علينا بذل الجهد في قتل الأعداء دون أخذهم أسرى، لئلا يفضي ذلك إلى ضعفنا و رجحانهم علينا، إذا كان هذا القتل قبل أن نثخن في الأرض بالعزة و القوة التي ترهب أعداءنا، حتى إذا أثخناهم في المعركة جرحا و قتلا و تمّ لنا الرجحان عليهم فعلا، رجحنا الأسر المعبر عنه بشد الوثاق، لأنه يكون حينئذ من الرحمة الاختيارية و جعل الحرب ضرورة تقدر بقدرها، لا ضراوة بسفك الدماء و لا تلذذا بالقهر و الانتقام.» «1»

و قد مرّ خبر البيهقي بسنده، عن ابن عباس في قوله- تعالى-: «مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ حَتّٰى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ»، قال: «و ذلك يوم بدر و المسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا و اشتد سلطانهم أنزل اللّه- تعالى- هذا في الأسارى: «فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً»، فجعل اللّه النبي و المؤمنين بالخيار في أمر الأسارى إن شاءوا قتلوهم، و إن شاءوا استعبدوهم، و إن شاءوا فادوهم.» «2»

الثاني: [رواية طلحة تدلّ على تخيير الإمام]

قد أشرنا إلى أن المشهور بيننا في من أسر بعد إثخان العدوّ و تقضي القتال هو تخيير الإمام بين المنّ و الفداء و الاسترقاق. و يدل على ذلك رواية طلحة.

و صرح الأكثر بعدم جواز قتلهم حينئذ، و ادعى في مجمع البرهان عدم الخلاف فيه، بل ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه.

و لكن صرح بعض أصحابنا بجواز القتل أيضا، كما أفتى به الشافعي، فيقع التخيير في أمور أربعة:

قال الشيخ في تفسير سورة محمد من التبيان:

«و الذي رواه أصحابنا أن الأسير إن أخذ قبل انقضاء الحرب ...

و إن كان أخذ بعد وضع الحرب أوزارها و انقضاء الحرب و القتال

كان مخيرا بين المنّ و المفاداة إما بالمال أو النفس، و بين الاسترقاق و ضرب الرقاب. فإن أسلموا

______________________________

(1)- المنار 10/ 84.

(2)- سنن البيهقي 6/ 324، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في استعباد الأسير.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 271

في الحالين سقط جميع ذلك، و صار حكمه حكم المسلم.» «1»

و قد مر نحو ذلك عن المجمع أيضا و نسبه إلى المرويّ عن أئمة الهدى «ع» فراجع «2».

و قال القاضي ابن البراج في المهذب:

«إن شاء قتلهم، و إن شاء فاداهم، و إن شاء من عليهم، و إن شاء استرقهم.» «3»

فجوز هؤلاء الأعاظم من أصحابنا القتل أيضا.

نعم، يمكن أن ينسب كلام الشيخ و الطبرسي- قدّس أسرارهما- إلى سهو القلم، إذ لم نعثر على رواية عن أئمتنا «ع» تشتمل على التخيير بين أربع خصال، و الشيخ قد أفتى في كتبه الثلاثة الفتوائية كما مر بالتخيير بين ثلاث خصال، لا أربع.

و كيف كان فيمكن أن يقال: إن الكافر المعاند الذي صفّ في قبال الإسلام و أهدر اللّه دمه بقوله: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ» و غيره من الآيات كيف صار محقون الدم محرم القتل بمجرد الأسر، مع أنه لم يسلم بعد و لم يتب، بل يكون باقيا على كفره و عناده؟! و غلبة المسلمين في هذه الغزوة الخاصة لا توجب رفع خطر هجمته في المآل مع بقائه على ما كان من الكفر و العناد، بل لعلّه بالأسر و القهر ازداد عنادا و حقدا.

و أما قوله: «فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً»، فلعلّ المقصود منه بيان عدم تعين ضرب الرقاب حتى بعد الإثخان. و قد ذكر المنّ و الفداء من جهة شدة توهم

الحظر بالنسبة إليهما. فسوق الكلام لرفع الحظر المتوهم، فلا ظهور له في تعينهما و نفي ضرب الرقاب بالكلية، كما لا ينفى الاسترقاق أيضا.

و لعلّ الإمام يرى الشخص الأسير ذا قوة و حزم و حقد للإسلام و المسلمين

______________________________

(1)- تفسير التبيان 2/ 592.

(2)- مجمع البيان 5/ 97 (الجزء 9).

(3)- المهذّب 1/ 316.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 272

و يشاهد فيه روح التجري و الإفساد، بحيث لا ينهضم في مجتمع المسلمين، و مثله لا يصلح لأن يبقى فيهم.

و خبر طلحة و إن كان ظاهرا في التخيير بين ثلاث خصال لا أربع، و لكنه ليس بصريح في نفي القتل بحيث يعارض ما يأتي من الشواهد على جواز القتل أيضا، بل يمكن أن يحمل أيضا على رفع الحظر المتوهم حيث حكم بتعين القتل في القسم الأول.

و قد قتل رسول اللّه «ص» يوم بدر عقبة بن أبي معيط و النضر بن الحارث، و الظاهر أنه كان بعد تقضي القتال.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لم يقتل رسول اللّه «ص» صبرا قط غير رجل واحد: عقبة بن أبي معيط. و طعن أبيّ بن أبي خلف فمات بعد ذلك.» «1»

و قتل أبا عزة الجمحي بعد ما أسر مرة ثانية في احد. «2»

و أصحابنا لم يفرّقوا بين الأسر الأول و الثاني، و هكذا في خبر طلحة.

و لما حاصر رسول اللّه «ص» بني قريظة رضوا بأن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ و بذلك تم القتال و أثخن العدوّ، فحكم سعد بأن يقتل مقاتلتهم و تقسم أموالهم و ذراريّهم، فقال رسول اللّه «ص» في حقه: «لقد حكم اليوم فيهم بحكم اللّه الذي حكم به من

فوق سبع سماوات.» «3» و لعلّه دلّ على هذه القصة خبر أبي البختري أيضا، كما مرّ. «4» و استفاض نقل هذه القصة، و قد قتل في هذه الواقعة ستمائة أو سبعمائة من اليهود على ما روي.

و في التذكرة قال في مسألة التحكيم:

«فإن حكم بقتل الرجال و سبي النساء و الذرية و غنيمة المال نفذ إجماعا، كقضية سعد.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 113، الباب 66 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- راجع سنن البيهقي 6/ 320، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في منّ الإمام ...

(3)- سنن البيهقي 9/ 63، كتاب السير، باب ما يفعله بذراريّ من ظهر عليه.

(4)- الوسائل 11/ 112، الباب 65 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(5)- التذكرة 1/ 418.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 273

فنقول: كيف يجوز للحكم قتلهم و لا يجوز للإمام الأبصر بالأشخاص و المصالح ذلك؟! و المحقون لا يصير مهدورا باختيار نفسه، اللّهم إلّا أن يقال: إنهم حيث عاهدوا النبي «ص» ثم غدروا به كان هذا جزاء غدرهم، فتدبّر. هذا.

و لكن بعد ذلك كله يشكل مخالفة المشهور، اللّهم إلّا أن ينطبق عنوان آخر مجوز للقتل، و الاحتياط حسن على كل حال، و لا سيما في الدماء و الفروج و الأموال.

الثالث: [التخيير بين الخصال يختص بالأسارى من أهل الكتاب]

قد يقال: إن التخيير بين الخصال الثلاث أو الأربع يختص بالأسارى من أهل الكتاب، و أما غيرهم من المشركين و الوثنيين و غيرهما ممن لا يقرّ بالجزية فلا يجوز استرقاقهم، و قد مرّ هذا التفصيل في كلام ابن قدامة. و مرّ عن المبسوط أيضا قوله:

«و إن أسر رجل بالغ فإن كان من أهل الكتاب أو ممن له شبهة كتاب فالإمام مخير فيه على

ما مضى بين الثلاثة أشياء، و إن كان من عبدة الأوثان فإن الإمام مخير فيه بين المفاداة و المنّ، و سقط الاسترقاق لأنه لا يقرّ على دينه بالجزية كالمرتد.» «1»

و في المختلف بعد نقل هذا الكلام من المبسوط قال: «و هو حق.» «2» و أفتى بالتفصيل ابن حمزة في الوسيلة أيضا «3»، و لكن الشيخ في النهاية و الخلاف و كذا المحقق في الشرائع لم يفصلا بين أهل الذمة و غيرهم، كما مرّ. «4»

و في التذكرة:

«و هذا التخيير ثابت في كلّ أصناف الكفّار، سواء كانوا ممن يقرّ على دينه بالجزية كأهل الكتاب أو لا كأهل الحرب، و به قال الشافعي، لأن الحربي كافر أصلي فجاز استرقاقه كالكتابي، و لأن حديث الصادق «ع» عام في كل أسير.» ثم نقل

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 20.

(2)- المختلف 1/ 331، كتاب الجهاد.

(3)- الوسيلة/ 202؛ و في الجوامع الفقهية/ 732 (ط. أخرى/ 696).

(4)- راجع ص 259 و ما بعدها من هذا الجزء من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 274

كلام المبسوط ثم قال: «و به قال أبو سعيد الإصطخري. و عن أحمد روايتان، و قال أبو حنيفة: يجوز في العجم دون العرب، و هو قول الشافعي في القديم.

و احتج الشيخ «ره» بأنه لا يجوز له إقرارهم بالجزية فلا يجوز له إقرارهم بالاسترقاق، و نمنع الملازمة و تبطل بالنساء و الصبيان فإنهم يسترقون و لا يقرّون بالجزية.» «1»

و نحو ذلك في المنتهى أيضا. «2»

أقول: و مراد العلامة بحديث الصادق ما مرّ من خبر طلحة، عنه «ع». و الأقوى عدم الفرق بين أهل الكتاب و غيرهم في جواز الاسترقاق أيضا، لإطلاق الأخبار و أكثر الفتاوى، فتدبّر.

الرابع: هل التخيير في المقام تخيير شهوة أو مصلحة؟

قد مرّ

عن المبسوط قوله:

«أيّ هذه الثلاثة رأى صلاحا و حظّا للمسلمين فعله.» «3»

و في التذكرة:

«و هذا التخيير تخيير مصلحة و اجتهاد لا تخيير شهوة، فمتى رأى الإمام المصلحة في خصلة من هذه الخصال تعينت عليه و لم يجز العدول عنه. و لو تساوت المصالح تخير تخيير شهوة. و قال مالك: القتل أولى.» «4» و نحو ذلك في المنتهى أيضا. «5»

و في التذكرة أيضا في مقام التعليل للخصال الأربع قال:

«و لأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح من غيرها في بعض الأسرى:

فإن ذا القوة و النكاية في المسلمين قتله أنفع و بقاؤه أضرّ، و الضعيف ذا المال لا قدرة له على الحرب ففداؤه أصلح للمسلمين، و منهم من هو حسن الرأي في

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 424.

(2)- المنتهى 2/ 927.

(3)- المبسوط 2/ 20.

(4)- التذكرة 1/ 424.

(5)- المنتهى 2/ 928.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 275

الإسلام و يرجى إسلامه فالمنّ عليه أولى، أو يرجى بالمنّ عليه المنّ على الأسارى من المسلمين، أو يحصل بخدمته نفع يؤمن ضرره كالصبيان و النساء فاسترقاقه أولى. و الإمام أعرف بهذه المصالح فكان النظر إليه في ذلك كله.» «1»

و نحوه في المنتهى أيضا. «2»

و العلامة في هذين الكتابين أفتى بالتخيير بين الخصال الثلاث و صرح بعدم جواز القتل بل ادعى عليه إجماع علمائنا، فتعرضه في مقام التعليل للقتل أيضا لا بدّ أن يحمل على سهو القلم، أو يراد به قتل من أسر قبل تقضي الحرب أو ذكره على وجه المماشاة.

و في المغني لابن قدامة قال:

«و لأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى، فإن منهم من له قوة و نكاية في المسلمين و

بقاؤه ضرر عليهم فقتله أصلح، و منهم الضعيف الذي له مال كثير ففداؤه أصلح، و منهم حسن الرأي في المسلمين يرجى إسلامه بالمنّ عليه أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم و الدفع عنهم فالمنّ عليه أصلح، و منهم من ينتفع بخدمته و يؤمن شره فاسترقاقه أصلح كالنساء و الصبيان. و الإمام أعلم بالمصلحة فينبغي أن يفوض ذلك إليه.» «3»

فيستفاد من هذه الكلمات أن التخيير عندهم تخيير مصلحة.

و لكن الشيخ في الخلاف و النهاية و كذا المحقق في الشرائع أطلقا التخيير، كما مرّ. و رواية طلحة أيضا مطلقة من هذه الجهة.

اللّهم إلّا أن يقال: إن تخيير الإمام بما هو إمام المسلمين و وليّهم بما اعتبر فيه الإسلام من العصمة أو العدالة ينصرف لا محالة إلى تخيير مصلحتهم، فإنه مقتضى ولاية الأمر، مضافا إلى كونه مطابقا للاحتياط، فتدبّر.

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 424.

(2)- المنتهى 2/ 927.

(3)- المغني 10/ 401.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 276

الخامس: قال في الجواهر:

«و مع اختيار الاسترقاق أو المال فداء فلا ريب في أنه من الغنيمة التي يتعلق بها حق الغانمين، كما صرح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم.

و لا ينافيه تخيير الإمام «ع» بين ما يكون غنيمة و غيره بعد أن كانوا هم الذين أسروه و قهروه. و أقصى تخيير الإمام أن له المنّ عليه باعتبار كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم. فمع فرض اختياره المالية بالاسترقاق أو الفداء تعلق به حق الغانمين كأولياء القصاص إذا اختاروا الدية، فإنه يتعلق بها حق الدين و غيره.» «1»

أقول: قد مرّ في أوائل بحث الغنائم أنه لا يتعين فيها التقسيم، بل للإمام أن ينفلها أو يهبها إذا رأى ذلك صلاحا، و له أيضا أن يسد بها

النوائب و إن استوعبت جميعها، فلم لا يجري ذلك في الفداء و المسترق أيضا؟

السادس: قد مرّ عن المبسوط قوله:

«و إن أسلموا لم يسقط عنهم هذه الأحكام الثلاثة، و إنما يسقط عنهم القتل لا غير.

و قد قيل: إنه إن أسلم سقط عنه الاسترقاق، لأن عقيلا أسلم بعد الأسر ففاداه النبي «ص» و لم يسترقه.» «2»

و مر عن الشرائع قوله: «و لو أسلموا بعد الأسر لم يسقط عنهم هذا الحكم.» «3» يعني الحكم بالخصال الثلاث.

و في المغني:

«و إن أسلم الأسير صار رقيقا في الحال و زال التخيير و صار حكمه حكم النساء، و به قال الشافعي في أحد قوليه، و في الآخر: يسقط القتل و يتخير بين الخصال

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 127.

(2)- المبسوط 2/ 20.

(3)- الشرائع 1/ 318 (ط. أخرى/ 242).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 277

الثلاث، لما روي أن أصحاب رسول اللّه «ص» أسروا رجلا من بني عقيل فمر به النبي «ص»، فقال: يا محمد، علام أخذت و أخذت سابقة الحاج؟ فقال: أخذت بجريرة حلفائك من ثقيف، فقد أسرت رجلين من أصحابي. فمضى النبي «ص» فناداه يا محمد، يا محمد، فقال له: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، فقال: «لو قلتها و أنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح.» و فادى به النبي «ص» الرجلين. رواه مسلم و لأنه سقط القتل بإسلامه، فبقي باقي الخصال على ما كانت عليه.» «1»

و في المنتهى:

«إذا أسلم الأسير بعد الأسر سقط عنه القتل إجماعا، سواء أخذ قبل تقضي الحرب أو بعده. و لا نعلم فيه خلافا، لقوله «ص»: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:

لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلّا بحقها.»

و روى الشيخ، عن عيسى

بن يونس، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن علي بن الحسين «ع»، قال: الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئا.» «2»

ثم تعرض لأقوال فقهاء السنة و ذكر قصة الرجل من بني عقيل على ما مرّت من المغني. «3»

و الحديث الذي رواه عن النبي «ص» رواه البيهقي بإسناده، عن البخاري و مسلم، بإسنادهما عن أبي هريرة، عنه «ص» بتفاوت ما، فراجع. «4» و قصة الرجل من بني عقيل رواها البيهقي عن مسلم. «5»

و في التذكرة: «لو أسلم الأسير بعد الأسر سقط عنه القتل إجماعا.» ثم ذكر نحو ما في المنتهى. «6»

______________________________

(1)- المغني 10/ 402.

(2)- الوسائل 11/ 53، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(3)- راجع المنتهى 2/ 928.

(4)- سنن البيهقي 9/ 182، كتاب الجزية، باب من لا تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان.

(5)- راجع سنن البيهقي 6/ 320، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب ما جاء في مفاداة الرجال منهم بمن أسرمنا؛ و 9/ 72، كتاب السير، باب جريان الرّق على الأسير و إن أسلم ...

(6)- راجع التذكرة 1/ 424.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 278

أقول: لا إشكال و لا خلاف في عدم جواز قتله بعد إسلامه، لوضوح حقن الدم بالإسلام، و لما في المنتهى و التذكرة من الإجماع و الحديثين، و لا فرق في ذلك بين من أسر قبل تقضي الحرب أو بعده.

و أما غير القتل من الخصال فنقول: إن كان الأسر بعد تقضي الحرب فالظاهر بقاء التخيير بين الخصال الثلاث، و به أفتى في المبسوط و الشرائع، كما مرّ.

و في الجواهر قال:

«بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل و لا إشكال للأصل و الإطلاق.» «1»

و مراده بالأصل

استصحاب حكمه قبل إسلامه، و بالإطلاق إطلاق خبر طلحة، و كذا خبر الزهري بالنسبة إلى الاسترقاق.

و ما مرّ من المبسوط من أن النبي «ص» فادى عقيلا و لم يسترقه لا يدل على عدم جواز الاسترقاق، إذ لعله «ص» اختار المفاداة من جهة كونها احد أطراف التخيير و رآها أصلح.

و أما من أسر قبل تقضي الحرب ثم أسلم فربّما يقال فيه أيضا بالتخيير بين الخصال الثلاث.

و يستدل لجواز استرقاقه بإطلاق خبر الزهري، و لجواز المفاداة بما مرّ من أن النبي «ص» فادى بالرجل الذي أسلم من بني عقيل الرجلين الأسيرين من أصحابه، و لجواز المنّ بأولويته بذلك ممن أسر بعد تقضي الحرب و لما يسلم كما في الجواهر.

و لكن يمكن أن يناقش ما ذكر بأن خبر الزهري و خبر المفاداة لم يجمعا لشرائط الحجية، و لم يثبت كون أسر الرجل العقيلي قبل تقضي القتال، و استرقاق المسلم إهانة به، و الأصل في كل إنسان الحرية. و لا يقاس المقام بمن أسر بعد تقضي الحرب، إذ الإسلام هناك وقع بعد تعلق حق الاسترقاق به و لو على نحو التخيير

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 128.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 279

فيستصحب، بخلاف المقام. و المفاداة بالمسلم أيضا خلاف الأصل و خلاف حرمة الإسلام، إذ هي فرع تعلق حق به. هذا مضافا إلى أن ردّ المسلم إلى الكفّار مفاداة إضرار بالمسلم و خطر على دينه، اللّهم إلا أن يكون ذا عشيرة تمنعه منهم. فالاحتياط يقتضي الاقتصار على المنّ، فتدبّر. هذا.

و للأسارى أحكام كثيرة ذكروها في الكتب الفقهية الموسوعة، كحكم من أسلم ثم أسر، و حكم الزوجين إذا أسرا معا، و حكم مشرك أو كتابي أسر

و له زوجة لم تؤسر، و حكم الطفل الذي أسر بدون والديه، و حكم التفريق بين الولد و والده أو والدته، إلى غير ذلك من الفروع. و البحث في هذه الفروع لا يناسب هذا الكتاب، فنحيلها إلى تلك الكتب، و للّه الحمد و المنّة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 280

الجهة الثامنة: في غنائم أهل البغي و أساراهم:
قال في الجواهر في معنى البغي:

«هو لغة: مجاوزة الحدّ، و الظلم، و الاستعلاء، و طلب الشي ء. و في عرف المتشرعة:

الخروج عن طاعة الإمام العادل «ع» على الوجه الآتي. و المناسبة بينه و بين الجميع واضحة. و إن كانت هي في الظلم أتمّ.» «1»

[في موارد البغي و حكمه]

أقول: يشبه أن يرجع جميع المعاني إلى المعنى الأول، أعني المجاوزة و التجاوز عن الحد. حتى إن الطلب أيضا لا يسمّى بغيا و ابتغاء إلّا إذا جاوز الحد المتوسط.

و يمكن إرجاع الجميع إلى الطلب أيضا، فيراد هنا طلب المجاوزة و الظلم.

و الظاهر عدم اختصاص البغي و أحكامه شرعا بتجاوز الأمة على الإمام العادل، و إن كان هذا من أظهر مصاديقه، لعموم الآية و بعض الأخبار الواردة:

قال اللّه- تعالى- في سورة الحجرات: «وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى الْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ، فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.» «2»

فحكم القتال في الآية قد علق على صفة البغي، و تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية بل يدل عليها، فيعلم بذلك أن الملاك في وجوب القتال أو جوازه هو البغي و التجاوز، سواء كان من فئة على فئة، أو دولة على دولة، أو فئة على الإمام العادل، أو الإمام الجائر بجنوده على الأمة. و الطائفة تصدق على الثلاثة فما فوقها،

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 322.

(2)- سورة الحجرات (49)، الآية 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 281

بل على الاثنين و الواحد أيضا على ما قالوه في تفسير قوله- تعالى-: «وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.» «1» و رواه في المجمع عن أبي جعفر «ع» «2». هذا مضافا إلى أن الحكم دائر مدار

العلة، و هي البغي.

و يشهد للتعميم ما ورد في مورد نزول الآية، ففي المبسوط:

«قيل نزلت في رجلين اقتتلا. و قيل في فئتين، و ذلك أن النبي «ص» كان يخطب فنازعه عبد اللّه بن أبيّ بن سلول المنافق، فعاونه قوم و أعان عليه آخرون، فأصلح النبيّ «ص» بينهم، فنزلت هذه الآية. و الطائفتان: الأوس و الخزرج.» «3»

و في المجمع:

«نزل في الأوس و الخزرج، وقع بينهما قتال بالسعف و النعال، عن سعيد بن جبير.

و قيل: نزل في رهط عبد اللّه بن أبيّ بن سلول من الخزرج و رهط عبد اللّه بن رواحة من الأوس.» «4»

و بالجملة ليس في الآية التي هي الأصل في هذا الحكم اسم من الإمام. نعم، القتال مطلقا يتوقف خارجا على وجود إمام أو أمير يقود المقاتلين و يجمع أمرهم و كلمتهم. و لكنه شرط للوجود فيجب انتخابه و تحصيله لا للوجوب، كما مر في بحث الجهاد إجمالا، فراجع. «5»

و من لفظ الآية الشريفة اقتبس الفقهاء اسم البغاة للخارجين على الإمام.

و البغي عندنا صفة ذم و يكون محرما بلا إشكال، خلافا لبعض حيث حملوه على الاجتهاد الخطأ تصحيحا لعمل كل صحابي.

و التعبير عن الباغي بالمؤمن محمول على ضرب من المجاز باعتبار حاله قبل

______________________________

(1)- سورة النور (24)، الآية 2.

(2)- مجمع البيان 4/ 124 (الجزء 7).

(3)- المبسوط 7/ 262، كتاب قتال أهل البغي.

(4)- مجمع البيان 5/ 132 (الجزء 9).

(5)- راجع ص 125 من الجزء 1 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 282

البغي أو بلحاظ اعتقاد نفسه، أو أن الفسق لا ينافي الإيمان ببعض مراتبه، فتأمّل.

فالمقام نظير قوله- تعالى-: «إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكٰارِهُونَ* يُجٰادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مٰا تَبَيَّنَ

كَأَنَّمٰا يُسٰاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ.» «1»

فإن المقصود به المنافقون بلا خلاف. هذا.

و في المبسوط:

«و لا يجب قتال أهل البغي و لا تتعلق بهم أحكامهم إلّا بثلاثة شروط:

أحدها: أن يكونوا في منعة لا يمكن كفهم و تفريق جمعهم إلّا بإنفاق و تجهيز جيوش و قتال. فأما إن كانوا طائفة قليلة و كيدها كيد ضعيف فليسوا بأهل البغي. فأما قتل عبد الرحمن بن ملجم أمير المؤمنين «ع» عندنا كفر، و تأويله غير نافع له، و عندهم هو و إن تأوّل فقد أخطأ و وجب قتله قودا.

و الثاني: أن يخرجوا عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية. فأما إن كانوا معه و في قبضته فليسوا أهل البغي، و روي أن عليا «ع» كان يخطب فقال رجل من باب المسجد «لا حكم إلا للّه»، تعريضا بعلي «ع» أنه حكّم في دين اللّه فقال عليّ «ع»: كلمة حق يراد بها باطل، لكم علينا ثلاث: أن لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا فيها اسم اللّه، و لا نمنعكم الفي ء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدأكم بقتال. فقال:

«ما دامت أيديكم معنا»، يعني لستم منفردين.

و الثالث: أن يكونوا على المباينة بتأويل سائغ عندهم. و أما من باين و انفرد بغير تأويل فهؤلاء قطّاع الطريق، حكمهم حكم المحاربين.» «2»

أقول: لا يخفى أن الظاهر من قوله: «ما دامت أيديكم معنا»، كونهم معهم في قبال العدوّ المشترك، فلا يكفي في صدقه عدم انفرادهم منهم.

و في الجواهر بعد التعرض لأخبار المسألة الواردة في قصتي الجمل و صفين قال ما ملخصه:

«و لعلّه لهذه النصوص و نحوها قال الشيخ و ابنا إدريس و حمزة- فيما حكي عنهم- أنه

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآيتان 5

و 6.

(2)- المبسوط 7/ 264.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 283

يعتبر في جريان حكم البغاة كونهم في منعة و كثرة، فأما إن كانوا نفرا يسيرا و كيدهم ضعيف لم يجر عليهم حكم البغي. و هو المحكي عن الشافعي. مستدلين عليه بأن أمير المؤمنين «ع» أوصى بالإحسان إلى ابن ملجم. و لكن عن بعض الجمهور جريان حكم البغاة حتى على الواحد إذا خرج بالسيف، بل في المنتهى و عن التذكرة أنه قوي، بل قيل: إنه مقتضى إطلاق المتن و غيره. و إن كان قد يناقش بانسياق غيره من الإطلاق، خصوصا بعد ذكر الفئة الظاهر في الاجتماع المعتد به، و لا أقلّ من الشكّ فيبقى الأصل بحاله. نعم، يجري حكم المحارب لو فرض الإشهار للسلاح.

و حكي عن الشيخ و ابني حمزة و إدريس أيضا اشتراط الخروج عن قبضة الإمام منفردين عنه، أما لو كانوا معه و في قبضته فليسوا أهل بغي. و لعلّه للمرسل: «أن عليّا كان يخطب فقال رجل بباب المسجد: «لا حكم الّا للّه» تعريضا بعليّ «ع» أنه حكّم في دين اللّه الرجال، فقال علي «ع»: «كلمة حق أريد بها باطل. لكم عندنا ثلاث: لا نمنعكم مساجد اللّه أن تذكروا اسم اللّه فيها، و لا نمنعكم الفي ء ما دامت أيديكم معنا، و لا نبدأكم بقتال.» «1»

إذ المراد من قوله «ع»: «ما دامت أيديكم معنا» عدم الانفراد. و لكنه مرسل غير جامع لشرائط الحجية.

و ربما حكي عنهم أيضا اشتراط أن يكونوا على المباينة بتأويل يعتقدونه. و لم نجد لهم ما يدل عليه.» «2»

أقول: لا نرى وجها لاعتبار الشرط الأول و الثالث بعد إطلاق الآية، و لا سيما بملاحظة ما ذكر في

شأن نزولها. و لا دليل على دخل الخصوصيات الموجودة في أصحاب الجمل و صفين و النهروان في الأحكام المعلقة على عنوان البغي و الباغي.

______________________________

(1)- روى نحو ذلك في مستدرك الوسائل 2/ 254، الباب 24 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 9، عن الدعائم 1/ 393.

(2)- الجواهر 21/ 331.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 284

نعم، لو فرض تعليق الحكم على عنوان آخر أخص لم يسر منه إلى مطلق الباغي.

و صدق عنوان المحارب على مورد خاص لا ينافي صدق عنوان الباغي أيضا، فيكون مجمعا للعنوانين و محكوما بحكمين، و نظائره في الفقه كثيرة.

و ابن ملجم في بادئ الأمر كان باغيا وجب قتاله، و لكن بعد القبض عليه و صيرورته تحت اختيار الإمام «ع» كان للإمام العفو عنه، حيث كان هو المبغى عليه، فتدبّر.

و كيف كان فلا خلاف بين المسلمين في وجوب قتال الباغي إجمالا، و أن التأخر عنه كبيرة من الكبائر. و الحروب الثلاث التي اتفقت لأمير المؤمنين «ع» في البصرة و صفين و النهروان كانت من هذا القبيل، و لكن لسنا نحن هنا بصدد البحث في وجوب قتال البغاة و شرائطه، فإن له محلا آخر، بل نريد هنا البحث في بعض آثاره و توابعه الشرعية.

فنتعرض لمسألتين:
اشارة

الأولى: حكم المدبر و الجريح و المأسور منهم. الثانية: حكم النساء و الذراريّ و حكم أموالهم مما حواها العسكر و ما لم يحوها. و لا يخفى أن الموضوع في المسألة الأولى ليس أمرا ماليا و لكن لشدة الارتباط بين المسألتين نبحث فيها استطرادا.

المسألة الأولى: في حكم المدبر، و الجريح، و المأسور منهم:
اشارة

فهي في الحقيقة ثلاث مسائل جعلناها واحدة لتشابكها رواية و فتوى:

[كلمات العلماء]

1- قال الشيخ في كتاب الباغي من الخلاف (المسألة 4):

«إذا ولّى أهل البغي إلى غير فئة، أو ألقوا السلاح أو قعدوا أو رجعوا إلى الطاعة حرم قتالهم بلا خلاف. و إن ولّوا منهزمين إلى فئة لهم جاز أن يتبعوا و يقتلوا، و به قال أبو حنيفة و أبو إسحاق المروزي. و قال باقي أصحاب الشافعي: إنه لا يجوز

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 285

قتالهم و لا اتباعهم. دليلنا قوله- تعالى-: «فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ».

و هؤلاء ما فاءوا إلى أمر اللّه. و لا ينافي ذلك ما روي أن عليا «ع» يوم الجمل نادى أن لا يتبع مدبرهم، لأن أهل الجمل لم يكن لهم فئة يرجعون إليها. و على ما قلناه إجماع الفرقة، و أخبارهم واردة به.» «1»

2- و فيه أيضا (المسألة 6):

«إذا وقع أسير من أهل البغي في المقاتلة كان للإمام حبسه و لم يكن له قتله، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: له قتله. دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا روى عبد اللّه بن مسعود، قال: قال لي رسول اللّه «ص»: يا ابن أمّ عبد، ما حكم من بغى من أمتي؟

قال: قلت: اللّه و رسوله أعلم، فقال: لا يتبع و لا يجاز على جريحهم، و لا يقتل أسيرهم، و لا يقسم فيئهم. و هذا نصّ ...» «2»

3- و قال في جهاد النهاية:

«و أهل البغي على ضربين: ضرب منهم يقاتلون و لا تكون لهم فئة يرجعون إليه، و الضرب الآخر تكون لهم فئة يرجعون إليه. فإذا لم يكن لهم فئة يرجعون إليه فإنه لا

يجاز على جريحهم، و لا يتبع مدبرهم، و لا تسبى ذراريّهم، و لا يقتل أسيرهم. و متى كان لهم فئة يرجعون إليه جاز للإمام أن يجيز على جرحاهم، و أن يتبع مدبرهم، و أن يقتل أسيرهم. و لا يجوز سبي الذراريّ على حال.» «3»

4- و قال في المبسوط:

«إذا عاد أهل البغي إلى الطاعة و تركوا المباينة حرم قتالهم، و هكذا إن قعدوا فألقوا السلاح، و هكذا إن ولّوا منهزمين إلى غير فئة. الحكم في هذه المسائل الثلاث واحد؛ لا يقتلون، و لا يتبع مدبرهم، و لا يذفّف على جرحاهم بلا خلاف فيه، لقوله- تعالى-: «فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ». فأوجب القتال إلى غاية، و قد وجدت، فوجب أن يحرم قتالهم. فأما إن ولّوا منهزمين إلى فئة لهم يلجئون إليها

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 166.

(2)- الخلاف 3/ 166.

(3)- النهاية/ 297.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 286

فلا يتبعون أيضا. و قال قوم: يتبعون و يقتلون، و هو مذهبنا، لأنا و لم لو لم نقتلهم ربما عادوا إلى الفئة و اجتمعوا و رجعوا للقتال.» «1»

5- و فيه أيضا:

«إذا وقع أسير من أهل البغي في أيدي أهل العدل فإن كان من أهل القتال، و هو الشابّ و الجلد الّذي يقاتل، كان له حبسه و لم يكن له قتله. و قال بعضهم: له قتله. و الأول مذهبنا. فإذا ثبت أنه لا يقتل فإنه يحبس، و تعرض عليه المبايعة، فإن بايع على الطاعة و الحرب قائمة قبل ذلك منه و أطلق، و إن لم يبايع ترك في الحبس، فإذا انقضت الحرب فإن أتوا تائبين أو طرحوا السلاح و تركوا القتال أو ولّوا مدبرين إلى

غير فئة أطلقناه. و إن ولّوا مدبرين إلى فئة لا يطلق عندنا في هذه الحالة. و قال بعضهم: يطلق لأنه لا يتبع مدبرهم. و قد بينا أنه يتبع مدبرهم إذا ولّوا منهزمين إلى فئة.» «2»

أقول: و في كلامه في الأسير في المبسوط و الخلاف نحو تهافت مع ما ذكره في النهاية، إذ حكم فيهما بعدم قتل الأسير مطلقا و نسبه إلى مذهبنا، و في النهاية فصل فيه بين من له فئة و غيره نظير المدبر.

6- و في الشرائع:

«و من كان من أهل البغي لهم فئة يرجع إليها جاز الإجهاز على جريحهم و إتباع مدبرهم و قتل أسيرهم. و من لم يكن له فئة فالقصد بمحاربتهم تفريق كلمتهم، فلا يتبع لهم مدبر، و لا يجهز على جريحهم، و لا يقتل لهم مأسور.» «3»

7- و ذيّل هذا في الجواهر بقوله:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك. نعم، في الدروس: «و نقل الحسن أنهم يعرضون على السيف، فمن تاب منهم ترك و إلّا قتل.» إلّا أنه لم نعرف القائل به.

بل المعلوم من فعل عليّ «ع» في أهل الجمل خلافه. و حينئذ فلا خلاف معتدّ به

______________________________

(1)- المبسوط 7/ 268.

(2)- المبسوط 7/ 271.

(3)- الشرائع 1/ 336 (ط. أخرى/ 256).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 287

فيه، بل في المنتهى و محكي التذكرة نسبته إلى علمائنا. بل عن الغنية الإجماع عليه صريحا و هو الحجة ...» «1»

8- و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«المالكية قالوا: يمتاز قتال البغاة عن قتال الكفّار بأحد عشر وجها: 1- أن يقصد الإمام بالقتال ردعهم لا قتلهم. 2- و أن يكفّ عن مدبرهم. 3- و لا يجهز على جريحهم. 4- و لا

تقتل أسراهم. 5- و لا تغنم أموالهم. 6- و لا تسبى ذراريّهم. 7-

و لا يستعان عليهم بمشرك. 8- و لا يوادعهم على مال. 9- و لا تنصب عليهم الردعات. 10- و لا تحرق مساكنهم. 11- و لا يقطع شجرهم ...

الحنفية قالوا: فإن كانت لهم فئة أجهز على جريحهم، و أتبع مولّيهم، دفعا لشرهم كيلا يلحقوا بهم، و إن لم يكن لهم فئة لم يجهز على جريحهم، و لم يتبع موليهم لاندفاع الشر بدون ذلك و هو المطلوب ...

الشافعية و الحنابلة قالوا: لا يجوز الإجهاز على الجريح، و لا إتباع المولّي في حالتي الفئة و عدمها.» «2»

أقول: الردع: الزعفران. و الظاهر أنهم كانوا يلطخون بدن الأسارى و ألبستهم بالزعفران و نحوه ليمتازوا عن غيرهم في المجتمعات.

و بالجملة فأصحابنا الإمامية فصّلوا في المدبر و الجريح و المأسور من البغاة بين من لا يكون لهم فئة يرجعون إليها و رئيس يلجئون إليه، نظير أهل الجمل، حيث انكسرت شوكتهم و تفرقت أياديهم، و بين من لهم فئة و رئيس ربما يرجعون إليهما و يتجهزون ثانيا للقتال و الهجمة، نظير جنود معاوية في صفين. و بهذا التفصيل أفتى أبو حنيفة أيضا، و لكن أكثر فقهاء السنة لم يفصلوا في المسألة.

[الأخبار]

و يدل على التفصيل بعض الأخبار، فلنتعرض لأخبار المسألة:

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 328.

(2)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 419.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 288

1- ما رواه الكليني بسنده، عن حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الطائفتين من المؤمنين: إحداهما باغية و الأخرى عادلة، فهزمت العادلة الباغية؟ فقال: «ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا، و لا يقتلوا أسيرا، و لا يجهزوا على

جريح.

و هذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها. فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإن أسيرهم يقتل، و مدبرهم يتبع، و جريحهم يجهز.» و رواه الشيخ أيضا بإسناده، عن حفص. «1»

أقول: أجزت على الجريح و أجهزت عليه: أسرعت في قتله. و بهذا المعنى أيضا ذفّفت و أذففت بالذال المعجمة.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 288

و حيث نهى في الفقرة الأولى عن الإتباع و القتل و الإجهاز فلا محالة لا يستفاد من الفقرة الثانية إلّا الجواز، كما هو الشأن في كل أمر وقع عقيب الحظر أو توهمه.

و الرواية اشتملت على المسائل الثلاث، أعني حكم المدبر و الجريح و المأسور، و قد حكم في الجميع بالتفصيل بين وجود الفئة و غيره.

2- ما رواه الكليني أيضا بسنده، عن عبد اللّه بن شريك، عن أبيه، قال: لمّا هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين «ع»: «لا تتبعوا موليا، و لا تجيزوا على جريح. و من أغلق بابه فهو آمن.» فلمّا كان يوم صفين قتل المقبل و المدبر، و أجاز على جريح.

فقال أبان بن تغلب لعبد اللّه بن شريك: هذه سيرتان مختلفتان؟ فقال: إن أهل الجمل قتل طلحة و الزبير، و إن معاوية كان قائما بعينه و كان قائدهم.» و رواه الشيخ أيضا بإسناده. «2»

3- و عن تحف العقول، عن أبي الحسن الثالث «ع» أنه قال في جواب مسائل يحيى بن أكثم: و أما قولك: إن عليّا «ع» قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين، و

أجاز على

______________________________

(1)- الكافي 5/ 32، كتاب الجهاد، و رواه عنه و عن التهذيب 6/ 144 في الوسائل 11/ 54، الباب 24 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 55، الباب 24 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 289

جريحهم، و أنه يوم الجمل لم يتبع موليا، و لم يجز على جريح، و من ألقى سلاحه آمنه، و من دخل داره آمنه، فإن أهل الجمل قتل إمامهم و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها، و إنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين و لا مخالفين و لا منابذين، (و) رضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم و الكف عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعوانا. و أهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة و إمام يجمع لهم السلاح (و) الدروع و الرماح و السيوف، و يسني لهم العطاء و يهيئ لهم الأنزال، و يعود مريضهم و يجبر كسيرهم و يداوي جريحهم، و يحمل راجلهم، و يكسو حاسرهم، و يردهم فيرجعون إلى محاربتهم و قتالهم، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد، لكنه شرح ذلك لهم، فمن رغب عرض على السيف أو يتوب عن ذلك.» «1»

أقول: يقال: أسنى له الجائزة: جعلها سنية أي رفيعة. و النزل بفتحين: الفضل و العطاء. و الحاسر: العاري.

4- و في الكافي أيضا بسنده، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لعلي بن الحسين «ع»: إن عليّا «ع» سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول اللّه «ص» في أهل الشرك؟ قال: فغضب «ع» ثم جلس ثم قال: «ساروا اللّه فيهم بسيرة رسول اللّه «ص»

يوم الفتح، إنّ عليّا «ع» كتب إلى مالك و هو على مقدمته في يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل و لا يقتل مدبرا، و لا يجيز على جريح، و من أغلق بابه فهو آمن. فأخذ الكتاب فوضعه بين يديه على القربوس من قبل أن يقرأه، ثم قال: اقتلوهم فقتلهم حتى أدخلهم سكك البصرة، ثم فتح الكتاب فقرأه ثم أمر مناديا فنادى بما في الكتاب.» و رواه الشيخ أيضا عنه. «2»

5- و في خبر الأسياف الخمسة الذي رواه حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه، عن أبيه- عليهما السلام-: «و أما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي و التأويل. قال اللّه- عزّ و جلّ-: و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما ...

و كانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين «ع» ما كان من رسول اللّه «ص» في أهل مكة يوم فتح مكة، فإنه لم يسب لهم ذريّة، و قال: من أغلق بابه فهو آمن، و من ألقى سلاحه أو دخل دار أبي

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 56، الباب 24 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4، عن تحف العقول/ 480.

(2)- الوسائل 11/ 55، الباب 24 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 290

سفيان فهو آمن. و كذلك قال أمير المؤمنين «ع» يوم البصرة؛ نادى لا تسبوا لهم ذرية، و لا تجهزوا على جريح، و لا تتبعوا مدبرا، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن.» «1»

أقول: الظاهر من هذا الحديث بل و من سابقه أن هذا الحكم من أمير المؤمنين «ع» وقع منه منّا على أهل البصرة، كما وقع نظيره من رسول اللّه

«ص» على أهل مكة، و إلّا كان لهم الإجهاز على جريحهم و إتباع مدبرهم، و سيأتي بيان ذلك.

6- و في المستدرك، عن المفيد بسنده، عن كتاب أمير المؤمنين «ع» إلى أهل الكوفة بعد واقعة الجمل: «فلما هزمهم اللّه أمرت أن لا يتبع مدبر و لا يجاز على جريح، و لا يكشف عورة و لا يهتك ستر و لا يدخل دار إلّا بإذن و آمنت الناس. الخبر.» «2»

7- و فيه أيضا، عن أمالي المفيد بسنده، عن حبة العرني في واقعة الجمل: فولّى الناس منهزمين، فنادى منادي أمير المؤمنين «ع»: «لا تحيزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا، و من أغلق بابه فهو آمن و من ألقى سلاحه فهو آمن.» «3»

و فيه أيضا بهذا المضمون روايات أخر. فراجع.

8- و فيه أيضا، عن غيبة النعماني بسنده، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: لما التقى أمير المؤمنين «ع» و أهل البصرة نشر الراية- راية رسول اللّه «ص»- فتزلزلت أقدامهم، فما اصفرّت الشمس حتى قالوا: آمنّا يا بن أبي طالب. فعند ذلك قال: «لا تقتلوا الأسراء، و لا تجهزوا على جريح، و لا تتبعوا مولّيا، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من أغلق بابه فهو آمن.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 16، الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 22 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 22 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 22 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 291

9- و فيه أيضا، عن كتاب صفين بإسناده، في قصة وقعت بين

مالك الأشتر و الأصبغ بن ضرار الذي أسره مالك في صفين، و فيها: «و كان علي «ع» ينهى عن قتل الأسير الكافّ ... قال «ع»: هو لك يا مالك، فإذا أصبت أسير أهل القبلة فلا تقتله، فإن أسير أهل القبلة لا يفادى و لا يقتل.» «1»

أقول: ظاهر هذا الخبر على فرض صحته حرمة قتل الأسير من أهل القبلة مطلقا و لو كان له فئة كما في صفين، و مورد الرواية حرب صفين. اللّهم إلّا أن يحمل على الأسير الكافّ، كما يشهد به الفقرة الأولى من الرواية.

10- و فيه أيضا، عن كتاب صفين بسنده، عن الشعبي، قال: لما أسر علي «ع» الأسرى يوم صفين فخلّى سبيلهم أتوا معاوية، و قد كان عمرو بن العاص يقول لأسرى أسرهم معاوية: اقتلهم. فما شعروا إلّا بأسراهم قد خلّى سبيلهم علي «ع»، فقال معاوية: يا عمرو، لو أطعناك في هؤلاء الأسرى لوقعنا في قبيح من الأمر.

ألا ترى قد خلّى سبيل أسرانا؟ فأمر بتخلية من في يديه من أسرى علي «ع». و قد كان علي «ع» إذا أخذ أسيرا من أهل الشام خلّى سبيله إلّا أن يكون قد قتل من أصحابه أحدا فيقتله به. فإذا خلّى سبيله فإن عاد الثانية قتله و لم يخلّ سبيله.» «2»

أقول: ليس في الخبر دلالة على عدم جواز قتل الأسير منهم، إذ لعل تخليته «ع» لسبيلهم كان في مورد خاص و وقع منه منّا لحكمة خاصة، فالأمر موكول إلى نظر الإمام. و يشهد لذلك الخبر التالي:

11- و في دعائم الإسلام: «أتي بأسير يوم صفين، فقال: لا تقتلني يا أمير المؤمنين. قال: أ فيك خير تبايع؟ قال: نعم. فقال للذي جاء به: لك سلاحه و خلّ

______________________________

(1)-

مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 22 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 9.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 21 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 292

سبيله. و أتاه عمّار بن ياسر بأسير فقتله علي «ع».» «1» و رواه عنه في المستدرك. «2»

12- و في الدعائم أيضا: «و إذا انهزم أهل البغي و كانت لهم فئة يلجئون إليها أتبعوا و طلبوا و أجهز جرحاهم، و قتلوا بما أمكن قتلهم. و كذلك سار علي «ع» في أصحاب صفين، لأن معاوية كان وراءهم. و إذا لم يكن لهم فئة لم يتبعوا بالقتل، و لم يجهز على جرحاهم، لأنهم إذا ولّوا تفرّقوا. و كذلك روينا عن علي «ع» أنه سار في أهل الجمل لما قتل طلحة و الزبير و أخذ عائشة و هزم أصحاب الجمل نادى مناديه: لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا، و من ألقى سلاحه فهو آمن. ثم دعا ببغلة رسول اللّه «ص» الشهباء فركبها ... حتى انتهى إلى دار عظيمة، فاستفتح ففتح له، فإذا هو بنساء يبكين بفناء الدار، فلما نظرن إليه صحن صيحة واحدة و قلن: هذا قاتل الأحبّة. قال: فلم يقل لهن شيئا و سأل عن حجرة عائشة، ففتح له بابها، فسمع منها كلام شبيه بالمعاذير ... قال: ... و لو قتلت الأحبّة لقتلت من في هذه الحجرة، و من في هذه الحجرة، و من في هذه الحجرة. و أومأ إلى ثلاث حجرات ... قال الأصبغ:

و كان في إحدى الحجر عائشة و من معها من خاصتها، و في الأخرى مروان بن الحكم و شباب من قريش، و في الأخرى عبد اللّه بن الزبير

و أهله.

فقيل له: فهلا بسطتم أيديكم على هؤلاء فقتلتموهم؟ أ ليس هؤلاء كانوا أصحاب القرحة فلم استبقاهم؟ قال الأصبغ: قد ضربنا و اللّه بأيدينا على قوائم السيوف و حددنا أبصارنا نحوه لكي يأمرنا فيهم بأمر فما فعل و وسعهم عفوه.» «3»

و رواه عنه في المستدرك. «4»

13- و في سنن البيهقي بسنده، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه «ص» لعبد اللّه بن مسعود: يا ابن مسعود أ تدري ما حكم اللّه فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال ابن مسعود:

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 393، كتاب الجهاد- ذكر قتال أهل البغي.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 21 من أبواب جهاد لعدوّ، الحديث 2.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 394، كتاب الجهاد- ذكر قتال أهل البغي.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 22 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 293

اللّه و رسوله أعلم. قال: فإن حكم اللّه فيهم أن لا يتبع مدبرهم، و لا يقتل أسيرهم، و لا يذفّف على جريحهم ...

و في رواية الخوارزمي: و لا يجاز على جريحهم. زاد: و لا يقسم فيئهم.» «1»

14- و فيه أيضا بسنده، عن علي بن الحسين «ع»، قال: «دخلت على مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك، ما هو إلّا أن ولّينا يوم الجمل فنادى مناديه:

لا يقتل مدبر، و لا يذفّف على جريح.» «2»

15- و فيه أيضا بسنده، عن حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: أمر علي «ع» مناديه فنادى يوم البصرة: «لا يتبع مدبر، و لا يذفّف على جريح، و لا يقتل أسير، و من أغلق بابه فهو آمن، و من ألقى سلاحه فهو

آمن. و لم يأخذ من متاعهم شيئا.» «3»

16- و فيه أيضا بسنده، عن يزيد بن ضبيعة العبسي، قال: نادى منادي عمّار- أو قال علي- يوم الجمل و قد ولّى الناس: ألا لا يذافّ على جريح و لا يقتل مولّ، و من ألقى السلاح فهو آمن. فشقّ علينا ذلك.» «4»

17- و فيه أيضا بسنده، عن أبي أمامة، قال: «شهدت صفين و كانوا لا يجيزون على جريح، و لا يقتلون مولّيا، و لا يسلبون قتيلا.» «5»

أقول: الروايات الكثيرة الواردة في قصة الجمل لا تنافي التفصيل الذي دلت عليه أخبار حفص و شريك و تحف العقول و الدعائم و أفتى به أصحابنا الإمامية،

______________________________

(1)- سنن البيهقي 8/ 182، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

(2)- سنن البيهقي 8/ 181، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

(3)- سنن البيهقي 8/ 181، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

(4)- سنن البيهقي 8/ 181، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

(5)- سنن البيهقي 8/ 182، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 294

لأنها متعرضة لشقّ واحد من المسألة. و إطلاق خبر ابن مسعود على فرض صحته أيضا يحمل عليه. نعم، خبر أبي أمامة الوارد في قصة صفين ربما ينافي ذلك. و يمكن أن يقال على فرض صحته إن أبا أمامة لم يكن شاهدا لجميع مشاهد صفين.

و حرب صفين وقعت في منطقة واسعة و قد طال زمانها، فلعل أبا أمامة يحكي عما شاهده بنفسه في منطقة خاصة و زمان خاص، فتدبّر.

ثم لا يخفى أن الظاهر من الفتاوى و

بعض الأخبار التي مرت تعين التفصيل و أن من ليس لهم فئة يرجعون إليها لا يجوز الإجهاز على جريحهم و إتباع مدبرهم و قتل أسيرهم، و من لهم فئة يجوز ذلك فيهم.

و لكن المستفاد من بعض الأخبار الأخر أن النهي عن الإجهاز و الإتباع و القتل في أهل البصرة وقع من أمير المؤمنين «ع» عفوا و منّا منه عليهم، كما منّ رسول اللّه «ص» على أهل مكة و عفا عنهم، و ظاهر ذلك كونه حكما موسميا في مورد خاص و أن الحكم الأولي جواز الإتباع و الإجهاز و القتل إذا لم يكن المورد محلا للعفو و الإغماض و لم يره الإمام صلاحا، فيكون الأمر موكولا إلى نظره:

1- ففي خبر أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لعلي بن الحسين «ع»: بما سار علي بن أبي طالب «ع»؟ فقال: إن أبا اليقظان كان رجلا حادّا- رحمه اللّه- فقال: يا أمير المؤمنين، بما تسير في هؤلاء غدا؟ فقال: بالمنّ، كما سار رسول اللّه «ص» في أهل مكة.» «1»

2- و في دعائم الإسلام: «و سأله عمّار حين دخل البصرة فقال: يا أمير المؤمنين، بأيّ شي ء تسير في هؤلاء؟ فقال: بالمنّ و العفو، كما سار النبي «ص» في أهل مكة حين افتتحها بالمنّ و العفو.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 58، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 394، كتاب الجهاد- ذكر قتال أهل البغي.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 295

3- و قد مر هذا المضمون في خبر الأسياف أيضا، فراجع. «1»

4- و في خبر عبد اللّه بن سليمان، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و لو قتل علي «ع» أهل البصرة جميعا و اتخذ

أموالهم لكان ذلك له حلالا، و لكنه منّ عليهم ليمنّ على شيعته من بعده.» «2»

5- و في نهج البلاغة في ذكر أصحاب الجمل: «فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين إلّا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره لحلّ لي قتل ذلك الجيش كله، إذ حضروه فلم ينكروا و لم يدفعوا عنه بلسان و لا بيد. دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدّة التي دخلوا بها عليهم.» «3»

6- و عن غيبة النعماني بسنده، عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال:

«إن عليا «ع» قال: «كان لي أن أقتل المولّي و أجهز على الجريح، و لكن تركت ذلك للعافية من أصحابي إن خرجوا لم يقتلوا. و القائم «ع» له أن يقتل المولّي و يجهز على الجريح.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار، و سيأتي بعضها في المسألة الثانية.

و بالجملة فمقتضى هذه الأخبار الكثيرة أن الحكم الأولي في المدبر و الجريح و المأسور من البغاة كان هو جواز الإتباع و الإجهاز و القتل، و عمل أمير المؤمنين «ع» و أمره بالمنّ فيها وقع منه عفوا و منّا، فكيف جعل المنّ حكما مستمرا في جميع الأعصار و أفتى به أصحابنا؟

اللّهم إلّا أن يقال: إن حكمه «ع» بالعفو و المنّ و إن كان حكما ولائيا و لكنه لم يكن موسميا في مورد خاص بل كان حكما ولائيا مستمرا إلى عصر ظهور

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 16 و 18، الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 58- 59، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 556؛ عبده 2/ 104؛ لح/ 247، الخطبة 172.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 22 من أبواب

جهاد العدوّ، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 296

القائم «ع» لحكمة حفظ شيعته و الإرفاق بهم و إتمام الحجة على أعدائه في مواجهتهم للشيعة إلى عصر ظهوره «ع»، و يستفاد هذا من بعض الأخبار الآتية في المسألة الآتية. و في كلام الأصبغ بن نباتة: «إنا لما هزمنا القوم نادى مناديه: لا يذفّف على جريح، و لا يتبع مدبر، و من ألقى سلاحه فهو آمن، سنّة يستنّ بها بعد يومكم هذا.» «1»

و ظاهر الأخبار التي مرّت في صدر المسألة كخبر حفص و نحوه كون الحكم بالتفصيل حكما دائما مستمرا، و قد أفتى به جميع أصحابنا، فلا يجوز رفع اليد عنه.

هذا.

و يظهر من المبسوط و الخلاف كما مرّ عدم جواز قتل الأسير من البغاة مطلقا و أنه يجوز حبسه، و قد مرّ دلالة بعض الأخبار على عدم جواز القتل مطلقا، و لكن لم نجد فيما رأيناه من الأخبار ما يدلّ على جواز الحبس، فتتبع. و فتوى الشيخ- قدّس سرّه- ينبغي أن يؤخذ من نهايته، كما لا يخفى على أهله. و سيأتي في المسألة الآتية ماله نفع في المقام.

تنبيه

لا يخفى أن كثيرا من أفراد الفئة الباغية ربما كانوا حضروا المعركة كارهين مكرهين، كما في الحرب المفروضة علينا من قبل طاغوت العراق، فاللازم حينئذ الاجتناب عن قتل النفوس إلّا بمقدار الضرورة في أثناء المعركة و الهجمة. ففي دعائم الإسلام، قال: «روينا عن علي «ع» أنه قال: قال رسول اللّه «ص» يوم بدر: من استطعتم أن تأسروه من بني عبد المطلب فلا تقتلوه، فإنهم إنما أخرجوا كرها.» «2» و رواه في المستدرك. «3»

فإذا كان هذا حكم المشرك المخرج كرها فكيف بمن كان مسلما

محقون الدم.

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 22 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 7.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 376، كتاب الجهاد- ذكر قتال المشركين.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 251، الباب 21 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 297

المسألة الثانية: في حكم نساء البغاة، و ذراريّهم، و حكم أموالهم مما حواها العسكر، و ما لم يحوها:
اشارة

فتشتمل هذه المسألة أيضا على ثلاث مسائل، و لكن لما كان أكثر أخبار المسائل مشتركة و المسائل متشابكة رواية و فتوى جعلناها مسألة واحدة، حذرا من التكرار.

و قد حكي إجماع أصحابنا الإمامية، بل إجماع المسلمين على عدم جواز سبي النساء و الذراريّ، و عدم اغتنام ما لم يحوها العسكر من أموالهم، و اختلف فيما حواها العسكر منها.

[كلمات العلماء]

1- قال في كتاب الباغي من الخلاف (المسألة 7):

«إذا أسر من أهل البغي من ليس من أهل القتال مثل النساء و الصبيان و الزمنى و الشيوخ الهرمى لا يحبسون. و للشافعي فيه قولان: نص في الأمّ على مثل ما قلناه، و من أصحابه من قال: يحبسون كالرجال الشباب المقاتلين.

دليلنا أن الأصل براءة الذمة، و إيجاب الحبس عليهم يحتاج إلى دليل.» «1»

2- و قال فيه أيضا (المسألة 17):

«ما يحويه عسكر البغاة يجوز أخذه و الانتفاع به، و يكون غنيمة يقسم في المقاتلة.

و ما لم يحوه العسكر لا يتعرض له.

و قال الشافعي: لا يجوز لأهل العدل أن يستمتعوا بدوابّ أهل البغي و لا بسلاحهم و لا يركبونها للقتال و لا يرمون بنشّابهم حال القتال و لا في غير حال القتال. و متى حصل من ذلك شي ء عندهم كان محفوظا لأربابه، فإذا انقضت الحرب يردّ عليهم.

و قال أبو حنيفة: يجوز الاستمتاع بدوابّهم و بسلاحهم و الحرب قائمة، فإذا انقضت

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 166.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 298

كان ذلك ردّا عليهم.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله- تعالى-: «فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ.» فأمر بقتالهم و لم يفرق بين أن يقاتلوا بسلاحهم و على دوابّهم أو بغير ذلك.» «1»

أقول: و لا

يخفى ما في دليله الأخير، إذ الآية ليست في مقام بيان ما يقاتل به و أنه يجب القتال و لو بسلاح الغير.

3- و في باب قتال أهل البغي من النهاية:

«و لا يجوز سبي الذراريّ على حال، و يجوز للإمام أن يأخذ من أموالهم ما حوى العسكر و يقسم على المقاتلة حسب ما قدمناه. و ليس له ما لم يحوه العسكر و لا له إليه سبيل على حال.» «2»

4- و في المبسوط:

«إذا انقضت الحرب بين أهل العدل و البغي إما بالهزيمة أو بأن عادوا إلى طاعة الإمام، و قد كانوا أخذوا الأموال و أتلفوا و قتلوا نظرت؛ فكل من وجد عين ماله عند غيره كان أحقّ به، سواء كان من أهل العدل أو أهل البغي، لما رواه ابن عباس أنّ النبي «ص» قال: «المسلم أخو المسلم، لا يحل دمه و ماله إلّا بطيبة من نفسه.»

و روي أن عليا «ع» لما هزم الناس يوم الجمل قالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تأخذ أموالهم؟ قال: «لا، لأنهم تحرموا بحرمة الإسلام فلا يحل أموالهم في دار الهجرة.»

و روى أبو قيس أن عليا «ع» نادى: «من وجد ماله فليأخذه.» فمرّ بنا رجل فعرف قدرا يطبخ فيها فسألناها أن يصبر حتى ينضج فلم يفعل و رمى برجله فأخذها.

و قد روى أصحابنا: أن ما يحويه العسكر من الأموال فإنه يغنم، و هذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام، فأما إن رجعوا إلى طاعته فهم أحقّ بأموالهم.» «3»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 169.

(2)- النهاية/ 297.

(3)- المبسوط 7/ 266.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 299

5- و فيه أيضا:

«يجوز لأهل العدل أن يستمتعوا بدوابّ أهل البغي و سلاحهم يركبونها

للقتال، و يرمون بنشّاب لهم حال القتال و في غير حال القتال، متى حصل شي ء من ذلك مما يحويه العسكر كان غنيمة، و لا يجب ردّه على أربابه.

و قال قوم: لا يجوز شي ء من ذلك، و متى حصل شي ء منه كان محفوظا لأربابه، فإذا انقضت الحرب ردّ عليهم.

و قال بعضهم: يجوز الاستمتاع بدوابّهم و سلاحهم و الحرب قائمة، فإذا انقضت كان ذلك ردّا عليهم.

و من منع منه قال: لا يجوز ذلك حال الاختيار، فأما حال الاضطرار مثل أن وقعت هزيمة و احتاج الرجل إلى دابّة ينجو عليها فإذا وجد دابّة لهم حلّ ذلك له، و كذلك إذا لم يجد ما يدفع به عن نفسه إلّا سلاحهم جاز ذلك لما أوجبته الحال. لأنها أموال أهل البغي، و أموال أهل البغي و غيرهم فيها سواء، كما لو اضطرّ إلى طعام الغير جاز له أكله.» «1»

أقول: فظاهر كلامه الأول عدم جواز تملك أموالهم مطلقا و إنما نسب الجواز فيما يحويه العسكر إلى رواية أصحابنا. و ظاهر كلامه الثاني جواز التملك فيما حواه العسكر كما في الخلاف و النهاية.

6- و قال السيد المرتضى «قده» في الناصريات (المسألة 206) بعد ما حكى عن الناصر تقسيم ما احتوت عليه عساكر أهل البغي-:

«هذا غير صحيح، لأن أهل البغي لا يجوز غنيمة أموالهم و قسمتها كما تقسم أموال أهل الحرب. و لا أعلم خلافا بين الفقهاء في ذلك. و مرجع الناس كلهم في هذا الموضع على ما قضى به أمير المؤمنين «ع» في محاربي البصرة، فإنه منع من غنيمة أموالهم. فلما رجع «ع» في ذلك قال: «أيّكم يأخذ عائشة في سهمه؟» و ليس يمنع أن يخالف حكم قتال أهل البغي لقتال أهل دار

الحرب في هذا الباب، كما

______________________________

(1)- المبسوط 7/ 280.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 300

يخالف في أننا لا نتبع مولّيهم و إن كان إتباع المولّي من باقي المحاربين جائزا.

و إنما اختلف الفقهاء في الانتفاع بدوابّ أهل البغي و بسلاحهم في حال قيام الحرب، فقال الشافعي: لا يجوز ذلك. و قال أبو حنيفة: يجوز ما دامت الحرب قائمة.

و ليس يمنع عندي أن يجوز قتالهم بسلاحهم لا على وجه التملك له، كأنهم رموا حربة إلى جهة أهل الحق فيجوز أن يرموا بها على سبيل المدافعة و المقابلة.» «1»

7- و في السرائر بعد نقل كلمات الشيخ و كلام السيد قال:

«الصحيح ما ذهب إليه المرتضى «رض». و هو الذي أختاره و أفتي به. و الّذي يدل على صحة ذلك ما استدل به «رض». و أيضا فإجماع المسلمين على ذلك، و إجماع أصحابنا منعقد على ذلك، و قد حكينا في صدر المسألة أقوال شيخنا أبي جعفر الطوسي «رض» في كتبه، و لا دليل على خلاف ما اخترناه، و قول الرسول «ص»:

لا يحل مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفس منه. و هذا الخبر قد تلقته الأمة بالقبول، و دليل العقل يعضده و يشيّده لأن الأصل بقاء الأملاك على أربابها و لا يحل تملكها إلّا بالأدلة القاطعة للأعذار.» «2»

8- و في جهاد الشرائع:

«مسائل: الأولى: لا يجوز سبي ذراريّ البغاة، و لا تملك نسائهم إجماعا. الثانية:

لا يجوز تملك شي ء من أموالهم التي لم يحوها العسكر، سواء كانت مما ينقل كالثياب و الآلات، أو لا ينقل كالعقارات، لتحقق الإسلام المقتضي لحقن الدم و المال. و هل يؤخذ ما حواه العسكر مما ينقل و يحوّل؟ قيل: لا، لما ذكرناه

من العلة، و قيل: نعم، عملا بسيرة علي «ع»، و هو الأظهر.» «3»

9- و في الجواهر في ذيل المسألة الأولى قال:

«محصلا و محكيا عن التحرير و غيره، بل عن المنتهى: «نفي الخلاف فيه بين أهل العلم»، و عن التذكرة: «بين الأمة». لكن في المختلف و المسالك نسبته إلى

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 261 (ط. أخرى/ 225).

(2)- السرائر/ 159.

(3)- الشرائع 1/ 337 (ط. أخرى/ 257).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 301

المشهور. و لعلّه لما في الدروس، قال: «و نقل الحسن: أن للإمام ذلك إن شاء، لمفهوم قول علي «ع»: إني مننت على أهل البصرة كما منّ رسول اللّه «ص» على أهل مكة. و قد كان لرسول اللّه «ص» أن يسبي فكذا الإمام «ع»، و هو شاذّ.» «1»

10- و فيه أيضا في ذيل المسألة الثانية في حكم ما لم يحوها العسكر من الأموال قال:

«بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المسالك هو موضع وفاق، بل في صريح المنتهى و الدروس و محكي الغنية و التحرير الإجماع عليه، بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة ما وقع من أمير المؤمنين «ع» في حرب أهل البصرة و النهر بعد الاستيلاء عليهم.» «2»

11- و في الفقه على المذاهب الأربعة:

«الحنفية و المالكية قالوا: لا يجوز أن يسبى للبغاة ذرية لأنهم مسلمون. و لا يقسم لهم مال لعدم الاستغنام فيها، لقول الإمام علي «رض» يوم الجمل: «و لا يقتل أسير، و لا يكشف ستر، و لا يؤخذ مال.» و هو القدوة لنا في هذا الباب، و لأنهم مسلمون، و الإسلام يعصم النفس و المال. و لا بأس بأن يقاتلوا بسلاحهم إن احتاج المسلمون إليه، لأن الإمام عليا

«رض» قسم السلاح فيما بين أصحابه بالبصرة، و كانت قسمته للحاجة لا للتملك ... و روى ابن أبي شيبة أن عليّا لما هزم طلحة و أصحابه أمر مناديه فنادى: أن لا يقتل مقبل و لا مدبر- يعني بعد الهزيمة- و لا يفتح باب، و لا يستحل فرج و لا مال ...

الشافعية قالوا ...: و يحبس أسيرهم و إن كان صبيّا أو امرأة أو عبدا حتى تنقضي الحرب و يفرق جمعهم و قالوا: إذا انقضت الحرب يجب على الإمام أن يردّ إلى البغاة سلاحهم و خيلهم و غيرها، و يحرم استعمال شي ء من سلاحهم و خيلهم و غيرها من أموالهم إلّا لضرورة ...

الحنفية قالوا: و يحبس الإمام أموال البغاة، فلا يردّها عليهم و لا يقسمها حتى يتوبوا

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 334.

(2)- الجواهر 21/ 339.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 302

فيردها عليهم. أما عدم القسمة فلأنها ليست غنائم، و أما الحبس فلدفع شرهم بكسر شوكتهم و لهذا يحبسها عنهم ...» «1»

أقول: من المحتمل كون كلمة «الحنفية» الأخيرة مصحف «الحنابلة».

12- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة:

«و إذا دفعوا لم يتبع لهم مدبر و لا يجاز على جريحهم و لم يقتل لهم أسير، و لم يغنم لهم مال و لم تسب لهم ذرية.» «2»

و في المغني شرح المختصر:

«فصل: فأما غنيمة أموالهم و سبي ذريتهم فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافا، و قد ذكرنا حديث أبي أمامة و ابن مسعود، و لأنهم معصومون و إنما أبيح من دمائهم و أموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم و قتالهم، و ما عداه يبقى على أصل التحريم.

و قد روي أن عليا «ع» يوم الجمل قال:

«من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه.» و كان بعض أصحاب عليّ قد أخذ قدرا و هو يطبخ فيها، فجاء صاحبها ليأخذها فسأله الذي يطبخ فيها إمهاله حتى ينضج الطبيخ فأبى و كبّه و أخذها ...

و لأن قتال البغاة إنما هو لدفعهم و ردّهم إلى الحق لا لكفرهم، فلا يستباح منهم إلّا ما حصل ضرورة الدفع كالصائل و قاطع الطريق، و بقي حكم المال و الذريّة على أصل العصمة.

و ما أخذ من كراعهم و سلاحهم لم يردّ إليهم حال الحرب لئلا يقاتلونا به.

و ذكر القاضي: أن أحمد أومأ إلى جواز الانتفاع به حال التحام الحرب و لا يجوز في غير قتالهم. و هذا قول أبي حنيفة، لأن هذه الحال يجوز فيها إتلاف نفوسهم و حبس سلاحهم و كراعهم فجاز الانتفاع به كسلاح أهل الحرب.

و قال الشافعي: لا يجوز ذلك إلّا من ضرورة إليه، لأنه مال مسلم فلم يجز الانتفاع به بغير إذنه كغيره من أموالهم ...» «3»

______________________________

(1)- الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 421.

(2)- المغني 10/ 63.

(3)- المغني 10/ 65.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 303

و بالجملة، فالظاهر إجماع أصحابنا الإمامية بل جميع الفقهاء من الفريقين على حرمة سبي النساء و الذراريّ منهم، و كذا حرمة اغتنام أموالهم التي لم يحوها العسكر.

و إنما وقع الاختلاف من فقهائنا في أموالهم التي حواها العسكر، فأحلّها بعضهم و حرّمها آخرون.

فالمسألة تنحل إلى ثلاث مسائل:
[الدليل من الأخبار على المسألتين الأوليين]

و يدلّ على المسألتين الأوليين- مضافا إلى الإجماع و عدم الخلاف بين المسلمين و الأصل المسلّم في نفس المسلم و ماله و عرضه المستفاد من الكتاب و السنة- أخبار كثيرة:

1- خبر حفص، عن جعفر، عن أبيه، عن جدّه، عن مروان بن الحكم، قال:

لما

هزمنا علي «ع» بالبصرة ردّ على الناس أموالهم، من أقام بيّنة اعطاه، و من لم يقم بيّنة أحلفه. قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين، اقسم الفي ء بيننا و السبي. قال: فلما أكثروا عليه قال: «أيّكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟» فكفّوا. «1»

2- مرسلة صدوق، قال: «و قد روي أنّ الناس اجتمعوا إلى أمير المؤمنين «ع» يوم البصرة فقالوا: يا أمير المؤمنين، اقسم بيننا غنائمهم. قال: أيّكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟» «2»

3- و قد مرّ عن المبسوط قوله: «و روي أن عليّا «ع» لمّا هزم الناس يوم الجمل قالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تأخذ أموالهم؟ قال: لا، لأنهم تحرّموا بحرمة الإسلام فلا يحلّ أموالهم في دار الهجرة.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 58، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

(2)- الوسائل 11/ 59، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 7.

(3)- المبسوط 7/ 266.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 304

4- و مرّ عنه أيضا قوله: «و روى أبو قيس أنّ عليّا «ع» نادى: من وجد ماله فليأخذه، فمرّ بنا رجل فعرف قدرا يطبخ فيها فسألناه أن يصبر حتى ينضج فلم يفعل و رمى برجله فأخذها.» «1»

5- و في دعائم الإسلام: «روينا عن علي «ع»: أنه لمّا هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه في عسكرهم مما أجلبوا به عليه فخمّسه و قسم أربعة أخماسه على أصحابه و مضى. فلما صار إلى البصرة قال أصحابه: يا أمير المؤمنين، اقسم بيننا ذراريّهم و أموالهم. قال: ليس لكم ذلك. قالوا: و كيف أحللت لنا دماءهم و لا تحلّ لنا سبي ذراريّهم؟ قال: حاربنا الرجال فحاربناهم، فأما النساء و الذراريّ فلا سبيل لنا

عليهنّ، لأنهنّ مسلمات و في دار هجرة، فليس لكم عليهنّ سبيل. فأما ما أجلبوا عليكم به و استعانوا به على حربكم و ضمّه عسكرهم و حواه فهو لكم، و ما كان في دورهم فهو ميراث على فرائض اللّه لذراريّهم، و على نسائهم العدّة، و ليس لكم عليهن و لا على الذراريّ من سبيل. فراجعوه في ذلك، فلمّا أكثروا عليه قال: هاتوا سهامكم و اضربوا على عائشة أيّكم يأخذها فهي رأس الأمر.

قالوا: نستغفر اللّه. قال: و أنا أستغفر اللّه. فسكتوا. و لم يعرض لما كان في دورهم، و لا لنسائهم، و لا لذراريّهم. و هذه السيرة في أهل البغي.» «2»

و رواه عنه في المستدرك. «3» إلى غير ذلك، و سيأتي بعضها في المسألة الثالثة.

6- و في سنن البيهقي بسنده، عن حمير بن مالك، قال: سمعت عمّار بن ياسر سأل عليا «ع» عن سبي الذرية، فقال: «ليس عليهم سبي، إنما قاتلنا من قاتلنا.» قال:

لو قلت غير ذلك لخالفتك. «4»

7- و قد مرّ عن البيهقي أيضا في ذيل خبر عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه «ص»

______________________________

(1)- المبسوط 7/ 266.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 395، كتاب الجهاد- ذكر الحكم في غنائم أهل البغي.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(4)- سنن البيهقي 8/ 182، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 305

برواية الخوارزمي: «و لا يقسم فيئهم.» «1»

8- و مرّ عنه أيضا خبر حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه «ع»، قال: أمر علي «ع» مناديه فنادى يوم البصرة ... و لم يأخذ من متاعهم شيئا. «2»

9- و

في البيهقي أيضا بسنده، عن شقيق بن سلمة، قال: «لم يسب علي «ع» يوم الجمل و لا يوم النهروان.» «3» هذا.

و لكن يظهر من أخبار كثيرة أن ما صنعه أمير المؤمنين «ع» أو أمر به في أهل البصرة وقع منه منّا عليهم كما منّ رسول اللّه «ص» على أهل مكة، و أنه «ع» أراد بذلك أن يقتدى به بالنسبة إلى شيعته، لما كان يعلم من غلبة الدول الباطلة الظالمة عليهم في الأزمنة اللاحقة، و إلّا كان له- عليهم السلام- السبي و الاستغنام.

و إذا انقضى زمان الهدنة و ظهر القائم «ع» سار فيهم بالسيف و السبي و الاستغنام:

1- ففي الوسائل بسند لا بأس به، عن أبي بكر الحضرمي، قال: «سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: لسيرة علي «ع» في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس، إنه علم أن للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته. قلت: فأخبرني عن القائم «ع» يسير بسيرته؟ قال: لا، إن عليا «ع» سار فيهم بالمنّ لما علم من دولتهم، و إن القائم يسير فيهم بخلاف تلك السيرة لأنه لا دولة لهم.» «4»

2- و فيه أيضا بسنده، عن الحسن بن هارون بيّاع الأنماط، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» جالسا فسأله معلى بن خنيس أ يسير الإمام (القائم خ. ل) بخلاف سيرة علي «ع»؟ قال: «نعم، و ذلك أن عليا «ع» سار بالمنّ و الكفّ، لأنه علم أن شيعته سيظهر

______________________________

(1)- سنن البيهقي 8/ 182، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

(2)- سنن البيهقي 8/ 181، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاءوا ...

(3)- سنن البيهقي 8/ 182، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل

البغي إذا فاءوا ...

(4)- الوسائل 11/ 56، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 306

عليهم، و أن القائم «ع» إذا قام سار فيهم بالسيف و السبي، لأنه يعلم أن شيعته لن يظهر عليهم من بعده أبدا.» «1»

3- و فيه أيضا بسنده، عن أبي حمزة الثمالي، قال: «قلت لعلي بن الحسين «ع»: بما سار علي بن أبي طالب «ع»؟ فقال: إن أبا اليقظان كان رجلا حادّا- رحمه اللّه- فقال:

يا أمير المؤمنين، بما تسير في هؤلاء غدا؟ فقال: بالمنّ، كما سار رسول اللّه «ص» في أهل مكة.» «2»

4- و فيه أيضا بسند صحيح، عن زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «لو لا أن عليّا «ع» سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي و الغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما. ثم قال: و اللّه لسيرته كانت خيرا لكم مما طلعت عليه الشمس.» «3»

5- و فيه أيضا بسنده، عن عبد اللّه بن سليمان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»:

إن الناس يروون أن عليا «ع» قتل أهل البصرة و ترك أموالهم، فقال: إن دار الشرك يحلّ ما فيها، و إن دار الإسلام لا يحلّ ما فيها. فقال «ع»: «إن عليّا «ع» إنما منّ عليهم كما منّ رسول اللّه «ص» على أهل مكة. و إنما ترك علي «ع» أموالهم لأنه كان يعلم أنه سيكون له شيعة، و أن دولة الباطل ستظهر عليهم، فأراد أن يقتدى به في شيعته، و قد رأيتم آثار ذلك، هو ذا يسار في الناس بسيرة علي «ع» و لو قتل علي «ع» أهل البصرة جميعا و اتخذ أموالهم لكان ذلك له حلالا، لكنه منّ عليهم

ليمنّ على شيعته من بعده.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المضمون.

[العمدة في المسألتين هي الإجماعات المدعاة]

أقول: العمدة في المسألتين هي الإجماعات المدعاة فيهما و تسالم الفريقين على المنع، بل كأنه من ضروريات الفقه. و لو لا ذلك أمكن المناقشة في أخبار المنع- مضافا إلى ضعف السند أو الإرسال فيها و عدم دلالة بعضها- باحتمال صدورها

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 57، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(2)- الوسائل 11/ 58، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(3)- الوسائل 11/ 59، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

(4)- الوسائل 11/ 58، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 307

تقية أو لمصلحة خاصة موسمية، يشهد لها ما يعلم من وضع أمير المؤمنين «ع» في عصره من كثرة المخالفين له المنتهزين للفرصة على النقاش و الاعتراض، و ظهور مثل قوله «ع»: «أيّكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه»، في كونه جوابا إسكاتيا. و يشهد لذلك كله الأخبار الكثيرة الدالة على وقوع الحكم هدنة و منّا على ما مرّ. هذا.

و لكن يستفاد من الجواهر أن المستفاد من هذه الأخبار أن التقية جعلت الحكم بالمنع ثابتا في جميع زمان الهدنة إلى عصر ظهور القائم بالحق. «1»

و مقتضى ذلك أن الحكم الأولي و إن اقتضى عدم الاحترام لمن بغى على الإمام العادل لا لنفسه و لا لماله و ذريته، و كونه في ذلك بحكم الكفار، و لكن التقية و الضرورة المستمرتين أوجبتا إجراء أحكام الإسلام عليهم و احترام نفوسهم و أموالهم في جميع زمان الهدنة. فالمنّ الصادر عن أمير المؤمنين «ع» و إن كان حكما ولائيا و لكنه حكم ولائي مستمر

لا يختص بأهل البصرة و نحوهم.

و قد مرّ منّا مرارا أن الأحكام السلطانية الصادرة عن النبي «ص» و الأئمة «ع» على قسمين: بعضها أحكام خاصة موسمية، و بعضها أحكام سلطانية مستمرة، نظير ما احتملناه في قول النبيّ «ص»: «لا ضرر» من كونه حكما سلطانيا له «ص»، و نظير وضع رسول اللّه «ص» الزكاة في تسعة و عفوه عما سواها على ما في بعض الأخبار و أفتى به المشهور، فتدبّر.

و كيف كان فالظاهر إجماع الفقهاء من الشيعة و السنة على المنع في النساء و الذراريّ و أموالهم التي لم يحوها العسكر. و إنما الإشكال و الخلاف في أموالهم التي حواها العسكر، و لا سيما وسائل الحرب و أدواتها.

قال العلامة في جهاد المختلف:

«مسألة: اختلف علماؤنا في قسمة ما حواه العسكر من أموال البغاة: فذهب السيد المرتضى في المسائل الناصرية إلى أنها لا تقسم و لا تغنم. قال: و مرجع الناس في

______________________________

(1)- راجع الجواهر 21/ 335.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 308

ذلك كله إلى ما قضى به أمير المؤمنين «ع» في محاربي أهل البصرة، فإنه منع من غنيمة أموالهم و قسمتها كما تقسم أموال أهل الحرب. و لا أعلم خلافا من الفقهاء في ذلك ...

و إنما اختلف الفقهاء في الانتفاع بدوابّ أهل البغي و سلاحهم في دار الحرب.

و قال الشافعي: لا يجوز. و جوزه أبو حنيفة ... و ابن إدريس وافق السيد المرتضى.

و قال ابن أبي عقيل: يقسم أموالهم التي حواها العسكر.

و قال الشيخ في الخلاف: ما يحويه عسكر البغاة يجوز أخذه و الانتفاع به و يكون غنيمة يقسم في المقاتلة، و ما لم يحوه العسكر لا يتعرض له، و استدل على

ذلك بإجماع الفرقة و أخبارهم ...

و قال في النهاية: يجوز للإمام أن يأخذ من أموالهم ما حواه العسكر و يقسم في المقاتلة حسب ما قدمناه، و ليس له ما لم يحوه. و جوز ابن الجنيد قسمة ما حواه العسكر أيضا، و هو اختيار ابن البراج و أبي الصلاح.

و استدل ابن أبي عقيل بما روي أن رجلا من عبد القيس قام يوم الجمل فقال:

يا أمير المؤمنين، ما عدلت حين تقسم بيننا أموالهم و لا تقسم بيننا نساءهم و لا أبناءهم، فقال له: إن كنت كاذبا فلا أماتك اللّه حتى تدرك غلام ثقيف، و ذلك إن دار الهجرة حرمت ما فيها و دار الشرك أحلّت ما فيها، فأيّكم يأخذ أمه من سهمه؟ ...

و الأقرب ما ذهب إليه الشيخ في النهاية. لنا ما رواه ابن أبي عقيل، و هو شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته و معرفته ...» «1»

أقول: و ذكر هو- قدّس سرّه- للجواز أدلّة غير مقنعة، فراجع. فالعلّامة في المختلف جعل المسألة ذات قولين، كما ترى. و قد مرّ في صدر المسألة بعض كلمات الفقهاء: فالسيّد المرتضى في الناصريات أفتى بالمنع، و تبعه ابن إدريس في السرائر و ادّعى عليه إجماع أصحابنا و إجماع المسلمين.

و ظاهر الشيخ في موضع من المبسوط أيضا المنع، و في النهاية و الخلاف و موضع

______________________________

(1)- المختلف 1/ 336.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 309

من المبسوط الجواز، و ادعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم.

و في الغنية:

«و لا يغنم ممن أظهر الإسلام و من البغاة و المحاربين إلّا ما حواه العسكر من الأموال و الأمتعة التي تخصهم ... كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.» «1»

و في الشرائع أيضا استظهر الجواز، كما مرّ.

و في المسالك:

«القول بالجواز للأكثر و منهم المصنف و العلامة في المختلف. و من حججهم سيرة علي «ع» في أهل الجمل، فإنه قسمه بين المقاتلين ثم رده على أربابه.» «2»

و في الدروس:

«و يقسم أموالهم التي لم يحوها العسكر إجماعا. و جوز المرتضى قتالهم بسلاحهم على دوابّهم، لعموم قوله- تعالى-: «فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ.» و ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام حرام أيضا. و إن أصرّوا فالأكثر على أن قسمته كقسمة الغنيمة. و أنكره المرتضى و ابن إدريس، و هو الأقرب عملا بسيرة علي «ع» في أهل البصرة، فإنه أمر بردّ أموالهم فأخذت حتى القدور.» «3»

و في التذكرة بعد ذكر القولين في المسألة و نسبتهما إلى الشيخ أيضا قال:

«احتج الشيخ بسيرة علي «ع» و لأنهم أهل قتال فحلّت أموالهم كأهل الحرب.

و السيرة معارضة بمثلها، و الفرق ما تقدم.

و لا استبعاد في الجمع بين القولين و تصديق نقلة السيرتين، فيقال بالقسمة للأموال إذا كان لهم فئة يرجعون إليها، إضعافا لهم و حسما لمادة فسادهم، و بعدمها فيما إذا لم تكن لهم فئة لحصول الغرض فيهم من تفريق كلمتهم و تبدد شملهم، هذا هو الذي اعتمده.» «4»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 522 (ط. أخرى/ 584).

(2)- المسالك 1/ 160.

(3)- الدروس/ 164.

(4)- التذكرة 1/ 456.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 310

و ما ذكره من التفصيل إحداث قول ثالث، و كأنه نحو قياس للمسألة على سابقتها، و السيرتان كلتاهما نقلتا في حرب البصرة أيضا. هذا.

و فقهاء السنة جميعا على منع القسمة و التملك. نعم، أجاز بعضهم الانتفاع بمالهم من آلات الحرب و أدواتها من دون

تملك لها، و ارتضاه المرتضى أيضا كما مرّ.

أقول: فأنت ترى أن المسألة مختلف فيها و أن كلا من القولين استدل له بالإجماع و بسيرة علي «ع» في أهل البصرة، و روى في المبسوط مراسيل بعضها يدل على الجواز و بعضها على المنع.

و لا يخفى أن ادعاء الإجماع في كل من الطرفين موهون بوجود الخلاف و بادعائه في الطرف الآخر. و المراسيل لا يعتمد عليها إلّا إذا ضمّ بعضها إلى بعض بحيث حصل العلم الإجمالي بصدور بعضها، و نعبر عن ذلك بالتواتر الإجمالي.

و يظهر من الروايات المستفيضة و من كتب التواريخ أن أمير المؤمنين «ع» في حرب البصرة أجاز قسمة الأموال التي حواها العسكر أولا أو قسمها بنفسه ثم أمر بردّها. فلو ثبت ذلك بنحو القطع دلّ على الجواز و الحلّ و أن الردّ ثانيا وقع منه منّا و عفوا. فالعمدة إذا إثبات تحقق التقسيم منه «ع» أو بإجازته أولا. هذا.

[الأخبار التي يستفاد منها الجواز إجمالا أو إجازة التقسيم]

و الأخبار التي يستفاد منها الجواز إجمالا أو إجازة التقسيم و إنفاذه كثيرة، فلنذكر ما عثرنا عليه، و لعلّه يحصل القطع بصدور بعضها:

1- ففي الوسائل، عن الكافي، قال: و في حديث مالك بن أعين قال: حرّض أمير المؤمنين «ع» بصفين فقال: «... و إذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا و لا تدخلوا دارا و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، و لا تهيّجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم و صلحاءكم. الحديث.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 71، الباب 34 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 311

و مورده كما ترى حرب صفّين، و ما في العسكر أعمّ من

آلات الحرب و غيرها.

2- و في كتاب صفين: عمر بن سعد و حدثني رجل، عن عبد اللّه بن جندب، عن أبيه أن عليا «ع» كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول: «لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم ... فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، و لا تدخلوا دارا إلّا بإذني، و لا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، و لا تهيّجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم.

الحديث.» «1» و رواه عنه في المستدرك. «2»

3- المرسل الذي مرّ من المبسوط، حيث قال: «و قد روى أصحابنا أن ما يحويه العسكر من الأموال فإنه يغنم.» «3»

4- مرسل ابن أبي عقيل الذي مرّ آنفا عن المختلف، و قد اعتمد عليه العلامة و قال: هو شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته و معرفته. و لكن يمكن أن يقال:

إن مجرد عدالة الرجل و معرفته لا يوجبان حجية مراسيله إلّا إذا احتفّت بما يوجب الوثوق بالصدور، نعم تصلح للتأييد.

5- و في دعائم الإسلام: «روينا عن علي «ع» أنه لمّا هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه في عسكرهم مما أجلبوا به عليه فخمّسه و قسم أربعة أخماسه على أصحابه و مضى، فلما صار إلى البصرة قال أصحابه: يا أمير المؤمنين، اقسم بيننا ذراريّهم و أموالهم. قال: ليس لكم ذلك. قالوا: و كيف أحللت لنا دماءهم و لا تحلّ لنا سبي ذراريّهم؟ قال: حاربنا الرجال فحاربناهم، فأما النساء و الذراريّ فلا سبيل لنا عليهنّ لأنهن مسلمات و في دار هجرة فليس لكم عليهن سبيل، فأما ما أجلبوا عليكم به و استعانوا به على

______________________________

(1)- وقعة صفين/ 203.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 259، الباب 32 من أبواب جهاد

العدوّ، الحديث 9.

(3)- المبسوط 7/ 266.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 312

حربكم و ضمّه عسكرهم و حواه فهو لكم. الحديث.» «1» و قد مرّ بتمامه. و رواه عنه في المستدرك. «2»

6- و فيه أيضا بعد هذا الحديث بلا فصل: و عنه «ع» أنّه قال: «ما أجلب به أهل البغي من مال و سلاح و كراع و متاع و حيوان و عبد و أمة و قليل و كثير فهو في ء يخمّس و يقسم، كما تقسم غنائم المشركين.» «3» و رواه عنه في المستدرك. «4»

7- و في المستدرك، عن شرح الأخبار لصاحب الدعائم، عن موسى بن طلحة بن عبيد اللّه- و كان فيمن أسر يوم الجمل و حبس مع من حبس من الأسارى بالبصرة- فقال: كنت في سجن علي «ع» بالبصرة حتى سمعت المنادي ينادي: أين موسى بن طلحة بن عبيد اللّه، قال: فاسترجعت و استرجع أهل السجن و قالوا:

يقتلك، فأخرجني إليه فلمّا وقفت بين يديه قال لي: يا موسى، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: قل: أستغفر اللّه، قلت أستغفر اللّه و أتوب اليه- ثلاث مرات- فقال لمن كان معي من رسله: خلّوا عنه، و قال لي: اذهب حيث شئت و ما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه و اتّق اللّه فيما تستقبله من أمرك و اجلس في بيتك. فشكرت و انصرفت. و كان علي «ع» قد أغنم أصحابه ما أجلب به أهل البصرة إلى قتاله- أجلبوا به يعني: أتوا به في عسكرهم- و لم يعرض لشي ء غير ذلك لورثتهم، و خمّس ما أغنمه مما أجلبوا به عليه، فجرت أيضا بذلك السنة.» «5»

8- و فيه أيضا عن شرح

الأخبار، عن إسماعيل بن موسى بإسناده، عن أبي البختري، قال لمّا انتهى علي «ع» إلى البصرة ... فأمر علي «ع» مناديا ينادي:

لا تطعنوا في غير مقبل ... و ما كان بالعسكر فهو لكم مغنم، و ما كان في الدور فهو ميراث ... فقالوا:

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 395، كتاب الجهاد- ذكر الحكم في غنائم أهل البغي.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 396، كتاب الجهاد- ذكر الحكم في غنائم أهل البغي.

(4)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(5)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 313

يا أمير المؤمنين، من أين أحللت لنا دماءهم و أموالهم و حرمت علينا نساءهم؟

الحديث.» «1»

9- و في كتاب الجمل للشيخ المفيد- قدّس سرّه-: «روى مطر بن خليفة، عن منذر الثوري، قال: لما انهزم الناس يوم الجمل أمر أمير المؤمنين «ع» مناديا ينادي:

أن لا تجهزوا على جريح و لا تتبعوا مدبرا. و قسم ما حواه العسكر من السلاح و الكراع.

و روى سفيان بن سعد، قال: قال عمّار لأمير المؤمنين «ع»: ما ترى في سبي الذرية؟ قال: ما أرى عليهم من سبيل، إنما قاتلنا من قاتلنا. و لمّا قسم ما حواه العسكر قال له بعض القرّاء من أصحابه: اقسم من ذراريّهم لنا و اموالهم، و إلّا فما الذي أحلّ دماءهم و لم يحلّ أموالهم؟ ...

و روى سعد بن جشم، عن خارجة، عن مصعب، عن أبيه، قال: شهدنا مع أمير المؤمنين «ع» الجمل، فلما ظفرنا بهم خرجنا في طلب الطعام، فجعلنا نمرّ بالذهب و الفضة

فلا نتعرض له و إذا وجدنا الطعام أصبنا منه.

قال: و قسم علي «ع» ما وجده في العسكر من طيب بين نسائنا ...

و لما قسم ما حواه العسكر أمر بفرس فيه كادت أن تباع، فقام إليه رجل قال:

يا أمير المؤمنين، هذه الفرس لي كانت، و إنما أعرتها لفلان، و لم أعلم أنه يخرج عليها، فسأله البيّنة على ذلك، فأقام البيّنة أنها عارية، فردها و قسم ما سوى ذلك.

و روى نصر بن (نصر، عن- ظ.) عمر بن سعد، عن أبي خالد، عن عبد اللّه بن عاصم، عن محمد بن بشير الهمداني، عن الحارث بن سريع، قال: لمّا ظهر أمير المؤمنين «ع» على أهل البصرة و قسم ما حواه العسكر قام فيهم خطيبا.

الحديث.» «2»

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 252، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(2)- الجمل/ 216.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 314

فهذه روايات مستفيضة رواها المفيد يظهر منها تحقق القسمة بالنسبة إلى ما حواه العسكر إجمالا في حرب الجمل، و إن كان يظهر من بعضها وقوع القسمة على آلات الحرب فقط.

10- و في مروج الذهب في قصة الجمل قال: «و قبض ما كان في عسكرهم من سلاح و دابة و متاع و آلة و غير ذلك، فباعه و قسمه بين أصحابه.» «1»

11- و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة: «ثم أمر المنادي فنادى: لا يقتلن مدبر و لا يجهز على جريح، و لكم ما في عسكرهم. و على نسائهم العدّة. و ما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض اللّه ...» «2»

12- و في المستدرك، عن الحسين بن حمدان الحضيني في الهداية، عن محمد بن علي، عن الحسن

بن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه الصادق «ع» في حديث طويل في قصة أهل النهروان ...

قال لهم علي «ع»: فأخبروني ما ذا أنكرتم عليّ؟ قالوا: أنكرنا أشياء يحلّ لنا قتلك بواحدة منها ...

و أما ثانيها أنك حكمت يوم الجمل فيهم بحكم خالفته بصفين، قلت لنا يوم الجمل: لا تقتلوهم مولّين و لا مدبرين و لا نياما و لا أيقاظا و لا تجهزوا على جريح، و من ألقى سلاحه فهو آمن، و من أغلق بابه فلا سبيل عليه، و أحللت لنا سبي الكراع و السلاح و حرمت علينا سبي الذراريّ.

و قلت لنا بصفين: اقتلوهم مدبرين و نياما و أيقاظا و جهّزوا على كل جريح، و من ألقى سلاحه فاقتلوه، و من أغلق بابه فاقتلوه، و أحللت لنا سبي الكراع و السلاح و الذراريّ. فما العلة فيما اختلف فيه الحكمان؟ إن يكن هذا حلالا فهذا حلال، و إن يكن هذا حراما فهذا حرام ...

ثم قال- عليه السلام-: و أما حكمي يوم الجمل بما خالفته يوم صفين فإن أهل الجمل ... لم تكن لهم دار حرب تجمعهم، و لا إمام يداوي جريحهم و يعيدهم إلى قتالكم مرة أخرى، و أحللت لكم الكراع و السلاح، و حرمت الذراريّ فأيّكم يأخذ عائشة زوجة النبي «ص» في سهمه؟ ...

______________________________

(1)- مروج الذهب 2/ 15.

(2)- الإمامة و السياسة 1/ 72.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 315

و أما قولي بصفين: اقتلوهم مولّين و مدبرين ... و أحللت لكم سبي الكراع و السلاح و سبي الذراريّ، و ذاك حكم اللّه- عزّ و جلّ-، لأن لهم دار حرب قائمة و إماما منتصبا يداوي جريحهم ...

و

من خرج من بيعتنا فقد خرج من الدين و صار ماله و ذراريّه بعد دمه حلالا. الحديث.»

و رواه القاضي نعمان في كتاب شرح الأخبار، عن أحمد بن شعيب الساري بإسناده، عن عبد اللّه بن عباس مثله باختلاف يسير «1».

أقول: ما في هذه الرواية من إحلال سبي الذراريّ في صفين غير معهود بل هو متروك قطعا، لما مرّ من إجماع المسلمين بل ضرورة الفقه الإسلامي على حرمة سبي النساء و الذراريّ من البغاة مطلقا.

13- و في مسند زيد، عن علي «ع»: «أنه خمّس ما حواه عسكر أهل النهروان و أهل البصرة، و لم يعترض ما سوى ذلك.» «2»

إذ الظاهر منه تقسيم الأخماس الباقية.

14- و في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة: «اتّفقت الرواة كلها على أنه- عليه السلام- قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح و دابّة و مملوك و متاع و عروض، فقسمه بين أصحابه، و أنهم قالوا له: اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا، فقال: لا. فقالوا: فكيف تحلّ لنا دماءهم و تحرم علينا سبيهم؟! فقال: كيف يحلّ لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة و إسلام؟! أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم، و أما ما وارت الدور و أغلقت عليه الأبواب فهو لأهله، و لا نصيب لكم في شي ء منه.

فلمّا أكثروا عليه قال: فاقرعوا على عائشة لأدفعها إلى من تصيبه القرعة. فقالوا: نستغفر اللّه يا أمير المؤمنين، ثم انصرفوا.» «3» إلى غير ذلك مما ورد في التواريخ.

و كيف كان فالظاهر أن الأموال التي حواها العسكر يجوز اغتنامها، وفاقا للأكثر

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 253، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 9.

(2)- مسند زيد/ 321، كتاب السير،

باب قتال أهل البغي.

(3)- شرح ابن أبي الحديد 1/ 250.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 316

لما مرّ من الأخبار الكثيرة الواردة في حرب الجمل و صفين التي ربما يحصل القطع بصدور بعضها إجمالا.

فإن قلت: يعارض هذه الأخبار ما دلت على حرمة اغتنام أموالهم مطلقا، و قد مرّ بعضها و منها صحيحة زرارة السابقة، عن أبي جعفر «ع»: «لو لا أن عليّا «ع» سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي و الغنيمة للقيت شيعته من الناس بلاء عظيما. الحديث.» «1»

قلت: الأخبار المطلقة المانعة تحمل على الأخبار المفصلة بين ما حواها العسكر و ما لم يحوها، فلاحظ خبر الدعائم الذي مر، حيث قال: «روينا عن علي «ع» أنه لمّا هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه في عسكرهم مما أجلبوا به عليه فخمّسه و قسم أربعة أخماسه على أصحابه و مضى، فلما صار إلى البصرة قال أصحابه:

يا أمير المؤمنين، اقسم بيننا ذراريّهم و أموالهم. قال: ليس لكم ذلك. الحديث.» «2»

فهم مع قسمة ما حواها العسكر بينهم استدعوا قسمة الذراريّ و الأموال، و أجابهم- عليه السلام- بالمنع و أنه ليس لهم ذلك. فيظهر بذلك أن الأموال الممنوع تقسيمها هي ما لم يحوها العسكر، و أما ما حواها العسكر فكان جواز قسمتها مفروغا عنه.

و ردّها في الجمل بعد ذلك وقع امتنانا، و لعلّه «ع» جبر ذلك لأصحابه من بيت المال.

فإن قلت: كما دلّت الروايات على وقوع التقسيم إجمالا في حرب البصرة فقد دلّت على ردّ الأموال أيضا منّا و عفوا، و قد مرّ أنه يظهر من الأخبار أن المنّ منه «ع» كان حكما ولائيا مستمرا في جميع زمان الهدنة إلى قيام القائم «ع»، كما

في السبى و الأموال التي لم يحوها العسكر، فراجع ما حكيناه في المقام عن صاحب الجواهر.

قلت: شمول أخبار المنّ المستمر للأموال التي حواها العسكر غير معلوم، فيؤخذ

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 59، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 395، كتاب الجهاد- ذكر الحكم في غنائم أهل البغي.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 317

بأخبار الجواز فإنها خاصة و العام لا يعارض الخاص، و قد أفتى الأكثر بالجواز كما مرّ.

كيف و لو كان المنّ الواقع منه «ع» في الجمل حكما مستمرا فلم أجاز اغتنام ما في العسكر في حرب صفين، كما مرّ في خبر مالك بن أعين و خبر جندب؟! اللّهم إلّا أن نفصّل بين من له فئة و غيره، كما حكيناه عن التذكرة.

هذا مضافا إلى أن اغتنام الأموال التي حواها العسكر و مصادرتها أمر عرفي استقرت عليه سيرة العقلاء في جميع الأعصار، لوقوعها في طريق البغي و التجاوز، فكأنها تصادر على سبيل المقابلة و التقاصّ كما أشار إليه المرتضى في الناصريات، و لأن من جاء بها إلى أثناء المعركة بغيا و عدوانا فكأنه عرّضها للتلف كما عرّض نفسه له فلا يبقى لها حرمة. هذا كله بالنسبة إلى الأموال الشخصية للبغاة.

و أما الأسلحة و الأمتعة و الرواتب التي وزّعتها الدولة الباغية على جنودها فهي من الأموال العامة، و أمرها موكول إلى إمام المسلمين و وليّ أمرهم بلا إشكال و له إجازة تقسيمها بين جنده تشويقا لهم.

و من المحتمل بعيدا أن يراد بما حواها العسكر في الروايات هذه الأموال لا الأموال الشخصية للبغاة.

و ربما يشهد لذلك ما في تاريخ الطبري، قال: «و دفن علي «ع» الأطراف في قبر عظيم،

و جمع ما كان في العسكر من شي ء ثم بعث به إلى مسجد البصرة: أن من عرف شيئا فليأخذه إلّا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان فإنه مما بقي ما لم يعرف، خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال اللّه- عزّ و جلّ-، لا يحلّ لمسلم من مال المسلم المتوفى شي ء، و إنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفل من السلطان.» «1» هذا.

و قد طال البحث في باب الغنائم، و لعلّ التطويل مخالف لوضع هذا الكتاب و لكنه حيث لم نبحث في الغنائم قبل ذلك أطلنا البحث فيها هنا بخلاف الزكاة و الخمس، حيث استوفينا البحث فيهما قبل ذلك، و قد طبع ما كتبناه فيهما، فراجع.

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 6/ 3223 (ط. ليدن).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 319

الفصل الرابع في بيان مفهوم الفي ء و ذكر بعض مصاديقه

[معنى الفي ء في سورة الحشر و بيان نزولها]

و الظاهر أن هذه الكلمة مأخوذة من كلامه- تعالى- في سورة الحشر، فلنتعرض له إجمالا:

قال اللّه- تعالى-: «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ، وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ* مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ، وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتَّقُوا اللّٰهَ إِنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ* لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ أَمْوٰالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً وَ يَنْصُرُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ هُمُ الصّٰادِقُونَ* وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِيمٰانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هٰاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لٰا يَجِدُونَ فِي

صُدُورِهِمْ حٰاجَةً مِمّٰا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَ الَّذِينَ جٰاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنٰا وَ لِإِخْوٰانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونٰا بِالْإِيمٰانِ وَ لٰا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنٰا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنٰا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ.» «1»

______________________________

(1)- سورة الحشر (59)، الآيات 6- 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 320

أقول: قوله: «أَفٰاءَ» من الفي ء بمعنى الرجوع. و الإيجاف: تسيير الخيل و الركاب، من وجف وجيفا إذا تحرك باضطراب. و الركاب: الإبل. و الخصاصة: الإملاق و الحاجة. و الشّحّ: البخل، أو البخل مع الحرص.

1- و في الدرّ المنثور بسنده، عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال: قل سورة النضير. «1»

2- و فيه أيضا بسنده، عنه، قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال:

«نزلت في بني النصير.» «2»

3- قالوا: نزلت السورة في إجلاء بني النضير و هم يهود المدينة، و ذلك أن النبيّ «ص» لما دخل المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه و لا يقاتلوا معه، ثم نقضوا العهد فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة و حالفوا أبا سفيان و قريشا على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد «ص» فنزل جبرائيل فأخبر النبي «ص» بما تعاقدوا عليه.

و خرج رسول اللّه «ص» إلى بني النضير يستعينهم في دية قتيلين من بني عامر، فلما أتاهم قال بعضهم لبعض: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فاطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت فاقتلوه، فأتاه الخبر من السماء بذلك فقام و خرج إلى المدينة ثم أقبل أصحابه فأخبرهم بما أراد اليهود من الغدر، و أمر محمد

بن مسلمة بقتل رئيسهم كعب بن الأشرف، و سار إليهم بالناس حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في حصن منيع، و أرسل إليهم عبد اللّه بن أبيّ المنافق: لئن أخرجتم لنخرجن معكم و إن قوتلتم لننصرنكم، ثم أخلفهم، و قذف اللّه الرعب في قلوبهم، فصالحهم النبيّ «ص» على أن يحقن دماءهم و أن يخرجوا من أرضهم و ديارهم و جعل لكل

______________________________

(1)- الدّر المنثور 6/ 187.

(2)- الدّر المنثور 6/ 187.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 321

ثلاثة منهم بعيرا و سقاء فخرجوا إلى خيبر و أذرعات بالشام و غيرهما من البلاد.

راجع في تفصيل القصة تفسير علي ابن إبراهيم القمي، و سيرة ابن هشام، و مغازي الواقدي، و المجمع و التبيان و القرطبي و الدرّ المنثور و غيرها من التفاسير. «1»

4- و في السيرة: «و خلّوا الأموال لرسول اللّه «ص» فكانت لرسول اللّه «ص» خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول اللّه «ص» على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلّا أنّ سهل بن حنيف و أبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول اللّه «ص» ...

و نزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم اللّه به من نقمته، و ما سلط عليهم به رسوله «ص» و ما عمل به فيهم.» «2»

5- و في المغازي للواقدي بسنده: «فقال عمر: يا رسول اللّه، ألا تخمس ما أصبت من بني النضير كما خمست ما أصبت من بدر؟ فقال رسول اللّه «ص»: لا أجعل شيئا جعله اللّه- عزّ و جلّ- لي دون المؤمنين بقوله: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ» الآية، كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين.» «3»

و لا يخفى أن مقصود عمر

في سؤاله تخميس المال و تقسيم البقية، كما في الغنائم.

و الرواية شاهدة على وقوع التخميس في غنائم بدر.

6- و فيه أيضا ما ملخصه: «فلما غنم رسول اللّه «ص» بني النضير دعا ثابت بن قيس فقال: ادع لي قومك، فدعا له الأوس و الخزرج، فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم ذكر الأنصار و ما صنعوا بالمهاجرين و إنزالهم إياهم في منازلهم و أثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت بينكم و بين المهاجرين مما أفاء اللّه عليّ من بني النضير، و كان المهاجرون

______________________________

(1)- راجع تفسير علي بن إبراهيم (القميّ)/ 672 (ط. أخرى 2/ 358)؛ و سيرة ابن هشام 3/ 199؛ و المغازي للواقدي 1/ 363؛ و مجمع البيان 5/ 256 (الجزء 9)؛ و التبيان 2/ 665؛ و تفسير القرطبي 18/ 4 و ما بعدها؛ و الدّر المنثور 6/ 187.

(2)- سيرة ابن هشام 3/ 201.

(3)- المغازى للواقدي 1/ 377.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 322

على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم و أموالكم، و إن أحببتم أعطيتهم و خرجوا من دوركم.

فتكلم سعد بن عبادة و سعد بن معاذ فقالا: يا رسول اللّه، بل تقسمه للمهاجرين و يكونون في دورنا كما كانوا، و نادت الأنصار: رضينا و سلمنا يا رسول اللّه «ص»، فقسم رسول اللّه «ص» ما أفاء اللّه عليه و أعطى المهاجرين و لم يعط أحدا من الأنصار من ذلك الفي ء شيئا إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف، و أبا دجانة.» «1» راجع في ذلك أيضا تحف العقول. «2»

7- و في سنن البيهقي بسنده عن الزهري، عن مالك بن أوس، عن عمر في حديث قال: «كانت أموال بني

النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل و لا ركاب، فكانت لرسول اللّه «ص» خالصا دون المسلمين، و كان رسول اللّه «ص» ينفق منها على أهله نفقة سنة، فما فضل جعله في الكراع و السلاح، عدة في سبيل اللّه.» «3»

و نحوه في أمّ الشافعي، «4» و الأموال لأبي عبيد. «5»

8- و في سنن البيهقي أيضا بسنده عن الزهري: «كانت بنو النضير للنبي خالصا لم يفتحوها عنوة، افتتحوها على صلح، فقسمها النبي «ص» بين المهاجرين، لم يعط الأنصار منها شيئا إلا رجلين كانت بهما حاجة.» «6»

9- و في المجمع: «جعل اللّه أموال بني النضير لرسوله خالصة، يفعل بها ما يشاء، فقسمها رسول اللّه «ص» بين المهاجرين، و لم يعط الأنصار منها شيئا إلّا ثلاثة نفر

______________________________

(1)- المغازي للواقدي 1/ 379.

(2)- تحف العقول/ 341، رسالة أبي عبد اللّه «ع» في الغنائم و وجوب الخمس.

(3)- سنن البيهقي 6/ 296، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب مصرف أربعة أخماس الفي ء ...

(4)- الأمّ للشافعي 4/ 64.

(5)- الأموال/ 15.

(6)- سنن البيهقي 6/ 296، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب مصرف أربعة أخماس الفي ء ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 323

كانت بهم حاجة، و هم أبو دجانة، و سهل بن حنيف، و الحارث بن الصمة.» «1»

10- و في كتاب الأموال لأبي عبيد: «قال أبو عبيد: أول ما نبدأ به من ذكر الأموال ما كان منها لرسول اللّه «ص» خالصا دون الناس، و ذلك ثلاثة أموال:

أولها: ما أفاء اللّه على رسوله من المشركين، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل و لا ركاب، و هي فدك و أموال بني النضير، فإنهم صالحوا رسول اللّه

«ص» على أموالهم و أرضيهم بلا قتال كان منهم و لا سفر تجشمه المسلمون إليهم.

و المال الثاني: الصفي الذي كان رسول اللّه «ص» يصطفيه من كل غنيمة يغنمها المسلمون قبل أن يقسم المال.

و الثالث: خمس الخمس بعد ما تقسم الغنيمة و تخمس. و في كل ذلك آثار قائمة معروفة.» «2»

اذا عرفت هذا فنقول:

هنا أمور يجب البحث فيها إجمالا:
اشارة

1- هل الموضوع في الآيتين هنا واحد أو يكون الموضوع في الثانية أعم؟

2- ما هو الحكم في ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب؟

3- هل في الفي ء خمس أم لا؟

4- ما هو مفهوم الفي ء و المراد منه في لسان الشرع، و النسبة بينه و بين الغنائم و الأنفال و الصدقات؟

5- التعرض لبعض أنواع الفي ء.

______________________________

(1)- مجمع البيان 5/ 260 (الجزء 9).

(2)- الأموال/ 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 324

الأمر الأول: [هل الموضوع في الآيتين هنا واحد]

قد يقال: إن الموضوع في كلتا الآيتين هنا أموال بني النضير، و إنما تعرضت الآية الأولى لعدم كونها للمقاتلين حيث لم يوجفوا عليها، و ما بعدها تعرضت لما هو المصرف لها.

و قد يقال: إن الموضوع في الأولى أموال بني النضير، و في الثانية جميع ما أفاء اللّه على رسوله من بني النضير و غيرهم.

قال في المجمع:

«قال ابن عباس: نزل قوله: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ» الآية، في أموال كفار أهل القرى و هم قريظة و بنو النضير و هما بالمدينة، و فدك و هي من المدينة على ثلاثة أميال، و خيبر، و قرى عرينة، و ينبع، جعلها اللّه لرسوله يحكم فيها ما أراد، و أخبر أنها كلّها له. فقال أناس: فهلا قسمها؟ فنزلت الآية.

و قيل: إن الآية الأولى بيان أموال بني النضير خاصة، لقوله: «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ»، الآية. و الثانية بيان الأموال التي أصيبت بغير قتال. و قيل: إنهما واحد و الآية الثانية بيان قسم المال الذي ذكره اللّه في الآية الأولى.» «1»

أقول: يظهر منه أن الأقوال ثلاثة، و على القول الأوّل تشمل الآية الثانية لما حصل بالقتال أيضا، كأموال خيبر.

و ربّما يشهد لهذا

القول خبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، حيث ذكر فيه بعض مصاديق الفي ء و الأنفال و قال إنها للإمام ثم قال: و أما قوله: «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ

______________________________

(1)- مجمع البيان 5/ 260 (الجزء 9).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 325

رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ.» قال: أ لا ترى هو هذا؟ و أما قوله: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ» فهذا بمنزلة المغنم، كان أبي يقول ذلك و ليس لنا فيه غير سهمين ...» «1»

و لعل القول بنسخ آية الخمس لهذه الآية كان مبنيا على هذا القول، و سيأتي البحث فيه.

و في الدرّ المنثور:

«أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ» قال: أمر اللّه رسوله بالسير إلى قريظة و النضير، و ليس للمؤمنين يومئذ كثير خيل و لا ركاب، فجعل رسول اللّه «ص» يحكم فيه ما أراد، و لم يكن يومئذ خيل و لا ركاب يوجف بها. قال: و الإيجاف أن يوضعوا السير. و هي لرسول اللّه «ص» فكان من ذلك خيبر و فدك و قرى عرينة، و أمر اللّه رسوله أن يعدّ لينبع فأتاها رسول اللّه «ص» فاحتواها كلها، فقال أناس: هلا قسمها، فأنزل اللّه عذره فقال: مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ- إلى قوله- شَدِيدُ الْعِقٰابِ.» «2»

أقول: لا مانع من كون الآية الأولى بقرينة قوله: «مِنْهُمْ» في بني النضير، و الآية الثانية أعم. نظير ما احتملناه في آية الأنفال من كون السؤال عن غنائم بدر و الجواب عن جميع

الأنفال، فتكون السلام في الأول للعهد و في الثاني للجنس.

اللّهم إلا أن يقال: إن قوله- تعالى- بعد ذلك: «لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ» و ما بعده من الآيات بقرينة ما ورد في تفسيرها من الروايات- و قد مرّ بعضها- لعله قرينة على كون جميع الآيات مرتبطة بقصة بني النضير.

و كيف كان فالحكم لا يختص بأموال بني النضير أو بخصوص ما لم يوجف عليه في عصر النبي «ص»، بل يعمّ جميع الأشباه و النظائر و لو في عصر الغيبة، و المرجع فيها إمام المسلمين على ما يأتي في جميع الأنفال.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 368، الباب 1 من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام، الحديث 12.

(2)- الدّر المنثور 6/ 192.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 326

الأمر الثاني: في حكم ما لم يوجف عليه بالخيل و الركاب و أنه للرسول «ص» و بعده للإمام:
اشارة

أقول: قد وردت أخبار مستفيضة بل متواترة في أن ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب تكون من الأنفال و تكون لرسول اللّه «ص» و بعده للإمام، و سيأتي ذكرها في فصل الأنفال. و قد مرّ سابقا و يأتي أن المراد كونها لمنصب الإمامة و في اختيار الإمام و هو الولي لأمرها، لا أنها لشخص الإمام، فتكون من الأموال المعدة للمصالح العامة. نعم، إدارة شئون الإمام و بيته و عائلته أيضا من أهمّ المصالح العامة.

و الأموال العامة قد تضاف إلى اللّه، و قد تضاف إلى الرسول أو إلى الإمام، و قد تضاف إلى المسلمين،

و مآل الكل واحد:

1- ففي الخطبة الشقشقية من نهج البلاغة: «و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة الإبل نبتة الربيع.» «1»

2- و في نهج البلاغة أيضا من كلام له «ع» كلّم به عبد اللّه بن زمعة لما طلب منه مالا قال: «إن هذا المال ليس لي و لا لك، و إنما هو في ء للمسلمين و جلب أسيافهم.» «2» و قد مرّ بيان كون الغنائم من الأنفال.

3- و في الوسائل بإسناده، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» في الغنيمة، قال: «يخرج منه الخمس و يقسم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك. و أما الفي ء

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 30؛ لح/ 49، الخطبة 3.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 728؛ عبده 2/ 253؛ لح/ 353، الخطبة 232.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 327

و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه «ص».» «1»

4- و فيه أيضا بسند موثوق به، عن سماعة، قال: سألته عن الأنفال، فقال:

«كل أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم، قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و

لا ركاب.» «2»

و نحو ذلك من الروايات الكثيرة الدالة على كون الفي ء و الأنفال للإمام.

و ليس المقصود في الآية الشريفة تقسيم الفي ء ستة أسهم متساوية أو غير متساوية على ما ينسبق إلى الأذهان، بل لم نجد من فقهائنا من يفتي بوجوب التسهيم في الفي ء و الأنفال، و إن أفتوا به في الخمس و دلّ عليه بعض الأخبار.

فلعل المقصود كما عرفت في باب الخمس هو الترتيب في الاختصاص، و سياق الآيتين في البابين واحد. فالفي ء يكون تحت اختيار من له حق الحكم. و حيث إن الحكم يكون أولا و بالذات للّه- تعالى-، و من قبله- تعالى- جعل للرسول، و من قبل الرسول «ص» جعل للإمام من ذي القربى، فالفي ء الذي هو من ضرائب الحكم الإسلامي يكون بأجمعه للّه و تحت اختياره، و من قبله جعل تحت اختيار الرسول، و من قبل الرسول جعل تحت اختيار الإمام.

و المراد بذي القربى هو الإمام من عترته و أهل بيته، كما ادعي عليه الإجماع في باب الخمس، و قد مرّ، و يدلّ عليه الأخبار:

و منها ما رواه في الكافي بسنده، عن سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين «ع» يقول: «نحن و اللّه الذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه و نبيه «ص» فقال: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ» منا خاصة و لم يجعل لنا سهما في الصدقة. الحديث.» «3»

و أما الأصناف الثلاثة الأخر فهي مصارف محضة يتكفل لمئونتها الإمام و لذا

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 8.

(3)- الكافي 1/

539، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال و تفسير الخمس ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 328

لم يدخل عليها لام الملك لا في المقام و لا في آية الخمس.

و قد دلت الأخبار الواردة و كلمات أصحابنا على أن المراد بها الأصناف الثلاثة من بني هاشم لا مطلقا، و إنما خصوا بالذكر تشريفا لهم و اهتماما بشأنهم لئلا تنساهم الأمّة.

و قد مرّ في الجهة الثالثة التي عقدناها لبيان مصرف الخمس ذكر المحتملات في الآية الشريفة و في الأصناف الثلاثة و في ذي القربى و كلمات الفقهاء و الأعلام فيها. و قوينا هناك كون الخمس و كذا الفي ء حقا وحدانيا يكون بأجمعه تحت اختيار الإمام، و الإمام يسد به خلات نفسه و بيته و عائلته و خلات المجتمع كما صنع رسول اللّه «ص». و لأجل ذلك صرف رسول اللّه «ص» أموال بني النضير مع كونها له خاصة، كما مرّ في الأخبار، في مصارف أهله و أزواجه و في فقراء المهاجرين و الأنصار. و قد تعرضت لذلك الآيات التي مرت:

فقوله: «لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ» لبيان أحد المصارف و كأنه بمنزلة البدل لما قبله.

و قوله: «وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِيمٰانَ»، و قوله: «وَ الَّذِينَ جٰاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» يحتمل فيهما العطف و الاستيناف.

و على الاحتمال الأول يشارك الأنصار و التابعون المهاجرين في الفي ء لا بنحو الملكية بل بنحو المصرفية.

و بهذا الاحتمال أخذ عمر في حديث طويل رواه مالك بن أوس بن الحدثان، و في آخره: «قال عمر: لئن بقيت ليأتين الرويعي بصنعاء حقه و دمه في وجهه.»

رواه السيوطي في الدر المنثور عن أبي عبيد، و البخاري، و مسلم، و أبي داود، و الترمذي

و غيرهم، فراجع. «1» و إن اشتمل الحديث على ما لا نلتزم به جدّا، و هو الذي عنى به الخليفة. هذا.

______________________________

(1)- الدّر المنثور 6/ 193.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 329

اعطاء فدك لفاطمة «ع»:

و حفظ بيت الوحي و الرسالة، و أغصان شجرة النبوة، و شئون العترة الطاهرة التي عدّها الرسول الكريم «ص» قرينا للكتاب العزيز في حديث الثقلين المتواتر نقله بين الفريقين حفظا للكتاب و السنة، و سفنا لنجاة الأمة و نظاما لأمرهم، قد كان من أهم المصالح العامة التي كان يجب على النبي «ص» الاهتمام بها لمستقبل الأمة.

و لأجل ذلك أعطى فاطمة «ع» فدك التي كانت خالصة له، حيث كانت هي قرينة لباب العلم و الحكمة و صدفا لدرر العترة الطاهرة:

1- ففي الدر المنثور: «أخرج البزاز و أبو يعلى و ابن أبي حاتم و ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت هذه الآية: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ» دعا رسول اللّه «ص» فاطمة فاعطاها فدك.»

و أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس، قال: لما نزلت: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ» أقطع رسول اللّه «ص» فاطمة فدك.» «1»

2- و في الوسائل بسنده، عن علي بن أسباط، عن أبي الحسن موسى «ع» في حديث، قال: «إن اللّه لما فتح على نبيه فدك و ما والاها لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، فأنزل اللّه على نبيه: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ»، فلم يدر رسول اللّه «ص» من هم فراجع في ذلك جبرئيل و راجع جبرئيل ربه، فأوحى اللّه إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة. الحديث.» «2»

3- و روى الصدوق في العيون: «و الآية الخامسة قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ آتِ

ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ» ...

______________________________

(1)- الدّر المنثور 4/ 177. و الآية المذكورة من سورة الإسراء (17)، رقمها 26.

(2)- الوسائل 6/ 366، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 330

فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه «ص» قال: ادعوا لي فاطمة، فدعيت له، فقال:

يا فاطمة، قالت: لبيك يا رسول اللّه، فقال: هذه فدك، هي مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و هي لي خاصة دون المسلمين، و قد جعلتها لك لما أمرني اللّه- تعالى- به، فخذيها لك و لولدك.» «1»

و رواها أيضا في تحف العقول «2».

4- و في شرح ابن أبي الحديد بسنده، عن الزهري، قال:

«بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا فسألوا رسول اللّه «ص» أن يحقن دماءهم و يسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي «ص» خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.» «3» و روى نحو ذلك البلاذري في فتوح البلدان. «4»

5- و فيه أيضا:

«قال أبو بكر: و روى محمد بن إسحاق أيضا أن رسول اللّه «ص» لما فرغ من خيبر قذف اللّه الرعب في قلوب أهل فدك، فبعثوا إلى رسول اللّه «ص» فصالحوه على النصف من فدك، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما أقام بالمدينة، فقبل ذلك منهم. و كانت فدك لرسول اللّه «ص» خالصة له، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. قال: و قد روي أنه صالحهم عليها كلها.» «5»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في هذا المجال.

و بالجملة، ففدك كانت مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، فكانت خالصة لرسول اللّه «ص»، يعني لم يتعلق

بها حق للمقاتلين، بل كانت بأجمعها تحت اختيار

______________________________

(1)- عيون أخبار الرضا/ 233، الباب 23 (باب ذكر مجلس الرضا «ع» مع المأمون)، الحديث 1.

(2)- تحف العقول/ 430.

(3)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/ 210.

(4)- فتوح البلدان/ 43.

(5)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/ 210.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 331

الرسول «ص» و كان له أن يضعها حيث يراها مصلحة. فأعطاها فاطمة- عليها السلام- لا لأنها ابنته فقط، بل لأن بيتها مهبط الملائكة و محور حفظ الكتاب و السنّة و ضمان مستقبل الأمة، و هذا كان من أهم المصالح العامة. فهو «ص» أراد دعم بيت الإمامة من الجهة المالية و بهذا الملاك أعطى و نحل فاطمة فدك، و بهذا الملاك أيضا ابتزّها الغاصبون.

و مطالبة الميراث كانت في الرتبة المتأخرة و من باب المماشاة، كما يظهر لمن تتبع.

و في نهج البلاغة: «بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس قوم آخرين، و نعم الحكم اللّه. و ما أصنع بفدك و غير فدك و النفس مظانها في غد جدث؟» «1»

فظاهره أن فدك كانت في أيديهم و تحت تصرفهم، و على هذا فلم يكن للخليفة مطالبتهم بالبيّنة، فإنها خلاف موازين القضاء.

و لم يكن إقطاع الرسول «ص» لفاطمة «ع» و أهلها أمرا فريدا يخصها:

ففي فتوح البلدان للبلاذري: أنه «ص» أقطع من أرض بني النضير أبا بكر و عبد الرحمن بن عوف و أبا دجانة و غيرهم. «2»

و أقطع الزبير بن العوام أرضا من أرض بني النضير ذات نخل. «3»

و أقطع بلالا أرضا فيها جبل و معدن. «4»

و قال مالك بن أنس: أقطع رسول

اللّه «ص» بلال بن الحارث معادن بناحية الفرع، لا اختلاف في ذلك بين علمائنا. «5»

و أقطع عليا «ع» أربع أرضين: الفقيرين و بئر قيس و الشجرة.» «6»

و أبو بكر نفسه أقطع الزبير الجرف، و عمر أقطعه العقيق أجمع. «7»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 967؛ عبده 3/ 79؛ لح/ 417، الكتاب 45.

(2)- فتوح البلدان/ 31.

(3)- فتوح البلدان/ 34.

(4)- فتوح البلدان/ 27.

(5)- فتوح البلدان/ 27.

(6)- فتوح البلدان/ 27.

(7)- فتوح البلدان/ 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 332

فما أدري لما ذا اخذوا من فاطمة «ع» نحلة أبيها، و هل كانت هي فقط من الأموال العامة للمسلمين؟ نعم، فدك كانت دعما لبيت الإمامة و الوصاية كما مرّ، و هذا كان سبب ابتزازها.

و مما يشهد لما ذكرناه من ارتباط أمر فدك بموضوع الخلافة و الإمامة، و أن إعطاءها لفاطمة «ع» كان لدعم بيت الإمامة لا بلحاظ العواطف الشخصيّة ما ورد من أن إعطاءها وقع بعد نزول قوله- تعالى-: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ.» و قد أجمع أصحابنا الإمامية إلّا ما شذّ على أن المراد بذي القربى هو الإمام، و به فسّر في بعض الأخبار أيضا. فهو «ص» إنما أعطاها فاطمة بما أنها كانت أم الأئمة الطاهرة و قرينة لأول الأوصياء. و لعل شدة قربها من النبي «ص» توجب الحياء من هتك حريمها، و العواطف تعوق دون ابتزاز حقها، و لكن يد السياسة هدمت ما أسّسه النبي «ص» و بناه، و ما أدراك ما السياسة؟!

و يشهد لذلك أيضا: ما ورد في تحديد فدك بحدود المملكة الإسلامية بسعتها، أو بمطلق ما لم يوجف عليه المرتبط بمنصب الإمامة و مقامها:

ففي المناقب عن كتاب أخبار الخلفاء: «أن هارون الرشيد كان

يقول لموسى بن جعفر «ع» خذ فدك حتى أردّها إليك، فيأبى حتى ألحّ عليه، فقال «ع»:

لا آخذها إلا بحدودها، قال: و ما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردّها. قال: بحق جدّك إلّا فعلت. قال: أما الحدّ الأول فعدن. فتغير وجه الرشيد، و قال: إيها! قال: و الحد الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه. قال: و الحد الثالث إفريقية، فاسودّ وجهه و قال: هيه! قال:

و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر و إرمينية. قال الرشيد: فلم يبق لنا شي ء، فتحول إلى مجلسي! قال موسى: قد أعلمتك أنني إن حددتها لم تردها. فعند ذلك عزم على قتله.» «1»

______________________________

(1)- المناقب 3/ 435.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 333

و رواه عنه في البحار. «1»

و في رواية علي بن أسباط، قال: لما ورد أبو الحسن «ع» على المهدي رآه يردّ المظالم فقال: «يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا لا تردّ؟ فقال له: و ما ذاك؟ يا أبا الحسن! قال: إن اللّه- تعالى- لما فتح على نبيه «ص» فدك و ما والاها لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، فأنزل اللّه على نبيه «ص»: «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ»، فلم يدر رسول اللّه «ص» من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، و راجع جبرئيل «ع» ربه، فأوحى اللّه إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة «ع»، فدعاها رسول اللّه «ص» فقال لها: يا فاطمة، إن اللّه أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول اللّه من اللّه و منك. فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول اللّه «ص». فلما ولى أبو بكر أخرج عنها وكلاءها، فأتته فسألته أن يردّها عليها، فقال لها: ايتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك،

فجاءت بأمير المؤمنين «ع» و أمّ أيمن فشهدا لها ...

فقال له المهدي: يا أبا الحسن، حدّها لي. فقال: حدّ منها جبل أحد، و حدّ منها عريش مصر، و حدّ منها سيف البحر، و حدّ منها دومة الجندل.

فقال له: كل هذا؟! قال: نعم يا أمير المؤمنين، هذا كله، إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول اللّه «ص» بخيل و لا ركاب. فقال: كثير، و أنظر فيه.» «2» و قد روى قطعة منه في الوسائل «3» كما مرّ. هذا.

توهم نسخ آية الفي ء:

في الدر المنثور:

«أخرج عبد بن حميد، عن قتادة: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ

______________________________

(1)- بحار الأنوار 48/ 144، تاريخ الإمام موسى بن جعفر «ع»، الباب 6 (باب مناظراته «ع»)، الحديث 20.

(2)- الكافي 1/ 543، كتاب الحجة، باب لفي ء و الأنفال و تفسير الخمس ...، الحديث 5.

(3)- الوسائل 6/ 366، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 334

وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.» قال: كان الفي ء بين هؤلاء فنسختها الآية التي في الأنفال فقال: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.» فنسخت هذه الآية ما كان قبلها في سورة الحشر، فجعل الخمس لمن كان له الفي ء و صار ما بقي من الغنيمة لسائر الناس: لمن قاتل عليها.» «1»

و في تفسير القرطبي:

«قال قوم من العلماء: إن قوله- تعالى-: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ» منسوخ بما في سورة الأنفال من كون الخمس لمن سمّي له، و الأخماس الأربعة لمن قاتل. و كان في

أول الإسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف و لا يكون لمن قاتل عليها شي ء. و هذا قول يزيد بن رومان. و قتادة و غيرهما، و نحوه عن مالك.» «2»

أقول: يرد على ما ذكره قتادة و غيره أولا: أن موضوع الحكم هنا هو الفي ء و في آية الخمس الغنيمة و هما مختلفان عند الأكثر، حيث أخذوا في مفهوم الفي ء عدم القتال و في مفهوم الغنيمة القتال، فتأمل.

و ثانيا: أن الظاهر من قوله: «غَنِمْتُمْ» صدور الاغتنام من المقاتلين. و ظاهر قوله:

«فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ» نفي صدور الاغتنام منهم و إنما حصل بتسليط اللّه رسوله. و الظاهر أن الموضوع في كلتا آيتي الفي ء واحد، و هو أموال بني النضير كما مرّ.

و ثالثا: أنه يستفاد من الروايات و التواريخ أن آية الخمس نزلت بعد غزوة بدر و آية الفي ء نزلت في بني النضير بعد غزوة احد، و من المحال أن ينسخ المتقدم للمتأخر.

و كيف كان فالحكم عندنا واضح، حيث إن ما لم يوجف عليه يكون من الأنفال كما يأتي، و الأنفال كلها للإمام. بل قد عرفت منّا أن الغنائم أيضا من الأنفال و أنه لا يتعين فيها التقسيم أيضا، فراجع ما ذكرناه في أول بحث الغنائم.

______________________________

(1)- الدّر المنثور 6/ 192.

(2)- تفسير القرطبي 18/ 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 335

الأمر الثالث: أن الفي ء و الأنفال لا خمس فيها:

قد مرّ في بحث الغنائم أن الخمس إنما يثبت فيها بعد سدّ النوائب منها و إرادة تقسيمها بين المقاتلين، فيكون الخمس فيها بلحاظ تقسيمها بينهم و صيرورتها لهم، حيث إن الخمس ضريبة إسلامية تؤخذ من أموال الناس بنفع بيت المال و الدولة الإسلامية و يؤدونها إلى الإمام بما هو إمام

المسلمين.

و الفي ء و الأنفال تكون بأجمعها للإمام و تكون خالصة له، فلا مجال للخمس فيها.

و هو الظاهر من أكثر كلمات الأصحاب و أكثر فقهاء السنّة.

و قد مرّ عن الواقدي قول عمر لرسول اللّه «ص»: ألا تخمس ما أصبت من بني النضير كما خمست ما أصبت من بدر؟ فقال رسول اللّه «ص»: «لا أجعل شيئا جعله اللّه لي دون المؤمنين بقوله- تعالى-: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ ...» كهيئة ما وقع فيه السهمان للمسلمين.» «1»

و ظاهره كون جميع المال له، فلا تقسيم فيه و لا خمس.

و لكن عن الشافعي ثبوت الخمس في الفي ء أيضا كالغنيمة و هو الظاهر من الخلاف أيضا:

1- قال في الخلاف (المسألة 2 من كتاب الفي ء و قسمة الغنائم):

«الفي ء كان لرسول اللّه «ص» خاصة، و هو لمن قام (يقوم خ. ل) مقامه من الأئمة «ع». و به قال علي «ع» و ابن عباس و عمر، و لم نعرف لهم مخالفا.

و قال الشافعي: كان الفي ء يقسم على عهد رسول اللّه «ص» على خمسة و عشرين

______________________________

(1)- المغازي 1/ 377.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 336

سهما: أربعة أخماسه للنبي «ص» و هو عشرون سهما، و له أيضا خمس ما بقي يكون إحدى و عشرين سهما للنبي «ص» و يبقى أربعة أسهم بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 336

و قال أبو حنيفة: الفي ء كله و خمس الغنيمة يقسم على ثلاثة، لأنه كان

يقسم على خمس فلما مات النبي «ص» رجع سهم النبي «ص» و سهم ذوي القربى إلى أصل السهمان، فيقسم الفي ء على ثلاثة.

و عندنا كان يستحق النبي «ص» الفي ء إلا الخمس. و عند الشافعي أربعة أخماس الفي ء و خمس ما بقي من الفي ء.

دليلنا إجماع الفرقة ...» «1»

2- و قال فيه أيضا (المسألة 3):

«حكم الفي ء بعد النبي «ص» حكمه في أيامه في أنه خاص بمن قام مقامه و للشافعي فيه قولان في أربعة أخماسه و خمس الخمس، أحدهما يكون للمقاتلين و القول الثاني يكون في المصالح ...» «2»

أقول: قوله- قدّس سرّه- أولا: إنّ الفي ء لرسول اللّه «ص» خاصة أو لمن قام مقامه لعلّه ينافي ما ذكره أخيرا من استحقاق النبي «ص» الفي ء إلا الخمس. اللهم إلا أن يريد بقوله: «خاصة» عدم التقسيم بين المقاتلين لا نفي الخمس أيضا. ثم إن للرسول أيضا سهما في الخمس فلم استثنى الخمس بنحو الإطلاق؟

و لعل الشافعي و كذا الشيخ تصورا كون الفي ء لشخص النبي «ص» و من أمواله الشخصية فحكما بتخميسه، مع أن الفي ء و الأنفال للمنصب و للإمام بما أنه إمام و مثله الخمس أيضا، فلا مجال لتعلق الخمس بها بعد كون كليهما له.

و لم أجد في نهاية الشيخ و لا مبسوطه تعرضا لخمس الفي ء و الأنفال بل ظاهرهما كون الجميع للإمام.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 328.

(2)- الخلاف 2/ 329.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 337

نعم، قال في المبسوط:

«و أما ما يؤخذ من الجزية و الصلح و الأعشار فإنه يخمس لأنه من جملة الغنائم على ما فسرناه.» «1»

و الظاهر أن ما ذكر يكون من الفي ء كما يأتي بيانه، وعدها من الغنائم لا يخلو من مسامحة.

و يظهر من

الخلاف خلاف ما في المبسوط، فقال فيه (المسألة 7 من كتاب الفي ء):

«ما يؤخذ من الجزية و الصلح و الخراج و ميراث من لا وارث له و مال المرتد لا يخمس، بل هو لجهاته المستحقة لها، و به قال عامة الفقهاء. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. و الثاني ذكره في الجديد أنه يخمس و هو الصحيح عندهم. دليلنا أنه لا دليل في الشرع يدل على أنه يخمس، فوجب نفيه و يصرف إلى جهاته.» «2» هذا.

و لم أعثر على طرح المسألة فيما رأيت من كتب أصحابنا.

3- و في أمّ الشافعي:

«و ما أخذ الولاة من المشركين من جزيتهم و الصلح عن أرضهم، و ما أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين، و من أموالهم إن صالحوا بغير إيجاف خيل و لا ركاب، و من أموالهم إن مات منهم ميت لا وارث له، و ما أشبه هذا مما أخذه الولاة من مال المشركين فالخمس في جميعه ثابت فيه، و هو على ما قسمه اللّه- عزّ و جلّ- لمن قسمه له من أهل الخمس الموجف عليه من الغنيمة، و هذا هو المسمى في كتاب اللّه.» «3»

4- و فيه أيضا:

«فالغنيمة و الفي ء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه اللّه- تعالى- له، و من سماه اللّه- عزّ و جلّ- له في الآيتين معا سواء مجتمعين غير مفترقين.» «4»

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 65.

(2)- الخلاف 2/ 330.

(3)- الأمّ 4/ 77.

(4)- الأمّ 4/ 64.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 338

و حكاه عنه البيهقي في السنن و قال:

«و قال في القديم: إنما يخمس ما أوجف عليه.» «1»

5- و في بداية ابن رشد في قسمة

الفي ء:

«فقال قوم: إن الفي ء لجميع المسلمين: الفقير و الغني، و إن الإمام يعطي منه للمقاتلة و للحكّام و للولاة، و ينفق منه في النوائب التي تنوب المسلمين كبناء القناطر و إصلاح المساجد و غير ذلك، و لا خمس في شي ء منه. و به قال الجمهور، و هو الثابت عن أبي بكر و عمر.

و قال الشافعي: بل فيه الخمس، و الخمس مقسوم على الأصناف الذين ذكروا في آية الغنائم، و هم الأصناف الذين ذكروا في الخمس بعينه من الغنيمة، و إن الباقي هو مصروف الى اجتهاد الإمام ينفق منه على نفسه و على عياله و من رأى.

و أحسب أن قوما قالوا: إن الفي ء غير مخمس و لكن يقسم على الأصناف الخمسة الذين يقسم عليهم الخمس، و هو أحد أقوال الشافعي فيما أحسب ...

و أما تخميس الفي ء فلم يقل به أحد قبل الشافعي، و إنما حمله على هذا القول أنه رأى الفي ء قد قسم في الآية على عدد الأصناف الذين قسم عليهم الخمس، فاعتقد لذلك أن فيه الخمس لأنه ظن أن هذه القسمة مختصة بالخمس، و ليس ذلك بظاهر بل الظاهر أن هذه القسمة تخص جميع الفي ء لا جزء منه، و هو الذي ذهب إليه فيما أحسب قوم.

و أخرج مسلم عن عمر، قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل و لا ركاب، فكانت للنبي «ص» خالصة، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة و ما بقي يجعله في الكراع و السلاح عدّة في سبيل اللّه. و هذا يدلّ على مذهب مالك.» «2»

أقول: ما حكاه عن مالك هنا يشابه ما حكي عنه في الخمس: «هو موكول الى

______________________________

(1)- سنن

البيهقي 6/ 294، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب وجوب الخمس في الغنيمة و الفي ء ...

(2)- بداية المجتهد 1/ 389 (ط. أخرى 1/ 342).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 339

نظر الإمام و اجتهاده، فيأخذ منه من غير تقدير و يعطي منه القرابة باجتهاد، و يصرف الباقي في مصالح المسلمين، و به قال الخلفاء الأربعة و به عملوا.» «1»

و هذا هو الذي استظهرناه أيضا في الخمس و كذا في الفي ء من كونهما حقا وحدانيا جعل للإمام بما أنه إمام المسلمين، فيسدّ بهما ما تنوبه و منها مصارف نفسه و عائلته، غاية الأمر أن عليه أيضا سدّ خلات الأصناف الثلاثة من بني هاشم و قد ذكروا في الآيتين بالخصوص تشريفا لهم فلا يتعين التنصيف و التسهيم على ما في كلام الأكثر.

و يحتمل أن مالكا أخذ هذا الفتوى في المدينة من أئمة العترة الطاهرة- عليهم السلام-.

6- و في مختصر الخرقي قال:

«فخمس الفي ء و الغنيمة مقسوم على خمسة أسهم.»

و ذيله ابن قدامة في المغني بقوله:

«في هذه المسألة فصول أربعة: أحدها أن الفي ء مخموس كما تخمس الغنيمة في إحدى الروايتين، و هو مذهب الشافعي و الرواية الثانية: لا يخمس. نقلها أبو طالب فقال: إنما تخمس الغنيمة. قال القاضي: لم أجد بما قال الخرقي من أن الفي ء مخموس نصّا فأحكيه و إنما نص على أنه غير مخموس، و هذا قول عامة أهل العلم.

قال ابن المنذر: و لا نحفظ عن أحد قبل الشافعي في الفي ء خمس كخمس الغنيمة ...» «2»

7- و في الناصريات (المسألة 121) عن الناصر أنه قال:

«في قليل العسل و كثيره الخمس، لأنه من جنس الفي ء.» ثم قال السيد «ره»:

«لا عشر عندنا في العسل

و لا خمس.» «3»

فيظهر من كلام الناصر أنه يقول بالخمس في الفي ء مطلقا، و هو على ما قيل من أئمة الزيدية.

______________________________

(1)- تفسير القرطبي 8/ 11.

(2)- المغني 7/ 299.

(3)- الجوامع الفقهية/ 241 (ط. أخرى/ 205).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 340

أقول: و كيف كان فالظاهر أن الفي ء و الأنفال و الجزايا و الأعشار و الزكوات و الأخماس و كذلك الأراضي المفتوحة عنوة على ما مر، كل هذه من الأموال العامة و تكون تحت اختيار الإمام، و لا يتعلق بها الخمس و لا غيره من الضرائب، فإن الضرائب إنما توضع على أموال الناس بنفع بيت المال و الدولة الإسلامية و تؤدى إلى الإمام بما هو إمام المسلمين.

و ليس على مال الإمام بما هو إمام ضريبة، و لذا لا تتعلق بالنقود المخزونة في خزانة الدولة الإسلامية زكاة.

و قد أشير إلى هذا في مرسلة حماد الطويلة، حيث قال: «و ليس في مال الخمس زكاة، لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس ... و لذلك لم يكن على مال النبي و الوالي زكاة ...» «1»

و لعله المقصود أيضا مما رواه أبو بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: «أحلت يا أبا محمد، أما علمت أن الدنيا و الآخرة للإمام، يضعها حيث يشاء و يدفعها إلى من يشاء؟ الحديث.» «2»

فيكون المقصود ما هو مال الإمام بما أنه إمام لا أمواله الشخصية، بداهة أن الإمام الصادق «ع» مثلا كما يتعلق به التكليف بالصلاة يتوجه إليه التكليف بالزكاة أيضا إذا صارت أمواله الشخصية بحدّ النصاب. و يشهد بذلك قوله: «أما علمت أن الدنيا و الآخرة للإمام؟» إذ هما للإمام بما

أنه إمام لا لشخصه.

فان قلت: من الأنفال: المعادن على الأقوى، و مع ذلك يتعلق بها الخمس.

قلت: الخمس إنما يتعلق بها بعد ما أقطعها الإمام إلى الأشخاص، فيكون الخمس بمنزلة حق الإقطاع، و لذا لا نقول بتعلقه بها إذا كان المستخرج لها الدولة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 359، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.

(2)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أن الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 341

الإسلامية بنفسها، فتدبّر.

فإن قلت: ما ذكرت من عدم الخمس في الفي ء و الأنفال و غيرهما من الأموال العامة و إن كان موافقا للاعتبار لكنه مخالف لما رواه العياشي عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير أنهم قالوا له: «ما حق الإمام في أموال الناس؟ قال: الفي ء و الأنفال و الخمس. و كل ما دخل منه في ء أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإن لهم خمسه، فإن اللّه يقول: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ.» و كل شي ء في الدنيا فإن لهم فيه نصيبا، فمن وصلهم بشي ء فمما يدعون له لا مما يأخذون منه.» هكذا في الوسائل. «1»

و في تفسير العياشي المطبوع: «فمن وصلهم بشي ء مما يدعون له أكثر مما يأخذون منه.» «2»

و في كلتا العبارتين إبهام، و يحتمل أن تكون عبارة التفسير صحيحة و تكون:

«مما» مصحف «فما».

أقول: أولا إن الحديث مرسل مقطوع، فلا اعتبار به. و ثانيا إن ظاهر صدر الكلام موافق لما نصرّ عليه من كون الفي ء و الأنفال و الخمس بأجمعها حقا وحدانيا في اختيار الإمام.

و أما قوله: «فإن لهم خمسه» ففيه

أن الخمس لا خمس فيه قطعا، فيمكن أن يحمل على تسهيم الخمس و الفي ء و تقسيمهما على خمسة أسهم، على ما يقول به الشافعي و غيره، و يدل عليه صحيحة ربعي، «3» و يراد بالخمس فيه سهم ذي القربى المذكور في آية الخمس و آية الفي ء، و المورد كان مورد المحاجة و الجدل في قبال خلفاء الجور، حيث أسقطوا سهم ذي القربى بعد موت النبي «ص»، فتدبّر.

و الحديث أقوى شاهد على أن الفي ء لا يصدق على الصدقات و الزكوات، إذ لا سهم لذوي القربى فيها. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 373، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 33.

(2)- تفسير العياشي 2/ 62.

(3)- راجع الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 342

و في أوائل كتاب الخراج ليحيى بن آدم القرشي بسنده، عن سفيان بن سعيد، يقول:

«الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة، ففيه الخمس لمن سمّى اللّه و أربعة أخماس لمن شهده. و الفي ء ما صالح عليه المسلمون بغير قتال، ليس فيه خمس، فهو لمن سمى اللّه و رسوله.» «1» هذا.

و يمكن أن يستدلّ لما ذكرنا أيضا بصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «ليس الخمس إلا في الغنائم خاصّة» «2» بأن يكون موضوع البحث فيها خصوص ما يصل إلى المسلمين من أموال الكفّار، و الحصر فيها إضافيا، فيراد أنّ ما يصل إليهم من أموالهم لا تخمس إلّا الغنائم منها دون الفي ء و الأنفال، فتدبّر.

______________________________

(1)- خراج يحيى/ 19.

(2)- الوسائل 6/ 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 343

الأمر الرابع: ما هو مفهوم الفي ء و المقصود منه في لسان الشرع؟
[كلمات العلماء]

1- قال الراغب في المفردات:

«الفي ء و الفيئة: الرجوع الى حالة محمودة. قال: «حَتّٰى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ». «فإن فاءت» و قال: «فإن فاءوا.» و منه فاء الظل. و الفي ء لا يقال إلا للراجع منه. قال:

«يَتَفَيَّؤُا ظِلٰالُهُ.» و قيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقة في ء. قال: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ». «مِمّٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلَيْكَ»» «1»

2- و في النهاية:

«قد تكرر ذكر الفي ء في الحديث على اختلاف تصرفه. و هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب و لا جهاد. و أصل الفي ء: الرجوع. يقال: فاء يفي ء فئة و فيوء، كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم ...» «2»

3- و في تفسير سورة الحشر من التبيان:

«فالفي ء ردّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك اللّه إياهم ذلك على ما شرط فيه. يقال: فاء يفي ء فيئا إذا رجع، و أفأته أنا عليه: إذا رددته عليه. و قال عمر بن الخطاب و معمر: مال الفي ء هو مال الجزية و الخراج.

و الفي ء كل ما رجع من أموال الكافرين إلى المؤمنين، فمنه غنيمة و غير غنيمة، فالغنيمة ما أخذ بالسيف، فأربعة أخماسه للمقاتلة و خمسه للذين ذكرهم اللّه في قوله: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ»، الآية. و قال كثير من العلماء: إن الفي ء المذكور في هذه الآية هو الغنيمة.

______________________________

(1)- المفردات/ 402.

(2)- النهاية لابن الأثير 3/ 482.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 344

و قال قوم: مال الفي ء خلاف مال الصدقات، لأن مال الفي ء أوسع، فإنه يجوز أن يصرف في مصالح المسلمين، و مال الصدقات إنما هو في الأصناف الثمانية.

و قال قوم: مال الفي ء يأخذ منه الفقراء من قرابة رسول اللّه «ص» بإجماع الصحابة في زمن

عمر بن الخطاب، و لم يخالفه فيه أحد إلا الشافعي فإنه قال: يأخذ منه الفقراء و الأغنياء، و إنما ذكروا في الآية لأنهم منعوا الصدقة فبيّن اللّه أن لهم في مال الفي ء حقّا.

و قال عمر بن الخطاب: مال بني النضير كان فيئا لرسول اللّه «ص» خاصة و لذي القربى قرابة رسول اللّه «ص» من بني هاشم و بني المطلب ...

و الذي نذهب إليه أن مال الفي ء غير مال الغنيمة: فالغنيمة كل ما أخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الإسلام، و ما لا يمكن نقله إلى دار الإسلام فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الإمام و يصرف ارتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.

و الفي ء كل ما أخذ من الكفار بغير قتال أو انجلاء أهلها و كان ذلك للنبي «ص» خاصة يضعه في المذكورين في هذه الآية. و هو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين.» «1»

4- و في المجمع في ذيل آية الخمس:

«الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال و هي هبة من اللّه- تعالى- للمسلمين. و الفي ء ما أخذ بغير قتال و هو قول عطاء و مذهب الشافعي و سفيان. و هو المروي عن أئمتنا «ع». و قال قوم: الغنيمة و الفي ء واحد، و ادّعوا أن هذه الآية ناسخة للتي في الحشر ...» «2»

أقول: و قد مضى في أول بحث الغنائم قريب من هذا عن تفسير القرطبي، فراجع. «3»

______________________________

(1)- التبيان 2/ 666.

(2)- مجمع البيان 2/ 543 (الجزء 4).

(3)- تفسير القرطبي 8/ 1، و راجع ص 130 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 345

5- و في أمّ الشافعي:

«و الغنيمة هي الموجف عليها بالخيل و

الركاب لمن حضر من غني و فقير، و الفي ء و هو ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب.» «1»

6- و في تفسير سورة الحشر من القرطبي قال:

«الثالثة: الأموال التي للأئمة و الولاة فيها مدخل ثلاثة أضرب: ما أخذ من المسلمين على طريق التطهير لهم كالصدقات و الزكوات.

و الثاني: الغنائم، و هو ما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب و القهر و الغلبة.

و الثالث: الفي ء، و هو ما رجع للمسلمين من أموال الكفار عفوا صفوا من غير قتال و لا إيجاف، كالصلح و الجزية و الخراج و العشور المأخوذة من تجار الكفار، و مثله أن يهرب المشركون و يتركوا أموالهم أو يموت أحد منهم في دار الإسلام و لا وارث له ...

فأما الفي ء فقسمته و قسمة الخمس سواء. و الأمر عند مالك فيهما إلى الإمام: فإن رأى حبسهما لنوازل تنزل بالمسلمين فعل، و إن رأى قسمتهما أو قسمة أحدهما قسمه كله بين الناس و سوى فيه بين عربيّهم و مولاهم ...» «2»

7- و قال الماوردي:

«الباب الثاني عشر في قسم الفي ء و الغنيمة: و أموال الفي ء و الغنائم: ما وصلت من المشركين أو كانوا سبب وصولها.

و يختلف المالان في حكمهما، و هما مخالفان لأموال الصدقات من أربعة أوجه:

أحدها: أن الصدقات مأخوذة من المسلمين تطهيرا لهم، و الفي ء و الغنيمة مأخوذان من الكفار انتقاما منهم.

و الثاني: أن مصرف الصدقات منصوص عليه ليس للأئمة اجتهاد فيه، و في أموال الفي ء و الغنيمة ما يقف مصرفه على اجتهاد الأئمة.

و الثالث: أن أموال الصدقات يجوز أن ينفرد أربابها بقسمتها في أهلها. و لا يجوز

______________________________

(1)- الأمّ 4/ 64.

(2)- تفسير القرطبي 18/ 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 3، ص: 346

لأهل الفي ء و الغنيمة أن ينفردوا بوضعه في مستحقه حتى يتولاه أهل الاجتهاد من الولاة.

و الرابع: اختلاف المصرفين على ما سنوضح.

أما الفي ء و الغنيمة فهما متفقان من وجهين و مختلفان من وجهين:

فأما وجها اتفاقهما فأحدهما: أن كل واحد من المالين واصل بالكفر. و الثاني أن مصرف خمسهما واحد.

و أما وجها افتراقهما فأحدهما أن مال الفي ء مأخوذ عفوا و مال الغنيمة مأخوذ قهرا.

و الثاني: أن مصرف أربعة أخماس الفي ء مخالف لمصرف أربعة أخماس الغنيمة على ما سنوضح إن شاء اللّه- تعالى-.

و سنبدأ بمال الفي ء فنقول: إن كل مال وصل من المشركين عفوا من غير قتال و لا بإيجاف خيل و لا ركاب فهو كمال الهدنة و الجزية و أعشار متاجرهم، أو كان واصلا بسبب من جهتهم كمال الخراج ففيه إذا أخذ منهم أداء الخمس لأهل الخمس مقسوما على خمسة. و قال أبو حنيفة: لا خمس في الفي ء ...» «1»

و ذكر نحو ذلك أبو يعلى الفراء في الأحكام السلطانية، إلا أنه جعل الخمس مختلفا فيه عند أصحاب أحمد «2».

أقول: الماوردي من علماء الشافعية، و قد مرّ عن الشافعي الحكم بثبوت الخمس في الفي ء، و مرّ عن الخلاف أيضا ما يظهر منه الموافقة له، و مرّ منّا الإشكال في ذلك.

و أما ما قاله الماوردي من أن أموال الصدقات يجوز أن ينفرد بها أربابها بقسمتها في أهلها فهو و إن كان حقا عندنا في صورة عدم بسط يد الإمام العادل و لكن مع بسط يده و لا سيما مع مطالبته فلا محيص عن إيصال الزكوات إليه أو الاستيذان منه، لما دلت على ذلك من الأخبار المستفيضة كما مرّ في الجهة الثالثة من مبحث الزكاة.

______________________________

(1)- الأحكام

السلطانية/ 126.

(2)- الأحكام السلطانية/ 136.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 347

8- و في مختصر أبي القاسم الخرقي من فقهاء الحنابلة:

«و الأموال ثلاثة: في ء و غنيمة و صدقة: فالفي ء ما أخذ من مال مشرك بحال و لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و الغنيمة ما أوجف عليها.»

و في المغني شرح المختصر:

«الفي ء هو الراجع إلى المسلمين من مال الكفار بغير قتال. يقال: فاء الفي ء: إذا رجع نحو المشرق.

و الغنيمة ما أخذ منهم قهرا بالقتال، و اشتقاقها من الغنم و هو الفائدة، و كل واحد منهما في الحقيقة في ء و غنيمة، و إنما خص كل واحد منهما باسم ميز به عن الآخر.» «1»

أقول: فالفي ء عند هؤلاء المصنفين يطلق على خصوص ما حصل بغير قتال و يكون قسيما للغنيمة. و لكن الكليني «ره» خص الفي ء بما أخذ بقتال و جعل ما لم يوجف عليه من الأنفال، فيكون الفي ء عنده مساويا للغنيمة و قسيما للأنفال:

9- ففي أصول الكافي في باب الفي ء و الأنفال قال:

«إن اللّه- تبارك و تعالى- جعل الدنيا كلها بأسرها لخليفته، حيث يقول للملائكة:

«إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.» «2» فكانت الدنيا بأسرها لآدم و صارت بعده لأبرار ولده و خلفائه. فما غلب عليه أعداؤهم ثم رجع إليهم بحرب أو غلبة سمّي فيئا، و هو يفي ء إليهم بغلبة و حرب و كان حكمه فيه ما قال اللّه- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ». فهو للّه و للرسول و لقرابة الرسول.

فهذا هو الفي ء الراجع. و إنما يكون الراجع ما كان في يد غيرهم فأخذ منهم بالسيف.

و أما

ما رجع إليهم من غير أن يوجف عليه بخيل و لا ركاب فهو الأنفال، هو للّه

______________________________

(1)- المغني 7/ 297.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 30.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 348

و للرسول خاصة ليس لأحد فيه الشركة، و إنما جعل الشركة في شي ء قوتل عليه، فجعل لمن قاتل من الغنائم أربعة أسهم و للرسول سهم، و الذي للرسول «ص» يقسمه على ستة أسهم: ثلاثة له و ثلاثة لليتامى و المساكين و ابن السبيل.

و أما الأنفال فليس هذه سبيلها كانت للرسول خاصة. و كانت فدك لرسول اللّه «ص» خاصة لأنه فتحها و أمير المؤمنين «ع» لم يكن معهما أحد فزال عنها اسم الفي ء و لزمها اسم الأنفال، و كذلك الآجام و المعادن و البحار و المفاوز هي للإمام خاصة.» «1»

أقول: ما ذكره- قدّس سرّه- مخالف لصريح الآية في سورة الحشر و للروايات الكثيرة الآتية و لما حكيناه عن علماء الفريقين.

10- و في تفسير النعماني جعل الفي ء أعم مما أوجف عليه و ما لم يوجف فقال:

«و الفي ء يقسم قسمين: فمنه ما هو خاص للإمام و هو قول اللّه- عزّ و جلّ- في سورة الحشر: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» و هي البلاد التي لا يوجف عليها المسلمون بخيل و لا ركاب.

و الضرب الآخر ما رجع إليهم مما غصبوا عليه في الأصل، قال اللّه- تعالى-: «إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً.» فكانت الدنيا بأسرها لآدم «ع»: إذ كان خليفة اللّه في أرضه، ثم هي للمصطفين الذين اصطفاهم و عصمهم، فكانوا هم الخلفاء في الأرض، فلما غصبهم الظلمة على

الحق الذي جعله اللّه و رسوله لهم و حصل ذلك في أيدي الكفار صار في أيديهم على سبيل الغصب حتى بعث اللّه- تعالى- رسوله محمدا «ص» فرجع له و لأوصيائه، فما كانوا غصبوا عليه أخذوه منهم بالسيف، فصار ذلك مما أفاء اللّه به، أي مما أرجعه اللّه إليهم، و الدليل على أن الفي ء هو الراجع قوله- تعالى-: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.» أي رجعوا من الإيلاء إلى المناكحة. و قوله- عزّ و جلّ-: وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا.. حَتّى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ، أي ترجع.» «2»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 538، كتاب الحجة.

(2)- بحار الأنوار 90/ 47 (ط. إيران 93/ 47)، كتاب القرآن، باب ما ورد في أصناف القرآن؛ و روى صدره في الوسائل 6/ 370، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 349

أقول: و هذا التفسير و إن نسب جميعه إلى أمير المؤمنين «ع»، لكن كون جميع ما فيه رواية عنه «ع» غير معلوم بل معلوم العدم، لاشتماله على مطالب لا يمكن الالتزام بها. نعم، فيه مطالب صحيحة مهمة نافعة أيضا، فراجع.

و كيف كان فظاهر الكلمات التي مرت و غيرها من الكلمات فيما رأيت أن الفي ء عندهم كان اسما لخصوص ما رجع من ناحية الكفار إلى إمام المسلمين و بيت ما لهم إما مطلقا كما في التفسير المذكور، أو ما حصل بغير قتال كما عليه الأكثر، أو ما حصل بقتال كما في الكافي. فكأنهم اتفقوا على عدم صدقه على مثل الزكوات و الأخماس المأخوذة من أموال المسلمين.

فالأموال العامة الراجعة إلى إمام المسلمين كانت على قسمين:

قسم منها من الضرائب التي توضع على أموال المسلمين و فوائدهم. و قسم منها كانت تحصل من ناحية سعة حكم الإسلام و سلطته على أراضي الكفر و بلاده بالقتال أو بالهدنة.

فالفي ء كان يطلق على خصوص القسم الثاني إما على بعض أصنافه أو مطلقا، و لعل الثاني هو الظاهر من كثير من الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة، فيعم مغانم الحرب و الأنفال بأنواعها و الخراج و الجزايا و العشور المأخوذة من تجار الكفار و نحو ذلك.

و لعل إطلاقه عليها كان بلحاظ أن سلطان الكفر بشعبه كان قد استولى على جميع الأموال و البلاد و الأراضي و الجبال و الأودية و غيرها من الأموال العامة التي خلقها اللّه لعباده الصالحين، و قد رجعت بحكم الإسلام إلى رسول اللّه «ص» و إمام المسلمين.

و قد مرّ في أول بحث الغنائم أن آية الأنفال نزلت في غنائم بدر، فيظهر بذلك أن لفظ الأنفال أيضا كان يشمل ما حصل بقتال، فكان اللفظان متساويين موردا و إن اختلفا مفهوما، هذا.

و لكن شاع بعد ذلك استعمال لفظ الأنفال في خصوص ما حصل بغير قتال و لم يتعلق به حق للمقاتلين، بل لم يعهد إطلاقه على مثل الخراج و الجزايا من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 350

الضرائب المأخوذة تدريجا و لو حصلت بسبب الغلبة على الكفر أيضا، كما شاع إطلاق لفظ الفي ء على ما حصل بغير قتال، و لعله بلحاظ كونه موردا لقوله- تعالى- «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ.»

و كذلك صار لفظ الغنيمة شائعا في خصوص ما حصل بقتال بعد كونه بحسب اللغة أعم، فصار بهذا كله لفظ

الفي ء و الأنفال قسيمين للغنيمة بحسب الاستعمالات الشائعة و الفي ء مساويا للأنفال أو أعم منه إن منعنا صدق الأنفال على مثل الخراج و الجزايا.

و أما الضرائب المأخوذة من أموال المسلمين كالزكوات و الأخماس فلم أعثر إلى الآن على إطلاق الفي ء و الأنفال عليها، بل تقع هذه قسيما لهما في الكلمات. و قد مرّ عن الماوردي و أبي يعلى و القرطبي و الخرقي جعل الفي ء و الغنيمة قسيما للصدقات.

اللهم إلّا أن يطلق الفي ء على جميع ما في بيت المال حتى الصدقات مسامحة و تغليبا، فتأمّل.

و في نهج البلاغة: «إن القرآن أنزل على النبي «ص» و الأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، و الفي ء فقسمه على مستحقيه، و الخمس فوضعه اللّه حيث وضعه، و الصدقات فجعلها اللّه حيث جعلها.» «1»

فذكر فيه الفي ء قسيما للصدقات.

و مرّ في خبر العياشي قوله: «و كل ما دخل منه في ء أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإن لهم خمسه.» «2»

و قد مرّ أن المراد سهم ذي القربى، و واضح أن الصدقات ليس فيها لذي القربى سهم.

و عمدة ما كان في بيوت الأموال في عصر الخلفاء و لا سيما الأموية و العباسية كان من المغانم و الصفايا و خراج الأرضين و الجزايا لكثرة الفتوحات الإسلامية في تلك الأعصار، و هم كانوا يستبدّون في هذه الأموال و يستأثرون بها على حسب

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1217، عبده 3/ 218، لح/ 523، الحكمة 270.

(2)- تفسير العياشي 2/ 61، و الوسائل 6/ 373، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 351

آرائهم و شهواتهم.

و أما الزكوات فلعلها كانت بالنسبة إليها قليلة جدّا و كذلك

الأخماس، و كانت الزكوات تصرف غالبا في الفقراء و في سبيل اللّه و نحوهما.

[بعض الروايات المتضمنة للفظ الفي ء و مصارفه و هي على ثلاث طوائف]
اشارة

و كيف كان فلنذكر بعض الروايات المتضمنة للفظ الفي ء و مصارفه تتميما للفائدة، و هي على ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: ما جعل فيها الفي ء في قبال الغنيمة المأخوذة عنوة و قسيما لها:

1- ما عن الشيخ بسنده، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» في الغنيمة، قال: «يخرج منه الخمس و يقسم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك. و أما الفي ء و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه «ص».» «1»

و عن العياشي أيضا، عن ابن سنان مثله. «2»

و يحتمل كون عطف الأنفال على الفي ء تفسيريا، و لذا أرجع إليهما الضمير المفرد.

2- موثقة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سمعه يقول: «إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كله من الفي ء، و الأنفال للّه و للرسول، فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحب.» «3»

و الظاهر من الموثقة أيضا بدوا هو مساواة الفي ء و الأنفال. و ربما يشهد لذلك:

3- موثقته الأخرى، عن أبي جعفر «ع»، قال سمعته يقول: «الفي ء و الأنفال

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 361، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 14.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 352

ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء، و قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون أو دية فهو كله من الفي ء، فهذا للّه و لرسوله، فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث شاء، و هو للإمام بعد الرسول. و أما قوله:

«مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ» قال: أ لا ترى هو هذا؟ و أما قوله: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرىٰ» فهذا بمنزلة المغنم. كان أبي يقول ذلك. و ليس لنا فيه غير سهمين: سهم الرسول و سهم القربى، ثم نحن شركاء الناس فيما بقي.» «1»

و روى صدرها العياشي أيضا «2».

و ذيل الخبر لا يخلو من رعاية التقية كما لا يخفى. و ظاهره كون الموضوع في الآية الثانية أعم. و قد عرفت أن ظاهر الخبرين مساواة الفي ء و الأنفال. اللّهم إلا أن يقال بأن ذكر الأنفال بعد الفي ء من قبيل ذكر الخاص بعد العام، فتدبّر.

4- خبر الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، و فيه: «الفي ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل، و الأنفال مثل ذلك هو بمنزلته.» «3»

5- مرفوعة أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، قال: و ما كان من فتح لم يقاتل عليه و لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب إلا أن أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه فكيف ما عاملهم عليه النصف أو الثلث أو الرابع أو ما كان يسهم له خاصة و ليس لأحد فيه شي ء إلّا ما أعطاه هو منه و بطون الأودية و رءوس الجبال و الموات كلها هي له، و هو قوله- تعالى-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» أن تعطيهم منه «قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» و ليس هو يسألونك عن الأنفال، و ما كان من القرى و ميراث من لا وارث له فهو له خاصة، و هو قوله- عزّ و جلّ-: ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى.

الحديث.» «4»

أقول: ظاهر الخبر كسابقه أيضا مساواة الفي ء

و الأنفال. و الظاهر كون كلمة:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 368، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(2)- مستدرك الوسائل 1/ 554، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 11.

(4)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 353

«عَنِ» في قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» زائدة.

فالرواية مطابقة لما حكي عن ابن مسعود و غيره من قراءة الآية كذلك.

و لكن وقوع الزيادة في الكتاب العزيز عندنا ممنوع و كذا النقيصة، و التفصيل يطلب من محلّه.

و لعل المراد بميراث من لا وارث له في الحديث ميراث الكافر الذي ربما يموت في بلاد الإسلام بعد سفره إليها، و أما المسلم الذي يموت في بلده فقلّ من لا يكون له وارث و لو بعيدا، و قد مرّ ذكره في عبارة القرطبي أيضا.

الطائفة الثانية: ما استعمل فيها الفي ء فيما حصل بقتال:

1- ما في نهج البلاغة من كلام له «ع» كلّم به عبد اللّه بن زمعة لما قدم عليه يطلب منه مالا، فقال «ع»: «إن هذا المال ليس لي و لا لك، و إنما هو في ء للمسلمين و جلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظّهم، و إلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم.» «1»

2- و فيه أيضا من كتاب له «ع» إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني: «بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك و أغضبت (عصيت- لح) إمامك: أنك تقسم في ء المسلمين الذي حازته رماحهم و خيولهم و أريقت عليه دماؤهم فيمن اعتامك من أعراب قومك.» «2»

أقول: اعتامك أي اختارك.

3- و في الوسائل في رواية مروان بن الحكم، قال: «لما هزمنا علي «ع» بالبصرة ...

فقال له قائل: يا أمير المؤمنين، اقسم الفي ء بيننا و السبي. الحديث.» «3»

4- و فيه أيضا موثقة سماعة، عن أحدهما «ع»، قال: «إن رسول اللّه «ص» خرج

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 728؛ عبده 2/ 253؛ لح/ 353، الخطبة 232.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 961؛ عبده 3/ 76، لح/ 415، الكتاب 43.

(3)- الوسائل 11/ 58، الباب 25 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 354

بالنساء في الحرب يداوين الجرحى، و لم يقسم لهن من الفي ء شيئا و لكنه نفلهن.» «1»

5- و فيه أيضا: «إن عليا «ع» قال: إذا ولد المولود في أرض الحرب قسم له مما أفاء اللّه عليهم.» «2»

6- و فيه أيضا في رواية الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «سألته عن رجل لقيه العدوّ و أصاب منه مالا أو متاعا ثم إن المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه، و إن كانوا أصابوه بعد ما حازوه فهو في ء المسلمين، فهو أحق بالشفعة.» «3»

7- و فيه أيضا في رواية حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك؟

فقال: «إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار و هم أحرار، و ولده و متاعه و رقيقه له، فأما الولد الكبار فهم في ء للمسلمين إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك، فأما الدور و الأرضون فهي في ء و لا تكون له. الحديث.» «4»

8- و فيه أيضا خبر أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «لا تشتر من أرض السواد (أراضي أهل السواد خ.

ل) شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هو في ء للمسلمين.» «5»

9- و فيه أيضا بسنده، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل عن رجل أصاب جارية من الفي ء فوطأها قبل أن يقسم؟ قال: «تقوم الجارية و تدفع إليه بالقيمة و يحطّ له منها ما يصيبه من الفي ء. الحديث.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 86، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(2)- الوسائل 11/ 87، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

(3)- الوسائل 11/ 74، الباب 35 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(4)- الوسائل 11/ 89، الباب 43 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(5)- الوسائل 12/ 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 5.

(6)- الوسائل 18/ 391، الباب 22 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 355

10- و فيه أيضا خبر ابن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: رجل سرق من الفي ء؟ قال: بعد ما قسم أو قبل؟ قلت: أجبني فيهما جميعا. قال: «إن كان سرق بعد ما أخذ حصّته منه قطع، و إن كان سرق قبل أن يقسم لم يقطع حتى ينظر ماله فيه.

الحديث.» «1»

11- و فيه أيضا بسند صحيح، عن زرارة، قال: «الإمام يجري و ينفل و يعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل رسول اللّه «ص» بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا، و إن شاء قسم ذلك بينهم.» «2»

12- و في سيرة ابن هشام: «و لما فرغ رسول اللّه «ص» من ردّ سبايا حنين إلى أهلها ركب و أتبعه الناس يقولون: يا رسول اللّه، اقسم علينا فيئنا من الإبل و الغنم ...

ثم قام

إلى جنب بعير فأخذ و برة من سنامه فجعلها بين اصبعيه ثم رفعها ثم قال: أيها الناس، و اللّه مالي من فيئكم و لا هذه الوبرة إلا الخمس، و الخمس مردود عليكم. الحديث.» «3»

13- و في سنن أبي داود في قصة حنين بسنده: «فقال رسول اللّه «ص»: «ردّوا عليهم نساءهم و أبناءهم، فمن تمسك بشي ء من هذا الفي ء فإن له به علينا ست فرائض من أول شي ء يفيئه اللّه علينا.» ثم دنا- يعني النبي «ص»- من بعير، فأخذ وبرة من سنامه ثم قال: «يا أيها الناس، إنه ليس لي من هذا الفي ء شي ء و لا هذا إلا الخمس، و الخمس مردود عليكم. الحديث.» «4» و رواه أيضا أحمد في المسند. «5»

14- و في كتاب الأموال لأبي عبيد: «فأما الحكم في أرض العنوة فإن عبد اللّه بن صالح حدثنا عن الليث بن سعد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 519، الباب 24 من أبواب حدّ السّرقة، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 2.

(3)- سيرة ابن هشام 4/ 134.

(4)- سنن أبي داود 2/ 57، كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال.

(5)- مسند أحمد 2/ 184.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 356

شهاب أن رسول اللّه «ص» افتتح خيبر عنوة بعد القتال و كانت مما أفاء اللّه على رسوله. الحديث.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار.

الطائفة الثالثة: ما ورد فيها لفظ الفي ء مطلقا أو بنحو الإهمال:

1- ما في نهج البلاغة: «فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم و توفير فيئكم عليكم.

الحديث.» «2»

2- و فيه أيضا: «و إنه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر ... و يجمع به الفي ء. الحديث.» «3»

3- و فيه أيضا: «و

قد علمتم أن رسول اللّه «ص» رجم الزاني (المحصن خ. ل) ثم صلى عليه ثم ورثه أهله، و قتل القاتل و ورث ميراثه أهله، و قطع السارق و جلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهما من الفي ء.» «4»

4- و فيه أيضا من كتاب له إلى زياد بن أبيه: «و إني أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغني أنك خنت من في ء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدّنّ عليك. الحديث.» «5»

5- و فيه أيضا من كتاب له إلى بعض عمّاله: «و كأنك إنما كنت تكيد هذه الأمّة عن دنياهم، و تنوي غرتهم عن فيئهم. الحديث.» «6»

6- و فيه أيضا: «و الأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، و الفي ء فقسمه على مستحقيه، و الخمس فوضعه اللّه حيث وضعه، و الصدقات. الحديث.» «7»

______________________________

(1)- الأموال/ 70.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 114؛ عبده 1/ 80؛ لح/ 79، الخطبة 34.

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 125؛ عبده 1/ 87؛ لح/ 82، الخطبة 40.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 392؛ عبده 2/ 11؛ لح/ 184، الخطبة 127.

(5)- نهج البلاغة، فيض/ 870؛ عبده 3/ 22؛ لح/ 377، الكتاب 20.

(6)- نهج البلاغة، فيض/ 956؛ عبده 3/ 73؛ لح/ 413، الكتاب 41.

(7)- نهج البلاغة، فيض/ 1217؛ عبده 3/ 218؛ لح/ 523، الحكمة 270.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 357

7- و في خطبة سيد الشهداء «ع» لأصحابه و أصحاب الحرّ: «ألا و إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن و أظهروا الفساد و عطّلوا الحدود و استأثروا بالفي ء.» «1»

8- و في الوسائل عن العياشي، عن الثمالي، عن أبي جعفر «ع»، قال: سمعته يقول في الملوك الذين يقطعون الناس، قال: «هو من

الفي ء و الأنفال و أشباه ذلك.» «2»

9- و فيه أيضا عن العياشي، عن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير أنهم قالوا له: ما حق الإمام في أموال الناس؟ قال: «الفي ء و الأنفال و الخمس، و كل ما دخل منه في ء أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإن لهم خمسه. الحديث.» «3»

و الحديث أقوى شاهد على أن الفي ء لا يصدق على الزكوات و الصدقات، إذ لا سهم لذوي القربى فيها.

10- و فيه أيضا بسنده، عن الفضيل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع» لفاطمة «ع»: «أحلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا ليطيبوا.» «4»

11- و فيه أيضا بسنده، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر «ع» قال: «إن اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء فقال- تبارك و تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ ...»

فنحن أصحاب الخمس و الفي ء. الحديث.» «5» فتأمّل.

12- و فيه أيضا عن الكليني بسنده، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث طويل يتعرض فيه للجهاد و أوصاف المجاهدين، و فيه: «و ذلك أن جميع ما بين السماء و الأرض للّه- عزّ و جلّ- و لرسوله «ص» و لأتباعهم من المؤمنين من أهل هذه الصفة. فما كان من الدنيا في أيدي

______________________________

(1)- تاريخ الطبري 7/ 300 (ط. ليدن).

(2)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 30.

(3)- الوسائل 6/ 373، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 33.

(4)- الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 358

المشركين و الكفار و الظلمة و الفجار من

أهل الخلاف لرسول اللّه «ص» و المولى عن طاعتهما مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات و غلبوهم على ما أفاء اللّه على رسوله، فهو حقهم أفاء اللّه عليهم و ردّه إليهم، و إنما كان معنى الفي ء كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان غلب عليه أو فيه، فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء، مثل قول اللّه- عزّ و جلّ-: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.» أي رجعوا ...

فذلك الدليل على أن الفي ء كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه، و يقال للشمس إذا زالت: قد فاءت الشمس حين يفي ء الفي ء عند رجوع الشمس إلى زوالها، و كذلك ما أفاء اللّه على المؤمنين من الكفار فإنما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار إياهم. الحديث.» «1»

و مفاد الحديث كما ترى حصر الفي ء فيما حصل من الكفار و المشركين، و ظاهره الإطلاق فيعم ما حصل بالقتال أيضا.

13- و فيه أيضا بسنده، عن أبي عبد اللّه «ع»، عن آبائه «ع»، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم و لا ينفذ في الفي ء أمر اللّه- عزّ و جلّ-.» «2»

14- و فيه أيضا بسنده، عن النبي «ص» في حديث طويل: «و إن أبوا أن يهاجروا و اختاروا ديارهم و أبوا أن يدخلوا في دار الهجرة كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري على أعراب المؤمنين، و لا يجري لهم في الفي ء و لا في القسمة شيئا إلا أن يهاجروا.» «3»

15- و فيه أيضا صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي

عبد اللّه «ع» قال: «لما وليّ علي «ع» صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: أما إني و اللّه ما أرزأكم من فيئكم هذا درهما ما قام لي عذق بيثرب. الحديث.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 25، الباب 9 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 34، الباب 12 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

(3)- الوسائل 11/ 44، الباب 15 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(4)- الوسائل 11/ 79، الباب 39 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 359

16- و فيه أيضا في حديث عن كتاب الغارات، و فيه: «فقالت العربية:

يا أمير المؤمنين، إني امرأة من العرب و هذه امرأة من العجم، فقال علي «ع»: «و اللّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء فضلا على بني اسحاق.» «1»

17- و فيه أيضا بسنده عن الزهري، عن علي بن الحسين «ع»، قال: «الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه و صار فيئا.» «2»

18- و فيه أيضا بسنده، عن أبي عبد اللّه «ع»: «قسم رسول اللّه «ص» الفي ء فأصاب عليا «ع» أرض. الحديث.» «3»

19- و في سنن أبي داود، بسنده، عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن النبي «ص» قال: «من كان يؤمن باللّه و باليوم الآخر فلا يركب دابّة من في ء المسلمين حتى إذا أعجفها ردّها فيه، و من كان يؤمن باللّه و باليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من في ء المسلمين حتى إذا أخلقه ردّه فيه.» «4»

و رواه أيضا أحمد في المسند. «5»

20- و فيه أيضا بسنده، عن عوف بن مالك: «أن رسول اللّه «ص» كان إذا أتاه الفي ء قسمه في يومه فأعطى الآهل حظّين، و أعطى العزب

حظّا.» «6» و رواه أحمد أيضا في المسند. «7»

21- و في مسند أحمد بسنده، عن أبي ذرّ، قال: قال «ص»: «كيف أنت و ائمة من بعدي

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 81، الباب 39 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 54، الباب 23 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(3)- الوسائل 13/ 303، الباب 6 من كتاب الوقوف و الصدقات، الحديث 2.

(4)- سنن أبي داود 2/ 61، كتاب الجهاد، باب في الرجل ينتفع من الغنيمة بالشي ء.

(5)- مسند أحمد 4/ 108.

(6)- سنن أبي داود 2/ 123، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في قسم الفي ء.

(7)- مسند أحمد 6/ 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 360

يستأثرون بهذا الفي ء. الحديث.» «1» إلى غير ذلك الأخبار التي يعثر عليها المتتبع.

و قد ظهر بما ذكرنا عدم اختصاص لفظ الفي ء بما لم يكن فيه هراقة الدماء. نعم، ربما شاع أخيرا استعماله في خصوص ذلك أخذا من الآية الشريفة. و لم يعهد لنا إطلاقه على مثل الزكوات و الأخماس، أعني الضرائب التي تؤخذ من المسلمين. و لعل الفي ء و الأنفال متساويان موردا و إن اختلفا مفهوما.

اللهم إلا أن ينكر إطلاق الأنفال على الضرائب التدريجية كالخراج و الجزايا و العشور، فيكون الفي ء أعم من الأنفال.

و ربما يؤيد ذلك بأن للإمام أن يصرف من الأنفال في مئونة نفسه و عائلته قطعا، و لم يعهد لنا صرفه للخراج و الجزايا في مصارف نفسه، بل في مرسلة حماد الطويلة في مصرف خراج الأراضي المفتوحة عنوة قال: «فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك

مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير.» «2»

أقول: يظهر من الروايات الكثيرة الواردة في سيرة النبي «ص» في خيبر أنه «ص» عامل أهل خيبر على النصف من ثمرتها و جعل لنفسه و أزواجه أيضا سهاما منها، فراجع ما حررناه في حكم الأراضي المفتوحة عنوة.

و على هذا فيحمل ما في المرسلة على أنه ليس الخراج ملكا شخصيا للإمام، لا أنه لا يصرفه في مصارف نفسه إذا اقتضته المصلحة العامّة، فتدبّر.

______________________________

(1)- مسند أحمد 5/ 180.

(2)- الكافي 1/ 541، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال و تفسير الخمس ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 361

الأمر الخامس: في التعرض لبعض أنواع الفي ء:
[الخراج و الجزايا و العشور]

أقول: حيث إن أكثر أنواع الفي ء ذكرت في أخبارنا و فتاوى أصحابنا باسم الأنفال فالأولى أن نتعرض لها في الفصل الآتي المعقود لبيان الأنفال.

و لكن هنا أمور ثلاثة عدّت في كلماتهم من الفي ء و لم يعهد ذكرها في باب الأنفال، و هي الخراج و الجزايا و العشور التي كانت تؤخذ من تجّار أهل الذمّة أو أهل الحرب.

قال أبو عبيد في كتاب الأموال:

«فالأموال التي تليها أئمة المسلمين هي هذه الثلاثة التي ذكرها عمر، و تأولها من كتاب اللّه- عزّ و جلّ-: الفي ء، و الخمس، و الصدقة ...

فأما الصدقة فزكاة أموال المسلمين من الذهب و الورق، و الإبل و البقر و الغنم، و الحبّ و الثمار. فهي للأصناف الثمانية الذين سمّاهم اللّه- تعالى-، لا حق لأحد من الناس فيها سواهم. و لهذا قال عمر: هذه لهؤلاء.

و أما مال الفي ء فما اجتني من أموال أهل الذمة مما صولحوا عليه من جزية رءوسهم التي بها حقنت دماؤهم و حرمت أموالهم. و منه خراج الأرضين التي

افتتحت عنوة، ثم أقرّها الإمام في أيدي أهل الذمة على طسق يؤدونه. و منه وظيفه أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا منها على خراج مسمّى. و منه ما يأخذه العاشر من أموال أهل الذمّة التي يمرّون بها عليه لتجارتهم. و منه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام للتجارات. فكل هذا من الفي ء. و هو الذي يعمّ المسلمين: غنيهم و فقيرهم، فيكون في أعطية المقاتلة، و أرزاق الذرية، و ما ينوب الإمام من أمور الناس بحسن النظر للإسلام و أهله.

و أما الخمس فخمس غنائم أهل الحرب، و الركاز العادي، و ما يكون من غوص أو

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 362

معدن. فهو الذي اختلف فيه أهل العلم ...» «1»

و كيف كان فلنتعرض هنا إجمالا للخراج و الجزايا لثبوتهما في الشرع بلا إشكال و ورود الأخبار الكثيرة بهما، و نحيل البحث في العشور و الكمارك إلى الفصل الأخير الذي نعقده لبيان الضرائب التي ربما يقال بجواز أن يفرضها الحكومة الحقة العادلة أيضا حسب الاحتياج زائدة على الضرائب المشروعة المعروفة.

______________________________

(1)- الأموال/ 24.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 363

معنى الجزية و الخراج و الفرق بينهما:

الجزية ضريبة كانت توضع عادة على رءوس أهل الذمة و رقابهم. و إن كانت ربما توضع على أراضيهم أيضا.

و الخراج كان يطلق على ضريبة كانت توضع على الأراضي المفتوحة عنوة أو صلحا على أنها للمسلمين أو لإمام المسلمين، أو الأراضي التي انجلى عنها أهلها، بل و على أراضي الموات أيضا على احتمال يأتي بيانه.

و تقبيل الأراضي يمكن أن يقع بنحو الإجارة، و يمكن أن يقع بنحو المزارعة.

فربما كان يطلق على المأخوذ منها مطلقا لفظ الخراج،

و ربما كان يطلق على ما أخذ بنحو الإجارة الخراج و على ما أخذ بنحو المزارعة المقاسمة.

و يظهر من صحيحة محمد بن مسلم إطلاق لفظ الخراج على الجزية أيضا فيكون أعم منها: قال: «سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دماءهم و أموالهم؟

قال: الخراج. و إن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم، و إن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم.» «1»

و لكن الظاهر من الماوردي و غيره كون اللفظين متباينين:

قال الماوردي في الباب الثالث عشر من الأحكام السلطانية:

«و الجزية و الخراج حقان أوصل اللّه- سبحانه و تعالى- المسلمين إليهما من المشركين، يجتمعان من ثلاثة أوجه و يفترقان من ثلاثة أوجه، ثم تتفرع أحكامهما:

فأما الأوجه التي يجتمعان فيها: فأحدها: أن كل واحد منهما مأخوذ عن مشرك صغارا له و ذلة. و الثاني: أنهما مالا في ء يصرفان في أهل الفي ء. و الثالث: أنهما يجبان

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 364

بحلول الحول و لا يستحقان قبله.

و أما الأوجه التي يفترقان فيها: فأحدها: أن الجزية نصّ، و أن الخراج اجتهاد.

و الثاني: أن أقلّ الجزية مقدر بالشرع و أكثرها مقدر بالاجتهاد، و الخراج أقله و أكثره مقدر بالاجتهاد. و الثالث: أن الجزية تؤخذ مع بقاء الكفر و تسقط بحدوث الإسلام، و الخراج يؤخذ مع الكفر و الإسلام.» «1»

و ذكر نحو ذلك أبو يعلى الفراء أيضا. «2»

أقول: ما ذكراه من أنهما يصرفان في أهل الفي ء لعله مساوق لاستحقاق الرسول «ص» و ذوي القربي أيضا منهما على ما هو مقتضى آية الفي ء في سورة الحشر، و لكن قد مرّ

منّا عدم كونه معهودا في الجزايا، فراجع و تتبع.

و بالجملة فهنا مسألتان: الأولى في الجزية، و الثانية في الخراج.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 142.

(2)- الأحكام السلطانية/ 153.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 365

المسألة الأولى: في الجزية:
اشارة

و الأصل فيها قوله- تعالى- في سورة التوبة: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» «1»

في المجمع:

«قيل: هذه الآية نزلت حين أمر رسول اللّه «ص» بحرب الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك، عن مجاهد. و قيل: هي على العموم.» «2»

و الظاهر أن كلمة: «من» بيانية لا للتبعيض، و أن نفي الإيمان باللّه و باليوم الآخر عنهم مع أنهم من أهل الكتاب من جهة أنهم لا يرون ما هو الحق في باب التوحيد و المعاد، و لا يلتزمون بلوازمهما في مقام العمل. و قيل: لأنهم يضيفون إلى اللّه- تعالى- ما لا يليق بذاته، فكأنهم لا يعرفونه حتى يؤمنوا به.

و المراد برسوله إما النبي محمد «ص» الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل، و إما رسول أنفسهم كموسى و عيسى «ع». فالمعنى أنه لا يحرم كل أمة منهم ما حرّمه رسولهم أيضا. حيث إنهم نبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم. و قد وصفهم اللّه- تعالى- بهذه الأوصاف الدالة على ذمهم تعليلا لإيجاب قتالهم و تهييجا للمؤمنين على ذلك.

و من المظنون أن «الجزية» معربة من كلمة: «گزيت» الفارسية و ليست عربية.

و قال الماوردي:

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 29.

(2)- مجمع البيان 3/ 21 (الجزء 5).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 366

«اسمها

مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارا، و إما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقا.» «1» و ذكر نحوه أبو يعلى أيضا. «2»

و في الجواهر:

«هي فعلة من جزى يجزي، يقال: جزيت ديني: إذا قضيته.» «3»

و على هذا تكون الفارسية مأخوذة من العربية. و يحتمل أصالتهما أيضا، فتدبّر.

و كانت الجزية تؤخذ من أهل الكتاب عوضا عن حفظ ذمتهم و الكف عنهم و الدفاع عن حقوقهم و حرماتهم. و لا غنى للحكومة التي تريد أن تقوم على ساقها عن الضرائب المالية حقا كانت الدولة أم باطلة.

و لعل اليد في الآية كناية عن القوة و القدرة، فيراد أنهم يعطون الجزية عن قدرة و سلطة لكم عليهم، و هم خاضعون منقادون في قبال الحكم الإسلامي. فالآية تدل على ركني عقد الذمة، أعني بذل الجزية و الالتزام بأحكام المسلمين.

و قيل: يعني عن غنى و قدرة لهم. و قيل: يعني نقدا لا نسية. و قيل: يعطيها من يده إلى يد من يدفعه إليه من غير واسطة، كما يقال: كلّمته فما بفم. و اللّه- تعالى- أعلم.

و الظاهر أن الصغار لا يراد به أزيد من التزامهم بأحكامنا و انقيادهم للدولة الإسلامية، و سيأتي تفصيل ذلك.

و ظاهر الآية أن قبول الجزية من أهل الكتاب إلزامي، فلا يجوز قتالهم بعد ما قبلوا إعطاءها، اللهم إلا أن يقال إن إعطاء الجزية في الآية غاية لوجوب القتال لا لجوازه.

و الحاصل أن الأمر بالقتال إن كان مفاده الوجوب كما هو الظاهر منه بدوا كان إعطاء الجزية غاية لوجوبه، فلا ينافي بقاء الجواز معه. نعم، لو قيل: بأن مفاد الأمر هنا هو الجواز فقط لكونه في مقام توهم الحظر كانت الغاية غاية للجواز،

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/

142.

(2)- الأحكام السلطانية/ 153.

(3)- الجواهر 21/ 227.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 367

فلا يجوز القتال بعد قبولهم لإعطائها، فتدبّر.

و الآية بنفسها لا تنفي قبول الجزية من سائر الكفار، فإنه من قبيل مفهوم اللقب و ليس بحجة.

و المراد بأهل الكتاب على ما هو المتبادر منه في تلك الأعصار هو اليهود و النصارى، و ألحق بهم المجوس أيضا للسنّة، و إنما وقع الخلاف و البحث في غيرهم كما سيأتي.

و كيف كان فهنا جهات من البحث:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 368

الجهة الأولى: فيمن تؤخذ منه الجزية من الفرق و أنها هل تؤخذ من سائر الكفار أيضا أم لا؟ و هل تؤخذ من العرب أيضا؟
[كلمات العلماء]

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 1):

«لا يجوز أخذ الجزية من عبّاد الأوثان، سواء كانوا من العجم أو من العرب، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: تؤخذ من العجم و لا تؤخذ من العرب. و قال مالك:

تؤخذ من جميع الكفار إلا مشركي قريش.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. و أيضا قوله- تعالى-: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.» و قال- تعالى-: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ.» و لم يستثن.

و قال- تعالى-: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ. الآية.» فخص أهل الكتاب بالجزية دون غيرهم. و أيضا قوله «ص»: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه.»

(المسألة 2):

«يجوز أخذ الجزية من أهل الكتاب من العرب، و به قال جميع الفقهاء، و قال أبو يوسف: لا يجوز. دليلنا قوله- تعالى-: «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» و لم يفرق. و أيضا بعث رسول اللّه «ص» خالد بن الوليد إلى دومة الجندل فأغار عليها و أخذ أكيدر دومة فأتي به النبي «ص»، فصالحه على

الجزية. و قال الشافعي: أكيدر بن حسان رجل من كندة أو غسان، و كلاهما عرب. و أخذ رسول اللّه «ص» الجزية من أهل نجران و فيهم عرب.»

(المسألة 3):

«المجوس كان لهم كتاب ثم رفع عنهم، و هو أصح قولي الشافعي، و له قول آخر أنه

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 369

لم يكن لهم كتاب، و به قال أبو حنيفة. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. و رووا عن علي «ع» أنه قال: كان لهم كتاب أحرقوه و نبيّ قتلوه. فثبت أنهم أهل الكتاب.» «1»

2- و قال في النهاية:

«كل من خالف الإسلام من سائر أصناف يجب مجاهدتهم و قتالهم، غير أنهم ينقسمون قسمين: قسم لا يقبل منهم إلا الإسلام و الدخول فيه، أو يقتلون و تسبى ذراريّهم و تؤخذ أموالهم، و هم جميع أصناف الكفار إلا اليهود و النصارى و المجوس.

و القسم الآخر هم الذين تؤخذ منهم الجزية، و هم الأجناس الثلاثة الذين ذكرناهم، فإنهم متى انقادوا للجزية و قبلوها و قاموا بشرائطها لم يجز قتالهم و لم يسغ سبي ذراريّهم. و متى أبوا الجزية أو أخلّوا بشرائطها كان حكمهم حكم غيرهم من الكفار في أنه يجب عليهم القتل و سبي الذراريّ و أخذ الأموال.» «2»

3- و فيه أيضا:

«الجزية واجبة على أهل الكتاب ممن أبى منهم الإسلام و أذعن بها، و هم اليهود و النصارى. و المجوس حكمهم حكم اليهود و النصارى.» «3»

4- و قال في جهاد المبسوط:

«الكفار على ثلاثة أضرب: أهل كتاب، و هم اليهود و النصارى، فهؤلاء يجوز إقرارهم على دينهم ببذل الجزية. و من له شبهة كتاب، فهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب يقرّون على دينهم ببذل الجزية.

و من لا كتاب له و لا شبهة كتاب، و هم من عدا هؤلاء الثلاثة أصناف من عبّاد الأصنام و الأوثان و الكواكب و غيرهم، فلا يقرّون على دينهم ببذل الجزية.

و متى امتنع أهل الكتاب من بذل الجزية قوتلوا و سبيت ذراريّهم و نساؤهم،

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 237.

(2)- النهاية/ 291.

(3)- النهاية/ 193.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 370

و أموالهم تكون فيئا.» «1»

و ذكر قريبا من ذلك في أول كتاب الجزايا منه أيضا، فراجع. «2»

و لعل التعبير بشبهة الكتاب كان من جهة عدم تحقق كون ما بأيديهم الآن من الكتاب، حيث أحرقوا كتابهم، فتأمّل.

5- و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«فيجب على وليّ الأمر أن يضع الجزية على رقاب من دخل في الذمة من أهل الكتاب ليقرّوا بها في دار الإسلام، و يلتزم لهم ببذلها حقان: أحدهما: الكف عنهم.

و الثاني: الحماية لهم، ليكونوا بالكف آمنين و بالحماية محروسين. روى نافع عن ابن عمر، قال: كان آخر ما تكلّم به النبي «ص» أن قال: «احفظوني في ذمتي.»

و العرب في أخذ الجزية منهم كغيرهم. و قال أبو حنيفة: لا آخذها من العرب، لئلا يجري عليهم صغار.

و لا تؤخذ من مرتدّ و لا دهريّ و لا عابد وثن. و أخذها أبو حنيفة من عبدة الأوثان إذا كانوا عجما. و لم يأخذها منهم إذا كانوا عربا.

و أهل الكتاب هم اليهود و النصارى، و كتابهم التوراة و الإنجيل. و يجري المجوس مجراهم في أخذ الجزية منهم و إن حرم أكل ذبائحهم و نكاح نسائهم.

و تؤخذ من الصابئين و السامرة إذا وافقوا اليهود و النصارى في أصل معتقدهم و إن خالفوهم في فروعه. و لا تؤخذ منهم إذا خالفوا

اليهود و النصارى في أصل معتقدهم.» «3»

و لا يخفى أن الماوردي يكون من علماء الشافعية.

6- و في جهاد البداية لابن رشد بعد ذكر الجزية لأهل الكتاب و ذكر الآية الشريفة قال:

«و كذلك اتفق عامة الفقهاء على أخذها من المجوس، لقوله «ص»: «سنّوا بهم سنّة

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 9.

(2)- المبسوط 2/ 36.

(3)- الأحكام السلطانية/ 143.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 371

أهل الكتاب.» و اختلفوا فيما سوى أهل الكتاب من المشركين هل تقبل منهم الجزية أم لا، فقال قوم: تؤخذ الجزية من كل مشرك، و به قال مالك. و قوم استثنوا من ذلك مشركي العرب. و قال الشافعي و أبو ثور و جماعة: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب و المجوس.» «1»

7- و في خراج أبي يوسف:

«قال أبو يوسف: و الجزية واجبة على جميع أهل الذمة: ممن في السواد و غيرهم من أهل الحيرة و سائر البلدان، من اليهود و النصارى و المجوس و الصابئين و السامرة ما خلا نصارى بني تغلب و أهل نجران خاصّة.» «2»

8- و فيه أيضا:

«و جميع أهل الشرك من المجوس و عبدة الأوثان و عبدة النيران و الحجارة و الصابئين و السامرة تؤخذ منهم الجزية ما خلا أهل الردّة من أهل الإسلام و أهل الأوثان من العرب.» «3»

9- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة قال:

«و لا تقبل الجزية إلا من يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ، إذا كانوا مقيمين على ما عوهدوا عليه. و من سواهم فالإسلام أو القتل.» «4»

و قال في المغني في شرحه:

«يعني من سوى اليهود و النصارى و المجوس لا تقبل منهم الجزية و لا يقرّون بها و لا يقبل منهم إلا الإسلام، فإن

لم يسلموا قتلوا. هذا ظاهر مذهب أحمد، و روى عنه الحسن بن ثواب أنها تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، لأن حديث بريدة يدلّ بعمومه على قبول الجزية من كل كافر إلا أنه خرج منه عبدة الأوثان من العرب ...» «5»

______________________________

(1)- بداية المجتهد 1/ 376 (ط. أخرى 1/ 331).

(2)- الخراج/ 122.

(3)- الخراج/ 128.

(4)- المغني 10/ 568 و 573.

(5)- المغني 10/ 573.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 372

10- و في المنتهى:

«و يعقد الجزية لكل كتابي عاقل بالغ ذكر، و نعني بالكتابي من له كتاب حقيقة و هم اليهود و النصارى، و من له شبهة كتاب و هم المجوس، فيؤخذ الجزية من هؤلاء الأصناف الثلاثة بلا خلاف بين علماء الإسلام في ذلك في قديم الوقت و حديثه، فإن الصحابة أجمعوا على ذلك و عمل به الفقهاء القدماء و من بعدهم إلى زماننا هذا من أهل الحجاز و العراق و الشام و مصر و غيرهم من أهل الأصقاع في جميع الأزمان، عملا بالآية الدالّة على أخذ الجزية، و الأحاديث المتقدمة. و فعل النبي «ص» ذلك، و أخذ الجزية من مجوس هجر. و بعث النبي «ص» معاذا إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله من المعافري، و هو إجماع.» «1»

أ قول: قال في النهاية بعد ذكر الحديث:

«و هي برود باليمن منسوبة إلى معافر، و هي قبيلة باليمن. و الميم زائدة.» «2»

11- و فيه أيضا:

«و لا يقبل من غير الأصناف الثلاثة من سائر فرق الكفار إلا الإسلام، فلو بذلوا الجزية لم يقبل منهم كعبّاد الأوثان و الأصنام و الأحجار و النيران و الشمس و غير ذلك من غير

اليهود و النصارى و المجوس من العرب و العجم، و به قال الشافعي.

و قال أبو حنيفة: تقبل من جميع الكفار إلا العرب. و قال أحمد: تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب. و قال مالك: إنها تقبل من جميعهم إلا مشركي قريش، فإنهم ارتدّوا. و قال الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز: إنها تقبل من جميعهم.» «3»

12- و في جهاد الشرائع في أحكام الذمّة قال:

«الأول: من تؤخذ منه الجزية؟ تؤخذ ممن يقرّ على دينه، و هم اليهود و النصارى، و من لهم شبهة كتاب و هم المجوس، و لا يقبل من غيرهم إلا الإسلام.

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 959.

(2)- النهاية لابن الأثير 3/ 262.

(3)- المنتهى 2/ 960.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 373

و الفرق الثلاث إذا التزموا شرائط الذمة أقرّوا، سواء كانوا عربا أو عجما.

و لو ادّعى أهل حرب أنهم منهم و بذلوا الجزية لم يكلفوا البيّنة و أقرّوا.» «1»

13- و في الجواهر في ذيل قول المحقق: «و لا يقبل من غيرهم إلا الإسلام»، قال:

«بلا خلاف أجده فيه، بل عن الغنية و غيرها الإجماع عليه، بل و لا إشكال بعد قوله- تعالى-: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.» و قوله- تعالى-: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ.» و غير ذلك من الكتاب و السنة. من غير فرق بين من كان منهم له أحد كتب إبراهيم و آدم و إدريس و داود، و من لم يكن له، ضرورة أنّ المنساق من الكتاب في القرآن العظيم التوراة و الإنجيل ...» «2»

و قد تحصّل مما حكيناه من الكلمات أنه لا إشكال عند أصحابنا في قبول الجزية من اليهود و النصارى، بل و من المجوس أيضا.

نعم، عن ظاهر العماني أنه ألحقهم بعباد الأوثان و غيرهم ممن لا يقبل منهم إلا الإسلام، و لكن قال في الجواهر: «قد سبقه الإجماع بقسميه و لحقه.» «3»

و أفتى أصحابنا بعدم قبولها من غير الفرق الثلاث، و به قال الشافعي أيضا، و أفتى أبو حنيفة و مالك و أحمد في رواية بقبولها من جميع الكفار إلا مشركي العرب أو قريش، و قال بعضهم بقبولها من جميعهم. هذا.

14- و لكن في كتاب السير من الخلاف (المسألة 24):

«إذا صالح الإمام قوما من المشركين على أن يفتحوا الأرض و يقرّهم فيها و يضرب على أرضهم خراجا بدلا عن الجزية كان ذلك جائزا على حسب ما يعلمه (يراه- ظ.) من المصلحة و يكون جزية. و إذا أسلموا أو باعوا الأرض من مسلم سقط، و به قال الشافعي إلا أنه قيد ذلك بأن قال: إذا علم أن ذلك يفي بما يختص كل بالغ

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 327 (ط. أخرى/ 250).

(2)- الجواهر 21/ 231.

(3)- الجواهر 21/ 228.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 374

دينارا في كل سنة. و قال أبو حنيفة: لا يسقط ذلك بالإسلام. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

أقول: أراد الشافعي بما قيده أن لا يقلّ المأخوذ منهم عن أقلّ الجزية لأهل الكتاب، فإن الأقلّ عنده دينار واحد لكل سنة.

و لا يخفى أن هذه المسألة من الخلاف تنافي ما سبق منه و من المبسوط و غيرهما من عدم قبول الجزية من المشركين.

اللّهم إلا أن يفرّق بين المسألتين بأن قبول الجزية من أهل الكتاب و المجوس بنحو الإلزام، و من المشركين بنحو الجواز و رعاية المصلحة.

أو أن جزية أهل الكتاب على رقابهم و جزية المشركين على

الأراضي،

أو أن جزية أهل الكتاب على نحو الدوام و الاستمرار، و جزية المشركين على نحو التوقيت، حيث لا يجوز المهادنة على ترك القتال أكثر من عشر سنين كما بيّن في محله،

أو أن المنع من أخذ الجزية من المشرك و أمثاله محمول على أخذها من الكفار الموجودين في داخل المجتمعات الإسلامية و الحكم الإسلامي، فنقول بجواز أخذها من دول الكفر و حكّامهم و مدنهم و قراهم ليكفّ عنهم و يكونوا مأمونين في ظل حماية الدولة الإسلامية و التعهد الدولي، إذ يبعد جدا وجوب قتل جميع الكفار في بلاد الكفر مع سعتها و كثرتهم كالهنود و البوذيين و أمثالهم، و لا إكراه في الدين و لا اعتبار به ما لم يكن على أساس العلم و المعرفة، و قد مرّ عن الماوردي قوله: «فيجب على ولي الأمر أن يضع الجزية على رقاب من دخل في الذمة من أهل الكتاب ليقرّوا في دار الإسلام.» فيظهر بذلك أن محل البحث في الجزية عندهم هي الأقلية الداخلة في المجتمعات الإسلامية في دار الإسلام. و المسألة محتاجة إلى كثرة بحث و تنقيح.

و يحتمل بعيدا أن الشيخ أراد بالمشركين في كلامه هنا خصوص أهل الكتاب،

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 235.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 375

و كان عنوان المسألة لبيان كفاية ضرب الخراج على الأرض بدلا عن جزية الرؤوس، فتدبّر.

[ما يستدل به في المقام من الآيات]

و كيف كان فلنتعرض لما يستدل به في المقام من الآيات و الروايات:

1- قال اللّه- تعالى-: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ. الآية.» «1»

2- و قال: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا

الزَّكٰاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.» «2»

3- و قال: «وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ. الآية.» «3»

إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها الحثّ على القتال لبسط التوحيد و العدالة و رفع أساس الكفر و الفتنة من ساحة الأرض. نعم، يمكن المناقشة في بعضها بكونها في مقام رفع توهم الحظر، فلا تدلّ على أزيد من الترخيص.

4- و قد مرّ قوله- تعالى-: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» «4»

و مرّ شرح الآية و مقدار دلالتها في أول البحث.

[ما يستدل به في المقام من الروايات]

5- و روى البيهقي بسنده، عن أبي هريرة أن رسول اللّه «ص»، قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه، فمن قال: لا إله إلا اللّه فقد عصم مني ماله و نفسه إلا بحقه

______________________________

(1)- سورة محمّد «ص» (47)، الآية 4.

(2)- سورة التوبة (9)، الآية 5.

(3)- سورة الأنفال (8)، الآية 39.

(4)- سورة التوبة (9)، الآية 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 376

و حسابه على اللّه.» رواه مسلم ... و أخرجه البخاري في الصحيح. «1»

6- و فيه أيضا بسنده، عن أبي هريرة: قال رسول اللّه «ص»: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللّه، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها، و حسابهم على اللّه.» أخرجه مسلم في الصحيح. «2»

7- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عصام، عن أبيه أن النبي «ص» كان إذا بعث سرية قال: «إذا سمعتم مؤذنا أو رأيتم

مسجدا فلا تقتلوا أحدا.» «3»

فيستفاد من هذه الآيات و الروايات أن الكافر يدعى إلى الإسلام؛ فإن قبل جرى عليه حكم الإسلام و إلا قتل، فتكون الجزية على خلاف القاعدة لا يصار إليها إلا بدليل، و آية سورة التوبة الواردة فيها تكون بمنزلة الاستثناء، و موردها خصوص أهل الكتاب.

8- و في الوسائل في خبر حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه «ع» الوارد في الأسياف الخمسة، قال: «فأما السيوف الثلاثة المشهورة (الشاهرة) فسيف على مشركي العرب، قال اللّه- عزّ و جلّ-: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تٰابُوا (يعني آمنوا) وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَ آتَوُا الزَّكٰاةَ فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ.» فهؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام، و أموالهم (و مالهم في ء) و ذراريّهم سبي على ما سنّ رسول اللّه «ص»، فإنه سبى و عفا و قبل الفداء.

و السيف الثاني على أهل الذمّة، قال اللّه- تعالى-: «وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً.» «4» نزلت هذه الآية في أهل الذمة، ثم نسخها قوله- عزّ و جلّ-: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 182، كتاب الجزية، باب من لا تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان.

(2)- سنن البيهقي 9/ 182، كتاب الجزية، باب من لا تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان.

(3)- سنن البيهقي 9/ 182، كتاب الجزية، باب من لا تؤخذ منه الجزية من أهل الأوثان.

(4)- سورة البقرة (2)، الآية 83.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص:

377

فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل، و مالهم في ء، و ذراريّهم سبي، و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم، و حرمت أموالهم، و حلّت لنا مناكحتهم، و من كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم، و لم تحل لنا مناكحتهم و لم يقبل منهم إلا الدخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل.

و السيف الثالث سيف على مشركي العجم، يعني الترك و الديلم و الخزر، قال اللّه- عزّ و جلّ- في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقصّ قصتهم ثم قال: «فَضَرْبَ الرِّقٰابِ حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا.» فأما قوله: «فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ» يعني بعد السبي منهم، «وَ إِمّٰا فِدٰاءً» يعني المفاداة بينهم و بين أهل الإسلام. فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام، و لا تحلّ لنا مناكحتهم ما داموا في دار الحرب.» «1»

و لا يخفى أن الآية الأولى المذكورة في الحديث تحصّلت من ضمّ آيتي 5 و 11 من سورة التوبة، فراجع.

9- و في المستدرك، عن العياشي، عن جعفر بن محمد، عن أبي جعفر «ع» «أن اللّه بعث محمدا «ص» بخمسة أسياف: فسيف على مشركي العرب، قال اللّه- جلّ وجهه:

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِنْ تٰابُوا (يعني فإن آمنوا) فَإِخْوٰانُكُمْ فِي الدِّينِ» لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الإسلام. الحديث.» «2»

10- و في الوسائل في صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي الواردة في مناظرة الإمام الصادق «ع» مع عمرو بن عبيد و غيره من المعتزلة في شأن محمد

بن عبد اللّه بن الحسن، قال «ع»: «يا عمرو، أ رأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إلى بيعته ثم اجتمعت لكم الأمة فلم يختلف عليكم رجلان فيها فأفضيتم إلى المشركين الذين لا يسلمون و لا يؤدون الجزية، أ كان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة رسول اللّه «ص» في المشركين في حروبه؟ قال: نعم. قال: فتصنع ما ذا؟ قال: ندعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 16، الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 246، الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 378

دعوناهم إلى الجزية. قال: إن كانوا مجوسا ليسوا بأهل الكتاب؟ قال: سواء. قال: و إن كانوا مشركي العرب و عبدة الأوثان؟ قال: سواء. قال: أخبرني عن القرآن تقرأه؟ قال:

نعم. قال: اقرأ: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ لٰا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لٰا يُحَرِّمُونَ مٰا حَرَّمَ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ لٰا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» فاستثناء اللّه- تعالى- و اشتراطه من أهل الكتاب، فهم و الذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم. قال:

عمن أخذت ذا؟ قال: سمعت الناس يقولون. الحديث.» «1»

أقول: فيظهر من هذه الصحيحة إجمالا مخالفة أهل الكتاب لغيرهم من الكفار في قبول الجزية منهم، بل و مخالفة المجوس أيضا لأهل الكتاب و إن كان الحق كونهم مثل أهل الكتاب في ذلك كما سيظهر.

و ربما ينسبق إلى الذهن من قوله «ع»: «فأفضيتم إلى المشركين الذين لا يسلمون و لا يؤدون الجزية» قبول الجزية من المشركين أيضا و لكن الذيل يدفع ذلك، فتدبّر.

11-

و في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال:

«لا يقبل من عربي جزية، و إن لم يسلموا قوتلوا.» «2»

12- و في الوسائل، عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، قال: «سئل أبو عبد اللّه «ع» عن المجوس أ كان لهم نبيّ؟ فقال: نعم. أما بلغك كتاب رسول اللّه «ص» إلى أهل مكة: أن أسلموا و إلا نابذتكم بحرب. فكتبوا إلى النبي «ص»: أن خذ منّا الجزية و دعنا على عبادة الأوثان.

فكتب إليهم النبيّ «ص» إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب. فكتبوا إليه- يريدون بذلك تكذيبه-: زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثم أخذت الجزية من مجوس هجر.

فكتب إليهم رسول اللّه «ص»: أن المجوس كان لهم نبي فقتلوه و كتاب أحرقوه، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور.»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 28، الباب 9 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 262، الباب 42 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 379

و رواه أيضا، عن الشيخ بإسناده، عن محمد بن يعقوب، و بإسناده، عن أحمد بن محمد مثله. «1»

و في الخبر كما ترى إرسال. و يظنّ بحسب الطبقة أن أبا يحيى الواسطي يراد به زكريا بن يحيى الواسطي، و هو ثقة كسائر رواة الحديث.

و قوله «ص»: «إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب» هل هو حكم إلهيّ كليّ فلا يجوز التخلف عنه، أو أن رسول اللّه «ص» بما أنه كان حاكما على المسلمين في عصره لم ير أخذها صلاحا إلا من أهل الكتاب فلا

ينافي ذلك أخذ الأئمة و الحكام بعده و لو من غيرهم إذا رأوا في ذلك مصلحة للإسلام و المسلمين؟

كل محتمل، بل لعل ظاهر التعبير هو الثاني.

هذا مع قطع النظر عما ورد في الروايات السابقة من الفرق بين أهل الكتاب و غيرهم.

ثم إن تعليل النبي «ص» لأخذ الجزية من مجوس هجر بأنه كان لهم نبيّ و كتاب، لعله يقتضي إسراء الحكم إلى كل أمة ثبت لهم نبيّ و كتاب سماوي و لو لم يطلق عليها أحد العناوين الثلاثة.

13- و فيه أيضا، عن الشيخ بإسناده، عن أحمد بن محمد، عن أبي يحيى الواسطي، قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن المجوس، فقال: «كان لهم نبي قتلوه و كتاب أحرقوه، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور، و كان يقال له جاماسب.» «2»

14- و فيه أيضا، عن الصدوق في الفقيه، قال: «المجوس تؤخذ منهم الجزية، لأن النبي «ص» قال: «سنّوا بهم سنة أهل الكتاب.» و كان لهم نبيّ اسمه داماسب فقتلوه، و كتاب يقال له جاماسب كان يقع في اثني عشر ألف جلد ثور فحرقوه.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 96، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 97، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(3)- الوسائل 11/ 97، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 380

15- و فيه أيضا، عن مجالس الصدوق بسنده، عن الأصبغ بن نباتة: «أن عليا «ع» قال على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني، فقام إليه الأشعث فقال:

يا أمير المؤمنين، كيف تؤخذ الجزية من المجوس و لم ينزل عليهم كتاب و لم يبعث إليهم نبي؟ فقال: بلى يا أشعث،

قد أنزل اللّه عليهم كتابا و بعث إليهم نبيا. الحديث.» «1»

16- و فيه أيضا، عن المفيد في المقنعة، عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «المجوس إنما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات، لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب.» «2»

17- و فيه أيضا، عن مجالس ابن الشيخ بسنده، عن علي بن موسى الرضا «ع»، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن الحسين- عليهم السلام- أن رسول اللّه «ص» قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب.» يعني المجوس. «3»

18- و في كتاب الأموال لأبي عبيد في ذكر كتب رسول اللّه «ص» بسنده، عن عروة بن الزبير، قال: «و كتب إلى أهل اليمن: من محمد رسول اللّه «ص» إلى أهل اليمن- برسالة فيها-: و أنه من أسلم من يهوديّ أو نصراني فإنه من المؤمنين، له ما لهم و عليه ما عليهم.

و من كان على يهوديته او نصرانيته فإنه لا يفتن عنها و عليه الجزية.» «4»

19- و في سنن البيهقي بسنده، عن ابن إسحاق، قال: «فلما انتهى رسول اللّه «ص» إلى تبوك أتاه يحنة بن روبة صاحب أيلة فصالح رسول اللّه «ص» و أعطاه الجزية. و أتاه أهل جربا و أذرح فأعطوه الجزية.» «5»

20- و فيه أيضا بسنده، عن أنس بن مالك و عن عثمان بن أبي سليمان «أن

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 98، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 7.

(2)- الوسائل 11/ 98، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

(3)- الوسائل 11/ 98، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 9.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 380

(4)- الأموال/ 29.

(5)- سنن البيهقي 9/ 185، كتاب الجزية، باب من يؤخذ منه الجزية من أهل الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 381

النبي «ص» بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأخذوه فأتوا به فحقن له دمه و صالحه على الجزية.» «1»

21- و فيه أيضا بسنده «أن رسول اللّه «ص» بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك- رجل من كندة كان ملكا على دومة و كان نصرانيّا ... ثم إن خالدا قدم بالأكيدر على رسول اللّه «ص»، فحقن له دمه و صالحه على الجزية و خلّى سبيله، فرجع إلى قريته.

قال الشافعي: و أخذ رسول اللّه «ص» الجزية من أهل ذمة اليمن و عامتهم عرب، و من أهل نجران و فيهم عرب.» «2»

22- و فيه أيضا بسنده، عن معاذ بن جبل، قال: بعثني رسول اللّه «ص» إلى اليمن و أمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر. قال يحيى بن آدم: و إنما هذه الجزية على أهل اليمن و هم قوم عرب لأنهم أهل كتاب، ألا ترى أنه قال:

لا يفتن يهودي عن يهوديته. «3»

23- و فيه أيضا بسند، عن ابن عباس، قال: صالح رسول اللّه «ص» أهل نجران على ألفي حلة. «4»

24- و فيه أيضا بسنده، قال الشافعي: قد أخذ رسول اللّه «ص» الجزية من أكيدر الغساني، و يروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية.

فأما عمر بن الخطاب و من بعده من الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تغلب و تنوخ و بهراء و خلط من خلط العرب، و هم إلى الساعة مقيمون على النصرانيّة

______________________________

(1)-

سنن البيهقي 9/ 186، كتاب الجزية، باب من قال تؤخذ منهم الجزية ...

(2)- سنن البيهقي 9/ 187، كتاب الجزية، باب من قال تؤخذ منهم الجزية ...

(3)- سنن البيهقي 9/ 187، كتاب الجزية، باب من قال تؤخذ منهم الجزية ...

(4)- سنن البيهقي 9/ 187، كتاب الجزية، باب من قال تؤخذ منهم الجزية ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 382

يضاعف عليهم الصدقة، و ذلك جزية و إنما الجزية على الأديان لا على الأنساب ... «1»

25- و فيه أيضا بسنده، عن نصر بن عاصم، قال: قال فروة بن نوفل الأشجعي: علام تؤخذ الجزية من المجوس و ليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ بتلبيبه فقال: يا عدوّ اللّه، تطعن على أبي بكر و عمرو على أمير المؤمنين- يعني عليا «ع»- و قد أخذوا منهم الجزية؟ فذهب به إلى القصر، فخرج علي «ع» عليهما و قال: البدا، فجلسا في ظلّ القصر، فقال علي «ع»: «أنا أعلم الناس بالمجوس؛ كان لهم علم يعلمونه و كتاب يدرسونه، و أن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطّلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاؤوا يقيمون عليه الحدّ فامتنع منهم، فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال: تعلمون دينا خيرا من دين آدم و قد كان ينكح بنيه من بناته و أنا على دين آدم، ما يرغب بكم عن دينه؟

قال: فبايعوه و قاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم، فأصبحوا و قد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم و ذهب العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب و قد أخذ رسول اللّه «ص» و أبو بكر و عمر منهم الجزية.» «2»

26- و فيه أيضا بسنده، عن مالك، عن جعفر

بن محمد، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول اللّه «ص» يقول: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب.» «3»

27- و فيه أيضا بسنده، قال: كتب رسول اللّه «ص» إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل منه و من أبى ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة و لا تنكح لهم امرأة. «4»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 187، كتاب الجزية، باب من قال تؤخذ منهم الجزية ...

(2)- سنن البيهقي 9/ 188، كتاب الجزية، باب المجوس من أهل الكتاب و الجزية تؤخذ منهم.

(3)- سنن البيهقي 9/ 189، كتاب الجزية، باب المجوس من أهل الكتاب و الجزية تؤخذ منهم.

(4)- سنن البيهقي 9/ 192، كتاب الجزية، باب الفرق بين نكاح نساء من يؤخذ منه الجزية و ذبائحهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 383

28- و في البخاري فيما قاله المغيرة لعامل كسرى في حرب إيران قال: «فأمرنا نبينا رسول ربنا «ص» أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللّه وحده أو تؤدوا الجزية.» «1»

و ظاهر أن الإيرانيين كانوا مجوسا.

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال.

أقول: قد عرفت أن الآية الشريفة ناطقة بثبوت الجزية على أهل الكتاب و لا تدلّ على نفيها عن سائر الكفار. و مفاد بعض هذه الأخبار أيضا ثبوتها في أهل الكتاب أو المجوس، و أما نفي غيرهم فلا. نعم، بعضها دلّت على النفي أيضا.

و هنا بعض الأخبار التي ربما يمكن أن يستفاد منها إجمالا ثبوتها في غير الفرق الثلاث أيضا

، فلنتعرض لها:

1- ما رواه في الوسائل، عن الشيخ بسنده، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الجزية فقال: «إنما حرّم اللّه الجزية من مشركي العرب.» «2»

و

في السند وهب، و هو مجهول أو ضعيف. و مفاد الحديث يساوق ما حكوه عن أبي حنيفة، إذ كلمة إنما للحصر.

2- ما رواه أيضا، عن الكليني بسند صحيح، عن محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: قول اللّه- عزّ و جلّ-: «قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ»؟ فقال: لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول اللّه «ص» رخّص لهم لحاجته و حاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم، و لكن يقتلون حتى يوحّد اللّه و حتى لا يكون شرك. «3»

و مورد الآية و مرجع الضمير فيها مشركو مكة.

______________________________

(1)- صحيح البخاري 2/ 201، كتاب الجهاد و السير، باب الجزية و الموادعة.

(2)- الوسائل 11/ 97، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(3)- الوسائل 11/ 97، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 384

قال في مرآة العقول:

«أي بقبول الجزية من أهل الكتاب، و الفداء من المشركين، و إظهار الإسلام من المنافقين مع علمه بكفرهم.» «1»

فالصحيحة تدلّ إجمالا على الترخيص في ترك القتل مع الشرك أيضا للحاجة.

3- ما رواه أيضا، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: إنّ النبي «ص» كان إذا بعث أميرا له على سريّة أمره بتقوى اللّه- عزّ و جلّ- في خاصة نفسه ثم في أصحابه عامة ثم يقول ...:

«و إذا لقيتم عدوّا للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث، فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم:

ادعوهم إلى الإسلام، فان دخلوا فيه فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم. و ادعوهم إلى الهجرة بعد الإسلام،

فإن فعلوا فاقبلوا منهم و كفّوا عنهم، و إن أبوا أن يهاجروا و اختاروا ديارهم و أبوا أن يدخلوا في دار الهجرة كانوا بمنزلة أعراب المؤمنين يجري عليهم ما يجري على أعراب المؤمنين و لا يجري لهم في الفي ء و لا في القسمة شيئا إلا أن يهاجروا (يجاهدوا خ. ل) في سبيل اللّه. فإن أبوا هاتين فادعوهم إلى إعطاء الجزية عن يد و هم صاغرون، فإن أعطوا الجزية فاقبل منهم و كفّ عنهم، و إن أبوا فاستعن باللّه- عزّ و جلّ- عليهم و جاهدهم في اللّه حق جهاده. الحديث.» «2»

و رواه الشيخ أيضا عن محمد بن يعقوب، و لكنه قال: «و إذا لقيتم عدوّا من المشركين فادعوهم.» «3»

و السند موثوق به، كما لا يخفى.

و إطلاق هذه الموثقة يعمّ غير أهل الكتاب أيضا، بل لعلّ أكثر بعوث النبي «ص» كان إلى غيرهم، بل المذكور في نقل التهذيب و كذا خبر بريدة الآتي لفظ المشركين، و قوله: «إن النبي «ص» كان» ظاهر في الاستمرار. و قوله: «عن يد و هم

______________________________

(1)- مرآة العقول 4/ 337 من ط. القديم.

(2)- الوسائل 11/ 43، الباب 15 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(3)- تهذيب الأحكام 6/ 138، كتاب الجهاد، باب ما ينبغي لوالي الإمام أن يفعله إذا سرى في سرية، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 385

صاغرون» اقتباس من الآية الشريفة، لا أنه إشارة إليها حتى يقال بأن مورد الآية هو أهل الكتاب فقط، اللّهم إلا أن يقال: إن قوله «ص» في مرسلة الواسطي: «إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب» يفسّر هذه الموثقة و يقيد إطلاقها، فتأمّل.

4- و يقرب من هذه الموثقة ما

في سنن البيهقي بسنده، عن مسلم و غيره، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول اللّه «ص» إذا بعث أميرا على سريّة أو جيش أوصاه بتقوى اللّه في خاصة نفسه و بمن معه من المسلمين خيرا، قال: «إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال، فأيّتهن أجابوك إليها فاقبل منهم و كفّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم. ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، و أعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين و أن عليهم ما على المهاجرين. فإن أبوا و اختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون مثل أعراب المسلمين يجري عليهم حكم اللّه الذي كان يجري على المؤمنين و لا يكون لهم في الفي ء و الغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم و كفّ عنهم، فإن أبوا فاستعن باللّه و قاتلهم. الحديث.» «1»

قال الشوكاني في نيل الأوطار بعد نقل الحديث:

«ظاهره عدم الفرق بين الكافر العجمي و العربي و الكتابي و غير الكتابي، و إلى ذلك ذهب مالك و الأوزاعي و جماعة من أهل العلم و خالفهم الشافعي.» «2»

5- و في المستدرك، عن دعائم الإسلام، عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال: «لا يقبل من عربي جزية، و إن لم يسلموا قوتلوا.» «3»

نعم، الاستدلال به يتوقف على عموم المفهوم لغير أهل الكتاب أيضا، و لكن عموم المفهوم ممنوع.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 184، كتاب الجزية، باب من يؤخذ منه الجزية من أهل الكتاب.

(2)- نيل الأوطار 7/ 232، كتاب الجهاد و السير، باب الدعوة قبل القتال.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 262، الباب 42

من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 386

6- و في مسند زيد: «حدثني زيد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، عن علي «ع»، قال: «لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف، و أما مشركو العجم فتؤخذ منهم الجزية. و أما أهل الكتاب من العرب و العجم فإن أبوا أن يسلموا أو سألونا أن يكونوا من أهل الذمة قبلنا منهم الجزية.» «1»

و لا يخفى أن حمل مشركي العجم على خصوص المجوس مشكل.

7- و فيه أيضا: سمعت زيد بن علي «ع» يقول: «إذا غلب الإمام على أرض فرأى أن يمنّ على أهلها جعل الخراج على رءوسهم، فإن رأى أن يقسمها جعلها أرض عشر.» «2»

و إطلاقه يعم المشرك أيضا، و لكن الرواية كما ترى مقطوعة.

8- و في المصنف لعبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: «صالح رسول اللّه «ص» عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب. و قبل الجزية من أهل البحرين و كانوا مجوسا.» «3»

9- و في الدرّ المنثور: عن ابن عساكر، عن أبي أمامة، عن رسول اللّه «ص»، قال: «القتال قتالان: قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و قتال الفئة الباغية حتى تفي ء إلى أمر اللّه. الحديث.» «4»

10- و روي نحو ذلك عن أمير المؤمنين «ع» أيضا: ففي التهذيب بسنده، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال علي «ع»: «القتال قتالان: قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد و هم صاغرون، و قتال لأهل الزيغ لا ينفر

______________________________

(1)- مسند زيد/ 317، كتاب السير، باب العهد و الذمة.

(2)-

مسند زيد/ 316، كتاب السير، باب قسمة الغنائم.

(3)- المصنّف 6/ 86، كتاب أهل الكتاب، الجزية، الحديث 10091.

(4)- الدّر المنثور 3/ 228.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 387

عنهم حتى يفيئوا إلى أمر اللّه أو يقتلوا.» «1» و رواه عنه في الوسائل. «2»

أقول: بل في عصر خلافة أمير المؤمنين «ع» كان يوجد قطعا في البلاد الإسلامية مثل العراق و إيران و مصر كفّار غير أهل الكتاب و المجوس كثيرا، و لم يعهد أمره- عليه السلام- عمّاله بإكراههم على الإسلام أو القتل.

11- و في كتاب الغارات بسنده، قال: «بعث علي «ع» محمد بن أبي بكر أميرا على مصر، فكتب إلى علي «ع» يسأله عن رجل مسلم فجر بامرأة نصرانيّة، و عن زنادقة فيهم من يعبد الشمس و القمر، و فيهم من يعبد غير ذلك، و فيهم مرتدّ عن الإسلام، و كتب يسأله عن مكاتب مات و ترك مالا و ولدا.

فكتب إليه علي «ع» «أن أقم الحدّ فيهم على المسلم الذي فجر بالنصرانية، و ادفع النصرانية إلى النصارى يقضون فيها ما شاءوا. و أمره في الزنادقة أن يقتل من كان يدّعي الإسلام، و يترك سائرهم يعبدون ما شاءوا. الحديث.» «3»

و رواه عنه في الوسائل. «4»

و الظاهر أن المراد بقتل من كان يدّعي الإسلام قتل من أسلم ثم ارتدّ و إنما أمر بقتل المرتدّ لأن الارتداد من الإسلام و لا سيما ما كان عن فطرة له وجهة سياسية و داء عضال يسري في المجتمع سريعا، و به تضعف شوكة دولته و عظمتها.

و لعل الحكم من أصله حكم سياسي و ولائي؛ فتراعى فيه شروط الزمان و المكان و البيئات أيضا:

ففي كتاب الرضا «ع» إلى المأمون، قال:

«لا يحلّ (لا يجوز- العيون) قتل أحد من النّصاب و الكفار في دار التقية إلا قاتل أو ساع في فساد. و ذلك إذا لم تخف على نفسك و على أصحابك.» «5»

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 114، باب الجزية، الحديث 4.

(2)- الوسائل 11/ 18، الباب 5 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(3)- الغارات 1/ 230.

(4)- الوسائل 18/ 415، الباب 50 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 1.

(5)- الوسائل 11/ 62، الباب 26 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 9؛ و الوسائل 18/ 552، الباب 5 من أبواب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 388

و كيف كان فالحكم بوجوب قتل من لم يسلم من غير أهل الكتاب بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع. فاللازم إحالة أمرهم إلى إمام المسلمين و حاكمهم فيراعي ما هو الأصلح. نعم، لا يتعين إقرارهم على دينهم بقبول الجزية منهم على نحو ما كان يتعين ذلك في أهل الكتاب بناء على نفي التعميم في الحكم، و لعلّ هذا هو الفارق بين أهل الكتاب و بين غيرهم. و إن شئت فسمّ هذا صلحا موقتا، و عقد الذمة مع أهل الكتاب صلح دائم.

و بالجملة: المهادنة و المعاهدة على ترك القتال و ترك التعرض للعدوّ مدة معينة جائزة بلا إشكال إذا رآها الإمام مصلحة، قال اللّه- تعالى-: «وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ.» «1»

و قد صالح رسول اللّه «ص» قريشا عام الحديبية على ترك القتال عشر سنين. و في كتاب امير المؤمنين «ع» لمالك الأشتر: «و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك و للّه فيه رضا،

فإن في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك.» «2» و إطلاقه يشمل غير أهل

الكتاب أيضا.

و ليس من شرط الهدنة أن تكون بلا عوض، فيمكن أن تكون بعوض أيضا:

قال العلامة في التذكرة:

«المهادنة و الموادعة و المعاهدة ألفاظ مترادفة معناها وضع القتال و ترك الحرب مدّة بعوض و غير عوض، و هي جائزة بالنصّ و الإجماع.» «3»

و العوض كما يصح أن يقع على الأراضي يصح أيضا أن يقع على الرقاب، و لا نعني بالجزية إلا هذا. و قد مرّت عبارة الخلاف في كتاب السير في هذا المعنى.

غاية الأمر أن قبولها ليس بنحو اللزوم، بل يكون باختيار الإمام و يكون موقتا على

______________________________

حد المرتد، الحديث 6؛ و عيون أخبار الرضا 2/ 124.

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 61.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1027؛ عبده 3/ 117؛ لح/ 442، الكتاب 53.

(3)- التذكرة 1/ 447.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 389

ما قالوا، و يجدد إذا لزم.

و لعل ما روي عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «تاركوا الترك ما تركوكم»، أو قال:

«تاركوا الحبشة ما تركوكم.» «1» يكون من هذا القبيل، إذ لم يثبت كون جميع الترك أو الحبشة نصرانيا أو مجوسيا.

و في الكتاب الكريم: «لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ قٰاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ وَ ظٰاهَرُوا عَلىٰ إِخْرٰاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ. الآية.» «2»

و ظاهرها الإطلاق بل المورد مشركو مكة، فراجع.

و لا أظنّ أن يلتزم أحد بوجوب قتل ما يقرب من نصف سكّان الأرض أعني مليارات من البشر إذا فرض القدرة عليهم، مع أن استبقاءهم و النشاط الثقافي فيهم ربما يوجب تنبه كثير منهم تدريجا و انجذابهم يوما

فيوما إلى الإسلام. و لعل المقصود من قبول الجزية ليس إلا مخالطة أهل الذمة للمسلمين فيتأثروا بالعلوم الإسلامية و أخلاقها و مقرراتها الصالحة العادلة، و لا اعتبار بدين ليس على أساس العلم و المعرفة، فتدبّر.

حكم من تهوّد أو تنصّر أو تمجّس بعد طلوع الإسلام:

لو قلنا باختصاص الجزية بالفرق الثلاث فهل يختص الحكم بالسابقين منهم و أولادهم نسلا بعد نسل، أو يشمل من تهود أو تنصر أو تمجس بعد نسخ الجميع بالإسلام؟

أقول: ظاهر الآيات و الروايات التي علق الحكم فيها على عنوان أهل الكتاب أو اليهود و النصارى و المجوس كون القضايا على نحو القضايا الحقيقية لا القضايا

______________________________

(1)- راجع الوسائل 11/ 42، الباب 14 من أبواب جهاد العدوّ.

(2)- سورة الممتحنة (60)، الآية 8 و 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 390

الخارجية، و كون الملاك هو الانتحال إلى الأديان الثلاثة لا النسب، فيراد بالنصارى مثلا: المنتحلون إلى النصرانية و لو بتبديل دينهم إليها في الأعصار اللاحقة كسائر الموضوعات في الأحكام الشرعية. و كون الحكم مقصورا على السابقين و أولادهم فقط خلاف الظاهر جدّا.

1- و لكن في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 19):

«إذا انتقل الذمّيّ من دينه إلى دين يقرّ أهله عليه، مثل يهودي صار نصرانيا أو نصراني صار يهوديا أو مجوسيّا، أقرّ عليه، و به قال أبو حنيفة، و للشافعي فيه قولان:

أحدهما مثل ما قلناه. و الثاني و هو الأصح عندهم أنه لا يقرّ، لقوله «ع»: «من بدّل دينه فاقتلوه.» و لقوله- تعالى-: «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.»

دليلنا هو أن الكفر كالملة الواحدة، بدلالة أنه يرث بعضهم من بعض و إن اختلفوا، و عليه إجماع الفرقة.» «1»

2- و في المبسوط:

«و أما من كان من عبدة

الأوثان فدخل في دينهم فلا يخلو أن يدخل في دينهم قبل نسخ شرعهم أو بعده. فإن كان قبل نسخ شرعهم أقرّوا عليه، و إن كان بعد نسخ شرعهم لم يقرّوا عليه، لقوله «ع»: «من بدّل دينه فاقتلوه.» و هذا عامّ إلا من خصّه الدليل.» «2»

3- و فيه أيضا:

«من كان مقيما على دين ببذل الجزية فدخل في غير دينه و انتقل إليه لم يخل إما أن ينتقل إلى دين يقرّ أهله عليه ببذل الجزية، أو دين لا يقرّ عليه أهله. فإن انتقل إلى دين يقرّ عليه أهله كاليهودي ينتقل إلى النصرانية أو المجوسية فظاهر المذهب يقتضي أنه يجوز أن يقرّ عليه، لأن الكفر عندنا كالملّة الواحدة.

و لو قيل: إنه لا يقرّ عليه لقوله- تعالى-: «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ»، و لقوله «ع» «من بدّل دينه فاقتلوه»، و ذلك عام إلا من أخرجه الدليل كان قويا ...

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 241.

(2)- المبسوط 2/ 36.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 391

و أما إذا انتقل إلى دين لا يقرّ عليه أهله كالوثنية فإنه لا يقرّ عليه ...» «1»

4- و في التذكرة:

«تؤخذ الجزية ممن دخل في دينهم من الكفار إن كانوا قد دخلوا فيه قبل النسخ و التبديل و من نسله و ذراريّه، و يقرّون بالجزية و لو ولدوا بعد النسخ.

و لو دخلوا في دينهم بعد النسخ فلم يقبل منهم إلا الإسلام و لا تؤخذ منهم الجزية عند علمائنا، و به قال الشافعي، لقوله «ع»: «من بدّل دينه فاقتلوه.» و لأنه ابتغى دينا غير الإسلام فلا يقبل منه، لقوله- تعالى-: «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.» و قال المزني:

يقرّ على دينه و تقبل منه الجزية مطلقا ...» «2»

و ذكر نحو ذلك في المنتهى أيضا فراجع «3»، و راجع المختلف أيضا. «4»

5- و في الجواهر:

«الظاهر عدم إلحاق حكم اليهود و النصارى لمن تهود أو تنصر بعد النسخ، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و لعل بني تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار ممن انتقل في الجاهلية إلى النصرانية، كما صرّح به بعض أصحابنا ...» «5»

أقول: المسلم إن بدل دينه إلى الكفر بأقسامه صار مرتدّا، و لا إشكال في أنه لا يقرّ على كفره، و قد تعرض الفقهاء لحكم المرتد بقسميه في كتاب الحدود، و لكن لا يجري حكم المرتد على أولادهم بل يجري عليهم حكم الكافر الأصيل.

و كذلك الوثني أو الكتابي إن بدل دينه إلى النصرانية و نحوها فالظاهر كما مرّ شمول حكم أهل الكتاب له، لإطلاق الآيات و الروايات.

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 57.

(2)- التذكرة 1/ 438.

(3)- المنتهى 2/ 960.

(4)- المختلف/ 336.

(5)- الجواهر 21/ 232.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 392

و ما في التذكرة و المنتهى من نسبة خلاف ذلك إلى علمائنا مشعرا بالإجماع عليه يمكن أن يناقش فيه بعدم كون المسألة من المسائل الأصلية المعنونة في الكتب المعدة لنقل الفتاوى المأثورة، فادعاء الإجماع في كل من طرفي المسألة بلا وجه.

و الظاهر أن الإجماع الذي في الخلاف لا يرتبط بأصل المسألة بل بمسألة أرث بعضهم من بعض.

و قوله «ص»: «من بدّل دينه فاقتلوه»، ينصرف إلى المسلم إذا بدّل دينه و ارتد، فلا يشمل الكافر إذا بدّل دينه إلى كفر آخر، كما لا يشمل الكافر إذا بدّل دينه إلى الإسلام.

بل لعلّ الآية الشريفة أيضا تنصرف إلى

خصوص المسلم إذا ابتغى غير الإسلام و إلا لانتقض عمومها بالذمي الأصيل، أو يراد بالآية عدم القبول في الآخرة و يكون ذيلها أعني قوله: «وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخٰاسِرِينَ» مفسرا للصدر.

كيف! و مقتضى ما ذكروه أنه يجب أن يكون لكل نصراني مثلا قائمة تاريخية يعلم بها أنه من نسل النصارى السابقين على طلوع الإسلام أو من نسل من تنصر بعده، فتدبّر.

بحث في حكم الصابئة:
[كلمات العلماء حولهم]

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 4):

«الصابئة لا يؤخذ منهم الجزية و لا يقرّون على دينهم، و به قال أبو سعيد الإصطخري. و قال باقي الفقهاء انه يؤخذ منهم الجزية.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. و أيضا قوله- تعالى-: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.» و قال: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ.» و لم يأمر بأخذ الجزية منهم. و أيضا قوله- تعالى-: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ» إلى قوله: «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» فشرط في أخذ الجزية

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 393

أن يكونوا من أهل الكتاب، و هؤلاء ليسوا بأهل الكتاب.» «1»

أقول: قد مرّ منّا الإشكال في دلالة الآية الأخيرة على نفي الجزية من غير أهل الكتاب، فإنه من قبيل مفهوم اللقب، فتأمّل.

2- و قال المفيد في المقنعة:

«و الواجب عليه الجزية من الكفار ثلاثة أصناف: اليهود على اختلافهم، و النصارى على اختلافهم، و المجوس على اختلافهم.

و قد اختلف فقهاء العامّة في الصابئين و من ضارعهم في الكفر سوى من ذكرناه من الثلاثة الأصناف.

فقال مالك بن أنس و الأوزاعي: كلّ دين بعد دين الإسلام سوى اليهودية و النصرانية فهو مجوسية و حكم أهله حكم المجوس.

و روي عن عمر

بن عبد العزيز أنه قال: الصابئون مجوس. و قال الشافعي و جماعة من أهل العراق حكمهم حكم المجوس. و قال بعض أهل العراق: حكمهم حكم النصارى.

فأما نحن فلا نجاوز بإيجاب الجزية على غير من عددناه، لسنّة رسول اللّه «ص» فيهم و التوقيف الوارد عنه في أحكامهم. و قد روي عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال:

«المجوس إنما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب.» فلو خلينا و القياس لكانت المانوية و المزدقية و الديصانية عندي بالمجوسية أولى من الصابئين، لأنهم يذهبون في أصولهم مذاهب تقارب المجوسية و تكاد تختلط بها ...

فأما الصابئون فمنفردون بمذاهبهم عمن عددناه، لأن جمهورهم يوحّد الصانع في الأزل، و منهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم فكانت عندهم الأصل، و يعتقدون في الفلك و ما فيه الحياة و النطق و أنه المدبّر لما في هذا العالم و الدالّ عليه، و عظموا الكواكب و عبدوها من دون اللّه- عزّ و جلّ-، و سماها

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 238.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 394

بعضهم ملائكة، و جعلها بعضهم آلهة و بنوا لها بيوتا للعبادات. و هؤلاء على طريق القياس إلى مشركي العرب و عبّاد الأوثان أقرب من المجوس، لأنهم وجهوا عبادتهم إلى غير اللّه في التحقيق و على القصد و الضمير و سمّوا من عداه من خلقه بأسمائه- جلّ عما يقول المبطلون- ...» «1»

و حكاه عنه العلامة في جهاد المختلف، فراجع. «2»

أقول: لعل ابتلاء رسول اللّه «ص» في عصره كان باليهود و النصارى و المجوس، فيشكل الاستدلال بسنّته و عمله في أخذ الجزية منهم على عدم جواز الأخذ

من غيرهم ممن ادّعى الكتاب.

و تعليل أمير المؤمنين «ع» إلحاق المجوس باليهود و النصارى بأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب يقتضي كفاية وجود الكتاب فيما مضى في الإلحاق حكما و إن فرض تحريفه و الالتزام بالعقائد الفاسدة، كما نعتقد بالتحريف في التوراة و الإنجيل و فساد الاعتقاد بالأقانيم الثلاثة.

3- و في تفسير علي بن إبراهيم القمي:

«الصابئون قوم لا مجوس و لا يهود و لا نصارى و لا مسلمين، و هم يعبدون الكواكب و النجوم.» «3»

4- و في مجمع البيان في تفسير الآية 62 من سورة البقرة قال:

«و الصابئون جمع صابئ، و هو من انتقل إلى دين آخر، و كل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره سمّي في اللغة صابئا ... و الدين الذي فارقوه هو تركهم التوحيد إلى عبادة النجوم أو تعظيمها.

قال قتادة: و هم قوم معروفون و لهم مذهب يتفردون به، و من دينهم عبادة النجوم.

و هم يقرّون بالصانع و بالمعاد و ببعض الأنبياء. و قال مجاهد و الحسن: الصابئون بين اليهود و المجوس لا دين لهم. و قال السدّي: هم طائفة من أهل الكتاب يقرءون

______________________________

(1)- المقنعة/ 44.

(2)- المختلف 1/ 333.

(3)- تفسير علي إبراهيم (القميّ) 1/ 41 (ط. أخرى 1/ 48).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 395

الزبور. و قال الخليل: هم قوم دينهم شبيه بدين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهبّ الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح. و قال ابن زيد: هم أهل دين من الأديان كانوا بالجزيرة- جزيرة الموصل- يقولون: لا إله إلا اللّه و لم يؤمنوا برسول اللّه، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي «ص» و لأصحابه:

هؤلاء الصابئون؛ يشبهونهم

بهم. و قال آخرون: هم طائفة من أهل الكتاب.

و الفقهاء بأجمعهم يجيزون أخذ الجزية منهم، و عندنا لا يجوز ذلك لأنهم ليسوا بأهل كتاب.» «1»

5- و في تفسير القرطبي:

«و اختلف في الصابئين: فقال السدّي: هم فرقة من أهل الكتاب. و قاله إسحاق بن راهويه. قال ابن المنذر: و قال إسحاق: لا بأس بذبائح الصابئين، لأنهم طائفة من أهل الكتاب. و قال أبو حنيفة: لا بأس بذبائحهم و مناكحة نسائهم.

و قال الخليل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهبّ الجنوب، يزعمون أنهم على دين نوح- عليه السلام-. و قال مجاهد و الحسن و ابن أبي نجيح:

هم قوم تركّب دينهم بين اليهودية و المجوسية، لا تؤكل ذبائحهم. ابن عباس:

و لا تنكح نساؤهم. و قال الحسن أيضا و قتادة: هم قوم يعبدون الملائكة و يصلّون إلى القبلة و يقرءون الزبور و يصلّون الخمس، رآهم زياد بن أبي سفيان، فأراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنهم يعبدون الملائكة.

و الذي تحصّل من مذهبهم- فيما ذكره بعض علمائنا- أنهم موحّدون معتقدون تأثير النجوم و أنها فعّالة، و لهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري القادر باللّه بكفرهم حين سأله عنهم» «2».

6- و في المصنّف لعبد الرزاق بسنده، عن قتادة، قال:

«الصابئون قوم يعبدون الملائكة و يصلّون إلى القبلة و يقرءون الزبور. و عن مجاهد قال: الصابئون بين المجوس و اليهود، ليس لهم دين. و عنه أيضا قال: سئل ابن

______________________________

(1)- مجمع البيان 1/ 126.

(2)- تفسير القرطبي 1/ 434.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 396

عباس عن الصابئين فقال: هم قوم بين اليهود و النصارى؛ لا تحلّ ذبائحهم و لا مناكحتهم.» «1»

7- و في أوائل المجلد الثاني

من كتاب الملل و النحل للشهرستاني قال في مقام تقسيمها:

«و التقسيم الضابط أن نقول:

[1]- من الناس من لا يقول بمحسوس و لا معقول، و هم السوفسطائية.

[2]- و منهم من يقول بالمحسوس و لا يقول بالمعقول، و هم الطبيعية.

[3]- و منهم من يقول بالمحسوس و المعقول و لا يقول بحدود و أحكام، و هم الفلاسفة الدهرية.

[4]- و منهم من يقول بالمحسوس و المعقول و الحدود و الأحكام و لا يقول بالشريعة و الإسلام، و هم الصابئة.

[5]- و منهم من يقول بهذه كلّها و بشريعة ما و إسلام، و لا يقول بشريعة نبينا محمد «ص»، و هم المجوس و اليهود و النصارى.

[6]- و منهم من يقول بهذه كلها، و هم المسلمون.»

ثم أطال الكلام في عقائد الصابئة و المناظرات بينهم و بين الحنفاء، فراجع. «2»

8- و للفاضل المحقق السيد محمد محيط الطباطبائي مقالة تحقيقية في الصابئين كتبها بالفارسية و طبعت في الجزء الثاني من كتاب ذكرى العلامة الشهيد آية اللّه المطهري- طاب ثراه-.

و ملخّص ما ذكره تقسيم الصابئة إلى قسمين: الصابئة الأصيلة المندائية الساكنة في واسط و ميسان من خوزستان، و الصابئة المنتحلة الحرنانية:

«فالصابئة المندائية كانوا أهل كتاب و يوجد لهم الآن كتاب باللغة السريانية يسمّونه صحف آدم و كنز الربّ أو الكنز العظيم، يعتقدون أن يحيى بن زكريا رواه

______________________________

(1)- المصنّف 6/ 124، كتاب أهل الكتاب، الصابئون، الأحاديث 10206- 10208.

(2)- الملل و النحل 2/ 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 397

لهم عن نوح و شيث و آدم. و لهم كتاب آخر يسمّونه دروس يحيى و يجعلون يحيى آخر الأنبياء.

و قد قال اللّه- تعالى- في سورة مريم: «يٰا يَحْيىٰ خُذِ الْكِتٰابَ بِقُوَّةٍ،

وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.» «1» و في سورة الأنعام بعد ذكر جمع من الأنبياء و منهم زكريا و يحيى و عيسى و إلياس قال: «أُولٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ الْكِتٰابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ. الآية.» «2» فيظهر بذلك أنه كان ليحيى «ع» كتاب و حكم و نبوّة نظير ما كان لعيسى «ع».

و على هذا الأساس نسب بعض المفسرين كتاب الزبور المنسوب إلى داود النبي إلى الصابئين و أرادوا بذلك توجيه عدّهم من أهل الكتاب.

و وجود الصابئة المندائية في منطقة ميسان في عصر الساسانية أمر مسلم، و لعل كثيرا منهم كانوا تفرقوا في جزيرة العرب ثم خرجوا منها حينما خرج اليهود و النصارى منها و انضمّوا إلى قومهم في ميسان.

و انتساب بيت ماني إلى مغتسلة البطائح أقوى شاهد على وجود المغتسلة في عصر أردشير بابكان. و المغتسلة هم الصابئة المندائية. و قد أشار ابن النديم في فهرسته إليهم.

و شرح «تئودور» البرقوني المسيحي في المائة الثانية من الهجرة في كتابه المسمّى «شوليون» سابقة سكونة الصابئة المندائية في ميسان و ذكرهم بأسامي المندائية و الصابئة و المغتسلة.

و لم يكن لمفسّري القرآن الكريم في القرون الأوليّة كالسدّيّ و قتادة و مقاتل و ابن عباس و مجاهد و الكلبي و ابن زيد و الحسن و أمثالهم اطلاع صحيح على وجود الصابئة المغتسلة في بطائح ميسان، فخلطوا في معنى كلمة الصابئين المذكورة في القرآن.

و المأمون العباسي حينما توجه إلى غزو الروم بلغ بلدة حرّان فوجد فيها قوما من بقايا الكلدانيين و اليونانيين المهاجرين كانوا يعبدون النجوم و أرباب الأنواع، فسألهم عن دينهم ليرى هل إنهم ممن يقرّون على دينهم. فلم يستطيعوا أن يجيبوه جوابا

______________________________

(1)- سورة مريم (19)، الآية 12.

(2)- سورة الأنعام (6)،

الآية 89.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 398

مقنعا، فطلب منهم أن يوضحوا أمر دينهم حينما يرجع هو من غزوه، فانضم بعضهم إلى المسيحيين. ود لهم بعض إلى أن ينتحلوا دين الصابئين الذين سكنوا معهم مدّة في القرون السالفة حين رحلتهم من فلسطين إلى ميسان، فأخذ الحرنانيون بهذه الدلالة و انتحلوا الصابئة حذرا من المخمصة.

ثم بعد وفاة المأمون انتشر هؤلاء المنتحلة في البلاد الإسلامية، و اكتسبوا العلوم و الآداب و تجرؤوا على إظهار عقائدهم الفاسدة و لكن تحت ستار اسم الصابئين، فجعلوا هذا الاسم وقاية و جنة لأنفسهم، و خفي أمر الصابئين الأصليين الموجودين في واسط و ميسان. و اشتبه الأمر على المفسّرين و المؤرخين أيضا، حيث نسبوا الآراء و العقائد الفاسدة الدائرة بين الصابئة المنتحلة إلى الصابئين الأصليين المذكورين في القرآن في عداد اليهود و النصارى. و حيث لم يقفوا على اللغات السريانية و الآرامية و العبرية زعموا أن كلمة الصابي عربية بمعنى الخروج من دين إلى دين آخر، مع أن اللفظ في تلك اللغات كان بمعنى الاغتسال و الرمس في الماء و التعميد.»

ثم تعرض لكلام الإمام الرازي و أبي الفتوح الرازي في تفسيريهما و نقد عليهما ثم قال ما محصله:

«إنه في أثر غفلة المفسرين و عدم اطلاعهم اتخذ الحرنانيون اسم الصابئين وقاية لأنفسهم و استطاعوا في قرون متطاولة أن يحتفظوا بأنفسهم تحت ستاره، و الصابئون الأصليون أعني المغتسلة تحملوا إلى القرن الحاضر تهمة عبادة النجوم و الملائكة، و لم يستطيعوا بعد أن يحرزوا حقهم من المصونية الدينية.

و القاضي أبو يوسف في خراجه جعل الصابئة من أهل الكتاب مثل اليهود و النصارى و المجوس. و القفطي مؤلف تاريخ الحكماء

قد التفت إلى اختلاف العقائد و الآراء الموجودتين في قسمي الصابئة فحمل اختلاف الفقهاء في نكاحهم و ذبائحهم على اختلاف موضوع الاستفتاء، فيحل النكاح و الذبيحة من صابئة البطائح و لا يحلان من الحرنانيين المنتحلة ...»

أقول: يمكن أن يقال: إن وجود كتاب لهم نظير الزبور لا يكفي في عدّهم أهل

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 399

الكتاب، إذ الظاهر أن المراد بالكتاب هو الكتاب المشتمل على دين جديد و شريعة جديدة. و يحيى النبي «ع» كان عندنا على شريعة موسى. نعم، نوح النبي كان صاحب دين و شريعة.

ثم إن ما أراده من نسبة عبادة النجوم و الملائكة إلى الحرنانيين و تطهير ساحة الصابئين الأصليين منها ربما ينافي ما مرّ عن قتادة من أن من دينهم عبادة النجوم، و عن الحسن و قتادة من أنهم يعبدون الملائكة، و أن زياد بن أبي سفيان أراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنهم يعبدون الملائكة، إذ من الواضح أن زيادا و قتادة و الحسن كانوا قبل المأمون الذي في عصره انتحل الحرنانيون الصابئة. و لعل صابئة البطائح أخذوا عبادة النجوم أو تعظيمها من الكلدانيين في بابل، و إن كانوا في الأصل من يهود فلسطين على ما قيل.

و في نهاية ابن الأثير في لغة «صبأ» قال:

«في حديث بني جذيمة: كانوا يقولون لما أسلموا: صبأنا، صبأنا. قد تكررت هذه اللفظة في الحديث. يقال: صبأ فلان: إذا خرج من دين إلى غيره، من قولهم:

صبأ ناب البعير: إذا طلع، و صبأت النجوم: إذا خرجت من مطالعها. و كانت العرب تسمّي النبي «ص» الصابئ، لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام.» «1»

فيظهر من النهاية أن استعمال الكلمة

بمعنى الخارج من دين إلى دين آخر وقع في الأحاديث أيضا، و أن الكلمة عربية مهموزة اللام.

و في رواية المفضل، عن الصادق «ع»: «قال المفضل: فقلت: يا مولاي، فلم سمّي الصابئون الصابئين؟ فقال «ع»: إنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء و الرسل و الملل و الشرائع، و قالوا: كل ما جاؤوا به باطل.» «2»

و ظاهر هذه الرواية أن الكلمة عربية من الناقص الواوي، فتدبّر.

9- و ابن النديم- المتوفى في أواخر القرن الرابع- قال في فهرسته ما ملخصه:

______________________________

(1)- النهاية 3/ 3.

(2)- بحار الأنوار 53/ 5، تاريخ الإمام الثاني عشر، الباب 25 (باب ما يكون عند ظهوره «ع»).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 400

«قال أبو يوسف إيشع النصراني في كتابه في الكشف عن مذاهب الحرنانيين المعروفين في عصرنا بالصابة: إن المأمون اجتاز في آخر أيامه بديار مضر يريد بلاد الروم للغزو، فتلقاه الناس و فيهم جماعة من الحرنانيين، و كان زيّهم إذ ذاك لبس الأقبية و شعورهم طويلة، فأنكر المأمون زيّهم و قال لهم: من أنتم من الذمة؟ فقالوا:

نحن الحرنانية. فقال: أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال: فيهود أنتم؟ قالوا: لا. قال:

فمجوس أنتم؟ قالوا: لا. قال: أ فلكم كتاب أم نبي؟ فمجمجوا في القول. فقال لهم: فأنتم إذا زنادقة عبدة الأوثان لا ذمّة لكم. فقالوا: نحن نؤدي الجزية. فقال لهم: إنما تؤخذ الجزية من أهل الأديان الذين ذكرهم اللّه- تعالى-، فاختاروا الآن أحدّ أمرين: إما أن تنتحلوا دين الإسلام أو دينا من الأديان التي ذكرها اللّه في كتابه، و إلا قتلتكم عن آخركم، فإني قد أنظرتكم إلى أن أرجع من سفرتي هذه.

و رحل المأمون يريد بلد الروم، فغيّروا زيّهم و حلقوا شعورهم و تركوا

لبس الأقبية و تنصر كثير منهم و أسلم طائفة منهم و بقي منهم شرذمة بحالهم و جعلوا يحتالون و يضطربون، حتى انتدب لهم شيخ من أهل حران فقيه فقال لهم إذا رجع المأمون من سفره فقولوا له: نحن الصابئون، فهذا اسم دين قد ذكره اللّه في القرآن، فانتحلوه فأنتم تنجون به، و قضي أن المأمون توفي في سفرته تلك و انتحلوا هذا الاسم منذ ذلك الوقت، فلما اتصل بهم وفاة المأمون ارتدّ أكثر من تنصر منهم و رجعوا إلى الحرنانية و طولوا شعورهم، و من أسلم منهم لم يمكنه الارتداد خوفا من القتل فأقاموا متسترين بالإسلام ...» «1»

10- و قال أيضا فيه:

«المغتسلة: هؤلاء القوم كثيرون بنواحي البطائح، و هم صابة البطائح يقولون بالاغتسال و يغسلون جميع ما يأكلونه، و رئيسهم يعرف بالحسيح، و هو الذي شرع الملة ... و كانوا يوافقون المانوية في الأصلين و تفترق ملتهم بعد، و فيهم من يعظم النجوم إلى وقتنا هذا.

______________________________

(1)- فهرست ابن النديم/ 459 (ط. أخرى/ 385).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 401

حكاية أخرى في أمر صابة البطائح: هؤلاء القوم على مذهب النبط القديم، يعظمون النجوم و لهم أمثلة و أصنام، و هم عامة الصابة المعروفين بالحرنانيين، و قد قيل: إنهم غيرهم جملة و تفصيلا.» «1»

فابن النديم أيضا التفت إلى كونهم فرقتين و لكنه نسب تعظيم النجوم إلى كلتيهما.

11- و في الآثار الباقية لأبي الريحان البيروني في ذكر المتنبئين ما ملخصه مع حفظ ألفاظه:

«و أول المذكورين منهم بوذاسف، و قد ظهر عند مضي سنة من ملك طهمورث بأرض الهندواتي بالكتابة الفارسية و دعا إلى ملة الصابئين فأتبعه خلق كثير، و كانت الملوك البيشداذية و

بعض الكيانية ممن كان يستوطن بلخ يعظّمون النيّرين و الكواكب و كليات العناصر و يقدسونها إلى وقت ظهور زرادشت، و بقايا أولئك الصابئة بحرّان ينسبون إلى موضعهم فيقال لهم الحرانية. و قد قيل: إنها نسبة إلى هاران بن ترح أخي إبراهيم- عليه السلام- ...

و كذلك حكى عبد المسيح الكندي النصراني عنهم أنهم يعرفون بذبح الناس، و لكن ذلك لا يمكنهم اليوم جهرا.

و نحن لا نعلم منهم إلا أنهم أناس يوحّدون اللّه و ينزّهونه عن القبائح، و يصفونه بالسلب لا الإيجاب كقولهم: لا يحدّ و لا يرى و لا يظلم و لا يجور، و يسمّونه بالأسماء الحسنى مجازا إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة، و ينسبون التدبير إلى الفلك و أجرامه و يقولون بحياتها و نطقها و سمعها و بصرها و يعظمون الأنوار.

و من آثارهم القبة التي فوق المحراب عند المقصورة في جامع دمشق و كان مصلاهم أيام كان اليونانيون و الروم على دينهم، ثم صارت في أيدي اليهود فعملوها كنيستهم ثم تغلب عليها النصارى فصيروها بيعة إلى أن جاء الإسلام و أهله فاتخذوها مسجدا. و كانت لهم هياكل و أصنام بأسماء الشمس معلومة الأشكال مثل هيكل

______________________________

(1)- فهرست ابن النديم/ 491 (ط. أخرى/ 403).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 402

بعلبك كان لصنم الشمس و حران فإنها منسوبة إلى القمر، و يذكرون أن الكعبة و أصنامها كانت لهم و عبدتها كانوا من جملتهم و أن اللات كان باسم زحل، و العزّى باسم الزهرة، و لهم أنبياء كثيرة أكثرهم فلاسفة يونان ... و لهم صلوات ثلاث مكتوبات: أولها عند طلوع الشمس ثماني ركعات. و الثانية قبل زوال الشمس عن وسط السماء خمس ركعات،

و الثالثة عند غروب الشمس خمس ركعات ... و يصلّون على طهر و وضوء، و يغتسلون من الجنابة و لا يختتنون، و أكثر أحكامهم في المناكح و الحدود مثل أحكام المسلمين، و في التنجس عند مس الموتى و أمثال ذلك شبيهة بالتوراة و لهم قرابين متعلقة بالكواكب و أصنامها و هياكلها، و ذبائح يتولاها كهنتهم و فاتنوهم ...

و قد قيل: إن هؤلاء الحرّانية ليسوا هم الصابئة بالحقيقة، بل هم المسمّون في الكتب بالحنفاء و الوثنية، فإن الصابئة هم الذين تخلفوا ببابل من جملة الأسباط الناهضة في أيام كورش و أيام أرطحشست إلى بيت المقدس و مالوا إلى شرائع المجوس فصبوا إلى دين بختنصّر فذهبوا مذهبا ممتزجا من المجوسية و اليهودية كالسامرة بالشام.

و قد يوجد أكثرهم بواسط و سواد العراق بناحية جعفر و الجامدة و نهري الصلة منتمين إلى أنوش بن شيث و مخالفين للحرانية عائبين مذاهبهم لا يوافقونهم إلا في أشياء قليلة حتى إنهم يتوجهون في الصلاة إلى جهة القطب الشمالي، و الحرانية إلى الجنوبي.

و زعم بعض أهل الكتاب أنه كان لمتوشالح ابن غير لمك تسمّى صابئ و أن الصابئة سمّوا به ...» «1» هذا.

و نقل هذا الكلام عن البيروني العلامة الطباطبائي «ره» في تفسير آية البقرة، فراجع. «2»

12- و في الآثار الباقية أيضا:

______________________________

(1)- الآثار الباقية/ 204- 206.

(2)- الميزان 1/ 194 (ط. أخرى 1/ 195).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 403

«و أما الصابئون فقد قدمنا أن هذا الاسم يقع على من هم بالحقيقة أصحاب هذا الاسم و هم المتخلفون من أسرى بابل الذين نقلهم بختنصّر من بيت المقدس إليها، فإنهم لما تصرفوا في الأرض و اعتادوا بقعة بابل استثقلوا العود

إلى الشام فآثروا المقام ببابل، و لم يكونوا من دينهم بمكان معتمد، فسمعوا أقاويل المجوس و صبوا إلى بعضها، فامتزجت مذاهبهم من المجوسية و اليهودية، كحال المنقولين من بابل إلى الشام أعني المعروفين بالسامرة.

و يوجد أكثر هذه الطبقة بسواد العراق، و هم الصابئون بالحقيقة، و هم متفرقون غير مجتمعين و لا كائنين في بلدان مخصوصة بهم دون غيرهم و مع ذلك غير متفقين على حال واحدة كأنهم لا يسندونها إلى ركن ثابت في الدين من وحي أو إلهام أو ما يشبههما و ينتمون إلى أنوش بن شيث بن آدم.

و قد يقع الاسم على الحرانية الذين هم بقايا أهل الدين القديم المغربي البائنون عنه بعد تنصر الروم اليونانيين ... و هذا الاسم أشهر بهم من غيرهم و إن كانوا تسمّوا به في الدولة العباسية في سنة ثمان و عشرين و مائتين ليعدوا في جملة من يؤخذ منه [الجزية] و يرعى له الذمة، و كانوا قبلها يسمون الحنفاء و الوثنية و الحرانية ...» «1»

أقول: فأبو الريحان أيضا قد تعرض لكون الصابئين على قسمين مختلفين في الآراء و العقائد. و ظاهره كون الصابئة بالحقيقة من بقايا اليهود ببابل فامتزج بها دينهم بالمجوسية الرائجة فيها فيكون مركبا منهما.

13- و في كتاب خلاصة الأديان تأليف الفاضل الدكتور محمد جواد المشكور ذكر في عداد المذاهب العرفانية: «المندائية» و قال ما حاصله:

«المندائية من لفظ آرامي بمعنى المعرفة تسمّى بها الصابئون. و الدليل على أنهم كانوا من فلسطين استعمالهم للفظ «ياردنا» بمعنى الماء الجاري الذي يقع فيه غسل التعميد و الصابئة المندائية هاجروا من فلسطين إلى العراق و إيران، و هم من شيعة يحيى المعمد الذي كان يعمد تلاميذه و منهم عيسى المسيح

في نهر الأردن.

______________________________

(1)- الآثار الباقية/ 318.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 404

و تأثير علم النجوم الكلداني في عقائدهم كان من جهة إقامتهم في بابل و تأثرهم بثقافة بابل. و سبب مهاجرتهم وقوع الاختلاف بينهم و بين اليهود.

ففي أصح كتبهم عندهم المسمّى: «گنزا» أن يحيى حين وفاته انتخب من تلاميذه بعدد أيام السنة 366 نفرا و استخلفهم و أقرّهم في بيت المقدس عند الهيكل، فدخل في دينهم «ماريا» بنت العازار كاهن اليهود، فلما يئس أبوها من ردّها إلى دين اليهود أمر باغارة اليهود على المندائيين و قتلهم، فمن بقي منهم هاجر إلى حرّان و منه إلى بابل.

و في هذا الكتاب أيضا: أن يحيى كان يعمّد قبل أن يتعمد بيده المسيح اثنين و أربعين سنة، و لكن المسيح أفسد مذهب يحيى و نقل التعميد من نهر الأردن إلى المواضع الأخر و دعا الناس إلى نفسه. و المندائيون لا يعتقدون بنبوّة يحيى، بل هو عندهم من أعظم المؤمنين و الكهنة المندائية الذي كان يشفي أرواح الناس و أجسادهم، و هو الذي غيّر بعض مراسيم المندائية، و من جملة ذلك أنه جعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات. و المندائية يعتقدون بارتداد المسيح. و تسمّوا مندائية لعرفانهم، و الصابي و المغتسلة لارتماسهم في الماء و اغتسالهم فيه.

و هؤلاء هم الصابئون المذكورون في القرآن. و ملخص عقائدهم أنهم يعتقدون باللّه الواحد الأزلي الأبدي الذي لا نهاية له، و يكون منزها عن المادة و الطبيعة، و أنه يوجد له بعدد أيام السنة قوى روحانية يكونون جنوده في خلقه و أعوانه و لكل منهم منطقة خاصة به. و يوجد في دينهم مظاهر الثنوية، حتى أن وجود الإنسان مركب من

الروح الذي يكون من عالم النور و الجسم الذي يكون من عالم الظلمة. و أصح الكتب عندهم: «گنزا» و يحسبونه صحف آدم. و أساس دينهم على الغسل و الغسل و يخفون مراسيمهم الدينية عن أعين الناس. و لهم ثلاثة أنواع من الغسل.

و الغسل الكامل يقع في اليوم الأحد و بعد الولادة و عند الازدواج و المرض و السفر في حضور الكاهن. الصوم عندهم حرام كما في مذهب زردشت. و الصلاة عندهم رائجة في كل يوم ثلاث مرات في ثلاثة أوقات. و من أنبيائهم هرمس الحكيم.

و التوراة عندهم كتاب ضلال، و هم لا يعبدون الأجرام السماوية و لكنهم يعدّونها

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 405

من عالم النور. و يحرم عندهم قتل النفوس و شرب الخمر و اليمين الكاذبة و الأكل و الشرب في حال الجنابة قبل الغسل، و قطع الطريق و السرقة و العمل في الأعياد و لا سيما في اليوم الأحد و الغيبة و الزنا و الاختتان و مطل الدين و أكل لحوم الحيوانات التي لها ذنب، و التزوج بنساء الأجانب و لبس الثوب الأسود و شهادة الزور و أكل الربا و الخيانة في الأمانة و اللواط و القمار. و عدد نفوسهم في العراق و إيران ثمانية آلاف.» «1»

أقول: و لا ينافي وجود الاختلاف بينهم و بين اليهود في بيت المقدس كونهم من اليهود، لاحتمال التشعب في دين اليهود كسائر الأديان، و لعلّهم كانوا في اليهودية نظير متصوفة المسلمين فيهم، حيث يكفر بعضهم بعضا، فتدبّر.

14- و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«شرائع القرآن كلها إنما نزلت جملا حتى فسرتها السنّة. فعلى هذا كان أخذه «ص» الجزية من العجم كافّة، إن

كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا، و تركه أخذها من العرب إلا أن يكونوا أهل كتاب.

فلما فعل ذلك استدللنا بفعله «ص» على أن الآية التي نزل فيها شرط الكتاب على أهل الجزية إنما كانت خاصة للعرب، و أن العجم يؤخذ منهم الجزية على كل حال.

و مما يبين ذلك إجماع الأمة على قبولها من الصابئين بعده و ليس يشهد لهم القرآن بكتاب. و إنما نرى الناس فعلوا ذلك و استجازوه استنانا بالنبي «ص» في أمر المجوس و تشبيها بهم، لأن المسلمين أو أكثرهم على كراهية ذبائحهم و مناكحتهم لأنهم في حدّ المجوس.

و قد قال ذلك غير واحد من العلماء:

قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرني مطرف، قال: كنا عند الحكم بن عتيبة فحدّثه رجل عن الحسن البصري: أنه كان يقول في الصابئين: هم بمنزلة المجوس، فقال

______________________________

(1)- خلاصة الأديان/ 220- 228. و الكتاب فارسيّة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 406

الحكم: أ ليس قد كنت أخبرتكم بذلك؟ ...

مجاهد قال: الصابئون قوم من المشركين بين اليهود و النصارى، ليس لهم كتاب.

قال أبو عبيد: و كذلك يروى عن الأوزاعي: أنه كان يقول: كل دين بعد الإسلام سوى اليهودية و النصرانية فهم مجوس. يقول: أحكامهم كأحكامهم. و هو أيضا قول مالك.

و اختلف فيه أهل العراق: فأكثرهم يجعل الصابئين بمنزلة المجوس. و قالت طائفة منهم: هم كالنصارى.

قال: حدثنا يزيد، عن حبيب بن أبي حبيب، عن عمر بن هرم، عن جابر بن زيد: أنه سئل عن الصائبين: أمن أهل الكتاب هم، و طعامهم و نساؤهم حلّ للمسلمين؟ فقال: نعم. قال أبو عبيد: و الأمر عندنا على ما قال مجاهد و الحسن و الحكم و الأوزاعي و مالك: أنهم كالمجوس،

لأن القرآن لا يصدقهم على كتاب.» «1»

15- و في أحكام القرآن للجصاص قال:

«و تقدم الكلام أيضا في حكم الصابئين. و هل هم أهل الكتاب أم لا، و هم فريقان:

أحدهما بنواحي كسكر و البطائح، و هم فيما بلغنا صنف من النصارى و إن كانوا مخالفين لهم في كثير من ديانتهم لأن النصارى فرق كثيرة منهم المرقونية و الأريوسية و المارونية. و الفرق الثلاث من النسطورية و الملكية و اليعقوبية يبرءون منهم و يحرمونهم، و هم ينتمون إلى يحيى بن زكريا و شيث و ينتحلون كتبا يزعمون أنها كتب اللّه التي أنزلها على شيث بن آدم و يحيى بن زكريا، و النصارى تسميهم يوحناسية. فهذه الفرقة يجعلها أبو حنيفة من أهل الكتاب و يبيح أكل ذبائحهم و مناكحة نسائهم.

و فرقة أخرى قد تسمّت بالصابئين، و هم الحرانيون الذين بناحية حرّان، و هم عبدة الأوثان و لا ينتمون إلى أحد من الأنبياء و لا ينتحلون شيئا من كتب اللّه. فهؤلاء

______________________________

(1)- الأموال/ 654.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 407

ليسوا أهل الكتاب و لا خلاف أن هذه النحلة لا تؤكل ذبائحهم و لا تنكح نساؤهم.

فمذهب أبي حنيفة في جعله الصابئين من أهل الكتاب محمول على مراده الفرقة الأولى. و أما أبو يوسف و محمد فقالا: إن الصابئين ليسوا أهل الكتاب و لم يفصلوا (لم يفصلا- ظ.) بين الفريقين. و قد روي في ذلك اختلاف بين التابعين ...» «1»

16- و في نكاح الجواهر:

«و أما الصابئون فعن أبي علي: «أنهم قوم من النصارى» و عن المبسوط: «أن الصحيح خلافه، لأنهم يعبدون الكواكب.» و عن التبيان و مجمع البيان: «أنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية منهم، لأنهم

ليسوا أهل الكتاب.» و في المحكي عن الخلاف نقل الإجماع على أنه لا يجري على الصابئة حكم أهل الكتاب. و عن العين: أن دينهم يشبه دين النصارى إلّا أن قبلتهم نحو مهبّ الجنوب حيال نصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح. و قيل: قوم من أهل الكتاب يقرءون الزبور.

و قيل: بين اليهود و المجوس. و قيل: قوم يوحّدون و لا يؤمنون برسول. و قيل: قوم يقرّون باللّه- عزّ و جلّ- و يعبدون الملائكة و يقرءون الزبور و يصلّون إلى الكعبة. و قيل: قوم كانوا في زمن إبراهيم «ع» يقولون بأنا نحتاج في معرفة اللّه و معرفة طاعته إلى متوسط روحاني لا جسماني. ثم لما لم يمكنهم الاقتصار على الروحانيات و التوسل بها فزعوا إلى الكواكب، فمنهم من عبد السيارات السبع و منهم من عبد الثوابت. ثم إن منهم من اعتقد الإلهية في الكواكب، و منهم من سماها ملائكة. و منهم من تنزّل عنها إلى الأصنام.

لكن في القواعد: «الأصل في الباب أنهم أي السامرة و الصابئين إن كانوا إنما يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم، و إن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين.»

و في كشف اللثام: «بهذا يمكن الجمع بين القولين، لجواز أن يعدّوا منهم و إن خالفوهم ببعض الأصول، كما يعدّ كثير من الفرق من المسلمين مع المخالفة في

______________________________

(1)- أحكام القرآن 3/ 112، باب أخذ الجزية من أهل الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 408

الأصول، بل الأمر كذلك في غير الإمامية، و قد قيل: إنه لا كلام في عدّهما من القبيلتين و إنما الكلام في الأحكام.»

قلت: لا ينبغي الكلام في الأحكام بعد فرض أنهم

من القبيلتين أي اليهود و النصارى، ضرورة تعليق الأحكام في النص و الفتوى على المسمّين بهذا الاسم الذي يشملهم أهل الكتاب ...» «1»

17- و في جهاد الجواهر:

«و أما الصابئون فعن ابن الجنيد التصريح بأخذ الجزية منهم و الإقرار على دينهم.

و لا بأس به إن كانوا من إحدى الفرق الثلاث. فعن أحد قولي الشافعي: «أنهم من أهل الكتاب، و إنما يخالفونهم في فروع المسائل لا في أصولهم.» و عن ابن حنبل و جماعة من أهل العراق: «أنهم جنس من النصارى». و عنه أيضا: «أنهم يسبتون، فهم من اليهود.» و عن مجاهد: «هم من اليهود أو النصارى.» و قال السدّي: «هم من أهل الكتاب و كذا السامرة.» و عن الأوزاعي و مالك: «أن كل دين بعد دين الإسلام سوى اليهودية و النصرانية مجوسية و حكمهم حكم المجوس.» و عن عمر بن عبد العزيز: «هم مجوس.» و عن الشافعي أيضا و جماعة من أهل العراق: «حكمهم حكم المجوس» و حينئذ يتجه قبول الجزية منهم. و لكن قيل عنهم: إنهم يقولون: إن الفلك حيّ ناطق، و إن الكواكب السبعة السيارة آلهة. و عن تفسير القمي و غيره:

«أنهم ليسوا أهل كتاب، و إنما هم قوم يعبدون النجوم.» و عليه يتجه عدم قبولها منهم. و لعله لذا صرح الفاضل في المختلف بعدم قبول الجزية منهم حاكيا له عن الشيخين، اللّهم إلا أن يكون قسم من النصارى يقولون بهذه المقالة و إن زعموا أنهم على دين المسيح، إذ الجزية مقبولة من جميعهم: اليعقوبية و النسطورية و الملكية و الفرنج و الروم و الأرمن و غيرهم ممن يدين بالإنجيل و ينتسب إلى عيسى «ع» و إن اختلفوا في الأصول و الفروع، و كذلك

اليهود و المجوس ...» «2»

______________________________

(1)- الجواهر 30/ 45.

(2)- الجواهر 21/ 230.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 409

أقول: و قد تحصّل مما مرّ من الكلمات أن الصابئة عند فقهاء السنّة يعدّون من أهل الكتاب و تقبل منهم الجزية، نعم خالفهم في ذلك أبو سعيد الإصطخري منهم.

و أما فقهاؤنا فالمشهور بينهم عدم قبول الجزية منهم و خالف في ذلك ابن الجنيد منّا.

و يمكن أن يقال: إن ذكر الصابئين في الكتاب العزيز في عداد اليهود و النصارى و المجوس لعلّه يدلّ على تمايزهم عن سائر الكفار، و أنه كان يوجد لدينهم و جهة حق و ارتباط بالوحي السماوي إما لارتباطهم بأحد الأنبياء السابقين و يعدّون لذلك من أهل الكتاب، أو لكونهم من إحدى الفرق الثلاث و إنما ذكروا بالخصوص من باب ذكر الخاص بعد العام لرفع الشبهة.

و ما ورد في تعليل أخذ الجزية من المجوس بأنه كان لهم نبي و كتاب يقتضي إسراء الحكم إلى كل من لهم نبي و كتاب سماوي و إن لم يكونوا من الفرق الثلاث.

قال اللّه- تعالى- في سورة البقرة: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ النَّصٰارىٰ وَ الصّٰابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صٰالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ. «1»

و في المائدة: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ الصّٰابِئُونَ وَ النَّصٰارىٰ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صٰالِحاً فَلٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ.» «2»

و في سورة الحج: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ الصّٰابِئِينَ وَ النَّصٰارىٰ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللّٰهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ، إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ

شَيْ ءٍ شَهِيدٌ.» «3»

و لو ثبت أنهم كانوا في الأصل أهل كتاب سماوي فاعتقادهم الضمني بالعقائد الفاسدة المشوبة بالشرك لا يوجب خروجهم من حكم أهل الكتاب، كما لا يوجب اعتقاد النصارى بالأقانيم الثلاثة خروجهم عن هذا الحكم. هذا.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 62.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 69.

(3)- سورة الحجّ (22)، الآية 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 410

[الاستفسار من بعض علماء صابئي الأهواز]

و قد واجهت عالما من علماء صابئي الأهواز فاستفسرته عن بعض عقائدهم و مراسيمهم فأجاب و أهدى إليّ نسخة من أعظم كتبهم: «گنزا ربّا» باللغة الآرامية الذي يعتقدون أنه صحف آدم، و كراسة بالفارسية يسمّى: «درفش» حاوية لبعض المراسيم اليومية الدينيّة.

و مما تحصل لي من أجوبته و من محتويات الكراسة: أنهم يعتقدون بإله واحد مجرد عن المادة أزلي أبدي جامع لصفات الكمال ليس كمثله شي ء غفور رحيم لا تراه العيون و الأبصار. و يعظمون الملائكة و يسلّمون عليهم بأسمائهم في الأذكار و الأدعية و يستشفعون بهم. و يعتقدون بالجنة و النار و أنه بالموت يفنى جسد الإنسان و يبقى روحه خالدا مجزيّا بأعماله. و أول الأنبياء آدم. و يؤمنون بنوح و سام و يحيى المعمد، و هو آخرهم. و ينكرون موسى و عيسى و التوراة و الإنجيل، و أنكر إيمانهم بزبور داود و كذا تعظيم النجوم و عبادتها. و قال: إن إبراهيم كان منّا ثم انعزل منّا، فلا يؤمنون به. و قال: إن كلمة الصابي من لغة آرامية بمعنى المغتسل، و يغتسلون من الجنابة و مسّ الميت و للتوبة و يغسلون المحتضر. و يهتمون كثيرا بغسل التعميد في الماء الجاري، و تاريخهم يحيائي و تعطيلهم يوم الأحد، و أعيادهم أربعة. و لهم

ثلاث صلوات في ثلاثة أوقات بالوضوء المخصوص، و لهم أذكار و أوردة عند الغسل و الوضوء و الأكل و الذبح يلقيها الكاهن و الذبح إلى نقطة الشمال و يستغفر الذابح من عمله، و يستغفرون لأمواتهم و يقيمون لهم حفلات التابين و يتصدقون لهم.

و يحرمون قتل النفوس و الربا و الكذب و النميمة و الغش و المسكرات بأنواعها و لحم الخنزير و الاختتان و التزوج بالأخت و بنت الأخ و الأخت و العمة و الخالة و زوجة الأخ و لا يتناكحون غيرهم و يحلون تعدد الأزواج مع العدالة. هذا.

ثم إنه ثبت أن الصابئين من أهل الكتاب أو أنهم ليسوا من أهل الكتاب فلا إشكال. و أما مع احتمال كونهم منهم فالأحوط تحقيق حالهم بالرجوع إلى علمائهم و كتبهم، فإن بقي الشك فالأحوط إقرارهم على دينهم و أخذ الجزية منهم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 411

حفظا للدماء، و يشكل الحكم بجواز قتلهم.

و ما يمكن أن يتمسك به القائل بجواز القتل و عدم قبول الجزية أمور:
الأول: ما مرّ من الخلاف و غيره من التمسك بعمومات الكتاب و السنّة،

كقوله- تعالى-: «فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ»، و نحو ذلك.

و فيه أنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص اللفظي، إذ المفروض احتمال كونهم من أهل الكتاب و قد منعنا في محلّه جواز ذلك، اللّهم إلا إذا فرض رجوع الشبهة إلى الشبهة في المفهوم لا في المصداق مثل أن المقصود بالكتاب هل هو مطلق الكتاب السماوي أو ما اشتمل على دين جديد و شريعة جديدة مثلا.

الثاني: أن الكفر مقتض لجواز القتل،

و كونه من أهل الكتاب مع إعطاء الجزية مانع عن ذلك، فمع الشك في وجود المانع يؤثر المقتضي أثره.

و فيه منع قاعدة المقتضي و المانع، اذ الحكم تابع لموضوعه، و هو مركب من المقتضي و الشرائط و فقد الموانع، فمع الشك في واحد منها يشك في الحكم قهرا.

الثالث: إثبات عدم المانع باستصحاب العدم

إما لأنه قبل صيرورته مميزا لم يكن كتابيا فيستصحب، أو لاستصحاب العدم الأزلي نظير استصحاب عدم كون المرأة قرشية و عدم كونها من المحارم قبل أن توجد.

و فيه منع الاستصحاب الأزلي بنحو السلب المركب، لعدم اعتبار العقلاء لذلك في احتجاجاتهم، حيث إن السالبة بانتفاء الموضوع لا عرفية لها عندهم و لا هذيّة للمعدوم حتى يشار إليه و يسلب عنه المحمول، و استصحاب حكمهم في حال الصغر يقتضي عدم جواز قتلهم. و التحقيق يطلب من محلّه.

الرابع: أن إناطة الرخصة تكليفا أو وضعا بأمر وجودي يدلّ

بالالتزام العرفي على إناطتها بإحراز ذلك الأمر الوجودي و انتفاء الرخصة بمجرد عدم إحرازه، فإذا قال المولى لعبده لا تأذن لأحد في الدخول عليّ إلا لمن كان من أصدقائي، فالعبد يرى نفسه موظفا على إحراز الصداقة في الإذن، و لو أذن لمشكوك الصداقة كان

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 412

ملوما عند العقلاء.

و فيه أنه إن كان المراد أن إناطة الرخصة بأمر وجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بالوجود الواقعي لهذا الأمر و إناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده و الحكم بعدمها مع الشك فيكون المجعول حكمين: واقعيا و ظاهريا بدليل واحد و الأول مدلول مطابقي و الثاني التزامي عرفي فهذا ممنوع جدا.

و إن كان المراد أن المجعول شرعا واحد و لكن هنا قاعدة عقلائية ظاهرية نظير سائر القواعد العقلائية ففيه أيضا منع ذلك.

هذا مضافا إلى أن توقف إجراء حكم الرخصة على إحراز موضوعه لا يوجب إجراء حكم العام على المشكوك فيه. و بالجملة فإجراء كلّ من الحكمين يتوقف على إحراز موضوعه، و المفروض أن الموضوع في طرف العام مركب من وجود عنوان العام و عدم عنوان الخاص، و العدم غير محرز مع الشك، فتدبّر.

و قد

أطلنا الكلام في الصابئين، فلنعتذر من الإخوان القارئين، و الحمد للّه ربّ العالمين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 413

الجهة الثانية: في ذكر من تسقط عنه الجزية:
[كلمات العلماء]

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 6):

«المجنون المطبق لا خلاف أنه لا جزية عليه، و إن كان ممن يجنّ أحيانا و يفيق أحيانا حكم بحكم الأغلب، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: يسقط حكم المجنون و لا تلفق أيّامه. و قال أكثر أصحابه: تلفق أيامه فإذا بلغت الأيام حولا و جبت الجزية.

دليلنا قوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ»، و لم يستثن و لم يشرط التلفيق، و إنما أخرجنا المطبق و من غلب على أكثر أيامه الجنون بدليل.»

(المسألة 7):

«الشيوخ الهرمى و أصحاب الصوامع و الرهبان يؤخذ منهم الجزية و للشافعي فيه قولان. بناء على القولين إذا وقعوا في الأسر هل يجوز قتلهم أم لا. و في أصحابنا من قال: لا تؤخذ منهم الجزية.

دليلنا على الأول قوله تعالى: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ»، و لم يفصل» ...

(المسألة 10):

«من لا كسب له و لا مال لا يجب عليه الجزية، و به قال أبو حنيفة و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الآخر و هو أصحهما: أنها تجب عليه.

دليلنا إجماع الفرقة. و أيضا الأصل براءة الذمة، و أيضا قوله- تعالى-: «لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا»، و أيضا قوله- تعالى-: «لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا». و إذا لم يكن له قدرة على المال و لا الكسب فلا يجوز أن يجب عليه الجزية.» «1»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 238.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 414

2- و في النهاية:

«و هي واجبة على

جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلفين، و تسقط عن الصبيان و المجانين و البله و النساء منهم.» «1»

3- و في كتاب الجزايا من المبسوط:

«و الفقير الذي لا شي ء معه تجب عليه الجزية، لأنه لا دليل على إسقاطها عنه.

و عموم الآية يقتضيه، ثم ينظر فإن لم يقدر على الأداء كانت في ذمته فإذا استغنى أخذت منه الجزية من يوم ضمنها و عقد العقد له بعد أن يحول عليه الحول. و أما النساء و الصبيان و البله و المجانين فلا جزية عليهم بحال ... فأما المملوك فلا جزية عليه، لقوله- عليه السلام: «لا جزية على العبيد.» ... و الشيخ الفاني و الزمن و أهل الصوامع و الرهبان الذين لا قتال فيهم و لا رأي لهم تؤخذ منهم الجزية لعموم الآية.

و كذلك إذا وقعوا في الأسر جاز للإمام قتلهم، و قد روي أنه لا جزية عليهم.» «2»

فهو- قدّس سرّه- أفتى في الخلاف بعدم وجوب الجزية على الفقير و ادّعى عليه إجماع الفرقة، و في المبسوط أفتى فيه بالوجوب.

و يمكن الجمع بينهما بثبوتها عليه وضعا و وجوب إنظاره إلى اليسار، أو أن الموضوع في عبارة المبسوط الفقير الصادق على من يتمكن من الأداء و لو تدريجا، و في الخلاف من لا كسب له و لا مال أصلا و بينهما فرق، فتأمّل.

4- و في جهاد الشرائع:

«و لا تؤخذ الجزية من الصبيان و المجانين و النساء. و هل تسقط عن الهمّ؟ قيل:

نعم. و هو المروي، و قيل: لا. و قيل: تسقط عن المملوك، و تؤخذ ممن عدا هؤلاء و لو كانوا رهبانا أو مقعدين. و تجب على الفقير و ينظر بها حتى يوسر و لو ضرب عليهم جزية فاشترطوها على

النساء لم يصح الصلح.» «3»

5- و في الأحكام السلطانية للماوردي:

______________________________

(1)- النهاية/ 193.

(2)- المبسوط 2/ 38، و 40 و 42.

(3)- الشرائع 1/ 327 (ط. أخرى/ 250).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 415

«و لا تجب الجزية إلّا على الرجال الأحرار العقلاء، و لا تجب على امرأة و لا صبيّ و لا مجنون و لا عبد لأنهم أتباع و ذراريّ.

و لو تفردت منهم امرأة على أن تكون تبعا لزوج أو نسيب لم تؤخذ منها، لأنها تبع لرجال قومها و إن كانوا أجانب منها. و لو تفردت امرأة من دار الحرب فبذلت الجزية للمقام في دار الإسلام لم يلزمها ما بذلته و كان ذلك منها كالهبة لا تؤخذ منها إن امتنعت و لزمت ذمتها و إن لم تكن تبعا لقومها.» «1»

و ذكر نحو ذلك أيضا أبو يعلى في الأحكام السلطانية، فراجع. «2»

6- و في مختصر أبي القاسم الخرقي:

«و لا جزية على صبيّ و لا زائل العقل و لا امرأة و لا على فقير، و لا شيخ فان و لا زمن و لا أعمى و لا على سيد عبد عن عبده إذا كان السيد مسلما.» «3»

7- و في خراج أبي يوسف:

«و إنما تجب الجزية على الرجال منهم دون النساء و الصبيان ... و لا تؤخذ الجزية من المسكين الذي يتصدق عليه، و لا من أعمى لا حرفة له و لا عمل، و لا من ذمي يتصدق عليه، و لا من مقعد، و المقعد و الزمن إذا كان لهما يسار أخذ منهما، و كذلك الأعمى و كذلك المترهبون الذين في الديارات إذا كان لهم يسار أخذ منهم ...» «4»

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال

في سقوط الجزية عن النساء و الصبيان و البله و المجنون المطبق.

ففي الجواهر بعد قول المصنف: «و لا تؤخذ الجزية من الصبيان و المجانين و النساء» قال:

«كما صرّح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، بل في المنتهى و محكي الغنية

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 144.

(2)- الأحكام السلطانية/ 154.

(3)- المغني 10/ 581، 585 و 586.

(4)- الخراج/ 122.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 416

و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة.» «1»

و في المغني بعد قول المصنف: «و لا جزية على صبيّ و لا زائل العقل و لا امرأة» قال:

«لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا، و به قال مالك و أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي و أبو ثور. و قال ابن المنذر: و لا أعلم عن غيرهم خلافهم.» «2»

و المشهور سقوطها عن العبيد أيضا، كما يأتي.

و أما الشيخ الفاني و المقعد و الزمن و الأعمى و الفقير و الرهبان و أهل الصوامع الذين لا قتال لهم ففيهم خلاف. و إطلاق الآية الشريفة و كثير من أخبار الباب يقتضي الثبوت فيهم إلا أن يدل دليل على الخلاف.

و من الأخبار المطلقة في هذا الباب ما مرّ من خبر معاذ بن جبل، قال: «بعثني رسول اللّه «ص» إلى اليمن و أمرني أن آخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافر.» «3»

فلنتعرض لأخبار المسألة، و تفصيل العناوين المذكورة:
أ- في حكم النساء و الصبيان و المجانين:

1- ما رواه في الوسائل عن المشايخ الثلاثة بأسانيدهم، عن حفص بن غياث (في حديث) أنه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن النساء كيف سقطت الجزية عنهن و رفعت عنهن؟ قال: فقال: «لأن رسول اللّه «ص» نهى عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن، فإن قاتلن (قاتلت)

أيضا فأمسك عنها ما أمكنك و لم تخف خللا (حالا خ. ل). فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان (ذلك) في دار الإسلام أولى. و لو امتنعت أن تؤدي

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 236.

(2)- المغني 10/ 581.

(3)- سنن البيهقي 9/ 187، كتاب الجزية، باب من قال تؤخذ منهم الجزية ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 417

الجزية لم يمكن قتلها، فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها. و لو امتنع الرجال أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد و حلت دماؤهم و قتلهم، لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك.

و كذلك المقعد من أهل الذمة و الأعمى و الشيخ الفاني و المرأة و الولدان في أرض الحرب، فمن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية.» «1»

و السند و إن كان مخدوشا و لكن رواية حفص بهذا السند قد عمل بها الأصحاب في كثير من الأبواب. و دلالتها على سقوط الجزية عن النساء و الولدان واضحة. بل دلت على السقوط عن المقعد و الأعمى و الشيخ الفاني أيضا، و سيأتي البحث فيهم. و ظاهر الخبر وجود الملازمة بين جواز القتل و ثبوت الجزية، فلا جزية على من لا يجوز قتله.

2- ما رواه أيضا عن المشايخ الثلاثة بأسانيدهم، عن طلحة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه، و لا من المغلوب على عقله.» «2»

و السند موثوق به إلى طلحة، و قال الشيخ إن كتاب طلحة معتمد «3». و قال في الصحاح: «المعتوه: الناقص العقل.» «4» و في القاموس: «عته فهو معتوه: نقص عقله.» «5»

و في الجواهر بعد نقل الخبر قال:

«و لعل المراد من المعتوه فيه ما عن المبسوط و

النهاية و الوسيلة و السرائر من زيادة البله، و إن كان قد فسّر هنا بمن لا عقل له، إلا أن المراد به كما صرّح به آخر ضعيف العقل، بل هو المراد مما في محكي الوسيلة من التعبير بالسفيه الذي هو في العرف عبارة عن الأحمق لا السفه الشرعي الذي لا أجد خلافا في عدم سقوط الجزية عنه لعموم الأدلة.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 47، الباب 18 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 48 و 100، الباب 18 و 51 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3 و 1.

(3)- الفهرست للشيخ/ 86 (ط. أخرى/ 112).

(4)- صحاح اللغة 6/ 2239.

(5)- القاموس/ 853.

(6)- الجواهر 21/ 237.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 418

أقول: و يدلّ على إرادة ناقص العقل لا فاقده عطف المغلوب على عقله عليه، و ظاهره المغايرة، و لكن في النهاية: «هو المجنون المصاب بعقله» «1»، فتدبّر.

3- و في المستدرك، عن الصدوق في الخصال بسنده، عن جابر الجعفي، قال:

سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «... و لا جزية على النساء.» «2»

4- و في سنن البيهقي بسنده، عن أسلم مولى عمر: «أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمّاله أن لا يضربوا الجزية على النساء و الصبيان و لا يضربوها إلا على من جرت عليه المواسي و يختم في أعناقهم و يجعل جزيتهم على رءوسهم.» «3»

و راجع البيهقي باب من يرفع عنه الجزية أيضا. «4» هذا.

5- و لكن فيه أيضا بسنده، عن الحكم، قال: كتب رسول اللّه «ص» إلى معاذ بن جبل باليمن على كل حالم أو حالمة دينارا أو قيمته، و لا يفتن يهودي عن يهوديته. قال يحيى:

و لم أسمع أن على النساء جزية

إلا في هذا الحديث. «5»

6- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس أن النبي «ص» كتب إلى معاذ بن جبل: أن من أسلم من المسلمين فله ما للمسلمين و عليه ما عليهم، و من أقام على يهودية أو نصرانية فعلى كل حالم دينارا أو عدله من المعافر، ذكرا أو أنثى، حرّا أو مملوكا». «6»

7- و فيه أيضا بسنده، عن أبي زرعة بن سيف بن ذي يزن قال: كتب إليّ رسول اللّه «ص» كتابا هذا نسخته- فذكرها، و فيها-: «و من يكن على يهوديته أو على نصرانيته فإنه لا يفتن عنها و عليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حرّ أو عبد دينار أو قيمته من

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 3/ 181.

(2)- مستدرك الوسائل 2/ 267، الباب 56 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 7.

(3)- سنن البيهقي 9/ 195، كتاب الجزية، باب الزيادة على الدينار بالصلح.

(4)- سنن البيهقي 9/ 198، كتاب الجزية.

(5)- سنن البيهقي 9/ 194، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(6)- سنن البيهقي 9/ 194، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 419

المعافر.» قال: و هذه الرواية في رواتها من يجهل و لم يثبت بمثلها عند أهل العلم حديث. «1»

8- و فيه أيضا بسنده، عن ابن إسحاق، قال: حدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: هذا كتاب رسول اللّه «ص» عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن- فذكره، و في آخره: «... و من كان على نصرانية أو يهودية فإنه لا يفتن عنها، و على كل حالم ذكر أو أنثى حرّ أو عبد دينار واف أو عرضه من الثياب.»

«2»

أقول: هذه الأخبار الأخيرة أعرض عنها فقهاء السنّة أيضا و ناقشوا في أسانيدها. و يحتمل فيها النسخ أيضا.

و كيف كان فسقوط الجزية عن النساء و الصبيان و المجانين مما لا خلاف فيه و لا إشكال عند الفريقين.

نعم، هنا شي ء ينبغي الإشارة إليه، و هو أن للإمام أن يزيد في جزية الرجل بلحاظ أهله و عياله، حيث إن الحماية لهم تستدعي مئونة زائدة على الدولة الإسلامية، و لكن الجميع على عهدة المعيل لا العيال. و اختيار الجزية كمّا و كيفا يكون بيد الإمام كما يأتي، فوزان ذلك وزان زكاة الفطر، حيث إنها لا تجب على المرأة و الصبيّ و العبد و إن كانوا موسرين، و لكن تجب فطرتهم على الرجل إن كانوا تحت عيلولته، فتدبّر.

و ليعلم أيضا أنه لو كان في اختيار المرأة أو الصبيّ أو المجنون أرض خراج فالظاهر أخذ الخراج منهم، إذ لا وجه لوقوع أرض المسلمين في أيديهم مجانا، و هذا غير الجزية

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 194، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(2)- سنن البيهقي 9/ 194، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 420

التي ربما توضع على الأرض أيضا كما يأتي.

قال في دعائم الإسلام بعد ذكر الجزية على الرجال الأحرار البالغين:

«و عليهم مع ذلك الخراج في أرضهم لمن كانت في الأرض منهم من صغير أو كبير أو امرأة أو رجل فالخراج عليها. و من أسلم وضعت عنه الجزية و لم يوضع عنه الخراج.» «1»

ب- حكم الجزية على المملوك:

و أما المملوك فقد مرّ بعض الكلمات فيه. و في المنتهى قال:

«اختلف علماؤنا في إيجاب الجزية على المملوك. فالمشهور عدم وجوبها عليه، ذهب إليه الشيخ و هو قول الجمهور كافة.

و قال آخرون: لا تسقط عنهم الجزية.

احتج الشيخ بما روي عن النبي «ص» أنه قال: «لا جزية على العبد.» و لأن العبد مال فلا يؤخذ عنه الجزية كغيره من الحيوان ...» «2»

و مرّ عن أبي القاسم الخرقي قوله:

«و لا على سيد عبد عن عبده إذا كان السيد مسلما.» «3»

و في المغني في شرح العبارة قال:

«لا خلاف في هذا نعلمه، لأنه يروى عن النبي «ص» أنه قال: «لا جزية على العبد»، و عن ابن عمر مثله. و لأن ما لزم العبد إنما يؤديه سيده فيؤدي إيجابه على عبد المسلم إلى إيجاب الجزية على مسلم. فأما إن كان العبد لكافر فالمنصوص عن أحمد أنه لا جزية عليه أيضا، و هو قول عامة أهل العلم.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنه لا جزية على العبد.

______________________________

(1)- دعائم الإسلام 1/ 381، كتاب الجهاد- ذكر الصلح و الموادعة و الجزية.

(2)- المنتهى 2/ 965.

(3)- المغني 10/ 586.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 421

و ذلك لما ذكر من الحديث، و لأنه محقون الدم فأشبه النساء و الصبيان، أو لا مال له فأشبه الفقير العاجز ...» «1» هذا.

و لكن في الوسائل، عن الصدوق بإسناده، عن أبي الورد (أبي الدرداء خ. ل) أنه سأل أبا جعفر «ع» عن مملوك نصراني لرجل مسلم، عليه جزية؟ قال: نعم. قال:

فيؤدي عنه مولاه المسلم الجزية؟ قال: «نعم، إنما هو ماله يفتديه إذا أخذ يؤدي عنه.»

و عنه بإسناده، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي الورد مثله. «2»

و في باب العتق من المقنع:

«و إن كان للرجل مملوك نصراني و عليه الجزية أدّى مولاه الجزية فيه.»

«3»

و في المنتهى:

«قال ابن الجنيد: و في كتاب النبي «ص» لمعاذ و عمرو بن حزم أخذ الجزية من العبد. و لأنه مشرك فلا يجوز أن يستوطن دار الإسلام بغير عوض كالحرّ. و لأن سيده لو كان مشركا لم يمكن من الإقامة إلا بعقد الذمة، فالعبد أولى. و لأنه من أهل الجهاد فلا يسقط عنه الجزية لأنها عوض حقن الدم و هو مباح الدم.» «4»

أقول: ما رووه من كتاب النبي «ص» لمعاذ و عمرو بن حزم المشتملين على العبد مشتملان على الانثى أيضا، و قد مرّ إعراض الفريقين عن العمل بهما. و ما ذكره من كون العبد أولى لم يظهر لي وجه أولويته في ذلك.

و بالجملة فالمسألة ذات قولين فينا، و الأخبار المحكية ضعيفة متعارضة. و إطلاق الآية الشريفة و بعض الأخبار يقتضي الثبوت. و حيث إن موضوع البحث منتف في عصرنا ندرج البحث فيها.

______________________________

(1)- المغني 10/ 586.

(2)- الوسائل 11/ 97، الباب 49 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(3)- الجوامع الفقهية/ 38.

(4)- المنتهى 2/ 965.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 422

ج- حكم الشيخ الفاني المعبر عنه بالهمّ، و كذا المقعد و الأعمى:

و أما الشيخ الفاني فقد مرّ عن الخلاف و المبسوط ثبوت الجزية عليه.

و في الجواهر عن الإسكافي و النافع و القواعد السقوط عنه «1»، و به أفتى الخرقي أيضا كما مرّ. و يظهر من الشرائع التوقف فيه.

و إطلاق الآية و بعض الأخبار و منها خبر معاذ و إن اقتضى الثبوت، لكن مقتضى رواية حفص التي مرت هو السقوط عنه.

و يؤيد ذلك ما رواه الشيخ بإسناده، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه «ع» أن النبي «ص» قال:

«اقتلوا المشركين، و استحيوا شيوخهم

و صبيانهم.» «2» و السند كما ترى لا بأس به.

و إذا لم يقتل شيوخ المشركين فشيوخ أهل الكتاب أولى بذلك. و قد مرّ في رواية حفص تعليل سقوط الجزية عن النساء بأنه لما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها، و هذا التعليل جار في المقام أيضا.

و ربما يفصل فيه بأنه إن كان ذا رأي و قتال أخذت منه، و إلا فلا، فيكون جواز أخذ الجزية و عدمه تابعا لجواز قتله و عدمه.

قال في التذكرة:

«الشيخ من المحاربين إن كان ذا رأي و قتال جاز قتله إجماعا و كذا إن كان فيه قتال و لا رأي له أو كان له رأي و لا قتال فيه، لأن دريد بن الصمة قتل يوم بدر (يوم حنين- ظ.) و كان له مأئة و خمسون سنة و كان له معرفة بالحرب و كان المشركون يحملونه معهم في قفص حديد ليعرفهم كيفية القتال فقتله المسلمون و لم ينكر عليهم النبي «ص». و إن لم يكن له رأي و لا قتال لم يجز قتله عندنا، و به قال أبو حنيفة

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 237.

(2)- الوسائل 11/ 48، الباب 18 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 423

و الثوري و مالك و الليث و الأوزاعي و أبو ثور ...» «1»

و هذا التفصيل قريب، و الاحتياط حسن على كل حال. هذا.

و مقتضى خبر حفص سقوطها عن المقعد و الأعمى أيضا. و نسب هذا إلى ابن الجنيد منّا، و به قال الخرقي كما مرّ. و مرّ عن خراج أبي يوسف التفصيل فيهما بين من له يسار و غيره. و لكن المشهور بيننا عدم السقوط.

قال العلامة في المختلف:

«حفص بن غياث عامي فلا نعوّل على روايته خصوصا مع معارضتها بعموم القرآن.» «2»

أقول: خبر حفص بهذا السند قد عمل به الأصحاب في الأبواب المختلفة، فرفع اليد عنه مشكل، اللّهم إلا أن يحرز إعراض الأصحاب عنه في مقام. نعم، يمكن أن يحمل إطلاقه على ما هو الغالب في الأعمى و المقعد من الفقر الدائم، فلا يعم صورة يسارهما.

و في الجواهر اختار عدم السقوط و قال:

«لعموم الأدلة الذي لا يخصصه ما في الخبر المزبور بعد عدم الجابر له في ذلك، و بعد تأييده بأنها وضعت للصغار و الإهانة المناسبين للكفر فيهما.» «3»

أقول: الظاهر أن الجزية لم توضع للإهانة، بل لأن إدارة المجتمع تتوقف قهرا على أموال و ضرائب. و الجزية ضريبة أهل الكتاب. و المراد بقوله- تعالى-: «وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» هو انقيادهم للحكم الإسلامي و تسليمهم له، كما يأتي بحثه.

د- حكم الفقير في هذا الباب:

و أما الفقير فقد مرّ عن الخلاف السقوط عنه و ادّعى عليه إجماع الفرقة. و عن

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 412.

(2)- المختلف 1/ 335.

(3)- الجواهر 21/ 237.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 424

المبسوط و الشرائع ثبوتها عليه. و نسب في الخلاف إلى أبي حنيفة أيضا السقوط، و به قال الخرقي أيضا كما مرّ.

و في المنتهى ما ملخصه:

«و في سقوط الجزية عن الفقير منهم لعلمائنا قولان: أشهرهما أنها لا تسقط، اختاره الشيخ، بل ينظر إلى وقت يساره، و به قال المزني و هو أحد قولي الشافعي. و قال المفيد و ابن الجنيد: لا جزية عليه، و هو القول الآخر للشافعي، و به قال أحمد. لنا عموم قوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ». يعني حتى يلزموا بالإعطاء، و لأنه كافر مكلف فلا يعقد الذمة بغير

عوض. و لقوله «ع» لمعاذ: «خذ من كل حالم دينارا» و هو عام، و لأن عليا «ع» وظف على الفقير دينارا.» «1»

أقول: إن أريد بالفقير الشرعي، أي من لا يملك مئونة سنته، أو الفقير العرفي و إن تمكن من أداء الجزية و لو تدريجا كأكثر أفراد المجتمع، فعموم الأدلة يشمله.

و قد كان الخلفاء و أمير المؤمنين «ع» يوظفون عليهم كما يأتي في رواية مصعب بن يزيد الأنصاري. و إن أريد به من لا كسب له و لا مال أصلا فالحق هو السقوط.

و يدلّ عليه قوله- تعالى-: «لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا.» و الشيخ في الخلاف لم يعبر بالفقير، بل عبر بمن لا كسب له و لا مال، فموضوع بحثه في الخلاف يخالف موضوع بحثه في المبسوط، فراجع.

ه- حكم الرهبان و أصحاب الصوامع في هذا الباب:

و أما الرهبان و أصحاب الصوامع فقد مرّ عن الخلاف ثبوت الجزية عليهم، قال: و في أصحابنا من قال: لا تؤخذ منهم الجزية، و للشافعي فيه قولان. «2»

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 963.

(2)- راجع الخلاف 3/ 238، كتاب الجزية، المسألة 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 425

أقول: إطلاق الآية الشريفة و عموم كل حالم في خبر معاذ يقتضيان الثبوت و لا وجه لاستثنائهم إلا إذا كانوا شيوخا هرمى أو فقراء و قلنا باستثنائهما، أو يقال بأن الجزية تابعة لجواز القتل كما مرّ في النساء و الشيوخ، و الرهبان لا يقتلون لقوله- تعالى-: «وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَكُمْ وَ لٰا تَعْتَدُوا.» «1» و الراهب لا يقاتل، و لقول النبي «ص» في خبر مسعدة، عن أبي عبد اللّه «ع»، عنه «ص»: «و لا تقتلوا وليدا و لا متبتلا في شاهق.» «2» و في

خبر ابن عباس عنه «ص»: «لا تقتلوا الولدان و لا أصحاب الصوامع.» «3» هذا.

و في المغني لابن قدامة:

«و لا جزية على أهل الصوامع من الرهبان، و يحتمل وجوبها عليهم، و هذا أحد قولي الشافعي. و روي عن عمر بن عبد العزيز: أنه فرض على رهبان الديارات الجزية على كل راهب دينارين. و وجه ذلك عموم النصوص، و لأنه كافر صحيح قادر على أداء الجزية فأشبه الشمّاس. و وجه الأول أنهم محقونون بدون الجزية فلم تجب عليهم كالنساء و قد ذكرنا أنه يحرم قتلهم و النصوص مخصوصة بالنساء و هؤلاء في معناهن، و لأنه لا كسب له فأشبه الفقير غير المعتمل.» «4»

أقول: الشمّاس موظف دون القسّيس، قالوا: أصلها سريانية بمعنى الخادم.

و لو قيل بأن إدارة المجتمع تتوقف على أموال و ضرائب، و الجزية ضريبة أهل الكتاب، و الرهبان أيضا يتمتعون من مزايا الدولة العادلة، و من له الغنم فعليه الغرم فللحاكم الإسلامي أن يضع عليهم الجزية إن قدروا عليها و رأى في ذلك مصلحة لم يكن هذا بعيدا عن الصواب. و اللّه- تعالى- أعلم.

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 190.

(2)- الوسائل 11/ 43، الباب 15 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(3)- سنن البيهقي 9/ 90، كتاب السير، باب ترك قتل من لا قتال فيه من الرهبان ...

(4)- المغني 10/ 587.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 426

الجهة الثالثة: في كمية الجزية:
[كلمات العلماء]

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 9):

«ليس للجزية حدّ محدود، بل ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام يأخذ منهم بحسب ما يراه أصلح و ما يحتمل أحوالهم مما يكونون به صاغرين، و به قال الثوري. و قال الشافعي: إذا بذل الكافر دينارا في الجزية

قبل منه موسرا كان أو معسرا أو متوسطا. و قال مالك: أقلّ الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب و ثمانية و أربعون درهما على أهل الورق في جميع من ذكرناه. و قال أبو حنيفة: جزية المقلّ اثنا عشر درهما، و المتوسط أربعة و عشرون درهما، و الغني ثمانية و أربعون درهما.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. و لأن تقدير ذلك بحدّ يحتاج إلى دليل شرعي و ليس في الشرع ما يدلّ عليه، و الآية إنما أوجبت الجزية التي يكون بإعطائها صاغرا و ذلك يختلف الحال فيه.» «1»

2- و في النهاية:

«و ليس للجزية حدّ محدود و لا قدر موقت، بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى و الفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.» «2»

3- و في المبسوط:

«و ليس للجزية حدّ محدود و لا قدر مقدور، بل يضعها الإمام على أراضيهم أو على رءوسهم على قدر أحوالهم من الضعف و القوة بمقدار ما يكونون صاغرين به.» «3»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 239.

(2)- النهاية/ 193.

(3)- المبسوط 2/ 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 427

أقول: المترائى من كلمات الشيخ أن الغرض من وضع الجزية جعل الكافر صاغرا به. و الظاهر أنه اجتهاد منه، و لعله أخذ ذلك من الصحيحة الآتية، و سيأتي بيانها. و أما الآية الشريفة فلا تدلّ على أزيد من كون الصغار حالا مقارنا لإعطائها، و ظاهر ذلك مقارنة إعطائها لانقيادهم للحكومة الإسلامية و تسليمهم لها.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 427

4- و

في الشرائع:

«الثاني في كمية الجزية، و لا حدّ لها، بل تقديرها إلى الإمام بحسب الأصلح.

و ما قرّره علي «ع» محمول على اقتضاء المصلحة في تلك الحال. و مع انتفاء ما يقتضي التقدير يكون الأولى اطراحه تحقيقا للصغار.» «1»

أقول: و المراد باطّراحه عدم التقدير إلى وقت مطالبتها في آخر الحول فيقول لهم:

ادفعوا كذا و كذا.

5- و في الجواهر نسب عدم الحدّ لها إلى المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ثم قال:

«بل عن الغنية الإجماع، كما عن السرائر نسبته إلى أهل البيت «ع»، بل لم نعرف القائل منّا بتقديرها في جانب القلة و الكثرة و إن أرسله الفاضل و غيره. نعم، عن الإسكافي تقديرها في جانب القلة بالدينار ...» «2»

6- و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«و اختلف الفقهاء في قدر الجزية: فذهب أبو حنيفة إلى تصنيفهم ثلاثة أصناف:

أغنياء يؤخذ منهم ثمانية و أربعون درهما، و أوساط يؤخذ منهم أربعة و عشرون درهما، و فقراء يؤخذ منهم اثنا عشر درهما، فجعلها مقدرة الأقل و الأكثر و منع من اجتهاد الولاة فيها.

و قال مالك: لا يقدر أقلها و لا أكثرها، و هي موكولة لاجتهاد الولاة في الطرفين.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 328 (ط. أخرى/ 251).

(2)- الجواهر 21/ 245.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 428

و ذهب الشافعي إلى أنها مقدرة الأقل بدينار لا يجوز الاقتصار على أقل منه، و عنده غير مقدرة الأكثر يرجع فيه إلى اجتهاد الولاة و يجتهد رأيه في التسوية بين جميعهم أو التفضيل بحسب أحوالهم.» «1»

أقول: ما حكاه الماوردي عن مالك و الشافعي يخالفان لما حكاه الشيخ عنهما في الخلاف، فراجع مظانّ المسألة.

7- و في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة:

«و المأخوذ منهم الجزية

على ثلاث طبقات: فيؤخذ من أدونهم اثنا عشر درهما، و من أوسطهم أربعة و عشرون درهما، و من أيسرهم ثمانية و أربعون درهما.» «2»

و لكن روى أبو يعلى الفراء عن أحمد ثلاث روايات في هذه المسألة «3» و راجع المغني أيضا في هذه المسألة. «4»

و بالجملة فالمسألة واضحة عندنا و أن مقدارها موكول إلى اجتهاد الإمام كمّا و كيفا و قلة و كثرة.

و يدلّ على ذلك مضافا إلى الشهرة المحققة و الإجماعات المنقولة ما رواه في الوسائل بسند صحيح، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما حدّ الجزية على أهل الكتاب، و هل عليهم في ذلك شي ء موظف لا ينبغي أن يجوز إلى غيره؟

فقال: «ذلك إلى الإمام، يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله و ما يطيق، إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا، فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتى يسلموا، فإن اللّه قال: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» و كيف يكون صاغرا و هو لا يكترث لما يؤخذ منه حتى لا يجد ذلّا (ألما خ. ل) لما أخذ منه فيألم لذلك فيسلم؟!». «5»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 144.

(2)- المغني 10/ 574.

(3)- الأحكام السلطانية/ 155.

(4)- المغني 10/ 574 و ما بعدها.

(5)- الوسائل 11/ 113، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 429

و رواه في المستدرك أيضا، عن تفسير العياشي، عن زرارة. «1»

أقول: دلالة الصحيحة على المقصود واضحة، و تدل أيضا على أن الجزية عوض عن الكف عنهم. و لكن المستفاد من آخرها كون الغرض من أخذ الجزية إذ لا

لهم و إيلامهم حتى يسلموا، و لكن الالتزام بذلك مشكل. و أيّ إيلام في إعطاء دينار أو دينارين في ظرف السنة مع وقوعهم تحت حماية الدولة الإسلامية و استفادتهم من مزاياها؟ و الدولة لا محيص لها عن أخذ مال و ضريبة، فتدبّر.

و يستدلّ للقائل بالتقدير شرعا

بما أمر به رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» في هذا الباب:

1- ففي سنن البيهقي بسنده، عن معاذ بن جبل: «أن رسول اللّه «ص» بعثه إلى اليمن و أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا، و من كل أربعين بقرة مسنّة، و من كل حالم دينارا أو عدله ثوب معافر.» «2»

2- و فيه أيضا بسنده، عن عمر بن عبد العزيز: أن النبي «ص» كتب إلى أهل اليمن: «أن على كل إنسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من المعافر.» يعني أهل الذمة منهم. «3»

و روي هذا الكتاب منه «ص» بطرق و ألفاظ مختلفة كلها تشتمل على هذا المضمون، فراجع البيهقي و غيره.

و فيما كتبه «ص» لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أيضا ذكر هذا المضمون، فراجع البيهقي. «4»

______________________________

(1)- مستدرك الوسائل 2/ 267، الباب 56 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(2)- سنن البيهقي 9/ 193، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(3)- سنن البيهقي 9/ 193، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(4)- سنن البيهقي 9/ 194، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 430

3- و فيه أيضا بسنده، عن أبي الحويرث، قال: «ضرب رسول اللّه «ص» على نصارى بمكة دينارا لكل سنة.» «1»

4- و فيه أيضا بسنده، عن أبي الحويرث: أن النبي «ص» ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب دينارا كل سنة. و أن

النبي «ص» ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة.

الحديث.

قال: و أخبرنا إبراهيم، أنبأ إسحاق بن عبد اللّه أنهم كانوا ثلاثمائة فضرب عليهم النبي «ص» يومئذ ثلاثمائة دينار كل سنة. «2»

5- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: صالح رسول اللّه «ص» أهل نجران على ألفي حلة: النصف في صفر و النصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين، و عارية ثلاثين درعا و ثلاثين فرسا و ثلاثين بعيرا و ثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، المسلمون ضامنون لها حتى يردّوها عليهم إن كان باليمن كيد.

قال الشافعي: و قد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين و من أهل الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار. «3»

أقول: استدل الشافعي بهذا السنخ من الأخبار على وجوب أن لا تكون الجزية في كل سنة أقل من دينار واحد:

قال في الأمّ في باب كم الجزية:

«و كان رسول اللّه «ص» المبين عن اللّه- عزّ و جلّ- معنى ما أراد؛ فأخذ رسول اللّه «ص» جزية أهل اليمن دينارا في كل سنة أو قيمته من المعافري و هي الثياب. و كذلك روي أنه أخذ من أهل أيلة و من نصارى مكة دينارا عن كل إنسان. و أخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة، و لا أدري ما غاية ما أخذ منهم. و قد

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 195، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(2)- سنن البيهقي 9/ 195، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

(3)- سنن البيهقي 9/ 195، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 431

سمعت بعض أهل العلم من المسلمين و من أهل الذمة من

أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار. و أخذها من أكيدر و من مجوس البحرين لا أدري كم غاية ما أخذ منهم، و لم أعلم أحدا قط حكى عنه أنه أخذ من أحد أقلّ من دينار.» «1» هذا.

6- و في الوسائل بسنده، عن مصعب بن يزيد الأنصاري، قال: استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» على أربعة رساتيق المدائن: البهقباذات و نهر سير (شير خ. ل) (بهر سير- فتوح البلدان.) و نهر جوير و نهر الملك، و أمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما و نصفا، و على كل جريب وسط درهما، و على كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم، و على كل جريب كرم عشرة دراهم، و على كل جريب نخل عشرة دراهم، و على كل جريب البساتين التي تجمع النخل و الشجر عشرة دراهم. و أمرني أن ألقى كل نخل شاذّ عن القرى لمارّة الطريق و ابن السبيل و لا آخذ منه شيئا. و أمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين و يتختمون بالذهب على كل رجل منهم ثمانية و أربعين درهما، و على أوساطهم و التجّار منهم على كل رجل منهم أربعة و عشرين درهما، و على سفلتهم و فقرائهم اثني عشر درهما على كل إنسان منهم. قال: فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة.» «2» و روى نحوه البلاذري في فتوح البلدان. «3»

قال في الوسائل:

«حمله الشيخ على أنه رأى المصلحة في ذلك، و يجوز أن تتغير المصلحة إلى زيادة أو نقصان بحسب ما يراه الإمام، و كذا ذكر المفيد و غيرهما.»

7- و فيه أيضا، عن المفيد في المقنعة، عن

أمير المؤمنين «ع»: «أنه جعل على أغنيائهم ثمانية و أربعين درهما، و على أوساطهم أربعة و عشرين درهما، و جعل على فقرائهم اثني عشر درهما.» و كذلك صنع عمر بن الخطاب قبله و إنما صنعه بمشورته «ع». «4»

______________________________

(1)- الأمّ 4/ 101.

(2)- الوسائل 11/ 115، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

(3)- فتوح البلدان/ 270.

(4)- الوسائل 11/ 116، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 432

أقول: و كيف كان فأمر رسول اللّه «ص» و أمير المؤمنين «ع» في عصرهما في موارد خاصة بضرب مقدار معين لا ظهور له في تعين ذلك في جميع الأعصار و جميع البلدان، بداهة أن هذا السنخ من الأمور ليست تابعة للتعبد المحض، بل يلاحظ فيها مصالح المسلمين و الدولة الإسلامية، و قد دلّت صحيحة زرارة على كونها عوضا عن قتل الشخص أو استعباده، فلا تتقدر بقدر خاص كالأجرة. و لا يرفع اليد عن الصحيحة التي عمل بها الأصحاب و أيّدها الإجماع المنقول و الشهرة المحققة بهذه الأخبار الحاكية للفعل في موارد خاصة، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 433

الجهة الرابعة: في اختيار الإمام أو من نصبه بين أن يضع الجزية على الرؤوس أو الأراضي أو كليهما:
[كلمات العلماء]

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 17):

«يجوز للإمام أن يصالح قوما على أن يضرب الجزية على أرضهم بحسب ما يراه، و إذا أسلموا سقط ذلك عنهم و صارت الأرض عشرية، و به قال الشافعي إلا أنه قيد ذلك بأن يضع عليها بأقلّ ما يكون من الجزية فصاعدا.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الاقتصار على هذا حتى ينضم إليه ضرب الجزية على الرؤوس. و متى أسلموا لا تسقط عنهم بل تكون الأرض خراجية

على ما وضع عليها.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

2- و في النهاية:

«و كل من وجبت عليه الجزية فالإمام مخير بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم، فإن وضعها على رءوسهم فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. و إن وضعها على أرضيهم فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.» «2»

أقول: الظاهر أن مراده أنه لو جعلت على الرؤوس فقط أو على الأرضين فقط في عقد الذمة فلا يجوز التخلف عن العقد، لا أنه لا يجوز الوضع عليهما في بادي الأمر، و من أقسام المنفصلة ما يراد بها منع الخلوّ فقط فلا تنافي جواز الجمع.

3- و قد مرّ عن المبسوط قوله:

«و ليس للجزية حدّ محدود و لا قدر مقدور، بل يضعها الإمام على أراضيهم أو على

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 241.

(2)- النهاية/ 193.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 434

رءوسهم على قدر أحوالهم من الضعف أو القوة بمقدار ما يكونون صاغرين به.» «1»

4- و في الشرائع:

«و يجوز وضعها على الرؤوس أو على الأرض. و لا يجمع بينهما. و قيل بجوازه ابتداء، و هو الأشبه.» «2»

5- و في الجواهر في ذيل الجملة الأولى قال:

«بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال بعد الأصل و العمومات كتابا و سنة، و خصوص النصوص المتضمنة لإثبات كل منهما ...» «3»

و في ذيل قول المحقق: «و هو الأشبه» قال:

«بأصول المذهب و قواعده التي منها ما سمعته من عدم موظف للجزية، و أن تقديرها إلى الإمام «ع» كمّا و كيفا كما هو مقتضى الأصل و غيره، بل هو المناسب للصغار و لما دل على مشروعية العقود بالتراضي و لغير ذلك.» «4»

[الأخبار]

أقول: و يدلّ على جواز ضرب الجزية

على الأرض إجمالا مضافا إلى الإجماع المدعى في الخلاف و العمومات من الكتاب و السنة:

1- صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دماءهم و أموالهم؟ قال: «الخراج و إن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم، و إن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم.» «5»

و مرجع الضمير بقرينة ما قبله في الكافي هو أبو عبد اللّه «ع»، مضافا إلى أن مثل محمد بن مسلم الفقيه لا يروي عن غير الإمام «ع».

و المنساق منها بدوا و إن كان عدم جواز الجمع، و لكن لما كانت الجزية إنما تثبت بتبع عقد الذمة فلعلّ المراد أنه بعد ما وقع العقد على أحدهما فلا يجوز التخلف

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 38.

(2)- الشرائع 1/ 328 (ط. أخرى/ 251).

(3)- الجواهر 21/ 249.

(4)- الجواهر 21/ 249.

(5)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 435

عنه بالأخذ من الآخر، فلا ينافي هذا جواز الجمع بينهما ابتداء في متن العقد.

و الأخذ يراد به الوضع في متن العقد لا الأخذ خارجا، نظير الإعطاء في قوله- تعالى- «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ»، أي يقبلوا إعطاءها.

2- الصحيحة الأخرى له، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: أ رأيت ما يأخذ هؤلاء من هذا الخمس من أرض الجزية و يأخذ من الدهاقين جزية رءوسهم أما عليهم في ذلك شي ء موظف؟ فقال: «كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم، و ليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع ذلك على رءوسهم و ليس على أموالهم شي ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء.» فقلت: فهذا الخمس؟ فقال:

«إنما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص».» «1»

أقول: الظاهر أن المراد بالخمس الذي كان يؤخذ من أرض الجزية في عصر الإمام الصادق «ع» هي الصدقة المضاعفة التي كانت توضع على بعض القبائل عوضا عن جزية الرؤوس. و يظهر من الحديث أن هذا كان ثابتا من عصر الرسول «ص» بالمصالحة معه، و انسباق نفي الجمع من الحديث بدوا قد مرّ الجواب عنه و أن المراد عدم جواز التخلف عما عقد عليه لا عدم جواز الجمع بينهما في متن العقد. بل المستفاد من قوله «ع»: «عليهم ما أجازوا على أنفسهم» و قوله: «هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص»،» هو صحة العقد معهم عليهما معا أيضا باختيارهم و رضاهم، إذ بعد ما لم يكن لها حدّ في ناحية الكثرة كما مرّ و أن اختيارها إلى الإمام فأيّ فرق بين أن يضع القدر المختار على الأراضي أو على الرؤوس أو يوزّعه عليهما؟ و المستفاد من خبر مصعب بن يزيد السابق أيضا جواز الجمع، إذ لم يقيد أمير المؤمنين «ع» فيمن أمر بوضع الجزية على رءوسهم بأقسامه أن لا يكون في أيديهم أرض الجزية، و قد تعرض في الحديث لخراج الأراضي و جزية الرؤوس معا، فتأمّل.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 436

3- و عن الصدوق، قال: قال الرضا «ع»: «إن بني تغلب أنفوا من الجزية و سألوا عمر أن يعفيهم، فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رءوسهم و ضاعف عليهم الصدقة، فعليهم ما صالحوا عليه و رضوا به إلى أن يظهر الحقّ.» «1»

و ظاهر هذا الخبر

أيضا أن الملاك في عصر الهدنة و التقية، هو ما صالحوا عليه و رضوا به، فليس فيه موظف خاصّ. نعم، يتراءى من الحديث أن هذا الحكم ثانوي موسمي لا أولي دائم، فتدبّر.

و العلامة في المنتهى قوّى جواز الجمع فقال:

«و يتخير الإمام في وضع الجزية إن شاء على رءوسهم و إن شاء على أرضيهم.

و هل يجوز له أن يجمع بينهما فيأخذ منهم عن رءوسهم شيئا و عن أرضهم شيئا؟

قال الشيخان و ابن إدريس: لا يجوز ذلك، بل له أن يأخذ من أيّهما شاء.

و قال أبو الصلاح: يجوز الجمع بينهما، و هو الأقوى عندي.

لنا أن الجزية غير مقدرة في طرفي الزيادة و النقصان على ما تقدم، بل هي موكولة إلى نظر الإمام، فجاز له أن يأخذ من أرضيهم و رءوسهم كما يجوز له أن يضعف الجزية التي على رءوسهم في الحول الثاني، و لأن ذلك أنسب بالصغار.» «2»

و لكنه قرب في جهاد المختلف خلاف ذلك و إن رجع عنه في آخر كلامه فقال فيه:

«و هل له الجمع؟ قال الشيخ في النهاية: لا، و به قال ابن حمزة و ابن إدريس.

و جوز ابن الجنيد الجمع، و هو اختيار أبي الصلاح. و الأقرب الأول.

لنا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم ... احتج الآخرون بأن الجزية لا حدّ لها، فجاز أن يضع قسطا على رءوسهم و قسطا على أرضهم.

و الجواب ليس النزاع في تقسيط الجزية على الرأس و الأرض بل وضع جزيتين عليهما، و بالجملة فلا بأس بهذا القول.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 116، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 6.

(2)- المنتهى 2/ 966.

(3)- المختلف 1/ 334.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص:

437

أقول: عبارة النهاية قد مرّت، و ليس فيها تصريح بعدم جواز الجمع ابتداء كما مرّ، و في المقنعة لم يفت بشي ء و إنما اقتنع بذكر الأخبار التي مرّت. «1» و صحيحة محمد بن مسلم مرّ بيانها.

و قال في الجواهر ما محصله:

«أن عقد الذمة شي ء و تقدير الجزية أمر آخر، ضرورة أن عقد الذمة عبارة عن العهد لهم بالأمان و سكنى أراضي المسلمين بالجزية التي يبقى تقديرها إلى الإمام في كل سنة على حسب ما يراه من المصلحة كمّا و كيفا و له في الابتداء تقديرها على رءوسهم أو على أراضيهم أو غير ذلك أو على الجميع. و ظاهر المختلف المفروغية من جواز تقسيط الجزية عليهما و أن النزاع في الجزيتين، و لكنه كلام مجمل، إذ من المعلوم عدم مدخلية النية في ذلك، فإن شئت سميتها تقسيطا و إن شئت سميتها جزيتين، على معنى إيقاع العقد عليهما ابتداء بالرضا من الإمام و منهم. نعم، من المعلوم عدم مشروعية جزية أخرى بعد عقدها على أحدهما فإن التعدي عما اقتضاه العقد غير جائز إجماعا و يكون أكلا للمال بالباطل.» «2»

أقول: الظاهر صحة ما ذكر في الجواهر و يظهر وجهه مما مرّ، فتدبّر.

و الظاهر عدم الخصوصية للأرض، فيجوز وضعها على الأنعام و السيّارات و نحوها من الممتلكات، لما مرّ من العمومات و الإطلاقات.

______________________________

(1)- المقنعة/ 44.

(2)- الجواهر 21/ 250 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 438

الجهة الخامسة: في جواز مضاعفة الصدقة عليهم جزية:

قد مرّ سابقا أن في ثبوت الجزية على أهل الكتاب لا فرق عندنا بين العرب منهم و العجم.

و مرّ آنفا أنه لا يتعين وضعها على الرؤوس فيجوز وضعها على الأراضي أو على كليهما حسب ما يراه الإمام من المصلحة.

إذا عرفت هذا فنقول: من الممكن أن يكون ذلك بمضاعفة الصدقة عليهم فتكون هذه جزية لا صدقة، و على هذا يحمل ما مرّ عن الرضا «ع» من مضاعفة عمر الصدقة على بني تغلب.

بل و عليه يحمل أيضا الخمس الذي

كان يؤخذ من أرض الجزية على ما في صحيحة محمد بن مسلم السابقة. و هذا تابع للمصلحة التي يراها الإمام بحسب الزمان و المكان و الظروف و الشرائط، فلا يكون حكما دائما لا يجوز التخلف عنه كما قد يتوهم خلافا لأكثر فقهاء السنة:

قال العلامة في التذكرة:

«مسألة: بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية، و انتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان و هم تنوخ و بهراء، فصارت القبائل الثلاثة من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية كافة كما تؤخذ من غيرهم، و به قال علي «ع» و عمر بن عبد العزيز لأنهم أهل كتاب فيدخلون تحت عموم الأمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب.

و قال أبو حنيفة: لا تؤخذ منهم الجزية، بل تؤخذ منهم الصدقة مضاعفة فيؤخذ من كل خمس من الإبل شاتان، و يؤخذ من كل عشرين دينارا دينار، و من كل مأتي

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 439

درهم عشرة دراهم، و من كل ما يجب فيه نصف العشر العشر، و ما يجب فيه العشر الخمس، و به قال الشافعي و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح بن حي و أحمد بن حنبل، لأن عمر ضعف الصدقة عليهم.

و هي حكاية حال لا عموم لها، فجاز أن تكون المصلحة للمسلمين في كفّ أذاهم بذلك، و لأنه كان يأخذ جزية لا صدقة و زكاة، و لأنه يؤدي إلى أن يأخذ أقلّ من دينار بأن تكون صدقته أقل من ذلك، و لأنه يلزم أن يقيم بعض أهل الكتاب في بلد الإسلام مؤبدا بغير عوض بأن لا يكون له زرع و لا ماشية.

و روى العامة عن

علي «ع» أنه قال: «لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي:

لأقتلن مقاتلتهم و لأسبين ذراريهم، فقد نقضوا العهد و برئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.» «1» و ذكر نحو ذلك في المنتهى. «2»

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة:

«و لا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب، و تؤخذ الزكاة من أموالهم و مواشيهم و ثمرهم مثلي ما يؤخذ من المسلمين.»

و قال في المغنى في شرح العبارة:

«بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية، فدعاهم عمر إلى بذل الجزية فأبوا و أنفوا و قالوا: نحن عرب، خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة، فقال عمر: لا آخذ من مشرك صدقة، فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة: يا أمير المؤمنين، إن القوم لهم بأس و شدة و هم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوّك بهم و خذ منهم الجزية باسم الصدقة، فبعث عمر في طلبهم فردّهم و ضعف عليهم من الإبل من كل خمس شاتين، و من كل ثلاثين بقرة تبيعين، و من كل عشرين دينارا دينارا، و من كل مأتي درهم عشرة دراهم. و فيما سقت السماء الخمس، و فيما سقي بنضح أو غرب أو دولاب العشر، فاستقر ذلك من قول عمر و لم يخالفه أحد من الصحابة فصار إجماعا، و قال

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 439.

(2)- المنتهى 2/ 962.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 440

به الفقهاء بعد الصحابة منهم ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و أبو حنيفة و أبو يوسف و الشافعي.

و يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه أبى على نصارى بني تغلب إلا

الجزية، و قال: لا و اللّه إلا الجزية، و إلا فقد آذنتكم بالحرب، و الحجة لهذا عموم الآية فيهم. و روي عن علي «ع» أنه قال: «لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن لي فيهم رأي: لأقتلن مقاتلتهم و لأسبين ذراريّهم، فقد نقضوا العهد و برئت منهم الذمة حين نصروا أولادهم.» و ذلك أن عمر صالحهم على أن لا ينصروا أولادهم. و العمل على الأول لما ذكرنا من الإجماع. و أما الآية فإن هذا المأخوذ منهم جزية باسم الصدقة، فإن الجزية يجوز أخذها من العروض.» «1»

أقول: الحديث الذي رواه العلامة و ابن قدامة عن علي «ع» رواه عنه أبو عبيد في كتاب الأموال، فراجع. «2»

و ملخص ما ذكره ابن قدامة أنه يتعين العمل بما صنعه عمر من تضعيف الصدقة على بعض قبائل العرب، و تكون جزية لا صدقة، و ظاهر العلامة على ما مرّ إفتاء الفقهاء بذلك صدقة و زكاة. و نحن نقول بجواز ذلك إذا رآه الإمام مصلحة و لكنه لا دليل على تعينه. و مجرد عمل عمر في عصره في طوائف خاصة ليس حجة شرعية يؤخذ بها في جميع الأعصار.

و كيف كان فهي جزية كما ذكر لا صدقة، و به قال الشافعي أيضا، فلا تؤخذ من النساء و الصبيان و المجانين و نحوهم ممن تسقط عنهم الجزية، و مصرفها أيضا مصرف الجزية.

قال الماوردي في الأحكام السلطانية:

«فإن صولحوا على مضاعفة الصدقة عليهم ضوعفت، كما ضاعف عمر بن الخطاب مع تنوخ و بهراء و بني تغلب بالشام. و لا تؤخذ من النساء و الصبيان، لأنها جزية تصرف في أهل الفي ء فخالفت الزكاة المأخوذة من النساء و الصبيان، فإن جمع بينها

______________________________

(1)- المغني 10/ 590.

(2)- الأموال/ 37.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 441

و بين الجزية أخذتا معا، و إن اقتصر عليها وحدها كانت جزية إذا لم تنقص في السنة عن دينار.» «1» و الماوردي شافعي المذهب.

و بالجملة، فأمر الجزية كمّا و كيفا إلى إمام المسلمين، من غير فرق بين العرب و العجم و بني تغلب و غيرهم. و لا يتعين ما صنعه عمر في عصره.

نعم، قد مرّ منا في بحث الخمس أن الذمي إذا اشترى من مسلم أرضا عشرية ضوعف عليه العشر فأخذ منه الخمس، و على هذا حملنا حكم الخمس المذكور في صحيحة أبي عبيدة الحذاء، خلافا للمشهور بين أصحابنا من حملها على خمس رقبة الأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم، فراجع تلك المسألة.

و الظاهر أن هذا الخمس غير الجزية التي تؤخذ من كل ذمي، بل هو في الحقيقة غرامة اشترائه لأرض عشرية. و على هذا فيؤخذ هذا الخمس من النساء أيضا بل و الصبيان إن قيل بتعلق الزكاة بهم. و مصرفه أيضا مصرف الزكاة.

و يحتمل بعيدا أن يكون هذا الخمس أيضا من قبيل الجزية، فيترتّب عليه أحكامها.

و المسألة تحتاج إلى دقة أكثر.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 144.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 442

الجهة السادسة: في جواز اشتراط الضيافة على أهل الذمة:
[كلمات العلماء]

1- قال في المبسوط:

«يجوز أن يشرط عليهم ضيافة من مرّ بهم من المسلمين مجاهدين و غير مجاهدين، لأن النبي «ص» ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار و أن يضيفوا من مرّ بهم من المسلمين ثلاثا و لا يغشوا.

فإذا ثبت ذلك احتاج إلى شرطين: أحدهما: أن يكون ذلك زائدا على أقلّ ما يجب عليهم من الجزية ...

و الشرط الثاني أن يكون معلوما لأنه لا يصح العقد على مجهول، و يصير معلوما

بأن يكون عدد أيام الضيافة من الحول معلومة ... و يكون عدد من يضاف معلوما ...

؟؟؟ يكون القوت معلوما و لكل رجل كذا و كذا رطلا من الخبز و كذا من الأدم من لحم و جبن و سمن و زيت و شيرج و يكون مبلغ الأدم معلوما، و يكون علف الدواب معلوما ... و مبلغ الضيافة ثلاثة أيام، لما تضمنه الخبر و ما زاد عليه فهو مكروه. فأما موضع النزول فينبغي أن يكون في فضول منازلهم و بيعهم و كنائسهم ...» «1»

2- و في الشرائع:

«و يجوز أن يشترط عليهم مضافا إلى الجزية ضيافة مارة العساكر، و يحتاج أن تكون الضيافة معلومة، و لو اقتصر على الشرط وجب أن يكون زائدا عن أقل مراتب الجزية.» «2»

3- و في المسالك:

«و كما يجوز اشتراط ضيافة مارّة العساكر يجوز اشتراط ضيافة مطلق المارّة من

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 38.

(2)- الشرائع 1/ 329 (ط. أخرى/ 251).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 443

المسلمين، بل هذا هو المشهور في الأخبار و الفتاوى و هو الذي شرطه النبي «ص».» «1»

4- و في التذكرة:

«يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين إجماعا بل يستحب، لأن النبي «ص» ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار- و كانوا ثلاثمائة نفر- في كل سنة، و أن يضيفوا من يمرّ بهم من المسلمين ثلاثة أيام و لا يغشّوا مسلما. و شرط على نصارى نجران إقراء رسله عشرين ليلة فما دونها و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين بعيرا و ثلاثين درعا مضمونة إذا كان حدث باليمن. و لأن الحاجة تدعو إليه، و ربما امتنعوا من مبايعة المسلمين معاندة و إضرارا.

و لو

لم يشترط الضيافة لم تكن واجبة، و به قال الشافعي، للأصل و لأن أصل الجزية إنما تثبت بالتراضي فالضيافة أولى.

و قال بعض العامة: تجب بغير شرط. و تجوز لجميع الطارقين و لا تختص بأهل الفي ء خلافا لبعض الشافعية أنه لا يجوز لغير المجاهدين ...» «2»

و ذكر نحو ذلك في المنتهى أيضا، فراجع. «3»

[الأخبار]

أقول: و يدلّ على المسألة- مضافا إلى عمومات العقود و الشروط و أن تقدير الجزية كمّا و كيفا إلى الإمام كما مرّ، و الضيافة جزء منها- أخبار كثيرة حاكية عن عمل النبي «ص» و الخلفاء بعده بلا ردع و اعتراض من الصحابة:

1- ففي سنن البيهقي بسنده، عن أبي الحويرث: «أن النبي «ص» ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة، و أن يضيفوا من مرّ بهم من المسلمين ثلاثا و أن لا يغشّوا مسلما.» «4»

______________________________

(1)- المسالك 1/ 158.

(2)- التذكرة 1/ 441.

(3)- المنتهى 2/ 966.

(4)- سنن البيهقي 9/ 195، كتاب الجزية، باب كم الجزية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 444

2- و فيه أيضا بسنده، عن عقبة بن عامر، قال: قلنا: يا رسول اللّه، إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا فما ترى؟ فقال رسول اللّه «ص»: «إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.» رواه البخاري و مسلم. «1»

3- و فيه أيضا بسنده، عن أبي كريمة، سمع النبي «ص» يقول: «ليلة الضيف حق على كل مسلم. من أصبح الضيف بفنائه فهو عليه حق، أو قال: دين، إن شاء اقتضاه و إن شاء تركه.» «2»

أقول: و ظاهر هاتين الروايتين ثبوت حق النزول و الضيافة حتى على المسلمين، و حتى

مع عدم الاشتراط، بحيث يجوز إجبار الشخص عليه، و لكن الالتزام بذلك مشكل و لا سيما بالنسبة إلى المسلم.

4- و فيه أيضا بسنده، عن أبي سعيد: أن النبي «ص» قال: «حق الضيافة ثلاثة أيام، فما زاد على ذلك فهو صدقة.» و روى نحو ذلك بسنده، عن أبي هريرة عنه «ص» أيضا. «3»

5- و في قرب الإسناد، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر، عن أبيه: «أن رسول اللّه «ص» أمر بالنزول على أهل الذمّة ثلاثة أيام.» «4»

6- و فيه أيضا، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: «ينزل المسلمون على أهل الذمة في أسفارهم و حاجاتهم، و لا ينزل المسلم على المسلم إلا بإذنه.» «5»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 197، كتاب الجزية، باب ما جاء في ضيافة من نزل به.

(2)- سنن البيهقي 9/ 197، كتاب الجزية، باب ما جاء في ضيافة من نزل به.

(3)- سنن البيهقي 9/ 197، كتاب الجزية، باب ما جاء في ضيافة من نزل به.

(4)- قرب الإسناد/ 39.

(5)- قرب الإسناد/ 62.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 445

7- و في البيهقي أيضا بسنده، عن أسلم: «أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، و على أهل الورق أربعين درهما، و مع ذلك أرزاق المسلمين و ضيافة ثلاثة أيام.» «1»

8- و فيه أيضا بسنده، عن الأحنف بن قيس: «أن عمر بن الخطاب كان يشترط على أهل الذمة ضيافة يوم و ليلة و أن يصلحوا قناطر، و إن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته.» «2»

أقول: و الأخبار في هذا المجال كثيرة، و يظهر من بعضها أنه ربما كان يشرط الزيت و العسل و نحوهما.

و لا يخفى أن

مثل الضيافة و التصرف في مثل الزيت و العسل و نحوهما يوجب غالبا المس بالأيادي، فلأحد أن يستشهد بهذه الأخبار أيضا على أن طهارة أهل الكتاب ذاتا كانت مفروغا عنها عند المسلمين، فتأمّل.

و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«و إذا صولحوا على ضيافة من مرّ بهم من المسلمين قدّرت عليهم ثلاثة أيام و أخذوا بها لا يزادون عليها، كما صالح عمر نصارى الشام على ضيافة من مرّ بهم من المسلمين ثلاثة أيام مما يأكلون، و لا يكلفهم ذبح شاة و لا دجاجة، و تبييت دوابهم من غير شعير. و جعل ذلك على أهل السواد دون المدن. فإن لم يشترط عليهم الضيافة و مضاعفة الصدقة فلا صدقة عليهم في زرع و لا ثمر، و لا يلزمهم إضافة سائل و لا سابل.» «3»

أقول: و للمسألة فروع كثيرة أدرجناها، فمن شاء فليراجع مظانّها.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 197، كتاب الجزية، باب الضيافة في الصلح.

(2)- سنن البيهقي 9/ 197، كتاب الجزية باب الضيافة في الصلح.

(3)- الأحكام السلطانية/ 144.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 446

الجهة السابعة: في أنه لا يؤخذ منهم سوى الجزية و ما اشترط عليهم في عقد الذمة شي ء آخر من زكاة و غيرها:

أقول: الظاهر أن ضريبة أهل الجزية تنحصر في الجزية الموضوعة عليهم بكمها و كيفها و ما اشترط عليهم في عقد الذمة، فليس عليهم بعدها شي ء.

بل الظاهر من الأخبار و الفتاوى سقوط الزكاة أيضا عنهم، و إن ثبت عندنا كون الكفار مكلفين بالفروع أيضا كما حققناه في كتاب الزكاة، فراجع «1»:

1- ففي صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال: لا. «2»

2- و عن المقنعة، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» قال: «إذا أخذت الجزية من أهل الكتاب فليس على

أموالهم و مواشيهم شي ء بعدها.» «3»

و الظاهر اتحاد الخبرين و كون الثاني نقلا بالمعنى و المضمون، كما هو سيرة الفقهاء في كتبهم الفقهية.

و الظاهر منهما نفي الزكاة عنهم. اللّهم إلّا أن يقال بعدم دلالتهما على نفي الزكاة عن الغلات، إذ الظاهر من الأموال خصوص النقود، فتدبّر.

3- و قد مرّ في صحيحة محمد بن مسلم السابقة، عن أبي عبد اللّه «ع» قوله:

______________________________

(1)- كتاب الزكاة 1/ 125 و ما بعدها.

(2)- الوسائل 11/ 115، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(3)- الوسائل 11/ 116، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 447

«و ليس للإمام أكثر من الجزية، إن شاء الإمام وضع ذلك على رءوسهم، و ليس على أموالهم شي ء، و إن شاء فعلى أموالهم و ليس على رءوسهم شي ء.» فقلت: فهذا الخمس؟ فقال: «إنما هذا شي ء كان صالحهم عليه رسول اللّه «ص».» «1»

أقول: قد مرّ أن المراد بالخمس هنا هو الزكاة المضاعفة، فيجوز مطالبتها إن شرطت في عقد الذمة و تكون في الحقيقة بعنوان الجزية، نظير ما وضعه عمر على بني تغلب حين أنفوا من جزية الرؤوس.

و من هذا القبيل أيضا على الظاهر جعل رسول اللّه «ص» العشر و نصف العشر على أهل خيبر بعد تقبيلهم أراضيها، كما دلّ عليه صحيحة صفوان و البزنطي و خبر البزنطي أيضا، فراجع. «2»

4- و في معاهدة النبي «ص» مع نصارى نجران: «بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ. هذا ما كتب محمد النبي رسول اللّه «ص» لأهل نجران: إذا كان عليهم حكمه في كل ثمرة، و في كل صفراء و بيضاء و رقيق- فأفضل ذلك عليهم و ترك ذلك كله لهم- على

ألفي حلّة من حلل الأواقي:

في كل رجب ألف حلّة، و في كل صفر ألف حلّة. الحديث.» «3»

و الحلل وضعت عليهم جزية كما مرّ.

و في الأموال: «كل حلة أوقية، ما زاد الخراج أو نقص فعلى الأواقي فليحسب.»

5- و في دعائم الإسلام: «و نهى رسول اللّه «ص» عن التعدي على المعاهدين.» «4»

6- و فيه أيضا: «روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي «ع»، عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يؤكل المعاهد كما توكّل الخضر.» «5» و رواهما عنه في المستدرك. «6»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- راجع الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1 و 2.

(3)- الوثائق السياسيّة/ 175، الرقم 94؛ و في الأموال/ 244 بتفاوت.

(4)- دعائم الإسلام 1/ 380، كتاب الجهاد- ذكر الصلح و الموادعة و الجزية.

(5)- دعائم الإسلام 1/ 380، كتاب الجهاد- ذكر الصلح و الموادعة و الجزية.

(6)- مستدرك الوسائل 2/ 267، الباب 56 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5 و 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 448

7- و في سنن البيهقي بسنده، عن العرباض بن سارية السلمي، قال: نزلنا مع النبي «ص» خيبر، و معه من معه من أصحابه، و كان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي «ص» فقال: يا محمد، أ لكم أن تذبحوا حمرنا و تأكلوا ثمارنا و تضربوا نساءنا؟ فغضب النبي «ص» و قال: «يا بن عوف، اركب فرسك ثم ناد: أن الجنة لا تحلّ إلا لمؤمن، و أن اجتمعوا للصلاة.» قال: فاجتمعوا ثم صلّى بهم النبي «ص» ثم قام فقال: «أ يحسب أحدكم متكئا

على أريكته قد يظنّ أن اللّه- عزّ و جلّ- لم يحرّم شيئا إلا ما في هذا القرآن؟ ألا و إنّي و اللّه قد أمرت و وعظت و نهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر. و إن اللّه- عزّ و جلّ- لم يحلّ لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن و لا ضرب نسائهم و لا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم.» «1»

أقول: و في الحديث ردّ على من قال أو يقول: حسبنا كتاب اللّه، و روايات أئمتنا «ع» حاكية لما وصل إليهم عن النبي «ص»، كما مرّ بيانه في بعض الأبحاث السابقة.

8- و فيه أيضا بسنده، عن رجل من جهينة من أصحاب النبي «ص»، قال:

قال رسول اللّه «ص»: «إنكم لعلكم تقاتلون قوما و تظهرون عليهم فيفادونكم بأموالهم دون أنفسهم و أبنائهم و تصالحوهم على صلح، فلا تصيبوا منهم فوق ذلك، فإنه لا يحلّ لكم.» «2»

9- و فيه أيضا بسنده، عن رسول اللّه «ص»، قال: «ألا من ظلم معاهدا و انتقصه و كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة.- و أشار رسول اللّه «ص» بإصبعه إلى صدره- ألا و من قتل معاهدا له ذمة اللّه و ذمة رسوله حرم اللّه عليه ريح الجنة، و إن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا.» «3»

10- و في خراج أبي يوسف قال: و حدثني بعض المشايخ المتقدمين يرفع

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 204، كتاب الجزية، باب لا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ...

(2)- سنن البيهقي 9/ 204، كتاب الجزية، باب لا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ...

(3)- سنن البيهقي 9/ 205، كتاب الجزية، باب لا يأخذ المسلمون من

ثمار أهل الذمة ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 449

الحديث إلى النبي «ص» أنه ولّى عبد اللّه بن أرقم على جزية أهل الذمة، فلما ولّى من عنده ناداه فقال: «ألا من ظلم معاهدا أو كلّفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة.» «1» إلى غير ذلك من الأخبار في هذا المجال.

أقول: و إذا كان هذا حال من أخذ من أموال أهل الذمة بغير طيب أنفسهم فكيف حال من توغّل في دماء المسلمين و أموالهم و أعراضهم بلا توقّ و احتياط بمجرد الأحاسيس النفسية و التوهمات و الإلقاءات، اللّهم فأعذنا من موجبات سخطك و عذابك.

نعم، لو كان غاصبا للأموال العامة جاز استردادها بالمصادرة بل وجب، كما مرّ تفصيله في محلّه. هذا.

11- و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده، عن الحسن، قال:

«ليس على أهل الذمة صدقة في أموالهم، و ليس عليهم إلا الجزية.» «2»

12- و في باب أحكام الأرضين من النهاية قال:

«و الضرب الثالث: كلّ أرض صالح أهلها عليها، و هي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النصف أو الثلث أو الرابع، و ليس عليهم غير ذلك.» «3»

13- و في المبسوط في نصارى العرب قال:

«و ينبغي أن تؤخذ منهم الجزية، و لا تؤخذ منهم الزكاة، لأن الزكاة لا تؤخذ إلا من مسلم.» «4»

14- و في موطأ مالك:

«و لا صدقة على أهل الكتاب و لا المجوس في شي ء من أموالهم و لا من مواشيهم

______________________________

(1)- الخراج/ 125.

(2)- الأموال/ 119.

(3)- النهاية/ 195.

(4)- المبسوط 2/ 50.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 450

و لا ثمارهم و لا زروعهم، مضت بذلك السنّة.»

«1»

15- و في خراج أبي يوسف:

«و ليس في شي ء من أموالهم- الرجال منهم و النساء- زكاة إلا ما اختلفوا به في تجارتهم، فإن عليهم نصف العشر.» «2»

أقول: أراد بذلك تضعيف زكاة مال التجارة، كما لا يخفى.

16- و قد مرّ عن الماوردي قوله:

«فإن لم يشترط عليهم الضيافة و مضاعفة الصدقة فلا صدقة عليهم في زرع و لا ثمر، و لا يلزمهم إضافة سائل و لا سابل.» «3»

إلى غير ذلك من الكلمات التي يعثر عليها المتتبع، و قد تعرضنا للمسألة إجمالا في كتابنا في الزكاة، فراجع. «4»

______________________________

(1)- موطأ مالك 1/ 208، كتاب الزكاة، جزية أهل الكتاب و المجوس.

(2)- الخراج/ 123.

(3)- الأحكام السلطانية/ 145.

(4)- كتاب الزكاة 1/ 133.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 451

الجهة الثامنة: في جواز أخذ الجزية من ثمن الخمور و الخنازير و نحوهما من المحرّمات:

1- قال الشيخ في النهاية:

«و لا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب مما أخذوه من ثمن الخمور و الخنازير و الأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها و التصرف فيها.» «1»

2- و في المختلف:

«لا بأس بأخذ الجزية من ثمن المحرمات و عليه علماؤنا، و به قال ابن الجنيد و لكنه قال: و لو علم المسلمون بأن الذميّ أدّاها من ثمن خمر جاز ذلك منه، لا من حوالة على المبتاع للخمر منه. و الأقرب أنه لا فرق بين الحوالة و بين قبضه منه، عملا بالعموم الدالّ على جواز الأخذ من ثمن المحرمات.» «2»

3- و الأصل في المسألة ما رواه في الوسائل بسند صحيح، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن صدقات أهل الذمة و ما يؤخذ من جزيتهم من ثمن خمورهم و خنازيرهم و ميتتهم، قال: «عليهم الجزية في أموالهم، تؤخذ من ثمن لحم الخنزير أو

خمر، فكل ما أخذوا منهم من ذلك فوز ذلك عليهم و ثمنه للمسلمين حلال يأخذونه في جزيتهم.» «3»

4- و فيه أيضا، عن المفيد في المقنعة، قال: و روى محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سأله عن خراج أهل الذمّة و جزيتهم إذا أدّوها من ثمن خمورهم

______________________________

(1)- النهاية/ 194.

(2)- المختلف 1/ 335.

(3)- الوسائل 11/ 117، الباب 70 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 452

و خنازيرهم و ميتتهم أ يحلّ للإمام أن يأخذها و يطيب ذلك للمسلمين؟ فقال:

«ذلك للإمام و المسلمين حلال، و هي على أهل الذمة حرام و هم المحتملون لوزره.» «1»

و من المحتمل اتحاد الروايتين، لاتحاد الراوي و المروي عنه و المضمون، و كان بناء الفقهاء في كتبهم الفقهية على نقل الروايات بمضامينها.

و المقصود بالصدقات في الرواية الأولى الصدقات المضاعفة أو المستحبة أو الخراج المجعول على أراضيهم، حيث إنه يشبه صدقة العشر، و يشهد لذلك رواية المقنعة، فتأمّل.

5- و في دعائم الإسلام: «و عن جعفر بن محمد «ع» «أنه رخص في أخذ الجزية من أهل الذمّة من ثمن الخمر و الخنزير، لأن أموالهم كذلك أكثرها من الحرام و الربا.» «2» و رواه عنه في المستدرك. «3»

6- و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده، عن سويد بن غفلة «أن بلالا قال لعمر بن الخطاب: إن عمالك يأخذون الخمر و الخنازير في الخراج؟ فقال:

لا تأخذوا منهم، و لكن ولّوهم بيعها و خذوا أنتم من الثمن.» «4»

قال ابن قدامة في المغني بعد نقل الخبر:

«و يجوز أخذ ثمن الخمر و الخنزير منهم على جزية رءوسهم و خراج أرضهم، احتجاجا بقول عمر هذا، و لأنها من

أموالهم التي نقرّهم على اقتنائها و التصرف فيها، فجاز أخذ أثمانها منهم كثيابهم.» «5»

أقول: و مقتضى بعض الأخبار أنه يجوز لأنفسهم أيضا بعد ما أسلموا ترتيب آثار

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 118، الباب 70 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 381، كتاب الجهاد- ذكر الصلح و الموادعة و الجزية.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 267، الباب 58 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(4)- الأموال/ 62.

(5)- المغني 10/ 601.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 453

الصحة على هذا السنخ من المعاملات الواقعة منهم حال الكفر: ففي خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «ع»، قال: سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمرا أو خنزيرا إلى أجل فأسلما قبل أن يقبضا الثمن هل يحلّ له ثمنه بعد الإسلام؟ قال: «إنما له الثمن فلا بأس أن يأخذه.» «1»

و قد وردت أخبار مستفيضة تدلّ على جواز اقتضاء الرجل ماله الذي في عهدة غيره من ثمن الخمر و الخنزير، و أكثرها مطلقة و إن كان المذكور في بعضها خصوص الذمي، فراجع الوسائل. «2»

فمن جملة هذه الأخبار صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع» في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه؟ فقال: «لا بأس به، أمّا للمقتضي فحلال، و أمّا للبائع فحرام.»

و في صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع»: «في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا و خنزيرا ثم يقضي منها؟ قال: لا بأس، أو قال: خذها.»

إلى غير ذلك من الأخبار.

و كون موضوع السؤال في بعضها الذمي لا يوجب حمل المطلقات عليه لعدم التنافي.

اللهم إلا أن يقال: إن بيع الخمر و

الخنزير في البلاد الإسلامية في تلك الأعصار لم يكن يصدر إلا من أهل الذمة. هذا.

و نظير هذا الباب ما ورد في جواز بيع المختلط بالميتة ممن يستحلّها، كصحيحة الحلبي، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «إذا اختلط الذكي و الميتة باعه ممن يستحلّ الميتة و أكل ثمنه.» و نحو ذلك صحيحته الأخرى عنه «ع»، فراجع. «3»

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 172، الباب 61 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(2)- راجع الوسائل 12/ 171، الباب 60 من أبواب ما يكتسب به.

(3)- راجع الوسائل 12/ 67 و 68، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 454

و من هذا القبيل أيضا ما ورد في بيع العجين بالماء النجس ممن يستحلّ الميتة:

ففي خبر حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه «ع» في العجين من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: «يباع ممن يستحلّ الميتة.» «1»

و السند إلى حفص صحيح، و الراوي عن حفص، ابن أبي عمير.

و لا يخفى أن الخمر و الخنزير لا ماليّة لهما عند المسلمين و تكون المعاملة عليهما باطلة، فيستفاد من هذه الأخبار الكثيرة جواز إلزام الكفّار بما ألزموا به أنفسهم من صحّة المعاملة عليهما و أخذ ثمنهما، و كذلك الميتة و نحوها.

و لعلّه ينفتح من ذلك باب واسع يمكن أن تنتفع به الدول المسلمة في معاملاتهم مع الدول الأجنبية الكافرة، فتدبّر.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 68، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 455

الجهة التاسعة: فيما إذا مات الذمّي أو أسلم:

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 11):

«إذا وجبت الجزية على الذمي بحول الحول ثم

مات أو أسلم قال الشافعي:

لم تسقط. و قال أبو حنيفة: تسقط. و قال أصحابنا: إن أسلم سقطت، و لم يذكروا الموت.

و الذي يقتضيه المذهب: أنه إذا مات لا تسقط عنه، لأن الحق واجب عليه فيؤخذ من تركته، و به قال مالك.

و أمّا الدليل على أنها تسقط بالإسلام فقوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» فشرط في إعطائها الصغار، و هذا لا يمكن مع الإسلام، فيجب أن تسقط. و أيضا قوله «ص»: «الإسلام يجبّ ما قبله» يفيد سقوطها، لأن عمومه يقتضي ذلك.

و روي عنه «ع» أنه قال: «لا جزية على مسلم.» و ذلك على عمومه في الإعطاء و الوجوب.» «1»

2- و في النهاية:

«و من وجبت عليه الجزية و حلّ الوقت فأسلم قبل أن يعطيها سقطت عنه و لم يلزمه أداؤها.» «2»

3- و في المبسوط:

«و إذا أسلم الذمّي بعد الحول سقطت عنه الجزية، و إن مات لم تسقط عنه و تؤخذ

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 239.

(2)- النهاية/ 193.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 456

من تركته، فإن لم يترك شيئا فلا شي ء على ورثته. و إن أسلم و قد مضى بعض الحول فلا يلزمه شي ء؛ مثل ذلك. و إن مات قبل الحول لا يجب أخذها من تركته، لأنها إنما تجب بحئول الحول، و ما حال.» «1»

4- و في المنتهى:

«إذا مات الذمّي بعد الحول لم تسقط عنه الجزية و أخذت من تركته، و به قال الشافعي و مالك. و قال أبو حنيفة: تسقط، و هو قول عمر بن عبد العزيز. و عن أحمد روايتان ... لو مات في أثناء الحول ففي مطالبته بالقسط نظر؛ أقربه المطالبة، و به قال ابن الجنيد، لأن

الجزية معاوضة عن المساكنة و حقن الدم و إنما أخرنا المطالبة إرفاقا ...

إذا أسلم الذمّي قبل أداء الجزية فإن كان في أثناء الحول سقطت عنه الجزية إجماعا منّا. و إن أسلم بعد حولان الحول ففيه قولان: أحدهما تسقط عنه أيضا ذهب إليه الشيخان و ابن إدريس و أكثر علمائنا، و به قال مالك و الثوري و أبو عبيد و أحمد و أصحاب الرأي. و الثاني لا تسقط، اختاره الشيخ «ره» في الخلاف و به قال الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر.» «2»

أقول: ما حكاه عن الخلاف لم نجده فيه بل مرّ عن الخلاف خلافه، اللّهم إلا أن يقال: إن نسبته إلى أصحابنا لا تدلّ على موافقته بل تشعر بمخالفته.

5- و في الشرائع:

«و إذا أسلم قبل الحول أو بعده قبل الأداء سقطت الجزية على الأظهر. و لو مات بعد الحول لم تسقط و أخذت من تركته كالدين.» «3»

6- و في الجواهر بعد قول المصنف: «على الأظهر» قال:

«بل لا أجد فيه خلافا في الأول، بل في المنتهى و محكي التذكرة الإجماع عليه و هو الحجة، مضافا إلى ما تسمعه في الثاني الذي هو المشهور شهرة عظيمة، بل عن الغنية

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 42.

(2)- المنتهى 2/ 967 و ما بعدها.

(3)- الشرائع 1/ 329 (ط. أخرى/ 251).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 457

الإجماع عليه، و لعلّه كذلك.» «1»

7- و قال الماوردي:

«و لا تجب الجزية عليهم في السنة إلا مرّة واحدة بعد انقضائها بشهور هلالية، و من مات منهم فيها أخذ من تركته بقدر ما مضى منها. و من أسلم منهم كان ما لزم من جزيته دينا في ذمته يؤخذ بها، و أسقطها أبو

حنيفة بإسلامه و موته.» «2»

و أبو يعلى حكم بسقوط الجزية بالإسلام دون الموت كافرا، فراجع «3» و هو حنبلي و الماوردي شافعي.

8- و في خراج أبي يوسف:

«و لا يؤخذ من مسلم جزية رأسه إلا أن يكون أسلم بعد خروج السنة، فإنه إذا أسلم بعد خروجها فقد كانت الجزية وجبت عليه و صارت خراجا لجميع المسلمين فتؤخذ منه. و إن أسلم قبل تمام السنة بيوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو أكثر أو أقل لم يؤخذ بشي ء من الجزية إذا كان أسلم قبل انقضاء السنة. و إن وجبت عليه الجزية فمات قبل أن تؤخذ منه أو أخذ بعضها و بقي البعض لم يؤخذ بذلك ورثته و لم تؤخذ من تركته، لأن ذلك ليس بدين عليه. و كذلك إن أسلم و قد بقي عليه شي ء من جزية رأسه لم يؤخذ بذلك.» «4»

أقول: لما كانت الجزية ضريبة سنوية توضع على أهل الذمّة في قبال الكفّ عنهم و الحماية لهم طول السنة فالقاعدة تقتضي ثبوتها بعقد الذمّة و اشتغال ذمتهم بها. و السقوط بالموت أو بالإسلام بالنسبة إلى ما مضى مخالف للأصل. نعم بالإسلام ينتفي الموضوع بالنسبة إلى ما بعده.

و تعيين وقت المطالبة و تحديده بآخر الحول في العقد لا يوجب عدم تقسيطها

______________________________

(1)- الجواهر 21/ 258.

(2)- الأحكام السلطانية/ 145.

(3)- الأحكام السلطانية/ 160.

(4)- الخراج/ 122.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 458

بحسب أيّام السنة، بداهة أنها ضريبة سنوية توضع بحساب جميع أيّام السنة لا بحساب اليوم الآخر منها، فالسقوط بعد الثبوت يحتاج إلى دليل.

إذا عرفت هذا فنقول: الظاهر أنه لا خلاف و لا إشكال عندنا في عدم سقوطها بالموت بعد الحول، بل تتعلق بالتركة

كسائر الديون خلافا لأبي حنيفة، قال: لأنها عقوبة كالحدّ. و فيه أنه قياس مع الفارق، لما مرّ من أنها ضريبة و معاوضة و إن استلزمت العقوبة أيضا. و الحدود تسقط بالموت لفوات محلّها بخلاف الجزية التي هي أمر مالي يمكن أن تتعلق بالتركة. بل لو مات في أثناء الحول أيضا كان مقتضى القاعدة و الاعتبار التقسيط كما مرّ و إن كان لو لم يمت لم يطالب في الأثناء عملا بمقتضى العقد و إنما يحلّ الأجل بالموت كسائر الديون المؤجلة، فتدبّر.

و أما من أسلم قبل الحول أو بعده قبل أداء الجزية فالمشهور فيهما السقوط، بل مرّ ادعاء الإجماع فيهما و لا سيما في الأوّل.

و استدلّوا لذلك بقوله- تعالى-: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مٰا قَدْ سَلَفَ.» «1»

و بالنبويين المستغنيين بشهرتهما نقلا و عملا عن البحث في سنديهما على ما في الجواهر: «2»

أحدهما قوله «ص»: «الإسلام يجبّ ما قبله.» «3» و قد تعرضنا لسند الحديث و متنه بالتفصيل في المجلد الأول من كتابنا في الزكاة، فراجع. «4»

و الآخر قوله «ص»: «ليس على مسلم جزية.» «5» و رواه البيهقي بسنده، عن ابن

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8)، الآية 38.

(2)- الجواهر 21/ 258.

(3)- مستدرك الوسائل 1/ 580، الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث 2.

(4)- كتاب الزكاة 1/ 137 و ما بعدها.

(5)- مستدرك الوسائل 2/ 270، الباب 61 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 34؛ و الأموال/ 59؛ و سنن أبي داود 2/ 152، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في الذّمي يسلم في بعض السنّة ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 459

عباس، عنه «ص»، قال: «ليس على مؤمن جزية.» «1»

و بالنبويّ

الثالث: «لا ينبغي للمسلم أن يؤدي خراجا.» «2»

و بأن الجزية عقوبة تجب بسبب الكفر، فيسقطها الإسلام.

و بأن وضعها للصغار و الإهانة للرغبة في الإسلام المنزه عنهما المسلم.

و بظهور دليلها في الإعطاء صاغرا، و من المعلوم عدمه في المسلم.

و روي عن مسروق أن رجلا من الشعوب أسلم فكانت تؤخذ منه الجزية فأتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسلمت، فقال: لعلّك أسلمت متعوذا.

فقال: أما في الإسلام ما يعيذني؟ قال: بلى. قال: فكتب (عمر): أن لا تؤخذ منه الجزية. قال أبو عبيد: الشعوب: الأعاجم. «3»

أقول: لو لا وضوح المسألة عند الأصحاب و اشتهارها بينهم بل الإجماع عليها لأمكن الإشكال في كثير مما ذكر بالمناقشة في سند الروايات، و بأن المتبادر من عدم الجزية على المسلم عدمها بلحاظ حال إسلامه لا بلحاظ حال كفره السابق، و لا نسلم كون الجزية عقوبة، بل هي ضريبة توضع في قبال حماية الدولة الإسلامية له، و لا نسلم أن وضعها للصغار و الإهانة. نعم يعطيها صاغرا، و لكنه من المحتمل أن يراد به التسليم و الانقياد في قبال الدولة الحقّة، و ليس هذا إهانة. هذا.

و قد يقال بالنسبة إلى حديث الجبّ: إن الجزية من الديون و لا يجبّها الإسلام.

و فيه أن الظاهر من الحديث جبّ الإسلام لكل ما كان يقتضيه الكفر و إن كان أمرا ماليا.

بل الظاهر جبّه لجميع الواجبات المالية و غيرها بناء على عموم أدلتها للكفّار أيضا كما هو الظاهر. و قد بيّنا ذلك في كتاب الزكاة، فراجع.

و قال في مصباح الفقيه في بيان دلالة الحديث:

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 199، كتاب الجزية، باب الذّمي يسلم فيرفع عنه الجزية ...

(2)- سنن البيهقي 9/ 139، كتاب السير، باب الأرض إذا

كان صلحا ...، نقله عن الشافعي.

(3)- الأموال/ 59.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 460

«فإن مثل الزكاة و الخمس و الكفارات و أشباهها من الحقوق الثابتة في الإسلام بمنزلة القدر المتيقن منها، كما يؤيد ذلك بل يدلّ على أصل المدعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي «ص» و الأئمة القائمين مقامه على عدم مؤاخذة من دخل في الإسلام بشي ء من هذه الحقوق بالنسبة إلى الأزمنة الماضية.» «1»

أقول: اللهم إلا أن يقال: إن عدم مؤاخذتهم بها لعله كان لعدم تعلقها بالكفار لا لجبّ الإسلام إياها.

و كيف كان فبعد الإسلام لا يجوز أخذ الجزية بلا إشكال و لا سيما بالنسبة إلى المستقبل و حال إسلامه.

و لكن في أحكام القرآن للجصاص:

«و قد كان آل مروان يأخذون الجزية ممن أسلم من أهل الذمة و يذهبون إلى أن الجزية بمنزلة ضريبة العبد فلا يسقط إسلام العبد ضريبته.»

قال:

«و هذا خلل في جنب ما ارتكبوه من المسلمين و نقض الإسلام عروة عروة إلى أن ولى عمر بن عبد العزيز فكتب إلى عامله بالعراق عبد الحميد بن عبد الرحمن: أمّا بعد، فإن اللّه بعث محمدا «ص» داعيا و لم يبعثه جابيا، فإذا أتاك كتابي هذا فارفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة. فلما ولي هشام بن عبد الملك أعادها على المسلمين. و كان أحد الأسباب التي لها استجاز القرّاء و الفقهاء قتال عبد الملك بن مروان و الحجاج- لعنهما اللّه- أخذهم (هما- ظ.) الجزية من المسلمين، ثم صار ذلك أيضا أحد اثبات (أسباب- ظ.) زوال دولتهم و سلب نعمتهم.» «2»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الزكاة/ 17.

(2)- أحكام القرآن 3/ 126، باب وقت وجوب الجزية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 3، ص: 461

الجهة العاشرة: في مصرف الجزية:

1- قال الشيخ في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 42):

«ما يؤخذ من الجزية و الصلح و الأعشار من المشركين للمقاتلة المجاهدين. و للشافعي فيه قولان: أحدهما أن جميعه لمصالح المسلمين و يبدأ بالأهم فالأهم، و الأهمّ هم الغزاة. و الباقي للمقاتلة كما قلناه.

هذا إذا قال: إنه لا يخمس، و أما إذا قال: يخمس فأربعة أخماسه تصرف إلى أحد هذين النوعين على القولين. و المصالح مقدمة عندهم.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم في أن الجزية للمجاهدين لا يشركهم فيها غيرهم. و إذا ثبت ذلك ثبت في الكل، لأن الصلح أيضا جزية عندنا. فأمّا الأعشار فإنه يصرف في مصالح المسلمين لأنه لا دليل على تخصيص شي ء منه به دون شي ء.» «1»

أقول: المراد بقوله: «و الباقي» القول الآخر للشافعي، و يمكن أن تكون الكلمة مصحفة: «و الثاني».

2- و في النهاية:

«و كان المستحق للجزية في عهد رسول اللّه «ص» المهاجرين دون غيرهم، و هي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام و الذبّ من سائر المسلمين.» «2»

أقول: إعطاء رسول اللّه «ص» إياها لخصوص المهاجرين لا يدلّ على اختصاصها بهم، فتأمّل.

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 344.

(2)- النهاية/ 193.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 462

3- و في المبسوط:

«و مصرف الجزية مصرف الغنيمة سواء للمجاهدين، و كذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الإسلام لأنه مأخوذ من أهل الشرك.» «1»

و قد ذكر مثل ذلك أيضا العلامة في المنتهى. «2»

4- و في التذكرة:

«تذنيب: مصرف الجزية هو مصرف الغنيمة سواء، لأنه مال أخذ بالقهر و الغلبة فكان مصرفه مصرف المجاهدين كغنيمة دار الحرب.» «3»

أقول: الغنيمة فائدة تحصل دفعة فتقسم في جيش اغتنمها، فلا تقاس عليها

الجزية التي تحصل تدريجا في آخر كل سنة، إذ نسبتها إلى الجيش الفاتح لهذا البلد الخاص قد انقطعت، و لا نسبة لها أيضا إلى الجيوش الاخر، فتدبّر.

5- و في المقنعة:

«و كانت الجزية على عهد رسول اللّه «ص» عطاء المهاجرين، و هي من بعده لمن قام مع الإمام مقام المهاجرين، و فيما يراه الإمام من مصالح المسلمين.» «4»

6- و في السرائر:

«و كان المستحق للجزية على عهد رسول اللّه «ص» المهاجرين دون غيرهم على ما روي، و هي اليوم لمن قام مقامهم مع الإمام في نصرة الإسلام و الذبّ عنه، و لمن يراه الإمام من الفقراء و المساكين من سائر المسلمين.» «5»

7- و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«إن كل مال وصل من المشركين عفوا من غير قتال و لا إيجاف خيل و لا ركاب كمال الهدنة و الجزية و أعشار متاجرهم، أو كان واصلا بسبب من جهتهم كمال

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 50.

(2)- المنتهى 2/ 973.

(3)- التذكرة 1/ 442.

(4)- المقنعة/ 44.

(5)- السرائر/ 110.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 463

الخراج ففيه إذا أخذ منهم أداء الخمس لأهل الخمس مقسوما على خمسة. و قال أبو حنيفة: لا خمس في الفي ء ...

و أما أربعة أخماسه ففيه قولان: أحدهما أنه للجيش خاصة لا يشاركهم فيه غيرهم ليكون معدا لأرزاقهم. و القول الثاني أنه مصروف في المصالح التي منها أرزاق الجيش و ما لا غنى للمسلمين عنه.

و لا يجوز أن يصرف الفي ء في أهل الصدقات، و لا تصرف الصدقات في أهل الفي ء، و يصرف كل واحد من المالين في أهله. و أهل الصدقة من لا هجرة له و ليس من المقاتلة عن المسلمين و لا من حماة البيضة. و

أهل الفي ء هم ذوو الهجرة الذابّون عن البيضة و المانعون عن الحريم و المجاهدون للعدوّ ...» «1»

أقول: الماوردي من علماء الشافعية، و الشافعي قائل بثبوت الخمس في الفي ء بأنواعه. و قد مرّ البحث في ذلك و نفينا نحن ثبوت الخمس في الفي ء و أمثاله من الضرائب و الأموال العامة، فراجع.

و فيما ذكره من عدم جواز صرف الصدقات في أهل الفي ء و بالعكس كلام، إذ من أهمّ مصارف الصدقات سبيل اللّه الشامل لجميع سبل الخير و المصالح العامة و منها الجهاد في سبيل اللّه كما أن من أهمّ المصالح العامة سدّ خلّات المسلمين و رفع حاجة المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى منهم كما أوصى بذلك أمير المؤمنين «ع» في كتابه لمالك حين ولّاه مصر. و بالجملة فالتباين بين المصرفين غير واضح. هذا.

8- و راجع في مصرف الجزية الأحكام السلطانية لأبي يعلى. «2»

و في مصرف الفي ء الذي من أقسامه الجزية المغني لابن قدامة. و قد حكى فيه عن أحمد أن الفي ء بأنواعه حق لكل المسلمين غنيهم و فقيرهم.

و فيه عن القاضي قال:

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 126- 127.

(2)- الأحكام السلطانية/ 136.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 464

«و معنى كلام أحمد: أنه بين الغني و الفقير، يعني الغني الذي فيه مصلحة المسلمين من المجاهدين و القضاة و الفقهاء ... و سياق كلامه يدلّ على أنه ليس مختصا بالجند و إنما هو مصروف في مصالح المسلمين لكن يبدأ بجند المسلمين لأنهم أهمّ المصالح لكونهم يحفظون المسلمين فيعطون كفاياتهم، فما فضل قدم الأهمّ فالأهمّ من عمارة الثغور و كفايتها فالأسلحة و الكراع و ما يحتاج إليه، ثم الأهم فالأهم من عمارة المساجد و القناطر

و إصلاح الطرق و كراء الأنهار و سدّ بثوقها، و أرزاق القضاة و الأئمة و المؤذّنين و الفقهاء و نحو ذلك مما للمسلمين فيه نفع.» «1»

أقول: و قد تحصل مما ذكرناه من الكلمات أن في مصرف الجزية قولين: أحدهما أنها بحكم الغنيمة فتختص بالمقاتلين. و الثاني أنها من أنواع الفي ء، و مصرف الفي ء مصالح المسلمين بشعبها المختلفة و منها مصارف المقاتلين. و لعلّ عمدة نظر الفريق الأول إلى أن الجزية كأنها نتيجة الحرب و فداء عن النفوس التي وقعت في معرض القتل أو الأسر، و الأسارى يعدّون من جملة الغنائم كما مرّ. هذا.

و الأصل في المسألة عندنا:

1- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه «ص» فقال: «إن أمير المؤمنين «ع» قد سار في أهل العراق بسيرة، فهي إمام لسائر الأرضين.»

و قال: «إن أرض الجزية لا ترفع عنهم الجزية، و إنما الجزية عطاء المهاجرين. و الصدقات لأهلها الذين سمّى اللّه في كتابه ليس لهم في الجزية شي ء.» ثم قال: «ما أوسع العدل، إن الناس يتّسعون (يستغنون- الفقيه) إذا عدل فيهم و تنزل السماء رزقها و تخرج الأرض بركتها بإذن اللّه- تعالى-.»

رواها الفقيه «2»، و التهذيب «3». و لكن في الفقيه: «عطاء المجاهدين».

______________________________

(1)- المغني 7/ 307- 308.

(2)- الفقيه 2/ 53، باب الخراج و الجزية، الحديث 1677.

(3)- التهذيب 4/ 118، باب مستحقّ عطاء الجزية من المسلمين، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 465

و رواها في الوسائل «1» عن المشايخ الثلاثة، و لكني لم أجده في الكافي.

2- و في دعائم الإسلام، عن أبي جعفر محمد بن علي «ع»

أنه قال: «الجزية عطاء المجاهدين، و الصدقة لأهلها الذين سمّاهم اللّه- تعالى- في كتابه ليس من الجزية في شي ء.» ثم قال: «ما أوسع العدل، إن الناس يستغنون إذا عدل عليهم.» «2» و رواه عنه في المستدرك. «3»

3- خبر ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن أرض الجزية لا ترفع عنها الجزية، و إنما الجزية عطاء المهاجرين، و الصدقة لأهلها الذين سمّى اللّه في كتابه فليس لهم من الجزية شي ء.» ثم قال: «ما أوسع العدل.» ثم قال: «إن الناس يستغنون إذا عدل بينهم و تنزل السماء رزقها و تخرج الأرض بركتها بإذن اللّه.»

رواه في الوسائل «4» عن الكليني بسند لا بأس به، إلّا أن فيه سهلا و الأمر فيه سهل، و عن المقنعة أيضا مرسلا. و عبّر عنه في الجواهر «5» بالصحيح، و لعله منه سهو.

و هل يراد بالمهاجرين في الخبرين خصوص من هاجر في صدر الإسلام في عصر النبي «ص» إلى المدينة المنورة أو الأعمّ منهم؟ يبعد جدا إرادة الأول، إذ هم لم يبقوا إلى عصر الصادقين «ع»، و حكم الجزية عامّ ثابت في جميع الأعصار، فلا محالة يراد بهم جنود الإسلام المهاجرين من بلادهم إلى صفوف القتال أو إلى الثغور، فينطبق قهرا على المجاهدين. و حيث إن مصارف الصدقة سبيل اللّه و من أظهر مصاديقه الجهاد بلا إشكال فلا محالة لا يمكن الحكم بتباين المصرفين بالكلية. فلعل المراد بمصرف الصدقة في هذه الأخبار مصرفها الغالب، أعني الفقراء و المساكين. و قد كانت الصدقات تقسم غالبا في المحل: تقسم صدقات البوادي في البوادي

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 117، الباب 69 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 380، كتاب الجهاد-

ذكر الصلح و الموادعة و الجزية.

(3)- مستدرك الوسائل 2/ 267، الباب 57 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1.

(4)- الوسائل 11/ 69، الباب 69 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1، عن الكافي 3/ 568، و عن المقنعة/ 45.

(5)- الجواهر 21/ 262.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 466

و صدقات أهل الحضر في أهل الحضر كما نطقت بذلك الأخبار. «1»

فلم يكن يبقى منها غالبا ما يصرف في المهاجرين المجاهدين في سبيل اللّه، فخصّ بهم الخراج و الجزية و نحوهما مما كان يؤخذ من الكفار، و مع وجودهم عند الإمام و احتياجهم يقدمون بحسب المصلحة على أكثر المصالح العامة قطعا، فلا تصرف الجزية قهرا في فقراء المحل بما هم فقراء فقط، إذ على الإمام أن يراعي فيها ما هو الأهمّ من المصالح العامة. و بالجملة، فالتباين بين المصرفين كان في مقام العمل و الابتلاء خارجا بملاحظة الأعم الأغلب، فتدبّر.

ثم لو سلّم كون الجزية كالغنيمة بحسب المصرف لكونها مثلها في الأخذ من أهل الشرك بالقهر و الغلبة كما مرّ في بعض الكلمات فنقول:

قد مرّ منّا في مبحث الغنائم أنها أيضا تكون تحت اختيار الإمام، فله أن يصرفها فيما يراه صلاحا و لا يتعين فيها التقسيم بين المقاتلين: ففي مرسلة حمّاد الطويلة قال في شأن الغنيمة: «و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله، و قسم الباقي على من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي ء فلا شي ء لهم. الحديث.» «2»

و بالجملة فالأقوى في مصرف الجزية بل مطلق الفي ء هو صرفها

فيما يراه الإمام من مصالح المسلمين، كما مرّ من المقنعة. نعم، مع وجود المهاجرين المجاهدين و احتياجهم لا تصل النوبة غالبا إلى غيرهم فإن إدارة شئونهم من أهمّ المصالح العامة، فتدبّر.

و لعلّ الخلفاء في عصر الأئمة «ع» كانوا يستبدّون و يستأثرون بالفي ء و الجزايا فيصرفونها في حواشيهم و المحامين لهم باسم الاحتياج و الفقر و كانت مصارف المجاهدين في الثغور مهملة، فكانت الروايات التي مرّت ناظرة إليهم.

______________________________

(1)- راجع الوسائل 6/ 183، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 467

و يشبه أن يكون مصرف الجزية و الخراج واحدا، لأنهما من الفي ء و مصرف الفي ء بأنواعه واحد، بل ربما أطلق لفظ الجزية على الخراج و بالعكس:

ففي رواية إبراهيم بن أبي زياد، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض الجزية، قال: فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «1» فتأمّل.

و في حديث ابن عباس، قال: سئل رسول اللّه «ص» عن الجزية عن يد، قال:

«جزية الأرض و الرقبة، جزية الأرض و الرقبة.» «2»

و في صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دماءهم و أموالهم؟ قال: «الخراج، و إن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم.

الحديث.» «3»

و قد ورد في مصرف خراج الأرض المفتوحة عنوة في مرسلة حماد قوله: «و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك

قليل و لا كثير.» «4»

فيماثله مصرف الجزية أيضا.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

(2)- الدّر المنثور 3/ 228.

(3)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(4)- الوسائل 11/ 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 468

الجهة الحادية عشرة: في معنى الصغار المذكور في الآية و الإشارة إلى ماهية الجزية و تاريخها:

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 5):

«الصغار المذكور في آية الجزية هو التزام الجزية على ما يحكم به الإمام من غير أن تكون مقدّرة. و التزام أحكامنا عليهم. و قال الشافعي: هو التزام أحكامنا عليهم.

و من الناس من قال: هو وجوب جري أحكامنا عليهم. و منهم من قال: الصغار أن يؤخذ الجزية منه قائما و المسلم جالس.

دليلنا إجماع الفرقة على أن الصغار هو أن لا يقدر الجزية فيوطّن نفسه عليها، بل تكون بحسب ما يراه الإمام مما يكون معه صاغرا. و أيضا قوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» فجعل الصغار شرطا لرفع السيف، فمن قال: إنه لا يرفع حتى تجري أحكامنا و حتى يعطوا الجزية خالف الظاهر.» «1»

أقول: فالشيخ «ره» حمل قوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ» على معنى: «حتى يلتزموا بإعطاء الجزية»، و حمل قوله: «وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» على معنى: «حتى يلتزموا بأحكام الإسلام»، فتأمّل.

2- و قال في المبسوط:

«و أما التزام أحكامنا و جريانها عليهم فلا بدّ منه أيضا، و هو الصغار المذكور في الآية. و في الناس من قال: إن الصغار هو وجوب جري أحكامنا عليهم. و منهم من قال: الصغار أن تؤخذ منهم الجزية قائما و المسلم جالس.» «2»

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 238.

(2)- المبسوط 2/ 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 469

3- و في جهاد التذكرة:

«مسألة: اختلف علماؤنا في الصغار فقال ابن الجنيد: إنه عبارة عن أن يشترط عليهم وقت العقد إجراء أحكام المسلمين عليهم إذا كانت الخصومات بينهم و بين المسلمين أو يتحاكموا إلينا في خصوماتهم، و أن تؤخذ منهم و هم قيام على الأرض.

قال الشيخ: الصغار: التزام أحكامنا و إجراؤها عليهم.

و قال الشافعي: هو أن يطأطأ رأسه عند التسليم فيأخذ المستوفي بلحيته و يضربه في لهازمه، و هو واجب في أحد قوليه حتى لو وكّل مسلما بالأداء لم يجز، و إن ضمن المسلم الجزية لم يصح، لكن يجوز إسقاط هذه الإهانة مع اسم الجزية عند المصلحة بتضعيف الصدقة.» «1»

و راجع في هذه المسألة المنتهى أيضا و المختلف «2».

4- و قال الشافعي في الأمّ:

«سمعت عددا من أهل العلم يقولون: الصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام.

و ما أشبه ما قالوا بما قالوا لامتناعهم من الإسلام، فإذا جرى عليهم حكمه فقد أصغروا بما يجري عليهم منه.» «3»

أقول: الظاهر أن الأمّ يشتمل على الفتاوى الأخيرة للشافعي.

5- و في منهاج النووي في فقه الشافعية:

«و تؤخذ بإهانة فيجلس الآخذ و يقوم الذمي و يطأطأ رأسه و يحني ظهره و يضعها في الميزان، و يقبض الآخذ لحيته و يضرب لهزمتيه، و كلّه مستحب، و قيل: واجب.

فعلى الأول له توكيل مسلم بالأداء و حوالة عليه و أن يضمنها. قلت: هذه الهيئة باطلة، و دعوى استحبابها أشدّ خطأ، و اللّه أعلم.» «4»

6- و في مغني المحتاج في ذيل قول المنهاج: «هذه الهيئة باطلة» قال:

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 442.

(2)- المنتهى 2/ 967؛ و المختلف/ 334.

(3)- الأمّ 4/ 99، الصغار مع الجزية.

(4)- المنهاج (المطبوع مع شرحه السراج الوهّاج)/ 551.

دراسات في ولاية

الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 470

«لأنها لا أصل لها من السنّة و لا نقل عن فعل أحد من السلف ... قال في زيادة الروضة: و إنما ذكرها طائفة من الخراسانيين. و قال جمهور الأصحاب تؤخذ الجزية برفق كأخذ الديون.» «1»

7- و في تفسير الكشّاف في تفسير الآية الشريفة قال:

«تؤخذ منهم على الصغار و الذلّ، و هو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب و يسلّمها و هو قائم و المتسلّم جالس. و أن يتلتل تلتلة و يؤخذ بتلبيبه و يقال له: أدّ الجزية، و إن كان يؤدّيها و يزخّ في قفاه». «2»

أقول: اللهزمة كزبرجة: العظم الناتئ في اللحى تحت الأذن. و التلبيب الثوب الواقع على اللبة، أي المنحر. و تلّه: صرعه. و تلتله: زعزعه و أقلقه و زلزله. و زخّه: دفعه في وهدة. هذا.

و لا يخفى أن الهيئات المذكورة في كلماتهم لا تناسب ثقافة الإسلام و ما نعرفه من سيرة النبي «ص» و الأئمة الهداة «ع»، و يشبه أن تكون متخذة من سيرة الأمويين و عمّالهم، حيث كانوا يعاملون غير العرب بل من لم يكن من قومهم معاملة خشنة.

و الإسلام بري ء من هذه الأعمال الخشنة و من الميزات الطائفية و العنصرية.

و في كتاب أمير المؤمنين «ع» لمالك حين ولّاه مصر: «و أشعر قلبك الرحمة للرعيّة و المحبّة لهم و اللطف بهم، و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ...» «3»

و قد روي أن النبي «ص» قام لجنازة يهودي فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال:

«أ ليست نفسا». «4»

فهذا منهج الإسلام و ثقافته في الكافر الذي تحت لوائه و ذمته حتى

بالنسبة إلى

______________________________

(1)- مغني المحتاج 4/ 250.

(2)- تفسير الكشّاف 2/ 184 (ط. أخرى 2/ 263).

(3)- نهج البلاغة، فيض/ 993؛ عبده 3/ 93؛ لح/ 427، الكتاب 53.

(4)- صحيح البخاري 1/ 228، باب من قام لجنازة يهوديّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 471

جنازته و نعشه، لا أن يؤخذ منه ماله ثم تضرب لهزمته أو يزخّ في قفاه و يتلتل، فتدبّر.

و هناك أخبار تدلّ على الإرفاق بأهل الذمة في جباية الجزية منهم و عدم جواز ضربهم لذلك و وجوب إمهالهم مع الإعواز، و سنذكرها في مسألة الخراج لاشتراكهما في هذا الحكم، فانتظر. هذا.

8- و في الدرّ المنثور عن ابن عباس في قوله: «عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» قال:

«و لا يلكزون.» «1»

9- و فيه أيضا عن سلمان في قوله: «وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» قال: «غير محمودين.» «2»

10- و فيه أيضا عن المغيرة:

«أنه بعث إلى رستم فقال له رستم إلى م تدعو؟ فقال له: أدعوك إلى الإسلام، فإن أسلمت فلك مالنا و عليك ما علينا. قال: فإن أبيت؟ قال: فتعطي الجزية عن يد و أنت صاغر، فقال لترجمانه: قل له: أمّا إعطاء الجزية فقد عرفتها فما قولك: و أنت صاغر؟ قال: تعطيها و أنت قائم و أنا جالس و السوط على رأسك.» «3»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 3، ص: 471

أقول: ليس قول مغيرة من الحجج الشرعية مع ما نعرفه من سابقته و لاحقته. هذا.

و قد أشرنا في صدر المسألة إلى أن الجزية ضريبة تؤخذ عوضا عن الكفّ عنهم و عن

حرماتهم و مشاعرهم و الحماية لهم و تمتعهم بمزايا الدولة الإسلامية، و أن يعامل كل واحد منهم كمواطن مسلم إذا التزموا بشرائط الذمة، و ليست مفروضة بداعي العقوبة و الإهانة و التذليل، نعم يلازم قبولها نوعا من التسليم و الانقياد، و هذا شأن كل ضريبة، و لا غنى للحكومات عن الأموال و الضرائب.

قال المفيد في المقنعة:

«و جعلها- تعالى- حقنا لدمائهم و منعا من استرقاقهم و وقاية لما عداها من أموالهم.» «4»

و يستفاد هذا من نصوص المعاهدات التي عقدها النبي «ص» و الخلفاء

______________________________

(1)- الدّرّ المنثور 3/ 228.

(2)- الدّرّ المنثور 3/ 228.

(3)- الدّرّ المنثور 3/ 228.

(4)- المقنعة/ 44.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 472

و أمراؤهم مع أهل الكتاب.

ففيما كتبه النبي «ص» لأهل نجران: «و لنجران و حاشيتها جوار اللّه و ذمة محمد النبي رسول اللّه على أموالهم و أنفسهم و أرضهم و ملتهم و غائبهم و شاهدهم و عشيرتهم و بيعهم و كل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. لا يغيّر أسقف من أسقفيته و لا راهب من رهبانيته و لا كاهن من كهانته، و ليس عليه دنيّة (و ليس عليهم ربّيّة- الوثائق) و لا دم جاهلية و لا يخسرون و لا يعسرون (و لا يحشرون و لا يعشرون- الوثائق) و لا يطأ أرضهم جيش، و من سأل منهم حقّا فبينهم النصف غير ظالمين و لا مظلومين ...» «1»

أقول: قوله: «لا يحشرون» أي لا يندبون إلى المغازي و لا تضرب عليهم البعوث.

و قيل: لا يجلون من أوطانهم و «لا يعشرون» أي لا يؤخذ منهم العشر. هذا.

و لما صالح أبو عبيدة بن الجراح أهل بلاد الشام ثم تتابعت الأخبار عليه بأن

الروم قد جمعوا لهم جمعا لم ير مثله اشتدّ ذلك عليه و على المسلمين فكتب إلى كل وال ممن خلّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردّوا عليهم ما جبي منهم من الجزية و الخراج، و كتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع و أنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم و أنا لا نقدر على ذلك، و قد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، و نحن لكم على الشرط و ما كتبنا بيننا و بينكم إن نصرنا اللّه عليهم. فلما قالوا ذلك لهم و ردّوا عليهم الأموال التي جبوها منهم، قالوا:

ردّكم اللّه علينا و نصركم عليهم، فلو كانوا هم لم يردّوا علينا شيئا و أخذوا كل شي ء بقي لنا حتى لا يدعوا لنا شيئا. «2»

و مقدار الجزية قليل ضئيل بالنسبة إلى ما يلتزم به المسلمون و يضرب عليهم من الزكوات و الأخماس و إعداد وسائل الجهاد و الخدمات العسكرية و غيرها، فكيف يسمّون هذه عقوبة.

و في كتاب آثار الحرب للدكتور وهبة الزحيلي قال:

«و الجزية ليست من مبتدعات الإسلام، و إنما كانت مقرّرة عند مختلف الأمم التي

______________________________

(1)- الخراج لأبي يوسف/ 72، و الوثائق السياسية/ 176، الرقم 94.

(2)- الخراج لأبي يوسف/ 139.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 473

سبقته كبني إسرائيل و اليونان و الرومان و البيزنطيين و الفرس، و كان أوّل من سنّ الجزية من الفرس كسرى أنو شروان، و هو الذي رتّب أصولها و جعله طبقات، إذن فالحالة العامة بين الأمم كانت تألف نظام الجزية و الإسلام أقرّ ذلك فقط.» «1»

و راجع في هذا المجال تفسير المنار أيضا. «2»

و كم فرقا

بين ما أقرّه الإسلام و بين ما كان يضعه الفاتحون على الأمم المغلوبة المقهورة، كما هو واضح.

و بالجملة فيظهر من الأخبار و السير أن الجزية كانت ضريبة بتّة عادلة يأخذها إمام المسلمين من أهل الكتاب عوضا عن الزكوات و الأخماس التي كانت تؤخذ من المسلمين. و الدولة لا مناص لها من الأموال التي بها يقوم الملك و تدار شئونه و بها يدفع عن البلاد و العباد.

قال في تفسير المنار:

«إن الجزية في الإسلام لم تكن كالضرائب التي يضعها الفاتحون على من يتغلبون عليهم فضلا عن المغارم التي يرهقونهم بها، و إنما هي جزاء قليل على ما تلتزمه الحكومة الإسلامية من الدفاع عن أهل الذمة و إعانة للجند الذي يمنعهم أي يحميهم ممن يعتدي عليهم كما يعلم من سيرة أصحاب رسول اللّه «ص»، و هم أعلم الناس بمقاصد الشريعة و أعدلهم في تنفيذها، و الشواهد على ذلك كثيرة أوردنا طائفة منها في تفسير الآية.» «3»

و قال أستاذه الشيخ محمد عبده في بعض مقالاته ما ملخصه:

«قالوا: إن الدين الإسلامي دين جهادي شرع في القتال، و في طبيعته روح الشدة على من يخالفه و ليس فيها الصبر و المسالمة اللّذان تقضي بهما شريعة المسيح حيث ورد فيها: «من ضربك على خدّك الأيسر فأدر له خدّك الأيمن.» «من سخرك

______________________________

(1)- آثار الحرب/ 693.

(2)- المنار 10/ 292.

(3)- المنار 11/ 282.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 474

ميلا فسر معه ميلين.»

قلنا: بل طبيعة الإسلام هو العفو و المسامحة، قال- تعالى-: «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ» «1» و إنما القتال فيه لردّ اعتداء المعتدين على الحق و أهله إلى أن يؤمن شرهم و تضمن

السلامة من غوائلهم. و لم يكن ذلك للإكراه في الدين و لا للانتقام من مخالفيه و لهذا لا تسمع في تاريخ الفتوح الإسلامية ما تسمعه في الحروب المسيحية من قتل الشيوخ و النساء و الأطفال.

الإسلام الحربي كان يكتفي من الفتح بإدخال الأرض المفتوحة تحت سلطانه ثم يترك الناس و ما كانوا عليه من الدين يؤدّون ما يجب عليهم في اعتقادهم، و إنما يكلّفهم بجزية يدفعونها لتكون عونا على صيانتهم و المحافظة على أمنهم في ديارهم، و هم في عقائدهم و معابدهم و عاداتهم بعد ذلك أحرار لا يضايقون في عمل و لا يضامون في معاملة.

خلفاء المسلمين كانوا يوصون قوّادهم باحترام العبّاد في الصوامع و الأديار كما كانوا يوصونهم باحترام دماء النساء و الأطفال و كل من لم يعن على القتال.

جاءت السنّة المتواترة بالنهي عن إيذاء أهل الذمّة و بتقرير ما لهم من الحقوق على المسلمين: «لهم ما لنا و عليهم ما علينا.» و «من آذى ذميا فليس منّا.» و استمرّ العمل على ذلك ما استمرت قوة الإسلام.

و المسيحية السلمية كانت ترى لها حق القيام على كل دين يدخل تحت سلطانها؛ تراقب أعمال أهله و تخصصهم دون الناس بضروب من المعاملة لا يحتملها الصبر مهما عظم حتى إذا تمت لها القدرة على طردهم بعد العجز عن إخراجهم من دينهم و تعميدهم، أجلتهم عن ديارهم و غسلت الديار من آثارهم كما حصل و يحصل في كل أرض استولت عليها أمة مسيحية استيلاء حقيقيا ...» «2»

أقول: فأهل الذمّة بعد عقدها و العمل بشرائطها يعيشون بين المسلمين في ظلّ

______________________________

(1)- سورة الأعراف (7)، الآية 199.

(2)- الإسلام و النصرانيّة مع العلم و المدنيّة/ 65- 67.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 475

حكومتهم عيشة حرّة آمنين في الأموال و الأعراض و النفوس، لهم ما لهم و عليهم ما عليهم. بل الشواهد التاريخية تشهد بأنهم ربما كانوا يؤثرون العيش في ظلّ الدولة الإسلامية العادلة على البقاء تحت لواء الحكومات المسيحية الدارجة المستكبرة.

و اليهود كانوا عائشين في البلاد الإسلامية قرونا متطاولة برفق و تلطف و أمن في الأموال و النفوس في حال أن الدول المسيحية و في رأسهم الحكومة النازية كانت تضغط عليهم و تستأصلهم. و من المؤسف عليه أنهم قد جازوا المسلمين بأحسن الجزاء في مجازر فلسطين و لبنان، و كأن غرامة جنايات الدول الأوربيّة الظالمة كانت على عهدة أطفال المسلمين و نسائهم و مستضعفيهم!!

اللهم! فأيقظ المسلمين من سباتهم الغالب عليهم و ادفع عنهم و عن بلادهم شر الصهاينة و عملاء الكفر و الفساد.

و لا يحصل هذا إلّا بوحدة المسلمين و اتحاد صفوفهم حتى كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ، و إحساسهم بوظيفة الدفاع عن حرمات اللّه و حرمات المسلمين، فإن اللّه- تعالى- يقول: «إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ حَتّٰى يُغَيِّرُوا مٰا بِأَنْفُسِهِمْ.» «1»

______________________________

(1)- سورة الرعد (13)، الآية 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 476

الجهة الثانية عشرة: في إشارة إجمالية إلى شرائط الذمة:
[بعض الكلمات من أعاظم الفقهاء]

أقول: شرائط الذمة كثيرة و بابها واسع و البحث فيها تفصيلا لا يناسب المقام، حيث إن بحثنا هنا في المنابع المالية للدولة الإسلامية، فلنكتف في هذه الجهة بنقل بعض الكلمات من أعاظم الفقهاء و نعقبها بسرد بعض الأخبار المناسبة و نحيل البحث التفصيلي و الاستدلال عليها إلى مظانّه و أهله فنقول:

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 22):

«أهل الذمة إذا فعلوا ما يجب به الحدّ مما يحرم في شرعهم مثل الزنا و اللواطة

و السرقة و القتل و القطع أقيم عليهم الحدّ بلا خلاف، لأنهم عقدوا الذمة بشرط أن تجري عليهم أحكامنا.

و إن فعلوا ما يستحلّونه مثل شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و نكاح المحرمات فلا يجوز أن يتعرض لهم ما لم يظهروه بلا خلاف. فإن أظهروه و أعلنوه كان للإمام أن يقيم عليهم الحدود. و قال جميع الفقهاء: ليس له أن يقيم الحدود التامّة بل يعزّرهم على ذلك لأنهم يستحلّون ذلك و يعتقدون إباحته.

دليلنا الآيات الموجبات لإقامة الحدود، و هي على عمومها، و إنما خصصنا حال الاستتار بدليل الإجماع. و أيضا عليه إجماع الفرقة.» «1»

2- و في جهاد النهاية:

«و شرائط الذمة: الامتناع من مجاهرة المسلمين بأكل لحم الخنزير و شرب الخمور و أكل الربا و نكاح المحرمات في شريعة الإسلام، فمتى فعلوا شيئا من ذلك فقد

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 242.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 477

خرجوا من الذمة و جرى عليهم أحكام الكفّار.» «1»

أقول: و ظاهره الإطلاق، فيعمّ ما إذا شرط عليهم ذلك في العقد و ما إذا لم يشرط، اللّهم إلا أن يراد بالشرائط خصوص ما يشرط في العقد.

3- و في جهاد المبسوط:

«و من تقبل منه الجزية إنما تقبل منه إذا التزم شرائط الذمة، و هي الامتناع عن مجاهرة المسلمين بأكل لحم الخنزير و شرب الخمر و أكل الربا و نكاح المحرمات في شرع الإسلام، فمتى لم يقبلوا ذلك أو شيئا منه لا تقبل منهم الجزية. و إن قبلوا ذلك ثم فعلوا شيئا من ذلك فقد خرجوا من الذمة و جرى عليهم أحكام الكفّار.» «2»

4- و في كتاب الجزايا منه:

«و أما عقد الجزية فهو الذمّة و لا يصح إلّا بشرطين:

التزام الجزية و أن يجري عليهم أحكام المسلمين مطلقا من غير استثناء. فالتزام الجزية و ضمانها لا بدّ منه لقوله- تعالى-: «قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ» إلى قوله: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ» «3» و حقيقة الإعطاء هو الدفع غير أن المراد هاهنا الضمان و إن لم يحصل الدفع.

و أما التزام أحكامنا و جريانها عليهم فلا بدّ منه أيضا و هو الصغار المذكور في الآية.

و في الناس من قال: إن الصغار هو وجوب جري أحكامنا عليهم. و منهم من قال:

الصغار أن تؤخذ منهم الجزية قائما و المسلم جالس.» «4»

5- و فيه أيضا:

«المشروط في عقد الذمة ضربان: أحدهما يجب عليهم فعله، و الآخر يجب عليهم الكف عنه.

فما يجب عليهم فعله على ضربين: أحدهما بذل الجزية و الآخر التزام أحكام

______________________________

(1)- النهاية/ 292.

(2)- المبسوط 2/ 13.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 29.

(4)- المبسوط 2/ 37.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 478

المسلمين. و لا بد من ذكر هذين الشرطين في عقد الجزية لفظا و نطقا، فإن أغفل ذكرهما أو ذكر أحدهما لم ينعقد، لقوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ.» «1» و الصغار التزام أحكام المسلمين و إجراؤها عليهم.

و أما ما يجب الكفّ عنه فعلى ثلاثة أضرب: ضرب فيه منافاة الأمان، و ضرب فيه ضرر على المسلمين، و ضرب فيه إظهار منكر في دار الإسلام. فذكر هذه الأشياء كلّها تأكيد و ليس بشرط في صحة العقد.

فأما ما فيه منافاة الأمان فهو أن يجتمعوا على قتال المسلمين، فمتى فعلوا ذلك نقضوا العهد، و سواء شرط ذلك في عقد الذمة أو لم يشرط لأن شرط الذمة يقتضي أن يكونوا في أمان

من المسلمين و المسلمون في أمان منهم.

و أما ما فيه ضرر على المسلمين يذكر فيه ستة أشياء: ألّا يزني بمسلمة و لا يصيبها باسم نكاح، و لا يفتن مسلما عن دينه، و لا يقطع عليه الطريق، و لا يؤوي للمشركين عينا، و لا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتب كتاب إلى أهل الحرب بأخبار المسلمين و يطلعهم على عوراتهم، فإن خالفوا شرطا من هذه الشرائط نظر فإن لم يكن مشروطا في عقد الذمة لم ينقض العهد لكن إن كان ما فعله يوجب حدّا أقيم عليه الحد فإن لم يوجبه عزر. و إن كان مشروطا عليه في عقد الذمة كان نقضا للعهد لأنه فعل ما ينافي الأمان.

فأما إذا ذكر اللّه- تعالى- أو نبيّه بالسبّ فإنه يجب قتله و يكون ناقضا للعهد ...

و أما ما فيه إظهار منكر في دار الإسلام و لا ضرر على المسلمين فيه فهو إحداث البيع و الكنائس و إطالة البنيان و ضرب النواقيس و إدخال الخنازير و إظهار الخمر في دار الإسلام، فكلّ هذا عليه الكفّ عنه، سواء كان مشروطا أو غير مشروط فإن عقد الذمة يقتضيه، و إن خالفوا ذلك لم ينتقض ذمته، سواء كان مشروطا عليه أو لم يكن لكن يعزّر فاعله أو يحدّ إن كان مما يوجب الحدّ.

و قد روى أصحابنا أنّهم متى تظاهروا بشرب الخمر أو لحم الخنزير أو نكاح

______________________________

(1)- سورة التوبة (9)، الآية 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 479

المحرمات في شرع الإسلام نقضوا بذلك العهد. و كل موضع قلنا ينتقض عهدهم فأول ما يعمل به أن يستوفي منه بموجب الجرم (الحدّ خ. ل) ثم بعد ذلك يكون الإمام بالخيار بين

القتل و الاسترقاق و المن و الفداء ...» «1»

6- و في جهاد الشرائع:

«الثالث في شرائط الذمة و هي ستة: الأول: قبول الجزية، الثاني: أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان مثل العزم على حرب المسلمين، أو إمداد المشركين. و يخرجون عن الذمة بمخالفة هذين (الشرطين). الثالث: أن لا يؤذوا المسلمين: كالزنا بنسائهم و اللواط بصبيانهم و السرقة لأموالهم و إيواء عين المشركين و التجسس لهم، فإن فعلوا شيئا من ذلك و كان تركه مشترطا في الهدنة كان نقضا. و إن لم يكن مشترطا كانوا على عهدهم و فعل بهم ما يقتضيه جنايتهم من حدّ أو تعزير. و لو سبّوا النبي «ص» قتل السابّ، و لو نالوه بما دونه عزّروا إذا لم يكن شرط عليهم الكفّ. الرابع: أن لا يتظاهروا بالمناكير: كشرب الخمر و الزنا و أكل لحم الخنزير و نكاح المحرمات، و لو تظاهروا بذلك نقض العهد. و قيل: لا ينقض بل يفعل بهم ما يوجبه شرع الإسلام من حدّ أو تعزير. الخامس: أن لا يحدثوا كنيسة و لا يضربوا ناقوسا و لا يطيلوا بناء، و يعزّرون لو خالفوا، و لو كان تركه مشترطا في العهد انتقض.

السادس: أن يجري عليهم أحكام المسلمين.» «2»

أقول: الظاهر أن المراد بأحكام المسلمين ما يحكم به حاكم المسلمين من الحدود و الأحكام الاجتماعية و الجزائية لا الأحكام الشخصية.

7- و في الأحكام السلطانية للماوردي:

«و يشترط عليهم في عقد الجزية شرطان: مستحق و مستحب:

أما المستحقّ فستة شروط: أحدها: أن لا يذكروا كتاب اللّه- تعالى- بطعن فيه و لا تحريف له. و الثاني: أن لا يذكروا رسول اللّه «ص» بتكذيب له و لا ازدراء.

و الثالث: أن لا يذكروا دين الإسلام بذم له و لا

قدح فيه. و الرابع: أن لا يصيبوا

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 43.

(2)- الشرائع 1/ 329 (طبعة أخرى/ 251).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 480

مسلمة بزنا و لا باسم نكاح. و الخامس: أن لا يفتنوا مسلما عن دينه و لا يتعرضوا لماله و لا دينه. و السادس: أن لا يعينوا أهل الحرب و لا يؤدّوا أغنياءهم. فهذه الستة حقوق ملتزمة فتلزمهم بغير شرط. و إنما تشترط إشعارا لهم و تأكيدا لتغليظ العهد عليهم و يكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم.

و أما المستحبّ فستة أشياء: أحدها: تغيير هيئاتهم بلبس الغيار و شدّ الزنار.

و الثاني: أن لا يعلوا على المسلمين في الأبنية و يكونوا إن لم ينقصوا مساوين لهم.

و الثالث: أن لا يسمعوهم أصوات نواقيسهم و لا تلاوة كتبهم و لا قولهم في عزير و المسيح. و الرابع: أن لا يجاهروهم بشرب خمورهم و لا بإظهار صلبانهم و خنازيرهم.

و الخامس: أن يخفوا دفن موتاهم و لا يجاهروا بندب عليهم و لا نياحة. و السادس: أن يمنعوا من ركوب الخيل عتاقا و هجانا و لا يمنعوا من ركوب البغال و الحمير. و هذه الستة المستحبة لا تلزم بعقد الذمة حتى تشترط فتصير بالشرط ملتزمة. و لا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضا لعهدهم لكن يؤخذون بها إجبارا و يؤدبون عليها زجرا و لا يؤدبون إن لم يشترط ذلك عليهم.» «1»

و راجع في هذا المجال الأحكام السلطانية لأبي يعلى أيضا «2» و الخراج لأبي يوسف «3» و المغني لابن قدامة. «4»

أقول: الغيار بالكسر: علامة أهل الذمة كالزنار للمجوس و نحوه، كذا في أقرب الموارد.

و كان الغرض من إلزامهم بلبس الزنار و نحوه تذليلهم بذلك و امتيازهم في

الزيّ من زيّ المسلمين. راجع في ذلك الأموال لأبي عبيد «5». هذا.

[بعض الأخبار الواردة في هذا المجال]

8- و في الوسائل بسنده، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 145.

(2)- الأحكام السلطانية/ 158.

(3)- الخراج/ 127 و 138 و ما بعدها.

(4)- المغني 10/ 606 و ما بعدها.

(5)- الأموال/ 65 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 481

رسول اللّه «ص» قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا، و لا يأكلوا لحم الخنزير و لا ينكحوا الأخوات و لا بنات الأخ و لا بنات الأخت، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة اللّه و ذمة رسوله «ص»، قال: و ليست لهم اليوم ذمة.» «1»

9- و فيه أيضا عن الصدوق، عن فضل بن عثمان الأعور، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه قال: «ما من مولود يولد إلّا على الفطرة فأبواه اللذان يهوّدانه و ينصّرانه و يمجّسانه. و إنما أعطى رسول اللّه «ص» الذمة و قبل الجزية عن رءوس أولئك بأعيانهم على أن لا يهوّدوا أولادهم و لا ينصّروا. و أما أولاد أهل الذمة اليوم فلا ذمّة لهم.» «2»

أقول: لعل نفي الذمة لهم كان لعدم شمول ما عقده النبي «ص» لهم و عدم أهلية الخلفاء في عصر الإمام الصادق «ع» لعقدها.

10- و فيه أيضا بسنده، عن أبي بصير، عن أحدهما «ع»، قال: «كان علي «ع» يضرب في الخمر و النبيذ ثمانين: الحرّ و العبد و اليهودي و النصراني. قلت: و ما شأن اليهودي و النصراني؟ قال: «ليس لهم ان يظهروا شربه؛ يكون ذلك في بيوتهم.» «3»

11- و فيه أيضا بسنده، عن أبي بصير، قال: «كان أمير المؤمنين «ع» يجلد الحرّ و

العبد و اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ ثمانين. قلت: ما بال اليهودي و النصراني؟ فقال: «إذا أظهروا ذلك في مصر من الأمصار، لأنهم ليس لهم أن يظهروا شربها.» و في هذا المجال روايتان أخريان أيضا عن أبي بصير، فراجع. «4»

12- و فيه أيضا بسنده، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» أن يجلد اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ المسكر ثمانين جلدة إذا أظهروا شربه في مصر من أمصار المسلمين، و كذلك المجوسي، و لم يعرض لهم إذا شربوها في منازلهم و كنائسهم

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 95، الباب 48 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 11/ 96، الباب 48 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(3)- الوسائل 18/ 471، الباب 6 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 1.

(4)- الوسائل 18/ 471، الباب 6 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 2 و 4 و 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 482

حتى يصيروا بين المسلمين.» «1»

13- و فيه أيضا بسنده، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «ع»، قال: سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا او شارب خمر ما عليه؟ قال:

«يقام عليه حدود المسلمين إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا إلى حكّام المسلمين.» «2»

14- و فيه أيضا بسنده، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه «ع»: «أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي «ع» في الرجل زنى بالمرأة اليهودية و النصرانية.

فكتب «ع» إليه: إن كان محصنا فارجمه، و إن كان بكرا فاجلده مأئة جلدة ثم انفه.

و أما اليهودية فابعث بها إلى أهل ملتها فليقضوا فيها ما أحبّوا.» «3»

15- و فيه أيضا عن الغارات، قال: بعث علي «ع» محمد بن أبي بكر أميرا على مصر، فكتب إلى علي «ع» يسأله عن رجل مسلم فجر بامرأة نصرانية ... فكتب إليه علي «ع»: «أن أقم الحدّ فيهم على المسلم الّذي فجر بالنصرانيّة، و ادفع النصرانيّة إلى النصارى يقضون فيها ما شاءوا.» «4» و روى نحوه البيهقي. «5»

و راجع في هذا المجال فروع الكافي، باب ما يجب على أهل الذمة من الحدود. «6»

أقول: الذمي إذا ارتكب الزنا و نحوه فللإمام أن يقيم عليه الحدّ بموجب شرع الإسلام. و له أيضا أن يدفعه إلى أهل نحلته ليقيموا عليه الحدّ على معتقدهم، كما أفتى بذلك المحقق في حدود الشرائع فيما إذا زنى الذمي بذمية.

______________________________

(1)- الوسائل 18/ 471، الباب 6 من أبواب حدّ المسكر، الحديث 3.

(2)- الوسائل 18/ 338، الباب 29 من أبواب مقدمات الحدود، الحديث 1.

(3)- الوسائل 18/ 361، الباب 8 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 5.

(4)- الوسائل 18/ 415، الباب 50 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 1.

(5)- سنن البيهقي 8/ 247، كتاب الحدود، باب ما جاء في حدّ الذمّيين ...

(6)- الكافي 7/ 338.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 483

و استدل على ذلك بقوله- تعالى-: «فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.» «1» بما ورد لها من شأن النزول و التفسير، و بالروايات التي مرّ بعضها.

و نحن قد قوّينا جواز حكم حاكم الإسلام أيضا بأحكامهم، فراجع ما حرّرناه في كتابنا في الحدود في شرح تلك المسألة من الشرائع. «2»

16- و في سنن البيهقي بسنده عن علي «ع»: «أن يهودية كانت تشتم

النبي «ص» و تقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول اللّه «ص» دمها.» «3»

17- و فيه أيضا عن الشافعي، عن جماعة ممن روى السيرة: «أن بني قينقاع كان بينهم و بين رسول اللّه «ص» موادعة و عهد فأتت امرأة من الأنصار إلى صائغ منهم ليصوغ لها حليا- و كانت اليهود معادية للأنصار- فلما جلست عند الصائغ عمد إلى بعض حدائده فشدّ به أسفل ذيلها و جيبها و هي لا تشعر، فلما قامت المرأة و هي في سوقهم نظروا إليها منكشفة فجعلوا يضحكون منها و يسخرون، فبلغ ذلك رسول اللّه «ص» فنابذهم و جعل ذلك منهم نقضا للعهد.» «4»

18- و في دعائم الإسلام عن علي «ع»: «أن رسول اللّه «ص» نهى عن إحداث الكنائس في دار الإسلام.» «5»

19- و في المستدرك، عن الجعفريات بسنده، عن علي «ع» أنه قال: «ليس في الإسلام كنيسة محدثة.» و عن السيد فضل اللّه في نوادره بإسناده عنه «ع» مثله. «6»

أقول: الظاهر من هذا الحديث أيضا إرادة دار الإسلام.

______________________________

(1)- سورة المائدة (5)، الآية 42.

(2)- كتاب الحدود/ 88 و ما بعدها.

(3)- سنن البيهقي 9/ 200، كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن لا يذكروا رسول اللّه «ص» إلّا بما هو أهله.

(4)- سنن البيهقي 9/ 200، كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة ...

(5)- دعائم الإسلام 1/ 381، كتاب الجهاد- ذكر الصلح و الموادعة و الجزية.

(6)- مستدرك الوسائل 2/ 262، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 484

20- و في سنن البيهقي بسنده، عن ابن عباس، قال: «صالح رسول اللّه «ص» أهل نجران على ألفي حلّة، فذكر

الحديث كما مضى قال فيه: «على أن لا تهدم لهم بيعة و لا يخرج لهم قس و لا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا.» «1»

21- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: «كل مصر مصّره المسلمون لا يبنى فيه بيعة و لا كنيسة و لا يضرب فيه بناقوس و لا يباع فيه لحم خنزير.» «2»

22- و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس أيضا، قال: «أيّما مصر أعدّه العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة- أو قال: كنيسة- و لا يضربوا فيه ناقوسا و لا يدخلوا فيه خمرا و لا خنزيرا. و أيّما مصر اتخذه العجم فعلى العرب أن يفوا لهم بعهدهم فيه و لا يكلفوهم مالا طاقة لهم به.» «3»

23- و في خراج أبي يوسف بسنده عن ابن عباس أنه سئل عن العجم ألهم أن يحدثوا بيعة أو كنيسة في أمصار المسلمين؟ فقال: «أمّا مصر مصّرته العرب فليس لهم أن يحدثوا فيه بناء بيعة و لا كنيسة و لا يضربوا فيه بناقوس و لا يظهروا فيه خمرا و لا يتخذوا فيه خنزيرا. و كل مصر كانت العجم مصّرته ففتحه اللّه على العرب فنزلوا على حكمهم فللعجم ما في عهدهم و على العرب أن يوفوا لهم بذلك.» «4»

أقول: الظاهر أن المراد هو الفرق بين بلد بناه المسلمون و بين بلد بناه أهل الذمة ثم فتحه المسلمون و شرطوا لهم فيه شرطا، و ليس المدار هو العربية و العجمية بملاك اللغة أو العنصرية.

24- و في سنن البيهقي بسنده، عن عبد الرحمن بن غنم، قال: كتبت لعمر بن

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 202، كتاب الجزية، باب لا تهدم لهم كنيسة و لا بيعة.

(2)-

سنن البيهقي 9/ 201، كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن لا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة ...

(3)- سنن البيهقي 9/ 202، كتاب الجزية، باب لا تهدم لهم كنيسة و لا بيعة.

(4)- الخراج/ 149.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 485

الخطاب حين صالح أهل الشام: بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب لعبد اللّه عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا و كذا. إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا و ذرارينا و أموالنا و أهل ملتنا، و شرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا و لا فيما حولها ديرا و لا كنيسة و لا قلّاية و لا صومعة راهب و لا نجدّد ما خرب منها و لا نحيي ما كان منها في خطط المسلمين، و أن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل و لا نهار و أن نوسع أبوابها للمارة و ابن السبيل، و ان ننزل من مرّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام و نطعمهم، و أن لا نؤمّن في كنائسنا و لا منازلنا جاسوسا و لا نكتم غشا (عينا- الكنز) للمسلمين، و لا نعلم أولادنا القرآن و لا نظهر شركا و لا ندعو إليه أحدا و لا نمنع أحدا من قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده، و أن نوقّر المسلمين و أن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا جلوسا، و لا نتشبه بهم في شي ء من لباسهم من قلنسوة و لا عمامة و لا نعلين و لا فرق شعر و لا نتكلم بكلامهم و لا نتكنى بكناهم، و لا نركب السروج و لا نتقلد السيوف و لا نتخذ شيئا من السلاح و لا نحمله معنا

و لا ننقش خواتيمنا بالعربية، و لا نبيع الخمور، و أن نجزّ مقاديم رءوسنا و أن نلزم زيّنا حيث ما كنّا و أن نشد الزنانير على أوساطنا، و أن لا نظهر صلبنا و كتبنا في شي ء من طريق المسلمين و لا أسواقهم و أن لا نظهر الصليب على كنائسنا و أن لا نضرب بناقوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين، و أن لا نخرج سعانين و لا باعوثا، و لا نرفع أصواتنا مع أمواتنا و لا نظهر النيران معهم في شي ء من طريق المسلمين و لا نجاورهم موتانا، و لا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، و أن نرشد المسلمين و لا نطلع عليهم في منازلهم.

فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه: و أن لا نضرب أحدا من المسلمين، شرطنا لهم ذلك على أنفسنا و أهل ملتنا و قبلنا منهم الأمان، فإن نحن خالفنا شيئا مما شرطناه لكم فضمّنّاه على أنفسنا فلا ذمة لنا و قد حلّ لكم ما يحلّ لكم من أهل المعاندة و الشقاوة (الشقاق- الكنز). و راجع الرواية أيضا في كنز العمال. «1»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 202، كتاب الجزية، باب الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية؛ و كنز العمّال 4/ 503 شروط النصارى، الحديث 11493.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 486

و قال العلامة في المنتهى:

«و ينبغي للإمام أن يشرط عليهم كلّ ما فيه نفع المسلمين و رفعتهم كما شرطه عمر؛ فقد روي أنه كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم».

و ذكر قريبا من ذلك فراجع و راجع الجواهر أيضا «1».

أقول: القلّاية بكسر القاف و تشديد اللام: مسكن الأسقف. و السعانين: عيد الأحد الذي قبل الفصح. و

الباعوث: صلاة ثاني عيد الفصح. هكذا في المنجد.

25- و فيه أيضا بسنده، عن حرام بن معاوية، قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب: «أن أدّبوا الخيل و لا يرفعن بين ظهرانيكم الصليب و لا يجاورنكم الخنازير.» «2»

و راجع في حكم إحداث البيع و الكنائس مبسوط الشيخ. «3»

و يظهر من الروايات و المعاهدات و السير المنقولة أن لإمام المسلمين أن يزيد و ينقص في حدود الذمة و شرائطها حسب ما يراه صلاحا بلحاظ شرائط الزمان و المكان، فتدبّر.

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 968؛ و الجواهر 21/ 273.

(2)- سنن البيهقي 9/ 201؛ كتاب الجزية، باب يشترط عليهم أن لا يحدثوا في أمصار المسلمين كنيسة ...

(3)- المبسوط 2/ 45 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 487

المسألة الثانية: في الخراج:
اشارة

أقول: قد كان بحثنا في هذا الفصل في الفي ء و قد تعرّضنا أولا لآيتي الفي ء في سورة الحشر، ثم تعرضنا لخمسة أمور و بيّنا في خلالها معنى الفي ء، و عدم الخمس فيه، و النسبة بينه و بين الغنائم و الأنفال و الصدقات، و تعرضنا لمعنى الفي ء و مصارفه إجمالا، و نقلنا فيه الأخبار و كلمات الأصحاب، و تعرضنا لمسألة فدك أيضا بالإجمال. و عقدنا الأمر الخامس لبيان بعض مصاديق الفي ء و قلنا إن من مصاديقه الجزية و الخراج فنتعرض لهما في مسألتين. و قد طال بحثنا في المسألة الأولى، أعني الجزية. فالآن نتعرض لمسألة الخراج، و قد ظهر كثير من أحكامه في خلال البحث في مطلق الفي ء و كذا في الجهة السادسة من بحث الغنائم المذكور فيها حكم الأراضي المفتوحة عنوة بالتفصيل الذي مرّ.

و كيف كان فهنا أيضا جهات من البحث:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية،

ج 3، ص: 488

الجهة الأولى: في معنى الخراج و موضوعه و مقداره:
اشارة

فنقول: الخراج مثلثة الفاء، و قد مرّ منّا أنه كان يطلق على الضريبة التي كانت توضع على الأراضي المفتوحة عنوة أو صلحا على أنها للمسلمين أو لإمام المسلمين، أو على الأراضي التي انجلى عنها أهلها، بل و على أراضي الموات أيضا على احتمال قوي عندنا كما يأتي بيانه في فصل الأنفال، سواء وقع التقبيل بنحو الإجارة أو بنحو المزارعة. و ربما كان يطلق على ما يؤخذ بنحو الإجارة الخراج و على ما يؤخذ بنحو المزارعة المقاسمة.

و ربما يظهر من صحيحة محمد بن مسلم إطلاق الخراج على الجزية بقسميها أيضا، قال: «سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دماءهم و أموالهم؟

قال: الخراج، و إن أخذ من رءوسهم الجزية فلا سبيل على أرضهم و إن أخذ من أرضهم فلا سبيل على رءوسهم.» «1»

فيظهر من الصحيحة أن الخراج أعمّ من الجزية.

و في مجمع البحرين:

«و قيل: يقع اسم الخراج على الضريبة و الفي ء و الجزية و الغلّة، و منه خراج العراقين.» «2»

و في لسان العرب عن الفرّاء:

«أن جملة معنى الخراج الغلة، و قيل للجزية التي ضربت على رقاب أهل الذمة خراج، لأنه كالغلة الواجبة عليهم.» «3» هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 114، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 3.

(2)- مجمع البحرين/ 157.

(3)- لسان العرب 2/ 252.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 489

و لكن الظاهر من الماوردي و أبي يعلى كونهما متباينين، فقد مرّ عن الماوردي قوله:

«و الجزية و الخراج حقان أوصل اللّه- سبحانه و تعالى- المسلمين إليهما من المشركين، يجتمعان من ثلاثة أوجه و يفترقان من ثلاثة أوجه ثم تتفرع أحكامهما:

فأما الأوجه التي يجتمعان فيها فأحدها: أن كل

واحد منهما مأخوذ عن مشرك صغارا له و ذلة. و الثاني: أنهما مالا في ء يصرفان في أهل الفي ء. و الثالث: أنهما يجبان بحلول الحول و لا يستحقان قبله.

و أما الأوجه التي يفترقان فيها فأحدها: أن الجزية نصّ و أن الخراج اجتهاد.

و الثاني: أن أقل الجزية مقدّر بالشرع و أكثرها مقدر بالاجتهاد، و الخراج أقله و أكثره مقدر بالاجتهاد. و الثالث أن الجزية تؤخذ مع بقاء الكفر و تسقط بحدوث الإسلام، و الخراج يؤخذ مع الكفر و الإسلام.» «1»

و ذكر نحو ذلك أبو يعلى الفرّاء أيضا. «2»

أقول: قد مرّ منّا أن مقدار الجزية أيضا عندنا مفوّض إلى الإمام قلّة و كثرة، و أن الجزية أيضا قد توضع على الأرض.

و قال الماوردي في فصل الخراج ما ملخصه و محصله:

«و أما الخراج فهو ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها، قال اللّه- تعالى-: «أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرٰاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ.» و في قوله: «أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً» وجهان: أحدهما: أجرا، و الثاني: نفعا. و في قوله: «فَخَرٰاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ» وجهان:

أحدهما: فرزق ربّك في الدنيا خير منه. و الثاني: فأجر ربّك في الآخرة خير منه.

قال أبو عمرو بن العلاء: و الفرق بين الخرج و الخراج أن الخرج من الرقاب و الخراج من الأرض. و الخراج في لغة العرب اسم للكراء و الغلة، و منه قول النبي «ص»:

«الخراج بالضمان.»

و الأرضون كلها تنقسم أربعة أقسام:

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 142.

(2)- الأحكام السلطانية لأبي يعلى/ 153.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 490

أحدها: ما استأنف المسلمون إحياءه، فهو أرض عشر لا يجوز أن يوضع عليها خراج.

و القسم الثاني: ما أسلم عليه أربابه، فهم أحق به، فتكون على مذهب

الشافعي أرض عشر. و قال أبو حنيفة: الإمام مخيّر بين أن يجعلها خراجا أو عشرا.

و القسم الثالث: ما ملك من المشركين عنوة و قهرا، فتكون على مذهب الشافعي غنيمة تقسم بين الغانمين و تكون أرض عشر، و جعلها مالك وقفا على المسلمين بخراج يوضع عليها، و قال أبو حنيفة: يكون الإمام مخيرا بينهما.

و القسم الرابع: ما صولح عليه المشركون من أرضهم، فهي الأرض المختصة بوضع الخراج عليها، و هي على ضربين: أحدهما: ما خلا عنه أهله و حصلت للمسلمين بغير قتال، فتصير وقفا على مصالح المسلمين و يضرب عليها الخراج و يكون أجرة تقرّ على الأبد. و الضرب الثاني: ما أقام فيه أهله و صولحوا على إقراره في أيديهم بخراج يضرب عليهم، فهذا على ضربين:

أحدهما: أن ينزلوا عن ملكها لنا عند صلحنا، فتصير هذه الأرض وقفا على المسلمين كالذي انجلى عنه أهله و يكون الخراج المضروب عليهم أجرة لا تسقط بإسلامهم و لا يجوز لهم بيع رقابها، و لا يسقط عنهم بهذا الخراج جزية رقابهم.

و الضرب الثاني: أن يستبقوها على أملاكهم و لا ينزلوا عن رقابها و يصالحوا عنها بخراج يوضع عليها، فهذا الخراج جزية تؤخذ منهم ما أقاموا على شركهم و تسقط عنهم بإسلامهم، و يجوز أن لا يؤخذ منهم جزية رقابهم، و يجوز لهم بيع هذه الأرض على من شاءوا منهم أو من المسلمين أو من أهل الذمة.

فأما قدر الخراج المضروب فيعتبر بما تحتمله الأرض، فإن عمر حين وضع الخراج على سواد العراق ضرب في بعض نواحيه على كل جريب قفيزا و درهما، و جرى في ذلك على ما استوفقه من رأي كسرى بن قباذ، فإنه أول من مسح السواد و وضع الخراج

و حدّ الحدود و وضع الدواوين، و راعى ما تحتمله الأرض من غير حيف بمالك و لا إجحاف بزارع.

و ضرب عمر على ناحية أخرى غيرها هذا القدر. فاستعمل عثمان بن حنيف عليه و أمره بالمساحة فمسح و وضع على كل جريب من الكرم و الشجر الملتفّ عشرة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 491

دراهم، و من النخل ثمانية دراهم، و من قصب السكر ستة دراهم، و من الرطبة خمسة دراهم، و من البرّ أربعة دراهم، و من الشعير درهمين و كتب بذلك إلى عمر فأمضاه. و عمل في نواحي الشام على غير هذا.

و كذلك يجب أن يكون واضع الخراج بعده يراعي في كل أرض ما تحتمله، فإنها تختلف من ثلاثة أوجه يؤثر كل واحد منها في زيادة الخراج و نقصانه: أحدها:

ما يختص بالأرض من جودة يزكو بها زرعها أو رداءة يقلّ بها ريعها. و الثاني: ما يختص بالزرع من اختلاف أنواعه من الحبوب و الثمار. و الثالث: ما يختص بالسقي و الشرب.

فلا بدّ لواضع الخراج من اعتبار ما وصفناه من الأوجه الثلاثة: من اختلاف الأرضين و اختلاف الزروع و اختلاف السقي ليعلم قدر ما تحمله الأرض فيقصد العدل من غير إجحاف بأهل الخراج و لا نقصان يضرّ بأهل الفي ء. و من الناس من اعتبر شرطا رابعا و هو قربها من البلدان و الأسواق و بعدها لزيادة أثمانها و نقصانها.

و لا يستقصي في وضع الخراج غاية ما يحتمله، و ليجعل فيه لأرباب الأرض بقية يجبرون بها النوائب و الحوائج. حكي أن الحجاج كتب إلى عبد الملك بن مروان يستأذنه في أخذ الفضل من أموال السواد فمنعه من ذلك و كتب إليه:

لا تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك المتروك، و أبق لهم لحوما يعقدون بها شحوما.» «1»

انتهى ما أدرنا نقله من كلام الماوردي في الخراج ملخصا.

أقول: يشبه أن يكون الخرج و الخراج مأخوذين من الخروج، حيث إن غلة الشي ء و عائدته كأنهما تخرجان من هذا الشي ء.

و ما رواه الماوردي عن النبي «ص» من قوله: «الخراج بالضّمان» قد رواه أرباب السنن، منهم أبو داود في البيوع بأسانيد عن عائشة. و متن الحديث في أحدها هكذا: إن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء اللّه أن يقيم، ثم وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي «ص» فردّه عليه فقال الرجل: يا رسول اللّه، قد استغلّ غلامي، فقال رسول اللّه «ص»: «الخراج بالضمان.» «2»

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية للماوردي/ 146- 149.

(2)- سنن أبي داود 2/ 254 و 255، كتاب الإجارة، باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد به عيبا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 492

و روى أبو عبيد في الأموال عنه «ص»: «أنه قضى أن الخراج بالضمان.» «1» و ظاهره أن هذا من أقضية النبي «ص».

ثم قال:

«قال أبو عبيد: و هو أن يشتري الرجل العبد فيستغلّه ثم يجد به عيبا كان عند البائع: أنه يردّه بالعيب و تطيب له تلك الغلّة بضمانه لأنه لو مات في يده مات من ماله.» «1»

و الظاهر أن ذكر العبد من باب المثال فلا خصوصية له.

و ذكر نحو ذلك بنحو أوفى في النهاية ثم قال:

«الباء في بالضمان متعلقة بمحذوف تقديره: الخراج مستحق بالضمان أي بسببه.» «2»

أقول: لا يخفى أن هذا المعنى للحديث لا يوافق ما هو المشهور بين أصحابنا من أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، اللّهم

إلّا أن يحمل هذه القاعدة على خصوص الخيارات الزمانية كما احتمل و التحقيق يطلب من محله، أو يراد بالضمان في الحديث ضمان الإتلاف أو التلف مع التقصير في حفظه.

و يحتمل فيه كون المراد بالضمان ضمان نفقة المبيع و حفظه في مدة الخيار لا ضمان عينه لو تلفت فتكون غلّة شي ء في قبال نفقته.

و أما احتمال كون المعنى أن غلّة الشي ء و منفعته مضمونة فهو خلاف الظاهر جدّا، فتدبّر. هذا.

و قول الماوردي إن ما استأنف المسلمون إحياءه لا يجوز أن يوضع عليها خراج مبني على تملك رقبة الأرض بالإحياء، و أما إن قلنا ببقائها على ملك الإمام بما هو إمام فالظاهر جواز أخذه الطسق و الخراج منها، كما يدلّ عليه بعض الأخبار و سيأتي تحقيقه في فصل الأنفال.

______________________________

(1)- الأموال/ 93.

(2)- النهاية لابن الأثير 2/ 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 493

و قال أبو يعلى الفرّاء:

«فأما الكلام في الخراج فهو ما وضع على رقاب الأرضين من حقوق تؤدى عنها، و الأرضون كلّها تنقسم أربعة أقسام.»

ثم تعرّض لأحكام الأرضين بالتفصيل، فراجع. «1»

و راجع في بيان أقسام الأرضين و أحكامها زكاة النهاية أيضا «2» و قد تعرّضنا لكلامه و لنكت عليه في الجهة السادسة من بحث الغنائم أعني حكم الأراضي المفتوحة عنوة. و راجع فيها أيضا جهاد المنتهى و التذكرة «3». و راجع في حكم الأراضي المفتوحة عنوة جهاد المبسوط «4»، و قد تعرضنا له أيضا هناك.

و نحن نقول هنا إجمالا أن

الأراضي على أربعة أقسام:
الأول: ما أسلم أهلها عليها طوعا من غير قتال،

فتترك في أيديهم و تكون لهم و يؤخذ منهم العشر أو نصف العشر كغيرهم من المسلمين؛ لهم ما لهم و عليهم ما عليهم، و يدلّ على ذلك خبر صفوان و

البزنطي و كذا صحيحة البزنطي، فراجع. «5»

الثاني: ما اخذت من الكفار عنوة و قهرا بالسيف،

فهي عندنا لا تقسم بل تكون للمسلمين بما هم مسلمون و تكون تحت اختيار الإمام يقبلها لهم بما يراه صلاحا، و يدلّ عليه الخبران و غيرهما و قد مرّ تفصيله في الجهة السادسة من بحث الغنائم.

الثالث: ما صولح عليها على أن تكون للمسلمين،

و حكمها حكم ما قبلها. هذا إذا صولح عليها على أن تكون الرقبات ملكا للمسلمين و أما إن صولح عليها على أن تبقى ملكا لأنفسهم و يؤدوا عنها الخراج سمّيت أرض الجزية و يسقط عنهم الخراج بالإسلام و يصير حكمها حكم ما أسلم أهلها عليها.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 162 و ما بعدها.

(2)- النهاية للشيخ/ 194 و ما بعدها.

(3)- المنتهى 2/ 934 و ما بعدها، و التذكرة 1/ 427 و 428.

(4)- المبسوط 2/ 33- 35.

(5)- الوسائل 11/ 119 و 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1 و 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 494

الرابع: كلّ أرض انجلى أهلها عنها أو صولح عليها

على أن تكون لإمام المسلمين بما هو إمام أو كانت مواتا بأقسامه، فهذه الأرضون كلّها للإمام بما هو إمام و تكون من الفي ء و الأنفال، و قد مرّ منّا مرارا معنى كون الشي ء للإمام و يجي ء تفصيله في بحث الأنفال و محصل ذلك أنه ليس لشخص الإمام بل لمقام الإمامة و منصبها و ينتقل منه إلى الإمام بعده لا إلى وارثه.

و مقدار الخراج في جميع الأقسام الثلاثة مفوّض إلى الإمام يقبلها بالذي يرى، أمّا ما للإمام فكون أمره بيده واضح. و أمّا ما للمسلمين فيدل على ذلك مضافا إلى أن ذلك مقتضى ولايته و إمامته الخبران المشار إليهما و كذا مرسلة حمّاد الطويلة، و به أفتى الأصحاب أيضا:

ففي صحيحة البزنطي قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا «ع» الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: «العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا؛ تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره

و كان للمسلمين. و ليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق شي ء. و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر الحديث.» «1» و نحوها خبر صفوان و البزنطي، فراجع.

و قد تعرضنا لسند الحديثين و فقههما بالتفصيل في مبحث الأراضي المفتوحة عنوة من فصل الغنائم.

و في مرسل حمّاد، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن «ع»: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق: النصف أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضرّهم.» «2»

و كيف كان فيسمّى حاصل هذه الأراضي و ما يؤخذ منها بعد تقبيلها بالخراج.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- الوسائل 11/ 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 495

الجهة الثانية: في مصرف الخراج:

أقول: يظهر مما مرّ في أوائل فصل الفي ء و الأمور الخمسة التي ذكرناها- من كون الفي ء بأجمعه للرسول «ص» و بعده للإمام بما هو إمام و كونه تحت اختياره، و أن له أن يصرفه في كل ما تقتضيه شئون الإمامة و مصالح المسلمين- أن الخراج أيضا كذلك، لأنه أحد مصاديق الفي ء. و مما مرّ هناك في هذا المجال خبر عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع» في الغنيمة، قال: «يخرج منه الخمس و يقسم ما بقي بين من قاتل عليه و ولي ذلك. و أما الفي ء و الأنفال فهو خالص لرسول اللّه «ص».» «1»

و نضيف هنا أن الأراضي التي تكون

للإمام بما هو إمام فحكمها واضح إذ يكون خراجها لا محالة تحت اختياره. و أما ما كانت للمسلمين بما هم مسلمون كالمفتوحة عنوة أو صلحا على أن تكون لهم فيدلّ على صرف خراجها في مصالحهم مرسلة حماد الطويلة التي عمل بها الأصحاب في الأبواب المختلفة:

ففيها بعد ذكر تقبيل الإمام للأراضي المفتوحة عنوة قال: «و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير.» «2»

و قوله «ع»: «ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» لعلّه يراد به عدم كونه ملكا لشخص الإمام و الوالي أو عدم تعلق الخمس به للإمام، و إلّا فإدارة شئون الوالي و سدّ خلّاته أيضا من أهمّ المصالح العامّة التي تنوبه.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(2)- الوسائل 11/ 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 496

و يظهر من بعض الأخبار أن النبي «ص» صرف من عوائد خيبر في حاجات نفسه أيضا، و خيبر كانت مفتوحة عنوة كما يظهر من خبر صفوان و البزنطي: ففي كتاب الخراج و الفي ء من سنن أبي داود بسنده، عن سهل بن أبي حثمة، قال:

«قسّم رسول اللّه «ص» خيبر نصفين: نصفا لنوائبه و حاجته و نصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما.» «1» هذا.

و أفتى بمفاد مرسلة حمّاد في المقام فقهاؤنا:

1- ففي المبسوط في حكم الأرض المفتوحة عنوة قال:

«و يأخذ ارتفاعها و يصرفه في مصالح المسلمين و

ما ينوبهم من سدّ الثغور و معونة (تقوية خ. ل) المجاهدين و بناء القناطر و غير ذلك من المصالح.» «2»

2- و فيه أيضا:

«و أما الخراج فهو لجميع المسلمين، فإن كان قد خمّست الأرضون لا يخمس، و إن كانت لم تخمّس خمّس، و الباقي للمسلمين مصروف في مصالحهم.» «3»

3- و في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 18):

«ما لا ينقل و لا يحوّل من الدور و العقارات و الأرضين عندنا ان فيه الخمس فيكون لأهله، و الباقي لجميع المسلمين: من حضر القتال و من لم يحضر، فيصرف ارتفاعه إلى مصالحهم.» «4»

و قد مرّ منّا الإشكال في ثبوت الخمس في الأرضين المفتوحة عنوة، فراجع.

4- و في جهاد الشرائع:

«و يصرف الإمام حاصلها في المصالح مثل سدّ الثغور و معونة الغزاة و بناء القناطر.» «5»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 142، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

(2)- المبسوط 2/ 34.

(3)- المبسوط 2/ 66.

(4)- الخلاف 2/ 333.

(5)- الشرائع 1/ 322 (طبعة أخرى/ 246).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 497

5- و في جهاد المنتهى:

«و ارتفاع هذه الأرض ينصرف إلى المسلمين بأجمعهم و إلى مصالحهم.» «1»

6- و فيه أيضا:

«و لا يصح بيعها و لا هبتها و لا وقفها، بل يصرف الإمام حاصلها في المصالح مثل سدّ الثغور و معاونة الغزاة و بناء القناطر، و يخرج منها أرزاق القضاة و الولاة و صاحب الديوان و غير ذلك من مصالح المسلمين.» «2»

و في التذكرة أيضا نحو ما في المنتهى. «3» هذا.

7- و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«و أما مال الفي ء فما اجتني من أموال أهل الذمة مما صولحوا عليه من جزية رءوسهم التي بها

حقنت دماؤهم و حرمت أموالهم و منه خراج الأرضين التي افتتحت عنوة ثم أقرّها الإمام في أيدي أهل الذمة على طسق يؤدونه، و منه وظيفة أرض الصلح التي منعها أهلها حتى صولحوا منها على خراج مسمّى، و منه ما يأخذه العاشر من أموال أهل الذمة التي يمرّون بها عليه لتجارتهم، و منه ما يؤخذ من أهل الحرب إذا دخلوا بلاد الإسلام للتجارات، فكلّ هذا من الفي ء. و هو الذي يعمّ المسلمين: غنيّهم و فقيرهم، فيكون في أعطية المقاتلة، و أرزاق الذرية، و ما ينوب الإمام من أمور الناس بحسن النظر للإسلام و أهله.» «4»

8- و في المغني لابن قدامة الحنبلي:

«ذكر أحمد الفي ء فقال: فيه حق لكل المسلمين و هو بين الغني و الفقير.»

ثم حكى عن القاضي انه قال:

«و معنى كلام أحمد: «أنه بين الغني و الفقير» يعني الغني الذي فيه مصلحة المسلمين من المجاهدين و القضاة و الفقهاء، و يحتمل أن يكون معنى كلامه أن لجميع المسلمين

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 935.

(2)- المنتهى 2/ 936.

(3)- التذكرة 1/ 427.

(4)- الأموال/ 24.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 498

الانتفاع بذلك المال لكونه يصرف إلى من يعود نفعه على جميع المسلمين، و كذلك ينتفعون بالعبور على القناطر و الجسور المعقودة بذلك المال و بالأنهار و الطرقات التي أصلحت به ...» «1»

إلى غير ذلك من كلمات علماء الفريقين في مصرف الفي ء الذي عمدته الخراج بأقسامه، حيث يستفاد من جميع ذلك أنه يكون تحت اختيار إمام المسلمين و أنه يصرفه في ما تنوبه من مصالح المسلمين.

نعم إدارة معايش الفقراء و الضعفاء و من لا حيلة له من أفراد المجتمع أيضا تكون من المصالح المهمة التي وضعت

على عاتق الإمام، فيجب سدّ خلّاتهم من الزكوات و من خراج الأرضين إن لم تف الزكوات. كما أن سدّ خلّات شخص الإمام و عمّاله و ولاته أيضا من أهمّ المصالح العامّة.

و لأجل ذلك صرف رسول اللّه «ص»- على ما روي- من أموال بني النضير في نفقة نفسه و أزواجه و فقراء المهاجرين و بعض الأنصار، كما مرّ بيانه في تفسير آية الفي ء في أول الفصل.

و في نهج البلاغة فيما كتبه «ع» لمالك: «ثمّ اللّه اللّه في الطبقة السفلى! من الذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى، فإن في هذه الطبقة قانعا و معترّا، و احفظ للّه ما استحفظك من حقه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك و قسما من غلّات صوافي الإسلام في كل بلد، فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى ...» «2»

و الظاهر أنّ المراد بالصوافي: أراضي الغنيمة أو الخالصة التي جلا أهلها عنها.

و في خبر إبراهيم بن أبي زياد قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض الجزية، قال: فقال: «اشترها، فإن لك من الحق ما هو أكثر من ذلك.» «3» و نحوه في

______________________________

(1)- المغني 7/ 308.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 1019؛ عبده 3/ 111؛ لح/ 438، الكتاب 53.

(3)- الوسائل 11/ 119، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 499

صحيحة محمد بن مسلم. «1»

و من أهمّ المصالح العامة للدولة الإسلامية سدّ خلات جميع ولاتها و عمّالها حتى لا يطمعوا في الارتشاء و تطمئن نفوسهم في مجالات أعمالهم، و على ذلك يحمل ما رواه أبو عبيد بسنده، عن النبي «ص»، قال: «من ولّى

لنا شيئا فلم تكن له امرأة فليتزوج امرأة. و من لم يكن له مسكن فليتخذ مسكنا. و من لم يكن له مركب فليتخذ مركبا. و من لم يكن له خادم فليتخذ خادما. فمن اتخذ سوى ذلك كنزا أو إبلا جاء اللّه به يوم القيامة غالا أو سارقا.» «2»

و بالجملة، فمصرف الخراج بأقسامه ما ينوب الإمام من المصالح، و سدّ خلات العمّال و كذا المحتاجين أيضا من أهمّ المصالح العامة، و على ذلك يجب أن يحمل ما ذكره الشيخ في النهاية في حكم الأرضين المفتوحة عنوة، قال:

«و هذه الأرضون للمسلمين قاطبة، و ارتفاعها يقسم فيهم كلهم: المقاتلة و غيرهم.» «3»

فلا يراد بذلك التقسيم بين جميع المسلمين من الغني و الفقير و العمّال و غيرهم بلا رعاية للمصالح العامة، فتدبّر. هذا.

و قد مرّ البحث في حكم الأراضي المفتوحة عنوة و جواز تقبل الأراضي الخراجية من حكّام الجور و قبول الخراج منهم بالشراء و الهبة و نحو ذلك بالتفصيل، فراجع الجهة السادسة من فصل الغنائم.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1.

(2)- الأموال/ 338.

(3)- النهاية/ 195.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 500

الجهة الثالثة: في أنه يجب على إمام المسلمين و عمّاله أن يرفقوا بأهل الجزية و الخراج

و يخففوا عنهم بما يصلح به أمرهم و لا يجوز تعذيبهم و التضييق عليهم في أمر الخراج و الجزية:

1- ففي نهج البلاغة في كتابه «ع» لمالك قال: «و تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم، و لا صلاح لمن سواهم إلّا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج و أهله. و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة.

و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد و لم يستقم أمره إلا قليلا. فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالّة، أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش، خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم.

و لا يثقلنّ عليك شي ء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك و تزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم و تبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوّتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم و الثقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم. فربما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حمّلته، و انما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، و إنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع و سوء ظنهم بالبقاء و قلة انتفاعهم بالعبر.» «1»

أقول: المراد بالثقل: ثقل الخراج المضروب. و البالّة: ما يبلّ الأرض من مطر و ندى. و إحالة الأرض: تحويلها البذور إلى الفساد. و التبجح: السرور. و الإجمام:

الإراحة.

فليتأمّل في هذه الكلمات الشريفة أولياء الأمور و جباة الأموال و الضرائب

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1013؛ عبده 3/ 106؛ لح/ 436، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 501

و لا يلحظوا النفع العاجل فقط بل يراعوا شرائط الأمّة و حاجاتها و مستقبل الملك و الدولة، و احتياجهم إلى إيمان الأمة و عواطفهم في المقاطع الحادّة. فليرفقوا بهم في وضع الخراج و الضرائب و جبايتها. و لا يحملوا عليهم مالا يحتملونها.

2- و فيه أيضا في كتاب له «ع» إلى عمّاله على الخراج قال: «فأنصفوا الناس من أنفسكم

و اصبروا لحوائجهم، فإنكم خزّان الرعيّة، و وكلاء الأمة، و سفراء الأئمة. و لا تحسموا أحدا عن حاجته و لا تحبسوه عن طلبته، و لا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف و لا دابّة يعتملون عليها و لا عبدا، و لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم، و لا تمسن مال أحد من الناس: مصلّ و لا معاهد إلا أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه.» «1»

3- و في فروع الكافي بسنده، عن رجل من ثقيف، قال: استعملني علي بن أبي طالب «ع» على بانقيا و سواد من سواد الكوفة فقال لي و الناس حضور: «انظر خراجك فجدّ فيه و لا تترك منه درهما، فإذا أردت أن تتوجّه إلى عملك فمرّ بي.» قال: فأتيته فقال لي: «إن الذي سمعت مني خدعة، إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم خراج، أو تبيع دابّة عمل في درهم، فإنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو.» «2» و رواه عنه في البحار. «3»

أقول: في حاشية الكافي عن الوافي:

«بانقيا: هي القادسية و ما والاها من أعمالها، و إنما سمّيت القادسية بدعوة إبراهيم الخليل «ع» لأنه قال لها كوني مقدسة أي مطهرة من التقديس. و إنما سمّيت بانقيا لأن إبراهيم «ع» اشتراها بمائة نعجة من غنمه لأن «با» مأئة و «نقيا» شاة بلغة نبط، كذا في السرائر ... و قوله: خدعة: أي تقية. و العفو: ما جاء بسهولة.» و عن مرآة العقول في معنى العفو: «أي الزيادة أو الوسط أو يكون منصوبا بنزع الخافض.» «4»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 984؛ عبده

3/ 90؛ لح/ 425، الكتاب 51.

(2)- الكافي 3/ 540، كتاب الزكاة، باب أدب المصدّق، الحديث 8.

(3)- بحار الأنوار 41/ 128، تاريخ أمير المؤمنين «ع»، الباب 107 (باب جوامع مكارم أخلاقه)، الحديث 37.

(4)- الكافي 3/ 540، كتاب الزكاة، باب أدب المصدّق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 502

4- و في سنن البيهقي بسنده، عن رجل من ثقيف، قال: استعملني علي بن أبي طالب على بزرج سابور فقال: «لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم و لا تبيعن لهم رزقا و لا كسوة شتاء و لا صيف و لا دابّة يعتملون عليها و لا تقم رجلا قائما في طلب درهم.» قال: قلت:

يا أمير المؤمنين، إذا أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: «و إن رجعت كما ذهبت، ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو» يعني الفضل. «1»

و روى نحوه يحيى بن آدم القرشي أيضا في خراجه، و رواه في كنز العمّال أيضا، و فيه: «على برج سابور.» «2»

5- و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده، عن رجل من آل أبي المهاجر، قال:

استعمل علي بن أبي طالب «ع» رجلا على عكبري فقال له على رءوس الناس:

«لا تدعن لهم درهما من الخراج.» قال: و شدّد عليه القول ثم قال له: «القني عند انتصاف النهار» فأتاه فقال: «إني كنت قد أمرتك بأمر و إنّي أتقدم إليك الآن فإن عصيتني نزعتك: لا تبيعن لهم في خراج حمارا و لا بقرة و كسوة شتاء و لا صيف و ارفق بهم و افعل بهم و افعل بهم.» «3»

أقول: و لعل الوقائع كانت متعددة. و عكبري بضم الأول و سكون الثاني موضع بينه و بين بغداد عشرة فراسخ.

6- و في

صحيح مسلم بسنده، عن هشام بن حكيم بن حزام، قال: مرّ بالشام على أناس، و قد اقيموا في الشمس و صبّ على رءوسهم الزيت. فقال: ما هذا؟

قيل يعذّبون في الخراج. فقال: أما إني سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إن اللّه يعذّب الذين يعذّبون في الدنيا.» «4»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 205، كتاب الجزية، باب النهي عن التشديد في جباية الجزية.

(2)- خراج يحيى بن آدم/ 70؛ و كنز العمّال 4/ 501، كتاب الجهاد، الجزية، الحديث 11488.

(3)- الأموال/ 55.

(4)- صحيح مسلم 4/ 2017، كتاب البرّ و الصلة و الآداب، الباب 33، الحديث 2613.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 503

7- و فيه أيضا بسنده، قال: مرّ هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية. فقال هشام: اشهد لسمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إن اللّه يعذّب الذين يعذّبون الناس في الدنيا.» «1»

8- و فيه أيضا بسنده عن عروة بن الزبير: أن هشام بن حكيم وجد رجلا و هو على حمص يشمّس ناسا من النبط في أداء الجزية فقال: ما هذا؟ إني سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إن اللّه يعذّب الذين يعذّبون الناس في الدنيا.» «2»

و راجع في هذا المعنى مسند أحمد و البيهقي و الأموال لأبي عبيد «3».

أقول: و لا يخفى انصراف قوله «ص» عن التعذيب بحق كالقصاص و الحدود و التعزيرات الشرعية.

9- و في الوسائل بسند صحيح، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «إن أعتى الناس على اللّه- عزّ و جل- من قتل غير قاتله، و من ضرب من لم يضربه.» «4»

10- و فيه أيضا

بسنده، عن الوشاء، قال: سمعت الرضا «ع» يقول: «قال رسول اللّه «ص»: «لعن اللّه من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه.» «5»

11- و فيه أيضا بسنده، عن المثنى، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «وجد في قائم سيف

______________________________

(1)- صحيح مسلم 4/ 2018، كتاب البرّ و الصلة و الآداب، الباب 33.

(2)- صحيح مسلم 4/ 2018، كتاب البرّ و الصلة و الآداب، الباب 33.

(3)- مسند أحمد 3/ 403 و 404؛ و سنن البيهقي 9/ 205، كتاب الجزية، باب النهي عن التشديد في جباية الجزية؛ و الأموال/ 53 و ما بعدها.

(4)- الوسائل 19/ 11، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(5)- الوسائل 19/ 11، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 504

رسول اللّه «ص»: صحيفة: «إنّ أعتى الناس على اللّه القاتل غير قاتله و الضارب غير ضاربه.»

الحديث» «1»

12- و فيه أيضا بسنده، عن الفضيل بن سعدان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«كانت في ذؤابة سيف رسول اللّه «ص» صحيفة مكتوب فيها: لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين على من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه.» الحديث.» «2»

13- و فيه أيضا بسنده، عن الرضا «ع»، عن آبائه، عن علي «ع»، قال:

«ورثت عن رسول اللّه «ص» كتابين: كتاب اللّه و كتاب في قراب سيفي. قيل: يا أمير المؤمنين! و ما الكتاب الذي في قراب سيفك؟ قال: «من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه فعليه لعنة اللّه.» «3»

14- و فيه أيضا بسنده، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «ع»، قال: ابتدر الناس إلى قراب سيف رسول اللّه «ص»

بعد موته فإذا صحيفة صغيرة وجدوا فيها:

«من آوى محدثا فهو كافر، و من تولّى غير مواليه فعليه لعنة اللّه، و أعتى الناس على اللّه من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه.» «4»

15- و فيه أيضا بسنده، عن الثمالي، قال: قال: «لو أنّ رجلا ضرب رجلا سوطا لضربه اللّه سوطا من النار.» «5»

16- و فيه أيضا بسنده، عن جابر بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«لو أنّ رجلا ضرب رجلا سوطا لضربه اللّه سوطا من نار.» «6»

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 11، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس،

(2)- الوسائل 19/ 12، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس

(3)- الوسائل 19/ 12، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس

(4)- الوسائل 19/ 13، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 10.

(5)- الوسائل 19/ 12، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 5.

(6)- الوسائل 19/ 12، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 505

17- و فيه أيضا بسنده، عن النبي «ص» في حديث المناهي، قال: «و من لطم خدّ امرئ مسلم أو وجهه بدّد اللّه عظامه يوم القيامة و حشر مغلولا حتى يدخل جهنم إلا أن يتوب.» «1»

أقول: ما رويناها هنا من الوسائل و إن لم يكن موردها الخراج و الضرائب لكن إطلاقها يشملها كما لا يخفى.

و إنما ذكرناها ليعتبر الشرطة و الضبّاط و المسؤولون في دوائر الحكم و التحقيق و الاستخبارات و اللجان الثورية و السجون، و يدركوا اهتمام الشرع المبين بحرمة الناس و قداستهم فلا يضربوا الناس و يلطموهم و يعذّبوهم بالاتهامات التافهة و النمائم و الأوهام. هذا.

18- و في خراج

أبي يوسف:

«قال أبو يوسف: و قد ينبغي يا أمير المؤمنين- أيّدك اللّه- أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك و ابن عمّك محمد «ص» و التفقّد لهم حتى لا يظلموا و لا يؤذوا و لا يكلّفوا فوق طاقتهم و لا يؤخذ شي ء من أموالهم إلّا بحق يجب عليهم.

فقد روي عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «من ظلم معاهدا أو كلّفه فوق طاقته فأنا حجيجه.»

و كان فيما تكلّم به عمر بن الخطاب عند وفاته: «أوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول اللّه «ص» أن يوفي لهم بعهدهم و أن يقاتل من ورائهم و لا يكلّفوا فوق طاقتهم.»

قال: و حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن سعيد بن زيد أنه مرّ على قوم قد أقيموا في الشمس في بعض أرض الشام فقال: ما شأن هؤلاء؟ فقيل له: أقيموا في الشمس في الجزية. قال: فكره ذلك و دخل على أميرهم و قال: إني سمعت

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 12، الباب 4 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 506

رسول اللّه «ص» يقول: «من عذّب الناس عذّبه اللّه.»

قال: و حدثنا بعض أشياخنا، عن عروة، عن هشام بن حكيم بن حزام: أنه وجد عياض بن غنم قد أقام أهل الذمة في الشمس في الجزية فقال: يا عياض! ما هذا؟

فإن رسول اللّه «ص» قال: «إن الذين يعذّبون الناس في الدنيا يعذّبون في الآخرة.»

قال: و حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن عمر بن الخطاب مرّ بطريق الشام و هو راجع في مسيره من الشام على قوم قد أقيموا في الشمس يصبّ على رءوسهم الزيت، فقال: ما بال هؤلاء؟ فقالوا:

عليهم الجزية لم يؤدّوها، فهم يعذّبون حتى يؤدوها. فقال عمر: فما يقولون هم و ما يعتذرون به في الجزية؟ قالوا: يقولون: لا نجد.

قال: فدعوهم، لا تكلّفوهم ما لا يطيقون، فإني سمعت رسول اللّه «ص» يقول:

«لا تعذّبوا الناس فإن الذين يعذّبون الناس في الدنيا يعذبهم اللّه يوم القيامة» و أمر بهم فخلّي سبيلهم.» «1»

19- و فيه أيضا بسنده قال:

«كتب عدي بن أرطاة- عامل كان لعمر بن عبد العزيز- إليه: «أما بعد، فإن أناسا قبلنا لا يؤدّون ما عليهم من الخراج حتى يمسهم شي ء من العذاب.» فكتب إليه عمر: أما بعد، فالعجب كل العجب من استيذانك إياي في عذاب البشر! كأنّي جنّة لك من عذاب اللّه و كأنّ رضاي ينجيك من سخط اللّه! إذا أتاك كتابي هذا فمن أعطاك ما قبله عفوا و إلّا فاحلفه، فو اللّه لأن يلقوا اللّه بجناياتهم أحبّ إليّ من أن ألقاه بعذابهم. و السلام.» «2»

20- و في الكامل لابن الأثير:

«و قال أبو فراس: خطب عمر الناس فقال: أيها الناس! إني ما أرسل إليكم عمّالا ليضربوا أبشاركم و لا ليأخذوا أموالكم و إنما أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم

______________________________

(1)- الخراج/ 124 و 125.

(2)- الخراج/ 119.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 3، ص: 507

و سنتكم، فمن فعل به شي ء سوى ذلك فليرفعه إليّ، فو الذي نفس عمر بيده لأقصّنّه منه. فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين! أ رأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيّة فأدّب بعض رعيته إنك لتقصّه منه؟ قال: إي و الذي نفس عمر بيده اذا لأقصنه منه، و كيف لا أقصّه منه و قد رأيت النبي «ص» يقص من نفسه! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم

و لا تحمدوهم فتفتنوهم و لا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، و لا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم.» «1» هذا.

و قد طال البحث في الفي ء؛ فلنختم الكلام هنا و نشرع بعده في الأنفال، و على اللّه الاتكال.

24 رمضان المبارك 1408 ه، و أنا العبد المفتقر إلى رحمة ربّه الباري حسينعلي المنتظري النجف آبادي- غفر اللّه له و لوالديه.

ثمّ الجزء الثالث من الكتاب و يتلوه إن شاء اللّه الجزء الرابع، و أوّله الفصل الخامس من الباب الثامن في الأنفال و الحمد للّه ربّ العالمين

______________________________

(1)- الكامل 3/ 56.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

الجزء الرابع

[تتمة الباب الثامن في المنابع المالية للدولة الإسلامية]

الفصل الخامس في الأنفال:

اشارة

و فيه جهات من البحث:

الجهة الأولى: في تفسير آية الأنفال و معنى الأنفال و المقصود منها في الآية و في فقه الفريقين:
[في تفسير آية الأنفال]

قال اللّه- تعالى- في أول سورة الأنفال: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ. فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ، وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.» «1»

1- قال الراغب في المفردات:

«النفل قيل هو الغنيمة بعينها ... و قيل: هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال و هو الفي ء. و قيل: هو ما يفضل من المتاع و نحوه بعد ما تقسم الغنائم، و على ذلك حمل

______________________________

(1)- سورة الأنفال (8) الآية 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 2

قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ.» و أصل ذلك من النفل أي الزيادة على الواجب، و يقال له النافلة، قال- تعالى-: «وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ» و على هذا قوله:

«وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً» و هو ولد الولد و يقال: نفلته كذا أي أعطيته نفلا ...» «1»

2- و في كتاب الأموال لأبي عبيد:

«قال أبو عبيد: فالأنفال أصلها جماع الغنائم إلّا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب و جرت به السنّة. و معنى الأنفال في كلام العرب: كل إحسان فعله فاعل تفضلا من غير أن يجب ذلك عليه فكذلك النفل الذي أحلّه اللّه للمؤمنين من أموال عدوهم إنما هو شي ء خصّهم اللّه به تطولا منه عليهم بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها اللّه- عزّ و جلّ- هذه الأمة ...

فنفل اللّه هذه الأمة المغانم خصوصية خصّهم بها دون سائر الأمم فهذا أصل النفل، و به سمّي ما جعله الإمام للمقاتلة نفلا، و هو تفضيله بعض الجيش على بعض بشي ء سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء عن الإسلام و

النكاية في العدوّ.» «2»

أقول: ما ذكره أبو عبيد من كون الغنائم محرمة على الأمم السالفة رواه المحدثون من علماء الفريقين:

فروى أبو عبيد بسنده عن أبي هريرة، عن النبي «ص» قال: «لم تحلّ الغنائم لأحد سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار فتأكلها. الحديث.» «3»

و في الخصال بسنده، عن أبي أمامة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «فضلت بأربع ... و أحلّت لأمّتي الغنائم. الحديث.» «4»

______________________________

(1)- المفردات/ 524.

(2)- الأموال/ 386- 387.

(3)- الأموال/ 386.

(4)- الخصال/ 201، باب الأربعة، الحديث 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 3

و فيه أيضا بسنده، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أعطيت خمسا ... و أحلّ لي المغنم. الحديث.» «1» و رواهما عن الخصال في الوسائل. «2»

و ذكر ذلك الشيخ في المبسوط أيضا فقال:

«و الغنيمة كانت محرّمة في الشريعة المتقدمة و كانوا يجمعون الغنيمة فتنزل النار من السماء فتأكلها ثم أنعم اللّه- تعالى- على النبي «ص» فجعلها له خاصة بقوله:

«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ.»

و روي عن النبي «ص» أنه قال: أحلّ لي الخمس لم يحلّ لأحد قبلي و جعلت لي الغنائم ...» «3»

و لا يهمّنا تحقيق هذه المسألة التاريخية، إذ لا يترتب عليها فائدة عملية. هذا.

3- و في تفسير التبيان في بيان آية الأنفال قال:

«اختلف المفسرون في معنى الأنفال هاهنا: فقال بعضهم هي الغنائم التي غنمها النبي «ص» يوم بدر فسألوه لمن هي فأمر اللّه- تعالى- نبيّه أن يقول لهم: هي للّه و لرسوله، ذهب إليه عكرمة و مجاهد و الضحاك و ابن عباس و قتادة و ابن زيد.

و قال قوم: هي أنفال السرايا، ذهب إليه علي بن صالح بن يحيى (الحسن بن صالح بن

حي- المجمع.)

و قال قوم: هو ما شذّ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو جارية من غير قتال أو ما أشبه ذلك، عن عطاء و قال: هو للنبي «ص» خاصة يعمل به ما يشاء.

و روي عن ابن عباس في رواية أخرى: أنه ما سقط من المتاع بعد قسمة الغنائم من الفرس و الدرع و الرمح.

و في رواية أخرى: أنه سلب الرجل و فرسه ينفل النبي «ص» من شاء.

و قال قوم: هو الخمس روي ذلك عن مجاهد ...

______________________________

(1)- الخصال/ 292، باب الخمسة، الحديث 56.

(2)- الوسائل 2/ 970، الباب 7 من أبواب التيمّم، الحديث 3 و 4.

(3)- المبسوط 2/ 64.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 4

و روي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»: أن الأنفال كلّ ما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى عنها أهلها و تسمّيه الفقهاء فيئا، و ميراث من لا وارث له، و قطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب، و الآجام، و بطون الأودية، و الموات و غير ذلك مما ذكرناه في كتب الفقه، و قالا هو للّه و للرسول، و بعده للقائم مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالح نفسه و من يلزمه مئونته ليس لأحد فيه شي ء ...

و الأنفال جمع نفل، و النفل هو الزيادة على الشي ء، يقال نفلتك كذا إذا زدته، قال لبيد بن ربيعة: (شعر)

«إن تقوى ربنا خير نفل و بإذن اللّه ريثي و العجل.»

و النفل هو ما أعطيه المرء على البلاء و الفناء (العناء زائدا- ظ.) على الجيش على غير قسمة. و كل شي ء كان زيادة على الأصل فهو نفل و نافلة، و منه قيل لولد الولد

نافلة، و لما زاد على فرائض الصلاة نافلة.» «1»

4- و في تفسير الكشاف:

«النفل: الغنيمة لأنها من فضل اللّه- تعالى- و عطائه قال لبيد: «إن تقوى ربنا خير نفل.» و النفل ما ينفله الغازي: أي يعطاه زائدا على سهمه من المغنم، و هو أن يقول الإمام تحريضا على البلاء في الحرب: من قتل قتيلا فله سلبه، أو قال لسرية:

ما أصبتم فهو لكم أو فلكم نصفه أو ربعه.» «2»

5- و في تفسير الميزان قال:

«الأنفال جمع نفل بالفتح و هو الزيادة على الشي ء، و لذا يطلق النفل و النافلة على التطوع لزيادته على الفريضة.

و تطلق الأنفال على ما يسمّى فيئا أيضا و هي الأشياء من الأموال التي لا مالك لها من الناس كرءوس الجبال، و بطون الأودية، و الديار الخربة، و القرى التي باد أهلها، و تركة من لا وارث له و غير ذلك، كأنها زيادة على ما ملكه الناس فلم يملكها أحد، و هي للّه و لرسوله.

______________________________

(1)- التبيان 1/ 780.

(2)- الكشّاف 2/ 140 (ط. أخرى 2/ 193).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 5

و تطلق على غنائم الحرب، كأنها زيادة على ما قصد منها: فإن المقصود بالحرب و الغزوة: الظفر على الأعداء و استيصالهم فإذا غلبوا و ظفر بهم فقد حصل المقصود.

و الأموال التي غنمها المقاتلون و القوم الذين أسروهم زيادة على أصل الغرض.» «1»

أقول: الأموال على قسمين: أموال شخصية متعلقة عرفا و شرعا بالأشخاص، و أموال عامة. و نظام التشريع الصحيح هو ما ينطبق على نظام التكوين و يكون التكوين أساسا له؛ فأنت ترى أن الشخص يملك تكوينا لأعضائه و جوارحه و لفكره و قواه فيملك بتبع ذلك لأفعاله الصادرة منها و

لمحصول أفعاله فهو يملك لصنعه و إحيائه و حيازته، و بتبع ذلك لمصنوعه و محياته و ما حازه، فمن أحيا أرضا ميتة مثلا فهي له بما أنها محياة و يملك هو حيثية الإحياء و آثار الحياة لكونها نتيجة لفعله و قواه. و له أن ينقل ما ملكه من حيثية الإحياء و الصنع و نحوهما إلى غيره بعوض أو بلا عوض كما أنه قد ينتقل هذا منه إلى وارثه قهرا بحكم العرف و الشرع. فهذا كله ملاك الأموال الشخصية و أساسها.

و أما الأموال العامة فهي كالأراضي الميتة و الجبال و الآجام مما خلقها اللّه- تعالى- للأنام و لا ارتباط لها بالأشخاص، فهي زائدة على الأموال و الأملاك الشخصية المتعلقة بالأشخاص، و مثلها غنائم الحرب.

فالنفل بفتح العين و جمعه الأنفال و كذا النفل بسكون العين يطلق عندنا على غنائم الحرب و كذلك على الأموال العامة، و الظاهر أن إطلاقه عليهما بملاك واحد و هو كونهما زائدتين على الأموال المتعلقة بالأشخاص.

و قد ظهر لك مما حكيناه من الكلمات أن مفهوم الزيادة مأخوذة في النفل عندهم و أما التطبيق على الموارد و التوجيه فقد وقع من كل واحد منهم حسب اجتهاده، فتدبّر.

______________________________

(1)- الميزان 9/ 5 (ط. أخرى 9/ 2).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 6

و في الجواهر قال:

«سمّيت بذلك لأنها هبة من اللّه- تعالى- له زيادة على ما جعله له من الشركة في الخمس إكراما له و تفضيلا له بذلك على غيره.» «1»

و كيف كان فغنائم الحرب أو ما ينفل منها أيضا من الأنفال بلا إشكال، حيث إن مورد نزول الآية الشريفة على ما في أخبار كثيرة هو غنائم بدر و إن لم تعد

منها في كلمات الفقهاء منّا.

و يظهر من سياق الآية أنه كان هناك تخاصم في أمر الأنفال فسألوا رسول اللّه «ص» لقطع الخلاف و الخصومة؛ يشهد بذلك قوله- تعالى-: «وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ.» «2»

و ربما رويت قراءة الآية بإسقاط لفظة «عن» و تحمل إما على كونها مقدرة و كون الأنفال منصوبة بنزع الخافض و إما على كون المراد سؤال النبي «ص» أن يعطيهم من الأنفال، و لكن هذه القراءة عندنا متروكة بل واضحة البطلان لاستلزامها التحريف بالزيادة و هو مجمع على بطلانه.

و قد مرّ في أوائل بحث الغنائم بعض الأخبار الواردة في مورد نزول الآية فراجع، و منها ما حكيناه هناك عن مجمع البيان في ذيل الآية، قال:

«قال ابن عباس: إن النبي «ص» قال يوم بدر: من جاء بكذا فله كذا، و من جاء بأسير فله كذا، فتسارع الشبّان و بقي الشيوخ تحت الرايات فلما انقضى الحرب طلب الشبان ما كان قد نفلهم النبي «ص» به فقال الشيوخ كنّا ردء لكم و لو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا و جرى بين أبي اليسر بن عمرو الأنصاري أخي بني سلمة و بين سعد بن معاذ كلام فنزع اللّه- تعالى- الغنائم منهم و جعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية.

و قال عبادة بن الصامت: اختلفنا في النفل و ساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا فجعله إلى رسوله «ص» فقسمه بيننا على السواء. و كان ذلك في تقوى اللّه

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 116.

(2)- سورة الأنفال (8)، الآية 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 7

و طاعته و صلاح ذات البين.

و قال سعد بن أبي وقاص: قتل أخي

عمير يوم بدر فقتلت سعيد بن العاص بن أمية و أخذت سيفه و كان يسمّى ذا الكتيفة فجئت به إلى النبي «ص» و استوهبته منه، فقال: ليس هذا لي و لا لك، اذهب فاطرحه في القبض، فطرحت و رجعت و بي ما لا يعلمه إلّا اللّه من قتل أخي و أخذ سلبي و قلت: عسى أن يعطى هذا لمن لم يبل بلائي، فما جاوزت إلّا قليلا حتى جاءني الرسول و قد أنزل اللّه: «يَسْئَلُونَكَ، الآية.»

فخفت أن يكون قد نزل فيّ شي ء فلما انتهيت إلى رسول اللّه «ص» قال: يا سعد، إنك سألتني السيف و ليس لي و إنّه قد صار لي فاذهب فخذه فهو لك ...» «1»

و راجع في تفسير الآية أيضا التبيان، و تفسير علي بن إبراهيم القمي و تحف العقول- رسالة الإمام الصادق «ع» في الغنائم،- و سيرة ابن هشام و تفسير القرطبي، و الدرّ المنثور، و سنن البيهقي، و الأموال لأبي عبيد «2» و غير ذلك من الكتب يظهر لك بذلك أن الغنائم من الأنفال قطعا إما بأجمعها أو بعض الأصناف منها و أنها التي وقع فيها النزاع و السؤال و نزلت فيها الآية.

نعم: الأموال العامة كأرض الموات و الجبال و الآجام و القرى الخربة و نحوها أيضا تكون عندنا من الأنفال بل هي المنصرف إليها اللفظ في فقه الشيعة.

و التخاصم في الأنفال و السؤال عنها و إن وقعا في غنائم الحرب على ما في أخبار الفريقين، و لكن لا مانع من حمل الجواب في الآية على ظاهره من العموم و الاستغراق فتكون اللام في قوله: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ» للعهد، و في قوله: قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ» للاستغراق، و ربّما

يؤيد ذلك تكرار الاسم الظاهر.

بل يمكن أن يقال: إن مورد السؤال و إن كان خصوص الغنائم و لكن السؤال وقع عنها لا بما هي غنائم أخذت عنوة و قهرا، بل بما هي من الأنفال أعني الأموال

______________________________

(1)- مجمع البيان 2/ 517 و 518 (الجزء 4).

(2)- راجع التبيان 1/ 781؛ و تفسير علي بن إبراهيم (القمّي)/ 235؛ و تحف العقول/ 339؛ و سيرة ابن هشام 2/ 295؛ و تفسير القرطبي 8/ 2؛ و الدرّ المنثور 3/ 158؛ و سنن البيهقي 6/ 291، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة؛ و الأموال/ 382 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 8

التي لا تتعلق بالأشخاص، فيكون السؤال و الجواب متطابقين في الورود على الأنفال بإطلاقها و عمومها، و اللام في كليهما للاستغراق.

[ليس بين آية الأنفال و آية الخمس تهافت و لا نسخ]

و ليس بين آية الأنفال و آية الخمس تهافت و ليس في البين نسخ كما قيل من نسخ آية الأنفال بآية الخمس، إذ ليس كون الأنفال للرسول أو الإمام إلّا بمعنى كونها تحت اختياره و تدبيره و أنه المتصرف فيها و لو بتقسيمها بين الغانمين، و لا يتعين في الغنائم التقسيم بل للإمام أن يصرفها فيما ينوبه من المصالح العامة، فإن بقي منها شي ء خمّسه ثم قسم الباقي. و يدلّ على ذلك مرسلة حماد و صحيحة زرارة «1».

و قد مرّ تفصيل ذلك في الجهة الثانية من فصل الغنائم، فراجع.

و الشيخ الطوسي- قدّس سرّه- في التبيان حكى النسخ عن مجاهد و عكرمة و غيرهما ثم قال:

«و قال آخرون: ليست منسوخة، ذهب إليه ابن زيد و اختاره الطبري و هو الصحيح لأن النسخ محتاج إلى دليل، و لا تنافي بين هذه الآية و بين

آية الخمس فيقال إنها نسختها.» «2»

نعم حكم هو في المبسوط «3» بخلاف ذلك فقال بالنسخ، فراجع ما حرّرناه في فصل الغنائم. «4»

[دائرة الأنفال في فقه الشيعة أوسع بمراتب مما يراد بها في فقه السنة]

و يظهر لك مما مرّ من الكلمات أن دائرة الأنفال و نطاقها في أحاديث الشيعة و في فقههم أوسع بمراتب مما يراد بها في فقه السنة، إذ الأنفال في كلماتهم تطلق على خصوص غنائم الحرب إما مطلقا أو على بعض أصنافها كما يأتي بيانها و أما عندنا فيصح إطلاقها على ذلك و كذلك على جميع الأموال العامة التي ليس لها مالك شخصي كأراضي الموات و الجبال و الأودية و الآجام بل و البحار و المعادن و نحوها بل و إطلاقها ينصرف إلى خصوص الأموال العامة فكأن الأنفال عندنا و عند

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4 و 2.

(2)- التبيان 1/ 781.

(3)- المبسوط 2/ 65.

(4)- راجع 3/ 147 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 9

علماء السنة متباينان.

قال أبو عبيد بعد الكلام السابق:

«و في هذا النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكلّ واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى: فإحداهن في النفل الذي لا خمس فيه. و الثانية في النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس. و الثالثة في النفل الذي يكون من الخمس نفسه.

و الرابعة في النفل من جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شي ء.

فأما الذي لا خمس فيه فإنه السلب و ذلك بأن ينفرد الرجل بقتل المشرك فيكون له سلبه مسلّما من غير أن يخمس أو يشركه فيه أحد من أهل العسكر.

و أما الذي يكون من الغنيمة بعد الخمس فهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب فتأتي بالغنائم فيكون

للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس.

و أما الثالث فإن تحاز الغنيمة كلّها ثم تخمس فإذا صار الخمس في يدي الإمام نفل منه على قدر ما يرى.

و أما الذي يكون من جملة الغنيمة فما يعطى الأدلّاء على عورة العدوّ و رعاء الماشية و السواق لها. و ذلك أن هذا منفعة لأهل العسكر جميعا. و في كل ذلك أحاديث و اختلاف.» «1»

ثم عقد لتفصيل هذه الأنفال الأربعة و ذكر رواياتها و شرحها أربعة أبواب متتالية، فراجع.

أقول: قد مرّ منّا في الجهة الثانية من فصل الغنائم عدّ غنائم الحرب بإطلاقها من المنابع المالية للدولة الإسلامية، و أن الأرضين و العقارات لا تقسم أصلا بل تكون للمسلمين بما هم مسلمون و تقع تحت اختيار الإمام و يصرف غلّاتها و فوائدها في مصالحهم، و أن ما حواه العسكر من المنقولات أيضا لا يتعين فيها التقسيم بل للإمام أن يسدّ بها النوائب و الخلات فإن بقي منها شي ء خمسه و قسم الباقي بين

______________________________

(1)- الأموال/ 387 و 388.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 10

الغانمين و إن لم يبق منها شي ء فلا شي ء لهم.

و تدلّ على ذلك مرسلة حماد الطويلة عن العبد الصالح «ع» أنه قال: «و له أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم و غير ذلك مما ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شي ء أخرج الخمس منه فقسمه في أهله و قسم الباقي على من ولي ذلك، و إن لم يبق بعد سدّ النوائب شي ء فلا شي ء لهم.» «1»

و في صحيحة زرارة قال: «الإمام يجري و ينفل و يعطي ما يشاء قبل أن تقع السهام، و قد قاتل

رسول اللّه «ص» بقوم لم يجعل لهم في الفي ء نصيبا و إن شاء قسم ذلك بينهم.» «2»

و أفتى بذلك كثير من أصحابنا و لم يقسم النبي «ص» غنائم مكة و حنين بين المقاتلين و قد فتحتا عنوة، فراجع ما حرّرناه و فصّلناه في فصل الغنائم.

و ما قاله أبو عبيد من وجوب كون الربع أو الثلث بعد التخميس لم يثبت عندنا، و الظاهر أن الاختيار في ذلك إلى الإمام، اللّهم إلّا أن يقال: إنهما من قبيل التقسيم بين المقاتلين، و التقسيم يكون بعد التخميس على ما في مرسلة حمّاد.

و الذي يسهّل الخطب أن الخمس أيضا حقّ وحدانيّ يكون بأجمعه تحت اختيار الإمام كما فصّلنا ذلك في فصل الخمس.

ثم لا يخفى أن الزائد على الثلث أو الربع يقسم على باقي الجيش إذا كانوا جميعا في حال الحرب و كانوا عمادا و ردء للسرايا. و أما إذا انفردت سرية بالقتال و لم يكن الجيش في المنطقة و المعركة أصلا فلا وجه لاشتراكهم مع السرية بل تكون الغنيمة بأجمعها لها و قد أشار إلى ذلك أبو عبيد أيضا.

و قال أيضا للفرق بين البدأة و الرجعة:

«و إنما جاءت الزيادة في المنصرف لأنهم يبدءون إذا غزوا نشاطا متسرعين إلى

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 11

العدوّ، و يقفلون كلالا و بطاء قد ملّوا السفر و أحبّوا الإياب.» «1» هذا.

ثم إن ثبوت الربع أو الثلث للسرايا أو السلب للقاتل هل كان حكما فقهيا ثابتا أو سلطانيا من النبي «ص» دائما أو كان هذا منه «ص» حكما موقتا

على حسب ما رآه مصلحة بحسب الأوضاع و الشرائط الخاصة فيجوز للإمام في مورد جعل النصف مثلا أو الخمس للسرية أو عدم جعل السلب للقاتل حسب تغيّر المصالح؟

في المسألة وجوه و لعلّ الأظهر هو الوجه الأخير لوضوح تغيّر المصالح حسب تغيّر الأوضاع و الشرائط. و قد مرّ تفصيل المسألة في السلب في الجهة الرابعة من فصل الغنائم، فراجع.

و ظاهر عبارة أبي عبيد هنا أن حكم السلب عنده يكون حكما ثابتا بنحو الدوام إما فقهيا إلهيا أو سلطانيا دائما من النبي «ص» و كذلك حكم الثلث أو الربع للسرايا.

و كيف كان فأنت ترى أن النفل بأقسامه الأربعة عند أبي عبيد لا يتجاوز حريم غنائم الحرب. هذا.

و في سنن البيهقي عنون جماع أبواب الأنفال ثم عقد بابا للسلب و بابا لتخميسه و بابا لبعث رسول اللّه «ص» سرية قبل نجد كان فيها ابن عمر و نفل فيها لكلّ واحد منهم بعيرا زائدا على سهمه و كان سهم كل واحد منهم اثني عشر بعيرا و بابا للنفل من خمس الخمس سهم المصالح. و بابا لنفل الربع أو الثلث في السرايا بعد الخمس. و بابا لما نفله «ص» يوم بدر قبل نزول الآية. فموضوع النفل و الأنفال عنده أيضا خصوص غنائم الحرب. «2»

أقول: و لا محالة كان البعير الزائد أيضا من الخمس إما من سهم اللّه أو من سهم الرسول.

و الشافعي أيضا في الأمّ عنون الأنفال ثم تعرّض لمسألة السلب ثم لنفل البعير

______________________________

(1)- الأموال/ 398.

(2)- سنن البيهقي 6/ 305 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 12

الزائد ثم لنفل الإمام للجيش أو للسرية شيئا قبل لقاء العدوّ بنحو الشرط و قال:

«فذلك لهم

على ما شرط الإمام.» «1»

و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة قال:

«و ينفل الإمام و من استخلفه الإمام كما فعل النبي «ص» في بدأته الربع بعد الخمس و في رجعته الثلث بعد الخمس.»

و قال ابن قدامة في شرح العبارة:

«النفل زيادة تزاد على سهم الغازي و منه نفل الصلاة و هو ما زيد على الفرض ...

و النفل في الغزو ينقسم ثلاثة أقسام: أحدها: هذا الذي ذكره الخرقي ... القسم الثاني: أن ينفل الإمام بعض الجيش لعنائه و بأسه و بلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش ... القسم الثالث: أن يقول الأمير: من طلع هذا الحصن أو هدم هذا السور أو نقب هذا النقب أو فعل كذا فله كذا أو من جاء بأسر فله كذا ...»

و تعرض هو بالتفصيل لأدلة الثلاثة و الأقوال فيها، فراجع. «2»

و بالجملة، فموضوع الأنفال عندهم غنائم الحرب، و النفل كان يطلق عندهم على ما ينفله الإمام منها أو من خمسها زائدا على السهمان.

و أما عندنا فيصحّ إطلاقه على غنائم الحرب و ما ينفل منها تبعا لمورد نزول الآية الشريفة و لا يجوز تخصيص المورد و إخراجه قطعا.

[المصطلح عليه من الأنفال في فقهنا]

و لكن المصطلح عليه في فقهنا إطلاقه على الأموال العامة التي لا تتعلق بالأشخاص تبعا لما ورد من الأئمّة «ع» في هذا الباب، فصار كأن بين المصطلح عندنا و المصطلح عليه عند فقهاء السنة و محدّثيهم تباينا كليا.

1- قال المفيد في المقنعة:

«باب الأنفال: و كانت الأنفال لرسول اللّه «ص» خاصة في حياته، و هي للإمام القائم مقامه من بعده خالصة كما كانت له «ص» في حياته، قال اللّه- عزّ و جلّ-:

______________________________

(1)- الأمّ 4/ 66 و ما بعدها.

(2)- المغني 10/ 408 و ما

بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 13

«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.» و ما كان للرسول «ص» من ذلك فهو لخليفته القائم في الأمة مقامه من بعده.

و الأنفال كل أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و الأرضون الموات، و تركات من لا وارث له من الأهل و القرابات، و الآجام، و البحار، و المفاوز، و المعادن، و قطائع الملوك.

روي عن الصادق «ع» أنه قال: «نحن قوم فرض اللّه- تعالى- طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال و لنا صفو الأموال.» يعني بصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب الحسن و ما أشبه ذلك من رقيق أو متاع على ما جاء به الأثر من هذا التفسير عن السادة «ع»، و ليس لأحد أن يعمل في شي ء مما عددناه من الأنفال إلّا بإذن الإمام العادل.» «1»

2- و قال الشيخ في النهاية:

«الأنفال كانت لرسول اللّه «ص» خاصة في حياته، و هي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. و هي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب أو يسلمونها هم بغير قتال، و رءوس الجبال، و بطون الأودية و الآجام و الأرضون الموات التي لا أرباب لها، و صوافي الملوك و قطائعهم مما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، و ميراث من لا وارث له.

و له أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب المرتفع و

ما أشبه ذلك مما لا نظير له من رقيق أو متاع.

و إذ قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصة دون غيره.» «2»

و ذكر نحو ذلك في المبسوط أيضا، فراجع. «3»

______________________________

(1)- المقنعة/ 45.

(2)- النهاية/ 199.

(3)- المبسوط 1/ 263.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 14

و قد مرّ عنه ما رواه في هذا المعنى في التبيان عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، فراجع. «1»

3- و في مراسم سلار بعد ذكر الخمس قال:

«و الأنفال له أيضا، و هي كلّ أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و الأرض الموات، و ميراث الحربي، و الآجام و المفاوز و المعادن، و القطاع؛ فليس لأحد أن يتصرف في شي ء من ذلك إلّا بإذنه.» «2»

4- و في باب الأنفال من الكافي لأبي الصلاح الحلبي قال:

«فرض الأنفال مختص بكل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و قطائع الملوك، و الأرضون الموات، و كلّ أرض عطّلها مالكها ثلاث سنين، و رءوس الجبال، و بطون الأودية من كلّ أرض و البحار و الآجام، و تركات من لا وارث له من الأموال و غيرها.» «3»

5- و في أواخر الجهاد من الغنية قال:

«و أما أرض الأنفال و هي كل أرض أسلمها أهلها من غير حرب أو جلوا عنها، و كلّ أرض مات مالكها و لم يخلف وارثا بالقرابة و لا بولاء العتق، و بطون الأودية، و رءوس الجبال، و الآجام، و قطائع الملوك من غير جهة غصب، و الأرضون الموات فللإمام خاصة دون غيره و له التصرف فيها بما يراه من بيع أو هبة أو غيرهما ...» «4»

6- و

في وسيلة ابن حمزة:

«الأرضون أربعة أقسام: أرض أسلم أهلها عليها طوعا، و أرض الجزية و هي ما صولح عليها أهلها، و أرض أخذت عنوة بالسيف، و أرض الأنفال، فالأولى لأربابها ... و الثانية حكمها موكول إلى الإمام ... و الثالثة تكون بأسرها للمسلمين و حكمها إلى الإمام يتصرف فيها بما يراه صلاحا و يكون أعود على المسلمين

______________________________

(1)- راجع ص 3 من الكتاب؛ و التبيان 1/ 780.

(2)- الجوامع الفقهية/ 581 (طبعة أخرى/ 643).

(3)- الكافي لأبي الصلاح/ 170.

(4)- الجوامع الفقهية/ 523 (طبعة أخرى/ 585).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 15

و الرابعة للإمام خاصة و هي عشرة أجناس: كلّ أرض جلا عنها أهلها، و كلّ أرض خراب باد أهلها، و كلّ أرض أسلمها الكفار بغير قتال، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و البائرة التي لا أرباب لها، و الآجام، و رءوس الجبال، و بطون الأودية، و كل ما يصطفيه الملوك لأنفسهم، و قطائعهم التي كانت في أيديهم من غير جهة غصب.

فجميع ذلك حكمه إلى الإمام يبيع ما يشاء و يهب ما يشاء و يقطع ما يشاء و يحمي ما يشاء و يضمن ما يشاء بما يشاء كيف يشاء و ينقل من آخر إلى غيره و يزيد و ينقص في النصيب بعد انقضاء المدة.» «1»

7- و في المهذّب لابن البراج قال:

«باب ذكر أرض الأنفال: كلّ أرض انجلى أهلها عنها، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب إذا سلمها أهلها من غير قتال، و كل أرض باد أهلها، و رءوس الجبال، و بطون الأودية، و الآجام، و صوافي الملوك و قطائعهم ما لم يكن ذلك غصبا،

و كل أرض كانت آجاما فاستحدثت مزارع أو كانت مواتا فأحييت؛ فجميع ذلك من الأنفال، و هي للإمام «ع» خاصة دون غيره من سائر الناس و له أن يتصرف فيها بالهبة و البيع و غير ذلك من سائر أنواع التصرف حسب ما يراه ...» «2»

إلى غير ذلك من كلمات فقهائنا في المقام، و سيأتي عبارة المحقق في الشرائع في البحث عن مصاديق الأنفال بالتفصيل.

و التعبيرات الواقعة في كلمات أصحابنا مأخوذة من أخبار أهل البيت- عليهم السلام-، و أهل البيت أدرى بما في البيت.

و عدم عدّهم الغنائم من الأنفال مع كونها منها قطعا لكونها مورد نزول الآية، لعله كان من جهة أن البحث في الغنائم كان يناسب لباب الجهاد و كان يتعين عندهم تقسيمها بين المقاتلين و لا أقلّ من أن يكون لهم حق ما و لو في طول ما ينوب الإمام من المصالح، و على هذا فافترقت حكما عن الأنفال التي لا تعلق لها بالمقاتلين

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 717 (- طبعة أخرى/ 681).

(2)- المهذّب 1/ 183.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 16

أصلا بل تكون حقا للإمام بما هو إمام و لا يتعين فيها تقسيم، و المقصود في باب الأنفال كان بيان ما يختص بالإمام، فقط فلأجل ذلك لم تذكر الغنائم في عدادها، فتدبّر.

و يجب أن يحمل قولهم: «خاصة» و «خالصة» و «على جهة الخصوص» على أن هذه الأشياء ليست كالغنائم التي يشترك فيها المقاتلون و تقسم بينهم، أو كالأراضي المفتوحة عنوة المتعلقة بالمسلمين بما هم مسلمون بحيث يجب أن تبقى وقفا عليهم لا تباع و لا توهب.

لا أن هذه الأشياء أملاك شخصية متعلقة بشخص الإمام بحيث يرثها ولده و ورثته

كيف ما كانوا، و سيأتي بيان ذلك.

و أنت ترى كلمات الفقهاء منّا مع تقاربها يخالف بعضها بعضا بحسب الأمثلة:

فذكر بعضهم المعادن و البحار مثلا و لم يذكرهما الآخرون، و ذكر في الكافي بعد ذكر الأمثلة قوله: «و غيرها»، فلعلّه يشعر ذلك بأن ما ذكروه من الأشياء يكون من باب المثال. و هكذا الكلام في أخبار الباب. فيراد جميع الأموال العامة التي لا تتعلق بالأشخاص. و لعلّ ذلك يختلف بحسب الأزمنة و الأعصار؛ فالبحار و الفضاء و حق عبور السيّارات و الطائرات من البلد مثلا لها في أعصارنا أهمية و قيمة لم تكن لها في الأعصار السالفة فهي أيضا من الأنفال الواقعة تحت اختيار الإمام، و لكن الاهتمام في الأعصار السالفة كان بالأراضي كما يظهر من كلماتهم، فتدبّر.

[الأخبار في الأنفال]

و أما الأخبار في هذا المجال فكثيرة نذكر بعضها هنا عاجلا و البقية آجلا عند بيان الأنفال بالتفصيل:

1- صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة، و بطون الأودية فهو لرسول اللّه «ص» و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.» «1»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 17

و السند إلى حفص صحيح و حفص بن البختري ثقة على المشهور و التشكيك فيه مردود. «1»

2- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سمعه يقول: «إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون

أودية فهذا كلّه من الفي ء. و الأنفال للّه و للرسول، فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحب.» «2»

و الظاهر أن محطّ النظر في الخبرين بيان خصوص أراضي الأنفال.

3- موثقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن الأنفال فقال: «كلّ أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم. قال: و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.» «3»

4- مرسلة حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح، و فيها بعد ذكر الخمس و الأراضي المفتوحة عنوة و صفو المال و أن الجميع يكون في اختيار الإمام قال: «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها، و كلّ أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رءوس الجبال، و بطون الأودية، و الآجام، و كل أرض ميتة لا ربّ لها، و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله مردود، و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له.» «4»

______________________________

(1)- تنقيح المقال 1/ 352.

(2)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 8.

(4)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 18

الجهة الثانية: في معنى كون الأنفال للإمام:
اشارة

لا يخفى أن كون الخمس أو الفي ء أو الأنفال للإمام يحتمل فيه بالنظر البدوي

ثلاثة احتمالات:
الأول: أن يكون عنوان الإمامة عنوانا مشيرا

، فيكون إشارة إلى شخص الإمام المتصدي للإمامة، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب- عليه السلام- مثلا في عصر إمامته ملك جميع الأخماس و الفي ء و الأنفال لا بجهة إمامته بل بشخصه، و الإمامة عنوان مشير إليه مثل عنوان صاحب القلنسوة السوداء مثلا حيث لا يكون للعنوان دخل أصلا.

الثاني: أن تكون حيثية الإمامة حيثية تعليلية

، كما ترى مثلا أن رئيس مؤسسة بما أنه تصدى لرئاسة هذه المؤسسة يوظّف له أجرة سنوية أو شهرية، فإمامة علي «ع» مثلا صارت علة لصيرورة الأخماس و الأنفال لشخص علي «ع» في عصر إمامته أجرة لإمامته مثلا و العلة واسطة للثبوت.

الثالث: أن تكون حيثية الإمامة حيثية تقييدية

تكون في الحقيقة هي الموضوع، فالأنفال مثلا تكون ملكا لمقام الإمامة و منصبها لا للشخص. فتكون الحيثية واسطة في العروض للشخص و الحكم ثابت لنفس الواسطة.

و الملكية أمر اعتباري يمكن اعتبارها للمقام و الحيثية أيضا

، كما ترى من عدّ بعض الأموال ملكا للدولة و الحكومة، بل يمكن اعتبارها للأمكنة أيضا كما يعتبر

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 19

الشي ء ملكا للمسجد أو الحسينية أو المستشفى مثلا.

و مقتضى الاحتمالين الأولين أن ما كان ملكا لأمير المؤمنين «ع» في عصره من الأخماس و الأنفال بسعتها انتقلت بوفاته إلى جميع ورثته على سهامهم كما ينتقل ملك زيد و كذا ما أخذه رئيس المؤسسة أجرة لرئاسته إلى ورثتهما، فانتقل كل ما كان في عصر أمير المؤمنين من موات الأرضين و الجبال و الآجام و الأودية و البحار و المعادن و نحوها بوفاته إلى ورثة أمير المؤمنين «ع» و لم يبق للإمام بعده بما هو إمام شي ء.

و مقتضى الاحتمال الثالث انتقال ما كان لمقام الإمامة إلى الإمام بعده كما انتقلت إليه نفس الإمامة.

و ربما يقال برجوع الاحتمال الثاني أيضا إلى الثالث لما قد يقال من أن الحيثيات التعليلية ترجع بحسب الدقة إلى الحيثيات التقييدية، فوظيفة رئيس المؤسسة مثلا تكون لمقام رئاسته لا لشخصه بحيث لو أمكن تفكيك حيثية الرئاسة عن الشخص خارجا كانت الوظيفة لها لا له.

أقول: هذا صحيح في الأحكام العقلية و أما في الأحكام العرفية فالمقامات مختلفة؛ ففي المثال يرى العرف الوظيفة للشخص و يرون الحيثية علة و واسطة و لذا يحكمون بانتقال ما ملكه أجرة إلى ورثته لا إلى الرئيس بعده، و أما في مثل الإمامة و الدولة فيرون الأموال و الأحكام للمقام و الحيثية. هذا.

و بما ذكرنا لك ظهر

أن الصحيح في المقام هو الاحتمال الثالث، حيث إن الإمامة و الولاية داخلة في نسج الإسلام و نظامه كما مرّ بالتفصيل في محلّه. و إدارة شئون الإمامة حقا كانت أو باطلة تحتاج إلى نظام ما لي لا محالة.

و المتعارف في جميع الأعصار و البلاد أيضا جعل الأموال العامة التي لا تتعلق بالأشخاص بل بالمجتمع و الأمة تحت اختيار إمام الأمة فإنه المثل لها و الحافظ لحقوقها و مصالحها.

كيف؟! و هل يجوّز أحد أن يجعل الإسلام الذي هو دين العدل و الإنصاف جميع البحار و القفار و المعادن و الآجام و قطائع الملوك و ميراث من لا وارث له و خمس

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 20

جميع عوائد الناس من تجاراتهم و صناعاتهم و زراعاتهم و غير ذلك لشخص واحد بشخصه و لو كان في مقام العدالة بل و العصمة أيضا؟!

و هل لا ينافي هذا التشريع حقيقة الإسلام و روحه المنعكسة في قوله- تعالى-:

«كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ»؟! «1» و أيّ حاجة للشخص بالنسبة إلى هذه الأموال الكثيرة الواسعة بسعة الأرض و الناس إليها في حاجة شديدة؟ و ليست التشريعات الإسلامية جزافية بل تكون على طبق المصالح النفس الأمرية.

و يؤيد ما ذكرناه أن الأرضين الموات تكون من الأنفال و تكون للإمام بلا إشكال، و قد نرى أن الكتاب و السنة حكما بكون الأرض بإطلاقها للناس: قال اللّه- تعالى-: «وَ الْأَرْضَ وَضَعَهٰا لِلْأَنٰامِ.» و في خبر يونس، عن العبد الصالح «ع»، قال:

«إن الأرض للّه- تعالى- جعلها وقفا على عباده فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده و دفعت إلى غيره. الحديث.» «2» فتأمّل.

و في

رسالة المحكم و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده عن علي «ع» بعد ما ذكر الخمس و أن نصفه للإمام قال: «إن للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الأنفال التي كانت لرسول اللّه «ص». قال اللّه- عزّ و جلّ-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ. و إنما سألوا الأنفال ليأخذوها لأنفسهم فأجابهم اللّه بما تقدم ذكره. الحديث.» «3»

فجعل فيه الأنفال للقائم بأمور المسلمين، و ظاهره كونها له بما أنه قائم بأمورهم، فهي من الأموال العامة و تكون ملكا لمنصب الإمامة، و لا محالة يستفاد منها في طريق مصالح الإمامة و الأمة.

[لا فرق بين كون المال للإمام بما هو إمام أو للمسلمين بما هم مسلمون]

و لا يوجد عندنا فرق أساسي بين كون المال للإمام بما هو إمام أو للمسلمين بما هم مسلمون، فإن وليّ المسلمين و من يتولى صرف ما لهم في مصالحهم هو الإمام، و ما للإمام أيضا لا يصرف في مصارفه الشخصية إلا أقل قليل منه و هي أيضا من أهمّ المصالح العامة.

______________________________

(1)- سورة الحشر (59)، الآية 7.

(2)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب إحياء الموات، الحديث.

(3)- الوسائل 6/ 370، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 21

و قد مرّ منّا سابقا أن الأموال العامة قد تضاف إلى اللّه، و قد تضاف إلى الرسول أو الإمام كما في المقام، و قد تضاف إلى المسلمين، و مآل الكل واحد.

ففي الخطبة الشقشقية من نهج البلاغة قال: «و قام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضمة (خضم خ. ل) الإبل نبتة الربيع.» «1»

و في نهج البلاغة أيضا من كلام له «ع» كلّم به عبد اللّه بن زمعة لما طلب منه مالا، قال: «إن هذا المال ليس لي

و لا لك، و إنما هو في ء للمسلمين و جلب أسيافهم.» «2»

مع ما مرّ منّا من أن الغنائم أيضا من الأنفال و أنها تحت اختيار الإمام ينفل منها ما يشاء حسب ما تقتضيه المصالح.

و قد عدّ في الأخبار و كلمات الأصحاب من الأنفال ميراث من لا وارث له، و التعبيرات فيه في الروايات مختلفة: ففي بعضها أنه من الأنفال. و في بعضها:

«الإمام وارث من لا وارث له». و في بعضها: «أخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين». و في بعضها: «قال أمير المؤمنين «ع»: أعط المال همشاريجه.» «3»

فيعلم بذلك عدم تفاوت أساسي بين أن ينسب المال إلى الإمام أو إلى المسلمين و بيت ما لهم. و الحمل على التقية مما لا وجه له بعد وضوح طريق الجمع بين التعبيرات المختلفة.

و في صحيحة البزنطي: «و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره و كان للمسلمين ...

و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر.» و نحوها خبر صفوان و البزنطي، فراجع. «4»

ففي الجملة الأولى نسب غير المعمور الذي هو للإمام إلى المسلمين، و في الجملة الثانية فوّض أمر ما للمسلمين إلى الإمام؛ فليس بينهما تفاوت أساسي.

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 51؛ عبده 1/ 30؛ لح/ 49، الخطبة 3.

(2)- نهج البلاغة، فيض/ 728؛ عبده 2/ 253؛ لح/ 353، الخطبة 232.

(3)- الوسائل 17/ 547، و ما بعدها، الباب 3 و 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة.

(4)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2 و 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 22

[اعتبار فرق ما بين ما ينسب إلى الإمام و ما ينسب إلى المسلمين]

نعم، يمكن اعتبار فرق ما بين ما ينسب

إلى الإمام و ما ينسب إلى المسلمين في بعض الموارد؛ فإن ما للإمام يجوز له أن يتصرف فيها أيّ تصرف صالح و لو بالبيع و الهبة، و يصرف حاصلها فيما يراه صلاحا و لو لشخص خاص من الأمة. و أمّا ما للمسلمين بما هم مسلمون كالأراضي المفتوحة فيمكن أن يقال بعدم جواز بيع رقبتها أو هبتها، فإنها تكون بمنزلة الوقف على المسلمين و لا يصرف حاصلها إلا فيما يرى صلاحا للمجتمع و الأمة بوصف الاجتماع لا لشخص خاص، فتدبّر.

و التحقيق موكول إلى محله. هذا.

و يشهد لما ذكرناه من كون حيثية الإمامة حيثية تقييدية و أن المال لنفس الحيثية فلا ينتقل إلى الوارث بل إلى إمام بعده ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي الحسن الثالث «ع»: إنا نؤتى بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر «ع» عندنا فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه و سنة نبيه.» «1»

و في ميراث الغنية:

«فإن عدم جميع هؤلاء الورّاث فالميراث للإمام، فإن مات انتقل إلى من يقوم مقامه في الإمامة دون من يرث تركته.» «2»

و في السرائر بعد ما ذكر ولاء الإمامة قال:

«فأما إذا مات الإمام انتقل إلى الإمام الذي يقوم بأمر الأمة مقامه دون ورثته الذين يرثون تركته.» «3»

فيظهر منهما أن ميراث من لا وارث له عندهما لمقام الإمامة و منصبها لا لشخص الإمام.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 374، الباب 2 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

(2)- الجوامع الفقهية/ 546 (طبعة أخرى/ 608).

(3)- السرائر/ 403.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 23

و مما يشهد أن ما نسب إلى الإمام

بما هو إمام لا يكون لشخصه بل لحيثية الإمامة و أنه من الأموال العامة فيراعى فيه المصالح العامة صحيحة أبي ولّاد الحناط، قال:

سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل مسلم قتل رجلا مسلما (عمدا) فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته (دينه) الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه: فإن شاء قتل، و إن شاء عفا، و إن شاء أخذ الدية.

فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره: فإن شاء قتل، و إن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين.

قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: إنما هو حق جميع المسلمين و إنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، و ليس له أن يعفو.» «1»

و صحيحته الأخرى، قال: قال أبو عبد اللّه «ع» في الرجل يقتل و ليس له ولي إلا الإمام: «إنه ليس للإمام أن يعفو، له أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأن جناية المقتول كانت على الإمام و كذلك تكون ديته لإمام المسلمين.» «2»

يظهر من الصحيحتين أن كون الشي ء للإمام عبارة أخرى عن كونه للمسلمين، و لذا حكم بجعله في بيت مال المسلمين، فيكون الشي ء لمنصب الإمامة لا لشخصه.

كيف؟! و لو كان لشخصه لكان له العفو قطعا و قد صرّح الإمام «ع» بكونه حقا لجميع المسلمين فلا عفو له و المورد من موارد من لا وارث له، و ما له من الأنفال قطعا.

و نحوهما في الدلالة على المقصود خبر عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن

بكير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في رجل و جد مقتولا لا يدرى من قتله،

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 93، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.

(2)- الوسائل 19/ 93، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 24

قال: «إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم لأن ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام. الحديث.» «1»

و في صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل مسلم قتل و له أب نصراني لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين لأن جنايته على بيت مال المسلمين.» «2»

فالدية هنا مع كونها للإمام لأنه وارث من لا وارث له حكم بجعلها في بيت مال المسلمين، فيعلم بذلك أن المال ليس لشخص الإمام.

[كون الأراضي المفتوحة عنوة تحت اختيار الإمام فيه نظران]
اشارة

و محصل الكلام في المقام أن قولهم «ع»: «إن الخمس و الفي ء و الأنفال للإمام» و كذا كون الأراضي المفتوحة عنوة تحت اختيار الإمام فيه نظران مختلفان سعة و ضيقا:

الأول: أن يراد بالإمام الإمام المعصوم الخاص،

فيكون اللفظ إشارة إلى الأئمة الاثني عشر المعصومين عندنا و تكون الأموال المذكورة لأشخاصهم- كل واحد في عصره- فلا محالة يجب في أعصارنا كما قيل حفظها و إيداعها عند الثقات حتى تصل إلى امام العصر- عجّل اللّه تعالى فرجه-، أو تدفن حتى تصل إليه لما ورد من أن الأرض تخرج كنوزها له، أو تصرف فيما يحصل العلم برضاه، أو تصرف فيما يجب عليه صرفها فيه لو كان ظاهرا كتتميم حق السادة أو مطلق الفقراء كما هو المستفاد من مرسلة حماد الطويلة، أو يتصدق بها من قبله «ع» لما يستفاد من بعض الأخبار من أن الملاك في وجوب التصدق بمال الغير عدم إمكان إيصاله. إليه و لو كان معلوما بشخصه. و قد قال بكل منها قائل، اللّهم إلّا أن يستفاد من الروايات تحليل حقوقه «ع» او تحليل بعضه للشيعة كما قيل.

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 109، الباب 6 من أبواب دعوى القتل ...، الحديث 1.

(2)- الوسائل 17/ 555، الباب 7 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 25

الثاني: أن يراد بالإمام والي المسلمين و حاكمهم

الواجد للشرائط في كل عصر معصوما كان أو غير معصوم، حيث أن الحكومة عندنا لا تتعطل، و الإمامة داخلة في نسج الإسلام و نظامه، و تعطيلها مساوق لتعطيل الإسلام كما مرّ تفصيل ذلك في المجلّد الأول من كتابنا هذا.

نعم، مع حضور الإمام المعصوم تكون الإمامة حقا له بلا إشكال، و لكن لفظ الإمام ليس موضوعا للأئمة الاثني عشر أو مشيرا إليهم:

فقد قال علي بن الحسين «ع» في حديث الحقوق: «و كل سائس إمام.» «1»

و الإمام الصادق «ع» حين أفاض من عرفات فسقط من بغلته فوقف عليه أمير الحاج

إسماعيل بن علي قال لإسماعيل: «سر، فإن الإمام لا يقف.» «2» إلى غير ذلك من موارد استعمال اللفظ بل يطلق الإمام على الإمام الباطل كأئمة الجور أيضا.

و بالجملة، فالمراد بالإمام هو الحاكم الواجد للشرائط في عصره، و الأموال ليست لشخصه بل لمقام الإمامة و منصبها بنحو التقييد، و منه تنتقل إلى الإمام بعده، و في الحقيقة تكون الأموال المذكورة من الأموال العامة و من أهمّ أركان النظام المالي للحكومة الإسلامية، جعلت تحت اختيار ممثل المجتمع و تصرف في مصالح الإمام و الأمّة و من أهمّها مصارف شخص الإمام و مصارف السادة من بيت النبوة. و ليست لشخص الإمام المعصوم حتى تحفظ له، أو تصرف فيما حصل العلم برضاه، أو فيما يجب عليه، أو يتصدق من قبله.

فهذان نظران متفاوتان جدا، و على الاصطلاح المتعارف في عصرنا يكون للإمام الذي هو المالك على الأول شخصية حقيقية، و على الثاني شخصية حقوقية.

و قد مرّ منّا اختيار النظر الثاني و الاستدلال عليه، و هذا عندنا واضح بيّن

______________________________

(1)- الخصال/ 565، أبواب الخمسين و ما فوقه، الحديث 1.

(2)- الوسائل 8/ 290، الباب 26 من أبواب آداب السفر إلى الحجّ و غيره، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 26

و لكن مصير الأعاظم إلى النظر الأول ألجأنا إلى تطويل البحث و الاستدلال.

[الخمس و الأنفال على مساق واحد في كلمات الأصحاب]

و كلماتهم و إن وردت في باب الخمس غالبا و لكن يظهر منهم و كذا من الأخبار كون الخمس و الأنفال على مساق واحد:

1- قال الشيخ في النهاية بعد عد الأنفال على ما مرّ:

«و ليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقه الإمام من الأنفال و الأخماس إلّا بإذنه، فمن تصرف في شي ء من ذلك بغير

إذنه كان عاصيا، و ارتفاع ما يتصرف فيه مردود على الإمام، و إذا تصرف فيه بأمر الإمام كان عليه أن يؤدّي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام، فأما في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس و غيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن. فأما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال.

و ما يستحقونه من الأخماس في الكنوز و غيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، و ليس فيه نصّ معين إلّا أن كل واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط:

فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح و المتاجر.

و قال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا، فإذا حضرته الوفاة وصّى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر أو يوصى به حسب ما وصى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.

و قال قوم: يجب دفنه لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.

و قال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته. و الثلاثة أقسام الأخر يفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم. و هذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه لأن هذه الثلاثة أقسام مستحقها ظاهر و إن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم ليس بظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر و إن كان المتولي لقبضها و تفريقها ليس بظاهر و لا أحد يقول في الزكاة أنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 27

و لو أن إنسانا استعمل الاحتياط و عمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوما. فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط و الأولى اجتنابه حسب ما قدمناه.» «1»

2- و أستاذه الشيخ المفيد- طاب ثراه- في المقنعة في مقام نقل الأقوال في المسألة قال:

«و بعضهم يرى عزله لصاحب الأمر «ع»؛ فإن خشي إدراك المنية قبل ظهوره وصّى به إلى من يثق به في عقله و ديانته ليسلّمه إلى الإمام إن أدرك قيامه، و إلّا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة و الديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان «ع». و هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم لأن الخمس حق وجب لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه أو التمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه.» «2»

3- و في الجزء الثاني من المختلف في بيان حكم سهم الإمام في عصر الغيبة قال:

«و هل يجوز قسمته في المحاويج من الذرية كما ذهب إليه جماعة من علمائنا؟

الأقرب ذلك لما تقدم من الأحاديث إباحة البعض للشيعة حال ظهورهم فإنه يقتضي أولوية إباحة أنسابهم- عليهم السلام- مع الحاجة حال غيبة الإمام- عليه السلام- لاستغنائه- عليه السلام- و حاجتهم.» «3»

فالعلامة «ره» كان يظن أن المال لشخص الإمام المعصوم و هو في حال الغيبة مستغن عنه.

4- و في الشرائع بعد ذكر تقسيم الخمس ستة أقسام قال:

«و ما كان قبضه النبي «ص» أو الإمام ينتقل إلى وارثه.» «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 200- 201.

(2)- المقنعة/ 46.

(3)- المختلف/ 210 (2/ 40).

(4)- الشرائع 1/

182 (طبعة أخرى/ 135).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 28

5- و في خمس مصباح الفقيه قال:

«و ربما يقوى في النظر جواز التصدق به و صرفه إلى الفقراء مطلقا و لو إلى غير بني هاشم لاندراجه عرفا في موضوع مال الغائب الذي تعذر إيصاله إلى صاحبه، و الأقوى فيه بعد اليأس من التمكن من إيصاله إلى صاحبه بوجه من الوجوه جواز التصدق به أو وجوبه كالمال الذي لا يعرف صاحبه ...» «1» و ذكر نحو ذلك في الجواهر أيضا، فراجع. «2»

6- و في كتاب زبدة المقال تقرير دروس السيد الأستاذ المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي- طاب ثراه- قال:

«فانقدح أن سهم اللّه و سهم الرسول و سهم ذي القربى ثابت في زمان الغيبة لشخص الإمام المنتظر الحجة بن الحسن العسكري- عجّل اللّه تعالى فرجه- يجب على من تعلق الخمس بماله إيصاله إليه كما هو شأن كل مال كان بيد شخص و كان مالكه معلوما ...

و ذلك لأنّه لا ريب في أنّ أهمّ الأمور في نظر الإمام «ع» إنما هو حفظ الدين و الذبّ عنه، فقد بذلوا في ذلك مهجهم، فحيث توقف إعلاء كلمة الدين و ترويج شريعة سيد المرسلين «ص» على بذل سهمه حتى يشيّد به أركانه و يرهب به أعداؤه علمنا برضاه بذلك أشدّ الرضا و أنه لا يرضى بغيره، فلو صرفنا سهمه «ع» في تحصيل ذلك الغرض السنّي لكنّا معذورين بل مأجورين ...» «3»

فهذه نماذج من كلمات الأعاظم في المقام يظهر منها أنهم لم يلتفتوا إلى الخمس بما أنه ضريبة إسلامية واسعة إن أخذت من المعادن بسعتها و من الأرباح بكثرتها و من غيرهما تبلغ في كل سنة آلاف ميليارات،

و قد شرعت لإدارة شئون إمامة المسلمين و حكومتهم كيفما اتسع نطاقها، غاية الأمر أن إدارة شئون السادة الفقراء

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 159.

(2)- الجواهر 16/ 177.

(3)- زبدة المقال/ 139 و 141.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 29

أيضا بما أنهم من بيت النبوة تكون من شئونها أيضا.

بل تراهم يرون الخمس مجعولا لشخص الإمام المعصوم و السادة الفقراء فقط بالمناصفة.

و من التفت إلى كثرة مقدار الخمس و سعته و نسبته إلى مقدار الزكاة المشروع عندهم في خصوص الأشياء التسعة المعروفة بحدودها و شروطها، و نسبة عدد السادة الفقراء إلى جميع المصارف الثمانية للزكاة التي منها جميع الفقراء غير السادة و جميع سبل الخير و المشاريع العامة بل و فقراء السادة أيضا بالنسبة إلى زكاة أنفسهم يظهر له بالوجدان بطلان ما ذكروه.

و العمدة أن أصحابنا لبعدهم عن ميدان السياسة و الحكم لم يخطر ببالهم ارتباط هذه المسائل و لا سيما الأنفال و الأموال العامة بباب الحكومة و سعة نطاقها و احتياجها إلى نظام مالي واسع و انصرف لفظ الإمام الوارد في أخبار الباب في أذهانهم إلى خصوص الأئمة الاثني عشر المعصومين عندنا و حملوا الملكية للإمام على الملكية الشخصية، فتدبّر جيدا.

و قد يحتمل بعيدا أن يراد بما ورد من كون الدنيا و ما فيها للإمام أو الأرض و ما أخرج اللّه منها لهم أنهم بمقاماتهم العالية و وجوداتهم الكاملة عصارة الكون و خلاصة الخلقة، فهم غاية الخلقة و ثمرة شجرة الطبيعة. فصاحب البستان إذا غرس في بستانه أشجارا من أنواع مختلفة فهدفه الأصلي الثمرات الحلوة المجنية منها و يصح له أن يقول: ما عمرت البستان و لا غرست الأشجار و أدمت سقايتها إلا

لهذه الثمرات العالية الغالية، و هذا أيضا معنى ما ورد من قوله: «لولاك ما خلقت الأفلاك». «1»

______________________________

(1)- بحار الأنوار 15/ 28، تاريخ نبيّنا «ص»، باب بدء خلقه «ص» و ما يتعلّق بذلك، الحديث 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 30

الجهة الثالثة: في بيان الأنفال بالتفصيل:
[في بيان عدد الأنفال]

أقول: قد مرّ منّا سابقا احتمال أن يكون ما في الأخبار و كلمات الأصحاب من بيان المصاديق للأنفال من باب المثال، و لذا ذكرت المعادن و البحار في بعض الكلمات دون بعض، فيكون المقصود من الأنفال في فقه الشيعة جميع الأموال العامة التي خلقها اللّه- تعالى- للأنام و لا تنحصر في أمور خاصة بل تختلف هي بحسب الأعصار. فالأرض في الأعصار السالفة كانت أهمّ الأموال العامة و أقومها، و في أعصارنا صار البحر و الجوّ أيضا من أهمها.

فهذا السنخ من الأموال التي لم تحصل بصنع البشر و لا تعلق لها بأشخاص خاصة تكون كلها من الأنفال و تكون للإمام بما هو إمام و ممثل للمجتمع، بمعنى كونها تحت اختياره حفظا للنظم و العدالة و حذرا من الهرج و المرج و تضييع الحقوق فتصرف و توزع حسب ما يراه الإمام صلاحا، و إلى هذا يرجع ما دلّ على كون الأرض أو الدنيا كلّها للإمام، فراجع «1».

و لا يراد بهذه الملكية الملكية الحقيقية الثابتة للّه- تعالى- تكوينا بل الملكية الاعتبارية العرفية و الشرعية، لما مرّ من إمكان اعتبارها للمقام و المنصب أيضا و لا تنافي هذه الملكية مالكية الأشخاص لآثارهم التي يحدثونها في الأرض و المواد الصناعية لاختلاف الموضوع فيهما: فالأرض مثلا ملك للإمام بما هو إمام، و آثار الإحياء ملك للمحيي لها. هذا.

و لكن يظهر من الشرائع حصر الأنفال في أمور

خمسة، حيث قال:

______________________________

(1)- الكافي 1/ 407، كتاب الحجّة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام «ع».

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 31

«الأول في الأنفال: و هي ما يستحقه الإمام من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنبي «ص»، و هي خمسة: الأرض التي تملك من غير قتال سواء انجلى أهلها أو سلموها طوعا، و الأرضون الموات سواء ملكت ثم باد أهلها أو لم يجر عليها ملك كالمفاوز و سيف البحار و رءوس الجبال و ما يكون بها و كذا بطون الأودية و الآجام، و إذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع و صفايا فهي للإمام إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد، و كذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس أو ثوب أو جارية أو غير ذلك ما لم يجحف، و ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له- عليه السلام-.» «1»

أقول: الظاهر أن سيف البحار إلى قوله: «و الآجام» معطوفات على المفاوز لتكون من أمثلة الأرضين الموات لعطلتها غالبا عن الحياة العرضية، و لكن يرد عليه أن الآجام لها حياة طبيعية و ربما تكون أنفع من الأراضي الحياة. و لم يذكر هو ميراث من لا وارث له و المعادن مع ورود الأخبار بهما و الأول متفق عليه أنه من الأنفال.

نعم هنا شي ء، و هو أن الظاهر من بعض الأخبار و الفتاوى أن النظر في بيان الأنفال كان إلى بيان حكم ما ينتقل من الكفّار إلى المسلمين فقط، حيث إنه في صدر الإسلام كان جميع الأرض و الإمكانات تحت سيطرة الكفار و استيلائهم، فكان بعض أموالهم ينتقل إلى المسلمين بقتال و هو الغنائم و بعضها بغير قتال،

و ما كان ينتقل بقتال أيضا كان على قسمين: المنقول و غير المنقول، و القتال أيضا قد كان يقع بإذن الإمام و قد كان يقع بغير إذنه.

و لعل المقاتلين من المسلمين كانوا يتوقعون أن يقسم الجميع بينهم.

فأراد الأئمة «ع» أن يبينوا أن ما حصل بقتال بإذن الإمام فالمنقول منه يقسم بين المقاتلين إلا الأشياء النفيسة منها فإنها للإمام، و غير المنقول منه يكون لجميع المسلمين بما هم مسلمون إلا قطائع الملوك منه فإنها أيضا للإمام، و إذا كان القتال

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 183 (طبعة أخرى/ 136).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 32

بغير إذن الإمام فالجميع يكون للإمام، و كذا إذا لم يقع القتال فالجميع له، و كذا الموات غير المحياة من الأراضي و سيف البحار و الأودية و رءوس الجبال و الآجام.

و قولهم «خاصة» أو «خالصة» يراد به عدم حق للمقاتلين أو لجميع المسلمين حتى يقسم بينهم أو يبقى وقفا لهم بل يكون مختصا بإمام المسلمين بما هو إمام.

فهذا وجه حصر المحقق الأنفال في خمسة، فتدبّر.

[في العناوين المشهورة و الاستدلال عليها]
اشارة

و كيف كان فلنتعرض للعناوين المشهورة و الاستدلال عليها:

الأول: الأرض التي تملك من غير قتال و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب

سواء انجلى عنها أهلها أو سلموها للمسلمين طوعا و هم فيها، بلا خلاف أجده بل الظاهر أنه إجماع. كذا في الجواهر «1» مازجا الشرح بالمتن.

و يدل عليه اخبار كثيرة:

1- صحيحة حفص بن البختري أو حسنته، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه «ص» و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء.» «2»

أقول: قوله: «ما لم يوجف عليه» عام يشمل ما جلا أهله عنه أيضا. و قوله:

«صالحوا» يعم ما إذا وقعت المصالحة في بادي الأمر و ما إذا وقعت بعد شروع القتال.

و المصالحة قد تقع على أن تكون الأرض للإمام و قد تقع على أن تكون للمسلمين

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 116.

(2)- الوسائل 6/ 364، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 33

و قد تقع على أن تكون لأنفسهم يؤدون عنها الخراج و تسمى حينئذ أرض الجزية.

و الظاهر أن الرواية بإطلاقها تعم الأقسام الثلاثة، إذ في جميع الأقسام تكون الأرض أو خراجها تحت اختيار الإمام.

2- موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه «ع» أنه سمعه يقول: «إن الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كلّه من الفي ء. و الأنفال للّه و للرسول، فما كان للّه فهو للرسول يضعه حيث يحب.» «1» و نحو ذلك موثقته الأخرى. «2»

3- موثقة زرارة، عن أبي عبد اللّه

«ع»، قال: قلت له: ما يقول اللّه: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ، قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ،» قال: «الأنفال للّه و للرسول «ص» و هي كلّ أرض جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل و لا رجال و لا ركاب فهي نفل للّه و للرسول.» «3»

4- موثقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن الأنفال فقال: «كل أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم.» قال: «و منها البحرين لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.» «4»

و قوله: «و ليس للناس فيها سهم» كأنه تفسير لقوله: «خالص للإمام»، فالمراد بالخلوص عدم التقسيم لا كونها ملكا لشخص الإمام كما مرّ.

و في خمس الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه- بعد نقل رواية سماعة قال:

«إلّا أن المذكور في كتاب الإحياء أن البحرين أسلم أهلها طوعا، فهي كالمدينة المشرفة أرضها لأهلها، و قد صرح في الروضة بالأول في الخمس و بالثاني في إحياء الأموات فلعله غفلة.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

(2)- الوسائل 6/ 368، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 9، عن التهذيب 4/ 132، باب الأنفال، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 8.

(5)- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري/ 492، كتاب الخمس، فصل في الأنفال (طبعة أخرى/ 553).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 34

أقول: و التحقيق في ذلك موكول إلى أهله و محلّه.

5- مرسلة حمّاد بن عيسى الطويلة، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال: «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها، و كلّ أرض لم

يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال.

الحديث.» «1»

6- مرفوعة أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا، و فيها: «و ما كان من فتح لم يقاتل عليه و لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب إلّا أن أصحابنا يأتونه فيعاملون عليه، فكيف ما عاملهم عليه:

النصف أو الثلث أو الربع أو ما كان يسهم له خاصة و ليس لأحد فيه شي ء إلا ما أعطاه هو منه.

الحديث.» «2»

7- خبر الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن الأنفال، فقال: «ما كان من الأرضين باد أهلها و في غير ذلك الأنفال هو لنا. و قال: «سورة الأنفال فيها جدع الأنف.

و قال: «مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ من أهل القرى فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ.» قال: الفي ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل، و الأنفال مثل ذلك هو بمنزلته.» «3»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال، و عليك بمراجعة ما ذكرناه في شرح آيتي الفي ء في أول فصل الفي ء. هذا.

ثم لا يخفى أن الموضوع في أكثر الأخبار هو الأرض، و لكن في بعضها مطلق كصحيحة حفص و ذيل خبر الحلبي و المرفوعة فهل يحمل المطلق منها على المقيد أو يقال إنهما مثبتان و لا تنافي بينهما فيؤخذ بالإطلاق؟

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 17.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 35

قال في المستمسك:

«و إطلاق بعضها-

كالمصحح- و إن كان يشمل الأرض و غيرها لكنه مقيد بما هو مقيد بها الوارد في مقام الحصر و التحديد، فإن وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم له و هو النفي عن غير الأرض.» «1»

أقول: و لكن الأقوى هو الأخذ بالإطلاق، و في خمس الشيخ قال: «نسبه بعض المتأخرين إلى الأصحاب.»

و يدلّ عليه مضافا إلى الإطلاقات المشار إليها صحيحة معاوية بن وهب، قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال:

«إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ.» «2»

فذيل الصحيحة بعمومه يشمل كل غنيمة لم يقاتل عليها؛ أرضا كانت أو غيرها، و لا يعارضها الأخبار المقيدة بالأرض، إذ دلالة الصحيحة على العموم تكون بالعموم الوضعي فيكون أقوى مما يتوهم من المفهوم لتلك الأخبار المقيدة.

هذا مضافا إلى منع المفهوم، إذ ليست تلك الأخبار في مقام الحصر و التحديد، بل لعلها في مقام بيان المثال كما مرّ، أو ذكر الأفراد الغالبة و هي الأرض و نحوها، و لو كانت الأخبار في مقام الحصر و التحديد لما اختلفت في ذكر المصاديق قلّة و كثرة.

و الموضوع في صدر الصحيحة هي الغنائم التي تقسم و هي المنقولات فيصير هذا قرينة على دخولها في عموم الذيل أيضا بلا إشكال لو لم نقل بانحصاره فيها، فتدبّر.

و يؤيد العموم الاعتبار العقلي أيضا فإن التخميس و تقسيم البقية إنما يكون بين الغانمين بمقتضى الآية الشريفة، و لا يتوجه خطاب غنمتم إلى عدّة خاصة إلا إذا كان احراز الغنيمة مستندا إلى عملهم و نشاطاتهم، فما

لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب يستوي نسبته إلى جميع المسلمين فيصير إلى ممثلهم و القائم بأمورهم و هو الإمام من

______________________________

(1)- المستمسك 9/ 597.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 36

غير فرق بين الأرض و غيره.

و ظاهر أخبار الباب كون عنوان ما لم يوجف عليه ملاكا مستقلا للحكم في قبال سائر العناوين فلا وجه لاحتمال حملها على خصوص الأراضي الميتة و الخربة إذ الميتة مصداق آخر للأنفال كما يأتي و لا فرق فيها بين ما فتحت عنوة أو بلا قتال فإنها بأجمعها للإمام بلا إشكال، و قد مرّ تحقيق ذلك في فروع الأراضي المفتوحة عنوة. و مورد آيتي الفي ء في سورة الحشر أيضا هي الأراضي المحياة من بني النضير، فتدبّر.

الثاني من الأنفال: الأرضون الموات
[في الإجماع على أن الموات للإمام]

سواء لم يجر عليها ملك كالمفاوز أو ملكت و باد أهلها، و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه، و عن الخلاف و الغنية الإجماع على أن الموات للإمام و نحوهما عن جامع المقاصد، و عن التنقيح نسبته إلى أصحابنا، و عن المسالك أنه موضع وفاق، و في الرياض أنه لا خلاف فيه بيننا و قريب منه في الكفاية كما صرّح به جمال الملة و الدين في حاشية الروضة، كذا في خمس الشيخ الأنصاري «ره». «1»

و قال في إحياء الموات من الخلاف (المسألة 1):

«الأرضون الغامرة في بلاد الإسلام التي لا يعرف لها صاحب معين للإمام خاصة، و قال أبو حنيفة: إنها تملك بالإحياء إذا أذن الإمام في ذلك. و قال الشافعي:

لا تملك. دليلنا إجماع الفرقة على أن تكون أرض الموات للإمام خاصة و أنها من جملة الأنفال، و لم يفصّلوا

بين ما يكون في دار الإسلام و بين ما يكون في دار الحرب.» «2»

______________________________

(1)- كتاب الطهارة/ 492، كتاب الخمس، فصل في الأنفال (- ط. أخرى/ 553).

(2)- الخلاف 2/ 222.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 37

(المسألة 2):

«الأرضون الغامرة في بلد الشرك التي لم يجر عليها ملك أحد للإمام خاصة، و قال الشافعي: كلّ من أحياها من مشرك و مسلم فإنه يملك بذلك. دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى سواء.» «1»

(المسألة 3):

«الأرضون الموات للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلا أن يأذن له الإمام.

و قال الشافعي: من أحياها ملكها أذن له الإمام أو لم يأذن. و قال أبو حنيفة:

لا يملك إلا بإذن، و هو قول مالك. و هذا مثل ما قلناه إلا أنه لا يحفظ عنهم أنهم قالوا هي للإمام خاصة، بل الظاهر أنهم يقولون لا مالك لها. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و هي كثيرة، و روي عن النبي «ص» أنه قال: ليس للمرإ إلا ما طابت به نفس إمامه. و إنما تطيب نفسه إذا أذن فيه.» «2»

أقول: قال في النهاية:

«الغامر: ما لم يزرع مما يحتمل الزراعة من الأرض، سمّي غامرا لأن الماء يغمره فهو و الغامر فاعل بمعنى مفعول.» «3»

و على هذا فالغامر قسم خاصّ من الموات بالمعنى الأعم.

و في الجهاد من الغنية:

«و الأرضون الموات للإمام خاصة دون غيره و له التصرف فيها بما يراه من بيع أو هبة أو غيرهما و أن يقبّلها بما يراه ... و دليل ذلك كلّه الإجماع المتكرر و فيه الحجة.» «4»

و في إحياء الموات من الغنية:

«قد بيّنا فيما مضى أن الموات من الأرض للإمام القائم مقام النبي «ص» خاصة و أنه من جملة الأنفال

يجوز له التصرف فيه بأنواع التصرف، و لا يجوز لأحد أن

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 222.

(2)- الخلاف 2/ 222.

(3)- النهاية لابن الأثير 3/ 383.

(4)- الجوامع الفقهية/ 523 (- ط. أخرى 585).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 38

يتصرف فيه إلّا بإذنه، و يدلّ على ذلك إجماع الطائفة، و يحتج على المخالف بما رووه من قوله «ع»: ليس لأحدكم إلا ما طابت به نفس إمامه.» «1» هذا.

و يدلّ على الحكم أخبار كثيرة

قد مرّ بعضها:

1- ففي صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه «ع» في عداد الأنفال، قال: «و كل أرض خربة و بطون الأودية.» «2»

2- و في مرسلة حمّاد الطويلة: «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كلّ أرض خربة باد أهلها ... و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها.» «3»

3- موثقة سماعة، قال: سألته عن الأنفال، فقال: «كلّ أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم.» «4»

4- و في موثقة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» في عداد الأنفال، قال:

«و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية، فهذا كلّه من الفي ء. الحديث.» «5» و نحوها موثقته الأخرى. «6»

5- و في مرفوعة أحمد بن محمد في عداد ما للإمام قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الموات كلّها هي له و هو قوله- تعالى-: يسألونك عن الأنفال. الحديث.» «7»

6- و في موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الأنفال

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 540 (- ط. أخرى 602).

(2)- الوسائل 6/ 364، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

(3)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(4)- الوسائل 6/ 367، الباب 1

من أبواب الأنفال، الحديث 8.

(5)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

(6)- الوسائل 6/ 368، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(7)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 39

فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي للّه و للرسول. الحديث.» «1»

7- و في خبر العياشي، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

سألته عن الأنفال قال: «هي القرى التي قد جلا أهلها و هلكوا فخربت، فهي للّه و للرسول.» «2»

8- و في خبر العياشي، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث قال:

قلت: و ما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و كل أرض ميتة قد جلا أهلها و قطائع الملوك.» «3»

إلى غير ذلك من أخبارنا الواردة في هذا المجال.

9- و روى البيهقي بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «موتان الأرض للّه و لرسوله، فمن أحيا منها شيئا فهي له.» «4»

10- و فيه أيضا بسنده، عن ابن طاوس، عن النبي «ص» في حديث قال:

«عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثم لكم من بعدي.» قال: و رواه هشام بن حجير، عن طاوس فقال «ثم هي لكم مني.» «5»

و رسول اللّه «ص» في عصره كان إماما للمسلمين مضافا إلى نبوته و رسالته.

و الظاهر من العمومات و الإطلاقات الواردة في هذه الروايات عدم الفرق بين الموات في بلاد الإسلام و الموات في بلاد الكفر فجميعها من الأموال العامة التي لا تتعلق بالأشخاص و يجب أن تكون

تحت اختيار الإمام و يكون هو المتصدي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 20.

(2)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 24.

(3)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 32.

(4)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمّي يحييه ...

(5)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمّي يحييه ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 40

لتوزيعها و صرفها في المصالح العامة.

و ما يملكه المسلمون من الكفار عنوة هي الأراضي المحياة لهم، إذ الظاهر من الأخبار و الفتاوى انتقال ما كان للكفار إلى المسلمين، و الموات و كذا العامر بالأصالة كالآجام و نحوها لم تكن ملكا لهم حتى تنتقل منهم إلى المسلمين، بل هي تبقى على اشتراكها الأصلي الأولي و قد مرّ تفصيل ذلك في بحث الأراضي المفتوحة عنوة في فصل الغنائم، فراجع. «1»

بل قد أشرنا سابقا في شرح عبارة الشرائع في المقام أن محطّ النظر في روايات الأنفال كان إلى ما يوجد منها في بلاد الكفر في قبال الغنائم المأخوذة منهم، حيث إنه في صدر الإسلام كانت الأرض و الإمكانات كلها تحت سلطة الكفر، فراجع ما حرّرناه هناك. «2»

و قد أطلق في بعض هذه الأخبار في المقام كون الأرض الخربة من الأنفال، و في بعضها قيد ببياد الأهل أو جلائهم؛ فهل يحمل المطلق منها على المقيد، أو يقال إنهما مثبتان فلا تنافي بينهما كما مرّ نظيره في القسم الأول و لا سيما أن القيد وارد مورد الغالب فلا مفهوم له؟ و جهان.

قد يقال بالأول و أنه يراد بالقيد الاحتراز عن الخربة التي لها مالك معلوم، إذ

حينئذ تبقى على ملكه إما مطلقا كما قيل أو فيما إذا حصل ملكه بغير الإحياء كالشراء و الميراث و نحوهما كما عليه البعض. و نحن نتعرض للمسألة عند التعرض لحكم الأنفال في عصر الغيبة، فانتظر.

[هل يشمل حكم الموات للأرض الشخصية الخربة ما إذا كان المالك عنوانا]

نعم هنا مسألة يناسب البحث عنها هنا، و هو أنه لو قلنا بالتقييد في المقام و أن الخربة التي لها مالك معلوم ليست من الأنفال بل تبقى على ملك مالكها فهل يختص هذا بالمالك الشخصي أو يعمّ ما إذا كان المالك عنوانا أو جهة كالأراضي

______________________________

(1)- راجع الأمر الثاني من الجهة السادسة من فصل الغنائم.

(2)- راجع ص 31 من هذا الجزء من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 41

المفتوحة عنوة التي هي ملك للمسلمين بما هم مسلمون، و الأراضي الموقوفة على العناوين و الجهات العامة بناء على كون الوقف ملكا، فلا فرق في بقاء الأرض بعد الخراب على ملك مالكها المعلوم و عدم انتقالها إلى الإمام بين ما إذا كان المالك شخصا معينا أو كان جهة و عنوانا، فأرض العراق مثلا لو عرضها الخراب تبقى على كونها ملكا للمسلمين و لا تصير بذلك من الأنفال؟ في المسألة و جهان بل قولان:

قال في الجواهر:

«و من ذلك يعلم أن عمّار المفتوحة عنوة لو مات بعد الفتح ليس من الأنفال في شي ء لأن له مالكا معلوما و هو المسلمون، و إطلاق بعض الأصحاب و الأخبار أن الموات له منزل على غيره قطعا.» «1»

و في مصباح الفقيه:

«و لو ماتت عمارة المفتوحة عنوة فالظاهر أنه كالملك الخاصّ المملوك بالنواقل في عدم صيرورتها للإمام كما عن بعض التصريح به بل عن السرائر نفي الخلاف فيه.» «2»

أقول: و يمكن الخدشة في ذلك

بأن المسألة لم تكن معنونة في كتب القدماء من أصحابنا حتى يفيد فيها الإجماع و عدم الخلاف، و ما دلت على كون الأراضي المفتوحة عنوة مثلا للمسلمين لا إطلاق لها بحيث تدلّ على حكمها بعد خرابها، فلا يبقى إلّا استصحاب ملكيتهم و هو لا يقاوم العمومات الواردة في المقام الدالة على أن كلّ أرض خربة تكون للإمام كما في صحيحة حفص و غيرها، و لو سلّم إطلاق تلك الأدلة أيضا فالعموم اللفظي مقدم عليها، و يتفرع على هذا أن أراضي العراق مثلا لو خربت فأحياها أحد صارت له بمقتضى إذن الأئمة- عليهم السلام- في إحياء الموات و كونه للمحيي و لا يترتب عليها أحكام الأراضي المفتوحة عنوة. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: إن أحكام الشرع ليست جزافية، فلو فرض كون حيثية

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 118.

(2)- مصباح الفقيه/ 151.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 42

الإحياء حيثيّة تعليلية و أن أثر الإحياء ملكية رقبة الأرض المحياة فهذا الملاك يتحقق في الأراضي المحياة المفتوحة عنوة أيضا فتبقى بعد الخراب ملكا لمن ملك آثار الإحياء.

و لكن الحق في أصل المسألة كما يأتي تفصيله أن الأراضي من الأموال العامة التي خلقها اللّه لجميع الأنام، و المحيي لها لا يملك رقبتها بل يملك آثار الإحياء التي وقعت بفعله و صنعه و هي التي تنتقل من الكفّار إلى المسلمين، و الأراضي باقية على اشتراكها الأولي غاية الأمر كونها تحت اختيار المحيي تبعا لمالكية الآثار، فإذا خربت و انعدم آثار الإحياء بالكلية انقطعت نسبتها من المحيي و صارت تحت اختيار الإمام. و بذلك يظهر حكم الموقوفات أيضا فإن الواقف لا يقف إلا ما كان ملكا له من آثار

الإحياء، فتدبّر.

بقي هنا شي ء، و هو معنى الموات و الخراب:

1- قال في الصحاح:

«الموت ضد الحياة ... و الموات بالفتح ما لا روح فيه، و الموات أيضا الأرض التي لا مالك لها من الآدميين و لا ينتفع بها أحد ... و قال الفرّاء: الموتان من الأرض الّتي لم تحي بعد. و في الحديث: موتان الأرض للّه و لرسوله فمن أحيا منها شيئا فهو له.» «1»

2- و في القاموس:

«الموات كغراب: الموت، و كسحاب ما لا روح فيه و ارض لا مالك لها، و الموتان بالتحريك خلاف الحيوان و ارض لم تحي بعد.» «2»

3- و في النهاية:

«و فيه: من أحيا مواتا فهو أحقّ به. الموات: الأرض التي لم تزرع و لم تعمر و لا جرى عليها ملك أحد، و إحياؤها مباشرة عمارتها و تأثير شي ء فيها، و منه الحديث: «موتان الأرض

______________________________

(1)- صحاح اللغة 1/ 266 و 267.

(2)- القاموس/ 93.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 43

للّه و لرسوله، يعني مواتها الذي ليس ملكا لأحد، و فيه لغتان: سكون الواو و فتحها مع فتح الميم.» «1»

4- و في مجمع البحرين:

«و الموات بالضم و بالفتح يقال لما لا روح فيه و يطلق على الأرض التي لا مالك لها من الآدميين و لا ينتفع بها إما لعطالتها أو لاستيجامها أو لبعد الماء عنها.» «2»

5- و فيه أيضا:

«دار خربة بكسر الراء و هي التي باد أهلها، و الخراب ضد العمارة.» «3»

6- و في إحياء الموات من الشرائع قال:

«و أما الموات: فهو الذي لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستيجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع.» «4»

7- و في الجواهر حكى ذلك عن النافع و جامع الشرائع و

التحرير و الدروس و اللمعة و المسالك و الروضة و الكفاية. «5»

8- و في إحياء الموات من التذكرة قال:

«الموات هي الأرض الخراب الدارسة التي باد أهلها و اندرس رسمها، و تسمّى ميتة و مواتا و موتانا بفتح الميم و الواو ... و أما الإحياء فإن الشرع ورد به مطلقا و لم يعين له معنى يختص به، و من عادة الشرع في مثل ذلك ردّ الناس إلى المعهود عندهم المتعارف بينهم ...» «6»

9- و في مصباح الفقيه في تعريف الموات:

«كل أرض معطلة غير ممكن الانتفاع بها إلا بعمارتها و إصلاحها.» «7»

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 4/ 370.

(2)- مجمع البحرين/ 144.

(3)- مجمع البحرين/ 108.

(4)- الشرائع 3/ 271 (- طبعة أخرى/ 791، الجزء الرابع).

(5)- الجواهر 38/ 9.

(6)- التذكرة 2/ 400.

(7)- مصباح الفقيه/ 151.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 44

أقول: يظهر من عبارة النهاية أن الموات عنده يختص بما لم يحي قط فلا يطلق على ما عرضه الموت، كما أن الموتان عند الفراء و صاحب القاموس كذلك. و ظاهر التذكرة اختصاص الموات بما عرضه الموت.

و لكن الظاهر كون اللفظين بحسب العرف بل بحسب اللغة أيضا أعم، إذ الموت و الحياة من قبيل العدم و الملكة، و ما كان حيا ثم زالت عنه الحياة بالكلية يصدق عليه الميت قطعا.

و المتبادر من موت الأرض خرابها و عطلتها بحيث لا تصلح أن ينتفع بها إلا بإعداد جديد و إن فرض بقاء بعض رسوم العمارة و آثارها كالقرى الخربة الباقية من الأعصار السالفة.

و إحياؤها عبارة عن إعدادها للانتفاع بها بتحصيل الشرائط و رفع الموانع لا بفعلية الانتفاع، و كلاهما من المفاهيم العرفية، و اختلاف تعبيرات الفقهاء و أهل اللغة

لا يضر بعد كونها من قبيل شرح الاسم لموضوع عرفي. و عادة الشرع في أمثال المقام إحالة الناس إلى ما هو المعهود عندهم إلا فيما دلّ دليل على خلافه.

و أما بياد الأهل و جلاؤهم بحيث لا يعرف منهم أحد فكونه مأخوذا في مفهومه محل إشكال و إن قلنا باعتباره في جواز التصرف فيها و إحيائها، و لذا لم يؤخذ هذا في تعريف الشرائع، فلاحظ.

نعم لا يكفي في صدق الموات مطلق العطلة بانقطاع الماء أو استيلائه موقتا لحوادث آنية، بل لا بد من أن تكون على وجه يعد مواتا و عاطلة عرفا بحيث يتوقف الانتفاع منها إلى إعداد و إصلاح جديد يسمّى إحياء.

و أما الخربة فربّما ينسبق إلى الذهن اختصاصها بما كانت عامرة في سالف الزمان ثم عرضها الموت فلا تشمل الموات بالأصالة، و يؤيد ذلك ما حكيناه عن مجمع البحرين.

و أما ما يحصل به الإحياء فسيأتي بحثه في المسائل الآتية، فانتظر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 45

الثالث من الأنفال: الأرض التي لا ربّ لها:

و إن كانت عامرة بالأصالة لا من معمر كالغابات التي ينتفع بأشجارها كثيرا، أو عامرة بالعرض كالتي جلا عنها أهلها أو أعرض عنها أهلها أو باد أهلها بالكلية بزلزلة أو سيل أو نحوهما بحيث لم يبق منهم أحد و بقيت القرية عامرة، فإن الظاهر كون جميع ذلك من الأنفال و كونها للإمام بما هو إمام و إن كان ينطبق على بعضها عنوان ميراث من لا وارث له أيضا.

و يدلّ على ذلك بعض الأخبار:

1- ففي الوسائل، عن علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الأنفال،

فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا ربّ لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فما له من الأنفال.» «1»

هكذا في الوسائل، و لكن في مطبوعين من التفسير هكذا: «و ما كان من أرض الجزية لم يوجف عليها.» «2» و لعله أصح، إذ لا يشترط في كون الخربة للإمام عدم إيجاف الخيل عليها. و السند موثوق به كما لا يخفى. و كيف كان فقوله: «و كل أرض لا رب لها» يشمل الموات و العامر بقسميها.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 45

2- و عن تفسير العياشي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع»، قال: «لنا

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

(2)- تفسير علي بن إبراهيم (القمّي)/ 235 (- طبعة أخرى 1/ 254).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 46

الأنفال. قلت: و ما الأنفال؟ قال: منها المعادن و الآجام، و كل أرض لا رب لها، و كل أرض باد أهلها فهو لنا.» «1»

3- و في المستدرك، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» في حديث قال: «و لنا الأنفال.» قال: قلت له: و ما الأنفال؟ قال:

«المعادن منها و الآجام، و كل أرض لا رب لها، و لنا ما لم يوجف عليه

بخيل و لا ركاب و كانت فدك من ذلك.» «2»

4- و يشهد لذلك أيضا ما دلّ على أن الأرض كلّها للإمام: ففي صحيحة أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر «ع»، قال: «وجدنا في كتاب علي «ع»: أن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتقون و الأرض كلّها لنا. الحديث.» «3»

إذ قوله «ع»: «و الأرض كلّها لنا» يعم الموات و العامر كما لا يخفى و المتيقن منه ما لا ربّ لها.

5- بل و يمكن أن يستدلّ للمقام بخبر محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول و سئل عن الأنفال فقال: «كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّه- عزّ و جلّ-. الحديث.» «4»

6- و نحوه ما رواه العياشي، عن حريز، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته أو سئل عن الأنفال، فقال: «كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل. الحديث.» «5»

إذ إطلاق الروايتين يشمل القرية التي بقيت عامرة أيضا و الملاك في الحكم

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 28.

(2)- مستدرك الوسائل 1/ 553، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

(3)- الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.

(4)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 7.

(5)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 25.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 47

عدم الرب و الصاحب لها. و الظاهر أن المراد من الرب من يزاول الأرض و يدبّرها.

إلى غير ذلك من الأخبار.

لا يقال: يحمل المطلق في هذه الأخبار على المقيد

في قوله «ع» في مرسلة حماد:

«و كل أرض ميتة لا رب لها.» «1»

فإنه يقال: مضافا إلى أنهما مثبتان فلا تنافي بينهما ان الظاهر ورود الوصف مورد الغالب، حيث إن الغالب في الأرض التي لا رب لها كونها ميتة فلا مفهوم للقيد حينئذ نظير قوله- تعالى-: «وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ.» «2»

هذا مضافا إلى أن الظاهر من قوله: «لا رب لها» في المرسلة أيضا كونه ملاكا و علة للحكم، إذ التعليق على الوصف مشعر بالعلية فالملاك في عدّ الأرض الميتة من الأنفال أيضا كونها مما لا ربّ لها.

و يشهد للمسألة أيضا ما مرّ من كون المقصود من الأنفال الأموال التي لا تتعلق بالأشخاص فتكون هي الأموال العامة و يكون زمام أمرها بيد إمام المسلمين و هو المراد من كون الأنفال للإمام لا كونها ملكا لشخصه، فتدبّر.

الرابع من الأنفال: رءوس الجبال و بطون الأودية و كذا الآجام:

قال الشيخ الأنصاري «ره»: «لا خلاف ظاهرا في كونها من الأنفال في الجملة.» «3»

و يدلّ على الحكم- مضافا إلى كونها مواتا غالبا و لذا وقع التعبير بالرءوس و البطون حيث إن أطراف الجبال و الأودية ربما كانت محياة فكان حكمها حكم سائر الأراضي المحياة، و مضافا إلى أنها مما لا ربّ لها غالبا بحيث يزاولها

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(2)- سورة النساء (4)، الآية 23.

(3)- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري/ 493، كتاب الخمس، فصل في الأنفال (- طبعة أخرى/ 554).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 48

و يصلحها-:

1- مرسلة حماد الطويلة، عن العبد الصالح «ع»، قال في عداد الأنفال التي للإمام: «و له رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كل أرض ميتة لا ربّ لها.» «1»

2- و في مرفوعة

أحمد بن محمد: «و بطون الأودية و رءوس الجبال و الموات كلها هي له.» «2»

3- و في صحيحة حفص، عن أبي عبد اللّه «ع» في عداد الأنفال، قال: «و كل أرض خربة و بطون الأودية.» «3»

4- و في موثقة محمد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه «ع» في عداد الأنفال: «و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية.» «4»

و مثله ما في موثقته الأخرى عن أبي جعفر «ع». «5»

5- و في المقنعة عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: سألته عن الأنفال فقال: «كل أرض خربة أو شي ء كان يكون للملوك و بطون الأودية و رءوس الجبال و ما لم يوجف عليه بخيل و ركاب فكلّ ذلك للإمام خالصا.» «6»

6- ما رواه العياشي، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت:

و ما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن. الحديث.» «7»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 17.

(3)- الوسائل 6/ 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 1.

(4)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 10.

(5)- الوسائل 6/ 368، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

(6)- المقنعة/ 47؛ و الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 22.

(7)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 32.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 49

7- و ما رواه عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع»، قال: «لنا الأنفال. قلت:

و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام و كل أرض لا رب لها.» «1»

و ضعف

الأخبار منجبر باشتهار الحكم بين الأصحاب، و لا سيما إن مرسلة حماد قد عمل بها الأصحاب في الأبواب المختلفة.

هذا مضافا إلى أن بطون الأودية مذكورة في صحيحة حفص و موثقتي محمد بن مسلم، و ربما يقال بعدم الفصل بينها و بين شقيقيها، و قد مرّ دخولها في الموات و فيما لا ربّ له أيضا فيشملها دليلهما، و الاعتبار أيضا يساعد ذلك لما مرّ من أن الملاك في الأنفال التي للإمام كون المال من الأموال العامة التي لا تتعلق بالأشخاص و لم تحصل بصنعهم.

و قد عرفت سابقا أن أساس الملكية للأشخاص هو الصناعة و العمل فلا يختص بهم إلا ما حصل بصنعهم و نشاطاتهم أو انتقل إليهم ممن حصل له بصنعه و عمله و لو بوسائط بالنواقل الاختيارية أو القهرية، فرءوس الجبال و بطون الأودية و كذا الآجام الباقية بطبعها من غير معمر لها لا تعلق لها بالأشخاص فتكون لا محالة من الأموال العامة الواقعة تحت اختيار ممثل المجتمع أعني الإمام بما هو إمام و يستفاد منها في طريق مصالح الإمام و الأمة، فتدبّر.

و أما معنى الآجام ففي المقاييس:

«الهمزة و الجيم و الميم لا يخلو من التجمع و الشدة فأما التجمع فالأجمة و هي منبت الشجر المتجمع كالغيضة، و الجمع: الآجام.» «2»

و في القاموس:

«و الأجمة محركة: الشجر الكثير الملتف، جمع: أجم بالضم و بضمتين و بالتحريك و اجام و آجام و أجمات.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 28.

(2)- المقاييس 1/ 65.

(3)- القاموس/ 738.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 50

و في لسان العرب عن التهذيب:

«الأجمة: منبت الشجر كالغيضة، و هي الآجام.» و عن ابن سيدة: «و الأجمة:

الشجر الكثير الملتف ...» «1»

و في مجمع البحرين:

«الأجمة كقصبة: الشجر الملتف، و الجمع: اجمات كقصبات و أجم كقصب، و الآجام جمع الجمع.» «2»

و لكن في الصحاح:

«الأجمة من القصب و الجمع: اجمات و اجم و إجام و آجام و اجم.» «3»

و في الروضة:

«الاجام بكسر الهمزة و فتحها مع المد جمع أجمة بالتحريك المفتوح، و هي الأرض المملوة من القصب.» «4»

أقول: الظاهر اتحاد الحكم في كليهما، إذ كلاهما من مظاهر الطبيعة التي لا تتعلق بأشخاص خاصة فيكونان للإمام. هذا.

و مقتضى ما ذكرناه من الملاك و كذا إطلاق الأخبار عموم الحكم المذكور للآجام و شقيقيها لما كان منها في الأراضي المفتوحة عنوة أو في خلال الأراضي المحياة الشخصية أيضا إلا أن تكون من مرافقها العرفية.

فما قد يتوهم من اختصاص الحكم بما كان منها في أراضي الإمام يظهر الإشكال فيه مما ذكرنا.

لا يقال: بين أخبار الباب و بين ما دلّ على كون المفتوحة عنوة للمسلمين عموم من وجه فلم يقدم أخبار الباب في مورد الاجتماع؟

______________________________

(1)- لسان العرب 12/ 8.

(2)- مجمع البحرين/ 460.

(3)- صحاح اللغة 5/ 1858.

(4)- اللمعة الدمشقية 2/ 84، آخر كتاب الخمس.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 51

فإنه يقال: لا ينتقل إلى المسلمين بالقهر و الغلبة إلا ما أحياها الكفار و صارت ملكا لهم، فيبقى مواتها و جبالها و أوديتها و آجامها على اشتراكها الأولي فتكون للإمام.

و كذلك المسلم المحيي للأرض لا يملك إلا ما أحياها، فلا يملك الجبال و الأودية المجاورة للأرض المحياة له.

نعم لو استأجمت عمّار الأرض المفتوحة عنوة بعد فتحها أو الأراضي الشخصية المملوكة بالإحياء أو جرى السيل فصارت أودية فالظاهر أن حكمها حكم المحياة التي عرضها الموت مع العلم

بمالكها، و المشهور أنه إن كانت الملكية ثبتت بغير الإحياء فهي تبقى و إن كانت بالإحياء فعلى قولين، و سيأتي منّا التحقيق في المسألة.

و يمكن أن يقال في الأول إن الشجر و القصب من فوائد الأرض و توابعها عرفا كالأعشاب فهي تحدث في ملك مالك الأرض و لا وجه لخروج الأرض عن ملكه بذلك و على فرض الشك تستصحب الملكية. هذا.

و قد أشرنا سابقا إلى أن محط النظر في روايات الأنفال كان بيان حكم ما ينتقل من دول الكفر إلى المسلمين، حيث إن الأرض و إمكانياتها كانت تحت سيطرة الكفار فحكم الأئمة «ع» بأن ما يغنم منهم من أموالهم بعضها يقسم بين المقاتلين كالمنقولات و بعضها يبقى وقفا على المسلمين كالأراضي المحياة و الباقي كالموات و الجبال و الأودية و الآجام و نحوها يصير إلى الإمام، يعني أنها لا تقسم و لا تصير وقفا على المسلمين، فشمول إطلاق الروايات لما إذا استأجمت الأرض المحياة الشخصية المملوكة لمسلم أو صارت واديا بالزلزلة أو السيل مثلا محل إشكال.

اللّهم إلا أن يتمسك بالملاك، و ثبوته أيضا في المقام مشكل، إذ الملاك كون الشي ء من الأموال غير المتعلقة بالأشخاص، و المفروض في المقام كون الأرض متعلقة بالشخص فاستصحاب الملكية لا مانع منه. و مجرد صدق عنوان الأجمة أو الوادي لا يوجب انتقال الملك إلى الإمام، نعم لو صارت مواتا بالكلية جرى فيه النزاع الذي يأتي في محلّه، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 52

الخامس من الأنفال: سيف البحار:

سيف البحار بالكسر، أي ساحلها. ذكره في الشرائع و لا دليل عليه بخصوصه، نعم لما كان الغالب عليه كونه مواتا فإن البحر و كذا الأنهار العظيمة لها جزر و مد

و تغييرات في سواحلها فيبقى الساحل مواتا لذلك فيكون من مصاديق الأرض الموات و يشمله أدلتها، و هو المحتمل في عبارة الشرائع أيضا بأن يكون عطفا على المفاوز المذكورة مثالا للموات لا موضوعا مستقلا و إلّا لزادت الأنفال عن الخمسة.

و لو فرض كونه عامرا بالأصالة ذا أشجار نافعة صار من مصاديق الأرض التي لا رب لها، و لو كان ملكا لأحد بالإحياء فغمره الماء فصار مواتا لذلك ثم خرج منه بعد ذلك فإن أعرض عنه صاحبه أو باد أهله فكذلك يصير للإمام و إلّا جرى فيه الخلاف المشهور في الأرض المحياة التي عرضها الخراب مع العلم بصاحبها، فتدبّر.

السادس من الأنفال: قطائع الملوك و صفاياهم:

قال المحقق في الشرائع:

«و إذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع و صفايا فهي للإمام إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد.» «1»

و في الجواهر قال: «بلا خلاف أجده فيه.» «2»

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 183 (- طبعة أخرى/ 137).

(2)- الجواهر 16/ 123.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 53

و الظاهر أن المراد بقطائع الملوك الأراضي القيّمة التي يقتطعها الملوك لأنفسهم من بين الأراضي، و لا محالة تشتمل على مزايا خاصة، و المراد بصفاياهم الأشياء النفيسة الغالية الموجودة في دور الملوك و مقرّ سلطنتهم.

قال المجلسي في ملاذ الأخيار:

«و فسّر الصفايا بما ينقل من المال و يحوّل، و القطائع بالأرضين.» «1»

و يحتمل في الصفايا أيضا أن يكون عطفا تفسيريا للقطائع أو يكون أعمّ منه؛ فيشمل الأرض و غيرها.

و هذا في الحقيقة استثناء من حكم غنائم الحرب فتكون القطائع مستثناة من أرض الغنيمة التي حكمنا بكونها وقفا على المسلمين، و الصفايا المنقولة مستثناة من الغنائم التي تقسم بين المقاتلين. هذا.

و يدلّ على كونهما من

الأنفال و للإمام مضافا إلى عدم الخلاف فيه أخبار مستفيضة:

1- ففي مرسلة حمّاد الطويلة عن العبد الصالح «ع»: «و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله مردود.» «2»

قال ابن الأثير في النهاية:

«الصوافي: الأملاك و الأراضي التي جلا عنها أهلها أو ماتوا و لا وارث لها، واحدها صافية. قال الأزهري: يقال للضياع التي يستخلصها السلطان لخاصته الصوافي.» «3»

و في كتاب أمير المؤمنين «ع» لمالك في وصيته للطبقة السفلى قال: «و اجعل لهم قسما من بيت مالك و قسما من غلات صوافي الإسلام في كل بلد.» «4»

______________________________

(1)- ملاذ الأخيار 6/ 383.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(3)- النهاية 3/ 40.

(4)- نهج البلاغة، فيض/ 1019؛ عبده 3/ 111؛ لح/ 438، الكتاب 53.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 54

فيظهر بذلك أن الصافية وصف للأرض و لا يراد بها غيرها فصوافي الملوك ينطبق على قطائعهم.

2- صحيحة داود بن فرقد، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شي ء.» «1»

قال في مجمع البحرين:

«القطائع اسم لما لا ينقل من المال كالقرى و الأراضي و الأبراج و الحصون، و منه الحديث: قطائع الملوك كلها للإمام.» «2»

3- موثقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن الأنفال فقال: «كل أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم. الحديث.» «3»

و قوله: «شي ء يكون للملوك» يعم الأرض و غيرها اللّهم إلّا أن يحمل على خصوص الأرض بقرينة السياق.

4- موثقة إسحاق بن عمّار المروية عن تفسير علي بن إبراهيم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الأنفال، فقال: «هي القرى التي

قد خربت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام. الحديث.» «4»

و يأتي فيها ما مرّ في موثقة سماعة و كذا فيما بعدها مما يكون ظاهره العموم للأرض و غيرها.

5- ما في المقنعة عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول:

الأنفال ... قال: و سألته عن الأنفال، فقال: «كل أرض خربة أو شي ء كان يكون للملوك

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 366، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 6.

(2)- مجمع البحرين/ 360.

(3)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 8.

(4)- الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 20.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 55

و بطون الأودية. الحديث.» «1»

6- ما عن العياشي، عن الثمالي، عن أبي جعفر «ع»، قال: سمعته يقول في الملوك الذين يقطعون الناس قال: «هو من الفي ء و الأنفال و أشباه ذلك.» «2»

و يستفاد من خبر الثمالي أن المراد بقطائع الملوك ما يقطعونها من الأراضي لخواصهم و حواشيهم أو تكون أعم منها و مما يقتطعونها لأنفسهم.

و في خراج أبي يوسف:

«فأما القطائع من أرض العراق فكل ما كان لكسرى و مرازبته و أهل بيته.» «3»

و لعل السرّ في ذلك الحكم أن الإقطاعات على غير وجه الغصب كان غالبا من الأراضي القيّمة التي هي بالطبع من الأموال العامة فعلى الإمام أن يرجعها إلى أصلها و يصادرها بنفع الأمة و هذا هو المراد من كونها للإمام. هذا و لكن الرواية لا سند لها حتى يعتمد عليها.

7- ما عنه أيضا عن أبي جعفر «ع»، قال: «ما كان للملوك فهو للإمام.» «4»

8- ما عن العياشي أيضا، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه

«ع» في حديث في عداد الأنفال، قال: «و كل أرض ميتة قد جلا أهلها، و قطائع الملوك.» «5» هذا.

و إن أبيت عن شمول الروايات المذكورة لغير الأراضي من الأشياء النفيسة للملوك دخلت هذه في الصفي الذي للإمام أن يصطفيه من الغنيمة و يأتي بحثه في العنوان التالي.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 22.

(2)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 30.

(3)- الخراج/ 57.

(4)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 31.

(5)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 32.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 56

السابع مما يكون للإمام بما هو إمام: صفايا الغنيمة

و إن لم نعثر على إطلاق لفظ الأنفال عليها في أخبارنا، و ذكرها الشيخ في النهاية و المحقق في الشرائع في عداد الأنفال و لكن لم يصرّحا بكونها منها، و كيف كان فنقول:

قد كان من المتعارف في جميع الأعصار اصطفاء الملوك و الأمراء من بين غنائم العدوّ الأشياء القيّمة النفيسة منها لأنفسهم أو لبيوت أموالهم و متاحفهم، و كان يطلق عليها الصفايا.

و هذا السنخ من الأشياء القيّمة النفيسة لا تقبل التقسيم غالبا، و إيثار البعض بها دون بعض تورث الخلاف و الضغائن، فلا مجال إلّا لإبقائها ذخرا لمستقبل الدولة و الأمة أو يستفيد منها إمام الأمة لفضله عليهم و مقبوليته عندهم.

قال ابن الأثير في النهاية:

«فيه: إن أعطيتم الخمس و سهم النبي و الصفي فأنتم آمنون. الصفي: ما كان يأخذه رئيس الجيش و يختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة و يقال له الصفية، و الجمع:

الصفايا. و منه حديث عائشة: كانت صفية من الصفي، تعني صفية بنت حييّ كانت ممن اصطفاه النبي «ص» من غنيمة خيبر.» «1»

أقول:

و ربما كانت الصفية يطلق على كل ما كان خالصا للرسول أو الإمام؛ فترى أبا داود السجستاني عقد في كتاب الخراج و الفي ء من سننه بابا سمّاه باسم صفايا رسول اللّه «ص» و ذكر فيه ما ورد في الأراضي التي لم يوجف عليها بخيل و ركاب، و فيه عن عمر أنه قال: «كانت لرسول اللّه «ص» ثلاث صفايا: بنو النضير، و خيبر، و فدك.» «2»

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 3/ 40.

(2)- سنن أبي داود 2/ 125، و الحديث في الصفحة/ 128.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 57

و كيف كان فقد استفاضت الروايات و استقرت الفتاوى على كون الصفايا من الأموال التي جعلها اللّه- تعالى- لرسوله و بعده للإمام القائم مقامه:

1- قال الشيخ في النهاية في عداد الأنفال:

«و له أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب المرتفع و ما أشبه ذلك مما لا نظير له من رقيق أو متاع.» «1»

2- و قال في كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 6):

«ما كان للنبي «ص» من الصفايا قبل القسمة فهو لمن قام مقامه، و قال جميع الفقهاء: إن ذلك يبطل بموته: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «2»

أقول: بعد ما كانت الإمامة و زعامة المسلمين لا تتعطل أصلا فلا نرى وجها لتعطل حقوقها و شئونها بموت النبي «ص».

و قد روي عن النبي «ص» أنه قال: «ما أطعم اللّه لنبي طعمة إلّا جعلها طعمة لمن بعده.» «3»

3- و في خمس الشرائع في عداد الأنفال قال:

«و كذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس أو ثوب أو جارية أو غير ذلك ما لم يجحف.» «4»

أقول: لا يناسب هذا القيد للإمام

المعصوم بل للإمام العادل أيضا، و إمامة الفاسق الظالم عندنا باطلة مردودة كما مرّ في محلّه. و لذا قال في المدارك في ذيل العبارة: «هذا القيد مستغن عنه بل كان الأولى تركه.» «5»

و هذا الإشكال وارد على عبارة التذكرة و المنتهى أيضا، فإنه ذكر نظير هذا القيد أيضا.

______________________________

(1)- النهاية/ 199.

(2)- الخلاف 2/ 330.

(3)- المغني 6/ 168؛ و نحوه في مسند أحمد 1/ 4.

(4)- الشرائع 1/ 183 (- طبعة أخرى/ 137).

(5)- المدارك/ 343.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 58

و قد عرفت في أول بحث الغنائم أن مقتضى آية الأنفال بضميمة الأخبار الواردة في تفسيرها كون الغنيمة بأجمعها تحت اختيار الرسول «ص» و بعده للإمام، فله أن يأخذ ما شاء و أن يسدّ بها جميع ما ينوبه فإن بقي منها شي ء خمّسه و قسم البقية كما دلّ على ذلك صحيحة زرارة و مرسلة حماد، فراجع. «1»

4- و في التذكرة:

«للإمام أن يصطفي لنفسه من الغنيمة ما يختاره كفرس جواد و ثوب مرتفع و جارية حسناء و سيف قاطع و غير ذلك مما لا يضرّ بالعسكر عند علمائنا أجمع لما رواه العامة أن النبي «ص» كان يصطفي من الغنائم الجارية و الفرس و ما أشبههما في غزاة خيبر و غيرها ...» «2» و ذكر نحو ذلك في المنتهى أيضا، فراجع. «3»

5- و في المنتهى أيضا:

«و من الأنفال ما يصطفيه من الغنيمة في الحرب مثل الفرس الجواد و الثوب المرتفع و الجارية الحسناء و السيف القاطع و ما أشبه ذلك ما لم يجحف بالغانمين؛ ذهب إليه علماؤنا أجمع ...» «4»

6- و في صحيحة ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «كان رسول

اللّه «ص» إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ... و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول «ص».» «5»

7- و في صحيحة أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا، لنا الأنفال و لنا صفو المال.» «6»

______________________________

(1)- راجع الجهة الثانية من فصل الغنائم.

(2)- التذكرة 1/ 433.

(3)- المنتهى 2/ 948.

(4)- المنتهى 1/ 553.

(5)- الوسائل 6/ 356، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.

(6)- الوسائل 6/ 373، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 59

8- و في مرسلة حماد الطويلة، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، قال: «و للإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع مما يحبّ أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس.» «1»

9- و في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن صفو المال، قال: «الإمام يأخذ الجارية الرّوقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال.» «2»

أقول: الروقة بضم الرّاء: الجميل من الناس جدّا، يقال: غلام روقة و جارية روقة و غلمان و جوار روقة. و يقرب من ذلك الفراهة فيقال: مركب فاره و جارية فارهة، أي حسناء مليحة.

10- و عن المفيد في المقنعة، عن الصادق «ع»، قال: «نحن قوم فرض اللّه طاعتنا في القرآن، لنا الأنفال و لنا صفو المال.» يعني بصفوها ما أحبّ الإمام من الغنائم و اصطفاه لنفسه قبل القسمة من الجارية الحسناء و الفرس الفاره و الثوب الحسن و ما أشبه ذلك من رقيق أو

متاع على ما جاء به الأثر عن السادة «ع». «3»

11- و في المستدرك، عن كتاب عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» أنه قال: «و لنا الصفي. قال: قلت له: و ما الصفي؟ قال: الصفي من كل رقيق و إبل يبتغي أفضله ثم يضرب بسهم و لنا الأنفال.» «4»

12- و فيه أيضا عن العياشي، عن بشير الدهّان، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «إن اللّه فرض طاعتنا في كتابه فلا يسع الناس جهلنا، لنا صفو المال و لنا الأنفال و لنا كرائم القرآن.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 15.

(3)- الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 21.

(4)- مستدرك الوسائل 1/ 553، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

(5)- مستدرك الوسائل 1/ 554، الباب 2 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 60

و الظاهر من جعل صفو المال قسيما للأنفال عدم كونه منها و إن كان بحكمها و لكن مرّ عن المنتهى عدّه منها.

13- و في سنن البيهقي بسنده عن ابن عباس في خطاب رسول اللّه «ص» لوفد عبد القيس، قال: «آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع؛ آمركم أن تشهدوا أن لا إله إلّا اللّه و تقيموا الصلاة و تؤتوا الزكاة و تعطوا من المغنم سهم اللّه- عزّ و جلّ- و الصفي.» «1»

14- و فيه أيضا بسنده عن عامر الشعبي، قال: «كان للنبي «ص» سهم يدعى سهم الصفي إن شاء عبدا، و إن شاء أمة، و إن شاء فرسا يختاره قبل الخمس.» «2»

15- و

فيه أيضا بسنده عن عائشة قالت: «كانت صفية من الصفي.» «3»

إلى غير ذلك من الروايات.

و لم يكن الصفي للنبي «ص» إلا لأنه كان إمام المسلمين و قائدهم في عصره، و حيث إن الإمامة لا تتعطل أصلا بحسب حكم العقل و الشرع فلا تتعطل حقوقها و شئونها كما مرّ.

و قد مرّ في طي أبحاثنا أن ما للإمام من الأنفال و الصفايا انما تكون للإمام بما هو إمام أي لمنصب الإمامة لا لشخص الإمام، نعم سدّ حاجات الشخص و خلاته أيضا من أهمّ مصالح الأمّة.

و لا يتعين أن يكون الصفي دائما لشخص الإمام، بل ربما يجعل في المتاحف و بيوت الأموال العامة رصيدا للعملة و ذخرا لمستقبل الأمة كالجواهر النفيسة الثمنية التي لا تقبل التقسيم غالبا و يكون إيثار البعض بها موجبا للتبعيض و الفتنة فلا محالة تحفظ في المتاحف و البنوك أو يستفيد منها الإمام الذي هو مقبول الأمة.

و يظهر من الأخبار التي مرّت أن الصفي قسيم للأنفال، و لكن لو فرض إطلاق

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 303، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب سهم الصفيّ.

(2)- سنن البيهقي 6/ 304، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب سهم الصفيّ.

(3)- سنن البيهقي 6/ 304، كتاب قسم الفي ء و الغنيمة، باب سهم الصفيّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 61

الأنفال على مطلق الغنائم فلا محالة تطلق على الصفايا أيضا، و الأمر سهل بعد وضوح الحكم و أنها للإمام قطعا.

و عمدة النظر في تلك الروايات و الفتاوى عدم تعين التقسيم في الصفايا بل تكون هي تحت اختيار الإمام، فتدبّر.

الثامن مما يكون للإمام بما هو إمام: ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام
[عبارات الفقهاء في ذلك]

على المشهور بين أصحابنا بل ادعي عليه الإجماع:

1- ففي كتاب الفي ء من الخلاف (المسألة 16):

«إذا دخل قوم

دار الحرب و قاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة، و خالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

2- و في كتاب السير منه (المسألة 3):

«إذا غزت طائفة بغير إذن الإمام فغنموا مالا فالإمام مخير إن شاء أخذه منهم و إن شاء تركه عليهم، و به قال الأوزاعي و الحسن البصري. و قال الشافعي: يخمس عليهم. و قال أبو حنيفة: لا يخمس. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «2»

أقول: نظر الشافعي إلى عموم قوله- تعالى-: و اعلموا انّما غنمتم، و أنه يعمّ المأذون فيه و غيره. و نظر أبي حنيفة إلى أنه اكتساب مباح من غير جهاد مشروع فيكون كالاحتطاب و الاحتشاش.

3- و قال في النهاية في عداد الأنفال:

«و إذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام فغنموا كانت غنيمتهم للإمام خاصة

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 332.

(2)- الخلاف 3/ 229.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 62

دون غيره.» و نحو ذلك في المبسوط. «1»

4- و في الشرائع في عداد الأنفال:

«و ما يغنمه المقاتلون بغير إذنه فهو له عليه السلام.» «2»

5- و في الجواهر في شرح العبارة قال:

«على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل نسبه غير واحد إلى الشيخين و المرتضى و أتباعهم، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب، كما في الروضة نفي الخلاف عنه، و في بيع المسالك أن المعروف من المذهب مضمون المقطوعة الآتية لا نعلم فيه مخالفا، بل عن الحلّي الإجماع عليه و هو الحجة ...» «3»

6- و في الأنفال من المنتهى:

«و إذا قاتل قوم من غير إذن الإمام ففتحوا (فغنموا- ظ.) كانت الغنيمة للإمام، ذهب إليه الشيخان و السيّد المرتضى و أتباعهم.

و قال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام لكنه مكروه. و قال أبو حنيفة، هي لهم و لا خمس. و لأحمد ثلاثة أقوال: كقول الشافعي و أبي حنيفة، و ثالثها لا شي ء لهم فيه.» «4»

و بالجملة، فالمشهور كون الغنيمة بأجمعها للإمام، و في الخلاف الإجماع عليه و لم يفرقوا في الحكم بين زمان الحضور و الغيبة.

و يستدلّ لذلك بوجوه:
الأول: الإجماع المدعى

و لكن ثبوته بحيث يستكشف به قول المعصوم مشكل و لعلّ مدركهم الخبر الآتي.

الثاني: مرسلة العباس الورّاق،

عن رجل سمّاه، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

______________________________

(1)- النهاية/ 200؛ و المبسوط 1/ 263.

(2)- الشرائع 1/ 183 (- طبعة أخرى/ 137).

(3)- الجواهر 16/ 126.

(4)- المنتهى 1/ 553.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 63

«إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس.» «1»

و في السند ضعف بالإرسال و بجهل بعض الرواة، فيشكل الاعتماد عليها إلا أن يجبر الضعف بالشهرة لو ثبت اعتماد الأصحاب عليها و لكن إثبات ذلك مشكل، اللّهم إلّا أن يقال: إن كان اعتماد الأصحاب على المرسلة جبر ضعفها و إن لم يكن عليها صار إجماعهم حجة.

و مما يشهد لاعتماد الأصحاب على المرسلة ذكرهم لمضمونها في مقام الإفتاء في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة، حتى إن ابن إدريس مع عدم عمله بالخبر الواحد قد أفتى في السرائر بمضمون المرسلة فيشكل رفع اليد عنها، فتدبّر.

الثالث: صحيحة معاوية بن وهب،

قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة أخماس. و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ.» «2»

حيث دلّت على التفصيل بين كون القتال بإذن الأمير الذي أمّره الإمام و عدمه، و توقف التقسيم على كونه بإذنه. هذا.

و لكن في دلالة الصحيحة إشكال، إذ المفروض في السؤال أن السرية بعثها الإمام؛ فالتفصيل في الجواب لا محالة وقع في هذا الفرض، و قد فصل فيه بين القتال و عدمه لا بين الإذن و عدمه.

قال الشيخ الأنصاري في خمسه:

«و لا يخفى عدم دلالتها على

المطلوب إلّا إذا اعتبر مفهوم القيد في قوله: مع أمير أمّره الإمام، مع تأمّل فيه أيضا لأن المفروض أن ضمير قاتلوا راجع إلى السرية التي

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 16.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 64

يبعثها الإمام فالقيد لا يكون للتخصيص قطعا.» «1»

أقول: هنا شي ء أشار إليه في مصباح الفقيه، «2» و هو أن ذكر قوله: «مع أمير أمّره الإمام» لا بدّ أن يكون لفائدة و إلّا كان ذكره لغوا، و ليست الفائدة في ذكر القيد غالبا إلّا دخالته في موضوع الحكم فينتفي الحكم بانتفائه.

و مورد الاستدلال ليس هو مفهوم الشرط المصرح به في الذيل بل مفهوم القيد فتكون النتيجة أن التقسيم يتوقف على القتال و الإذن معا و لا محالة ينتفي بانتفاء كل منهما و يختص المال حينئذ بالإمام. غاية الأمر أن المصرّح به في الذيل صورة انتفاء الشرط فقط. و حمل القيد على التوضيح و الإشارة إلى ما فرض في السؤال خلاف الظاهر. هذا.

و لكن إثبات الحكم بمثل هذا المفهوم الضعيف مشكل، فتدبّر.

و يظهر من المحقق في المعتبر و النافع و من المنتهى و المدارك الترديد في الحكم و احتمال أو تقوية المساواة بين المأذون فيه و غيره في وجوب التخميس و تقسيم البقية، لعموم قوله- تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ» «3» الظاهر في كون

البقية للغانمين، و قوله- تعالى-: «فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا طَيِّباً.» «4»

و لخصوص صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة؟ قال:

«يؤدي خمسا و يطيب له.» «5» حيث يظهر منه عدم اعتبار الإذن في التخميس و تملك البقية.

و لقوله «ع» في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة في عداد ما فيه الخمس: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ما له.» «6»

و لما في بعض أخبار التحليل من إباحة الأئمة- عليهم السلام- لشيعتهم نصيبهم

______________________________

(1)- كتاب الطهارة/ 494، كتاب الخمس، فصل في الأنفال (- طبعة أخرى/ 555).

(2)- مصباح الفقيه/ 153.

(3)- سورة الأنفال (8)، الآية 41.

(4)- سورة الأنفال (8)، الآية 69.

(5)- الوسائل 6/ 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(6)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 65

من الفي ء و الغنائم، الظاهر في عدم كون الجميع لهم بل الخمس فقط، مع أن الظاهر كون موردها زمان استيلاء خلفاء الجور و عدم كون قتالهم و اغتنامهم بإذن الأئمة «ع»:

منها: المروي عن الإمام العسكري، عن آبائه، عن أمير المؤمنين «ع» أنه قال لرسول اللّه «ص»: «قد علمت يا رسول اللّه أنه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولى على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب و لتطيب مواليدهم.

الحديث.» «1»

أقول: يمكن أن يجاب عن الاستدلال بالآيتين الشريفتين بتخصيصهما بمرسلة الوراق المنجبرة بعمل الأصحاب.

و عن صحيحة الحلبي بحملها بقرينة سائر أخبار التحليل على التحليل للشخص بشرط أن يخمّس أو على الإذن في تلك الغزوة كما في الجواهر. «2» هذا.

و لكنه خلاف الظاهر لظهورها في بيان الحكم الكلي الشرعي

لا التحليل الشخصي أو الإذن.

و قد يقال في توجيه الصحيحة: إن إذن أئمتنا- عليهم السلام- لشيعتهم في قتال الكفار و لو تحت لواء حكّام الجور كان أمرا مفروغا عنه، لشدة عنايتهم- عليهم السلام- ببسط الإسلام، و السؤال في الصحيحة كان عن وظيفتهم بالنسبة إلى الخمس، حيث إن خلفاء الجور لم يكونوا يخمسونها، فأجاب الإمام- عليه السلام- بأن للشخص أن يخمس ما وصل إليه ثم يستفيد من البقية، فليس في الصحيحة دلالة على عدم اعتبار الإذن في حلية الغنيمة.

و لكن يمكن أن يقال إن إذنهم- عليهم السلام- في جميع الغزوات الواقعة بأيدي خلفاء الجور دون إثباته خرط القتاد.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

(2)- الجواهر 16/ 127.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 66

كيف! و قد يظهر من بعض الأخبار منعهم الشيعة من الشركة فيها، حيث إنها كانت تقوية لنظام الظلم و الجور. هذا.

و أما صحيحة علي بن مهزيار ففي الحدائق:

«الظاهر أن المراد بالعدوّ هنا إنما هو المخالف كما أشرنا إليه سابقا لا الكافر المشرك.» «1»

أقول: ما ذكره رجم بالغيب لا دليل عليه بل الدليل على خلافه، نعم يمكن أن يجاب عن الصحيحة بأن مورد البحث هنا هو الغنيمة الحاصلة بالقتال بدون إذن الإمام لا المال الشخصي الحاصل باغتيال الشخص الكافر مضافا إلى أنه قد يقع بالإذن أيضا.

[عمدة الدليل للمسألة الإجماع المدعى]

و كيف كان فعمدة الدليل للمسألة الإجماع المدعى و مرسلة الوراق. و ابن إدريس مع إنكاره لحجية خبر الواحد قد أفتى في السرائر «2» بمضمون المرسلة، و نسب إليه أنه ادعى الإجماع في المسألة و لكن لم أجده فيه.

قال في الحدائق:

«و ادعى عليه ابن إدريس الإجماع و ردّه المحقق

في المعتبر فقال: و بعض المتأخرين يستسلف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد فيحتج لقوله بدعوى إجماع الإمامية، و ذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول: إن الإجماع إنما يكون حجة إذا علم أن الإمام «ع» في الجملة، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا يكون علمه حجة على من لم يعلم.» «3» هذا.

و الذي يسهّل الخطب في المسألة أن الغنيمة عندنا بأجمعها تكون تحت اختيار الإمام و لا يتعين فيها التقسيم و إن حصل القتال بإذنه كما دلّ على ذلك مرسلة حماد و غيرها و قد مرّ تفصيل ذلك في فصل الغنائم، فراجع.

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 479.

(2)- السرائر/ 116.

(3)- الحدائق 12/ 478؛ و في المعتبر/ 296.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 67

و يظهر من الحدائق التفصيل في المسألة فقال في أوائل كتاب الخمس منه:

«و الظاهر من الأخبار و كلام الأصحاب أن الذي يكون للإمام «ع» متى كان بغير إذنه إنما هو ما يؤخذ على وجه الجهاد و التكليف بالإسلام كما يقع من خلفاء الجور و جهادهم الكفار على هذا الوجه لا ما أخذ جهرا و غلبة و غصبا و نحو ذلك ...» «1»

و فيه أنه خلاف إطلاق النصّ و الفتاوى فإن الغزاء يصدق و لو كان الهجوم لتوسعة الملك أو ازدياد الأموال.

و يظهر من العروة الوثقى التفصيل بين زمان حضور الإمام و غيبته فقال في أوائل كتاب الخمس من العروة:

«و أما إذا كان الغزو بغير إذن الإمام فإن كان في زمان الحضور و إمكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام «ع»، و إن كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة خصوصا إذا كان للدعاء إلى الإسلام ...» «2»

فكأنه-

قدّس سرّه- حمل مرسلة الوراق و كلام المشهور على صورة إمكان الاستيذان من الإمام، ففي غيره يتبع إطلاق الآيتين.

و لكن يمكن أن يورد عليه بأن لفظ الإمام في باب الجهاد و سائر أبواب الفقه لا يختص بالإمام المعصوم بل يشمل للحاكم الإسلامي في عصر الغيبة أيضا فيمكن الاستيذان منه.

هذا مضافا إلى أن حمل مرسلة الوراق و كلام الأصحاب على خصوص صورة إمكان الاستيذان بلا وجه، و إطلاق الخاص محكّم على إطلاق العام.

نعم لو لم يصدق عنوان الغزاء كما إذا كان الهجوم من الخصم و لم يقع من المسلم إلا الدفاع غير المشروط بإذن الإمام كان الحكم بثبوت الخمس و تملك البقية عملا بعموم الآية في محلّه.

و هنا احتمال آخر و هو التفصيل بين ما إذا وقع الغزاء في لواء حاكم الجور و بأمره و بين ما إذا حمل قوم على قوم فغنموا من دون نظر الحاكم، فتحمل المرسلة

______________________________

(1)- الحدائق 12/ 322.

(2)- العروة الوثقى 2/ 367.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 68

على الصورة الثانية فقط بقرينة صحيحة الحلبي و ما أشرنا إليه من الروايات الدالة على تحليل الخمس في المقام كرواية العسكري «ع» و نحوها، فيستفاد من ذلك تنفيذ الأئمة «ع» للجهاد في لواء خلفاء الجور و لا سيما إذا كان للدعاء إلى الإسلام و بسطه، كما يشهد بذلك دعاء الإمام السجاد «ع» لجيوش المسلمين في عصره، و يكون المقصود من المرسلة المنع عن الغزاء بدون إذن الحاكم و عدم تنفيذه حذرا من الهرج و الفوضى و أنهم لو فعلوا ذلك لم يكن لهم حظ في الغنيمة، فيكون هذا الاحتمال بالعكس مما اختاره صاحب الحدائق، و لا يخفى قوة هذا

الاحتمال.

و قد تحصل مما ذكرنا أن المحتملات فيما إذا وقع الغزاء بغير إذن الإمام خمسة:

الأول: ما اختاره المشهور من كون الغنيمة بأجمعها للإمام مطلقا. الثاني: كونها كسائر الغنائم تخمس و تقسم البقية مطلقا. الثالث: تفصيل صاحب الحدائق.

الرابع: تفصيل صاحب العروة. الخامس: ما ذكرناه أخيرا من الاحتمال، و اللّه العالم بحقيقة الحال.

التاسع من الأنفال: المعادن مطلقا على قول قوي:
و الأقوال في المسألة ثلاثة أو أربعة:
الأول: كونها من الأنفال مطلقا

كما مرّ في عبارة المقنعة و المراسم و يأتي عن الكافي و النهاية أيضا. و نسبه في الجواهر إلى القاضي و القمي في تفسيره أيضا ثم قال:

«و اختاره في الكفاية كما عنه في الذخيرة، بل هو ظاهر الأستاذ في كشفه أيضا من غير فرق بين ما كان منها في أرضه أو غيرها و بين الظاهرة و الباطنة.» «1»

الثاني: نفي ذلك مطلقا و أن الناس فيها شرع

كما يظهر من النافع و البيان

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 129.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 69

و الدروس و اللمعة. و قال في الروضة:

«أطلق جماعة كون المعادن للناس من غير تفصيل.» «1»

الثالث: التفصيل و جعلها تابعة للأرض التي فيها:

فما في أرض الأنفال تكون منها، و ما في الملك الشخصي أو المفتوحة عنوة أيضا تتبعهما كما في السرائر و المعتبر و المنتهى و الروضة و عن التحرير أيضا.

و ربما يلوح من بعض العبارات التفصيل بين المعادن الظاهرة و الباطنة فتكون الأولى مباحة لجميع الناس و الثانية للإمام، و يظهر هذا التفصيل من المبسوط كما يأتي.

[كلمات الفقهاء]

و كيف كان فلنتعرض لبعض الكلمات:

1- قال الكليني في أصول الكافي في عداد الأنفال:

«و كذلك الآجام و المعادن و البحار و المفاوز هي للإمام خاصة.» «2»

2- و قال الشيخ في النهاية في بيان أقسام الأرضين:

«و منها: أرض الأنفال، و هي كل أرض انجلى أهلها عنها من غير قتال، و الأرضون الموات، و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و قطائع الملوك. و هذه كلها خاصة للإمام يقبّلها من شاء بما أراد، و يهبها و يبيعها إن شاء حسب ما أراد.» «3»

3- و قال في المبسوط:

«و أما المعادن فعلى ضربين: ظاهرة و باطنة: فالباطنة لها باب نذكره، و أما الظاهرة فهي الماء و القير و النفط و الموميا و الكبريت و الملح و ما أشبه ذلك، فهذا لا يملك بالإحياء و لا يصير أحد أولى به بالتحجير من غيره، و ليس للسلطان أن يقطعه بل الناس كلهم فيه سواء يأخذون منه قدر حاجتهم، بل يجب عندنا فيه الخمس، و لا خلاف في أن ذلك لا يملك، و روي أن الأبيض بن حمال المأريي استقطع رسول اللّه «ص» ملح ماء مأرب فروي أنه اقطعه، و روي: أنه أراد أن يقطعه فقال

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 2/ 86 (- ط. أخرى 1/ 186).

(2)- الكافي 1/ 538، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال ...

(3)-

النهاية/ 419.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 70

له رجل و قيل: إنه الأقرع بن حابس: أ تدري يا رسول اللّه ما الذي تقطعه؟ إنما هو الماء العدّ، قال: فلا إذا.» «1»

4- و قال فيه في المعادن الباطنة:

«و أما المعادن الباطنة مثل الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص و حجارة البرام و غيرها مما يكون في بطون الأرض و الجبال و لا يظهر إلّا بالعمل فيها و المؤونة عليها فهل تملك بالإحياء أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما: أنه يملك و هو الصحيح عندنا، و الثاني: لا يملك لأنه لا خلاف أنه لا يجوز بيعه، فلو ملك لجاز بيعه، و عندنا يجوز بيعه. فإذا ثبت أنها تملك بالإحياء فإن إحياءه أن يبلغ نيله، و ما دون البلوغ فهو تحجير و ليس بإحياء فيصير أولى به مثل الموات، و يجوز للسلطان إقطاعه لأنه يملكه عندنا ...» «2»

أقول: ظاهر كلامه الأخير أن كون المعادن الباطنة للإمام متفق عليه عندنا.

5- و في الشرائع:

«الطرف الرابع: في المعادن الظاهرة، و هي التي لا تفتقر إلى إظهار كالملح و النفط و القار، لا تملك بالإحياء، و لا يختص بها المحجّر، و في جواز إقطاع السلطان المعادن و المياه تردد، و كذا في اختصاص المقطع بها. و من سبق إليها فله أخذ حاجته ... و من فقهائنا من يخصّ المعادن بالإمام- عليه السلام-، فهي عنده من الأنفال. و على هذا لا يملك ما ظهر منها و ما بطن، و لو صح تملكها بالإحياء لزم من قوله اشتراط إذن الإمام و كل ذلك لم يثبت ...

و المعادن الباطنة هي التي لا تظهر إلّا بالعمل كمعادن الذهب و الفضة

و النحاس، فهي تملك بالإحياء و يجوز للإمام إقطاعها قبل أن تملك، و حقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها ...» «3»

6- و في إحياء الموات من التذكرة ما ملخصه مع حفظ ألفاظه:

______________________________

(1)- المبسوط 3/ 274.

(2)- المبسوط 3/ 277.

(3)- الشرائع 3/ 278 (- طبعة أخرى/ 796، الجزء الرابع).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 71

«المعادن هي المواضع التي خصها اللّه- تعالى- بإبداع شي ء من الجواهر المطلوبة فيها، و هي إما ظاهرة و إما باطنة: فالظاهرة عند أكثر علمائنا من الأنفال يختص بها الإمام خاصة. و قال بعضهم: إن الناس فيها شرع سواء و هو قول العامة.

و المراد بالظاهرة ما يبدو جوهرها من غير عمل و إنما السعي و العمل لتحصيله إما سهلا و إما متعبا.

و لا يفتقر إلى إظهار كالملح و النفط و القار، فهذه لا يملكها أحد بالإحياء و العمارة و إن أراد بها النيل إجماعا و لا يختص بها بالتحجير، و هل يجوز للإمام إقطاعها؟ منع العامة منه.

و يحتمل عندي جواز أن يقطع السلطان المعادن إذا لم يتضرر به المسلمون. و على ما قاله بعض علمائنا من أنها مختصة بالإمام يجوز له إقطاعها.

المعادن الباطنة، و هي التي لا تظهر إلّا بالعمل و لا يوصل إليها إلا بعد المعالجة و المؤونة عليها كمعادن الذهب و الفضة و الحديد. فالمعادن الباطنة إما أن تكون ظاهرة أو لا، فإن كانت ظاهرة لم يملك بالإحياء أيضا و يكون للإمام عند بعض علمائنا لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه. و عند الباقين تكون لجميع المسلمين لأن الناس فيها شرع.

و إن لم تكن ظاهرة بل إنما تظهر بالإنفاق عليها و العمل فيها فهي للإمام أيضا عند

بعض علمائنا و لا تملك بالإحياء إلا بإذنه و عند الباقين أنها لجميع من سبق إليها و أحياها ...» «1»

و راجع في حكم المعادن و التفصيل بين الظاهرة و الباطنة منها و الأقوال فيها المغني لابن قدّامة أيضا. «2»

7- و في السرائر في عداد الأنفال قال:

«المعادن التي في بطون الأودية التي هي ملكه و كذلك رءوس الجبال، فأما ما كان من ذلك في أرض المسلمين و يد مسلم عليه فلا يستحقه «ع» بل ذلك (كذلك-

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 403 و 404.

(2)- المغني 6/ 156 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 72

ظ.) في الأرض المفتتحة عنوة.» «1»

[في تفسير الظاهرة و الباطنة]

أقول: يظهر من كلمات الفقهاء في تفسير الظاهرة و الباطنة هنا تفسيران مختلفان:

الأول: أن يراد بالظاهرة ما ظهرت بنفسها على وجه الأرض، و بالباطنة ما تكون في باطن الأرض مما تحتاج إلى حفر و استخراج.

الثاني: أن يراد بالظاهرة ما لا تحتاج إلى صنع و تصفية في بروز الجوهر بل تكون بنفسها خالصة صافية و إن كانت في باطن الأرض. و بالباطنة ما تحتاج إلى صنع و تصفية كالذهب و الفضة و النحاس المختلطة تكوينا بالأجزاء الترابية و الحجرية فتحتاج إلى إحراق و إذابة و تصفية و إن كانت على وجه الأرض.

قال الشهيد في المسالك في تفسير المعادن الظاهرة:

«فالظاهرة هي التي يبدو جواهرها من غير عمل و إنما السعي و العمل لتحصيله، ثم تحصيله قد يسهل و قد يلحقه تعب و ذلك كالنفط و أحجار الرحى و البرمة و الكبريت و القار.» «2»

و قال في تفسير المعادن الباطنة:

«و هي التي لا يظهر جوهرها إلّا بالعمل و المعالجة كالذهب و الفضة و الفيروزج و الياقوت

و الرصاص و النحاس و الحديد و سائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض سواء كانت موجودة في ظاهر الأرض بحيث لا يتوقف الشروع فيها على حفر شي ء من الأرض خارج عنها أم في باطنها لكن القسم الأول منها في حكم المعادن الظاهرة بقول مطلق.» «3» هذا.

______________________________

(1)- السرائر/ 116.

(2)- المسالك 2/ 293.

(3)- المسالك 2/ 294.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 73

[الدليل على القول الأول و هو كون المعادن مطلقا من الأنفال]

و يدلّ على كون المعادن مطلقا من الأنفال أخبار:

1- موثقة إسحاق بن عمّار المروية عن تفسير علي بن إبراهيم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الأنفال فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام. و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا رب لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال.» «1»

هكذا في الوسائل، و لكن في المطبوعين من التفسير: «و ما كان من أرض الجزية لم يوجف عليها.» «2» و لعله الأصح كما مرّ.

2- و عن العياشي، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع»، قال: «لنا الأنفال».

قلت: و ما الأنفال؟ قال: «منها المعادن و الآجام و كل أرض لا رب لها. الحديث.» «3»

3- و عنه أيضا، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه «ع» في حديث قال: قلت:

و ما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و المعادن، الحديث.» «4»

4- و في المستدرك، عن كتاب عاصم بن حميد الحناط، عن أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» أنه قال: ... «و لنا الأنفال.» قال: قلت له: و ما الأنفال؟ قال:

«المعادن منها و الآجام و كل أرض لا رب لها.» «5»

و ربما يناقش في إطلاق الموثقة التي هي أهمها باحتمال عود الضمير في «منها» إلى الأرض التي لا ربّ لها لا إلى الأنفال بأن تكون كلمة: «منها» صفة أو حالا للمعادن لا خبرا لها، هذا مضافا إلى إبدالها في بعض النسخ ب «فيها»، فيتعين رجوع

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 371، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

(2)- تفسير علي بن إبراهيم (القمّي)/ 235 (- طبعة أخرى 1/ 254).

(3)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 28.

(4)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 32.

(5)- مستدرك الوسائل 1/ 553، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 74

الضمير فيها إلى الأرض التي قبله، بل ربما قيل إن جعل كلمة: «منها» خبرا للمعادن يوجب جعل الواو للاستيناف لا للعطف و هو خلاف الظاهر.

و لكن يمكن أن يجاب عن الأخير بأن يجعل كلمة: «منها» خبرا لقوله: «و ما كان من الأرض» و يجعل ما بعده عطفا عليه عطف المفرد على المفرد. و الموجود في مطبوعين من التفسير كلمة: «منها» و لم أعثر على: «فيها». و نظير هذه العبارة عبارة خبر أبي بصير في المستدرك.

و كيف كان فظاهر الأخبار التي مرت كون المعادن في عداد الأنفال.

و يساعد ذلك الاعتبار العقلي أيضا فإن المتعارف في جميع الدول و الحكومات الدارجة جعل ما لا يتعلق بالأشخاص مثل المعادن و البحار و البراري و القفار من الأموال العامة المرتبطة بالحكومات، فهي تتصرف فيها و تقبلها حسب مصالح الحكومة و الأمة و قد جعل في شريعتنا هذا

النسخ من الأمور للإمام بما هو إمام بنحو التقييد و هو عبارة أخرى عن جعلها للحكومة و الدولة. فسنخ المعادن أيضا سنخ غيرها مما لا رب لها شخصا كالآجام و المفاوز و نحوهما.

و يؤيد ما ذكرنا ما دلّ على أن الأرض كلها للإمام، إذ الأرض بإطلاقها تشمل ما تكون فيها من المعادن و الأشياء القيمة أيضا، و في بعض الأخبار: «إن الأرض كلها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا.» و هذا أظهر، فراجع أصول الكافي، باب أن الأرض كلها للإمام. «1»

فإن قلت: مقتضى ما ذكرت من الإطلاق كون المعادن الواقعة في الأملاك الشخصية أيضا من الأنفال و هو خلاف مقتضى الملكية.

قلت: لا نسلّم أن مقتضى مالكية أحد لأرض مثلا كونها ملكا له من تخوم

______________________________

(1)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 75

الأرض إلى عنان السماء، إذ الملكية أمر اعتباري، و المعتبر لها هم العقلاء في كل عصر و زمان، و حدود موضوعها سعة و ضيقا أيضا تابعة لاعتبارهم و هم لا يعتبرون الملكية في مثل الدار و نحوها مثلا إلّا لساحتها و مرافقها المحتاجة إليها في الاستفادة منها، و منها الجوّ و الفضاء إلى حدّ خاصّ يتعلق عرفا بهذه الدار. و ليست المعادن الواقعة في تخوم هذه الدار و كذا الفضاء الخارج عن المتعارف معدودا من توابعها العرفية و مرافقها.

و هل ترى عبور الطائرات مثلا في جوّ سماء البلدان إذا علت و لم تزاحم ساكني الدور تصرفا في ملك الغير؟ لا أظنّ أحدا يلتزم بذلك، و لكن عبورها من جوّ مملكة بلا إذن من واليها

يعدّ تصرفا في سلطة الغير و تعديا في ملكه. و كذلك الكلام بالنسبة إلى المياه الكثيرة و المعادن العظيمة الواقعة تحت ملك الغير؛ فلو فرض مثلا استخراج المعدن المتكون تحت دار الغير أو بستانه في عمق ألف متر مثلا بإذن الإمام بلا تصرف في داره و بستانه بأن جعل مدخل المعدن في خارج الدار أو البستان، أو حفر بئرا، أو قناة في الخارج بحيث يستفيد من الماء المتكون تحت ملك الغير فهل يعدّ هذا تصرفا في ملك الغير؟

نعم، المعادن الصغار السطحية و كذا العيون الصغار السطحية ربما تعدّ عرفا من توابع الملك نظير الأشجار و الأعشاب النابتة فيه. و قد مرّ منّا سابقا أن الأساس و الملاك للمالكية الشخصية هو الصنع و العمل، و حيث إن الصادر من محيي الأرض و معمّرها هو حيثية الإحياء و العمران فهو لا يملك إلّا لهذه الحيثية و توابعها العرفية، فلا وجه لأن يملك المعادن الواقعة في تخوم الأرض بلا صنع منه بل و لا شعور بوجودها، اللّهم إلا أن يستخرجها و يحييها بإذن الإمام و لو عموما، فإن إحياء المعدن هو كشفه و استخراجه، فما لم يستخرج يبقى على حالته الأولى من كونه من الأموال العامة، و إن شئت قلت: للّه- تعالى- يورثه من يشاء من عباده، و إن شئت قلت: للإمام بما هو إمام أي لمنصب الإمامة، فكل هذه التعبيرات ترجع إلى معنى واحد.

و بالجملة ليس إحياء الأرض إحياء للمعدن المتكون تحتها بل هو باق على

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 76

اشتراكه، نعم ليس لكل أحد الورود في ملك الغير بعنوان استخراج المعدن و إنما يكون ذلك إلى الإمام إن رآه

صلاحا و جبر خساراته. هذا.

[الدليل على القول الثالث و هو تبعية المعادن من الأرض]

و لو تنزلنا عن القول الأول في المعادن فالأظهر هو القول الثالث، أعني تبعية المعادن للأرض الواقعة فيها.

و المحقق في كتاب إحياء الموات من الشرائع مع استشكاله في كون المعادن من الأنفال قال:

«لو أحيا أرضا فظهر فيها معدن ملكه تبعا لها لأنه من أجزائها.» «1»

أقول: هل المعدن جزء من الأرض المحياة فيملكه المحيي تبعا و ليس جزء من أرض المسلمين أو أرض الإمام؟ فإن كانت الجزئية من الأرض ملاكا للملكية التبعية كان مقتضاه عدّ المعدن الواقع في الأنفال من الأنفال أيضا، و هو القول الثالث في المسألة.

[الدليل على القول الثاني و هو عدم كون المعادن مطلقا من الأنفال]

و أما القول الثاني، فاستدلّ له في إحياء الموات من الجواهر بقوله:

«فإن المشهور نقلا و تحصيلا على أن الناس فيها شرع سواء، بل قيل: قد يلوح من محكي المبسوط و السرائر نفي الخلاف فيه. مضافا إلى السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار في زمن تسلطهم و غيره على الأخذ منها بلا إذن، حتى ما كان في الموات الذي قد عرفت أنه لهم منها أو في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين، فإنه و إن كان ينبغي أن يتبعهما فيكون ملكا للإمام «ع» في الأول و للمسلمين في الثاني لكونه من أجزاء الأرض المفروض كونها ملكا لهما، بل لو تجدد فيهما فكذلك أيضا إلّا أن السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة، و لقوله- تعالى-: «خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ» و لشدة حاجة الناس إلى بعضها على وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء و النار و الكلأ، و في خبر أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي «ع»: «لا يحل منع الملح و النار» و غير ذلك مما لا يخفى على السارد لأخبارهم يوجب الخروج عن

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 279،

(- طبعة أخرى/ 797، الجزء الرابع).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 77

ذلك.» «1»

و استدل له في باب الأنفال بقوله:

«للأصل و السيرة، و إشعار إطلاق أخبار الخمس في المعادن، ضرورة أنه لا معنى لوجوبه على الغير و هي ملك للإمام.» «2»

أقول: ادعاء الشهرة مع مصير جمع من الأساطين إلى الخلاف بلا وجه، و السيرة المدعاة قد تحققت في سائر الأنفال أيضا، فإن أراضي الموات مثلا من الأنفال قطعا و قد استقرّت السيرة في جميع الأعصار على إحيائها و التصرف فيها و حيازة ما فيها، و وجهه عدم التزام الناس غير الشيعة الإمامية بكونها من الأنفال و عدم اعتنائهم بشأن الأئمة «ع». و الشيعة الإمامية و هم القليلون من الناس لعلهم كانوا يستأذنون من الأئمة- عليهم السلام-، أو لعلهم وقفوا على تحليلهم لشيعتهم.

و قولنا: إن الموات و المعادن من الأنفال لا نريد به أن الأئمة «ع» يحبسون جميع الناس عن التصرف فيها و يحبسونها عنهم، بل نريد به كما مرّ أن زمام أمرها بأيديهم، فهي تحيى و يستفاد منها و لكن بإذنهم و تحت نظرهم بلا أجرة أو بأجرة حسب ما تقتضيه مصالح الإسلام و المسلمين.

كيف؟! و الفرار من الهرج و المرج و التغالب و تضييع حقوق الضعفاء يستدعي جعل زمام الأموال العامة بيد وليّ المجتمع الصالح العادل.

فاتضح بذلك بطلان الاستدلال بالآية الشريفة و بشدة حاجة الناس إلى المعادن، حيث إن خلقها للناس و شدة حاجتهم إليها لا ينافيان كونها من الأنفال و تحت اختيار الإمام، إذ الأنفال كما مرّ بيانه ليست ملكا لشخص الإمام بل لمنصب الإمامة و إدارة شئون الأمة فهو لا يحبسها عند حاجة الناس و الأمة إليها بل

يصرفها و يقبلها حسب الحاجات و المصالح العامة.

فكون المعادن مثلا من الأنفال لا يوجب تركها و عدم السعي في استخراجها بل

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 108، و الخبر المذكور في الوسائل 17/ 332، الباب 5 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.

(2)- الجواهر 16/ 129.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 78

الإمام العادل يقطعها إلى من يستخرجها أو يحلل للجميع استخراجها و الاستفادة منها بنحو لا يضرّ بالإسلام و لا بالأمة. أ لا ترى أن الموات من الأراضي و بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام جعلت كلها من الأنفال و للإمام مع أنها مما يحتاج إليها الناس جدا طول القرون و الأعصار.

[معنى كون المعادن للإمام و الدليل عليه]

فمعنى كونها للإمام أن زمام أمرها بيده و هو الذي يقطعها و يقبلها بلا أجرة أو بأجرة حسب ما يراه من المصلحة. فأيّ فرق في ذلك بين المعادن و بين ما ذكر؟!

و أما جعل الخمس على من استخرجها مع تحقق الشروط فإما أن يكون من قبل الأئمة- عليهم السلام- بعنوان العوض و حق الإقطاع فيكون نفس ذلك إذنا منهم في استخراجها و تحليلا لها لشيعتهم بإزاء تأدية الخمس منها، أو يكون حكما شرعيا إلهيّا ثابتا على من استخرجها بالإذن منهم و لو بسبب التحليل المطلق في عصر الغيبة و عدم انعقاد الحكومة الحقة الصالحة.

و كونه بعنوان حق الإقطاع لا يقتضي اختصاص الإمام به و عدم صرفه إلى السادة كما توهم، إذ هو تابع لكيفية جعل الإمام، مضافا إلى ما ذكرناه في باب الخمس من كونه بأجمعه حقا وحدانيا ثابتا للّه و بعده للرسول و بعده للإمام القائم مقامه مثل الأنفال غاية الأمر أن على الإمام إدارة شئون السادة بما أنهم

فروع شجرة النبوة.

و بالجملة فالأقوى كون المعادن بإطلاقها من الأنفال ظاهرة كانت أو باطنة فتكون تحت اختيار إمام المسلمين و لا تستخرج إلا بإذنه خصوصا أو عموما و يجوز له إقطاعها إذا رآه صلاحا.

و الفرق الذي يوجد في كلمات فقهاء الفريقين بين المعادن الظاهرة و الباطنة ليس منه أثر في أخبارنا و ليس من الأصول المتلقاة عن المعصومين «ع» حتى يفيد فيه الإجماع أو الشهرة، و لذا لم يذكر في ما مرّ من عبارات المقنعة و النهاية و المراسم و الكافي. بل هو أمر تفريعي اجتهادي تعرضوا له على أساس ما عندهم من القواعد، و يشبه أن يكون ورد من فقه السنة إلى فقهنا، و لعل منشأ الالتفات إلى هذا التفصيل قصة استقطاع أبيض بن حمال لملح مأرب و ما عامله به النبي «ص»، و سيأتي الإشارة اليها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 79

و في عصر الغيبة يكون زمام اختيار الأنفال و الأموال العامة بيد الحاكم الصالح العادل بشرائطه التي مرّت في محلّه، كما أن زمام أمر الخمس أيضا بيده.

و التحليل المطلق من الأئمة «ع» للأنفال لشيعتهم لا ينافي جواز دخالة الحاكم الشرعي فيها مع بسط يده، فإن الظاهر أن أئمتنا- عليهم السلام- أرادوا التوسعة لشيعتهم في زمان حكومة خلفاء الجور و عدم التمكن من الحكومة الحقة الصالحة.

و الحكومة ضرورة للمسلمين في جميع الأعصار لا محيص لهم عنها و لا تتعطل شرعا، و احتياجها إلى المنابع المالية و الأموال العامة أيضا واضح، و لا يراد بلفظ الإمام في هذا السنخ من المسائل السياسية و الاقتصادية خصوص الإمام المعصوم، غاية الأمر أنه مع حضور الأئمة الاثني عشر لا تنعقد الإمامة لغيرهم،

و على هذا فللحاكم العادل الصالح منع التصرف فيها إلّا تحت ضوابط و شرائط خاصة حفظا للنظم و العدالة.

و بذلك يظهر الإشكال على ما في الجواهر، حيث يظهر منه اختصاص الحكم بالإمام المعصوم:

قال في ذيل قول المحقق: «و في جواز إقطاع السلطان المعادن و المياه تردد» بعد بيان وجه التردد و قصة استقطاع الملح من النبي «ص» و إشكال المسالك عليها ما هذا لفظه:

«و بالجملة هذه المسألة كنظائرها المذكورة في هذا الكتاب قد ذكرها العامة بناء على أصولهم في أئمتهم الذين يجوز عليهم- ان لم يكن قد وقع منهم- كل قبيح، لأن الأحكام الصادرة منهم عن اجتهاد و رأي و غير ذلك من الأمور الفاسدة، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بأحوالهم، بخلاف الإمام- عليه السلام- عندنا الذي لا ينطق عن الهوى، و إن هو إلّا وحي يوحى. و لاطّلاعه على المصالح الواقعية و كونه معصوما عن ترك الأولى فضلا عن غيره صار أولى من المؤمنين بأنفسهم، فالمتجه حينئذ سقوط هذا البحث، ضرورة أن له الفعل و إن لم يسمّ إقطاعا عرفا.

نعم لا يجوز ذلك و نحوه مما هو متوقف على المصالح الواقعية للنائب العام، لعدم عموم لنيابته على وجه يشمل مثل ذلك مما هو مبني على معرفة المصالح الواقعية

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 80

و ليس له ميزان ظاهر أذنوا- عليهم السلام- فيه، فهو من خواص الإمامة لا يندرج في إطلاق ما دلّ على نيابة الغيبة المنصرف إلى ما كان منطبقا على الموازين الشرعية الظاهرة كالقضاء و الولاية على الأطفال و نحو ذلك لا نحو الفرض.» «1»

فتأمّل في كلامه- قدّس سرّه- أنه حصر الولاية في عصر

الغيبة في مثل القضاء و الولاية على الأطفال و نحوهما، مع أن سياسة البلاد و العباد و حفظ كيان الإسلام و المسلمين و استقلالهم في قبال الكفّار و الأجانب و عمّالهم من أهمّ الأمور التي يقطع بعدم جواز إهمالها، و لا محالة يحتاج فيها إلى منابع مالية مهمة و منها الأموال العامة المعبر عنها بالأنفال.

نعم، لا نأبى مع ذلك كون المالك الشخصي للأرض المملوكة أحق باستخراج المعدن الموجود فيها إن تمكن من ذلك و استلزم استخراجه تصرفا في أرضه، و لكن يعتبر فيه إذن الإمام عموما أو خصوصا كسائر الأنفال، و أما صيرورته بمجرد التكون في ملكه ملكا له تبعا فممنوع إلا في الأمور الجزئية و السطحية المعدة عرفا من توابع الملك و فوائده نظير الأعشاب و الأشجار النابتة و المياه و المعادن الجزئية، فتدبّر. هذا.

و يشهد لكون المعادن من الأنفال إجمالا و كونها تحت اختيار الإمام مضافا إلى ما مرّ ما ورد من إقطاع رسول اللّه «ص» و الخلفاء بعده بعض المعادن لبعض الأشخاص:

1- ففي سنن البيهقي بسنده عن ابن عباس أنه قال: «أعطى النبي «ص» بلال بن الحارث المزني معادن القبلية جلسيّها و غوريّها و حيث يصلح الزرع.» «2»

و نحوها رواية أخرى، فراجع.

قال في النهاية:

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 103.

(2)- سنن البيهقي 6/ 151، كتاب إحياء الموات، باب ما جاء في إقطاع المعادن الباطنة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 81

«الجلس: كل مرتفع من الأرض، و يقال لنجد: جلس أيضا ... و المشهور معادن القبلية بالقاف، و هي ناحية قرب المدينة و قيل هي من ناحية الفرع.» «1»

و فيه أيضا:

«الغور: ما انخفض من الأرض. و الجلس: ما ارتفع منها.» «2»

2- و

في سنن البيهقي أيضا بسنده عن أبيض بن حمال: «أنه و فد إلى النبي «ص» فاستقطعه الملح- قال ابن المتوكل: الذي بمأرب- فقطعه له، فلما أن ولّى قال رجل من المجلس: أ تدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العدّ. قال:

فانتزع منه.» «3» و روى نحوه أبو عبيد في الأموال أيضا. «4»

3- و في البيهقي أيضا بسنده عن أبيض بن حمال: «أنه استقطع النبي «ص» الملح الذي بمأرب فأراد أن يقطعه إياه فقال رجل: إنه كالماء العدّ فأبى أن يقطعه.

قال الأصمعي: الماء العدّ: الدائم الذي لا انقطاع له.» «5»

أقول: عدم إقطاع النبي «ص» للملح الذي بمأرب لا يدلّ على عدم جواز إقطاع المعادن الظاهرة مطلقا كما قيل، إذ لعلّه كان لعدم وجود المصلحة فيه فكان تضييعا لحقوق المسلمين، فالأمر دائر مدار المصالح العامة.

و أوضاع المعادن و كميتها و كيفياتها و مقدار ذخائرها و كيفية استخراجها و الثمن المأخوذ في قبلها تختلف جدّا بحسب الأعصار و البلاد و الأشخاص و الإمكانيات و سائر الشرائط، فتدبّر.

ثم إنه ربما يقال: إنه على تقدير المناقشة في أدلة الطرفين و بقاء المسألة على

______________________________

(1)- النهاية لا بن الأثير 1/ 286.

(2)- النهاية لابن الأثير 3/ 393.

(3)- سنن البيهقي 6/ 149، كتاب إحياء الموات، باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة.

(4)- الأموال/ 350.

(5)- سنن البيهقي 6/ 149، كتاب إحياء الموات، باب ما لا يجوز إقطاعه من المعادن الظاهرة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 82

إجمالها فهل المرجع عموم قوله- تعالى-: «خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً»، و قوله:

«وَ الْأَرْضَ وَضَعَهٰا لِلْأَنٰامِ» «1»، أو عموم الروايات الحاكمة بأن الأرض كلّها لنا، أو الأرض كلها لنا فما أخرج

اللّه منها من شي ء فهو لنا، أو الدنيا و ما فيها للّه- تبارك و تعالى- و لرسوله و لنا، إلى غير ذلك من المضامين الواردة في الأخبار؟ «2»

أقول: من تأمل فيما ذكرناه في خلال بحث الأنفال و بحث المعادن يظهر له عدم تهافت الدليلين و وضوح الجمع بينهما، إذ الظاهر أن الكلام في الآيتين ليست للملكية و لا يراد بهما ملكية الأرض و ما فيها للناس بحيث يملك كل واحد منهم حصة منها بالشركة أو تكون ملكا لعنوان الناس و الأنام و وقفا عليهم بحيث لا يجوز بيعها وهبتها و نحو ذلك نظير ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين. بل المقصود بيان غرض الخلقة و الهدف منها و أن الغرض منها انتفاع الناس بها طول القرون و الأعصار، فالكلام تكون للغاية. و لا ينافي هذا كونها تحت اختيار الإمام الذي هو ممثل المجتمع حذرا من الفوضى و الهرج و التغالب و تضييع الحقوق، و هذا أمر يحكم بحسنه و لزومه العقل و الفطرة، و لا نعني بكونها من الأنفال و كونها للإمام بما هو إمام إلّا هذا.

و بالجملة، فليس العمومان متهافتين و في طرفي النقيض حتى يكون أحدهما المرجع في قبال الآخر، فتدبّر جيدا.

العاشر من الأنفال: ميراث من لا وارث له
[كلمات الأصحاب]

عند علمائنا أجمع:

1- قال الشيخ في كتاب الفرائض من الخلاف (المسألة 1):

______________________________

(1)- سورة البقرة (2)، الآية 29، و سورة الرحمن (55)، الآية 10.

(2)- راجع الكافي 1/ 407، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام- عليه السلام.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 83

«ميراث من لا وارث له و لا مولى نعمة لإمام المسلمين، سواء كان مسلما أو ذميا.

و قال جميع الفقهاء: إن ميراثه لبيت المال و هو لجميع

المسلمين. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

2- و فيه أيضا (المسألة 14):

«ميراث من لا وراث له (لا خ. ل) ينقل إلى بيت المال و هو للإمام خاصة. و عند جميع الفقهاء ينقل إلى بيت المال و يكون للمسلمين ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا فلا خلاف أن للإمام أن يخصّ به قوما دون قوم فلو لا أنه له لم يجز ذلك ...» «2»

3- و في باب الأنفال من النهاية قال في عدادها: «و ميراث من لا وارث له.» «3»

4- و في كتاب الفرائض من الشرائع:

«فإذا عدم الضامن كان الإمام وارث من لا وارث له و هو القسم الثالث من الولاء فإن كان موجودا فالمال له يصنع به ما يشاء و كان علي «ع» يعطيه فقراء بلده و ضعفاء جيرانه تبرعا.» «4»

5- و في المنتهى:

«و من الأنفال ميراث من لا وارث له، ذهب علماؤنا أجمع إلى أنه يكون للإمام خاصة ينقل إلى بيت ماله، و خالف فيه الجمهور كافة و قالوا: إنه للمسلمين أجمع.» «5»

6- و في منهاج النووي:

«و أسباب الإرث أربعة: قرابة و نكاح و ولاء فيرث المعتق العتيق و لا عكس، و الرابع: الإسلام، فتصرف التركة لبيت المال إرثا إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة.» «6»

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 251.

(2)- الخلاف 2/ 258.

(3)- النهاية/ 199.

(4)- الشرائع 4/ 40 (- طبعة أخرى/ 839).

(5)- المنتهى 1/ 553.

(6)- منهاج النووي/ 320.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 84

7- و في مغني المحتاج قال في ذيل كلام النووي:

«لقوله «ص»: «أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه و أرثه.» رواه أبو داود و غيره، و هو «ص» لا يرث لنفسه شيئا، و إنما

يصرف ذلك في مصالح المسلمين لأنهم يعقلون عن الميت كالعصبة من القرابة فيضع الإمام تركته أو باقيها في بيت المال أو يخص منها من يشاء.» «1» هذا.

[يدلّ على الحكم أخبار كثيرة]

و يدلّ على الحكم مضافا إلى كونه إجماعيا أخبار كثيرة:

1- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: «من مات و ليس له وارث من قرابته و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال.» «2»

2- صحيحة محمد الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» في قول اللّه- تعالى-: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ»، قال: «من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال.» «3»

3- صحيحة الحلبي أيضا، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من مات و ترك دينا فعلينا دينه و إلينا عياله، و من مات و ترك مالا فلورثته، و من مات و ليس له موالي فماله من الأنفال.» «4»

4- خبر أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «من مات لا مولى له و لا ورثة فهو من أهل هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ.» «5» و يقرب من ذلك خبره الآخر. «6»

5- خبر حمزة بن حمران، و فيه: فقال أبو عبد اللّه «ع»: «إن كان الرجل الميت يوالى إلى رجل من المسلمين و ضمن جريرته و حدثه أو شهد بذلك على نفسه فإن ميراث الميت له، و إن

______________________________

(1)- مغني المحتاج 3/ 4.

(2)- الوسائل 17/ 547، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 1.

(3)- الوسائل 17/ 548، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 3.

(4)- الوسائل 17/ 548، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة الحديث 4.

(5)- الوسائل 17/ 549، الباب 3

من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 8.

(6)- الوسائل 6/ 369، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 85

كان الميت لم يتوال إلى أحد حتى مات فإن ميراثه لإمام المسلمين. الحديث.» «1»

6- مرسلة حماد الطويلة، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح «ع»، و فيها:

«و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له.» «2»

7- صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في من أعتق عبدا سائبة أنه لا ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه يضمن جريرته و كل حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، و إن لم يفعل ذلك كان ميراثه يرد على إمام المسلمين.» «3»

أقول: في مجمع البحرين:

«في الحديث ذكر السائبة، و هو العبد يعتق و لا يكون لمعتقه عليه ولاء و لا عقل بينهما و لا ميراث فيضع ماله حيث شاء.» «4»

8- خبر علي بن رئاب، عن عمّار بن أبي الأحوص، قال: سألت أبا جعفر «ع» عن السائبة فقال: «انظروا في القرآن؛ فما كان فيه فتحرير رقبة فتلك يا عمّار السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلّا اللّه، فما كان و لاؤه للّه فهو لرسول اللّه «ص». و ما كان ولاؤه لرسول اللّه «ص» فإن ولاءه للإمام و جنايته على الإمام و ميراثه له.» «5»

9- خبر محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار، عن أبي الحسن «ع» في رجل صار في يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال؟ قال: «ما أعرفك لمن هو.» يعني نفسه. «6»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 550، الباب

3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 11.

(2)- الوسائل 6/ 365، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

(3)- الوسائل 17/ 550، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 12.

(4)- مجمع البحرين/ 115.

(5)- الوسائل 17/ 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 6.

(6)- الوسائل 17/ 551، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 86

10- حسنة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: مكاتب اشترى نفسه و خلف مالا قيمته مأئة ألف و لا وارث له، قال: «يرثه من يلي جريرته.»

قال: قلت: من الضامن لجريرته؟ قال: «الضامن لجرائر المسلمين.» «1»

11- و في كتاب الأموال لأبي عبيد بسنده، عن المقدام بن معدي كرب، قال:

قال رسول اللّه «ص»: «... و أنا وارث من لا وارث له أرثه و أعقل عنه.» «2»

12- و في سنن البيهقي بسنده، عن المقدام الكندي، قال: قال رسول اللّه «ص»: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه؛ فمن ترك دينا أو ضيعة فإلينا، و من ترك مالا فلورثته، و أنا مولى من لا مولى له أرث ما له و أفكّ عانه.» «3»

أقول: الضيعة: العيال أو الفقدان و التلف. و العان مخفف العاني بمعنى الأسير، و الحكم كان ثابتا للنبي «ص» لا بما أنه نبيّ بل بما أنه كان إمام المسلمين و قائدهم و أولى بهم من أنفسهم كما يدلّ عليه صدر الخبر الأخير، و هو يعقل عنه من بيت المال فلا محالة يكون الميراث أيضا متعلقا ببيت المال، فتدبّر.

و ظاهر هذه الأخبار الكثيرة أن وزان ميراث

من لا وارث له وزان سائر الأنفال التي حكمنا بكونها للإمام فله أن يصرفه فيما يراه صلاحا و لا يتقيد بمصرف خاص كسائر الأنفال.

[و هنا أخبار معارضة و هي ثلاث طوائف]
اشارة

نعم، هنا أخبار معارضة أو يتوهم معارضتها لما سبق و هي ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: ما دلّت على أن ميراث السائبة لأقرب الناس لمولاه:

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 7.

(2)- الأموال/ 282.

(3)- سنن البيهقي 6/ 243، كتاب الفرائض، باب من جعل ميراث من لم يدع وارثا ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 87

و هي موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «السائبة ليس لأحد عليها سبيل فإن والى أحدا فميراثه له و جريرته عليه، و إن لم يوال أحدا فهو لأقرب الناس لمولاه الذي أعتقه.» «1»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 87

أقول: قال في التهذيب:

«هذا الخبر غير معمول عليه لأن الأخبار كلها وردت في أنه متى لم يتوال السائبة أحدا كان ميراثه لبيت مال المسلمين.» و قال في الوسائل: «و يحتمل التفضل منهم- عليهم السلام-.» «2»

الطائفة الثانية: ما دلّت على أن ميراث من لا وارث له يجعل في بيت مال المسلمين:

1- كخبر معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «من أعتق سائبة فليتوال من شاء، و على من والى جريرته و له ميراثه، فإن سكت حتى يموت أخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له ولي.» «3»

قال في الوسائل:

«هذا محمول على أن المراد ببيت مال المسلمين بيت مال الإمام «ع» لأنه متكفل بأحوالهم، أو على التقية لموافقته للعامة، أو على التفضل من الإمام «ع» و الإذن في إعطاء ماله للمحتاجين من المسلمين لما مضى و يأتي.» «4»

أقول: و يأتي منّا بيان الجمع بين هذه الأخبار و الأخبار التي مضت.

2- و صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته عن مملوك

أعتق سائبة؟ قال: «يتولى من شاء، و على من تولاه جريرته و له ميراثه». قلت: فإن سكت

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 550، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 10.

(2)- التهذيب 9/ 395، كتاب المواريث، باب من الزيادات، ذيل الحديث 15؛ و الوسائل ذيل الخبر المذكور.

(3)- الوسائل 17/ 549، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 9.

(4)- الوسائل 17/ 550، ذيل الخبر المذكور.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 88

حتى يموت؟ قال: «يجعل ما له في بيت مال المسلمين.» «1»

3- و صحيحته الأخرى، عن أبي عبد اللّه «ع» في رجل مسلم قتل و له أب نصراني لمن تكون ديته؟ قال: «تؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين لأن جنايته على بيت مال المسلمين.» «2»

4- و ما رواه في قرب الإسناد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليا «ع» أعتق عبدا نصرانيا ثم قال: «ميراثه بين المسلمين عامة إن لم يكن له ولي.» «3»

5- و في دعائم الإسلام: «قال أبو عبد اللّه «ع»: من مات و لم يدع وارثا فما له من الأنفال يوضع في بيت المال لأن جنايته على بيت المال، و من ترك ورثة من أهل الكفر لم يرثوه و هو كمن لم يدع وارثا.» «4»

قال في الجواهر:

«لم نعثر على عامل بالنصوص القاصر أكثر أسانيدها المشتملة على أن إرثه لبيت المال، و في بعضها لبيت مال المسلمين الموافقة للعامة إلّا الإسكافي و الشيخ في محكي الاستبصار؛ فلتطرح، أو تحمل على التقية، أو على أن المراد ببيت المال و إن أضيف إلى المسلمين مال الإمام- عليه السلام- بقرينة الأخبار الأخر و ما عن

جماعة من شيوع إطلاق بيت المال و إرادة بيت مال الإمام- عليه السلام- ... و لعل في نقله إلى بيت المال إشعارا بأن المأخوذ بحق الإمامة غير باقي أموال الإمام- عليه السلام- الحاصلة له بكسب و نحوه، و لذا قال في محكي الغنية و السرائر: «إذا مات الإمام انتقل الميراث إلى الإمام لا إلى غيره من ورثته»، بل عن الأول إجماع الطائفة عليه. و الأمر سهل بعد ما عرفت من وضوح الحكم عندنا.» «5» انتهى كلام الجواهر.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 553، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 8.

(2)- الوسائل 17/ 552، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 5.

(3)- الوسائل 17/ 553، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 9.

(4)- دعائم الإسلام 2/ 392، كتاب الفرائض، الفصل 7 (ذكر من يجوز أن يرث و من لا ميراث له)، الحديث 1386.

(5)- الجواهر 39/ 260.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 89

أقول: في ميراث الغنية:

«فإن عدم جميع هؤلاء الورّاث فالميراث للإمام، فإن مات انتقل إلى من يقوم مقامه في الإمامة دون من يرث تركته.» «1»

و في السرائر بعد ما ذكر ولاء الإمامة قال:

«فأما إذا مات الإمام انتقل إلى الإمام الذي يقوم بأمر الأمة مقامه دون ورثته الذين يرثون تركته.» «2»

أقول: مما ذكرنا سابقا في الجهة الثانية في معنى كون الأنفال و نحوها للإمام تحدس طريق الجمع بين هذه الأخبار و الأخبار التي مضت، و يظهر لك عدم التنافي بينهما، إذ الأنفال ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم بل لمنصب الإمامة مطلقا و لا محالة تصرف في مصالح الإمامة و الأمة، و لا يوجد فرق أساسي

بين ان ينسب المال إلى الإمام بما هو إمام و بين أن ينسب إلى المسلمين، فإن وليّ المسلمين و من يتولى صرف أموالهم العامة هو الإمام، و ما للإمام بما هو إمام أيضا يصرف في مصالح الإمامة و الأمة و لا يصرف في مصارفه الشخصية إلّا أقل قليل، و هي أيضا من أهمّ المصالح العامة. و لو بقي منها شي ء ينتقل إلى الإمام بعده لا إلى ورّاثه كما نطق بذلك خبر أبي علي بن راشد و أفتى به في الغنية و السرائر أيضا.

و ليس لفظ الإمام موضوعا للإمام المعصوم المنحصر عندنا في الأئمة الاثني عشر، بل المراد به في هذه المسائل: كل من تصدى لقيادة المسلمين و إدارة شئونهم العامة بشرط أن يكون واجدا للشرائط التي مرّت في محلّه.

غاية الأمر أنّه مع حضور الأئمة الاثني عشر تكون الإمامة حقا لهم و لا تنعقد لغيرهم، و لكن ليس ذلك بمعنى تعطيل الإمامة و شئونها في عصر الغيبة.

و يشهد لما ذكرنا من عدم التنافي بين هذه الأخبار و الأخبار التي مضت جمع كلا

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 546 (- ط. أخرى/ 608).

(2)- السرائر/ 403.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 90

العنوانين في بعض الأخبار:

1- ففي صحيحة عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قضى أمير المؤمنين «ع» في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين، و لا يبطل دم امرئ مسلم لأن ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام. الحديث.» «1»

2- و في صحيحة أبي ولّاد الحناط قال: قال أبو عبد اللّه

«ع» في الرجل يقتل و ليس له وليّ إلا الإمام: «إنه ليس للإمام أن يعفو؛ له أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الإمام و كذلك تكون ديته لإمام المسلمين.» «2»

3- و أظهر من ذلك صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل مسلم قتل رجلا مسلما عمدا فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلّا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته (دينه) الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليّه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل و إن شاء عفا و إن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام وليّ أمره فإن شاء قتل و إن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين. قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ قال: فقال: «إنما هو حق جميع المسلمين و إنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية و ليس له أن يعفو.» «3»

و لأجل ذلك ترى المفيد في المقنعة قال في العبد الذي أعتق كفّارة و لم يتوال أحدا:

«كان ميراثه لبيت المال إن لم يكن له نسب.» «4»

______________________________

(1)- الوسائل 19/ 109، الباب 6 من أبواب دعوى القتل و ما يثبت به، الحديث 1.

(2)- الوسائل 19/ 93، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 2.

(3)- الوسائل 19/ 93، الباب 60 من أبواب القصاص في النّفس، الحديث 1.

(4)- المقنعة/ 106.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 91

و قال في باب ميراث من لا وارث له:

«كان ميراثه لإمام المسلمين خاصة يضعه فيهم حيث يرى.»

«1»

و مرّ عن التهذيب في بيان عدم العمل بخبر أبي بصير:

«أن الأخبار كلّها وردت في أنه متى لم يتوال السائبة أحدا كان ميراثه لبيت مال المسلمين.» «2»

و في الاستبصار:

«لأنه إذا لم يوال أحدا كان ميراثه لبيت المال و يكون عليه جريرته.» «3»

فهذا كله يدلّ على عدم التفاوت بين أن ينسب المال إلى الإمام بما هو إمام أو إلى بيت مال المسلمين؛ فمآلهما واحد.

و ليس هذا الحكم أيضا مما أبدعه الإسلام بل كان المتعارف في جميع الأعصار و جميع البلدان انتقال ميراث من لا وارث له إلى الحكومة و الدولة، حيث إن المورّث كان ينتفع في زمان حياته من إمكانات الدولة و كان عليها جبر جرائره إن لم يجبرها بشخصه و عاقلته، و من عليه الغرم فله الغنم قهرا، فتدبّر.

الطائفة الثالثة مما يتوهم معارضتها لما سبق:

ما دلّت على إعطاء المال لفقراء بلد الميت:

1- ما عن الكافي بسنده، عن خلاد السندي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال:

«كان علي «ع» يقول في الرجل يموت و يترك مالا و ليس له أحد: أعط المال همشاريجه.» «4»

2- و عن الشيخ بسنده، عن خلاد، عن السري يرفعه إلى أمير المؤمنين «ع» في

______________________________

(1)- المقنعة/ 108.

(2)- التهذيب 9/ 395، كتاب الفرائض، باب من الزيادات.

(3)- الاستبصار 4/ 200، كتاب الفرائض، باب ميراث السائبة.

(4)- الوسائل 17/ 551، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 92

الرجل يموت و يترك مالا ليس له وارث، قال: فقال أمير المؤمنين «ع»: «أعط المال همشاريجه.» «1»

3- و عنهما بسندهما، عن داود، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «مات رجل على عهد أمير المؤمنين «ع» لم يكن له وارث

فدفع أمير المؤمنين ميراثه إلى همشهريجه. (همشيريجه خ. ل).» «2»

قال في الاستبصار بعد نقل الخبرين:

«ليس فيهما ما ينافي ما تقدم لأن الذي تضمناه حكاية فعل و هو أن أمير المؤمنين «ع» أعطى تركته همشاريجه، و لعل ذلك فعل لبعض الاستصلاح لأنه إذا كان المال له خاصة على ما قدمناه جاز له أن يعمل به ما شاء و يعطي من شاء.» «3»

4- و عن الصدوق قال: روي في خبر آخر: «أن من مات و ليس له وارث فميراثه لهمشاريجه.» يعني أهل بلده.

قال الصدوق:

«متى كان الإمام ظاهرا فماله للإمام، و متى كان الإمام غائبا فماله لأهل بلده متى لم يكن له وارث و لا قرابة أقرب إليه منهم بالبلد.» «4»

5- و في المقنعة: «و كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب «ع» يعطي تركة من لا وارث له من قريب و لا نسيب و لا مولى فقراء أهل بلده و ضعفاء جيرانه و خلطاءه تبرعا عليهم بما تستحقه من ذلك و استصلاحا للرعية حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي لأنه من الأنفال ...» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 552، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 2.

(2)- الوسائل 17/ 552، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 3.

(3)- الاستبصار 4/ 196، كتاب الفرائض، باب ميراث من لا وارث له ...

(4)- الوسائل 17/ 552، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 4.

(5)- المقنعة/ 108؛ الوسائل 17/ 554، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 11.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 93

6- و في النهاية: «و كان أمير المؤمنين «ع» يعطي

ميراث من لا وارث له فقراء أهل بلده و ضعفاءهم، و ذلك على سبيل التبرع منه «ع».» «1»

7- و في سنن البيهقي بسنده عن عائشة أن رجلا وقع من نخلة فمات و ترك شيئا و لم يدع ولدا و لا حميما، فقال رسول اللّه «ص»: «أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته.» «2»

8- و فيه أيضا بسنده عن عائشة أن مولى لرسول اللّه «ص» توفي، فقال رسول اللّه «ص»: هاهنا أحد من أهل قريته؟ فقالوا: نعم. فأعطاه النبي «ص» ميراثه. «3»

9- و فيه أيضا بسنده عن بريدة أن رجلا توفي من خزاعة على عهد النبي «ص» فأتي النبيّ بميراثه فقال: انظروا هل من وارث فالتمسوه فلم يجدوا له وارثا فأخبر النبي «ص»، فقال النبي «ص»: «ادفعوه إلى أكبر خزاعة.» «4»

10- و فيه أيضا بسنده، عن بريدة، قال: أتى رسول اللّه «ص» رجل قال: إن عندي ميراث رجل من الأزد و لست أجد أزديا أدفعه إليه، قال: فاذهب فالتمس رجلا أزديا حولا، قال: فأتاه بعد الحول فقال: يا رسول اللّه، لم أجد أزديا أدفعه إليه. قال:

فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه. فلما ولّى قال: عليّ بالرجل. فلما جاء قال:

انظر أكبر خزاعة. «5»

أقول: إن فقهاءنا فيما عثرت عليه من كلماتهم قد أخذوا بما مرّ أولا من الأخبار في المسألة فقالوا إن ميراث من لا وارث له للإمام يصنع فيه ما يشاء حسب ما يراه

______________________________

(1)- النهاية/ 671؛ الوسائل 17/ 554، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 10.

(2)- سنن البيهقي 6/ 243، كتاب الفرائض، باب من جعل ميراث من لم يدع وارثا و لا مولى في بيت المال.

(3)- سنن البيهقي 6/ 243، كتاب الفرائض،

باب من جعل ميراث ...

(4)- سنن البيهقي 6/ 243، كتاب الفرائض، باب من جعل ميراث ...

(5)- سنن البيهقي 6/ 243، كتاب الفرائض، باب من جعل ميراث ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 94

صلاحا، و حملوا الأخبار الأخيرة على حكاية فعل صدر عن الإمام تبرعا و تفضلا على اختلافهم في التعبيرات.

و يجري هذا فيما حكي عن النبي «ص» أيضا جمعا بين هذه الأخبار و بين ما مرّ من قوله «ص»: أرث ماله، و قوله: أنا وارث من لا وارث له. و ليس هذا أيضا إلّا لأنه «ص» إمام المسلمين و قائدهم و المدافع عنهم و يضمن جناياتهم و إلّا فالنبوّة بما أنها نبوّة فقط لا تقتضي ذلك كما هو واضح. هذا.

[اختلفت كلمات أصحابنا في حكمه في عصر الغيبة:]

و لكن مع ذلك اختلفت كلمات أصحابنا في حكمه في عصر الغيبة:

1- ففي كتاب الفرائض من الخلاف (المسألة 15):

«كل موضع وجب المال لبيت المال عند الفقهاء للمسلمين، و عندنا للإمام إن وجد الإمام العادل سلّم إليه بلا خلاف و إن لم يوجد وجب حفظه له عندنا كما يحفظ سائر أمواله التي يستحقها. و اختلف أصحاب الشافعي ... دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم.» «1»

و الظاهر أن مراده- قدّس سرّه- من الإمام العادل خصوص الإمام المعصوم.

2- و قد مرّ عن الفقيه قوله في المقام:

«و متى كان الإمام غائبا فما له لأهل بلده متى لم يكن له وارث.» «2»

و مراده أهل بلد الميّت لا بلد الإمام.

3- و في المقنعة:

«و من مات و خلف تركة في يد إنسان لا يعرف له وارثا جعلها في الفقراء و المساكين و لم يدفعها إلى سلطان الجور و الظلمة.» «3»

4- و في الشرائع:

«و كان علي «ع» يعطيه فقراء

بلده و ضعفاء جيرانه تبرعا، و إن كان غائبا قسم في

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 258.

(2)- الفقيه 4/ 333، كتاب الفرائض و المواريث، باب ميراث من لا وارث له.

(3)- المقنعة/ 108.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 95

الفقراء و المساكين.» «1»

5- و في النافع:

«و مع غيبته يقسم في الفقراء و لا يعطى الجائر إلّا مع الخوف.» «2»

6- و في القواعد:

«و إن كان غائبا حفظ له أو صرف في المحاويج و لا يعطى سلطان الجور مع الأمن.» «3»

7- و في اللمعة:

«و مع غيبته يصرف في الفقراء و المساكين.» «4»

8- و في الدروس:

«و إن كان غائبا قال جماعة من الأصحاب: يحفظ له بالوصاة أو الدفن إلى حين ظهوره و الأظهر جواز قسمته في الفقراء و المساكين.» «5»

9- و في الوسيلة:

«أو ينقل إلى بيت المال إن لم يكن له وارث أو يقسم على فقراء المسلمين إن لم يمكن إيصاله إلى الإمام.» «6»

10- و في خمس الروضة:

«يختص ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميت و جيرانه للرواية، و قيل بالفقراء مطلقا لضعف المخصص و هو قوي، و قيل مطلقا كغيره.» «7»

11- و في الجواهر بعد التعرض للقول بالحفظ له و تقسيمه بين الفقراء و بين فقراء البلد قال:

______________________________

(1)- الشرائع 4/ 40 (- طبعة أخرى/ 839).

(2)- المختصر النافع/ 273.

(3)- القواعد 2/ 180، كتاب الفرائض.

(4)- اللمعة الدمشقية 8/ 190 (ط. أخرى 2/ 316).

(5)- الدروس/ 265.

(6)- الجوامع الفقهية/ 777 (- طبعة أخرى/ 741).

(7)- اللمعة الدمشقية 2/ 85 (- ط. أخرى 1/ 186).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 96

«و قد يحتمل أنه من الأنفال التي ثبت تحليلهم إياها للشيعة في زمن الغيبة بالنصوص المنجبرة

بالعمل ... و لكن الأقوى الأوسط، لإعراض المشهور عن العمل بها في ذلك، فالأصل البقاء. و مصرفه الصدقة به عنه كغيره من المال المتعذر وصوله إلى صاحبه، مضافا إلى استغنائه- عليه السلام- و شدة حاجة شيعته الذين قد تحملوا ما تحملوا في جنبه و إلى ما في حفظه له من التعريض بتلفه و استيلاء الجائرين عليه بل كان ذلك من الخرافات ... فالأولى إيصاله إلى نائب الغيبة المأمون فيصرفه على حسب ما يراه من المصلحة التي تظهر له من أحوال سيّده و مولاه.» «1»

12- و في مفتاح الكرامة في ذيل عبارة القواعد قال:

«للعلم برضاه- جعلني اللّه تعالى فداه- لاستغنائه عنه و حاجة شيعته المظلومين لأجله إليه فلو كان حاضرا مستغنيا عنه ما تجاوز هذا الصنع، و يؤيده ما دلّ على فعل أبيه علي أمير المؤمنين «ع» ... و بالجملة المدار على القطع برضاه.» «2»

أقول: لا دليل على ما ذكروه من صرفه في الفقراء و المساكين إلّا توهم دلالة ما دلّ على فعل أمير المؤمنين «ع» و إذنه، أو توهم كون المقام من قبيل المال المتعذر إيصاله إلى صاحبه فيتصدق به عنه كما في الجواهر.

و الأول ممنوع، إذ المفروض رفع تعارض هذه الأخبار مع الأخبار الأول بحملها على حكاية فعل لا إلزام في الأخذ به و ليس فيها اسم من زمان الغيبة و عدم إمكان الإيصال إلى الإمام.

و بطلان الثاني أيضا واضح، إذ بناؤه على كون المال لشخص الإمام المعصوم فيتصدق به عنه، و قد عرفت فساد هذا.

و الحاصل أن أساس كلمات الأصحاب و أقوالهم في باب الخمس و الأنفال كونهما لشخص الإمام المعصوم، إذ لم يلتفتوا إلى ضرورة الحكومة الإسلامية العامة في كل عصر و

زمان و أن الخمس و الأنفال من قبيل الماليات و الضرائب للحكومة العادلة

______________________________

(1)- الجواهر 39/ 262 و 263.

(2)- مفتاح الكرامة 8/ 206.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 97

التي لا تختص بالإمام المعصوم و إن كان هو مع حضوره أحقّ بها من غيره.

ثم أيّ فرق بين ميراث من لا وارث له و غيره من الأنفال بعد كون الجميع للإمام؟ و لم خصّوا ميراث من لا وارث له بالصرف في الفقراء و المساكين؟

ثم على فرض الأخذ بالأخبار الدالة على فعل أمير المؤمنين «ع» و إذنه فلم أطلق الأكثر و لم يخصوه بفقراء البلد؟

فالحق في المسألة كون وزانه وزان سائر الأنفال فيصرف في كل ما يراه الإمام صلاحا و إن كان الأحوط رعاية ما ذكروه إذ ما مرّ من إعطاء رسول اللّه «ص» إياه لأهل قرية الميت أو أكبر قبيلته و عشيرته، و استمرار فعل أمير المؤمنين «ع» على إعطائه لفقراء أهل بلده ربما يوجب الحدس القوي بكون ذلك من أهمّ المصارف بالنسبة إلى ميراث من لا وارث له، و لعله من جهة أن أهل بلد الميت و أكابر قبيلته يتوقعون غالبا بالنسبة إلى هذا المال و يرون أنفسهم أقرب و أحق به، و لعل السيرة العملية في أكثر البلاد أيضا استقرت على ذلك، فتدبّر.

تتمة:

روى في الوسائل، عن الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن مروك بن عبيد، عن أبي الحسن الرضا «ع»، قال: قلت له: ما تقول في رجل مات و ليس له وارث إلّا أخا له من الرضاعة يرثه؟ قال: «نعم، أخبرني أبي عن جدي أن رسول اللّه «ص» قال: «من شرب من لبننا أو أرضع

لنا ولدا فنحن آباؤه.» «1»

و قد مرّ رواية داود، عمن ذكره، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «مات رجل على عهد أمير المؤمنين «ع» لم يكن له وارث فدفع أمير المؤمنين «ع» ميراثه إلى همشهريجه.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 554، الباب 5 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 17/ 552 و 554، الباب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، الحديث 3، و الحديث 2 من الباب 5 منها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 98

قال في الوسائل:

«في بعض النسخ بالياء بعد الشين ...، و على هذا فالمراد الأخ من الرضاعة أو الأخت منها.»

ثم قال:

«يحتمل كون الحديثين على وجه التفضل من الإمام و الرخصة.» «1»

أقول: هذه النسخة التي حكاها صاحب الوسائل لم أجدها فيما عندي من نسخ الكافي و التهذيبين. «2»

و أما خبر مروك بن عبيد ففي مرآة العقول قال:

«قال الوالد العلامة: لا خلاف في أن الرضاع لا يصير سببا للإرث، و لعله «ع» إنما حكم بذلك مع كونه ما له لئلا يؤخذ ما له و يذهب به إلى بيت مال خلفاء الجور فإن هذا الأخ أحق منهم.» «3»

و في الجواهر:

«عدم الخلاف كما عن بعضهم الاعتراف به في عدم ارث الأخ من الرضاعة.» «4»

و كيف كان فالأولى إحالة العلم به إلى أهله بعد عدم الإفتاء بظاهره من أحد من أصحابنا. و لو ثبت هذا الحكم لبان قطعا و لم يخف على أحد مع كثرة الابتلاء به، فتدبّر.

الحادي عشر من الأنفال: البحار:

على ما في المقنعة و الكافي لأبي الصلاح، و قد مرّت عبارتهما في أوائل الأنفال. «5»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 554، الباب 5 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، ذيل

الحديث 2.

(2)- الكافي 7/ 169، كتاب المواريث؛ و التهذيب 9/ 387، كتاب الفرائض و المواريث، باب ميراث من لا وارث له، الحديث 5؛ و الاستبصار 4/ 196.

(3)- مرآة العقول 23/ 254 (- ط. القديم 4/ 163).

(4)- الجواهر 39/ 263.

(5)- راجع ص 12 و 14 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 99

و به قال الكليني في أصول الكافي أيضا، حيث قال في عداد الأنفال:

«و كذلك الآجام و المعادن و البحار و المفاوز هي للإمام خاصة.» «1»

و عن غير واحد أنه لا دليل لهم عليه. و قد يقال: لعلهم أخذوه مما دلّ على أن الدنيا و ما فيها للّه و لرسوله و لنا، و أن الدنيا و الآخرة للإمام يضعها حيث يشاء و يدفعها إلى من يشاء، و أن اللّه خلق آدم و أقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدم فلرسول اللّه «ص» و ما كان لرسول اللّه «ص» فهو للأئمة من آل محمد «ص». «2»

أو خبر حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إن جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار و لسان الماء يتبعه: الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا (للإمام خ. ل)، و هو أ فسيكون.» «3» إلى غير ذلك من الأخبار في هذا المجال.

أقول: التفسير في آخر خبر حفص ليس في نقل الكافي، فالظاهر أنه من كلام الصدوق. «4» قيل هو معرب أبسكون بليدة كانت قرب بحر الخزر و بها سمّي البحر، و قد غمرها الماء فعلا. هذا. و لكن لا يناسب هذا للبحر المطيف.

و كيف كان فلا شك عندنا أن البحار من

الأنفال و كذا الشطوط و الأنهار الكبار، إذ قد مرّ منّا مرارا أن الملاك في كون الشي ء من الأنفال كونه من الأموال العامة غير المتعلقة بالأشخاص لعدم حصولها بصنعهم. و عدم ذكر البحار في أخبار الباب لعله لعدم الابتلاء بها كثيرا في تلك الأعصار. و أما في أعصارنا فهي مما تهتمّ بها جميع الدول و الحكومات و تستفيد كثيرا من صيدها و جواهرها و معادنها و الطرق البحرية فيها، و ليس معنى كون الأنفال أو الدنيا للإمام كونها لشخص الإمام المعصوم، بل كونها لمقام الإمامة و قيادة المسلمين، فهي أموال و مرافق عامة خلقها اللّه- تعالى- للناس كما قال: «خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» «5» و لكن زمام أمرها

______________________________

(1)- الكافي 1/ 538، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال ...

(2)- الكافي 1/ 408 و 409، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام «ع».

(3)- الوسائل 6/ 370، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 18.

(4)- الكافي 1/ 409؛ و الفقيه 2/ 45، باب الخمس، الحديث 1663.

(5)- سورة البقرة (2)، الآية 29.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 100

بيد الإمام العادل المدبّر ليقطع بتنظيمه و تدبيره على النهج الصحيح جذور التخاصم و الخلاف و الظلم و الفساد.

و مثل ذلك الجوّ و الفضاء بلحاظ الطرق الجوية و حق العبور من الطرق و البلاد و نحو ذلك.

و يدلّ على جميع ذلك ما دلّ على كون الدنيا بأجمعها للإمام. فما ذكر في الأخبار و كلمات الأصحاب من الأنفال تكون من باب المثال و عمدتها أقسام الأرضين لكونها محطّ النظر في تلك الأعصار. و اللّه- تعالى- أعلم بحقيقة الحال.

الثاني عشر: [كل أرض عطّلها مالكها ثلاث سنين]

عدّ أبو الصلاح الحلبي في الكافي «1» من

الأنفال: كل أرض عطّلها مالكها ثلاث سنين. و قد مرّت عبارته في أوائل بحث الأنفال. فوزان هذه الأرض عنده وزان الأرض الموات تكون تحت اختيار الإمام يقبّلها من يراه بما يراه صلاحا.

1- و الأصل في ذلك ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الريان بن الصلت أو رجل عن الريان، عن يونس، عن العبد الصالح «ع»، قال: قال: «إن الأرض للّه- تعالى- جعلها وقفا على عباده، فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده و دفعت إلى غيره. الحديث.» «2»

و رواه الشيخ أيضا عن سهل، و الأمر في سهل سهل و لكن الترديد في السند يوجب ضعف الخبر، و لم يثبت العمل به حتى يجبر ضعفه بل ثبت خلافه.

و الأرض في قوله: «من عطّل أرضا» تعمّ بإطلاقها للمحجرة و المحياة معا و إن كانت الأولى هي القدر المتيقن منها.

______________________________

(1)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 170.

(2)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 101

2- و عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من أخذت منه أرض ثم مكث ثلاث سنين لا يطلبها لم يحل له بعد ثلاث سنين أن يطلبها.» و رواه الشيخ أيضا. «1»

قال المجلسي في مرآة العقول في ذيل الخبرين:

«و لم أر قائلا بظاهر الخبرين إلّا أن يحمل الأول على أنه إذا تركها و عطّلها ثلاث سنين يجبره الإمام على الإحياء فإن لم يفعل يدفعها إلى من يعمرها و يؤدي إليه طسقها كما قيل ...» «2»

أقول: لا بأس بما

ذكره- قدّس سرّه-. و لعله مراد أبي الصلاح أيضا. نعم في الأرض المحجرة لا نسلّم استحقاق المحجّر للطسق. هذا.

و لو تركت الأرض المحياة حتى صارت مواتا بالكلية و اندرست آثار إحيائها جرى فيها ما يأتي بحثه بالتفصيل من أنه هل يبقى فيها حق لصاحبها أو يسقط أو يفصّل بين ما إذا كان ملكها بالإحياء و بين غيره.

و مضمون الخبر الأول مروي في كتب السنة في الأرض المحجرة:

3- ففي خراج أبي يوسف: حدثني ليث عن طاوس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «عاديّ الأرض للّه و للرسول ثم لكم من بعد، فمن أحيا أرضا ميتة فهي له.

و ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين.» «3»

4- و فيه أيضا: و حدثني محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد اللّه أن عمر بن الخطاب قال على المنبر: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، و ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين.» و روى مثله بسنده، عن سعيد بن المسيب، عن عمر. «4»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.

(2)- مرآة العقول 19/ 406 (- ط. القديم 3/ 435).

(3)- الخراج/ 65.

(4)- الخراج/ 65.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 102

5- و روى البيهقي بسنده عن عمرو بن شعيب: «أن عمر جعل التحجر ثلاث سنين، فإن تركها حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحق بها.» «1»

6- و في المغني لابن قدامة قال: روى سعيد في سننه أن عمر قال: «من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطلها ثلاث سنين فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها.» «2»

7- و في كتاب الأموال لأبي عبيد قال: «و أما الوجه الثالث فأن يحتجر الرجل الأرض

إما بقطيعة من الإمام و إما بغير ذلك ثم يتركها الزمان الطويل غير معمورة.

قال أبو عبيد: و قد جاء توقيته في بعض الحديث عن عمر أنه جعله ثلاث سنين و يمتنع غيره من عمارتها لمكانه فيكون حكمها إلى الإمام.» «3»

أقول: يشبه أن يكون نظر عمر موردا للعمل في عصره و فيما بعده، و لو كان خلاف حكم اللّه- تعالى- لصدر من أئمتنا «ع» المخالفة له في ذلك كما في سائر المبدعات و المفروض عدم نقل ذلك بل نقل ما وافقه في الخبرين المذكورين، فتأمّل.

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 148، كتاب إحياء الموات، باب ما يكون إحياء و ما يرجى فيه من الأجر.

(2)- المغني 6/ 154.

(3)- الأموال/ 367.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 103

الجهة الرابعة: في حكم الأنفال و تملكها و التصرف فيها و لا سيما في عصر الغيبة:
اشارة

و نتعرض لذلك في مسائل:

المسألة الأولى: في أن الأنفال للّه و للرسول و بعده للإمام بما هو إمام:

لا يخفى أن المالك لجميع الأشياء و الأموال أولا و بالذات هو اللّه- تعالى-، فهو يملكنا و يملك جميع الأشياء و الأموال بالملكية الحقيقية و الواجدية التكوينية و الإحاطة القيومية، و العالم و جميع الموجودات بشراشر ذواتها و عمق وجوداتها تعلقي الذات به- تعالى- تعلق الفي ء بالشي ء لا تعلق الشي ء بالشي ء.

هذه هي حقيقة الملكية، و على أساسها يعتبر الملكية الاعتبارية أيضا له- تعالى- و في طولها للرسول و الإمام.

و أما ملكنا للأشياء فملكية اعتبارية محضة يعتبرها العقلاء و ينفذها الشرع المقدّس في موضوعات خاصة و شرائط مخصوصة.

و لعل الظاهر كما مرّ سابقا أن أساس الملكية الاعتبارية مطلقا مرتبة من الملكية التكوينية، إذ لا جزاف في التشريع الصحيح، و التشريع الصحيح هو الذي ينطبق على نظام التكوين: فالإنسان مالك لعقله و فكره و لقواه و جهاز فاعليته تكوينا، و بتبع ذلك لأفعاله و نشاطاته في طول مالكية اللّه- تعالى- لكل شي ء.

و بتبع مالكيته تكوينا لأفعال نفسه يملك محصول أفعاله و نتائج أعماله من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 104

إحياء الأراضي و حيازة المباحات و آثار صنعه في الأشياء و المواد الأولية، و لا محالة يملك بالتبع المحياة و المحوز و المصنوع، فيستفيد منها بشخصه أو ينقلها إلى غيره بالنواقل الاختيارية بلا عوض أو بعوض أو تنتقل منه قهرا بالنواقل القهرية كالوراثة مثلا حيث إن الوارث ظلّ لوجوده و نحو استمرار لذاته.

و مقتضى ما ذكرنا عدم مالكيته لما لم يقع تحت صنعه و فعله كالبحار و القفار و الآجام و المعادن و نحوها بل و غنائم الحرب أيضا، فهي تبقى على إطلاقها الأولي ملكا للّه- تعالى-،

و قد جعلها اللّه- تعالى- في طول ذلك للرسول و تحت اختياره، فالأنفال كلها للّه و للرسول بمقتضى الكتاب و السنة و الإجماع بل العقل و جعلت بعد ذلك بمقتضى الأخبار الكثيرة المتواترة للإمام القائم مقام الرسول بما أنه إمام و قائد للأمة يفعل فيها ما يراه صلاحا للإمامة و الأمة و قد مرّ تفصيل ذلك و بيان أن حيثية الإمامة ملحوظة بنحو التقييد لا بنحو التعليل، فالمالك نفس الحيثية و المنصب، فراجع ما ذكرناه في الجهة الثانية من البحث.

نعم في خبر حريز، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول و سئل عن الأنفال فقال: «كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّه- عزّ و جلّ-، نصفها يقسم بين الناس، و نصفها لرسول اللّه «ص»، فما كان لرسول اللّه «ص» فهو للإمام.» «1»

و نحوه خبر العياشي، عن حريز، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سألته أو سئل عن الأنفال، فقال: «كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل نصفها يقسم بين الناس و نصفها للرسول «ص».» «2»

و من المحتمل اتحادهما و سقوط محمد بن مسلم من سند الثاني.

و لكن مضافا إلى ضعفهما يجب تأويلهما بإرادة القسمة تبرعا و تفضلا أو حملهما على التقية كما احتملهما في الحدائق «3» و غيره، أو طرحهما لمخالفتهما للإجماعات

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال و ما يختصّ بالإمام، الحديث 7.

(2)- الوسائل 6/ 372، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 25.

(3)- الحدائق 12/ 472.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 105

و الأخبار الكثيرة.

و يقرب من الخبرين في هذا المضمون خبر أبي حمزة، «1» حيث يستفاد

منه وجوب التنصيف أيضا في الخمس و الفي ء، و لو سلّم التنصيف في الخمس فلا يجري في الفي ء قطعا لمخالفته للإجماع و الضرورة. هذا.

و أما حمل آية الأنفال على التشريك بين اللّه و بين رسوله فيصرف سهم اللّه في الناس و يختص بالرسول سهمه كما احتمله العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار «2» فمردود بمخالفته للإجماع و الأخبار، مضافا إلى ما في خبر معاذ عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «و ما كان للّه من حق فإنما هو لوليه.» «3»

و الذي يسهّل الخطب هو ما ذكرناه مرارا من أن الفي ء و الأنفال ليست لشخص الرسول أو الإمام، بل هي أموال عامة جعلت لمنصب الإمامة و لا محالة تصرف في مصالح الإمامة و الأمّة، فمصالح الأمة أيضا من مصارفها، و لعل المراد بالنصف في الخبر شطر من المال لا خصوص النصف نظير ما ذكرناه في باب الخمس من أن سهم السادة ليس نصف الخمس بل الخمس حق وحداني للإمام و لكنه يسدّ به خلتهم.

و ترى نظير ذلك في آية الفي ء في سورة الحشر، حيث ذكر فيها اليتامى و المساكين و ابن السبيل و بعدها فقراء المهاجرين مع أن الفي ء بمقتضى الأخبار و الفتاوى كله للرسول و بعده للإمام، فراجع ما حرزناه في قسمة الخمس.

و نظير ما في الخبرين ما في خبر سهل بن أبي حثمة، قال: «قسم رسول اللّه «ص» خيبر نصفين: نصفا لنوائبه و حاجته، و نصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما.» «4»

و نحوه أخبار أخر في هذا المجال. فمفاد هذه الأخبار حكاية فعل عن

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 19.

(2)- ملاذ الأخيار 6/ 382.

(3)- الكافي 1/

537، كتاب الحجة، باب صلة الإمام «ع»، الحديث 3.

(4)- سنن أبي داود 2/ 142، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 106

رسول اللّه «ص» و لا تدلّ على تعين التقسيم.

اللّهم إلّا أن يقال إن خيبر افتتحت عنوة كما يدلّ على ذلك صحيحة البزنطي و غيرها فلا يرتبط مفاد هذه الأخبار بالمقام، نعم يستأنس منها تأويل الخبرين في المقام أيضا كما هو واضح.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 107

المسألة الثانية: في أنه لا يجوز التصرف فيها إلّا بإذن الإمام خصوصا أو عموما، و أنه هل ثبت فيها التحليل أم لا؟
[لا يجوز التصرف في مال الإمام إلا بإذنه]

لا يجوز عقلا و لا شرعا التصرف في مال الإمام من الخمس و الأنفال إلا بإذنه، فإنه مقتضى كون المال له و تحت اختياره. و لو تصرف متصرف عصى، و لو استولى عليه كان غاصبا، و لو حصلت له فائدة تابعة للمال عرفا كانت للإمام من غير فرق بين زمان الحضور و الغيبة.

و كون الشي ء من الأموال العامة لا يصحّح التصرف فيه بدون إذن من بيده أمره.

و لو حصل من قبل الأئمة «ع» الإذن و التحليل لشخص أو في عصر أو في بعض الأشياء أو مطلقا خرج موضوعا عن ذلك، لعموم ولايتهم عندنا و لو بالنسبة إلى الأعصار اللاحقة على ما ثبت في محلّه.

قال الكليني في أصول الكافي بعد عد الأنفال:

«فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس و للإمام خمس، و الذي للإمام يجري مجرى الخمس، و من عمل فيها بغير إذن الإمام فالإمام يأخذه كله، ليس لأحد فيه شي ء. و كذلك من عمر شيئا أو أجرى قناة أو عمل في أرض خراب بغير إذن صاحب الأرض فليس له ذلك فإن شاء أخذها منه

كلها و إن شاء تركها في يده.» «1»

و في الشرائع بعد ذكر ما للإمام من الخمس و الأنفال قال:

______________________________

(1)- الكافي 1/ 538، كتاب الحجة، باب الفي ء و الأنفال ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 108

«لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه، و لو تصرف متصرف كان غاصبا، و لو حصل له فائدة كانت للإمام.» «1»

و قد ذكر هذا المضمون في المقنعة و النهاية و غيرهما من الكتب أيضا. «2»

و في الجواهر في ذيل العبارة قال:

«كما هو قضية أصول المذهب و قواعده في جميع ذلك من غير فرق بين زمني الحضور و الغيبة، و تحليل الأنفال منهم «ع» للشيعة في الثاني خروج عن موضوع المسألة إذ هو إذن، فما في المدارك من تخصيص ما في المتن- بعد أن جعل ذلك فيه إشارة للأنفال تبعا لجده في المسالك- بالحضور حاكيا له عن نصّ المعتبر في غير محلّه.» «3»

[هل ثبت من قبل الأئمة- عليهم السلام- التحليل في الخمس و الأنفال]
اشارة

إذا عرفت هذا فنقول: يجب البحث حينئذ في أنه هل ثبت من قبل الأئمة- عليهم السلام- التحليل في الخمس و الأنفال مطلقا، أو في زمان الغيبة فقط مطلقا، أو في المناكح و المساكن و المتاجر مطلقا، أو في المناكح فقط، أو في الأنفال و سهمه «ع» من الخمس دون سهام الأصناف الثلاثة، أو في الأنفال فقط أو بعض أقسامها، أو لم يثبت تحليل أصلا و يكون التصرف منوطا بإذن حاكم المسلمين و سائسهم في كل عصر؟ وجوه بل أقوال.

[الخمس حق وحداني و ضريبة إسلامية جعلت لمنصب الإمامة]

و قبل الورود في البحث نقول: قد مرّ منّا في كتاب الخمس أن الخمس حق وحداني و ضريبة إسلامية جعلت لمنصب الإمامة و عبّر عنه في رواية المحكم و المتشابه بوجه الإمارة، و قد شرع لإدارة شئون الإمامة و الحكم الإسلامي، و من جملة شئونها سدّ خلة الفقراء من السادة الذين هم أغصان شجرة النبوة عوضا من الزكاة.

و الأنفال أموال عامة خلقها اللّه- تعالى- للأنام و جعلها تحت اختيار الإمام الذي هو سائس المجتمع و ممثل الأمة ليصرفها في مصالح الإمامة و الأمة، و لا غنى للبشر في حياتهم من هذه الأموال العامة و لا من الإمامة، بل عليهما يبتني أساس الحياة و البقاء.

______________________________

(1)- الشرائع 1/ 184 (- طبعة أخرى/ 137).

(2)- المقنعة/ 45؛ و النهاية/ 200.

(3)- الجواهر 16/ 134.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 109

فلو قيل كما قد يقال: بأنه في عصر غيبة الإمام المنتظر لا يجب على المسلمين تأسيس دولة إسلامية مجرية لحدود الإسلام و أحكامه، بل هو عصر الهرج و المرج و إن طال الزمان، و الإسلام أهمل أمر الناس فيه أو فوّض أمورهم إلى الجبابرة و الطغاة حتى

يظهر الإمام المنتظر- عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف-! فلا محالة كان على أئمتنا- عليهم السلام- أن يحللوا الأنفال و الأموال العامة للأنام و لا أقل للمسلمين و بالأخص لشيعتهم المتعبدين، فنحن نقطع بتحليلها حينئذ إجمالا و إن فرض عدم وجود أخبار تدلّ عليه، إذ لا يمكن بقاؤهم و إدامة حياتهم بدونها، نعم لا يصح تحليلهم المطلق لسهام الأصناف الثلاثة من السادة بعد ما حرموا من الزكاة و عوضهم اللّه عنها بالخمس.

و أما إذا قلنا كما هو الحق بأن الإسلام الذي هو عندنا دين كامل كافل لسعادة الدارين لا يهمل أمور الناس في السياسة و الاقتصاد و لا يرضى بالهرج و المرج و لو ساعة، و الحكومة و الدولة لا بدّ منها في إدامة الحياة و إجراء أحكام الإسلام و حدوده في المجالات المختلفة، كما صرّح بذلك أمير المؤمنين «ع» في كلام له في الخوارج: «هؤلاء يقولون لا إمرة إلا للّه، و إنه لا بد للناس من أمير برّ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع فيها الكافر و يبلّغ اللّه فيها الأجل و يجمع به الفي ء و يقاتل به العدوّ و تأمن به السبل و يؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر.» «1»

و روي عنه «ع» أيضا أنه قال: «أسد حطوم خير من سلطان ظلوم، و سلطان ظلوم خير من فتن تدوم.» «2»

و في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية.» قال زرارة: فقلت: و أيّ شي ء من ذلك أفضل؟ فقال: «الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن و الوالي هو الدليل عليهن.» «3»

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/

125؛ عبده 1/ 87؛ لح/ 82 الخطبة 40.

(2)- بحار الأنوار 72/ 359 (- ط. إيران 75/ 359)، كتاب العشرة، الباب 81 (باب أحوال الملوك و الأمراء)، الحديث 74.

(3)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 110

إلى غير ذلك مما مرّ في محله من الأدلة على ضرورة الحكومة و كونها داخلة في نسج الإسلام و نظامه.

فلا محالة يجب في عصر الغيبة أيضا السعي في تأسيس الدولة و الحكومة الحقة مع رعاية الشروط التي اعتبرها الشرع في المتصدي لها و قد مرّت في محلها، و لا محالة تحتاج هذه الدولة إلى الضرائب و المنابع المالية فيجب أن تجعل الزكوات و الأخماس و كذا الأنفال التي هي أموال عامة تحت سلطتها لتستفيد منها في مصالح الدولة و الأمة، فإن الملاك الذي أوجب جعلها تحت اختيار الإمام في عصر الظهور يوجب جعلها تحت اختيار نوّابه في عصر الغيبة أيضا و إلا لما تيسر لهم إدارة شئون الأمة و تحقيق العدالة الاجتماعية و قطع جذور الخلاف و التشاجر الذي ربما يبدو في تصاحب الأموال العامة.

نعم، فرق بين الأئمة الاثني عشر و بين الفقهاء في عصر الغيبة بوجود العصمة فيهم دون الفقهاء، و لكن عمّال الحكومة و أمراءها مطلقا على وزان واحد فربّما يعصون أو يخطئون و لكن وجود الحكومة و لو كانت ناقصة أولى من الفوضى و الفتن، و ما لا يدرك كله لا يترك كله.

فأدلة تحليل الأنفال مطلقا أو بعض الأصناف منها لو ثبتت و إن شمل إطلاقها لعصر الغيبة أيضا و لكن للحكومة الحقة الصالحة على فرض تأسيسها و لو في منطقة خاصة الدخل

فيها و التصدي لتقسيمها أو الاستنتاج منها بنفع الإسلام و المسلمين، و يجب على الناس لا محالة إطاعتها و إجراء أوامرها، فيتحدد التحليل لا محالة بصورة عدم تدخل الدولة الحقة فيها لعدم تحققها أو عدم قدرتها. و إن شئت قلت: التحليل للأمة إنما وقع على فرض عدم الحكومة الحقة أو في إطار نظامها و تحديداتها.

كيف؟! و لا نرى فرقا بين سهم الإمام الذي أفتى أصحابنا بوجوب إيصاله إلى الإمام أو الفقيه النائب عنه، و بين الأنفال مع كون كليهما للإمام بما هو إمام لا لشخصه، فيرجع أمر كليهما إلى سائس المسلمين و المتصدي لأمورهم من غير فرق بين زمان الحضور و زمان الغيبة.

هذه خلاصة ما نراه في جميع الأنفال و الأموال العامة و كذلك جميع الضرائب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 111

الإسلامية في عصر الغيبة.

[كلمات الأصحاب]

إذا عرفت هذا فنقول:

1- في عوالي اللئالي: «روي عن الصادق «ع» أنه سأله بعض أصحابه فقال:

يا ابن رسول اللّه، ما حال شيعتكم فيما خصّكم اللّه به إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال- عليه السلام-: ما أنصفناهم إن و اخذناهم و لا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عبادتهم و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم و نبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم.» «1»

و رواه عنه في المستدرك. «2»

و الخبر مرسل و لا يوجد العناوين الثلاثة في حديث غيره. نعم وجود العناوين في كلام الشيخ و غيره من أصحابنا ربما يوجب الوثوق بعثورهم على نص معتبر فيها.

و هل يراد بما خصّهم اللّه به الأراضي و الأملاك المتعلقة بأشخاصهم- عليهم السلام-، أو يراد به مثل الخمس و الأنفال الذين أثبتنا كونهما لمنصب الإمامة لا لشخص

الإمام المعصوم و لا سيما الأنفال التي هي أموال عامة خلقها اللّه- تعالى- لمصلحة الأنام؟ و جهان، و لعل الظاهر هو الثاني كما في كلام الأصحاب.

2- و في المقنعة:

«و اعلم- أرشدك اللّه- أن ما قدمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس و التصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة «ع» لتطيب ولادة شيعتهم، و لم يرد في الأموال. و ما أخرته عن المتقدم مما جاء في التشديد في الخمس و الاستبداد به فهو يختص بالأموال.» «3»

و مورد كلامه هو الخمس فقط كما هو ظاهر، و لكن الظاهر التزامه بذلك في الأنفال أيضا بقرينة التعليل.

______________________________

(1)- عوالي اللئالي 4/ 5.

(2)- مستدرك الوسائل 1/ 555، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(3)- المقنعة/ 46.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 112

و بما ذكره المفيد في المقنعة جمع الشيخ في الاستبصار بين الأخبار المتعارضة في باب الخمس، فراجع. «1»

3- و في باب الأنفال من النهاية بعد ذكر الأنفال قال:

«و ليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقه الإمام من الأنفال و الأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرف في شي ء من ذلك بغير إذنه كان عاصيا، و ارتفاع ما يتصرف فيه مردود على الإمام و إذا تصرف فيه بأمر الإمام كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع. هذا في حال ظهور الإمام، فأما في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم ممّا يتعلق بالأخماس و غيرها فيما لا بد لهم منه من المناكح و المتاجر و المساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرف فيه على حال.» «2»

و ذكر

نحو ذلك في المبسوط أيضا، فراجع «3». و مورد كلامه كما ترى الخمس و الأنفال معا.

4- و قال في التهذيب:

«فإن قال قائل: إذا كان الأمر في أموال الناس على ما ذكرتموه من لزوم الخمس فيها، و في الغنائم ما وصفتم من وجوب إخراج الخمس منها، و كان حكم الأرضين ما بيّنتم من وجوب اختصاص التصرف فيها بالأئمة- عليهم السلام- إما لأنها يختصون برقبتها دون سائر الناس مثل الأنفال و الأرضين التي ينجلي أهلها عنها، أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل و التضمين لهم مثل أرض الخراج و ما يجري مجراها؛ فيجب أن لا يحل لكم منكح و لا يتخلص لكم متجر و لا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه و سبب من الأسباب.

قيل له: إن الأمر و إن كان على ما ذكرتموه من السؤال من اختصاص الأئمة- عليهم السلام- بالتصرف في هذه الأشياء فإن لنا طريقا إلى الخلاص مما ألزمتموناه:

______________________________

(1)- الاستبصار 2/ 60، كتاب الزكاة، باب ما أباحوه لشيعتهم من الخمس في حال الغيبة.

(2)- النهاية/ 200.

(3)- المبسوط 1/ 263.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 113

أما الغنائم و المتاجر و المناكح و ما يجري مجراها مما يجب للإمام فيه الخمس فإنهم- عليهم السلام- قد أباحوا لنا ذلك و سوغوا لنا التصرف فيه ...

فأما الأرضون فكل أرض تعين لنا أنها مما قد أسلم أهلها عليها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم و المعاوضة و ما يجري مجراهما.

و أما أراضي الخراج و أراضي الأنفال و التي قد انجلى أهلها عنها فإنا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الإمام مستترا، فإذا ظهر يرى هو- عليه السلام- في ذلك رأيه فنكون نحن في

تصرفنا غير آثمين ...

فإن قال قائل: إن جميع ما ذكرتموه إنما يدلّ على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين، و لم يدلّ على أنه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فإذا لم يصح الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف و النحلة و الهبة و ما يجري مجرى ذلك.

قيل له: إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على ثلاثة أقسام: أرض يسلم أهلها عليها، فهي تترك في أيديهم و هي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شراؤها و بيعها.

و أما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها و بيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع فيه على هذا الوجه.

و أما الأنفال و ما يجري مجراها فليس يصح تملكها بالشراء و البيع و إنما أبيح لنا التصرف حسب.» «1»

أقول: ظاهر التهذيب إباحة جميع الأراضي حتى أراضي الخراج للسكونة و الزراعة و التجارة و نحوها من الاستفادات بلا أجرة و لا تختص بالمساكن. اللّهم إلا أن يقال: إن إباحة التصرف لا تنافي اشتغال الذمة بطسقها. و ما ذكره في الأنفال يأتي الكلام فيه.

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 142- 146، كتاب الزكاة، باب الزيادات من الأنفال.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 114

5- و في المراسم بعد ما ذكر الخمس قال:

«و الأنفال له أيضا، و هي كل أرض فتحت من غير أن يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و الأرض الموات و ميراث الحربي و الآجام و المفاوز و المعادن و القطاع، فليس لأحد أن يتصرف في شي ء من ذلك إلّا بإذنه، فمن تصرف فيه

بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها و للإمام الخمس، و في هذا الزمان فقد أحلونا مما يتصرف فيه من ذلك كرما و فضلا لنا خاصة.» «1»

أقول: ظاهر كلامه تحليل الأنفال لا الخمس كما لا يخفى على من دقق النظر فيه فراجع، و عمم التحليل في عصر الغيبة لجميع الأنفال.

6- و في السرائر بعد ذكر الأنفال و أنه لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن الإمام قال:

«و أما في حال الغيبة ... فقد رخّصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس و غيرها مما لا بد لهم منه من المناكح و المتاجر- و المراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم و يتجر في ذلك، و لا يتوهم متوهم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس، فليحصل ما قلناه فربما اشتبه- و المساكن، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال.» «2»

7- و في الشرائع:

«ثبت إباحة المناكح و المساكن و المتاجر في حال الغيبة و إن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، و لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه.» «3»

و موضوع بحثه ما استحقه الإمام من الخمس و الأنفال.

8- و في الجهاد منه:

«و ما كانت مواتا وقت الفتح فهو للإمام خاصة و لا يجوز إحياؤه إلّا بإذنه إن كان موجودا ... و يملكها المحيي عند عدمه من غير إذن.» «4»

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 581 (- طبعة أخرى/ 643).

(2)- السرائر/ 116.

(3)- الشرائع 1/ 184 (- طبعة أخرى/ 137).

(4)- الشرائع 1/ 322 (- طبعة أخرى/ 246).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 115

9- و في النافع بعد ذكر الأنفال قال:

«لا يجوز التصرف فيما يختص به مع

وجوده إلا بإذنه، و في حال الغيبة لا بأس بالمناكح، و ألحق الشيخ المساكن و المتاجر.» «1»

10- و في التذكرة بعد ذكر الخمس و الأنفال قال:

«و قد أباح الأئمة «ع» لشيعتهم المناكح و المساكن و المتاجر حال ظهور الإمام و غيبته، لعدم إمكان التخلص من المأثم بدون الإباحة و ذلك من أعظم أنواع الحاجة.» «2»

11- و في جهاد التذكرة:

«الأرض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام من الأنفال يختص بها الإمام ليس لأحد التصرف فيها إلا بإذنه حال ظهوره- عليه السلام-، و يجوز للشيعة حال الغيبة التصرف فيها لأنهم- عليهم السلام- أباحوا شيعتهم ذلك.» «3»

12- و في المنتهى:

«و قد أباح الأئمة- عليهم السلام- لشيعتهم المناكح في حالتي ظهور الإمام و غيبته، و عليه علماؤنا أجمع لأنه مصلحة لا يتم التخلص من المأثم بدونها فوجب في نظرهم «ع» فعلها ... و ألحق الشيخ المساكن و المتاجر ...» «4»

و ظاهره تحقق الإجماع في المناكح دون المساكن و المتاجر.

13- و في الجهاد منه:

«قد بينا أن الأرض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام من الأنفال يختص بها الإمام ليس لأحد التصرف فيها إلا بإذنه إن كان ظاهرا، و إن كان غائبا جاز للشيعة التصرف فيها بمجرد الإذن منهم- عليهم السلام-.» «5»

______________________________

(1)- المختصر النافع/ 64.

(2)- التذكرة 1/ 255.

(3)- التذكرة 1/ 428.

(4)- المنتهى 1/ 555.

(5)- المنتهى 2/ 936.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 116

14- و في القواعد بعد ذكر الأنفال قال:

«و أبيح لنا خاصة حال الغيبة المناكح و المساكن و المتاجر، و هي أن يشتري الإنسان ما فيه حقهم- عليهم السلام- و يتجر فيه لا إسقاط الخمس

من ربح ذلك المتجر.» «1»

15- و في الدروس:

«و لا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه، و في الغيبة تحل المناكح كالأمة المسبية و لا يجب إخراج خمسها، و ليس من باب تبعض التحليل بل تمليك للحصة أو الجميع من الإمام- عليه السلام- و الأقرب أن مهور النساء من المباح و إن تعددن لرواية سالم ما لم يؤدّ إلى الإسراف كإكثار التزويج و التفريق. و تحل المساكن إما من المختص بالإمام «ع» كالتي انجلى عنها الكفّار أو من الأرباح بمعنى أنه يستثنى من الأرباح مسكن فما زاد مع الحاجة. و أما المتاجر فعند ابن الجنيد على العموم لرواية يونس بن يعقوب، و عند ابن إدريس أن يشتري متعلق الخمس ممن لا يخمّس فلا يجب عليه إخراج الخمس إلا أن يتجر عنه و يربح.

و الأشبه تعميم إباحة الأنفال حال الغيبة كالتصرف في الأرضين الموات و الآجام و ما يكون بها من معدن و شجر و نبات لفحوى رواية يونس و الحارث، نعم لا يباح الميراث إلا لفقراء بلد الميت.» «2»

16- و في خمس الروضة بعد ذكر حكم الخمس في عصر الغيبة قال:

«و المشهور بين الأصحاب و منهم المصنف في باقي كتبه و فتاواه استثناء المناكح و المساكن و المتاجر من ذلك فتباح هذه الثلاثة مطلقا.» «3»

و بعد ذكر الأنفال قال:

«و المشهور أن هذه الأنفال مباحة حال الغيبة فيصح التصرف في الأرض المذكورة بالإحياء و أخذ ما فيه من شجر و غيره، نعم يختص ميراث من لا وارث له بفقراء

______________________________

(1)- القواعد 1/ 62.

(2)- الدروس/ 69.

(3)- اللمعة الدمشقية 2/ 80 (- ط. أخرى 1/ 182).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 117

بلد الميت و

جيرانه للرواية، و قيل: بالفقراء مطلقا لضعف المخصص و هو قوي، و قيل مطلقا كغيره.» «1»

17- و في آخر خمس الحدائق بعد ذكر الأنفال قال:

«ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح و المساكن و المتاجر خاصة و أن ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف على نحو ما تقدم في الخمس. و ظاهر جملة من متأخري المتأخرين القول بالتحليل في الأنفال مطلقا و هو الظاهر من الأخبار.» «2»

18- و في المدارك:

«أما في حال الغيبة فالأصح إباحة الجميع كما نصّ عليه الشهيدان و جماعة للأخبار الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم لشيعتهم في حال الغيبة، قال في البيان:

و هل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث أما غيره فلا. و أقول: إن مقتضى العمومات عدم اشتراط ذلك مطلقا ...» «3»

إلى غير ذلك من كلمات فقهائنا الظاهر بعضها في تحليل الخمس و الأنفال مطلقا، و بعضها في تحليل الأنفال فقط مطلقا، و بعضها في تحليل خصوص المناكح و المساكن و المتاجر، و بعضها في تحليل خصوص المناكح.

و قد مرّت الإشارة إلى أن تعرضهم للعناوين الثلاثة ربما يوجب الحدس بوجود خبر معتبر مشتمل عليها و إن لم نعثر إلا على ما مرّ من عوالي اللئالي.

و لكن يمكن أن يقال: إنك لا تجدها في أكثر كتب القدماء من أصحابنا المعدة لنقل الأصول المتلقاة عن المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين-، و إنما تعرض المفيد للمناكح فقط و تعرض الشيخ للثلاثة ثم تبعه المتأخرون لحسن اعتمادهم عليه، و الشهرة المعتبرة اعتمادا أو جبرا هي اشتهار المسألة بين القدماء من أصحابنا في تلك الكتب بحيث يكشف كشفا قطعيا عن كونها متلقاة عن الأئمة «ع» يدا بيد،

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية

2/ 85 (- ط. أخرى 1/ 186).

(2)- الحدائق 12/ 481.

(3)- المدارك/ 344.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 118

و ثبوته في المقام مشكل، فالواجب هو الرجوع إلى سائر الأخبار و الأدلة الواردة.

هذا.

و يظهر من أبي الصلاح الحلبي في الكافي إنكار التحليل مطلقا، و هو- قدّس سرّه- من أعاظم فقهاء الإمامية و كان معاصرا للشيخ الطوسي و قد قرأ عليه و على علم الهدى- طاب ثراهما-.

قال في الكافي في فصل عقده بعد الخمس و الأنفال:

«و يلزم من وجب عليه الخمس إخراجه من ماله و عزل شطره لولي الأمر انتظارا للتمكن من إيصاله إليه، فإن استمرّ العذر أوصى حين الوفاة إلى من يثق بدينه و بصيرته ليقوم في أداء الواجب مقامه، و إخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل علي «ع» و جعفر ...

و يلزم من تعين عليه شي ء من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيناه في شطر الخمس لكون جميعها حقا للإمام «ع» فإن أخلّ المكلّف بما يجب عليه من الخمس و حق الأنفال كان عاصيا للّه- سبحانه- و مستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد- عليهم السلام- و آجل العقاب لكونه مخلّا بالواجب عليه لأفضل مستحق.

و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها، لأن فرض الخمس و الأنفال ثابت بنصّ القرآن و إجماع الأمة و إن اختلفت فيمن يستحقه، و لإجماع آل محمد- عليهم السلام- على ثبوته و كيفية استحقاقهم و حمله إليهم و قبضهم إياه و مدح مؤديه و ذم المخل به، و لا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذّ الأخبار.» «1»

و لم يتعرض المفيد في المقنعة أيضا للتحليل إلا في المناكح خاصة في

الخمس خاصة كما مرّ و غاية الأمر إلحاق الأنفال به فيها بالملاك كما مرّ.

و أما في غير المناكح فلم يتعرض للتحليل، بل لعله يظهر من إطلاق كلامه العدم، فقال في باب الأنفال بعد ذكرها بأقسامها:

______________________________

(1)- الكافي لأبي الصلاح الحلبي/ 173 و 174.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 119

«و ليس لأحد أن يعمل في شي ء مما عددناه من الأنفال إلا بإذن الإمام العادل، فمن عمل فيها بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها و للإمام الخمس، و من عمل فيها بغير إذنه فحكمه حكم العامل فيما لا يملكه بغير إذن المالك من سائر المملوكات.» «1»

و قال فيها أيضا:

«و الأنفال على ما قدمناه للإمام خالصة؛ إن شاء قسمها و إن شاء وهبها و إن شاء وقفها ليس لأحد من الأمة نصيب فيها و لا يستحقها من غير جهته.» «2»

و القاضي عبد العزيز بن البرّاج المعاصر للشيخ و الحلبي أيضا تعرض في المهذب للأنفال و لم يتعرض لتحليلها بل قال بعد ذكرها:

«و جميع الأنفال كانت لرسول اللّه «ص» في حياته، و هي بعده للإمام القائم مقامه، و لا يجوز لأحد من الناس التصرف في شي ء منها إلا بإذنه «ع».» «3»

و لم يفصّل هؤلاء في كلماتهم بين أقسام الأنفال و لا بين زمان الحضور و زمان الغيبة.

و ظاهر من تعرض لتحليل العناوين الثلاثة، أعني المناكح و المساكن و المتاجر أو المناكح فقط أيضا انحصار التحليل فيها و عدم تحليل غيرها، مع أن تحليل مثل الأراضي و الجبال و ما يتبعهما من الأنهار و المعادن و الآجام و الأعشاب و الأشجار و جواز إحيائها و حيازتها إجمالا في عصر الغيبة و عدم بسط الحكومة المشروعة الحقة

كأنه أمر واضح مفروغ عنه، فإنها أموال عامة خلقت لرفع حاجات الأنام، غاية الأمر أنه جعل اختيارها بيد الإمام العادل الصالح ليوزعها بالنحو الأصلح الأعدل، فلا يحتمل عدم تحليلهم «ع» إياها في عصر الغيبة للمسلمين و لا أقل لشيعتهم المتمسكين بحبل ولايتهم مع توقف حياة البشر عليها، و لا أظن إنكار المفيد و الحلبي و القاضي أيضا لذلك.

و يدلّ على ذلك- مضافا إلى الضرورة و لزوم العسر و الحرج بدون ذلك بل

______________________________

(1)- المقنعة/ 45.

(2)- المقنعة/ 47.

(3)- المهذّب 1/ 186.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 120

اختلال النظام لشيعتهم المرعوب عنه عندهم- عليهم السلام- قطعا، و استقرار السيرة على التصرف حتى في عصر الحضور بلا منع و ردع- الأخبار الكثيرة الصادرة عنهم و لا سيما ما ورد في باب إحياء الموات من طرق الفريقين.

نعم لا نأبى كما مرّ من حصر جواز التصرف على صورة عدم انعقاد الحكومة الحقة و ضرورة وجود التحليل، و أما مع انعقادها بشرائطها و لو في عصر الغيبة فيمكن منع إطلاق أدلة التحليل لهذه الصورة.

و لو سلّم فيمكن القول بتحققه ما لم يظهر المنع من قبل الحكومة الصالحة، و أما مع منعها و تحديدها فلا يجوز التصرف إلا في إطار مقررات الحكومة لما مرّت الإشارة إليه من أن انعقاد الإمامة و الحكومة الصالحة ملازم لجعل المنابع المالية الإسلامية تحت اختيارها و سلطتها.

و إذا كان المناط لتحليل مثل الأراضي و الجبال و ما يتبعهما من الأشجار و الأنهار و المعادن خلقها للأنام و توقف حياتهم عليها فإسراء التحليل إلى سائر الأنفال مثل ميراث من لا وارث له مثلا مشكل بل ممنوع، و لذا ترى الأكثر من فقهائنا أفتوا

بصرفه في الفقراء أو فقراء البلد و لا ترى القائل فيه بالتحليل إلّا أقل قليل، فتدبّر.

[تفسير العناوين الثلاثة و الأخبار الواردة في المقام]
اشارة

إذا عرفت هذا فلنتعرض لتفسير العناوين الثلاثة و الأخبار الواردة في المقام و بيان مقدار الدلالة فيها، فنقول: لم يتعرض قدماء أصحابنا لتفسير العناوين المذكورة، و إنما تعرض له المتأخرون كالشهيد الأول في الدروس و حاشية القواعد و الشهيد الثاني في المسالك و صاحب الحدائق و غيرهم.

و قد اختلفت الكلمات في المقام و اشتبه المقصود حتى قال في الجواهر:

«لا ريب في إجمال عبارات الأصحاب في هذا المقام و سماجتها و عدم وضوح المراد منها أو عدم صحته، بل يخشى على من أمعن النظر فيها مريدا إرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشي ء! و ظني أنها كذلك مجملة عند كثير من أصحابنا و إن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدمهم ممن لا يعلمون

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 121

مراده، و ليتهم تركونا و الأخبار فإن المحصل من المعتبر منها أوضح من عباراتهم.» «1»

[تفسير المناكح]

و كيف كان فيظهر منهم للمناكح تفسيران:

الأول: السراري المغنومة من أهل الحرب، سواء وقعت الحرب بغير إذن الإمام فكان الجميع له على ما هو المشهور أو كانت بإذنه فكان له الخمس فإذا انتقلت إلى الشيعة بالشراء أو الهبة أو الإرث و نحوها حلت لهم و جاز لهم وطؤها، نعم يشكل الجواز و الحلية إذا كان الشيعي هو الغانم.

الثاني: السراري المشتراة و الزوجات الممهورة بما يتعلق به الخمس من الأرباح و غيرها.

و للمساكن ثلاثة تفاسير:

الأول: المسكن المغنوم بتمامه أو بأرضه من الكفّار.

الثاني: المسكن المتخذ في الأراضي المختصة بالإمام، كأرض الموات و رءوس الجبال و نحوهما من الأنفال.

الثالث: ما اتخذ بثمن يتعلق به الخمس من الربح و غيره.

و للمتاجر أربعة تفاسير:

الأول: ما يشترى من غنائم الحرب، سواء كانت بأجمعها للإمام أو ببعضها.

الثاني: ما يشترى و يتجر به من الأراضي و الأشجار و الأعشاب و الأشياء المختصة بالإمام، و هذا يرجع إلى الأنفال. و المقصود تحليل حق الإمام الثابت في أصله لا الخمس المتعلق بالكسب و ربحه و كذا فيما قبله و ما بعده كما أشار إلى ذلك الشهيد و ابن إدريس.

الثالث: ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس من الكفّار أو أهل الخلاف.

الرابع: ما يشترى ممن لا يخمّس و إن اعتقده.

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 152.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 122

أما تحليل المناكح بالتفسير الأول

فيدلّ عليه أكثر أخبار التحليل، و هي مستفيضة بل لعلها متواترة إجمالا بمعنى العلم بصدور بعضها بالإجمال فيثبت المضمون المشترك بينها:

1- كخبر الفضيل عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد اللّه على أول النعم.» قال: قلت: جعلت فداك ما أول النعم؟ قال: طيب الولادة. ثم قال أبو عبد اللّه «ع»: قال أمير المؤمنين «ع» لفاطمة «ع»: «أحلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا ليطيبوا.» ثم قال أبو عبد اللّه «ع»: «إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا.» «1»

2- و خبر ضريس الكناسي، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري. فقال: «من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم و لميلادهم.» «2»

3- و صحيحة زرارة عن أبي جعفر «ع» أنه قال: «إن أمير المؤمنين «ع» حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم.» «3»

أقول: التعليل قرينة على كون المحلل من المناكح، اللهم إلا أن يقال: إن حرمة الطعام و الغذاء أيضا مما تؤثر في مرتبة من

خبث المولد.

4- و صحيحة أبي بصير و زرارة و محمد بن مسلم كلهم عن أبي جعفر «ع»، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع»: «هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنهم لم يؤدّوا إلينا حقنا، ألا و إن شيعتنا من ذلك و آباءهم في حلّ.» «4»

و رواه الصدوق أيضا في العلل إلا أنه قال: «و أبناءهم.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 10.

(2)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 3.

(3)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 15.

(4)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

(5)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 123

أقول: الظاهر أن التحليل للآباء قرينة على إرادة تحليل المناكح لهم لتطيب ولادة الأبناء.

و قوله: «حقنا» يعم بإطلاقه الخمس و الأنفال معا فظاهر ذيل الحديث تحليل جميع حقوقهم للشيعة سواء كانت من المناكح أو غيرها كما يدل عليه ذكر البطون أيضا فيعم إطلاقه خمس أرباح المكاسب المتعلق بالشخص أيضا. اللّهم إلّا أن يقال: إن الإشارة في الذيل ترجع إلى حقهم الثابت عند الناس إذا انتقل إلى الشيعة فلا يدلّ على تحليل الحق المتجدد عندهم، فتأمّل.

5- و خبر محمد بن مسلم، عن أحدهما «ع»، قال: «إن أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا ربّ خمسي، و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكو أولادهم.» «1»

6- و معتبرة أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قال رجل و أنا حاضر: حلّل لي الفروج. ففزع أبو عبد

اللّه «ع» فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه.

فقال «ع»: «هذا لشيعتنا حلال: الشاهد منهم و الغائب، و الميّت منهم و الحيّ، و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال. أما و اللّه لا يحلّ إلا لمن أحللنا له. و لا و اللّه ما أعطينا أحدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد (هوادة) و لا لأحد عندنا ميثاق.» «2»

و السند لا بأس به كما لا يخفى على أهله.

و لعل المقصود بالميراث و التجارة و ما أعطيه بقرينة السؤال خصوص السراري و الفتيات. و لو سلم إرادة الأعم فيحمل على خصوص ما انتقل إليه ممن لا يعتقد الخمس أو ممن لا يخمس أيضا و إن اعتقده كما قد يقال، و لا يشمل الخمس المتعلق بأموال نفسه إذ الظاهر من الحديث كون الشي ء متعلقا لحق الإمام قبل أن ينتقل

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 5.

(2)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 124

إليه. و لو سلم العموم فيجب أن يحمل على ذلك أيضا جمعا بين هذا السنخ من الأخبار و بين ما دلّ على مطالبة الأئمة «ع» للخمس و نصبهم الوكلاء لأخذه و مطالبته، و هذه الأخبار صدرت عن الأئمة المتأخرين، فتقدم على أخبار التحليل.

و قد مرّ تفصيل ذلك في خمس أرباح المكاسب، فراجع.

7- و ما عن تفسير الإمام العسكري «ع»، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليه السلام- أنه قال لرسول اللّه «ص»: «قد علمت يا رسول اللّه، أنه

سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه فلا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه فقد و هبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم و لا يكون أولادهم أولاد حرام. قال رسول اللّه «ص»: ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك و قد تبعك رسول اللّه «ص» في فعلك أحلّ الشيعة كل ما كان فيه من غنيمة و بيع من نصيبه على واحد من شيعتي و لا أحلّها أنا و لا أنت لغيرهم.» «1»

8- و مما ورد في تحليل السبايا خبر عبد العزيز بن نافع، قال: طلبنا الإذن على أبي عبد اللّه «ع»: و أرسلنا إليه فأرسل إلينا: ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا و رجل معي، فقلت للرجل: أحبّ أن تحل بالمسألة، فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك إن أبي كان ممن سباه بنو أمية و قد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا و لا يحللوا و لم يكن لهم مما في أيديهم قليل و لا كثير و إنما ذلك لكم، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليّ عقلي ما أنا فيه. فقال له: أنت في حل مما كان من ذلك، و كل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك. الحديث.» «2»

و لا يخفى أن تحليل الآباء تدلّ على تحليل الأمهات بطريق أولى تحقيقا لطيب الولادة.

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة الصريحة أو الظاهرة بعمومها أو إطلاقها في تحليل المناكح بالتفسير الأول أعني السبايا و السراري المغنومة من أهل الحرب، و قد

______________________________

(1)-

الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

(2)- الوسائل 6/ 384، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 18.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 125

كثرت في تلك الأعصار و كثر ابتلاء الشيعة بها بالاشتراء أو الجائزة أو الوراثة أو نحو ذلك.

و قد صحّ السند في بعضها و انجبرت بعمل الأصحاب. مضافا إلى ما أشرنا إليه من العلم الإجمالي بصدور بعضها، و نعبر عنه بالتواتر الإجمالي، فلا يرد عليها ما قد يقال: من أن الشبهة في المقام موضوعية و هي صدور الإذن من الأئمة- عليهم السلام- فلا ترفع اليد عن أصالة عدم الإذن إلّا بحجة من علم أو بينة. و خبر الثقة غير ثابت الحجية في الموضوعات. و شهادة جمع من العلماء العدول بالتحليل لا تجدي لاستنادها إلى الحدس. هذا.

و الأخبار مورد بعضها الخمس، و مورد البعض الفي ء مثل ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و ما حصل في الحرب بغير إذن الإمام.

و المتيقن من مواردها بحكم الغلبة في تلك الأعصار هو ما ينتقل إلى الشيعة من أيدي من لا يعتقد بالخمس و حق الإمام بالشراء و الجائزة و نحوهما كسبايا بني أمية و بني العباس و عمّالهم ممن لم يكن بدّ للشيعة من الاختلاط معهم و البيع و الشراء منهم و أنه لم يمكن اعتزالهم عنهم بوجه من الوجوه.

و على هذا فيشكل شمولها لما سباه الشيعي المعترف بالخمس و حق الإمام بنفسه فضلا عن السبي الذي صار من أموال التجارة و تعلق به خمس الأرباح.

و ربما يشهد بذلك إطلاق صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «ع» في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون

معهم فيصيب غنيمة؟ قال: «يؤدي خمسا و يطيب له.» «1»

و قوله في صحيحة علي بن مهزيار فيما فيه الخمس: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ... و ما صار إلى قوم من مواليّ من أموال الخرّمية الفسقة. الحديث.» «2» فتأمل. هذا.

و مقتضى عموم التعليل بطيب الولادة عموم التحليل لجميع ما كان فيها للأئمة «ع» من الحق فيعم الفي ء و الخمس بأجمعه حتى سهام الأصناف الثلاثة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 126

و ما في المختلف عن ابن الجنيد: من المناقشة في تحليل سهام الأصناف الثلاثة حيث قال:

«و تحليل ما لا يملك جميعه عندي غير مبرئ لمن وجب عليه حق منه لغير المحلل لأن التحليل إنما هو مما يملكه المحلل لا مما لا ملك له و إنما إليه ولاية قبضه» «1»

ساقط عندنا بعد ما فصلناه في محله من كون الخمس بأجمعه حقا وحدانيا يكون زمام أمره بيد الإمام، غاية الأمر أن عليه سدّ خلة بني هاشم. و مقتضى التعليلات أيضا إرادة تحليل الجميع و إلا لما حصل طيب الولادة.

نعم هنا شي ء ينبغي الالتفات إليه، و هو أن أكثر الأخبار الواردة في تحليل الخمس في المقام موردها خمس الغنائم و السراري المبتلى بها في تلك الأعصار مع أن الغزوات كانت بتصدي خلفاء الجور و عمالهم. و مقتضاه كون هذه الغنائم بأجمعها للإمام على ما أفتى به المشهور من أصحابنا و دلت عليه مرسلة الوراق، فما وجه قصر التحليل على الخمس؟

و قد يجاب عن ذلك بأن نفس تلك

الغزوات كانت موردا لرضا أئمتنا- عليهم السلام- لوقوعها في طريق بسط الإسلام كما يشهد بذلك دعاء الإمام السجاد- عليه السلام- لجيوش المسلمين و سراياهم.

و قد مرّ تفصيل البحث في ذلك في الثامن من أقسام الأنفال، فراجع. هذا كله فيما يتعلق بالتفسير الأول للمناكح.

و أما التفسير الثاني للمناكح

أعني السرايا المشتراة أو الزوجات الممهورة بالأرباح و نحوها مما يتعلق بها الخمس، فنقول: إن كان الثمن أو المهر من الأرباح في أثناء السنة فعدم الخمس فيه واضح بعد كونه من المؤونة، و الخمس بعد المؤونة، فلا وجه لذكره بخصوصه و لا لتخصيصه بالشيعة و لا لأن يعبر عنه بالتحليل.

و إن كان من غير الأرباح أو منها بعد السنة و تعلق الخمس به فلا دليل على

______________________________

(1)- المختلف/ 207.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 127

تحليله. و شمول النصوص السابقة و سائر أخبار التحليل له ممنوع، إذ الظاهر أن محط النظر فيها كما مرّ السراري و الأموال المغنومة التي كثر الابتلاء بها في تلك الأعصار كسرايا بني أمية و بني العباس و غنائمهم و كذلك الأموال التي كانت تنتقل إلى الشيعة ممن لا يعتقد بالخمس و حق الإمام، فلا تعرض لها لما يتعلق به الخمس عند نفسه من الأرباح و غيرها إذ الأئمة- عليهم السلام- كانوا يطالبون الخمس من شيعتهم. هذا مضافا إلى أن حرمة مهر الزوجة لا توجب بطلان النكاح و خبث الولادة فلا يناسبه التعليل بطيب الولادة المذكور في هذه الأخبار.

و أما التفسير الأول للمساكن،

أعني ما اغتنم من الكفّار فإن كان بغير إذن الإمام كان من الأنفال على المشهور نظير أرض الموات، و سيأتي البحث في تحليل الأراضي و الأخبار الواردة فيه، و كأنه مما لا إشكال فيه.

و إن كان بإذن الإمام كانت الأرض للمسلمين، و قد قرّبنا في محله عدم وجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة و لكن زمام أمرها بيد الإمام يقبّلها بالذي يرى صلاحا لهم. و في عصر الغيبة لو وقعت تحت استيلاء سلاطين الجور و بليت الشيعة بالمعاملة

معهم و التقبل منهم و دفع الخراج إليهم فمقتضى القاعدة و إن كان حرمة ذلك لكن الظاهر من الأخبار و الفتاوى إجازة أئمتنا «ع» لذلك و تنزيل أعمالهم منزلة أعمال السلطان العادل تسهيلا لشيعتهم.

و إن لم تكن تحت استيلاء سلاطين الجور فالقاعدة تقتضي أن يكون المتصدي لتقبيلها هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم، و لو لم يوجد أو تعذر الرجوع إليه فعدول المؤمنين لكونه من أهم مصاديق الحسبة.

و الشيخ الأعظم في مبحث شرائط العوضين من المكاسب احتمل في المسألة خمسة أوجه «1» و لكن المستفاد من التهذيب و الدروس و جامع المقاصد و الحدائق و نحو ذلك القول بتحليلها للشيعة كالأنفال و يستدل عليها بصحيحة عمر بن يزيد و غيرها

______________________________

(1)- المكاسب/ 163.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 128

مما يأتي عن قريب لبيان تحليل الأراضي في عصر الغيبة. و قد مرّ البحث في حكم الأراضي المفتوحة عنوة مستوفى في الجهة السادسة من فصل الغنائم، فراجع.

و أما التفسير الثاني للمساكن،

أعني المتخذة في الأراضي المختصة بالإمام فقد عرفت أن حلية التصرف إجمالا في مثل الأراضي و الجبال و ما فيهما و يتبعهما في عصر الغيبة كأنها واضحة مفروغ عنها و لا يظن بأحد إنكارها، و لا تختص بالمساكن بل تعم مطلق ما يحتاج إليها من أرض الزراعة و الاستطراق و المساجد و المقابر و مراكز التجارة و الصناعة و غيرها مما يحتاج إليها في المعاش و المعاد. فإن كانت هنا حكومة عادلة واجدة للشرائط تنظم طرق الاستفادة منها و كيفياتها فالظاهر أن الحلية ثابتة في إطار مقرراتها كما مرّ وجهه، و إلا فلا بد من تحقق الحلية و الإباحة بمقدار الضرورة و الاحتياج قطعا فإن الأرض

و ما فيها أموال عامة خلقت لرفع حاجات الأنام و لا يمكن إدامة الحياة بدونها، فتخصيص التحليل بالمساكن بلا وجه إلّا أن يراد بها المعنى الأعم فيراد بها كل أرض يحتاج إليها الإنسان في معاشه و معاده.

و يدلّ على التحليل فيها- مضافا إلى ما مرّ من استقرار السيرة على التصرف فيها حتى في أعصار الأئمة «ع» و لزوم الحرج بل اختلال النظام بدونها و الأخبار الكثيرة الواردة من طرق الفريقين في الترغيب في إحياء الموات و أن من أحياها فهي له كما يأتي تفصيله في المسائل الآتية- أخبار مستفيضة ذكروها هنا:

1- ما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه «ع» تلك السنة مالا فردّه أبو عبد اللّه «ع» فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت ولّيت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم و كرهت أن أحبسها عنك و أن أعرض لها و هي حقك الذي جعله اللّه- تبارك و تعالى- في أموالنا. فقال أ و مالنا من الأرض و ما أخرج اللّه منها إلّا الخمس؟

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 129

يا أبا سيّار! إن الأرض كلها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا. فقلت له: و أنا أحمل إليك المال كله؟ فقال: يا أبا سيار، قد طيبناه لك و أحللناك منه فضمّ إليك مالك. و كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض

فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم. و أما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم صغرة.

قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو سيار: ما أرى أحدا من أصحاب الضياع و لا من يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلّا من طيبوا له ذلك. «1»

و رواه الشيخ أيضا بتفاوت ما، فراجع. «2»

و السند إلى عمر بن يزيد صحيح، و الظاهر أن المراد به عمر بن محمد بن يزيد بياع السابري فهو أيضا ثقة و مسمع بن عبد الملك يكنى أبا سيار و يلقب بكردين بكسر الكاف ثقة أيضا على المشهور فالرواية صحيحة.

و يظهر من إتيانه الخمس بأجمعه إلى الإمام و التعبير عنه بقوله: «و هي حقك» و تقرير الإمام لذلك أنّ الخمس كما مرّ منّا مرارا بأجمعه حق وحداني للإمام يجب أن يؤتى بأجمعه إليه و لا يجوز توزيعه بدون إذنه، و كان هذا مركوزا في أذهان أصحاب الأئمة «ع».

و يستدل بهذه الصحيحة على أن كل ما كان في أيدي الشيعة من الأراضي و ما فيها من المعادن و الأعشاب و الأشجار فهي محلل لهم في حال الهدنة و الغيبة بلا طسق و لا خراج سواء كانت من الأنفال أو كانت للمسلمين كالمفتوحة عنوة حيث إن زمام أمرها أيضا إلى الإمام.

و تدل أيضا على أنهم لا يملكون رقبة الأرض و لذا يطلب منهم القائم «ع» الطسق عند قيامه بلحاظ السنين الآتية. و تدل أيضا على عدم التحليل لغير الشيعة.

و يمكن أن يقال: إن قيام القائم من باب المثال فيكون كناية عن انعقاد الحكومة

الحقة و إن كانت بتصدي الفقيه الصالح الواجد لشرائط الحكم فيجوز له

______________________________

(1)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 382، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 130

مطالبة الطسق و الخراج كما قوينا ذلك سابقا. و تحليل الخمس في مورد خاص لمسمع لا يدلّ على تحليل الخمس لجميع الشيعة. و تحليل الأرض بلا خراج لا يدلّ على تحليل خمس الأرباح و نحوها مما يتعلق بمال نفسه.

هذا كله على فرض كون اللام في قوله: «الأرض كلها لنا» و كذا ما بعده للاستغراق، و لكن من المحتمل أن يراد بها العهد فتكون إشارة إلى مثل أرض البحرين و بحرها، حيث إن البحرين على ما في موثقة سماعة «1» تكون مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب فتكون من الأنفال، و البحر أيضا يكون من الأنفال عندنا فتكون فوائدهما أيضا للإمام، فاستفادة حكم الأرض المفتوحة عنوة من هذه الصحيحة و الحكم بالتحليل فيها بلا خراج مشكل.

2- و هنا صحيحة أخرى لعمر بن يزيد في خصوص الأرض الخربة قال:

سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و كرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال أبو عبد اللّه «ع»: «كان أمير المؤمنين «ع» يقول: «من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه.» «2»

و ظاهرها تحليل الأرض الخربة و هي من الأنفال أيضا كما مرّ. و

يظهر منها عدم منافاة التحليل لثبوت الطسق، و لازمه و لازم جواز أخذها منه عدم ملكية الرقبة بالإحياء و لعل المقصود بالإمام فيها مطلق الإمام العادل لا خصوص الإمام المعصوم.

3- ما رواه الكليني بسنده، عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس، قال:

قلت لأبي عبد اللّه «ع»: ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: «إن اللّه- تبارك و تعالى- بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان و جيحان و هو نهر

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال ...، الحديث 8.

(2)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 131

بلخ، و الخشوع و هو نهر الشاش، و مهران و هو نهر الهند، و نيل مصر، و دجلة و الفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدونا منه شي ء إلا ما غصب عليه، و إن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه- يعني بين السماء و الأرض- ثم تلا هذه الآية: «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا» المغصوبين عليها «خٰالِصَةً» لهم «يَوْمَ الْقِيٰامَةِ» بلا غصب.» «1»

و السند ضعيف إلّا أن يقال: إن قول الكليني في ديباجة الكافي: «بالآثار الصحيحة عن الصادقين «ع» و السنن القائمة التي عليها العمل» «2» لا يقل عن توثيق مثل ابن فضال و ابن عقدة، فتدبّر.

و ذكر دجلة و الفرات شاهد على إرادة أرض الأنفال و أرض الخراج معا فإن عمدة أرض العراق مما فتحت عنوة، و ذكر الأنهار من جهة أن قيمة الأراضي كانت بمياهها. و لا بعد في

عدم تحليل الأرض و ما فيها لغير الشيعة، إذ الأراضي و المياه و ما أخرج اللّه منهما أموال عامة خلقها اللّه للأنام، و غاية الخلقة هي المعرفة و العبادة على الطريق الحق، فيكون تصرف أهل الباطل فيها على خلاف الغاية المترقبة منها. و هل كون الأرض منهم لشيعتهم يدلّ على عدم وجوب الخراج أيضا أو يكون أعم من ذلك؟ كلاهما محتمل.

و قد يتوهم أن قوله: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» يدل بعمومه على تحليل الخمس و الأنفال معا، بجميع أقسامهما و أصنافهما. و فيه أن الظاهر من الموصول هنا هو العهد لا العموم، و على تقدير العموم يخصص بما دلّ على مطالبة الأئمة «ع» للخمس كما مرّ في محله.

4- خبر داود بن كثير الرقي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سمعته يقول: «الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك.» «3»

و قد يستدل بالخبر على تحليل كل ما لهم- عليهم السلام- من الحقوق المتعلقة

______________________________

(1)- الكافي 1/ 409، كتاب الحجة، باب أن الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 5؛ الوسائل 6/ 384، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 17.

(2)- الكافي 1/ 8.

(3)- الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 7.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 132

بالإمامة فيعم الخمس و الأنفال و الأراضي المفتوحة عنوة، و لكن شموله لتحليل مثل خمس الأرباح و نحوها ممنوع بل شموله للأنفال التي لا يتوقف معيشة عامة الناس عليها كميراث من لا وارث له أيضا ممنوع، و كيف كان فدلالته على تحليل الأراضي و نحوها للشيعة بلا إشكال.

5- خبر الحارث بن المغيرة النصري، قال: دخلت على أبي

جعفر «ع» فجلست عنده فإذا نجيّة قد استأذن عليه فاذن له، فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة و اللّه ما أريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال: يا نجيّة! سلني، فلا تسألني عن شي ء إلا أخبرتك به.

قال: جعلت فداك ما تقول في فلان و فلان؟ قال: يا نجيّة، إن لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال، و هما و اللّه أول من ظلمنا حقنا في كتاب اللّه (إلى أن قال:) اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا. قال ثم أقبل علينا بوجهه فقال: يا نجيّة، ما على فطرة إبراهيم غيرنا و غير شيعتنا.» «1»

و ظاهر هذا الخبر تحليل جميع حقوقهم من الخمس و الأنفال و صفو المال للشيعة، اللهم إلّا أن يحمل الخمس فيه بقرينة صفو المال على خمس الغنائم فقط. هذا.

و لكن قد مرّ أن مطالبة الأئمة المتأخرين لخمس الأرباح و نحوها يدفع تحليل الخمس بإطلاقه. و قد مرّ أيضا أن تحليل الأنفال للشيعة لا يلازم كونه مجانا و بلا عوض مطلقا و لا يلازم عدم جواز دخل الحكومة الصالحة فيها.

6- خبر أبي حمزة، عن أبي جعفر «ع» (في حديث)، قال: «إن اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء فقال- تبارك و تعالى-: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ.» فنحن أصحاب الخمس و الفي ء و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. و اللّه يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب على

شي ء منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 14.

(2)- الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 19.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 133

و ظاهره كونه في مقام بيان المستثنى منه و عقد النفي أعني عدم التحليل لغير الشيعة فلا إطلاق فيه للمستثنى فلا يدل على التحليل مطلقا للشيعة.

و لو سلم وجب أن يحمل تحليل الخمس فيه على مثل المناكح و المساكن و نحوهما، لما مرّ من أن أكثر أخبار التحليل صادرة عن الصادقين «ع» و نحن نرى الأئمة المتأخرين «ع» عنهما يطالبون الخمس و يعينون الوكلاء لمطالبته، بل روى الصدوق بإسناده، عن عبد اللّه بن بكير، عن أبي عبد اللّه «ع» أيضا أنه قال: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا أن تطهروا.» «1» فراجع ما حررناه في خمس أرباح المكاسب. «2»

و بالجملة فتحليل الأنفال إجمالا في عصر الغيبة و لا سيما مثل الأراضي و الجبال و ما فيهما مما يحتاج إليها الأنام في معاشهم و جرت السيرة في جميع الأعصار على التصرف فيها مما لا إشكال فيه من غير فرق بين العناوين الثلاثة و غيرها، فتخصيص التحليل بالعناوين الثلاثة في باب الأنفال مما لا وجه له،. فتدبّر.

و أما التفسير الثالث للمساكن،

أعني ما اتخذت بثمن يتعلق به الخمس من الأرباح و غيرها، فإن اتخذت بالأرباح في أثناء السنة كانت من المؤونة و لا خمس فيها، إذ الخمس بعد المؤونة، و إلّا فلا دليل على تحليلها كما مرّ نظيره في المناكح، فراجع.

نعم في الجواهر قال:

________________________________________

نجف آبادى، حسين على

منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 133

«و يمكن أن يراد باستثناء المناكح و المساكن أنه لا بأس باتخاذهما من الربح في أثناء السنة و إن تعلق به الخمس و أنه لا يجب إخراجه بعد السنة بخلاف غيرهما من المؤن فإنه لا يستثنى له إلّا مقدار السنة ... فلا يرد عليه أنهما كغيرهما من المؤن.» «3»

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(2)- راجع كتاب الخمس/ 151 و ما بعدها؛ و راجع 3/ 70 و ما بعدها من هذا الكتاب.

(3)- الجواهر 16/ 154.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 134

أقول: لا خصوصية للمسكن و المنكح فيما ذكره من الفرق، فإن العرف يفرقون في المؤونة بين ما ينتفع به بإتلافه و ما ينتفع به مع بقاء عينه، و التقيد بالسنة يكون في القسم الأول لا في الثاني مطلقا. ثم إن تعبير صاحب الجواهر بقوله: «و إن تعلق به الخمس» يرد عليه أن الخمس لا يتعلق بما يصرف في المؤونة كما هو واضح. هذا.

و أما التفسير الأول للمتاجر،

أعني ما يشترى من مغانم الحرب سواء كانت بأجمعها للإمام أو ببعضها، فيدلّ على جوازه و حليته أخبار:

1- معتبرة أبي خديجة التي مرّت في المناكح، «1» أخذا بإطلاق قول السائل: «أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه»، و جواب الإمام «ع» بقوله: «هذا لشيعتنا حلال.» و لكن قد مرّ منّا احتمال حمل جميع الفقرات على خصوص المناكح بقرينة قول السائل: «حلّل لي الفروج».

2- و ما مرّ عن تفسير الإمام

العسكري «ع» من تحليل أمير المؤمنين «ع» نصيبه من السبي و الغنائم، فراجع. «2»

3- خبر يونس بن يعقوب، قال: كنت عند أبي عبد اللّه «ع» فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال و الأرباح و تجارات نعلم أن حقك فيها ثابت و أنا عن ذلك مقصرون؟ فقال أبو عبد اللّه «ع»: «ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم.» «3»

رواه الشيخ و الصدوق. و في طريق الشيخ محمد بن سنان، و في طريق الصدوق الحكم بن مسكين «4» و كلاهما مختلف فيهما، و لكن لا يبعد إدراج الثاني في الحسان فالسند لا بأس به.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 4.

(2)- راجع الوسائل 6/ 385، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 20.

(3)- الوسائل 6/ 380، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

(4)- راجع الفقيه 4/ 452 (المشيخة).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 135

و الظاهر أن مورد السؤال أعم من مغانم الحرب فيشمل الجواب بترك الاستفصال للتفسير الثاني و الثالث بل الرابع أيضا على احتمال.

و أما ما تعلق به الخمس عند نفس الشيعي من الأرباح و غيرها فانصراف السؤال و الجواب عنه واضح، إذ الظاهر من السؤال كون تعلق الحق قبل وقوع المال في يده، و الظاهر أن المراد بقوله «ع»: «ذلك اليوم» زمان عدم بسط الحكومة الحقة و كون الشيعة في نظام معاشهم محتاجين إلى معاشرة المخالفين و المعاملة معهم بالبيع و الشراء و نحوهما فتشمل الرواية بمناطها لزمان الغيبة أيضا.

4- خبر الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: قلت له: إن لنا أموالا من غلات و تجارات

و نحو ذلك و قد علمت أن لك فيها حقا. قال: «فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي فهو في حلّ مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب.» «1»

و السند مخدوش بأبي عمارة، فإنه مجهول و لكن الراوي عنه البزنطي و هو من أصحاب الإجماع. و ظاهر الرواية تحليل حق الإمام مطلقا حتى بالنسبة إلى ما تعلق بالمال عند الشخص و لكن يجب حملها على ما تعلق به الحق عند الغير ثم انتقل إلى الشخص جمعا بينها و بين الأخبار الكثيرة الصادرة عن الأئمة المتأخرين «ع» الدالة على ثبوت الخمس في الأرباح و غيرها و المطالبة به و نصب الوكلاء لأخذه و قد مرّ تفصيل ذلك في خمس الأرباح، فراجع.

و أما التفسير الثاني للمتاجر،

أعني ما يشترى من الأراضي و الأشجار و نحوهما مما يختص بالإمام فيدلّ على تحليله مضافا إلى إطلاق روايتي يونس و الحارث مطلق ما دلّ على تحليل الأنفال من الأراضي و نحوها في عصر الغيبة، فمن أحياها أو حازها بحيازة مملكة جاز له بيعها و جاز اشتراؤها منه قهرا.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 381، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 136

و أما التفسير الثالث للمتاجر،

أعني ما يشترى ممن لا يعتقد الخمس فيدل على تحليله مضافا إلى إطلاق الخبرين، استقرار السيرة على معاشرة الشيعة للكفّار و أهل الخلاف و المعاملة معهم حتى في أعصار الأئمة «ع» مع عدم التزامهم بخمس الأرباح و نحوها و لزوم الحرج الشديد لو بني على التحريم و وجوب التخميس لما وصل إلى أيدي الشيعة من قبلهم، و يظهر من لحن أخبار التحليل برمّتها إشفاق الأئمة «ع» و رأفتهم بالنسبة إلى شيعتهم و كونهم بصدد تسهيل الأمر عليهم حين استيلاء الدول الجابرة عليهم و ابتلائهم بالمعاملة معهم و مع أتباعهم و أشياعهم، فتتبّع.

و أما التفسير الرابع للمتاجر،

أعني ما يشترى ممن لا يخمّس و لكنه يعتقده، فيظهر من تفسير السرائر للمتاجر شمول التحليل له أيضا، قال فيه:

«و المراد بالمتاجر أن يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم و يتجر في ذلك، و لا يتوهم متوهم أنه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس، فليحصل ما قلناه فربما اشتبه.» «1»

و قال في الروضة في تفسيرها:

«الشراء ممن لا يعتقد الخمس أو ممن لا يخمس.» «2»

و أفتى بذلك بعض المتأخرين أيضا.

و يمكن أن يستدل لذلك بإطلاق خبري يونس و الحارث و بلزوم الحرج الشديد أيضا لو بني على التحريم لعدم التزام أكثر الشيعة عملا بتخميس الأرباح و غيرها، فلو بني على عدم المعاملة معهم أو تخميس ما وصل إلينا من قبلهم لوقعت الشيعة المتعبدون الملتزمون في الحرج الشديد، و مذاق أئمتنا «ع» و سيرتهم كان على تسهيل الأمور لشيعتهم الملتزمين كما يشهد بذلك لسان أخبار التحليل بكثرتها. هذا.

______________________________

(1)- السرائر/ 116.

(2)- اللمعة الدمشقية 2/ 80 (- ط. أخرى 1/ 185).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 137

و لكن مع

ذلك كله الأحوط هو التخميس، إذ يمكن دعوى انصراف الخبرين بحكم الغلبة إلى ما كان يصل إلى الشيعة من أيدي المخالفين، و لم يحرز كون الشيعة في أعصار الأئمة «ع» تاركين لوظيفة التخميس بل لعلهم كانوا أقلية ملتزمة بوظيفتها.

هذا مضافا إلى أن الجمع بين هذين الخبرين و بين خبر أبي بصير، عن أبي جعفر «ع» في حديث قال: «لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا.» «1»

و خبره الآخر عنه «ع» قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحل له.» «2»

و خبر إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي حتى يأذن له أهل الخمس.» «3» يقتضي حمل الخبرين على الاشتراء ممن لا يعتقد، و الأخبار الأخيرة على الاشتراء ممن يعتقد و لا يخمس.

اللّهم إلا أن يقال: إن هذا الجمع تبرعي لا شاهد له، فالأولى أن تحمل الأخبار الأخيرة بقرينة أخبار التحليل للشيعة على عدم التحليل لأهل الخلاف و عدم كونهم معذورين في اشتراء حقوق الأئمة «ع» و تصرفهم فيها كما يشعر بعدم التحليل لهم بعض أخبار التحليل أيضا فيبقى إطلاق الخبرين بالنسبة إلى التفسير الرابع للمتاجر بحاله، فتدبّر جيدا.

و اعلم أن الرواية الأولى لأبي بصير في سندها علي بن أبي حمزة البطائني الواقفي و حاله معلوم.

و الرواية الثانية له رواها في الوسائل في الباب الحادي و العشرين من أبواب

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

(2)- الوسائل 6/ 338 و 376، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5،

و الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 5، و 12/ 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 6.

(3)- الوسائل 6/ 378، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 10.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 138

عقد البيع «1»، عن الشيخ، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن أبي بصير. فالسند موثوق به.

و رواها أيضا في الباب الثالث من أبواب الأنفال «2»، عن الشيخ، عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسين، عن القاسم، عن أبان، عن أبي بصير. و المراد بالحسين الحسين بن سعيد و بالقاسم قاسم بن محمد الجوهري. فالسند لا بأس به إلا من ناحية القاسم فإن فيه كلاما. و رواها أيضا في باب وجوب الخمس «3»، إلا أنه ذكر بدل «الحسين عن قاسم»، «الحسين بن القاسم» و هو مصحف كما يظهر بالمراجعة إلى التهذيب «4». و رواية إسحاق بن عمار مروية عن تفسير العياشي، فتكون مرسلة.

خاتمة نتعرض فيها لأمور ترتبط بأخبار التحليل:
[الأول: الحكم بتحليل الخمس مطلقا في عصر الغيبة ممنوع]

الأول: قد مرّ منّا في خمس أرباح المكاسب بحث فيما ورد من الأخبار في التحليل و قلنا هناك إن الحكم بتحليل الخمس مطلقا في عصر الغيبة ممنوع أشد المنع، إذ بعض الأخبار يدلّ على تحليل خصوص المناكح، و بعضها على تحليل الفي ء و غنائم الحرب الواصلة إلى الشيعة من أيدي خلفاء الجور و عمالهم، و بعضها على تحليل ما ينتقل إلى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس أو لا يخمّس، و بعضها على تحليل الأراضي و نحوها من الأنفال.

______________________________

(1)- الوسائل 12/ 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 6.

(2)- الوسائل 6/ 376، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 5.

(3)-

الوسائل 6/ 338، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

(4)- التهذيب 4/ 136، كتاب الزكاة، باب الزيادات من الأنفال، الحديث 3 (- ط. القديم 1/ 388).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 139

و جميع أخبار التحليل وردت عن الإمامين الهمامين: الباقر و الصادق- عليهما السلام- إلّا صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني «ع» و التوقيع المروي عن صاحب الزمان «ع»، لكن مورد الأول خصوص صورة الإعواز: قال ابن مهزيار:

قرأت في كتاب لأبي جعفر «ع» إلى رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله و مشربه من الخمس فكتب «ع» بخطه: «من أعوزه شي ء من حقي فهو في حلّ.» «1» فهذه الصحيحة بنفسها شاهدة على أن البناء و العمل في عصر الإمام الجواد «ع» كان على أداء الخمس و لذا استحل الرجل لنفسه فيعلم بذلك أن أخبار التحليل الصادرة عن الصادقين «ع» بكثرتها لم تكن بإطلاقها موردا للعمل في ذلك العصر.

و في التوقيع يوجد نحو إجمال لاحتمال كون اللام في قوله: «و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث» «2» للعهد لا للاستغراق فتكون إشارة إلى سؤال السائل و هو غير معلوم، فلعله كان في مورد خاص كما يشهد بذلك تعليله بطيب الولادة.

و قد وردت في قبال أخبار التحليل أخبار كثيرة دالة على وجوب الخمس ظاهرة في بيان الحكم الفعلي و أن الأئمة «ع» كانوا يطالبونه و يعينون وكلاء لأخذه و أكثرها صادرة عن الأئمة المتأخرين عن الصادقين كما يظهر لمن راجع أخبار خمس أرباح المكاسب، «3» فلا يبقى مجال لأخبار التحليل الصادرة عنهما.

و بعضها

صادرة عن الإمام الصادق «ع» أيضا كقوله: «إني لآخذ من أحدكم الدرهم و إني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا أن تطهروا.» «4»

و قوله «ع»: «خذ مال الناصب حيثما و جدته و ادفع إلينا الخمس.» «5»

و صحيحة الحلبي عنه «ع» في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 379، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 16.

(3)- الوسائل 6/ 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(4)- الوسائل 6/ 337، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

(5)- الوسائل 6/ 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 140

معهم فيصيب غنيمة، قال: «يؤدي خمسا و يطيب له.» «1» و غير ذلك مما يدل على فعلية وجوب الخمس. فالقول بتحليل الخمس مطلقا مما لا يساعد عليه الأدلة.

هذا مضافا إلى أن مصارف الخمس بسعتها و منها فقراء بني هاشم باقية بحالها فكيف يعقل تحليله مع بقاء المصارف و حكمة التشريع، فراجع ما حرّرناه هناك «2».

[الثاني: الأراضي المفتوحة عنوة إذا وقعت تحت استيلاء خلفاء الجور فظاهر الأخبار و فتاوى الأصحاب إجازة أئمتنا «ع» لذلك]

الثاني: قد مرّ في بحث الأراضي المفتوحة عنوة في فصل الغنائم أن هذه الأراضي إذا وقعت تحت استيلاء خلفاء الجور و بليت الشيعة بمعاملتهم و الرجوع إليهم في قبالة الأرض و دفع الخراج إليهم أو أخذه منهم بلا عوض أو بعوض فالظاهر من الأخبار الكثيرة و فتاوى الأصحاب إجازة أئمتنا «ع» لذلك بأن يعاملوا أئمة الجور معاملة أئمة العدل تسهيلا لشيعتهم.

فنقول: هذا الملاك موجود في جميع ما يكون لأئمة العدل بجهة إمامتهم فاستولى عليه أئمة الجور بهذا العنوان

كمغانم الحرب و أقسام الأنفال بل و الأخماس و الزكوات.

و لذا قال في كشف الغطاء بعد عدّ الأنفال على ما حكاه عنه في الجواهر:

«و كل شي ء يكون بيد الإمام- عليه السلام- مما اختص أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات و المعاوضات و الإجارات لأنهم أحلوا ذلك للإمامية من شيعتهم.» «3»

و قال في مصباح الفقيه:

«بل استفادة حلية أخذ ما يستحقه الإمام خاصة من الأنفال و نحوه من الأدلة الدالة على حلية جوائز الجائر و جواز المعاملة معهم أوضح من إباحة ما عداه مما يشترك بين المسلمين أو يختص بفقرائهم لكونه أوفق بالقواعد و أقرب إلى الاعتبار،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.

(2)- راجع 3/ 74 و ما بعدها من الكتاب.

(3)- الجواهر 16/ 141؛ و كشف الغطاء/ 364.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 141

و كيف كان فلا ينبغي الارتياب في أن كل ما كان أمره راجعا إلى الإمام- عليه السلام- ثم صار في أيدي أعدائهم أبيح للشيعة أخذه منهم و إجراء أثر الولاية الحقة على ولايتهم كما صرّح به في الجواهر ...

و لكن القدر المتيقن إنما هو إباحة أخذه منهم بالأسباب الشرعية بمعنى ترتيب أثر الولاية الحقة على ولايتهم كما تقدمت الإشارة إليه لا استنقاذه من أيديهم بأيّ نحو يكون و لو بسرقة و نحوها.» «1» هذا.

و قد مرّ البحث في أن هذا الحكم هل يختص بأئمة الجور من أهل الخلاف أو يعم سلاطين الجور من الشيعة أيضا؟ فراجع ما حرّرناه في تلك المسألة «2».

[الثالث: المستفاد من أخبار كثيرة تحليل الأرضين و الجبال و الآجام و المعادن و الأنهار العامة]

الثالث: قد مرّت الإشارة إلى أن المستفاد من أخبار كثيرة و

منها أخبار إحياء الأرضين الواردة عن الفريقين تحليل الأرضين و الجبال و الآجام و المعادن و الأنهار و نحوها من الأموال العامة التي خلقها اللّه- تعالى- للأنام و يحتاج إليها الناس في معاشهم و معادهم. و أشرنا أيضا إلى أنه يجوز للدولة الإسلامية الصالحة تحديدها و الدخل فيها و ضرب الطسق عليها كما كان ذلك للنبي «ص» و الأئمة «ع» بلحاظ كونها من الأنفال، فالتحليل محدود لا ينافي ذلك.

و أما غير ما أشرنا إليه من أقسام الأنفال كالغنيمة بغير إذن الإمام مثلا و صفايا الملوك و ميراث من لا وارث له فيشكل استفادة تحليلها من تلك الأدلة و لا سيما الأخير من هذه. نعم لو استولى عليها أئمة الجور بعنوان الإمامة أمكن القول بجواز أخذها منهم كما مرّت الإشارة إلى ذلك، و الغنائم الحربية كانت تحت اختيار أئمة الجور و عمّالهم غالبا.

[الرابع: ما المراد بالتحليل]

الرابع: هل المراد بالتحليل إباحة التصرف فقط أو التمليك أو إجازة التملك بحيث يجوز لهم التصرفات المتوقفة على الملك كالبيع و الوقف و العتق و نحوها؟

______________________________

(1)- مصباح الفقيه/ 155، كتاب الخمس.

(2)- راجع 3/ 232 و ما بعدها من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 142

1- قال في المنتهى بعد ذكر إباحة المناكح:

«لا على أن الواطئ يطأ الحصة بالإباحة، إذ قد ثبت أنه يجوز إخراج القيمة في الخمس، فكأن الثابت قبل الإباحة في الذمة إخراج خمس العين من الجارية أو قيمته، و بعد الإباحة ملكها الواطئ ملكا تاما فاستباح وطيها بالملك التام.» «1»

أقول: في تفريع المسألة على مسألة جواز إخراج القيمة نحو خفاء، و لعله أراد بيان أن مالكية الشيعي للسرية بعد انتقالها إليه من المخالف لا يستلزم براءة

ذمة المخالف من حق الإمام بل يشتغل ذمته بقيمتها إذ التحليل وقع للشيعي لا له، فتأمّل.

2- و مرّ عن الدروس في تحليل المناكح قوله:

«و ليس من باب تبعض التحليل بل تمليك للحصة أو الجميع من الإمام- عليه السلام-.» «2»

أقول: الترديد إشارة إلى كون الأمة المسبية مغتنمة بإذن الإمام أو بدون إذنه.

3- و في الجواهر:

«ضرورة عدم إرادة إباحة التصرف لهم التي لا يترتب عليها ملك أصلا كإباحة الطعام للضيف. بل المراد زيادة على ذلك رفع مانعية ملكهم- عليهم السلام- عن تأثير السبب المفيد للملك في نفسه وحد ذاته كالحيازة و الشراء و الاتهاب و الإحياء و نحو ذلك ... فيكون الوطي حينئذ بملك اليمين كالعتق و الوقف و نحوهما من التصرفات الأخر.

أو يقال بتنزيل إباحتهم- عليهم السلام- لشيعتهم منزلة الإباحة الأصلية التي يملك بسببها المباح بالحيازة فيكون حينئذ شراؤها من يد المخالفين للفك من أيديهم لا أنه شراء حقيقة مفيد للملك، بل الملك الاستيلاء المتعقب لذلك الشراء الصوري.

أو يقال بما في الدروس بل حكي عن جماعة ممن تأخر عنه ... و قد يشهد له في الجملة خبر العسكري «ع» المتقدم سابقا.

______________________________

(1)- المنتهى 1/ 555.

(2)- الدروس/ 69.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 143

أو يقال: إن هذه العقود التي تقع من الشيعة مع مخالفيهم مأذون فيها من المالك الذي هو الإمام- عليه السلام- و إن كان من في يده معتقدا أنها له و لم يوقع العقد عن تلك الإذن بل بنية أنه المالك، لكن ذلك لا يؤثر فسادا في العقد الجامع لشرائط الصحة واقعا التي منها الإذن، فينتقل حينئذ ملك الإمام- عليه السلام- إلى الثمن المدفوع عن العين يطالب به الغاصب أو القيمة

لو كانت أزيد منه كما أنه ينتقل إليها لو كان العقد مجانا نحو الهبة و غيرها ...

إلا أن الإنصاف خروج ذلك كله عن مقتضى القواعد الفقهية كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان، فلا حاجة حينئذ إلى شي ء من هذه التكلفات، بل يقال: إنها إباحة محضة أجرى الشارع عليها حكم سائر الأملاك و إلّا فهي ملك للإمام لا تخرج عنه.» «1»

أقول: لعل مراده بالاحتمال الأول المالكية الطولية نظير مالكية المولى و عبده فتكون الملكية ثابتة لكليهما أو مالكية اللّه- تعالى- و مالكيتنا.

4- و في آخر خمس الشيخ الأنصاري- قدّس سرّه-:

«ثم الظاهر أن تحليل الثلاثة موجب لتملك ما يحصل بيد الشيعة منها بالمباشرة لتحصيله أو بالانتقال إليه من غيره لا لمجرد جواز التصرف، و لذا يجوز و طي الأمة و عتقها و بيعها و بيع المساكن و وقفها و نحو ذلك. و الظاهر أنه لا يقول أحد بغير ذلك. و في تطبيق هذه الإباحة على القواعد إشكال من وجوه: مثل أن الإباحة ليست بتمليك يوجب ترتيب آثار الملك سيما في مثل الجواري، و أن متعلقها لا بدّ أن يكون موجودا حال الإباحة مع عدم المباح و المباح له حين الإباحة غالبا، و من أن اللازم من التمليك صيرورته للشيعة كالأرض المفتوحة عنوة للمسلمين لا يختص بواحد دون آخر و إن أحيا الأرض أو حاز المال بل كان اللازم على المحيي أداء خراج الأرض فيجعل لبيت المال للشيعة.

و الذي يهوّن الخطب الإجماع على أنا نملك بعد التحليل الصادر منهم- صلوات اللّه

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 142 و 143.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 144

عليهم- كلّ ما يحصل بأيدينا تحصيلا أو انتقالا، فهذا حكم

شرعي لا يجب تطبيقه على القواعد.

نعم يمكن أن يقال: الأصل و المنشأ في ذلك أحد أمرين:

أحدهما: أن يقال: إن تملكهم الفعلي لم يتعلق بهذه الأمور ليلحقه الإباحة و التحليل فيشكل بما ذكر، و إنما كان ذلك حكما شأنيا من اللّه- سبحانه-، و إذنهم و رفع يدهم رافع لذلك الحكم الشأني بمعنى أن الشارع بملاحظة رضاهم بتصرف الشيعة لم يجعل هذه الأمور في زمان قصور يدهم ملكا فعليا لهم بل أبقاها على الحالة الأصلية، فهي باقية بواسطة ما علم اللّه- تعالى- منهم من الرضا على إباحتها الأصلية بالنسبة إلى الشيعة، و هذا نظير الحرج الدافع للتكليف الشأني كما في نجاسة الحديد. و لا مخالفة في ذلك لأخبار اختصاص هذه الأمور بالإمام «ع» نظرا إلى أن صيرورتها من المباحات إنما نشأ من شفقتهم القديمة على الشيعة قبل شرع الأحكام، فجواز التصرف منوط برضاهم و لا يجوز التصرف بدون رضاهم. و من تصرف بدون رضاهم فهو ظالم لهم غاصب لحقهم، و لا معنى للاختصاص أزيد من ذلك.

الثاني: أن يقال: بثبوت ملكهم لها فعلا إلّا أن معنى ملكيتهم الفعلية ليس أمرا ينافي ملكية الشيعة لها بالإحياء و الحيازة حتى يكون ملكية الشيعة لها بالانتقال عن ملك الإمام و إن صرّح في بعض الأخبار بلفظ الهبة الظاهرة في الانتقال، بل هو معنى تشبه في الجملة بملكية اللّه- سبحانه- للأشياء، و إن كان ذلك ملكا حقيقيا مساويا لملكية نفس العباد إلّا أن هذا المعنى كالقريب منه بمعنى أن اللّه سلطهم على هذه الأموال سلطنة مستمرة، لهم أن يأذنوا لغيرهم في التملك و لهم أن يمنعوا ...» «1»

أقول: لا يخفى أن الظاهر من كلمات هؤلاء الأعلام أنهم كانوا يتصورون الخمس و الأنفال

ملكا لشخص الإمام المعصوم فأشكل عليهم تصوير ملكية الشيعة

______________________________

(1)- كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري/ 497، كتاب الخمس، فصل في الأنفال (- طبعة أخرى/ 558).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 145

لها بالتحليل زعما منهم أن التحليل بمنزلة الانتقال منه إليهم.

و لكن قد مرّ منّا أن هذه الأموال أموال عامة لا تتعلق بالأشخاص و ليست ملكا لأحد إلا بالملكية التكوينية للّه- تعالى-، و لا سيما الأنفال فإنها أموال خلقها اللّه لرفع حاجات الأنام و يتوقف عليها معاشهم و معادهم، نعم جعل اللّه زمام أمرها بيد قائد المجتمع و سائسهم أعني النبي «ص» دفعا للنزاع و الخصام فقال تعالى: «قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ»، و بعده جعلت للإمام بما هو إمام، و لا يراد بمالكية الإمام لها إلا هذا. فله إجازة التصرف و التملك فهي في الحقيقة مباحات أصلية محدودة يكون التصرف فيها منوطا بنظر الإمام. و أئمتنا «ع» بملاحظة احتياج شيعتهم في زمان الاختناق و عدم وصولهم إلى الحكومة الحقة حللوا و أباحوا لهم التصرف تسهيلا لهم. فإذا تصرف فيها أحد منهم بالتصرفات المملكة كالإحياء أو الحيازة أو الأخذ من دولة جائرة مثلا بالشراء أو الاتهاب بعد تحقق الإذن في ذلك بالإذن العام صارت ملكا لمن حازها أو أحياها أو أخذها من جائر و جاز له بيعها و عتقها و وطئها و نحو ذلك.

و لعل الشيخ- قدّس سرّه- أراد بالوجه الثاني الذي ذكره هذا كما يظهر من آخر كلامه. نعم لنا في تملك رقبة الأرض بإحيائها كلام يأتي في المسائل الآتية، فانتظر.

[الخامس: غير الشيعة فهو محرم عليهم]

الخامس: في الجواهر بعد التعرض لتحليل الأنفال و رواياته قال:

«أما غير الشيعة فهو محرم عليهم أشدّ تحريم و أبلغه، و

لا يدخل في أملاكهم شي ء منها كما هو قضية أصول المذهب بل ضرورته، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد على القواعد عند قول العلامة: «و لا يجوز التصرف في حقه بغير اذنه و الفائدة حينئذ له» قال: «و لو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالأصح أنه يملك لشبهة الاعتقاد كالمقاسمة، و تملك الذمي الخمر و الخنزير، فحينئذ لا يجوز انتزاع ما يأخذه المخالف من ذلك كله، و كذا ما يؤخذ من الآجام و رءوس الجبال و بطون الأودية لا يحل انتزاعه من آخذه و إن كان كافرا، و هو ملحق بالمباحات المملوكة بالنية لكل

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 146

متملك، و آخذه غاصب تبطل صلاته في أول وقتها حتى يرده.» انتهى.

و فيه بحث لا مكان منع شمول ما دلّ على وجوب مجاراتهم على اعتقادهم و دينهم لمثل ذلك من استباحة تملك الأموال و نحوه خصوصا بالنسبة للمخالفين و إن ورد:

«ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.» على أن ذلك لا يقضى بصيرورته كالمباح الذي يملك بالحيازة و النية لكل أحد حتى من لم يرد أمر بإجرائهم و معاملتهم على ما عندهم من الدين، و كيف و ظاهر الأخبار بل صريحها أنه في أيدي غير الشيعة من الأموال المغصوبة، نعم قد يوافق على ما ذكره من حيث التقية و عدم انبساط العدل و لعله مراده و إن كان في عبارته نوع قصور.» «1» انتهى ما في الجواهر.

أقول: عمدة أخبار التحليل وردت في تحليل الخمس و المناكح و مغانم الحرب التي ثبت فيها حقوق الأئمة «ع» و غصبت بتصدي الجائرين، و ظاهرها تحليلها لشيعتهم فقط في قبال من غصب حقوقهم و من تابعهم و

شايعهم في ذلك و لا بعد في هذا.

نعم يستفاد من بعض الأخبار اختصاص تحليل الأراضي و ما فيها أيضا بالشيعة: ففي معتبرة أبي سيار: «و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ...

و أما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا. الحديث.» «2»

و لكن يمكن أن يقال كما مرّ بكون اللام فيها للعهد، فيراد مثل أرض البحرين التي لم يوجف عليها بخيل فكانت خالصة للإمام فلا يستفاد منها حكم أرض الموات و الجبال و المعادن و نحوها مما يتوقف الاستفادة منها على الإحياء و تحمل المشاق، و أخبار الإحياء عامة تعم بإطلاقها الخاصة و العامة.

و ما في خبر يونس بن ظبيان أو المعلى الوارد في الأنهار الثمانية من قوله: «فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شي ء إلّا ما غصب عليه» «3» و إن

______________________________

(1)- الجواهر 16/ 141.

(2)- الوسائل 6/ 382، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 12. و مرّ شرح الحديث في ص 129 من هذا الجزء من الكتاب.

(3)- الوسائل 6/ 384، الباب 4 من أبواب الأنفال ...، الحديث 17.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 147

عمّ الموات أيضا و لكنه ضعيف فلا يقاوم إطلاق الأخبار المطلقة الواردة في الإحياء و ان من أحياء أرضا فهي له.

و سيأتي منّا بحث مستوفى في سببية إحياء الأرض للاختصاص بها و لو كان المحيي كافرا فكيف بمن أسلم و لم يعاند، و مورد موثقة محمد بن مسلم في باب الإحياء أرض اليهود و النصارى كما يأتي فلا يترك العمل بما حكاه في

الجواهر عن الشهيد من حفظ حرمة أموالهم الحاصلة بالحيازة أو الإحياء و عليه كان بناء الأئمة «ع» و أصحابهم في مقام العمل كما هو ظاهر لمن سبر سيرتهم و هو المطابق لصلاح الإسلام و المسلمين أيضا كما لا يخفى وجهه.

هذا مضافا إلى أن الأنفال كما مرّ ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم بل هي أموال عامة تقع في كل عصر تحت اختيار الحاكم الصالح الموجود في هذا العصر، فالملاك إذنه و رضاه و يحمل أخبار التحليل الظاهرة في الاختصاص بالشيعة على موارد عدم انعقاد الحكومة الصالحة، فتدبّر.

و قد طال البحث في أخبار التحليل، هدانا اللّه- تعالى- إلى سواء السبيل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 148

المسألة الثالثة: فيما ورد في إحياء الأرضين الموات و الترغيب فيه و أحقية المحيي بها:
[في أقسام الأرضين]

قد مرّ منّا في أول الجهة السادسة من فصل الغنائم تقسيم للأرضين و إشارة إجمالية إلى أحكامها، و قلنا هناك: إن الأرض إما موات و إما عامرة، و كل منهما إما أن تكون كذلك بالأصالة أو عرض لها ذلك، فهي أربعة أقسام:

أما الموات بالأصالة فلا إشكال و لا خلاف منّا في كونها من الأنفال و كونها للإمام بما هو إمام. و مثلها العامرة بالأصالة أي لا من معمّر كالغابات سواء كانتا في بلاد الإسلام أو في بلاد الكفر، إذ لم يتحقق فيهما ما هو السبب و الملاك لمالكية الأشخاص أعني الإحياء و العمل.

و بيّنا في الجهة الثانية من فصل الأنفال معنى كونها للإمام و قلنا إنها ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم، بل هي أموال عامة وضعها اللّه للأنام و جعل زمام أمرها بيد سائس المسلمين من الرسول أو الإمام حسما للتنازع و الخصام فلا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه و إجازته.

و بيّنا في القسم الثاني

من الأنفال أعني الأرض الموات معنى الموات و الخراب بالتفصيل، فراجع.

[إحياء الموات جائز إجمالا]

إذا عرفت هذا فنقول: إحياء الموات جائز إجمالا بالنص و الإجماع و السيرة العملية، بل هو مستحب مرغب فيه لما فيه من تحصيل الرزق المأمور به في قوله- تعالى-: «فَامْشُوا فِي مَنٰاكِبِهٰا وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ.» اللّهم إلّا أن يقال: إن الأمر في مقام توهم الخطر لا يدل على أزيد من الجواز.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 149

و لقوله- تعالى- في سورة هود: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهٰا.» «1» إذ يستفاد منه أن عمران الأرض مطلوب له- تعالى-.

و لما فيه من إخراج العاطل من العطلة المساوقة لتضييع المال.

و لأن اللّه- تعالى- وضع الأرض و ما فيها من المعادن و المياه للأنام فترك إحيائها و صرفها فيما خلقت لأجله كفران لنعمة اللّه، و قد قال- تعالى- في سورة إبراهيم بعد ذكر السماوات و الأرض و الثمار و الأنهار و غيرها: «وَ آتٰاكُمْ مِنْ كُلِّ مٰا سَأَلْتُمُوهُ، وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّٰهِ لٰا تُحْصُوهٰا إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَظَلُومٌ كَفّٰارٌ.» «2» يعني أن اللّه أعطى الإنسان ما يقتضيه طبعه و خلقته من النعم التي لا تحصى، فليس من قبل اللّه- تعالى- نقص و تقتير، و إنما النقص مستند إلى الإنسان نفسه حيث يظلم بعضهم بعضا و يتعدي إلى حقوقه أو يكفرون بنعم اللّه- تعالى- و لا يستفيدون منها. هذا.

و روى أحمد في المسند بسنده عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر، و ما أكلت العافية منها فهو له صدقة.» «3»

و رواه البيهقي أيضا بسنده عن جابر. و رواه الشهيد في المسالك بلفظ

العوافي. «4»

أقول: في النهاية:

«العافية و العافي: كل طالب رزق من إنسان أو بهيمة أو طائر. و جمعها العوافي.» «5»

و في خراج يحيى بن آدم القرشي بسنده عن جابر، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«من زرع زرعا أو غرس غرسا فأكل منه إنسان أو سبع أو طائر فهو له صدقة.» «6»

و روى الترمذي بسنده عن أنس، عن النبي «ص»، قال: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلّا كانت له صدقة.» «7»

______________________________

(1)- سورة هود (11)، الآية 61.

(2)- سورة إبراهيم (14)، الآية 34.

(3)- مسند أحمد 3/ 327.

(4)- سنن البيهقي 6/ 148، كتاب إحياء الموات، باب ما يكون إحياء و ما يرجى فيه من الأجر، و المسالك 2/ 287.

(5)- النهاية لابن الأثير 3/ 266.

(6)- الخراج/ 78.

(7)- سنن الترمذي 2/ 421، أبواب الأحكام، الباب 40 (باب ما جاء في فضل الغرس)، الحديث 1400.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 150

[يدل على أحقية المحيي الأخبار الكثيرة]

و يدل على أصل الجواز و أحقية المحيي الأخبار الكثيرة بل المتواترة إجمالا الواردة من طرق الفريقين:

1- صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و فضيل و بكير و حمران و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السلام-، قالا: قال رسول اللّه «ص»: «من أحيا أرضا مواتا فهي له.» «1»

2- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من أحيا أرضا مواتا فهو له.» «2»

3- صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر «ع»، قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها.» «3»

4- صحيحته الأخرى، قال: سمعت أبا جعفر «ع» يقول: «أيّما

قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و هي لهم.» «4»

5- موثقة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض اليهود و النصارى، فقال: «ليس به بأس، قد ظهر رسول اللّه «ص» على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها، فلا أرى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا. و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحق بها و هي لهم.» «5»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 5.

(2)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 6.

(3)- الوسائل 17/ 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.

(4)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 4.

(5)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 2، و قطعة منها في 17/ 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 151

6- ما رواه الصدوق، قال: «قد ظهر رسول اللّه «ص» على خيبر فخارجهم على أن يكون الأرض في أيديهم يعملون فيها و يعمرونها، و ما بأس لو اشتريت منها شيئا. و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض فعمروه فهم أحق به و هو لهم.» «1»

7- صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن شراء الأرضين من أهل الذمة فقال: «لا بأس بأن يشتريها منهم إذا عملوها و أحيوها فهي لهم، و قد كان رسول اللّه «ص» حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها.» «2»

8- معتبرة

السكوني، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «قال رسول اللّه «ص»: «من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله.» «3»

9- صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل و أنا حاضر عن رجل أحيا أرضا مواتا فكرى فيها نهرا و بنى فيها بيوتا و غرس نخلا و شجرا، فقال: «هي له و له أجر بيوتها. الحديث.» «4»

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بطرقنا.

10- و في موطأ مالك في كتاب الأقضية، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول اللّه «ص» قال: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، و ليس لعرق ظالم حق.» «5»

و رواه البيهقي بسنده عن مالك. «6»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 7.

(2)- الوسائل 17/ 330، الباب 4 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 17/ 328، الباب 2 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.

(4)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 8.

(5)- موطأ مالك 2/ 121، القضاء في عمارة الموات.

(6)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة فهي له ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 152

و رواه أبو داود في باب إحياء الموات بسنده، عن عروة، عنه «ص».

و بسنده، عن عروة، عن سعيد بن زيد، عنه «ص» أيضا. «1»

و رواه البيهقي أيضا بسنده، عن سعيد بن زيد، عنه «ص». «2»

و رواه الترمذي أيضا إلّا أنه ذكر سعد بن زيد و لكن الظاهر كونه مصحف سعيد. «3»

و رواه في المستدرك عن المجازات النبوية مرسلا، و عن عوالي

اللئالي بسنده عن سعيد بن زيد بن نفيل. «4»

و رواه أبو عبيد أيضا، عن عروة، عنه «ص» ثم قال: قال عروة: و لقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث: «أن رجلا غرس في أرض رجل من الأنصار من بني بياضة نخلا فاختصما إلى النبي «ص» فقضى للرجل بأرضه، و قضى على الآخر أن ينزع نخله. قال: فلقد رأيتها يضرب في أصولها بالفؤوس، و إنها لنخل عمّ.» «5»

و روى قصة اختصام الرجلين أبو داود أيضا و البيهقي «6».

أقول: العمّ بالضم و التشديد: الطوال، واحدها عميم بمعنى تام الخلقة. و المشهور قراءة قوله: «لعرق ظالم» بنحو التوصيف لا بنحو الإضافة فيكون المراد تجاوز العرق و إن لم يلتفت إليه صاحبه و لم يعلم به.

11- و روى البخاري في كتاب الوكالة عن عروة، عن عائشة، عن النبي «ص»، قال: «من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق.» قال عروة قضى به عمر في خلافته. «7»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 158، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في إحياء الموات.

(2)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحياء أرضا ميتة ليست لأحد ... فهي له.

(3)- سنن الترمذي 2/ 419، أبواب الأحكام، الباب 38 (باب ما ذكر في إحياء أرض الموات)، الحديث 1394.

(4)- مستدرك الوسائل 3/ 149، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث 1 و 2.

(5)- الأموال/ 364.

(6)- سنن أبي داود 2/ 158، كتاب الخراج ...، باب في إحياء الموات؛ و سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ... فهي له.

(7)- صحيح البخاري 2/ 48، باب من أحياء أرضا مواتا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 153

و

رواها أبو عبيد بسنده، عن عروة، عن عائشة، عنه «ص» بلفظ من أحيا.

و رواها البيهقي بلفظ من عمّر. «1»

12- و روى أبو داود بسنده عن عروة، قال: أشهد أن رسول اللّه «ص» قضى أن الأرض أرض اللّه و العباد عباد اللّه، و من أحيا مواتا فهو أحق به. جاءنا بهذا عن النبي «ص» الذين جاؤوا بالصلوات عنه. و رواه البيهقي أيضا. «2»

13- و روى البيهقي بسنده، عن عروة، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه «ص»: «العباد عباد اللّه و البلاد بلاد اللّه، فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له (بعطية رسول اللّه خ. ل) و ليس لعرق ظالم حق.» «3»

14- و روى البيهقي أيضا بسنده، عن كثير بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جده أن رسول اللّه «ص» قال: «من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له، و ليس لعرق ظالم حق.» «4»

15- و روى البيهقي أيضا بسنده، عن عروة بن الزبير، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من أحيا أرضا ميتة لم تكن لأحد قبله فهي له، و ليس لعرق ظالم حق.» «5»

16- و روى أبو داود بسنده، عن سمرة، عن النبي «ص»، قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له.» و رواه أيضا في مستدرك الوسائل، عن عوالي اللئالي، عن سمرة. «6»

______________________________

(1)- الأموال/ 363؛ و سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(2)- سنن أبي داود 2/ 158، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في إحياء الموات؛ و سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحياء أرضا ميتة ليست لأحد ...

(3)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات،

باب من أحياء أرضا ميتة فهي له ...

(4)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحياء أرضا ميتة ليست لأحد ...

(5)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(6)- سنن أبي داود 2/ 159، كتاب الخراج ...، باب في إحياء الموات؛ و مستدرك الوسائل 3/ 149، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث 3.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 154

17- و روى البيهقي بسنده عن سمرة، قال: قال رسول اللّه «ص»: «من أحاط على شي ء فهو أحق به، و ليس لعرق ظالم حق.» «1»

18- و روى البيهقي بسنده، عن أنس في الشعاب: قال رسول اللّه «ص»:

«ما أحطتم عليه فهو لكم، و ما لم يحط عليه فهو للّه و لرسوله.» «2»

أقول: لعل الإحاطة تحجير، إذ كونها أحياء في جميع الموارد مشكل.

19- البيهقي بسنده، عن ابن طاوس، عن النبي «ص»: قال: «من أحيا ميتا من موتان الأرض فله رقبتها، و عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثم لكم من بعدي.» و رواه هشام بن حجير عن طاوس فقال: «ثم هي لكم مني.» «3»

20- البيهقي بسنده عن طاوس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثم لكم من بعد، فمن أحيا شيئا من موتان الأرض فله رقبتها.» «4»

21- البيهقي بسنده عن طاوس، عن ابن عباس، قال: «إن عاديّ الأرض للّه و لرسوله و لكم من بعد، فمن أحيا شيئا من موتان الأرض فهو أحق به.» و روى نحوه في المستدرك عن عوالي اللئالي. «5»

22- البيهقي بسنده عن طاوس، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«موتان الأرض للّه و لرسوله، فمن أحيا

منها شيئا فهي له.» و رواه في المستدرك عن عوالي اللئالي. «6»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(2)- سنن البيهقي 6/ 148، كتاب إحياء الموات، باب ما يكون إحياء و ما يرجى فيه من الأجر.

(3)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمّي يحييه ...

(4)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمّي ...

(5)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمّي ...؛ و مستدرك الوسائل 3/ 149، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث 5.

(6)- سنن البيهقي 6/ 143، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمّي ...؛ و مستدرك الوسائل 3/ 149، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 155

و لا يخفى رجوع الأخبار الأربعة الأخيرة إلى واحد.

23- البيهقي بسنده عن أسمر بن مضرّس، قال: أتيت النبي «ص» فبايعته فقال: «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له.» و رواه أبو داود بقوله: «من سبق إلى ماء لم يسبقه ...» «1» هذا.

و روى في التذكرة عن سمرة أن النبي «ص» قال: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثم هي لكم مني أيّها المسلمون.» ثم قال: «يريد بذلك ديار عاد و ثمود.» «2» و لكني لم أجده في كتب الحديث بهذا اللفظ، فتتبع.

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة من طرق الفريقين الدالة على جواز إحياء الموات و أن من أحياه فهو له. و لا يخفى شمول إطلاق الروايات بكثرتها لجميع الأعصار، فلا فرق في ذلك بين عصر الحضور و عصر الغيبة إذ ولاية النبي «ص»

و الأئمة «ع» شاملة لجميع الأعصار و لا تتقيد بعصر دون عصر إلّا أن يكون هنا دليل يدلّ على كون إعمال الولاية لعصر خاص أو منطقة خاصة، و سيأتي كلام في هذا المجال.

فإن قلت: قد مرّ منكم أخبار كثيرة تدلّ على أن الموات بالأصل و كذا الأرض الخربة التي باد أهلها من الأنفال و تكون للإمام، و مقتضى ذلك عدم جواز التصرف فيها بغير إذنه فكيف الجمع بين تلك الأخبار و بين الأخبار المجوزة للإحياء و المرغبة فيه بنحو الإطلاق؟

قلت: جواز الإحياء و الترغيب فيه لا ينافي اشتراطه بشروط: كالاستيذان، و عدم سبق الغير إليها بالتحجير، و عدم الإضرار بالغير، و عدم كونها مرفقا و حريما

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...؛ و سنن أبي داود 2/ 158، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في إقطاع الأرضين.

(2)- التذكرة 2/ 400.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 156

لملك الغير، و عدم كونها من المشاعر المحترمة، و نحو ذلك.

و قد قيّد أصحابنا الإمامية جواز الإحياء بإذن الإمام:

1- ففي إحياء الموات من الخلاف (المسألة 3):

«الأرضون الموات للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له الإمام.

و قال الشافعي: من أحياها ملكها، إذن له الإمام أو لم يأذن.

و قال أبو حنيفة: لا يملك إلّا بإذن، و هو قول مالك. و هذا مثل ما قلناه إلا أنه لا يحفظ عنهم أنهم قالوا: هي للإمام خاصة بل الظاهر أنهم يقولون: لا مالك لها.

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و هي كثيرة. و روي عن النبي «ص» أنه قال:

«ليس للمرإ إلا ما طابت به نفس إمامه و إنما تطيب نفسه إذا إذن فيه.» «1»

أقول:

الظاهر أن مراد الشيخ بالأخبار الكثيرة الأخبار الدالة على أن الأرض الموات للإمام و لازمه الاحتياج إلى إذنه.

و قد مرّ منّا أن الأنفال و منها الأراضي ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم، بل هي أموال عامة خلقها اللّه- تعالى- للأنام، و حيث إنها يتنافس فيها قهرا جعلت تحت اختيار الإمام بما أنه إمام ليقطع بذلك جذور التشاجر و الخصام، فلا يجوز لأحد أن يتصرف فيها إلا بإذنه. و من قال من أهل الخلاف بالاحتياج إلى الإذن و بعدم المالك لها لعلهم يريدون الإذن من الإمام بما أنه سائس المسلمين من دون أن تكون ملكا لشخصه فلا خلاف لنا معهم في هذه المسألة، بل في تعيين الإمام و شرائطه.

2- و في المبسوط:

«الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له الإمام.» «2»

أقول: قد مرّ منّا أن قولهم: «خاصة» لا يراد به كون المال لشخص الإمام، بل

______________________________

(1)- الخلاف 2/ 222.

(2)- المبسوط 3/ 270.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 157

يراد به عدم كونه مثل الغنائم التي تقسم و الأراضي المفتوحة عنوة التي تكون لجميع المسلمين، فتأمّل.

3- و مرّ عن المفيد قوله:

«و ليس لأحد أن يعمل في شي ء مما عددناه من الأنفال إلا بإذن الإمام العادل فمن عمل فيها بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها و للإمام الخمس. و من عمل فيها بغير إذنه فحكمه حكم العامل فيما لا يملكه بغير إذن المالك من سائر المملوكات.» «1»

و قد مرّ عن أصول الكافي و النهاية و المراسم و المهذّب و الشرائع أيضا في باب الأنفال عدم جواز التصرف فيها بدون إذن الإمام و منها أرض الموات قطعا.

4- و في إحياء الموات

من التذكرة بعد ذكر الأرض الموات قال:

«و هذه للإمام عندنا لا يملكها أحد و إن أحياها ما لم يأذن له الإمام. و إذنه شرط في تملك المحيي لها عند علمائنا. و وافقنا أبو حنيفة على أنه لا يجوز لأحد إحياؤها إلّا بإذن الإمام لما رواه العامة عن النبي «ص» أنه قال: «ليس للمرإ إلا ما طابت به نفس إمامه.» و من طريق الخاصة حديث الباقر «ع» السابق الذي حكى فيه ما وجده في كتاب علي «ع»، و لأن للإمام مدخلا في النظر في ذلك فإن من تحجر أرضا و لم يبنها طالبه بالبناء أو الترك فافتقر ذلك إلى إذنه كمال بيت المال. و قال مالك: إن كان قريبا من العمران في موضع يتشاح الناس فيه افتقر إلى إذن الإمام و إلا لم يفتقر. و قال الشافعي: إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام، و به قال أبو يوسف و محمد لظاهر قوله «ع»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له.» الخ». «2»

أقول: من عبارة التذكرة أيضا يستفاد ما نصرّ عليه من عدم كون الأنفال لشخص الإمام المعصوم بل من قبيل بيت المال للأموال العامة. و مراده بحديث الباقر «ع» صحيحة أبي خالد الكابلي الآتية في المسائل الآتية. و ظاهر كلامه اعتبار الإذن مطلقا و لو في عصر الغيبة و كون المسألة إجماعية عندنا.

______________________________

(1)- المقنعة/ 45.

(2)- التذكرة 2/ 400.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 158

5- و في جهاد المنتهى:

«قد بيّنا أن الأرض الخربة و الموات و رءوس الجبال و بطون الأودية و الآجام من الأنفال يختص بها الإمام ليس لأحد التصرف فيها إلّا بإذنه إن كان ظاهرا. و إن كان غائبا جاز

للشيعة التصرف فيها بمجرد الإذن منهم- عليهم السلام-.» «1»

أقول: مراده بالجملة الأخيرة لا محالة الإذن العام المستفاد من أخبار الإحياء أو أخبار التحليل، و أراد بذلك عدم الاحتياج إلى إذن جديد. و كيف كان فالإذن معتبر عنده و لو بنحو عام.

6- و في التنقيح:

«و عند أصحابنا أن الموات من الأرضين للإمام و لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه، و مع إذنه يصير ملكا للمأذون له، و إذنه شرط.» «2»

و ظاهره أيضا الإطلاق و ادعاء إجماعنا عليه.

7- و لكن في إحياء الموات من الشرائع بعد ذكر الموات قال:

«فهو للإمام «ع» لا يملكه أحد و إن أحياء ما لم يأذن له الإمام «ع»، و إذنه شرط، فمتى اذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما، و لا يملكه الكافر. و لو قيل: يملكه مع إذن الإمام كان حسنا ...

و كل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعده، و إن لم يكن لها مالك معروف معين فهي للإمام- عليه السلام-، و لا يجوز إحياؤها إلا بإذنه. فلو بادر مبادر فأحياها بدون إذنه لم يملك.

و إن كان الإمام- عليه السلام- غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، و مع ظهور الإمام «ع» يكون له رفع يده عنها.» «3»

أقول: ظاهر كلامه الأول الإطلاق، و ظاهر الذيل التفصيل بين عصر الظهور

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 936.

(2)- التنقيح الرائع 4/ 98.

(3)- الشرائع 3/ 271 و 272 (- طبعة أخرى/ 791- 792، الجزء الرابع).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 159

و الغيبة. و الفرق بين الموات الأصلي و العارضي في ذلك مشكل بعد كون كليهما للإمام و شمول أخبار الإحياء

لكليهما.

و يحتمل أن يكون مفروض كلامه من الأول إلى قوله: «و إن كان الإمام غائبا» حال ظهور الإمام و يكون المراد من إذن الإمام إذنه في التملك، و يكون قوله: «و إن كان الإمام غائبا» راجعا إلى كلا القسمين من الأصلي و العارضي فيراد أنه في حال الغيبة حيث لا إذن في التملك صار الإحياء موجبا للأحقية فقط دون ملك الرقبة فيكون ذيل كلامه مأخوذا من صحيحتي الكابلي و عمر بن يزيد الدالتين على عدم سببية الإحياء لملكية الرقبة. و إن كان يرد عليه عدم انحصار الصحيحتين بعصر الغيبة، فتدبّر.

8- و في المسالك:

«إذا كان الإمام حاضرا فلا شبهة في اشتراط إذنه في إحياء الموات فلا يملك بدونه اتفاقا.» «1»

و ظاهره التفصيل بين زمان الحضور و الغيبة في اشتراط الإذن.

9- و قد صرّح بهذا التفصيل في جامع المقاصد فقال في إحياء الموات منه:

«لا ريب أنه لا يجوز إحياء الموات إلّا بإذن الإمام، و هذا الحكم مجمع عليه عندنا ... و لا يخفى أن اشتراط إذن الإمام «ع» إنما هو مع ظهوره، و أما مع غيبته فلا و إلّا لامتنع الإحياء.» «2»

أقول: الظاهر اعتبار الإذن مطلقا كما هو مقتضى كون الموات للإمام، غاية الأمر أنه في حال الغيبة يكتفى بالإذن العام المستفاد من أخبار التحليل أو أخبار الإحياء. و لو فرض انعقاد الحكومة الحقة في عصر الغيبة فالظاهر وجوب الاستيذان منها، و لا أقل من حرمة التصرف مع منعها و تحديدها كما سيأتي.

و ربما يقال بعدم اشتراط الإذن في عصر الغيبة تمسكا بعموم أخبار الإحياء بتقريب أن ظاهرها كون الإحياء بنفسه سببا تاما للملكية.

______________________________

(1)- المسالك 2/ 287.

(2)- جامع المقاصد 1/ 408.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 4، ص: 160

و فيه منع ذلك بل غايته الدلالة على الاقتضاء فقط. و لو سلّم كان مقتضاه عدم الاشتراط في عصر الظهور أيضا لكونه مورد صدور هذه الأخبار و تخصيص المورد لا يصح، فالتفصيل بين العصرين لذلك فاسد جدا.

10- و في خراج أبي يوسف القاضي ما ملخصه مع التحفظ على ألفاظه:

«و قد كان أبو حنيفة يقول: من أحيا مواتا فهي له إذا أجازه الإمام. و من أحيا أرضا مواتا بغير إذن الإمام فليست له و للإمام أن يخرجها من يده و يصنع فيها ما رأى.

قيل لأبي يوسف: ما ينبغي لأبي حنيفة أن يكون قد قال هذا إلّا من شي ء.

قال أبو يوسف: حجته في ذلك أن يقول: الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام، أ رأيت رجلين أراد كل واحد منهما أن يختار موضعا واحدا، و كل منهما منع صاحبه أيّهما أحقّ به؟ أ رأيت إن أراد رجل أن يحيي أرضا ميتة بفناء رجل فقال: لا تحيها فإنها بفنائي و ذلك يضرني، فإنما جعل أبو حنيفة إذن الإمام في ذلك فصلا بين الناس.

و إذا منع الإمام أحدا كان ذلك المنع جائزا و لم يكن بين الناس التشاح في الموضع الواحد و لا الضرار فيه مع إذن الإمام و منعه.

قال أبو يوسف: أما أنا فأرى إذا لم يكن فيه ضرر على أحد و لا لأحد فيه خصومة أن إذن رسول اللّه «ص» جائز إلى يوم القيامة فإذا جاء الضرر فهو على الحديث:

«و ليس لعرق ظالم حق.» «1»

أقول: يظهر من ذيل كلام أبي يوسف أن أصل الاحتياج إلى الإذن كان مفروغا عنه بين الجميع، غاية الأمر أن أبا يوسف و أمثاله كانوا يكتفون بالإذن العام من رسول

اللّه «ص» في الإحياء، و أبا حنيفة كان يقول بالاحتياج إلى الإذن الخاص في كل مورد من إمام المسلمين و سائسهم في عصر من يريد الإحياء.

و يظهر من كلام أبي يوسف أيضا أنه كان يرى روايات الإحياء بصدد الإذن الولائي من رسول اللّه «ص» لا بيان حكم فقهي إلهي. و لعلنا أيضا نختار هذا في المآل كما سيأتي.

______________________________

(1)- الخراج/ 64.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 161

11- و قال الماوردي الذي هو من علماء الشافعية:

«من أحيا مواتا ملكه بإذن الإمام و بغير إذنه. و قال أبو حنيفة: لا يجوز إحياؤه إلّا بإذن الإمام لقول النبي «ص»: «ليس لأحد إلا ما طابت به نفس إمامه».

و في قول النبي «ص»: «من أحيا أرضا مواتا فهي له» دليل على أن ملك الموات معتبر بالإحياء دون إذن الإمام.» «1»

12- و في المقنع لابن قدامة في فقه الحنابلة: «و يملكه بإذن الإمام و غير إذنه.»

و ذيله في الشرح الكبير بقوله:

«و جملة ذلك أن إحياء الموات لا يفتقر إلى إذن الإمام و بهذا قال الشافعي و أبو يوسف و محمد. و قال أبو حنيفة: يفتقر إلى إذنه لآن للإمام مدخلا في النظر في ذلك بدليل من تحجر مواتا فلم يحيه فإنه يطالبه بالإحياء أو الترك فافتقر إلى إذنه كمال بيت المال. و لنا عموم قوله «ص»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»، و لان هذه عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن الإمام كأخذ الحشيش و الحطب ...» «2»

أقول: الظاهر أن اشتراط الإذن إجمالا و لو بنحو العموم مجمع عليه عندنا و الظاهر كما مرّ عدم الفرق في ذلك بين عصر الظهور و الغيبة.

و هل أرادوا

بذلك توقف جواز التصرف و الإحياء على الإذن كما هو الظاهر من كلماتهم و يقتضيه كون الأرض للإمام، أو أن جواز الإحياء عندهم مفروغ عنه لدلالة الأخبار الكثيرة عليه و إنما المتوقف على الإذن عندهم مالكية المحيي لها؟ ثم على الثاني فهل المراد بالإذن في كلماتهم الإذن في الإحياء أو الإذن في التملك بتقريب أن الأخبار دلت على جواز الإحياء و يلازمه الإذن فيه إجمالا و لكن لا يكفي هذا في حصول ملكية الرقبة بل تتوقف هذه على الإذن في خصوص التملك بأن يبيعها له أو يهبها أو نحو ذلك من العناوين المملكة؟ كل محتمل. و لكن الظاهر منهم كما مرّ هو الاحتمال الأول. هذا.

______________________________

(1)- الأحكام السلطانية/ 177.

(2)- المغني 6/ 151.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 162

و يدلّ على اعتبار إذن الإمام إجمالا و لو بنحو عام مضافا إلى الشهرة المحققة و الإجماعات المنقولة التي مرّت، الأخبار الكثيرة الدالة على أن الموات من الأنفال و أن الأنفال للإمام، و ما دلّ على أن الأرض و الدنيا كلّها لهم.

و في الحديث: «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه.» «1» و بمضمونه يحكم العقل أيضا لكونه ظلما و تجاوزا بحق الغير من غير فرق بين أنواع الملكية.

و يدلّ على ذلك أيضا ما عن النبي «ص» من قوله: «ليس للمرإ إلا ما طابت به نفس إمامه.» كما مرّ عن الخلاف و غيره، و في كنز العمال: «إنما للمرإ ما طابت به نفس إمامه» (طب، عن معاذ). «2»

فإن قلت: ظاهر أخبار الإحياء بكثرتها هو جواز الإحياء و حصول الأحقية بل الملكية به بلا احتياج إلى استيذان، فيكون الإحياء سببا تاما لها،

و حملها على الجواز بشرط تحصيل الإذن خلاف الظاهر.

قلت: دلالتها على السببية التّامة ممنوعة و إنما تدل على الاقتضاء فقط. و لذا يشترط بشروط أخر أيضا كما يأتي، مضافا إلى أن الإذن يستفاد منها بالالتزام و بدلالة الاقتضاء نظير قول مالك الدار: «من دخل داري فله كذا»، حيث يستفاد منه الإذن في الدخول. بل يمكن أن يقال إن هذه الأخبار صدرت بداعي الإذن فتكون متعرضة لحكم ولائي عن النبي «ص» و الأئمة «ع» من باب إعمال الولاية و الحكومة الشرعية لا لحكم فقهي إلهي نظير ما ربما يحتمل في قوله «ص»:

«لا ضرر و لا ضرار»، و ما تعرض له جميع أخبار التحليل.

و يؤيد ذلك قوله «ص» في موثقة السكوني التي مرت: «قضاء من اللّه و رسوله»،

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 377، الباب 3 من أبواب الأنفال ...، الحديث 6.

(2)- كنز العمّال 16/ 741، خاتمة في المتفرقات من قسم الأقوال، الحديث 46598.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 163

اذ لو كان حكما فقهيا لم يكن قضاء من الرسول «ص» بل كان هو واسطة في إبلاغه فقط.

و كذا ما في رواية عروة من قوله: «أشهد أن رسول اللّه «ص» قضى: أن الأرض أرض اللّه و العباد عباد اللّه، و من أحيا مواتا فهو أحق به»، و قوله «ص» في رواية طاوس: «ثم هي لكم مني» و في رواية عن عائشة: «فهو له بعطية رسول اللّه «ص».»

و قول عروة بعد نقل الخبر عن عائشة، عن النبي «ص»: «قضى به عمر في خلافته» يدل أيضا على أن عروة كان يرى هذا حكما ولائيا من النبي «ص» فأراد أن يبيّن أن عمر أيضا حكم به في زمان

خلافته.

و بالجملة وزان أخبار الباب وزان أخبار التحليل الواردة في الخمس و الأنفال، فلا تنافي كون الأرض للإمام بل التحليل متفرع على كونها له و لا يحتاج حينئذ إلى تحصيل إذن جديد. هذا.

و لكن قد مرّ منّا بالتفصيل أن الأنفال التي منها الأرض و ما فيها من الجبال و المعادن و الآجام و الأنهار ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم، بل هي أموال عامة خلقها اللّه- تعالى- للأنام و عليها يتوقف نظام معاشهم و معادهم، فلو قيل بانحصار الحكم و الدولة الحقة في الإمام المعصوم و أنه في عصر الغيبة لا إمامة و لا حكومة مشروعة بل هو عصر الهرج و المرج حتى يظهر صاحب الأمر «ع» فلا محالة كان على الأئمة «ع» تحليل الأنفال لجميع البشر و لا أقل للمسلمين و بالأخص لشيعتهم، إذ لا يمكن حياتهم و بقاؤهم بدونها، و قد دلت الأخبار الكثيرة على تحليلهم حقوقهم لشيعتهم ليطيبوا.

و أما إذا قلنا بضرورة الحكومة في جميع الأعصار و أنها داخلة في نسج الإسلام و نظامه، و أن الإسلام في نظام التشريع لم يترك المسلمين يعانون الفوضى و الفتنة أو الأسر في أيدي الطواغيت و الجبابرة، بل أوجب عليهم السعي في تأسيس حكومة صالحة عادلة فلا محالة يجب أن يكون اختيار الضرائب الإسلامية و الأموال العامة بيد من يتصدى لها.

و قد مرّ شرائط الحاكم الإسلامي في خلال أبحاثنا الماضية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 164

فالملاك الذي أوجب جعل اختيار الأموال العامة بيد الرسول «ص» أو الإمام المعصوم هو بعينه يوجب جعلها تحت اختيار نوّابهم في عصر الغيبة أيضا و إلّا لما تيسر لهم إجراء حدود الإسلام و أحكامه و بسط

العدالة الاجتماعية و قطع جذور الخلاف و الخصام، و لا يفرض نظام الحكم بلا نظام مالي.

فالأنفال و إن كانت محللة للشيعة أو للمسلمين و يجوز لهم إحياء الأرضين قطعا، و لكن ذلك في الشرائط التي لا يتيسر لهم الاستيذان من حاكم صالح أو فيما إذا لم يحصل التحديد و المنع من قبل الحكومة الصالحة الحقة، و إلّا لم يجز لهم التخلف من ضوابطها المقررة في الأموال العامة.

و إن شئت قلت: إن التحليل و جواز التصرف و الإحياء محدود حينئذ تحت إطار موازين الدولة الحقة الصالحة و لا يجوز مع منعها بل يعتبر الإذن منها و لو بنحو عام.

و عمدة نظر الأئمة «ع» كان تسهيل الأمر للشيعة عند الضرورة و الاختناق و عدم تحقق الحكومة الصالحة فلا ينافي هذا وجوب الاستيذان من الحاكم الصالح المبسوط اليد إذا فرض وجوده.

و بعبارة أخرى نحن لا نأبى سعة ولاية الرسول «ص» و الإمام المعصوم بالنسبة إلى الأعصار اللاحقة أيضا، و يمكن صدور حكم ولائي مستمر منهما، و يوجد أمثاله في فقهنا أيضا كقوله «ص»: «لا ضرر و لا ضرار» مثلا على احتمال. و لكن يحتاج هذا إلى دليل حالي أو مقالي متقن يدلّ على دوام الحكم و استمراره، و إلّا فالظاهر من الحكم الولائي كونه محدودا بعصر الحاكم حيث إن مقتضيات الظروف و الأزمان تختلف غالبا، و الأحكام ليست جزافية بل تكون تابعة للمصالح و المفاسد، و على هذا الأساس لا نرى تهافتا بين الأحكام السلطانية المتضادة الصادرة عن الأئمة «ع» في أعصار مختلفة. و مع الشك في التعميم و الاستمرار لا بدّ أن يقتصر على القدر المتيقن إذ لا يجوز التمسك بالإطلاق مع غلبة اختلاف الظروف و المصالح

و احتمال وجود قرينة حالية تدلّ على التحديد.

و على هذا فلو سلّم التعميم في أخبار التحليل و الإحياء إجمالا للأعصار اللاحقة أيضا فالمتيقن منهما الأعصار المشابهة لعصرهم «ع» من وجود الاختناق و عدم بسط

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 165

يد الحكومة الحقة فلا دليل على شمولهما لما إذا انعقدت حكومة صالحة مبسوطة اليد يمكن لها القبض و البسط و التصميم القاطع بالنسبة إلى الأراضي و الأموال العامة على نحو يراعى فيها مصالح المجتمع على أحسن الوجوه الذي يقتضيه الظروف و الأزمان، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 166

المسألة الرابعة: في بيان شروط الإحياء:
اشارة

أقول: قد مرّ منّا أن من شرط جواز الإحياء و تأثيره إذن الإمام خصوصا أو عموما، فإن هذا مقتضى كون الأرضين له. و هنا شروط أخر تعرض لها الفقهاء و كان من المناسب التعرض لها و لكن لما كانت مفصلة و موضعها كتاب إحياء الموات نكتفي هنا بنقل عبارة الشرائع و بعض العبارات الأخر مع شرح ما و نحيل التفصيل إلى محله:

قال المحقق في إحياء الموات من الشرائع:

«و يشترط في التملك بالإحياء شروط خمسة:

الأول: أن لا يكون عليها يد لمسلم، فإن ذلك يمنع من مباشرة الإحياء لغير المتصرف.

الثاني: أن لا يكون حريما لعامر كالطريق و الشرب و حريم البئر و العين و الحائط ...

الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعرا للعبادة كعرفة و منى و المشعر، فإن الشرع دلّ على اختصاصها موطنا للعبادة فالتعرض لتملكها تفويت لتلك المصلحة، أما لو عمّر فيها ما لا يضر و لا يؤدي إلى ضيقها عما يحتاج إليه المتعبدون كاليسير لم أمنع منه.

الرابع: أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل و لو كان مواتا خاليا من تحجير، كما أقطع النبي «ص» الدور، و أرضا بحضر موت، و حضر فرس الزبير فإنه يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة فلا يصح دفع هذا الاختصاص بالإحياء.

الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير فإن التحجير يفيد الأولوية لا ملكا للرقبة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 167

و إن ملك به التصرف حتى لو هجم عليه من يروم الإحياء كان له منعه، و لو قاهره فأحياها لم يملكه.» «1»

أقول: و يمكن إدراج الشرط الثاني و الرابع و الخامس أيضا في الشرط الأول بناء على أن يراد باليد مطلق الحق لا خصوص الملك.

و زاد في الجواهر على الشروط

الخمسة إذن الإمام و عدم كون الأرض مما حماها النبي «ص» أو الإمام. «2»

و لا يخفى أن في تسمية غير الإذن شرطا نحو مسامحة، فإن الشرط اصطلاحا هو الأمر الوجودي المؤثر في فاعلية الفاعل أو قابلية القابل، و الفاعل هنا هو المحيي و السبب الإحياء و إذن الإمام شرط لتأثيره. و أما الأمور الخمسة التي ذكرها في الشرائع و كذا عدم الحمى المذكور في الجواهر كلها أمور عدمية، و العدم ليس أمرا مؤثرا. ففي الحقيقة تكون نقائضها موانع لتأثير الإحياء فسمّي عدم المانع شرطا بالمسامحة، اللّهم إلّا أن يقال إن إسراء الاصطلاحات الفلسفية إلى المسائل النقلية التعبدية غير صحيح، فتدبّر.

و قال في الجواهر في ذيل الشرط الأول:

«بلا خلاف أجده بين من تعرض له.» «3»

أقول: و كان ينبغي أن يعطف على المسلم من بحكمه في احترام ماله كالمعاهد كما في الدروس. و الشرط مبني على بقاء الحق و إن عرض الموت على الأرض و إلّا فلا أثر لليد. و سيأتي تحقيق المسألة.

و يدلّ على اعتبار هذا الشرط مضافا إلى وضوحه و عدم الخلاف المدعى ما روي عن رسول اللّه «ص» أنه قال: «من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له، و ليس

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 272- 275 (- طبعة أخرى/ 792).

(2)- الجواهر 38/ 32.

(3)- الجواهر 38/ 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 168

لعرق ظالم حق.» «1»

و في الجواهر في ذيل الشرط الثاني

أعني عدم كونه حريما لعامر قال:

«بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد. بل في التذكرة: لا نعلم خلافا بين علماء الأمصار ... بل عن جامع المقاصد الإجماع عليه و هو الحجة ...» «2»

أقول: و يدلّ على هذا الشرط مضافا إلى الإجماع المدعى و عدم الخلاف و قاعدة الضرر و النبوي الذي مرّ على ما في الجواهر: ما رواه البزنطي عن محمد بن عبد اللّه، قال: سألت الرضا «ع» عن الرجل تكون له الضيعة و تكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا أو أقلّ أو أكثر يأتيه الرجل فيقول: أعطني من مراعي ضيعتك و أعطيك كذا و كذا درهما، فقال: «ع»: «إذا كانت الضيعة له فلا بأس.» «3»

و الظاهر أن المراد بمحمد بن عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن زرارة، لكثرة رواية البزنطي عنه، فيكون ثقة و الرواية صحيحة.

و نحوها صحيحة إدريس بن زيد أو خبره عن أبي الحسن «ع»، قال: سألته و قلت: جعلت فداك

إن لنا ضياعا و لها حدود و لنا الدّواب و فيها مراعي، و للرجل منّا غنم و إبل و يحتاج إلى تلك المراعي لإبله و غنمه، أ يحلّ له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال: «إذ كانت الأرض أرضه فله أن يحمي و يصير ذلك إلى ما يحتاج إليه.»

قال: و قلت له: الرجل يبيع المراعي؟ فقال: «إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس.» «4»

أقول: إدريس بن زيد مختلف فيه و لا يبعد حسنه فالرواية حسنة، و في حاشية الكافي المطبوع استظهار كونه إدريس بن زياد فيكون ثقة و الرواية صحيحة.

و قد استدلّ بهاتين الروايتين في الجواهر لثبوت حق الحريم و لكنه لا يخلو من

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(2)- الجواهر 38/ 34 و 35.

(3)- الوسائل 17/ 336، الباب 9 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.

(4)- الوسائل 12/ 276، الباب 22 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 169

شوب إشكال، إذ من المحتمل أن يراد بالمراعي فيهما قسمة من نفس الأرض المحياة بلحاظ علوفتها لا المراتع الطبيعية المجاورة لها بقرينة قوله «ع»: «إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس»، و بقرينة تجويز البيع إن أريد به بيع نفس الرقبة.

و قد كان بيع المراعي و نقلها موردا للشبهة إجمالا بلحاظ ما ورد من شركة المسلمين في الماء و النار و الكلأ، و النهي عن بيع فضل الكلأ. «1» و لذلك سألوا عن بيع حصائد الحنطة و الشعير أعني ما بقي منهما بعد الحصاد أيضا مع وضوح كونهما في الأرض المملوكة كما في خبر إسماعيل بن الفضل،

فراجع. «2» هذا.

و في الجواهر بعد ذكر الروايتين قال:

«بل ربما كان ظاهرهما الملكية بناء على إرادة البيع و نحوه من الإعطاء فيهما، كما عن الشيخ و بني البراج و حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل و ولده و غيرهم، بل في المسالك أنه الأشهر. مضافا إلى أنه مكان استحقه بالإحياء فملك كالمحيي، و لأن معنى الملك موجود فيه، لدخوله مع المعمور في بيعه، و ليس لغيره إحياؤه و لا التصرف فيه بغير إذن المحيي، و لأن الشفعة تثبت في الدار بالشركة في الطريق المشترك المصرح في النصوص المزبورة ببيعه معها، و لإمكان دعوى كونه محيا باعتبار أن إحياء كل شي ء بحسب حاله. خلافا لظاهر جماعة أو صريحهم من عدم الملك، بل هي من الحقوق لعدم الإحياء الذي يملك به مثلها.

و فيه ما عرفت من منع عدم حصول الإحياء الذي لا يعتبر فيه مباشرته كل جزء جزء، فإن عرصة الدار تملك ببناء الدار دونها، و منع توقف الملك على الإحياء، بل يكفي فيه التبعية للمحيا، و تظهر الثمرة في بيعها منفردة. إلّا أنه ينبغي أن يعلم أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار تقتضي عدم اجتناب بعض ما هو حريم للقرية مثلا. بل لعلها تقتضي في ابتداء حدوث القرية أن لكل أحد النزول

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 331، الباب 5 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1، و 17/ 333، الباب 7 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.

(2)- الوسائل 17/ 336، الباب 9 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 170

قريب الآخر و إن اقتضى ذلك بعدا في مرمى قمامته مثلا ...» «1»

أقول: الظاهر في المسألة هو

التفصيل، فإن الحاكم في باب الأملاك و الحقوق هم العقلاء و أهل العرف ما لم يرد من الشرع ردع، و هم يفرقون بين الموارد: فمثل الطريق و الشرب يعدّان ملكا عندهم بخلاف مرعى الماشية و المحتطب و نحوهما فلا يثبت فيهما سوى الحق، و يختلف حدود ذلك بحسب الأعصار و البلاد و مقدار الاحتياجات؛ فربّ بلد لا يحتاج فيه إلى المرعى أو المحتطب و ربما يحتاج إليهما في زمان دون آخر، و الملاك هو رفع الحاجة و الضرر في مقام الانتفاع، و الحكم دائر مدار ذلك فمثل حريم البئر أو القناة مثلا يحرم استفادة الغير منهما بحفر البئر أو القناة مما يضر بمائهما فلا مانع من أن يستفاد منهما بالزرع و البناء مثلا كما هو واضح لمن راجع سيرة العقلاء، و كذا المراتع و المراعي فلا يجوز مزاحمة ذوي الحقوق فيها في جهة الرعي و أما الانتفاعات الأخر فلا دليل على منعها، و هذا من أقوى الشواهد على عدم ملكية رقبة الحريم و إلا لم يجز التصرف فيه أصلا، فتدبّر. هذا.

و راجع في حكم حريم العامر و القرية المغني لابن قدّامة «2». هذا.

و في المغني:

«و ما قرب من العامر و تعلق بمصالحه من طرقه و مسيل مائه و مطرح قمامته و ملقى ترابه و آلاته فلا يجوز احياؤه بغير خلاف في المذهب، و كذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها و مرعى ماشيتها و محتطبها و طرقها و مسيل مائها لا يملك بالإحياء و لا نعلم فيه أيضا خلافا بين أهل العلم، و كذلك حريم البئر و النهر و العين، و كل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه ...» «3»

و في الجواهر في ذيل الشرط الثالث

بعد اختيار المحقق عدم المنع

من تعمير

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 35 و 36.

(2)- المغني 6/ 151.

(3)- المغني 6/ 151.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 171

ما لا يضر من المشاعر قال:

انه من الغريب بل كاد أن يكون كالمنافي للضروري، بل فتح هذا الباب فيها يؤدي إلى اخراجها عن وضعها. «1»

أقول: إن كان المقصود تعمير قطعة من المشعر و تملكها بحيث يمنع غيره منها فالظاهر ورود إشكال صاحب الجواهر. و إن كان المقصود تعميرها ليستفاد منها في مواقع الحرّ و البرد من دون أن يمنع غيره منها فالظاهر عدم الإشكال فيه.

و في الجواهر أيضا في ذيل الشرط الرابع

أعني عدم كون الأرض مما أقطعه إمام الأصل قال:

«الذي لا خلاف في أنّ له ذلك كما عن المبسوط، بل و لا إشكال، ضرورة كون الموات من ماله الذي هو مسلط عليه، مع أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.» «2»

أقول: يظهر من المحقق اختصاص الإقطاع بالنبي «ص» و الإمام المعصوم، و نحن لا نرى لذلك وجها بعد ما بيناه في محله من سعة حدود الولاية للفقيه الجامع لشرائط الحكم و كذلك له أن يحمي موضعا لنعم الصدقة و نحوها، إذ الملاك الذي أوجب جعل اختيار الأموال العامة بيد النبي «ص» أو الإمام يوجب جعل اختيارها في عصر الغيبة بيد النوّاب أيضا، فتدبّر. هذا.

و أقطع النبي «ص» عبد اللّه بن مسعود الدور، و وائل بن حجر أرضا بحضر موت، و بلال بن الحارث العقيق على ما روي. و الدور على ما في الجواهر موضع بالمدينة بين ظهراني عمارة الأنصار، و يقال: إنه أقطعه ذلك ليتخذها دورا.

و في الجواهر أيضا في ذيل الشرط الخامس

أعني عدم السبق بالتحجير قال:

«بلا خلاف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه كما أنه يمكن تحصيله على غير ذلك مما

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 54.

(2)- الجواهر 38/ 54.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 172

سمعته، بل في الرياض: عليه الإجماع في كلام جماعة كالمسالك و غيرها ...» «1»

أقول: و يأتي البحث في التحجير و أحكامه في المسألة التالية، فانتظر. هذا.

و في التذكرة ما ملخصه مع حفظ ألفاظه:

«الفصل الثاني: في شرائط الإحياء، و هي خمسة:

الأول: أن لا يكون على الأرض يد مسلم لأن ذلك يمنع من إحياء الأرض لغير المتصرف، و لو اندرست العمارة لم يجز إحياؤها لأنها ملك لمعين على خلاف تقدم.

الثاني: أن لا يكون حريما للعامر، لأن مالك المعمور استحق باستحقاقه المواضع التي هي من مرافقه كالطريق فإنه لا يجوز لأحد أخذ طريق يسلك فيه المالك إلى عمارته لما فيه من التضرر المنفي بالإجماع. و كذا الشرب و ما شابه ذلك من مسيل ماء العامر و طرقه و مطرح قمامته و ملقى ترابه و آلاته و كلّ ما يتعلق بمصالحه، و لا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار أن كلّ ما يتعلق بمصالح العامر مما تقدم، أو بمصالح القرية كبنائها (كفنائها- ظ، كما في المغني) و مرعى ماشيتها و محتطبها و طرقها و مسيل مياهها لا يصح لأحد إحياؤه و لا يملك بالإحياء. و كذا حريم الآبار و الأنهار و الحائط و العيون، و كل مملوك لا يجوز إحياء ما يتعلق بمصالحه.

هذا مما لا خلاف فيه، إنما الخلاف في مالك العامر هل يملك الحريم أو يكون أولى و أحق به من غيره؟ فقال بعضهم: إنه يملك كما يملك العامر و هو أصح وجهي الشافعية لأنه مكان استحقه بالإحياء فملك

كالمحيى، و لأن معنى الملك موجود البتة لأنه يدخل مع المعمور في بيع المعمور، و لأنه ليس لغيره إحياؤه و لا الاعتراض فيها، و لأن الشفعة تثبت بالشركة في الطريق المشترك.

و قال بعضهم: إنه غير مملوك لمالك العامر لأن الملك يحصل بالإحياء و لم يوجد فيها إحياء، و ليس بجيّد لمنع المقدمتين فإن عرصة الدار تملك ببناء الدار و إن لم يوجد في نفس العرصة احياء، و لأن الإحياء تارة يكون بجعله معمورا و تارة يكون

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 56.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 173

بجعله تبعا للمعمور.

الثالث: أن لا يكون مشعرا للعبادة بوضع الشارع كعرفة و منى و المشعر، لأن في تسويغ تملكها تفويت هذا الغرض و منافاة لهذه المصلحة. و للشافعية قولان في أنه هل تملك أراضي عرفة بالإحياء كسائر البقاع أم لا؟ لتعلق حق الوقوف بها.

و على تقدير القول بالملك ففي بقاء حق الوقوف فيما ملك و جهان.

الرابع: أن لا يكون قد سبق إليه من حجره، فإن الحجر عندنا لا يفيد الملك بل الأولوية و الأحقية، و الشارع في إحياء الموات محجر ما لم يتمه. و قال بعض الشافعية:

إن التحجير يفيد التملك. و المشهور أنه يفيد الأولوية لأن الإحياء إذا أفاد الملك وجب أن يفيد الشروع فيه الأحقية كالاستيام مع الشراء.

الخامس: أن لا يكون مقطعا من الإمام، فإن لإقطاع الإمام مدخلا في الموات، بل عندنا أنه هو المالك للموات فيجوز للإمام أن يقطع غيره أرضا من الموات خالية من التحجير لمن يحييها و يصير المقطع أولى، و يفيد الإقطاع التخصيص و الأحقية كالتحجير و يمنع الغير من المزاحمة له و لا يصح رفع هذا الاختصاص بالإحياء.

السادس: أن

لا يكون قد حماه النبي «ص»، و المراد من الحمى أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها و يمنع سائر الناس من الرعي فيها. و الحمى قد كان لرسول اللّه «ص» لخاص نفسه و للمسلمين لما روي عن رسول اللّه «ص» أنه قال:

«لا حمى إلّا للّه و لرسوله»، و عندنا أن للإمام أن يحمي لنفسه و لإبل الصدقة و نعم الجزية و خيل المجاهدين على حدّ ما كان للنبي «ص» و أما غيرهما من آحاد المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم و لا لغيرهم لقوله «ص»: «لا حمى إلا للّه و لرسوله.»» «1»

أقول: ذكر العلامة أن شروط الإحياء خمسة و لكنه في التفصيل ذكر ستة بزيادة عدم الحمى. و هل أراد بالإمام في الإقطاع و الحمى الإمام المعصوم أو مطلق

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 410 و 411.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 174

الإمام الواجد لشرائط الولاية؟ و جهان، و لعل الأظهر منهم هو الأول و لكن الظاهر عندنا صحة الثاني كما مرّ فيكون الحق لمطلق من ولي أمر المسلمين عن حق إذا كان في طريق مصالح المسلمين. و الرسول «ص» أيضا كان له الحمى بما أنه كان إمام المسلمين و ولي أمرهم.

و في الدروس ذكر للتملك بالإحياء شروطا تسعة: «1»

أحدها: إذن الإمام على الأظهر. و ثانيها: أن يكون المحيي مسلما. و ثالثها: وجود ما يخرجها عن الموات؛ فالمسكن بالحائط و السقف، و الحظيرة بالحائط. و رابعها: أن لا يكون مملوكا لمسلم أو معاهد ... و المحجر في حكم المملوك على ما تقرّر. و خامسها:

أن لا يكون مشعرا للعبادة كعرفة و منى. و سادسها: أن لا يكون مما حماه النبي «ص» أو الإمام لمصلحة كنعم الصدقة و الجزية. و

سابعها: أن لا يكون حريما لعامر. و ثامنها:

أن لا يكون الموات مقطعا من النبي أو الإمام. و تاسعها: قصد التملك و لو فعل أسباب الملك بغير قصد التملك فالظاهر أنه لا يملك.

أقول: فيما ذكره من اشتراط كون المحيي مسلما كلام يأتي في المسائل الآتية.

و مورد موثقة محمد بن مسلم في باب إحياء الموات هو أرض اليهود و النصارى و ستأتي. و الأمر الثالث الذي ذكره هو نفس الإحياء فلا وجه لعدّه من الشرائط.

و أما ما ذكره أخيرا من اشتراط قصد التملك ففيه أولا: أن سببية الإحياء لملكية الرقبة أول الكلام و فيه خلاف كما سيأتي.

و ثانيا: أن اشتراط القصد أيضا محل خلاف:

قال في التذكرة:

«هل يعتبر القصد إلى الإحياء في تحقق الملك للمحيي؟ الوجه أن نقول: إن كان الفعل الذي فعله للإحياء لا يفعل في العادة مثله إلا للتملك كبناء الدار و اتخاذ

______________________________

(1)- الدروس/ 292- 294.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 175

البستان ملك به و إن لم يوجد منه قصد التملك. و إن كان مما يفعله المتملك و غير المتملك كحفر البئر في الموات و زراعة قطعة من الموات اعتمادا على ماء السماء افتقر تحقق الملك إلى تحقق قصده فإن قصد أفاد الملك و إلا فإشكال ينشأ من أن المباحات هل تملك بشرط النية أم لا؟ و للشافعية و جهان. و ما لا يكفي به للتملك كتسوية موضع النزول و تنقيته عن الحجارة لا تفيد التملك و إن قصده ...» «1»

أقول: ما ذكره أولا من القصد إلى الإحياء أراد به القصد إلى التملك كما يظهر مما بعده، و لعله ذكر اشتباها أو غلطا. و الظاهر أن في كلامه خلطا بين

مقام الثبوت و مقام الإثبات، إذ كلامنا في اشتراط القصد ثبوتا، و كلامه التشقيق في مقام الإثبات.

و إلى هذا الإشكال أشار في الدروس، قال في تعقيب كلامه السابق:

«و كذا سائر المباحات كالاصطياد و الاحتطاب و الاحتشاش، فلو اتبع ظبيا يمتحن قوته فأثبت يده عليه لا بقصد التملك لم يملك، و إن اكتفينا بإثبات اليد ملك. و ربما فرق بين فعل لا تردد فيه كبناء الجدران في البرية و التسقيف مع البناء في البيت، و بين فعل محتمل كإصلاح الأرض للزراعة فإنه محتمل لغير ذلك كالنزول عليها و إجراء الخيل فيها فتعتبر النية بخلاف غير المحتمل، و يكون وزان ذينك كوزان صريح اللفظ و كنايته. و يضعف بأن الاحتمال لا يندفع و نمنع استغناء الصريح عن النية.» «2»

و صاحب الجواهر مصرّ على عدم اشتراط القصد، قال:

«لا دليل على اشتراط ذلك بل ظاهر الأدلة خلافه، و الإجماع مظنة عدمه لا العكس، كما أن دعوى الانسباق من النصوص و لا أقل من الشك واضحة المنع و إن مال إليه في الرياض لذلك.

و عدم ملك الوكيل و الأجير الخاص لا لعدم قصد تملكهما و قصد تملك غيرهما، بل

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 413.

(2)- الدروس/ 294.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 176

لصيرورة الإحياء الذي هو سبب الملك لغيرهما بقصد الوكالة و الإجارة فيكون الملك له فلا يستفاد من ذلك اشتراط قصد التملك كما توهّم. بل لا يستفاد منه اعتبار عدم قصد العدم فضلا عن القصد؛ ضرورة ظهور الأدلة في أنه متى وجد مصداق إحياء ترتب الملك عليه و إن قصد العدم لأن ترتب السبب على السبب قهري و إن كان إيجاد السبب اختياريا، اللّهم إلّا أن

يشك في السبب حينئذ. و فيه منع لإطلاق الأدلة، بل لعل ما سمعته من ملك الموكّل و المستأجر بفعل الوكيل و الأجير الخاص و إن لم يقصد الإحياء دليل على ما قلنا، فتأمّل جيدا.» «1»

أقول: يمكن أن يقال: إن دعوى انصراف النصوص على فرض دلالتها على الملكية إلى خصوص صورة قصد التملك غير بعيدة، و الملكية القهرية خلاف القاعدة و خلاف سلطنة الإنسان على نفسه فيقتصر فيها على ما دلّ عليه الدليل كالميراث و نحوه، و لعل العرف أيضا يساعد على اعتبار القصد، و هو الحاكم في باب الأملاك و الحقوق، نعم الإحياء و الحيازة يوجبان أحقية المحيي و الحائز عرفا بحيث لا يجوز مزاحمة الغير لهما إلّا بعد إعراضهما، فوزانهما وزان التحجير ما لم يقصد التملك. هذا.

و لكن لأحد أن يقول: لما كان أساس الملكية الاعتبارية، الواجدية التكوينية كما مرّ بيانه، فإذا صدر الإحياء من الإنسان فحيث إنه صدر منه بسبب فكره و قواه و جوارحه و هو يملك الفكر و القوى و الجوارح تكوينا مطلقا فلا محالة يملك محصولها أيضا من آثار الإحياء مطلقا سواء قصد التملك أم لا، فتدبّر.

و تفصيل البحث في المسألة و في أن الإحياء و الحيازة و السبق إلى المباحات هل تقبل النيابة أم لا محل ذلك كلّه كتاب إحياء الموات و الوكالة و الإجارة، فراجع.

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 32.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 177

المسألة الخامسة: في إشارة إجمالية إلى مفاد الإحياء و التحجير و ما به يتحققان:
اشارة

و نحيل التفصيل إلى الكتب الفقهية.

[الألفاظ المستعملة في الكتاب و السنة إن كانت لها معان عند الشرع حملت عليها و إلّا حملت على العرفية]

لا يخفى أن الألفاظ المستعملة في الكتاب و السنة إن كانت لها معان خاصة مصطلحة عند الشرع حملت عليها عند الإطلاق، و إلّا حملت على معانيها العرفية المتداولة بين أهل اللسان في عصر صدور الألفاظ، و مع التعدد يرجع إلى القرائن.

و قد مرّ منّا في ذيل القسم الثاني من الأنفال أعني الأرض الموات بيان مفهوم الموت و الموات بحسب العرف و اللغة، و قلنا إن المتبادر من موت الأرض خرابها و عطلتها بنحو لا تصلح أن ينتفع بها إلّا بإعدادها و إصلاحها و إن فرض بقاء بعض رسوم العمارة و آثارها فيها كالقرى الخربة.

و يقابله الحياة تقابل الملكة و العدم، و المتبادر منها أوّلا هو ما يكون مبدأ للحس و الحركة في الحيوان، و لكن شاع استعمالها فيما يكون مبدأ للنمو في النباتات أيضا، و كذا إطلاقها بنحو الاستعارة و المجاز على كيفية في الأرض تجعلها مستعدة لأن يستفاد منها و يترتب عليها الغايات المتعارفة المترقبة منها، و لا محالة يختلف ذلك بحسب اختلاف الغايات و الشرائط.

فمعنى إحياء الأرض إعدادها لأن ينتفع بها فيما يترقب منها من الغايات العقلائية المقصودة. و لم يرد من ناحية الشرع ما يدلّ على حدود هذه الكيفية و شرائطها، فيرجع في التشخيص الى العرف، و قد يتحقق لها مصاديق مشتبهة أيضا كسائر المفاهيم العرفية.

[كلمات الفقهاء فيما يتحقق به الإحياء]

و اختلفت تعبيرات الفقهاء فيما به تتحقق و ان تقارب بعضها بعضا:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 178

1- قال الشيخ في إحياء الموات من المبسوط:

«و أما ما به يكون الإحياء فلم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا يكون غير أنه إذا قال النبي «ص»: «من أحيا أرضا فهي

له» و لم يوجد في اللغة معنى ذلك فالمرجع في ذلك إلى العرف و العادة؛ فما عرفه الناس إحياء في العادة كان إحياء و ملكت به الموات، كما أنه لما قال: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، و أنه نهى عن بيع ما لم يقبض، و أن القطع يجب في قيمة المجنّ» رجع في جميع ذلك إلى العادة.

فإذا ثبت ذلك فجملة ذلك على أن الأرض تحيى للدار و الحظيرة و الزراعة:

فإحياؤها للدار فهي بأن يحوط عليها حائط و يسقف عليه، فإذا فعل ذلك فقد أحياها و ملكها ملكا مستقرا. و لا فرق بين أن يبني الحائط بطين أو بآجرّ و جصّ أو خشب.

و أما إذا أخذها للحظيرة فقدر الإحياء أن يحوطها بحائط من آجرّ أو لبن أو طين و هو الرهص، أو خشب. و ليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف. و تعليق الأبواب في الدور و الحظيرة ليس من شرطه، و فيهم من قال: هو شرط، و الأول أقرب.

و أما الإحياء للزراعة فهو أن يجمع حولها ترابا و هو الذي يسمّى ميرزا، و أن يرتب لها الماء إما بساقية فيحفرها و يسوق الماء فيها، أو بقناة يحفرها أو بئر أو عين يستنبطها، و لا خلاف أن هذه الثلاثة شرط في الإحياء للزراعة. و في الناس من ألحق بها أن يزرعها و يحرثها، و الصحيح أنه ليس من شرطه، كما أن سكنى الدار ليس من شرط الإحياء.

و أما إذا أحياها للغراس فإنه يملكها إذا ثبت الغراس فيها و رتب الماء فيها، فإذا فعل ذلك فقد أحياها فإذا أحياها و ملكها فإنه يملك مرافقها التي لا صلاح للأرض إلّا بها.» «1»

______________________________

(1)- المبسوط 3/ 271- 272.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 179

أقول: ظاهره أن صدق الإحياء يختلف بحسب اختلاف ما يقصد من العمارة:

فيعتبر في صدق الدار و المسكن التحويط و التسقيف معا، و في الحظيرة التحويط فقط، و في المزرعة المرز و حفر الساقية و سوق الماء، و في البستان المرز و الساقية و الماء و الغراس.

و الظاهر أن إعداد الماء و تهيئته يكفي في الصدق و لا يشترط سوقه إلى الأرض فعلا، بل ربما لا يحتاج إلى السقي أصلا لكون الأرض مما يسقى بماء السماء عادة.

كما أن الظاهر أن المذكورات من باب المثال، إذ بناء الدكاكين و المخازن و المعامل و المصانع و المدارس و الكليات و الدوائر بشعبها و البنوك و نحو ذلك مما يحتاج إليها الناس من أظهر مصاديق الإحياء قطعا، و كيفية الإحياء فيها مختلفة تابعة للأغراض و المقاصد.

2- و في إحياء الموات من الشرائع:

«الطرف الثاني: في كيفية الإحياء. و المرجع فيه إلى العرف لعدم التنصيص شرعا و لغة. و قد عرف أنه إذا قصد سكنى أرض فأحاط و لو بخشب أو قصب أو سقف مما يمكن سكناه سمّي إحياء. و كذا لو قصد الحظيرة فاقتصر على الحائط من دون السقف. و ليس تعليق الباب شرطا.

و لو قصد الزراعة كفى في تملكها التحجير بمرز أو مسنّاة و سوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها، و لا يشترط حراثتها و لا زراعتها لأن ذلك انتفاع كالسكنى. و لو غرس أرضا فنبت فيها الغرس و ساق إليها الماء تحقق الإحياء. و كذا لو كانت مستأجمة فعضد شجرها و أصلحها، و كذا لو قطع عنها المياه الغالبة و هيأها للعمارة فإن العادة قاضية بتسمية ذلك كله

إحياء لأنه أخرجها بذلك إلى حدّ الانتفاع الذي هو ضد الموت.» «1»

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 275 (- طبعة أخرى/ 794).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 180

أقول: و الظاهر أنه أراد بقوله: «أو سقف» أنه يكفي في صدق المسكن التحويط لبعض الأرض و التسقيف للبعض الآخر كما هو المتعارف في الدور، لا أن كل واحد منهما بانفراده يكفي في صدق المسكن، و يمكن أن يكون: و سقف بالواو فلا إشكال. و قد عرفت أن إعداد الماء يكفي في الصدق و لا يتوقف على سوقه فعلا.

و قوله: «و كذا لو كانت مستأجمة الخ.» يريد بذلك أن رفع الموانع من الأشجار الزائدة و المياه الغالبة إذا تعقبه إصلاح الأرض و تهيئتها للعمارة كاف في صدق الإحياء المطلق.

و يرد عليه أن مجرد إصلاح الأرض و تهيئتها للعمارة لا يكفي في صدق الإحياء ما لم تصدق العمارة فعلا. و عمارة كل واحد من الدار و الحظيرة و المزرعة و البستان تختلف مع غيرها.

و ظاهر المسالك عطف الجملتين على قوله: «و لو غرس أرضا» و حمل الثلاثة على صورة إرادة إحداث البستان، مع أن الظاهر كون المقصود في الأخيرتين مطلق الإحياء لا الإحياء لغرض البستان فقط بل ليس في كلام المصنف اسم من البستان و قصده و إنما ذكر أن الغرس مع سوق الماء يوجبان تحقق الإحياء، و هذا مما لا إشكال فيه.

3- و في التذكرة في هذا المجال ما ملخصه مع حفظ ألفاظه:

«من عادة الشرع إذا أطلق لفظا و لم ينصّ على مسمّى عنده يخالف العرف فإنه ينزل على معناه في العرف كالقبض و الحرز في السرقة و قد ورد الشرع بالإحياء و لم يبيّنه فانصرف

إطلاقه إلى المتعارف بين الناس و ذلك يختلف باختلاف المحيي.

مسألة: إذا أراد السكنى في الملك الذي يقصد إحياؤه فإنما يكون ذلك بصيرورته دارا، و إنما يصير كذلك بأن يدار عليها حائط و يسقف بعضها، و التحويط إما بالآجرّ أو اللبن أو بمحض الطين أو ألواح الخشب أو القصب بحسب العادة. هذا قول الشيخ، و هو قول أكثر الشافعية. و بعضهم لم يشترطوا التسقيف في إحياء الدار، و هو إحدى الروايتين عن أحمد، فإن رسول اللّه «ص» قال: «من أحاط حائطا على

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 181

أرض فهي له.» و لأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء، كما لو جعلها حظيرة للغنم لأن القصد لا اعتبار به لأنه لو أرادها حظيرة للغنم فبناها بجصّ و آجرّ و قسمها بيوتا فإنه يملكها و هذا لا يعمل للغنم مثله، و لأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط فإذا ملكها جاز له أن يبنيها دارا من غير اشتراط تسقيف و لا بأس بذلك. و اشترط أكثر الشافعية في إحياء الدار تعليق الباب، لأن العادة في المنازل أن يكون لها أبواب، و لم يذكره الشيخ.

مسألة: لو أراد إحياء أرض يتخذها زريبة للدوابّ أو حظيرة تجفّف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش اشترط التحويط لا غير، و لا يشترط التسقيف هنا إجماعا قضاء للعرف، و في اشتراط تعليق الباب ما سبق من الخلاف.

مسألة: لو قصد الإحياء لاتخاذ الموات مزرعة اعتبر في إحيائه أمور: 1- جمع التراب في حواليه لينفصل المحيى عن غيره، و يسمّى المرز، و في معناه نصب قصب و حجر و شوك و شبهه، و لا حاجة إلى التحويط إجماعا. 2-

تسوية الأرض بطمّ الحفر التي فيها و إزالة الارتفاع من المرتفع و حراثتها و تليين ترابها. 3- ترتيب مائها إمّا بشقّ ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة و سقيها إن كانت عادتها أنها لا يكتفى في زراعتها بماء السماء، و لم يشترط إجراء الماء و لا سقي الأرض، و إن لم يحفر بعد فللشافعية وجهان.

و بالجملة، السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقق الإحياء.

و أراضي الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها و لا يصيبها إلا ماء السماء قال بعض الشافعية لا مدخل للإحياء فيها، و الوجه أنها تملك بالحراثة و جمع التراب على الحدود.

و هل يشترط الزراعة لحصول الملك في الزراعة؟ الوجه العدم، لأن الزراعة استيفاء منفعة الأرض، كما أنه لا يعتبر في إحياء الدار أن يسكنها، و هو أحد وجهي الشافعية و الثاني الاشتراط.

مسألة: لو قصد الإحياء بزرع بستان فلا بدّ من التحويط و يرجع فيما يحوط به إلى العادة، و القول في سوق الماء إليه على ما تقدم في المزرعة. و هل يعتبر غرس الأشجار

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 182

أم لا؟ من اعتبر الزرع في المزرعة اعتبر في البستان بالطريق الأولى، و من لا يعتبره اختلفوا في الغرس على وجهين، و معظمهم اعتبره، و الفرق أن اسم المزرعة يقع على البقعة قبل الزراعة و اسم البستان لا يقع قبل الغراس. و الوجه أنه لا بدّ من أحد أمرين: إمّا الحائط أو الغرس لتحقق الاسم.» «1»

أقول: قوله «ص»: «من أحاط حائطا على أرض فهي له» لم يصرّح فيه بكونه إحياء، فلعله من قبيل التحجير. و اللام فيه لمطلق الاختصاص و الأولوية، نظير قوله «ص»

في رواية سمرة عنه «ص»: «من أحاط على شي ء فهو أحق به.» «2»

و المرز في المزرعة إن كان لتوقف السقي عليه اعتبر قطعا، و إن كان لانفصال المحياة عن غيرها فقط فلا دخل له في صدق الإحياء، كالتحويط الذي لا يعتبر في إحياء المزرعة قطعا. و التميز بين المحياة و غيرها يحصل بقابلية الانتفاع و عدمها لا بالمرز و الحائط. و كذلك لا يعتبر فيها الحراثة و لا الزراعة و لا السقي فعلا كما هو واضح.

و قد تعرض لأكثر ما ذكره العلامة الشهيد في المسالك «3» أيضا و غيره من فقهائنا، و كلماتهم يشبه بعضها بعضا. و بعد ما صرّح الأصحاب بعدم ورود شي ء من الشرع في تحديد الإحياء و أن المرجع فيه العرف و العادة لا نرى وجها للتطويل و التعرض لكلماتهم في المقام أزيد مما ذكرنا.

4- و ابن إدريس في السرائر حكى عن مبسوط الشيخ كون المرجع في الإحياء إلى العرف و العادة و قال ما ملخّصه: هو الحقّ اليقين الذي يقتضيه أصل المذهب، ثم نسب التقسيمات و التفريق بين مثل الدار و الحظيرة و أرض الزراعة إلى أهل الخلاف و اعترض عليها أشدّ اعتراض و قال:

«إن إحياء الدار عندهم بأن يحوط عليها بحائط و يسقّف عليها ... فأما عندنا فلو خصّ عليها خصّا أو حجرها أو حوطها بغير الطين و الآجرّ و الجصّ ملك التصرف فيها و كان أحقّ بها من غيره»، ثم قال: «إن المبسوط قد ذكر فيه مذهبنا و مذهب

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 412.

(2)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(3)- المسالك 2/ 291.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4،

ص: 183

المخالفين ... و القارئ فيه يخبط خبط عشواء.» «1»

و ناقشه في الجواهر:

ب «أنه هو وقع في خبط العشواء، ضرورة عدم مدخلية الموافق و المخالف في تحقيق الصدق العرفي المعلوم عدمه بالتحجير كما توهمه و إن قلنا إنه الشروع في أثر الإحياء.» «2» هذا.

5- و في مختصر أبي القاسم الخرقي في فقه الحنابلة قال:

«و إحياء الأرض أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا.»

و قال في المغني في شرح العبارة:

«ظاهر كلام الخرقي أن تحويط الأرض إحياء لها سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم أو الخشب أو غير ذلك، و نصّ عليه أحمد في رواية علي بن سعيد فقال:

الإحياء أن يحوط عليها حائطا أو يحفر فيها بئرا أو نهرا، و لا يعتبر في ذلك تسقيف.

و ذلك لما روى الحسن عن سمرة أن رسول اللّه «ص» قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له.» رواه أبو داود و الإمام أحمد في مسنده، و يروى عن جابر، عن النبي «ص» مثله. و لأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء شبه ما لو جعلها حظيرة للغنم، و يبين هذا أن القصد لا اعتبار به بدليل ما لو أرادها حظيرة للغنم فبناها بجصّ و آجر و قسمها بيوتا فإنه يملكها و هذا لا يصنع للغنم مثله.» «3»

ثم تعرض لتفصيل كيفية الإحياء في الدار و الحظيرة و المزرعة، فراجع.

بقي هنا أمران:
[الإحياء يختلف بحسب المقصود]

الأول: ظاهر ما مرّ من المبسوط و الشرائع و التذكرة و كذا المسالك أن صدق

______________________________

(1)- السرائر/ 111- 112.

(2)- الجواهر 38/ 68.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 183

(3)- المغني 6/ 178.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 184

الإحياء يختلف بحسب ما يقصد من العمارة، فالتحويط على أرض بقصد الحظيرة إحياء لها و بقصد الدار تحجير و لا يصدق عليه الإحياء إلّا بعد التسقيف و لو ببعضها.

و يظهر من بعض عدم دخل القصد في ذلك و أنه يكتفي بأدنى العمارات في صدق الإحياء مطلقا.

و يظهر من موضع من التذكرة أيضا اختيار ذلك، قال:

«لو قصد نوعا و فعل إحياء يملك به نوعا آخر، كما إذا حوّط بقعة بقصد السكنى، و هذا الإحياء إنما يتحقق في تملك حظيرة الغنم و شبهها هل يفيد الملك؟ الوجه عندي ذلك، فإنه مما يملك به الحظيرة لو قصدها و هو أحد وجهي الشافعية. و الثاني أنه لا يملك به و إلّا لزم الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا، و استحالة التالي ممنوعة.» «1»

و يظهر من الجواهر كفاية القصد المتأخر بسبب العدول، قال:

«كما يجوز العدول عن قصد الدار بعد التحويط و اتخاذها حظيرة، فإنه يملكها بذلك لصدق الإحياء عليها عرفا و لو باعتبار إخراجها عن التعطيل الأول و صيرورتها ذات منفعة تخرج بها عن اسم الموات.» «2»

أقول: بعد ما لم يرد لنا نصّ في كيفية الإحياء و أحيل أمره إلى العرف فنحن نرى أن العرف يفرّق بين مصاديقه بحسب الاختلاف في الغايات المقصودة.

نعم فيما يكتفى فيه بالمرتبة الدانية يكون اعتبارها لا بشرط لا بشرط لا، فلو قصد الحظيرة و لكنه سقف و بنى بيوتا أيضا لذلك صدق الإحياء قطعا، و لا يكفي العكس فلو قصد الدار و اكتفى بالتحويط فقط لم يكن إحياء و إن صدق التحجير.

و أما العدول عن القصد فإن رتّب

عليه آثار المعدول إليه كفى قطعا، و أما كفاية مجرد القصد المتأخر فمحل اشكال، و لعله أشار إلى ذلك صاحب الجواهر أيضا بقوله: «و لو باعتبار إخراجها عن التعطيل الأول.» إذ لا يصدق الإخراج عن

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 413.

(2)- الجواهر 38/ 66.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 185

التعطيل إلّا بترتيب الآثار خارجا.

و لو حوّط بقصد الحظيرة ثم قصد اتخاذه دارا فالظاهر بقاء الملكية و لا تتوقف على التسقيف حينئذ. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: إن الأمور الخارجية التكوينة ليس قوامها و افتراق بعضها عن بعض بالقصد، و إنما يتقوم به و يمتاز بسببه الأمور الاعتبارية المحضة. و الإحياء و العناوين الحاصلة بسببه أمور خارجية تكوينية فلا تتقوم و لا تمتاز بالقصد.

و يؤيد ذلك أنه لو حوّط رجل أرضا فالعرف إما أن يحكم عليه بأنه إحياء أو لا يحكم، لا أنهم يحيلون الأمر إلى السؤال عن المحوّط و عن قصده و أنه هل قصد بالتحويط الحظيرة أو الدار مثلا. و على هذا فالملاك في صدق الإحياء تهيّؤ الأرض فعلا لأن ينتفع بها بواحد من الانتفاعات المتعارفة المترقبة، فتدبّر.

الأمر الثاني في التحجير و أحكامه:
اشارة

المشهور على أن الإحياء يوجب التملك، و

التحجير يوجب الأولوية:

1- قال في المبسوط:

«إذا أقطع السلطان رجلا من الرعية قطعة من الموات صار أحق به من غيره بإقطاع السلطان إياه بلا خلاف، و كذلك إذا تحجر أرضا من الموات. و التحجير أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حدّ الإحياء مثل أن ينصب فيها المروز أو يحوّط عليها حائطا و ما أشبه ذلك من آثار الإحياء، فإنه يكون أحقّ بها من غيره، فإقطاع السلطان بمنزلة التحجير.» «1»

2- و قد مرّ عن الشرائع في عداد شروط الإحياء قوله:

«الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير، فإن التحجير يفيد الأولوية لا ملكا للرقبة و إن ملك به التصرف حتى لو هجم عليه من يروم الإحياء كان له منعه،

______________________________

(1)- المبسوط 3/ 273.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 186

و لو قاهره فأحياها لم يملكه.» «1»

3- و ذيّله في الجواهر بقوله:

«بلا خلاف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ... بل في الرياض عليه الإجماع في كلام جماعة كالمسالك و غيرها.» «2»

4- و مرّ عن التذكرة في شروط الإحياء ما ملخصه:

«الرابع: أن لا يكون قد سبق إليه من حجره، فإن الحجر عندنا لا يفيد الملك بل الأولوية و الأحقية. و الشارع في إحياء الموات محجر ما لم يتمه.

و قال بعض الشافعية: إن التحجير يفيد التملك. و المشهور أنه يفيد الأولوية ...» «3»

5- و في الدروس:

«و المحجّر في حكم المملوك على ما تقرر. و مجرد ثبوت يد محترمة كاف في منع الغير عن الإحياء.» «4»

6- و في المغني لابن قدامة:

«و إن تحجر مواتا، و هو أن يشرع في إحيائه مثل أن أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا أو حاطها بحائط صغير،

لم يملكها بذلك لأن الملك بالإحياء، و ليس هذا إحياء، لكن يصير أحق الناس به لأنه روي عن النبي «ص» أنه قال: «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به.» رواه أبو داود. فإن نقله إلى غيره صار الثاني بمنزلته لأن صاحبه أقامه مقامه، و إن مات فوارثه أحق به ... فإن سبق غيره فأحياه فقيه و جهان: أحدهما أنه يملكه لأن الإحياء يملك به و الحجر لا يملك به ... و الثاني لا يملكه لأن مفهوم قوله «ع»: «من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد» و قوله: «في حق غير مسلم فهي له» أنها لا تكون له إذا كان لمسلم فيها حق، و كذا قوله «ع»: من

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 274 (- ط. أخرى/ 794، الجزء 4).

(2)- الجواهر 38/ 56.

(3)- التذكرة 2/ 410.

(4)- الدروس/ 292.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 187

سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به.» «1»

أقول: و يدلّ على إفادة التحجير الأولوية و الأحقية- مضافا إلى ما مرّ من الجواهر من نقل الإجماع و عدم الخلاف، و إلى مساعدة العرف لذلك حيث يعدّون المزاحمة للبادئ و المحجر ظلما عليه و تضييعا لحقه-:

1- ما روي عن النبي «ص» أنه قال: «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به.» رواه في المستدرك عن عوالي اللئالي. «2» و مرّ نحوه عن المغني، عن أبي داود.

2- و ما رواه أبو داود بسنده، عن سمرة، عن النبي «ص»، قال: «من أحاط حائطا على أرض فهي له.» «3»

3- و ما رواه البيهقي بسنده، عن سمرة، عنه «ص»: «من أحاط على شي ء فهو أحقّ به.» «4»

هذا.

و أما معنى التحجير و ما به يتحقق

فالظاهر أنه أمر عرفي يتحقق بالتخطيط و نصب المروز و العلامات و نحو ذلك، و في حكمه الشروع في الإحياء و إيجاد بعض آثاره، قال في التذكرة كما مرّ: «الشارع في إحياء الموات محجّر ما لم يتمه.» و عرفت عن المبسوط و المغني أيضا كلاما في هذا المجال.

1- و في نهاية ابن الأثير:

«يقال: حجرت الأرض و احتجرتها: إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك.» «5»

______________________________

(1)- المغني 6/ 153.

(2)- مستدرك الوسائل 3/ 149، الباب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 4، عن العوالي 3/ 480.

(3)- سنن أبي داود 2/ 159، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في إحياء الموات.

(4)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(5)- النهاية 1/ 341.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 188

2- و في الشرائع:

«و التحجير: هو أن ينصب عليها المروز، أو يحوّطها بحائط. و لو اقتصر على التحجير و أهمل العمارة أجبره الإمام على أحد الأمرين: إما الإحياء، و إما التخلية بينها و بين غيره. و لو امتنع أخرجها السلطان من يده لئلا يعطلها، و لو بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع السلطان يده أو يأذن في الإحياء ... و من فقهائنا الآن من يسمّي التحجير إحياء، و هو بعيد.» «1» هذا.

[فروع في بعض أحكام التحجير]

و قد ذكر فقهاء الفريقين للتحجير و أحكامه فروعا كثيرة محلّ بحثها كتاب إحياء الموات، و لكن نتعرض هنا لبعض الكلمات بمقدار يناسب المقام:

1- قال في التذكرة:

«و لا ينبغي أن يزيد المحجر على قدر كفايته و يضيق على الناس، و لا أن يحجر ما لا يمكنه القيام بعمارته، فإن فعل ألزمه

الحاكم بالعمارة و التخلي عن الزيادة فيسلمها إلى من يقوم بعمارتها. و كذا لو ترك المحجر الإحياء ألزمه الحاكم بالعمارة أو الترك، لما وجد في كتاب علي «ع» قال: «و إن تركها أو أخرجها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها.» و هو قول بعض الشافعية. و قال آخرون: ليس لأحد أخذ الزيادة لأن ذلك القدر غير متعين.» «2»

أقول: و ما ذكره من الرواية مأخوذة من صحيحة أبي خالد الكابلي «3» و سيأتي بحثها.

2- و فيه أيضا ما ملخصه مع حفظ ألفاظه:

«إذا حجر أرضا من الموات فقد قلنا إنه يصير أولى و أحق و إن لم يكن مالكا لها، و ينبغي له أن يشتغل بالعمارة عقيب التحجير حذرا من التعطيل. فإن طالت المدة و لم يحي أمره السلطان بأحد أمرين: إما العمارة، أو رفع يده ليتصرف غيره فيها

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 275- 276 (- ط. أخرى/ 794- 795، الجزء 4).

(2)- التذكرة 2/ 411.

(3)- الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2. و بحثها في ص 200 من هذا الجزء.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 189

فينتفع بها فإن عمارتها منفعة لدار الإسلام. فإن طلب التأخير من السلطان و المهلة أمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة، و لا يتقدر تلك المدة بقدر بل بحسب ما يراه السلطان، و هو أصحّ وجهي الشافعية. و قال أبو حنيفة: مدة التحجير ثلاث سنين ما لم يطالب فيها بالعمارة، فإذا مضت مدة الإمهال و لم يشتغل بالعمارة بطل حقه.» «1»

3- و فيه أيضا:

«لو باع المتحجر ما تحجره قبل أن يحييه لم يصح بيعه، لأنه لا

يملكه بالتحجير. و يحتمل الصحة، لأن له حقا فيه. و للشافعية و جهان: أحدهما: أنه لا يصح، فإن حق التملك لا يصح بيعه و لهذا لا يصح بيع الشفيع قبل الأخذ بالشفعة. و الثاني: أنه يصحّ، لأنه أحق من غيره فكأنه بيع حق الاختصاص.» «2»

أقول: حيث إن الأراضي و المعادن و المياه و نحوها تكون من الأموال العامة التي خلقها اللّه- تعالى- لمصالح جميع الأنام و لا يختص بها واحد دون آخر فمقتضى العدل و الإنصاف الذي يحكم به العقل و الشرع أن يراعى فيها مع حقوق الأشخاص حقوق المجتمع أيضا. فمن أوجد بعض مقدمات الإحياء بقصد الإحياء كان عمله هذا موجبا لاعتبار حق له عرفا، و لا يضرّ هذا المقدار بالمجتمع، بل يكون في طريق مصالح المجتمع و أهداف الخلقة طبعا، فيكون بحكم العقل و الشرع أحق بآثار أعماله و نشاطاته، و لو عرض له مانع من إكمال عمله كان له بحكم العرف نقل حقوقه الحادثة بالشروع في الإحياء إلى غيره كما تنتقل إلى وارثه أيضا بلا إشكال.

و أما من لا يريد الإحياء أو لا يقدر عليه فهل له أن يوجد بعض المقدمات بقصد التجارة بها و نقلها إلى غيره؟ و هل يحكم العرف و الشرع بثبوت هذا الحق له في الموضوع الذي يتعلق بالمجتمع؟ مشكل جدّا بعد التدبّر في أغراض الشرع المبين و أهداف الخلقة، و الظاهر أن أدلة أولوية المحجر منصرفة عن مثله. و إن شئت قلت: بعد ما

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 411.

(2)- التذكرة 2/ 411.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 190

كانت الأراضي للإمام و التصرف فيها منوطا بإذنه كما مر فالمستفاد من أخبار الإحياء و أخبار

السبق هو الإذن في الإحياء و في مقدماته الواقعة في طريقه و بقصده فقط، و أما الواقعة بقصد التجارة فثبوت الإذن فيها مما لا دليل عليه. فلا يثبت له حق حينئذ حتى ينتقل إلى غيره، فتدبّر.

4- و في الجواهر عن كتاب الإسعاد الذي هو من أجلّ كتب الشافعية عنده قال:

«و ينبغي أن يشتغل بالعمارة عقيب الحجر، فإن أهمل الإحياء و أطال الإهمال بأن مضى زمن يعدّ مثله طويلا عرفا نوزع فيقول له الحاكم: أحي أو ارفع يدك، لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فيمنع منه، كما لو وقف في شارع. فإن ذكر عذرا و استمهل أمهل مدّة قريبة دفعا للضرر. و لا يتقدر بثلاثة أيّام (سنين- ظ.) على الأصحّ، بل باجتهاد الحاكم، فإذا مضت و لم يشتغل بالعمارة بطل حقّه، و إن استمهل و لم يذكر عذرا فمقتضى عبارة أصل الروضة أنه لا يمهل. و قال السبكي:

ينبغي إذا عرف الإمام أنه لا عذر له في المدّة أن ينزعها منه في الحال، و كذا إذا لم تطل المدة و علم منه الاعراض.» «1»

5- و فيه عنه أيضا:

«و إنما يتحجر ما يطيق إحياءه. بل ينبغي أن يقتصر على قدر كفايته لئلا يضيق على الناس. فإن تحجر ما لا يطيق إحياءه أو زائدا على قدر كفايته فلغيره أن يحيي الزائد على ما يطيقه و على قدر كفايته، كما قوّاه في الروضة بعد أن نقله فيها كأصلها عن المتولّي.» «2»

و راجع في فروع التحجير المغني أيضا. «3»

6- و روى الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الريّان بن

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 59.

(2)- الجواهر 38/ 60.

(3)- المغني 6/ 153 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 191

الصلت، أو رجل عن الريان، عن يونس، عن العبد الصالح «ع»، قال: قال: «إن الأرض للّه- تعالى- جعلها وقفا على عباده، فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علّة أخذت من يده و دفعت إلى غيره. الحديث.» و رواها الشيخ أيضا بسنده، عن سهل. «1»

7- و روى الكليني و الشيخ، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من أخذت منه أرض ثم مكث ثلاث سنين لا يطلبها لم يحلّ له بعد ثلاث سنين أن يطلها.» «2»

أقول: و ضعف سند الخبرين بالترديد و الإرسال واضح. و الأرض في قوله: «فمن عطّل أرضا» تعمّ بإطلاقها للمحياة و المحجّرة معا، و إن كان المترائى من التعطيل إرادة القسم الأول و لكن يدل على حكم الثاني بطريق أولى.

و في مرآة العقول في ذيل الخبرين قال:

«لم أر قائلا بظاهر الخبرين، إلّا أن يحمل الأول على أنه إذا تركها و عطّلها ثلاث سنين يجبره الإمام على الإحياء فإن لم يفعل يدفعها إلى من يعمرها و يؤدي إليه طسقها كما قيل ...» «3»

أقول: استحقاق المحجر للطسق غير واضح، نعم قيل بذلك في المحياة بعد تركها لرواية سليمان بن خالد «4» كما تأتي.

و يحمل الخبر الثاني على استفادة الإعراض من عدم الطلب، أو أن عدم الطلب مع الإمكان دليل على عدم إرادة الإحياء فيكون تعطيلا.

و قد مرّ عن أبي الصلاح الحلبي: أنه عدّ من الأنفال كل أرض عطّلها مالكها ثلاث سنين. «5» و إطلاق كلامه يشمل المحياة أيضا بل لعلها المترائى منه، و إذا اختار هذا في المحياة فلا محالة يلتزم به في

المحجرة بطريق أولى. هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1.

(2)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2.

(3)- مرآة العقول 19/ 406 (- ط. القديم 3/ 435).

(4)- راجع الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 3.

(5)- راجع الكافي لأبي الصلاح/ 170.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 192

8- و في خراج أبي يوسف: حدّثني ليث، عن طاوس، قال: قال رسول اللّه «ص»: «عاديّ الأرض للّه و للرسول ثم لكم من بعد. فمن أحيا أرضا ميتة فهي له، و ليس لمحتجر حق بعد ثالث سنين.» «1»

9- و فيه أيضا حدثني محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم بن عبد اللّه: أن عمر بن الخطاب قال على المنبر: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، و ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين.» و روى مثله بسنده عن سعيد بن المسيّب عن عمر أيضا. «2»

10- و روى البيهقي بسنده، عن عمرو بن شعيب: «أن عمر جعل التحجر ثلاث سنين، فإن تركها حتى يمضي ثلاث سنين فأحياها غيره فهو أحقّ بها.» «3»

11- و في المغني لابن قدامة قال: روى سعيد في سننه أن عمر قال: «من كانت له أرض يعني من تحجر أرضا فعطّلها ثلاث سنين فجاء قوم فعمروها فهم أحق بها.» «4»

12- و في كتاب الأموال لأبي عبيد في التحجير قال: «و قد جاء توقيته في بعض الحديث عن عمر أنه جعله ثلاث سنين.» «5»

13- و فيه أيضا بسنده، عن الحارث بن بلال المزني، عن أبيه أن رسول اللّه «ص» أقطعه العقيق أجمع. قال: فلما كان زمن عمر قال لبلال: «إن

رسول اللّه «ص» لم يقطعك لتحجره عن الناس، إنما أقطعك لتعمل فخذ منها

______________________________

(1)- الخراج/ 65.

(2)- الخراج/ 65.

(3)- سنن البيهقي 6/ 148، كتاب إحياء الموات، باب ما يكون إحياء و ما يرجى فيه من الأجر.

(4)- المغني 6/ 154.

(5)- الأموال/ 367.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 193

ما قدرت على عمارته و ردّ الباقي.» «1»

أقول: و يشبه أن يكون نظر عمر موردا للعمل في عصره و فيما بعده، و لو كان هذا خلاف حكم اللّه- تعالى- لصدر عن أئمتنا «ع» مخالفته و الإجهار بها كما في سائر المبدعات، و لم ينقل ذلك بل نقل خلافه في خبر يونس، عن العبد الصالح «ع».

نعم، يحتمل أن يكون التحديد بثلاث سنين حكما سلطانيا فلا يتعين الأخذ به في جميع الأعصار و الأمكنة، فتدبّر.

______________________________

(1)- الأموال/ 368.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 194

المسألة السادسة: هل الإحياء في الأرض الموات يوجب مالكية المحيي لرقبة الأرض
اشارة

و خروجها بذلك عن ملك الإمام رأسا، أو لا يوجب إلّا أحقية المحيي بها من غيره بحيث يختص به الاستفادة منها و لا يجوز مزاحمته نظير ما قيل في التحجير من دون أن تخرج بذلك عن ملك الإمام، و إن شئت قلت: إنه يملك حيثية الإحياء و آثاره دون الرقبة فللإمام أن يشترط عليه شروطا و يفرض عليه طسقا، أو يفصل في ذلك بين المسلم و الكافر، كما يظهر من التذكرة، فيثبت الملكية للمسلم و لا يثبت للكافر إلّا الأولوية؟

في المسألة وجوه بل أقوال. ظاهر اللام في قوله: «فهي له» الوارد في أكثر أخبار الباب كونها للملك، فإنها و إن وضعت لمطلق الاختصاص و لكن الاختصاص التامّ عبارة عن الملكية. و بالجملة، فرق بين مطلق الاختصاص و الاختصاص المطلق

فالأول أعمّ، و الثاني ينصرف إلى خصوص الملكية التامة، و هي المشهورة بين فقهاء أصحابنا الإمامية على ما قيل بل بين فقهاء الفريقين يظهر لمن تتبع كلماتهم في هذا الباب و في سائر الأبواب كالبيع و الوقف و نحوهما، إذ لا بيع و لا وقف إلّا في ملك.

هذا.

[كلمات الأصحاب]

1- و لكن الشيخ في التهذيب بعد ذكر إباحة أراضي الخراج و أراضي الأنفال في عصر الغيبة قال:

«فإن قال قائل: إنّ جميع ما ذكرتموه إنما يدلّ على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين و لم يدلّ على أنه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فإذا لم يصح الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف و النحلة و الهبة و ما يجري مجرى ذلك.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 195

قيل له: إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على ثلاثة أقسام: أرض يسلم أهلها عليها، فهي تترك في أيديهم و هي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صح لنا شراؤها و بيعها. و أما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها و بيعها لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين، و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع فيه على هذا الوجه. و أما الأنفال و ما يجري مجراها فليس يصح تملكها بالشراء و البيع و إنما أبيح لنا التصرف حسب.» «1»

أقول: أرض الخراج ملك لعنوان المسلمين لا للأشخاص بنحو الإشاعة حتى يكون لكل فرد منهم قسم. نعم، قد مرّ في بحث الأراضي المفتوحة عنوة جواز شراء ما للزارع فيها من بناء أو غرس أو مرز و لا أقل من شراء حق اختصاصها

به، كما تعارف بين الزرّاع الذين لا يملكون رقبة الأرض في القرى، و بذلك جمعنا بين أخبار المسألة هناك، فراجع.

و ظاهر كلامه الأخير عدم جواز تملك الرقبة في أرض الأنفال و عدم جواز الشراء و البيع لذلك.

و لكن يرد عليه أن أرض الأنفال لا تقل عن أرض الخراج قطعا، فإذا صح النقل و الانتقال في أرض الخراج بلحاظ حق الزارع فيها فلم لا يجوز ذلك في أرض الأنفال بهذا اللحاظ؟ اللهم إلّا أن يراد عدم الجواز فيها قبل الإحياء و ثبوت الحق به. و كيف كان فظاهره عدم ملكية الرقبة بل إباحة التصرف فقط.

2- و قال في الاستبصار بعد ذكر أخبار الإحياء:

«الوجه في هذه الأخبار و ما جرى مجراها مما أوردنا كثيرا منها في كتابنا الكبير أن من أحيا أرضا فهو أولى بالتصرف فيها دون أن يملك تلك الأرض، لأن هذه الأرضين من جملة الأنفال التي هي خاصة للإمام إلّا أن من أحياها أولى بالتصرف فيها إذا أدّى واجبها للإمام. و قد دللنا على ذلك في كتابنا المذكور بأدلّة

______________________________

(1)- التهذيب 4/ 145، باب الزيادات (بعد باب الأنفال).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 196

مستوفاة و أخبار كثيرة.» «1» ثم استدل هنا بصحيحة أبي خالد الكابلي الآتية.

3- و قال في كتاب المتاجر من النهاية (باب بيع المياه و المراعي):

«و الأرضون على أقسام أربعة: منها أرض الخراج ... و منها أرض الصلح ... و منها أرض من أسلم عليها طوعا ... و منها أرض الأنفال، و هي كل أرض انجلى أهلها عنها من غير قتال، و الأرضون الموات و رءوس الجبال و الآجام و المعادن و قطائع الملوك. و هذه كلّها خاصة

للإمام، يقبّلها من شاء بما أراد و يهبها و يبيعها إن شاء حسب ما أراد. و من أحيا أرضا ميتة كان أملك بالتصرف فيها من غيره؛ فإن كانت الأرض لها مالك معروف كان عليه أن يعطي صاحب الأرض طسق الأرض، و ليس للمالك انتزاعها من يده ما دام هو راغبا فيها. و إن لم يكن لها مالك و كانت للإمام وجب على من أحياها أن يؤدّي إلى الإمام طسقها. و لا يجوز للإمام انتزاعها من يده إلى غيره، إلّا أن لا يقوم بعمارتها كما يقوم غيره أو لا يقبل عليها ما يقبله الغير. و متى أراد المحيي لأرض من هذه الجنس الذي ذكرناه أن يبيع شيئا منها لم يكن له أن يبيع رقبة الأرض و جاز له أن يبيع ماله من التصرف فيها.» «2»

4- و أيضا في كتاب المتاجر منه:

«و من أخذ أرضا ميتة فأحياها كانت له، و هو أولى بالتصرف فيها إذا لم يعرف لها ربّ و كان للسلطان طسق الأرض، و إن عرف لها ربّ كان له خراج الأرض و طسقها.» «3»

5- و قال في كتاب الزكاة من النهاية (باب أحكام الأرضين):

«و الضرب الرابع: كلّ أرض انجلى أهلها عنها أو كانت مواتا فأحييت أو كانت آجاما و غيرها مما لا يزرع فيها فاستحدثت مزارع فإن هذه الأرضين كلها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، و كان له التصرف فيها بالقبض و الهبة و البيع و الشرى حسب ما يراه، و كان له أن يقبلها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع،

______________________________

(1)- الاستبصار 3/ 108، كتاب البيوع، باب من أحياء أرضا، ذيل الحديث 4 من الباب.

(2)- النهاية/ 418- 420.

(3)- النهاية/ 442.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 197

و جاز له أيضا بعد انقضاء مدة القبالة نزعها من يد من قبّله إياها و تقبيلها لغيره، إلّا أن الأرضين التي أحييت بعد مواتها فإن الذي أحياها أولى بالتصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره، فإن أبى ذلك كان للإمام أيضا نزعها من يده و تقبيلها لمن يراه.» «1»

6- و في كتاب الجهاد من المبسوط بعد ذكر الأراضي المفتوحة عنوة قال:

«فأما الموات فإنها لا تغنم، و هي للإمام خاصة، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف فيها و يكون للإمام طسقها.» «2»

فهذا الشيخ الطوسي خرّيت فقه الشيعة الإمامية ينكر ملكية رقبة الأرض المحياة للمحيي في كتبه الأربعة.

نعم، في إحياء الموات من المبسوط قال:

«الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلا أن يأذن له الإمام.» «3»

و ظاهره هنا حصول الملك، اللّهم إلّا أن يحمل الملك على ملكية حيثية الإحياء و آثاره، أو يريد بإذن الإمام إذنه في التملك كأن يبيع الرقبة له، فلا تهافت.

7- و قال القاضي ابن البرّاج في المهذّب في باب ذكر أرض الأنفال:

«و هي للإمام «ع» خاصة دون غيره من سائر الناس، و له أن يتصرف فيها بالهبة و البيع و غير ذلك من سائر أنواع التصرف حسب ما يراه، و له «ع» أن يقبّلها بما يراه من نصف أو ثلث أو ربع، و له بعد انقضاء مدة القبالة أن يقبضها و ينزعها ممن هي في يده بالقبالة و يقبّلها لغيره، إلّا أن تكون مما كانت مواتا فأحييت فإنها إذا كانت كذلك لم تنتزع من يد من أحياها، و هو أولى بالتصرف فيها ما دام يتقبلها بما يتقبلها به غيره،

فإن لم يتقبلها بذلك جاز للإمام «ع» أن ينتزعها من يده و يقبلها لغيره كما يراه.» «4»

______________________________

(1)- النهاية/ 196.

(2)- المبسوط 2/ 29.

(3)- المبسوط 3/ 370.

(4)- المهذّب 1/ 183.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 198

8- و قال ابن زهرة في جهاد الغنية:

«و أما أرض الأنفال- و هي كلّ أرض أسلمها أهلها من غير حرب أو جلوا عنها و كل أرض مات مالكها و لم يخلف وارثا بالقرابة و لا بولاء العتق و بطون الأودية و رءوس الجبال و الآجام و قطائع الملوك من غير جهة غصب و الأرضون الموات- فللإمام خاصة دون غيره، و له التصرف فيها بما يراه من بيع أو هبة أو غيرهما و أن يقبلها بما يراه، و على المتقبل بعد حق القبالة و تكامل الشروط الزكاة.» «1»

9- و في إحياء الموات من الغنية:

«قد بيّنا فيما مضى أن الموات من الأرض للإمام القائم مقام النبي «ص» خاصة و أنه من جملة الأنفال يجوز له التصرف فيه بأنواع التصرف و لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلّا بإذنه. و يدلّ على ذلك إجماع الطائفة، و يحتجّ على المخالف بما رووه من قوله «ع»: «ليس لأحدكم إلّا ما طابت به نفس إمامه.» من أحيا أرضا بإذن مالكها أو سبق إلى التحجير عليها كان أحق بالتصرف فيها من غيره، و ليس للمالك أخذها منه إلّا أن لا يقوم بعمارتها و لا يقبل عليها ما يقبل غيره بالإجماع المشار إليه، و يحتج على المخالف بما رووه من قوله «ع»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له.» و قوله: «من أحاط حائطا على أرض فهي له.» و المراد بذلك ما ذكرناه من كونه أحق

بالتصرف لأنه لا يملك رقبة الأرض بالإذن في إحيائها.» «2»

10- و في باب أحكام الأرضين من السرائر قال:

«و الضرب الرابع: كل أرض انجلى أهلها عنها أو كانت مواتا فأحييت أو كانت آجاما و غيرها مما لم يزرع فيها فأحدثت مزارع، فإن هذه الأرضين كلها للإمام خاصة ليس لأحد معه فيها نصيب و كان له التصرف فيها بالقبض و الهبة و البيع و الشرى حسب ما يراه، و كان له أن يقبّلها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع، و جاز له أيضا بعد انقضاء مدة القبالة نزعها من يد من قبله إياها و تقبيلها لغيره. و قد استثني من ذلك الأرض التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتصرف

______________________________

(1)- الجوامع الفقهية/ 523 (- ط. أخرى/ 585).

(2)- الجوامع الفقهية/ 540 (- ط. أخرى/ 602).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 199

فيها ما دام تقبلها بما تقبلها غيره، فإن أبى ذلك كان للإمام أيضا نزعها من يده و تقبيلها لمن يراه على ما روي في بعض الأخبار.» «1»

11- و في إحياء الموات من الشرائع:

«و إذنه شرط، فمتى أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما ... و كل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعده، و إن لم يكن لها مالك معروف معين فهي للإمام «ع» و لا يجوز إحياؤها إلّا بإذنه. فلو بادر مبادر فأحياها بدون إذنه لم يملك.

و إن كان الإمام «ع» غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها. فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، و مع ظهور الإمام- عليه السلام- يكون له رفع يده عنها.» «2»

و قد احتملنا سابقا أن يكون جميع

كلامه إلى قوله: «و إن كان الإمام غائبا» مرتبطا بزمان الحضور و يراد بالإذن الإذن في التملك، و في عصر الغيبة حيث لا إذن فيه صار الإحياء موجبا للأحقية فقط.

12- و نظير ذلك في المختصر، ففي إحياء الموات منه بعد بيان معنى الموات و أنه للإمام قال:

«و مع إذنه يملك بالإحياء، و لو كان الإمام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، و مع وجوده له رفع يده.» «3»

13- و في إحياء الموات من التذكرة:

«و لا يجوز لأحد إحياؤها إلا بإذنه، فإن بادر إليها إنسان و أحياها من دون إذنه لم يملكها. و لو كان الإحياء حال غيبة الإمام- عليه السلام- كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فزالت آثارها فأحياها غيره ملكها فإذا ظهر الإمام «ع» يكون له رفع يده عنها لما تقدم.» «4» و ذكر نحو ذلك في موضع آخر أيضا. «5»

______________________________

(1)- السرائر/ 111.

(2)- الشرائع 3/ 271- 272 (- ط. أخرى/ 791- 792، الجزء 4).

(3)- المختصر النافع/ 259 (الجزء 2).

(4)- التذكرة 2/ 401.

(5)- التذكرة 2/ 403.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 200

فيستفاد: من هذه العبارات عدم القول بالملك في عصر الغيبة، و هذا هو محل ابتلائنا كما لا يخفى.

و كيف كان فهؤلاء الأعلام من فقهائنا يصرّحون بأن الأرض الموات للإمام و أن له أن يتصرف فيها بالبيع و الهبة و نحو ذلك، و لا محالة يصير المشتري و الموهوب له حينئذ مالكا لرقبتها.

و لكن يظهر منهم أن مجرد إحيائها لا يوجب ملكية الرقبة للمحيي و ليس له بيع الرقبة، بل يكون هو أولى بالتصرف فيها و أحق بها من غيره و عليه طسقها، إلّا

أن يتركها و لا يقوم بعمارتها أو لا يقبل عليها ما يقبله غيره من الطسق. نعم، صرّح الشيخ في النهاية كما مرّ بأن له أن يبيع ما له من التصرف فيها نظير ما قالوه في الأرض المفتوحة عنوة. هذا.

و أما الأخبار:

1- ففي الوسائل، عن الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر «ع»، قال: «وجدنا في كتاب علي «ع»: «أن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين. أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، حتى يظهر القائم «ع» من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه «ص» و منعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم.»

و رواها أيضا عن الشيخ بإسناده، عن الحسن بن محبوب. «1»

و الرواية صحيحة. و أبو خالد الكابلي- و اسمه كنكر، و قيل: وردان- من

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 201

أصحاب الإمام السجاد و الإمام الباقر «ع».

أقول: يستفاد من هذه الصحيحة أمور: الأول: أن الأرضين كلها للإمام بما هو إمام،

يعني أن له الولاية عليها و تكون تحت اختياره. الثاني: أن كل مسلم مجاز في إحيائها و عمرانها. الثالث: أنه يجب على من أحيا شيئا منها أن يؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، يعني من له حق الإمامة لا كلّ من يدعيها و يتقمصها جورا.

و لازمه عدم تملك المحيي للرقبة و إن صار أحق بها من غيره. الرابع: أن حق المحيي ثابت ما دام يتوجه إليها و إلى إحيائها، فإن تركها بالكلية أو خربت و زالت آثار إحيائه زالت علاقة المحيي بها بالكلية و جاز لغيره إحياؤها و أداء خراجها إلى الإمام. الخامس: أن للقائم من آل محمد «ع» الذي صار قادرا مبسوط اليد أن يأخذ الأرض ممن فيها، نعم لا يأخذها من شيعته و لعله لشفقته الخاصة بهم.

و مقتضى جميع ذلك بقاء علاقة الإمام بالأرض في جميع المراحل، فيكون وزان الإمام في إذنه لإحياء الأرض وزان من حفر قناة و هيأ ماء لمنطقة خاصة ثم نادى:

من أحيا و عمر قسمة من هذه المنطقة صار أحق بها من غيره، فليس معنى ذلك إلا أنه أولى بالتصرف فيها و أنه يملك آثار إحيائه لا أنه يملك رقبة الأرض و تنقطع علاقة المالك عنها.

2- و روى في الوسائل عن الشيخ باسناده، عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و كرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال أبو عبد اللّه «ع»:

«كان أمير المؤمنين «ع» يقول: «من أحيا أرضا من المؤمنين

فهي له، و عليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم «ع» فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه.» «1»

و الظاهر أن المراد بعمر بن يزيد عمر بن محمد بن يزيد بيّاع السابري الثقة، فالرواية صحيحة.

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 202

و مفادها أن الأرض للإمام و أن للمؤمن إحياءها، و مع تصريحها بأنها لمن أحياها صرّح بأن عليه طسقها و أن للقائم «ع» أن يأخذها منه. فيستفاد منها بقاء علاقة الإمام بها و عدم مالكية المحيي لرقبتها، فيراد بكونها له أحقيته بها من غيره و مالكيته لآثار إحيائه، و بذلك يفسّر سائر الأخبار الحاكمة بأنّ من أحيا أرضا فهي له.

و لعل المقصود بالإمام في حال الهدنة مطلق من له حق الإمامة شرعا لا خصوص المعصوم، كما يحتمل بعيدا أن يراد بالقائم فيها كل من له حق الإمامة إذا قام بالسيف. و لا يلازم توطين النفس على أخذ الأرض منه أخذها منه فعلا بل يراد إيمانه بأن الأرض ليست له، فلا ينافي هذا صحيحة الكابلي الحاكمة بعدم أخذها من الشيعة، فتدبّر.

3- ما رواه في الكافي، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، قال: رأيت مسمعا بالمدينة- و قد كان حمل إلى أبي عبد اللّه «ع» تلك السنة مالا فردّه أبو عبد اللّه «ع»- فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد اللّه «ع» المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت ولّيت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئت بخمسها بثمانين

ألف درهم و كرهت أن أحبسها عنك و أن أعرض لها و هي حقك الذي جعله اللّه- تبارك و تعالى- في أموالنا. فقال: «أو مالنا من الأرض و ما أخرج اللّه منها إلّا الخمس؟ يا أبا سيار! إن الأرض كلها لنا، فما أخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا. فقلت له: و أنا أحمل إليك المال كله؟ فقال:

يا أبا سيار، قد طيّبناه لك و أحللناك منه، فضمّ إليك مالك. و كلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم. و أمّا ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم صغرة.

قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو سيّار: ما أرى أحدا من أصحاب الضياع و لا ممن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيّبوا له ذلك.» «1» و روى الشيخ أيضا نحوه. «2»

______________________________

(1)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 3.

(2)- الوسائل 6/ 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12، عن الكافي، و عن التهذيب 4/ 144.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 203

و السند صحيح. و قد مرّ شرح هذا الحديث في خلال أخبار التحليل، فراجع. «1»

و يستفاد منه كون الأرض مطلقا و منها الموات للإمام و أنها مباحة لشيعتهم و لكن لهم أخذ طسقها بل استرداد أصلها منهم فيدلّ على عدم انتقال الرقبة إليهم و بقاء علاقة الإمام بها. نعم احتملنا هناك عدم كون اللام في الأرض للاستغراق بل للعهد، فتكون إشارة إلى أرض البحرين و

هي مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب كما في موثقة سماعة. «2» و على هذا فلا مجال للاستدلال بها في المقام، فتدبّر.

و بالجملة، المستفاد من هذه الأخبار الصحيحة التي أفتى بمضمونها الشيخ و ابن البراج و ابن زهرة في كتبهم المعدة لنقل المسائل المأثورة عن الأئمة «ع»: هو أن الأرض الموات للإمام وفاقا لسائر الأخبار الحاكمة بذلك، و أن للمسلمين إحياءها و أداء طسقها إليه، و أن للقائم «ع» إذا قام أخذ الأرض منهم.

و مقتضى ذلك كله بقاء علاقة الإمام بها و أن المحيي لا يملك الرقبة بل يملك ما هو أثر فعله من آثار الإحياء ما بقيت و يكون هو أحق بها من غيره و أولى بالتصرف فيها. و أفتى في السرائر أيضا بمثل ما أفتوا به كما مرّ. فيكون هذا القول مشهورا بين قدماء أصحابنا.

بل يمكن أن يقال: إن كل من يقول: إن مالكية المحيي تدور مدار بقاء الحياة في الأرض و أنها تزول بعروض الموت لها و جاز حينئذ للغير إحياؤه لنفسه كان اللازم من كلامه عدم كون الرقبة ملكا للمحيي و إلا لبقيت في ملكه بعد الموت أيضا، و سيأتي البحث في ذلك في مسألة مستقلة. هذا.

و في بلغة الفقيه للعالم المحقق السيد محمد آل بحر العلوم:

«منع إفادة أخبار الإحياء التملك المجاني من دون أن يكون للإمام «ع» فيه حق، فيكون للإمام «ع» فيه بحسب ما يقاطع المحيي عليها في زمان حضوره و بسط يده، و مع عدمه فله أجرة المثل. و لا ينافي ذلك نسبة الملكية إلى المحيي في أخبار الإحياء،

______________________________

(1)- راجع ص 129 من هذا الجزء من الكتاب.

(2)- الوسائل 6/ 367، الباب 1 من أبواب الأنفال، الحديث

8.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 204

و إن هي إلّا جارية مجرى كلام الملاكين للفلّاحين في العرف العام عند تحريضهم على تعمير الملك: من عمرها أو حفر أنهارها و كرى سواقيها فهي له، الدالّة على أحقيته من غيره و تقدمه على من سواه، لا على نفي الملكية من نفسه و سلب المالكية عن شخصه. فالحصة الراجعة إلى الملّاك المعبر عنها بالملاكة مستحقة له غير منفية عنه و إن أضاف الملك إليهم عند الترخيص و الإذن العمومي غير أن الشيعة محلّلون بالنسبة إلى ما يرجع إلى الإمام مما يستحقه من أجرة المثل أو حصة الملاكة.» «1»

و فيه أيضا:

«و يحتمل قويا عندي كما تقدم بل هو الأقوى: أن الإحياء في الموات التي هي للإمام «ع» لا يكون سببا لملك المحيي و خروج الرقبة عن ملك الإمام و لا يوجب إلّا أحقية المحيي بها و أولويته من غير بالتصرف فيها، فتكون اللام في عمومات الإحياء لمجرد الاختصاص بقرينة ما دلّ على دفع خراجها للإمام «ع» في صحيحة الكابلي، و إن كنّا لا نقول به في زمان الغيبة لأخبار الإباحة و التحليل للشيعة المستفاد منها كونها لهم بلا أجرة عليهم.» «2»

أقول: فهذا العالم المحقق أيضا قد أفتى بمضمون الصحاح المتقدمة. و قد مرّ منّا أن عمدة نظر أئمتنا «ع» في أخبار التحليل كان إلى تسهيل الأمر لشيعتهم في زمان الاختناق و عدم انعقاد الحكومة الصالحة. فلو فرض في عصر الغيبة أيضا انعقاد الحكومة الحقة الصالحة بشرائطها كان لها تحديد التصرف و أخذ الطسق و الأجرة أيضا.

و قال السيد الشهيد آية اللّه الصدر- طاب ثراه- بعد نقل فتوى المشهور في المقام:

«و هنا رأي فقهي آخر

يبدو أكثر انسجاما مع النصوص التشريعية، يقول: إن عملية الإحياء لا تغيّر من شكل ملكية الأرض، بل تظلّ الأرض ملكا للإمام أو لمنصب الإمامة، و لا يسمح للفرد بتملك رقبتها و إن أحياها، و إنما يكتسب بالإحياء حقا في الأرض دون مستوى الملكية، و يخوّل له بموجب هذا الحق استثمار الأرض

______________________________

(1)- بلغة الفقيه 1/ 274 (- ط. أخرى/ 88).

(2)- بلغة الفقيه 1/ 347 (- ط. أخرى/ 125).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 205

و الاستفادة منها و منع غيره ممن لم يشاركه في جهده و عمله من مزاحمته و انتزاع الأرض منه ما دام قائما بواجبها. و هذا القدر من الحق لا يعفيه من واجباته تجاه منصب الإمامة بوصفه المالك الشرعي لرقبة الأرض. فللإمام أن يفرض عليه الأجرة أو الطسق كما جاء في الحديث ...» «1»

[مقتضى الجمع بين الأخبار]

و قد تحصّل مما ذكرناه أن الأقوى بمقتضى الجمع بين أخبار الباب هو أن إحياء الأرض الموات و لو كان بالإذن لا يوجب انقطاع علاقة الإمام منها بالكلية بل تبقى علاقته بها. فله أن يأخذ طسقها، و لو تركها المحيي أو أخربها قبلها غيره، و لو رأى المصلحة في أخذها بعد انقضاء مدة المتقبل أخذها منه، و لا محالة يشتري آثار المحيي فيها لئلا يتضرر. و المحيي لا يصير مالكا إلا لآثار الإحياء و محصول فاعليته و قواه. نعم، يمكن أن يقال بملكية الرقبة تبعا لآثار الإحياء ما بقيت، فيجوز بيعها كذلك وهبتها بل و وقفها و نحو ذلك. نظير ما يقال في الأراضي المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين إجماعا و مع ذلك تدلّ أخبار مستفيضة على جواز بيعها تبعا للآثار، ففي خبر أبي

بردة بن رجاء قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع»: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك، هي أرض المسلمين؟ قال: قلت: يبيعها الذي في يده.

قال: و يصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال: «لا بأس، اشترى حقه منها و يحوّل حق المسلمين عليه و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه.» و نحوه غيره من الأخبار. «2»

و في الحقيقة يكون البيع متعلقا بحقه في الأرض، أعني آثار الإحياء و إن تعلقت ظاهرا بالأرض. فوزان أرض الإمام في ذلك وزان أرض الخراج التي تكون للمسلمين، بل لا يوجد بينهما فرق أساسي. هذا.

و يؤيد ما ذكرناه من ملكية حيثية الإحياء و آثاره دون رقبة الأرض ما مرّ منّا من أن التشريع الصحيح الذي يقبله العقل السليم ما وقع على طبق نظام التكوين. فأساس الملكية الاعتبارية هو نحو من الملكية التكوينية. و الإنسان يملك تكوينا فكره و قواه و جهاز فعله و صنعه و بتبع ذلك لفعله و آثار فعله، فما هو

______________________________

(1)- اقتصادنا/ 416 (- ط. أخرى/ 463).

(2)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 206

محصول مالكية الإنسان لقواه و جهاز فاعليته تكوينا هو حيثية الإحياء و آثار الحياة دون رقبة الأرض، و لازم ذلك زوال مالكيته بزوال آثار الحياة، فتدبّر جيّدا.

فإن قلت: ما ذكرت من عدم ملكية الرقبة بالإحياء مخالف لظاهر اللام في قوله: «فهي له» أو: «فهي لهم»، فإنها و إن وضعت لمطلق الاختصاص و لكنها تنصرف إلى أظهر المصاديق و أكملها و هي الملكية.

قلت: نعم، و لكن الصحاح الثلاث المتقدمة في عدم الملكية أظهر بل كالصريحة إذ

مطالبة الطسق و جواز استرداد الأرض من ناحية الإمام تدلّان على بقاء علاقة الإمام برقبتها.

و في صحيحة عمر بن يزيد الأولى: «من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام.» فقد جمع فيها بين اللام و الطسق و هذا يدفع ظهور اللام في الملكية و يصير هذا قرينة على المقصود في الأخبار الأخر أيضا، فتحمل على الأحقية المذكورة في كثير من أخبار الفريقين.

و إن شئت قلت: الملكية حاصلة و لكن بالنسبة إلى آثار الإحياء و تنسب إلى الأرض تبعا لاتحادهما وجودا كما في أراضي الخراج.

و يشهد بذلك أن من أصرح ما ذكروه دليلا على تملك الأرض بالإحياء معتبرة محمد بن مسلم المروية بطرق كثيرة منها صحيحة و منها موثقة. و بالرجوع إلى طرق الحديث و متنه يظهر كون الجميع قطعات من حديث سئل فيه عن الشراء من أرض اليهود و النصارى فأجاب «ع»: «ليس به بأس، قد ظهر رسول اللّه «ص» على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها فلا أرى بها بأسا لو أنك اشتريت منها شيئا.

و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحق بها و هي لهم.» «1» و نحوها صحيحة أبي بصير. «2»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2؛ و الوسائل 17/ 326- 327، الباب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1 و غيره.

(2)- الوسائل 17/ 330، الباب 4 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 207

و خيبر كانت مفتوحة عنوة أو صلحا على أن تكون أراضيها للمسلمين أو لإمام المسلمين، كما تدلّ على

ذلك أخبار الفريقين:

ففي صحيحة البزنطي: «و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه «ص» بخيبر قبّل أرضها و نخلها. الحديث.» «1»

و في سنن أبي داود بسنده، عن ابن عباس، قال: «افتتح رسول اللّه «ص» خيبر و اشترط أن له الأرض و كل صفراء و بيضاء. قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة و لنا نصف. الحديث.» «2»

فأراضي اليهود فيها انتقلت منهم إلى المسلمين إجماعا، فلم يكن لليهود إلا عملهم الإحيائي و آثاره، و لا محالة تكون هي المشتراة منهم لا رقبة الأرض. و قد طبّق عليها الإمام «ع» قوله: «و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحق بها و هي لهم.»

فان قلت: ما ذكرت من الصحاح الثلاث الدالّة على بقاء علاقة الإمام بالأرض المحياة بإذنه يعارضها ما يدلّ بالصراحة على انقطاع صلته عنها بالكلية، كصحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: سئل «ع» و أنا حاضر عن رجل أحيا أرضا مواتا فكرى فيها نهرا و بنى فيها بيوتا و غرس نخلا و شجرا، فقال «ع»: «هي له و له أجر بيوتها، و عليه فيها العشر فيما سقت السماء أو سيل وادي أو عين، و عليه فيما سقت الدوالي و الغرب نصف العشر.» «3»

فإن اقتصاره «ع» على ذكر الزكاة فقط في مقام تحديد ما على المحيي يكون كالصريح في ملكية الرقبة بالإحياء و انقطاع علاقة الإمام عنها.

و نظير هذه الصحيحة الأخبار الكثيرة التي اقتصر فيها على ذكر الزكاة في

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- سنن أبي داود 2/ 235،

كتاب البيوع، باب في المساقاة.

(3)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 8. و الدالية: الناعورة الّتي يديرها الماء و نحوه. و الغرب بالفتح: الدلو العظيمة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 208

الغلات و لا سيما ما وقعت فيها أرض الموات قسيما لأرض الخراج المفروض فيها قبالة الأرض و الزكاة معا كخبر صفوان و البزنطي، فراجع الوسائل. «1»

و على هذا فتسقط الطائفتان بالمعارضة و يكون المرجع نهائيا الأخبار الكثيرة التي مرّت من طرق الفريقين الظاهرة في تملك المحيي للرقبة بمقتضى ظهور اللام.

و ليست هذه الأخبار طرفا للمعارضة مع الصحاح الثلاث، فإن الظهور الإطلاقي لا يعارض الصراحة.

و قد ذكروا في باب التعارض أنه متى تعارضت طائفتان من الأخبار كانت إحداهما صريحة في النفي مثلا، و كانت الأخرى صنفين: بعضها صريح في الإثبات و بعضها ظاهر فيه، فلا نلتزم بسقوط الجميع في رتبة واحدة إذ الظاهر لا يقاوم الصريح بل تسقط الصريحتان بالمعارضة ثم يرجع إلى الظاهر في مقام العمل.

فوزان الظاهر وزان الأصل الذي يرجع إليه بعد تعارض الدليلين و تساقطهما، و لا يكون الظاهر و الصريح في رتبة واحدة كما لا يكون الأصل و الدليل في عرض واحد. هذا. و قد تعرض لهذا الإشكال إجمالا السيّد الشهيد آية اللّه الصدر- طاب ثراه- في ملاحق كتابه في الاقتصاد. «2»

قلت: أما ما ذكرتم من كون صحيحة ابن سنان و نظائرها صريحة في ملكية الرقبة فممنوع أشدّ المنع، إذ قوله «ع» فيها: «فهي له» يساوق التعبير الواقع في غيرها، و ليس فيه أزيد من الظهور في الاختصاص الملكي مع عدم الدليل على الخلاف.

و لا يدلّ ذكر فرض الزكاة على نفي غيرها

بالصراحة، بل غايته الظهور إذا كان في مقام البيان من جميع الجهات. و لو سلّم فلعل عدم ذكر فرض الطسق كان من قبيل التحليل في عصر الاختناق، نظير ما مر في صحيحة مسمع، حيث قال «ع»:

«و كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم.» فلا ينافي هذا جواز مطالبة الطسق إذا فرض انعقاد حكومة

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 119، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ.

(2)- اقتصادنا/ 659 (- ط. أخرى/ 7- 746)، الملحق 4.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 209

حقة و لو في عصر الغيبة.

و في حاشية المحقق الأصفهاني على المكاسب في هذا المقام:

«لا يخفى أن ظهور هذه الأخبار من وجوه عديدة في عدم الملك أقوى بمراتب من ظهور اللام في الملكية. و إثبات خصوص الزكاة عليه بعد السؤال بأنه ما ذا عليه لا ينافي عدم الملك، فإنه سؤال عما عليه من الحقوق الإلهية لا عن حق مالكه إماما كان أو غيره.» «1» هذا.

و أما ما ذكرتم من عدم مقاومة الظاهر للصريح فيبقى مرجعا نهائيا بعد تساقط الصريحين، ففيه أن عدم مقاومة الظاهر للصريح المعارض له لا يوجب سقوطه رأسا و عدم تأييده و تقويته للصريح الموافق له مضمونا، و بالجملة ما اشتهر من الرجوع إلى العموم الفوقي بعد تعارض الخاصين ممنوع عندنا. و القياس على الأصل و الدليل مع الفارق، إذ موضوع الأصل هو الشك في الحكم، و مع الدليل لا موضوع له و إنما يتحقق موضوعه بعد تساقط الدليلين. و هذا بخلاف الظاهر الموافق للصريح، فإن وجود الصريح لا يوجب سقوط الظاهر الموافق له

عن الحجية بل يجوز الاحتجاج بكليهما. نعم، بالنسبة إلى الصريح المخالف له يسقط عن الحجية بالمعارضة. و بعد سقوطه لا دليل على قيامه ثانيا مرجعا نهائيا بل يكون المرجع النهائي استصحاب بقاء الرقبة على ملك الإمام و بقاء علاقته بها، فتدبّر.

فإن قلت: إنكار ملكية رقبة الأرض بالإحياء مضافا إلى مخالفته للمشهور مخالف لضرورة الفقه، إذ يوجب ذلك عدم جواز بيع الأرض وهبتها و صلحها و وقفها، و المعلوم من الأخبار و الفتاوى خلاف ذلك.

قلت: مضافا إلى منع اشتهار ملكية الرقبة بين القدماء من أصحابنا كما مرّ و أن مخالفة المشهور غير عزيزة في الفقه بعد قيام الدليل كما في مسألة نجاسة البئر التي

______________________________

(1)- حاشية المكاسب 1/ 242.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 210

انقلب فيها فتوى المشهور، نقول: إن المحيي يملك عمله الإحيائي و آثار الإحياء الواقعة في الأرض بإذن الإمام. و بعبارة اخرى يملك المحياة بما هي محياة. و البيع و الوقف و نحوهما تتعلق بذلك و لا مانع منه.

و قد مرّ في عبارة النهاية قوله:

«و متى أراد المحيي لأرض من هذا الجنس الذي ذكرناه أن يبيع شيئا منها لم يكن له أن يبيع رقبة الأرض و جاز له أن يبيع ما له من التصرف فيها.» «1» و قد التزم الفقهاء بذلك في الأراضي المفتوحة عنوة أيضا كأراضي العراق و نحوها.

بل قد يقال فيها بملكية الأرض تبعا للآثار بحيث تبقى ببقائها و تزول بزوالها، فلا إشكال. و لعل المشهور أيضا لم يريدوا بالملكية أزيد من ذلك و لا سيما القائلون منهم بأن الملكية لو كانت بالإحياء زالت بزوال الحياة و هم كثيرون كما سيأتي.

و بالجملة وزان المعاملات الواقعة على

الأرض هنا وزان المعاملات الواقعة من الرعايا على أملاك الزراعة و البساتين في القرايا التي لها ملّاك. و قد شاع ذلك في جميع البلاد و الأعصار.

و من قال في هذه الموارد إن المحيي للأرض يبيع حقه فيها أيضا لا يريد بالحق إلا ما ذكرناه من آثار الإحياء و عمله المتجسد في الأرض لا الحق بمعنى حكم الشارع باستحقاقه للأرض و كونه أحق بها، فلا يرد ما قد يقال: إن الحكم الشرعي لا يمكن أن يصير مبيعا أو موهوبا لعدم إضافة اعتبارية له بالبائع. و بعبارة أخرى المقصود بالحق هنا موضوع الحق و منشأ انتزاعه و اعتباره، فتدبّر.

فإن قلت: إن الصحاح الثلاث المستدل بها معرض عنها، إذ المشهور على كون الإحياء سببا لملك الرقبة و عدم وجوب الطسق على من أحيا الموات من الأرض.

قلت: لا نسلّم الإعراض، إذ قد عرفت من الشيخ و ابن البراج و ابن زهرة و ابن

______________________________

(1)- النهاية/ 420.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 211

إدريس و غيرهم الإفتاء بمضمونها، بل قد ترى الأصحاب في كلماتهم يتمسكون بالصحاح المذكورة و لا سيما بصحيحة الكابلي في الأبواب المختلفة، بحيث يظهر منهم اعتناؤهم بها. و لعلّ عدم إفتائهم بوجوب الطسق في عصر الغيبة كان بلحاظ أخبار التحليل للشيعة لا بسبب الإعراض عن هذه الصحاح و اختيار انقطاع صلة الإمام بالأرض.

و قد عرفت منّا أنه لو فرض انعقاد حكومة صالحة حقة في عصر الغيبة أمكن القول بجواز أخذ الطسق له و تعيين ضوابط خاصة للإحياء و كيفياته.

و لو سلّم عدم إفتاء المشهور بالصحاح المذكورة فلا يثبت بذلك الإعراض المسقط عن الحجية، إذ لعلهم صنعوا ذلك لعلاج مشكلة التعارض بينها و بين

صحيحة ابن سنان و نحوها ترجيحا لها على هذه الصحاح، لا أنهم وجدوا فيها خللا من حيث السند أو الدلالة أو الجهة.

فإن قلت: بعد اللتيّا و التي إنكار ملكية رقبة الأرض بالإحياء و فرض الطسق على من أحياها مخالف للسيرة القطعية المستمرة من عصر الأئمة «ع» إلى زماننا هذا، حيث يرى المحيي نفسه مالكا لرقبتها و يعامل عليها معاملة الملّاك، و لا يلتزم عملا بالطسق و الخراج أصلا. و حمل الصحاح الثلاث على عصر ظهور الحجة «ع» أيضا لا مجال له بعد كون الكلام لأمير المؤمنين «ع» الظاهر في بيان الحكم لعصره و ما بعده.

قلت: مضافا إلى النقض بالأراضي المفتوحة عنوة كأراضي مكة المعظمة و العراق و السورية و مصر فإنه يعامل عليها معاملة الأملاك بلا طسق و لا خراج مع أن الأرض فيها للمسلمين و الخراج ثابتة فيها بلا إشكال:

إن السيرة المدّعاة إن أريد بها سيرة الشيعة المتعبّدين بنصوص أهل البيت- عليهم السلام- ففيها أن عدم إعطائهم الطسق فيها و كذا في أراضي الخراج لعله كان بلحاظ أخبار التحليل لا بلحاظ ملكية الرقبة و انقطاع صلة الإمام عنها، بل

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 212

المركوز في أذهان الشيعة بمقتضى الأخبار الواصلة إليهم من الأئمة «ع» هو كون الأرض و الدنيا كلها للإمام و لكنهم أحلّوها لشيعتهم، و أخبار التحليل بنفسها شاهدة على بقاء صلة الإمام بالأراضي.

و إن أريد بها سيرة سائر المسلمين ففيها أنهم بحسب موازينهم الفقهية لم يكونوا يرون الأراضي من الأنفال و للإمام و إن أفتى بعضهم بوجوب الاستيذان منه في الإحياء كما مرّ. و كيف كان فعملهم لا يكون حجة علينا.

و أما إيقاع المعاملات على

الأراضي فقد مرّ أنه بلحاظ المالكية لحيثية الإحياء و آثاره المتحدة مع الأرض وجودا و يوجد مثله في أراضي الخراج أيضا.

فإن قلت: ما مرّ منكم من جواز أخذ الطسق من قبل الحكومة الحقة لو فرض انعقادها في عصر الغيبة يخالف لما هو الظاهر من صحيحة الكابلي من كون الطسق لأئمة أهل البيت فقط.

قلت: قد مرّ منّا مرارا أن الأراضي و غيرها من الأموال العامّة ليست لشخص الإمام المعصوم بل تكون تحت اختيار سائس المسلمين و من له حق الإمامة عليهم، و الإمامة بالمعنى الأعمّ لا تتعطل شرعا و لو في عصر الغيبة، و الحصر في صحيحة الكابلي و غيرها إضافي في قبال أئمة الجور المتقمصين بها ظلما، فالمراد نفيهم و أنه ليس لهم حق الإمامة، فوزان الطسق هنا و كذا الخراج في الأراضي المفتوحة عنوة وزان غيرهما من ضرائب الحكومة الإسلامية التي كانت في عصر الأئمة مختصة بهم شرعا و لكنها لا تتعطل كما لا تتعطل الحكومة. و تحليل الأئمة «ع» كان بلحاظ عصور الاختناق و عدم الوصلة إلى الحكومة الحقة تسهيلا لشيعتهم في تلك الأعصار، فتدبّر.

فإن قلت: فهل لا يمكن أن يتملك الإنسان لرقبة الأرض و تصير الأرض ملكا شخصيا كسائر الأموال الشخصيّة؟

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 213

قلت: نعم، لو فرض أن الإمام يرى نقل الرقبة بالبيع أو الهبة مثلا مصلحة للمسلمين فله ذلك و لا ننكر جوازه، و إنما المدّعى أن إذنهم في الإحياء لا يقتضي أزيد من ملكية حيثية الإحياء و آثاره، و هو المستفاد من أخبار الباب بعد ضمّ بعضها إلى بعض.

فإن قلت: إذا كان أساس الملكية الاعتبارية المعتبرة عند العقل و الشرع نحوا من

الملكية التكوينية على ما مرّ منكم فكيف يصح للإمام بيع رقبة الأرض و كيف تصير ملكا للمشتري مع أنها لم تحصل بفعله و نشاطاته؟

قلت: المشتري يحصّل الثمن بقواه و فاعليته أو يحصل له بالوراثة من أبيه مثلا و أبوه حصّله بفاعليته، فبالأخرة يكون أساس مالكيته للثمن فاعلية نفسه أو مورثه، و الوراثة قانون طبيعي موافق لنظام الحياة، و الأرض المشتراة تصير بدلا عن الثمن الذي ملكه بالفاعلية أو الوراثة.

و المعاملات أمور ضرورية للبشر، إذ لا يمكن لكل شخص تحصيل جميع المحاويج بصنع نفسه مباشرة، فلا بدّ له من تبديل بعض منتجات صنعه و عمله بنتائج صنع الآخرين إما بلا واسطة أو بواسطة النقود و الأثمان. و الهبة التي يستحسنها العقل و الاعتبار هي التي تقع في قبال خدمة نافعة تصدر من قبل الموهوب له، و لا يقع من قبل الإمام الصالح أمر جزافي بلا ملاك، فتدبّر. هذا.

و الاعتبار العقلي أيضا يساعد على بقاء صلة الأئمة بما أنهم حكّام البلاد و ساسة العباد بالأرضين بما فيها من المعادن و الأنهار و الجبال و الآجام، إذ هي أموال عامة خلقها اللّه- تعالى- لجميع الأنام و عليها يبتني نظام معاشهم و معادهم، و لو فرض خروجها بالإحياء متدرجا عن الملكية العامة بالكلية و صيرورتها متعلقة بالأشخاص فربما أوجب ذلك حرمان الأعقاب و الأجيال الآتية و ضعف قدرة الأئمة اللاحقة، فالأنسب بالعدل و الإنصاف أن لا يكون للرعايا إلّا آثار أفعالهم و نشاطاتهم

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 214

و لا يملكون الأرضين إلّا تبعا لها بحيث تزول بزوالها، و إذا تركها أو أخربها المحيي قبّلها الإمام غيره لئلا تتعطل الأرضون التي هي منبع

الأرزاق للإنسان و جميع الحيوانات. و قد أشير إلى ذلك في مرسلة يونس، عن العبد الصالح «ع»، قال: «إن الارض للّه- تعالى- جعلها وقفا على عباده، فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده و دفعت إلى غيره ...» «1»

[حكم الأراضي المفتوحة عنوة]

و يمكن القول بما ذكرناه في الأراضي المفتوحة عنوة أيضا، بتقريب أن ما ينتقل إلى المسلمين بالاغتنام ليس إلا ما ملكه الكفار بإحيائهم، و ليس هذا إلّا آثار عملهم و نشاطاتهم، و رقبة الأرض باقية بحالها الأول من كونها من الأموال العامة الواقعة تحت اختيار سائس المجتمع، و إن شئت قلت: إنهم ملكوا الأرض تبعا للآثار، و بالغلبة و الاغتنام لا يملك المسلمون أزيد من ذلك، فإذا خربت الأرض رجعت إلى ما كانت عليه قبل الإحياء و العمران.

[لو خرب المسجد المبني في الأرض المحياة أو المفتوحة عنوة و صارت الأرض مواتا]

و يمكن أن يتفرع على ما ذكرنا انه لو خرب المسجد المبني في الأرض المحياة أو المفتوحة عنوة و لو بظلم ظالم بحيث زالت آثاره و حيطانه و صارت الأرض مواتا بالكلية جاز القول بخروجه عن المسجدية و ارتفاع أحكامه من حرمة التنجيس و مكث الجنب و وجوب التطهير و نحو ذلك، إذ لا وقف إلا في ملك. فالمحيي لا يقف و لا يجعل مسجدا إلّا ما كان له من حيثية الإحياء و آثاره، و لم يملك رقبة الأرض إلّا تبعا للآثار فمسجديتها أيضا كانت بالتبع، فإذا زالت الآثار انعدم موضوع المسجدية، و العرف أيضا لا يراه بعد الخراب مسجدا، و الأحكام ثبتت للمسجد بالفعل، و بقاء حق الأولوية بالنسبة إلى الأرض لو سلّم لا يستلزم بقاء عنوان المسجدية، فتأمّل.

و لو وقف دارا أو حماما أو خانا أو بستانا ثم خربت و زالت عناوينها زالت

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 215

الوقفية أيضا لارتفاع الملكية.

هذا مضافا إلى أن الوقف تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة على ما يستفاد من النبويّ المروي،

و بخراب الدار و زوال الآثار يرتفع الأصل و المنفعة، فأيّ شي ء يبقى وقفا؟ فإن العرصة لم تصر وقفا إلّا تبعا للآثار المملوكة.

و التأبيد في الوقف مضافا إلى عدم الدليل عليه إلّا الإجماع المدّعى مشروط ببقاء الموضوع.

و في البحار عن غيبة الطوسي- قدّس سرّه- في سيرة صاحب الزمان «ع»:

«و يوسّع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعا و يهدم كل مسجد على الطريق.» «1» فتأمّل، و راجع الوسائل. «2»

نعم، لو اشترى رقبة الأرض من الإمام ثم وقفها كان لها حكم آخر، و تحقيق المسألة موكول إلى محلها.

و قد طال البحث في هذه المسألة، فمن القرّاء الكرام أعتذر، و الحمد للّه ربّ العالمين.

______________________________

(1)- بحار الأنوار 52/ 333 (- ط. القديمة 13/ 186)، تاريخ الإمام الثاني عشر «ع»، الباب 27 (باب سيره و أخلاقه ...)، الحديث 61، عن الغيبة/ 283.

(2)- راجع الوسائل 17/ 347، الباب 20 من أبواب كتاب إحياء الموات.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 216

المسألة السابعة: في أنّ الإسلام شرط أم لا؟
اشارة

بناء على كون إحياء الأرض الميتة سببا لملكية رقبتها كما نسب إلى المشهور فهل يستوي في ذلك المسلم و الكافر، أو يشترط في ذلك كونه مسلما فلا يملكها الكافر و إن أذن له الإمام؟ و على الثاني فهل يوجب فيه الأحقية و الأولوية أو لا يوجب شيئا؟ اختلفت كلمات أصحابنا في المقام:

[كلمات أصحابنا في المقام]

1- قال في إحياء الموات من الشرائع:

«و إذنه شرط، فمتى إذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما. و لا يملكه الكافر. و لو قيل:

يملكه مع إذن الإمام- عليه السلام- كان حسنا.» «1»

2- و في الخلاف في كتاب إحياء الموات (المسألة 4):

«إذا أذن الإمام للذمي في إحياء الأرض الموات في بلاد الإسلام فإنه يملك بالإذن، و به قال أبو حنيفة. و قال الشافعي: لا يجوز للإمام أن يأذن له فيه، فإن أذن له فيه فأحياها لم يملك. دليلنا قوله «ص»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له.»

و قوله: «من أحاط حائطا على الأرض فهي له.» و هذا عامّ في الجميع.» «2»

3- و في المبسوط:

«الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له الإمام. فأما الذمي فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام، و كذلك المستأمن إلّا أن يأذن له الإمام.» «3»

______________________________

(1)- الشرائع 3/ 271 (- ط. أخرى/ 791، الجزء 4).

(2)- الخلاف 2/ 222.

(3)- المبسوط 3/ 270.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 217

4- و لكن في التذكرة:

«مسألة: إذا أذن الإمام لشخص في إحياء الأرض الموات ملكها المحيي إذا كان مسلما، و لا يملكها الكافر بالإحياء و لا بإذن الإمام في الإحياء، فإن أذن الإمام فأحياها لم يملك عند علمائنا، و به قال الشافعي لما رواه

العامة في قوله «ع»: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون.» و من طريق الخاصة ما تقدم في كتاب علي «ع» ...

و قال مالك و أبو حنيفة و احمد: إنه لا فرق بين المسلم و الذمي في التملك بالإحياء لعموم قوله «ع»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»، و لأن الإحياء جهة من جهات التملك فاشترك فيها المسلم و الذمي كسائر جهاته من الاحتطاب و الاحتشاش و الاصطياد في دار الإسلام.» «1»

أقول: ظاهره إجماع علماء الشيعة على اشتراط الإسلام. و قد مرّ منّا عدم عثورنا على ذيل الرواية التي رواها العلّامة عن العامّة في كتب الحديث.

و ظاهر الخلاف و المبسوط و التذكرة كون موضوع البحث الموات في دار الإسلام، و لعلّه لأن الكفّار يملكون الأرض بالإحياء في بلاد الكفر و إلّا لم ينتقل منهم إلى المسلمين بالاغتنام بل كانت باقية على ملك الإمام. و سيأتي البحث في ذلك.

5- و في إحياء الموات من القواعد بعد بيان معنى الموات قال:

«و هو للإمام- عليه السلام- خاصة لا يملكه الآخذ و إن أحياه ما لم يأذن له الإمام مع ظهوره فيملكه إن كان مسلما بالإحياء و إلّا فلا ... و لا فرق في ذلك بين الدارين إلّا أن معمور دار الحرب يملك بما يملك به سائر أموالهم، و مواتها التي لا يذبّ المسلمون عنها فإنّها تملك بالإحياء للمسلمين و الكفّار بخلاف موات الإسلام فإن الكافر لا يملكها بالإحياء.» «2»

6- و في جامع المقاصد:

«و كذا يشترط كون المحيي مسلما، فلو أحياه الكافر لم يملك عند علمائنا و إن كان

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 400.

(2)- قواعد الأحكام 1/ 219.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4،

ص: 218

الإحياء بإذن الإمام ... و الحق أن الإمام لو أذن له في الإحياء للتملك قطعنا بحصول الملك له، و إنما البحث في أن الإمام «ع» هل يفعل ذلك أم لا، نظرا إلى أن الكافر أهل له أم لا؟ و الذي يفهم من الأخبار و كلام الأصحاب العدم و ليس مرادهم أن الإمام يرخصه في التملك ثم لا يملك قطعا.» «1»

7- و في الدروس في شرائط التملك بالإحياء قال:

«و ثانيها: أن يكون المحيي مسلما، فلو أحياها الذمي بإذن الإمام ففي تملكه نظر:

من توهّم اختصاص ذلك بالمسلمين. و النظر في الحقيقة في صحة إذن الإمام له في الإحياء للتملك، إذ لو أذن كذلك لم يكن بدّ من القول بملكه و إليه ذهب الشيخ نجم الدين «ره».» «2»

8- و في إحياء الموات من الروضة:

«ثم إن كان مسلما ملكها بإذنه، و في ملك الكافر مع الإذن قولان. و لا إشكال فيه لو حصل، إنما الإشكال في جواز إذنه له نظرا إلى أن الكافر هل له أهلية ذلك أم لا، و النزاع قليل الجدوى.» «3»

9- و قال في المسالك:

«و من أذن له في الإحياء ملك، لكن هل إذنه مختص بالمسلم أم يجوز له الإذن للمسلم و الكافر؟ قولان: من أن الحق له، فله الإذن فيه لمن شاء كما يجوز له هبة أرضه و بيعها ممن شاء من المسلم و الكافر. و من دلالة ظاهر الأخبار السابقة على أن الكافر ليس أهلا لتملك هذه الأرض بالإحياء.

و بالجملة، فإن أذن له الإمام على وجه التملك فلا إشكال عندنا في ملكه لعصمته و إلّا لم يصح، فالخلاف عندنا قليل الفائدة بخلافه عند الجمهور فإن النزاع عندهم يبقى و إن أذن الجواز

الخطأ عليه عندهم.» «4»

______________________________

(1)- جامع المقاصد 1/ 408 (من ط. القديمة)، ذيل قول المصنف: لا يملكه الآخذ ...

(2)- الدروس/ 292.

(3)- اللمعة الدمشقية 7/ 135 (- ط. القديمة 2/ 250).

(4)- المسالك 2/ 287.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 219

أقول: يظهر من المحقق الثاني و الشهيدين أنهم أرادوا بالإمام في المقام خصوص الإمام المعصوم فيكون بيان اشتراط الإسلام في المأذون له من قبله راجعا إلى بيان التكليف و الوظيفة له- عليه السلام- و هو قليل الجدوى بل مخالف للأدب أيضا لكونه أعلم بوظائفه، فلذلك أرجعوا البحث إلى بحث صغروي و هو أن الإمام هل يأذن للكافر أم لا؟

و لكن يرد على ذلك أولا: أن بيان وظيفة الإمام المعصوم و سيرته ليتأسّى به في مقام العمل مما يكثر فائدته جدّا.

و ثانيا: قد مرّ منّا مرارا أن الأرض من الأموال العامة، و قد وضعها اللّه- تعالى- للأنام و خلق لهم ما في الأرض جميعا كما نطق بذلك الكتاب العزيز، و هم يحتاجون إليها في معاشهم و معادهم، و مثل هذا لا يجعل ملكا لشخص، غاية الأمر أنها جعلت تحت اختيار سائس الأمة و الحاكم فيهم بالحق في كل عصر دفعا للظلم و الخصام، فيراد بالإمام في هذا السنخ من المسائل الاقتصادية و السياسية المعنى الأعم، فيشمل الحاكم الصالح في عصر الغيبة أيضا و نظره هو المتّبع فيها. و على هذا فالبحث فيه كثير الجدوى جدّا.

و الظاهر عدم الإشكال في حصول التملك بإذنه في التملك لكل من رآه صلاحا للإسلام و المسلمين، مسلما كان أو كافرا. و إن كان فرض كون تملك الكفّار لرقاب الأرضين في البلاد الإسلامية صلاحا و مصلحة من أندر الفروض، بداهة

أن السلطة على الأرضين مقدمة للسلطة على جميع الشؤون «وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا». هذا.

و لكن محطّ البحث هنا ليس صورة الإذن في التملك. بل الذي يبحث فيه هنا هو أن الإحياء الذي عدّ سببا للملكية بمقتضى ظهور أخبار الإحياء و فتوى مشهور المتأخرين هل يكفي في سببيته لذلك إذن الإمام في الإحياء، أو يشترط فيه مع ذلك إسلام المحيي أيضا، و هذا غير عنوان الإذن في التملك كما هو واضح.

و من الممكن أن يجوز للإمام الإذن للكافر في الإحياء و يؤذن له أيضا و لكن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 220

لا يحصل له الملك بذلك مطلقا أو في أراضي البلاد الإسلامية.

10- و في المغني لابن قدّامة الحنبلي قال:

«لا فرق بين المسلم و الذمي في الإحياء، نصّ عليه أحمد، و به قال مالك و أبو حنيفة. و قال مالك (الشافعي- ظ.): لا يملك الذمي بالإحياء في دار الإسلام، قال القاضي: و هو مذهب جماعة من أصحابنا لقول النبي «ص»: «موتان الأرض للّه و لرسوله ثم هي لكم مني.» فجمع الموتان و جعله للمسلمين، و لأن موتان الدار من حقوقها، و الدار دار للمسلمين فكان مواتها لهم كمرافق الملوك.

و لنا عموم قول النبي «ص»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له.» و لأن هذه جهة من جهات التمليك فاشترك فيها المسلم و الذمي كسائر جهاته، و حديثهم لا نعرفه، إنما نعرف قوله: «عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثم هو لكم بعد. و من أحيا مواتا من الأرض فله رقبتها.» ...» «1»

فهذه بعض كلمات الأعلام في المقام، و يتحصل منها أن المسألة خلافية بين فقهاء الفريقين.

و يستدل لاشتراط الإسلام بأمور:
الأول: الإجماع

المستظهر من عبارة

التذكرة و جامع المقاصد. و فيه أوّلا: منعه لوجود الخلاف كما مرّ بعض الكلمات. و في الجواهر:

«و أما الإجماع المزبور فلم نتحققه، بل لعل المحقق خلافه فإن المحكي عن صريح المبسوط و الخلاف و السرائر و جامع الشرائع و ظاهر المهذب و اللمعة و النافع عدم اعتبار الإسلام.» «2»

و ثانيا: عدم حجيته في المقام لاحتمال استنادهم إلى ما سيجي ء من ظهور بعض الأخبار في الاشتراط، و ليست المسألة من المسائل الأصلية المتلقاة عن الأئمة «ع»، بل من المسائل التفريعية الاستنباطية، و في مثلها لا اعتبار بالإجماع و الشهرة.

______________________________

(1)- المغني 6/ 150.

(2)- الجواهر 38/ 14.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 221

الثاني: صحيحة أبي خالد الكابلي

التي مضت، ففيها قوله «ع»: «فمن أحيا أرضا من المسلمين.» و قوله: «فأخذها رجل من المسلمين.» «1»

و ظاهر القيد الدخل في موضوع الحكم و الاحتراز و إلّا كان ذكره لغوا.

و قد نقّحنا في محلّه أن المفاهيم من قبيل ظهور الفعل لا ظهور اللفظ بما هو لفظ موضوع، حيث إن الفعل إذا صدر من الفاعل المختار العاقل يحمل عند العقلاء على كونه صادرا عنه باختياره بداعي الغاية العادية المترقبة من هذا الفعل. و من جملة الأفعال التلفظ بالألفاظ الموضوعة و منها القيود. فيحمل التلفظ بالقيد من الوصف أو الشرط أو غيرهما بما أنه فعل اختياري للّافظ على كونه صادرا عنه للغاية الطبيعية المترقبة من القيد عندهم، و الغاية المترقبة منه في المحاورات هو الدخل في موضوع الحكم و عدم كون ذات المقيد بدونه تمام الموضوع للحكم. نعم يمكن أن يسدّ مسدّ هذا القيد قيد آخر كما هو واضح. و كيف كان فإذا كان ظاهر الصحيحة التقييد بالإسلام حمل عليها الأخبار المطلقة

قهرا، فتدبّر.

الثالث: صحيحة عمر بن يزيد

التي مضت، و فيها: «من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له.» «2» و تقريب الاستدلال بها يظهر مما مرّ. و المؤمن إن أريد به المعنى العام ساوق المسلم و إلا كان قيدا آخر أخصّ من المسلم.

الرابع: صحيحته الأخرى الحاكية لقصة مسمع

و حمله المال إلى أبي عبد اللّه «ع» و فيها قوله «ع»: «و كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم. و أما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم صغرة.» «3»

بناء على عموم الأرض فيها، و أما إذا حمل اللام على العهد و أريد بالأرض فيها

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2.

(2)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 13.

(3)- الكافي 1/ 408، كتاب الحجة، باب أنّ الأرض كلّها للإمام «ع»، الحديث 2. و رواه عنه و عن الشيخ في الوسائل 6/ 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 222

خصوص ما لم يوجف عليها كأراضي البحرين فلا مجال للاستدلال بها في المقام.

الخامس: ما رووه من قول النبي «ص»:

«عاديّ الأرض للّه و لرسوله ثم هي لكم مني.» و في التذكرة: «ثم هي لكم مني أيها المسلمون».

و لكن يرد على هذا أنّ ما في التذكرة لم نجده في كتب الحديث. و لعل المخاطب في قوله «ص»: «لكم» جميع الناس لا خصوص المسلمين. و قد مرّ عن ابن قدامة عدم معرفة هذا الحديث، و هم أبصر بأحاديثهم.

و بالجملة، فالجمع بين أخبار الإحياء المطلقة و هذه الأخبار المقيدة يقتضي حمل المطلقات عليها، و كذلك تخصيص العمومات بسببها فيكون الإذن قد صدر عن الرسول «ص» و أمير المؤمنين «ع» لخصوص المسلمين أو المؤمنين أو الشيعة.

مضافا إلى أن الشك في تحقق الإذن لغيرهم أيضا كاف في

عدم جواز التصرف بعد ما كانت الأرض للرسول أو الإمام.

و على فرض تحقق الإذن في مورد خاص للكافر أيضا فمن الممكن أن لا يصير إحياؤه مملّكا له، فيكون التملك متوقفا على الإذن و الإسلام معا كما هو مقتضى إجماع علمائنا- الظاهر من التذكرة و جامع المقاصد- على عدم حصول الملك له و إن إذن له الإمام فيكون مقتضى الإذن له جواز التصرف أو الأحقية فقط، فتذكّر.

هذا.

و يستدلّ على التعميم و عدم اشتراط الإسلام أيضا بأمور:
الأول: إطلاقات أخبار الإحياء

بكثرتها مع كونها في مقام البيان، بل ورد بعضها بلفظ عام كقوله «ع» في صحيحة محمد بن مسلم: «أيّما قوم أحيوا ...» فيعمّ المسلم و الكافر. و التقييد بالمسلمين أو المؤمنين في كلام أمير المؤمنين «ع» على ما في صحيحة الكابلي و عمر بن يزيد لا يوجب التقييد في الأخبار الكثيرة الصادرة عن

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 223

النبي «ص» و الصادقين «ع»، إذ لا يحمل المطلق على المقيّد إلّا مع إحراز وحدة الحكم، و هذا إنما يجري في الأحكام الإلهية العامة المستمرة، و أما في الأحكام السلطانية فيمكن تعددها و اختلافها بحسب الموضوع عموما و خصوصا حسب اختلاف شرائط الزمان و المصالح المنظورة و نظر الإمام الآذن.

هذا مضافا إلى احتمال كون ذكر المسلمين أو المؤمنين لبيان عناية خاصة بهما أو غلبة الابتلاء بهما لا لاختصاص الحكم بهما، و يكفي هذا لدفع محذور اللغوية في ذكرهما. و إثبات الحكم لموضوع خاص لا ينفي الحكم عما عداه، إذ يكون هذا من قبيل مفهوم اللقب و ليس بحجة.

و يؤيد التعميم ما ذكرناه مرارا من أن نظام التشريع الصحيح يوافق نظام التكوين، و أساس الملكية الاعتبارية هو الملكية التكوينية، و ملكية آثار الإحياء أمر يقتضيه نظام

التكوين بلا تفاوت في ذلك بين المسلم و الكافر، إذ كل منهما يملك تكوينا فكره و قواه و جهاز فاعليته فيملك قهرا آثار فعله، و لو فرض كون ذلك سببا لملكية رقبة الأرض أيضا فلا فرق فيه بينهما، فيكون الفرق جزافا.

اللّهم إلّا أن يقال: إن ملكية الكفار لرقبة الأراضي في البلاد الإسلامية حيث يوجب ذلك سلطتهم بالتدريج على السياسة و الاقتصاد و الثقافة صار هذا سببا لمنع الشارع من حصولها.

و بعبارة أخرى المقتضي للملكية و إن كان موجودا في كليهما و لكن ضرر سلطة الكفّار على البلاد الإسلامية و شئون المسلمين مانع من اعتبار الملكية لهم شرعا، و المتيقن منها على القول بها إنما هو في المسلم و أما الكافر فيثبت له الجواز أو الأحقية فقط، فتدبّر.

الثاني: أن مورد موثقة محمد بن مسلم و صحيحة أبي بصير

و مرسلة الصدوق هو أرض الذمي و لا يجوز تخصيص المورد:

ففي موثقة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الشراء من أرض

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 224

اليهود و النصارى، فقال: «ليس به بأس، قد ظهر رسول اللّه «ص» على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها فلا أرى بها بأسا لو أنّك اشتريت منها شيئا، و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحق بها و هي لهم.» «1»

و في صحيحة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن شراء الأرضين من أهل الذمة فقال «ع»: «لا بأس بأن يشتريها منهم، إذا عملوها و أحيوها فهي لهم. و قد كان رسول اللّه «ص» حين ظهر على خيبر و فيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها و يعمرونها.»

«2» و نحو ذلك مرسلة الصدوق. «3»

فأنت ترى أنّ الإمام «ع» حكم بجواز شراء الأراضي من اليهود و النصارى و طبّق على أرضيهم الحكم الكلي الوارد في الإحياء و كون الأرض للمحيي، فلو كان الإحياء سببا لملكية رقبة الأرض على ما هو المفروض عند القوم فلا مجال لاستثناء الكفّار منها لاستهجان تخصيص المورد.

هذا، و لكن يرد على ذلك أن أراضي خيبر كانت اراضي خراج و لم تبق رقبتها لليهود بل انتقلت إلى المسلمين أو النبي «ص»، فيراد بالشراء في هذه الأخبار شراء ما كان لليهود فيها من آثار الإحياء و العمل. و بهذه الأخبار أيضا تمسكنا نحن لإنكار كون الإحياء سببا لملكية الرقبة كما مرّ. نعم، دلالتها على ثبوت الأحقية و الأولوية واضحة.

الثالث: وجود الاتفاق منّا على أن الأرض المفتوحة عنوة من الكفّار

ينتقل منهم إلى المسلمين بما هم مسلمون و إن كان الكفّار ملكوها بالإحياء، و لو أن إحياء الكفّار غير مملك أو غير مأذون فيه لوجب أن تبقى الأرض على ملك الإمام أو إباحتها الأصلية، و قد استدلّ بهذا في الجواهر. «4» هذا.

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 2.

(2)- الوسائل 17/ 330، الباب 4 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1.

(3)- الوسائل 17/ 327، الباب 1 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 7.

(4)- الجواهر 38/ 15.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 225

و لكن يمكن أن يقال: إن إحياء الكفّار للأراضي قبل طلوع نيّر الإسلام و إن كان مملّكا لهم بحكم العقلاء، و لاقتضاء مالكيتهم للقوى و النشاطات الصادرة عنهم لذلك أيضا على ما قد يقال، لكن بعد نزول آية الأنفال و جعلها للرسول أو للإمام و توقف التصرف فيها على إذن الإمام من

المحتمل أن لا يعمّ الإذن للكفّار، أو يتوقف الملكية على الإذن و الإسلام معا بلحاظ المصالح المنظورة، و المفروض في صحيحتي الكابلي و عمر بن يزيد صدور الإذن للمسلمين و المؤمنين فقط. نعم، قوله: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» مطلق و لكن الاستدلال به رجوع إلى الدليل الأول و ليس دليلا مستقلا.

و بالجملة، من الممكن وجود الفرق بين ما قبل نزول آية الأنفال و ما بعده، فسببية الإحياء لملكيتهم قبل نزولها لا تفيد لما بعد ذلك.

اللهم إلّا أن يقال: الحكم بكون الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين يشمل الفتوحات الواقعة بعد نزول الآية أيضا، إذ مصداقها البارز أراضي العراق، و هي فتحت في زمن عمر، و لعل كثيرا منها أحييت بعد نزول الآية فلا مجال للفرق من هذه الجهة.

نعم، يمكن أن يفرّق بين الموات في بلاد الكفر و الموات في بلاد الإسلام، فيقال بأن الإحياء في الأول يفيد الملكية مطلقا على وفق القاعدة و اقتضاء الطبيعة، و هذا بخلاف الثاني إذ مالكية الكفّار للأراضي في البلاد الإسلامية توجب سلطتهم على شئون المسلمين فمنع الشارع منها سواء حصل الإذن لهم أم لم يحصل.

و على هذا القسم أيضا تحمل صحيحتا الكابلي و عمر بن يزيد المتعرضتان لإذن أمير المؤمنين «ع» في الإحياء، لانصراف إذنه عن بلاد الكفر، فتدبّر. هذا.

و الذي يسهّل الخطب

ما مرّ منّا في المسألة السابقة مفصّلا من الإشكال في سببية الإحياء لملكية الرقبة و لو كان من مسلم، نعم تحصل ملكيتها لو ملّكها الإمام، و الملكية لحيثية الإحياء و آثاره كما مرّ مرارا أمر يقتضيه نظام التكوين و يحكم به العقلاء بلا تفاوت في ذلك بين المسلم و الكافر إذ كل منهما يملك فكره و قواه و جهاز

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 226

فاعليته تكوينا فيملك قهرا آثار فعله، و نظام التشريع الصحيح موافق لنظام التكوين، و يدلّ على ذلك في خصوص الكافر موثقة محمد بن مسلم و صحيحة أبي بصير كما مرّ، نعم يتوقف التصرف على الإذن كما مرّ. و أما الرقبة فليست حاصلة بعمل المحيي و نشاطاته حتى يحكم بمالكيته لها بذلك كما هو واضح.

و يمكن اختيار هذا في الأراضي المفتوحة عنوة أيضا، إذ ما ينتقل إلى المسلمين بالغلبة و الاغتنام ليس إلّا ما ملكه الكفّار بإحيائهم، و ليس هذا على ما مرّ إلّا آثار عملهم و نشاطاتهم.

و أما رقبة الأرض فهي باقية على حالها الأول من كونها من الأموال العامة التي خلقها اللّه- تعالى- لجميع الأنام.

و إن شئت قلت: إنهم ملكوا الأرض أيضا و لكن تبعا للآثار، و بالغلبة عليهم لا يملك المسلمون أزيد من ذلك، فإذا خربت الأرض رجعت إلى ما كانت عليه قبل الإحياء و العمران. و ما فرض ملكا لأهل الذمة في موثقة محمد بن مسلم و صحيحة أبي بصير السابقتين هو ما صدر عنهم من آثار الإحياء بعد الفتح و تقبّلهم الأرض من قبل النبي «ص» لا ما كانت من قبل و انتقلت إلى المسلمين، فتدبّر. هذا.

و في إحياء الموات من الروضة بعد قول المصنف: «و يتملكه من أحياه مع غيبة الإمام» قال:

«سواء في ذلك المسلم و الكافر، لعموم «من أحيا أرضا ميتة فهي له.» و لا يقدح في ذلك كونها للإمام على تقدير ظهوره، لأن ذلك لا يقصر عن حقه من غيرها كالخمس و المغنوم بغير إذنه، فإنه بيد الكافر و المخالف على وجه الملك حال الغيبة و لا

يجوز انتزاعه منه، فهنا أولى.» «1»

و في إحياء الموات من جامع المقاصد:

«و لا يخفى أن اشتراط إذن الإمام «ع» إنما هو مع ظهوره، أما مع غيبته فلا و إلّا لامتنع الإحياء.

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقية 7/ 135 (- ط. القديم 2/ 250).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 227

و هل يملك الكافر بالإحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على القواعد في بحث الأنفال من الخمس أنه يملك به و يحرم انتزاعه منه، و هو محتمل. و يدلّ عليه أن المخالف و الكافر يملكان في زمان الغيبة حقهم من الغنيمة و لا يجوز انتزاعه من يد من هو في يده إلّا برضاه، و كذا القول في حقهم «ع» من الخمس عند من لا يرى إخراجه، بل حق باقي أصناف المستحقين للخمس لشبهة اعتقاد حلّ ذلك، فالأرض الموات أولى. و من ثم لا يجوز انتزاع أرض الخراج من المخالف و الكافر. و لا يجوز أخذ الخراج و المقاسمة إلّا بأمر سلطان الجور، و هذه الأمور متفق عليها. و لو باع أحد أرض الخراج صحّ باعتبار ما ملك فيها و إن كان كافرا، و حينئذ فيجري العمومات مثل قوله «ع»: «من أحيا أرضا ميتة فهي له» على ظاهرها في حال الغيبة، و يقصر التخصيص على حال ظهور الإمام «ع» فيكون أقرب إلى الحمل على ظاهرها. و هذا متّجه قويّ متين.» «1»

أقول: مضافا إلى امكان منع بعض ما ذكره هذان العلمان، و منع كون جميع هذه الأمور متفقا عليها، يرد عليها: أولا: أنه قد مرّ منّا اشتراط الإحياء بالإذن مطلقا و لو في عصر الغيبة، فإنه مقتضى كون الأنفال للإمام و

عدم جواز التصرف فيما للغير إلّا بإذنه. نعم، يكفي الإذن العامّ كما ادعي ذلك مستندا إلى أخبار التحليل أو أخبار الإحياء أو السيرة المستمرة مع عدم الردع.

و ثانيا: أن الأنفال و منها الأرض الموات ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم على ما هو الظاهر من كلماتهم، بل هي أموال عامة خلقها اللّه- تعالى- للأنام إلى يوم القيام و عليها تدور رحى معاشهم و معادهم، غاية الأمر أنها جعلت تحت اختيار الإمام بما أنه سائس المسلمين دفعا للاستبداد و الظلم و الخصام، و ليس عصر الغيبة عصر الهرج و المرج شرعا و لا تتعطل فيه وظائف الإمامة، فلا محالة يتصدى لها من وجد فيه شرائط الحكم، و يكون لهم من الاختيارات في شئون الحكم ما كان للأئمة

______________________________

(1)- جامع المقاصد 1/ 408 (من ط. القديم)، ذيل قول المصنف: لا يملكه الآخذ ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 228

المعصومين «ع» و إن لم يكن لهم عصمتهم و مقاماتهم الشامخة العالية كما مرّ بيانه في مباحث هذا الكتاب. فأمور الأنفال و منها الأراضي راجعة إليهم و لهم الإجازة و المنع فيها كما مرّ حسب ما يرونه من المصالح. و على هذا فلهم إجازة الإحياء للكفّار أيضا إذا رأوه صلاحا للإسلام و المسلمين، و إن كان تمليك أراضي البلاد الإسلامية للكفّار مخالفا للمصلحة غالبا، حيث يصير هذا مقدمة لسلطتهم على المسلمين.

هذا إذا فرض انعقاد حكومة حقة في عصر الغيبة.

و أما إذا لم تنعقد ذلك بأيّ سبب كان فالظاهر أن صلاح الإسلام و المسلمين رعاية ما ذكره هذان العلمان حفظا للنظام بقدر الإمكان حتى يظهر صاحب الزمان و يرى رأيه، فتدبّر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 229

المسألة الثامنة: في حكم الأرض المحياة إذا صارت مواتا:
[حكم ما أعرض عنها أهلها بالكلية]

إذا خربت الأرض المحياة و صارت مواتا فإن أعرض عنها أهلها بالكلية و أحرز ذلك رجعت الأرض ملكا للإمام، و حكمها حكم سائر الموات و يشملها عموم أدلّته. فإن الناس بالطبع مسلّطون على أموالهم و أنفسهم، و كما للإنسان أن يتملك الشي ء بفعله و نشاطاته فكذلك له أن يخرج الشي ء عن ملك نفسه، و كون الإعراض مخرجا عن الملكية أمر يساعده العرف، و الحاكم في باب الأملاك و الحقوق هو العرف.

و إن باد أهلها و هلكوا جميعا فهي أيضا للإمام، و قد مرّ عدّها من الأنفال و به وردت الأخبار، إما لرجوعها بالموت إلى أصلها، أو لكونها ميراث من لا وارث له، و إن كان يحتمل الفرق بينهما من جهة المصرف لاحتمال تعيّن الثاني للفقراء مطلقا أو لفقراء البلد كما مرّ. هذا. و لكن الظاهر من الأخبار و الفتاوى الواردة في الأرض الخربة التي باد أهلها كونها بنفسها موضوعا مستقلا في قبال الميراث، فراجع ما مرّ في القسم الثاني من الأنفال.

[حكم ما لم يثبت الإعراض بالكليّة و هي على قسمين]
اشارة

و إن لم يثبت الإعراض و لم يبد الأهل أيضا فإما أن يكون صاحبها معلوما معينا أولا، فهي على قسمين:

القسم الأول: ما كان صاحبها معلوما معينا [و الأقوال فيه.]
اشارة

و قد وقع البحث في أنها هل تخرج بصيرورتها مواتا عن ملكه و ترجع إلى أصلها مطلقا، أو لا تخرج مطلقا، أو يفصّل بين ملكها بالإحياء فتخرج أو بغيره فلا تخرج؟

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 230

في المسألة وجوه بل أقوال، و ربّما أنهيت الأقوال إلى ستة و إن كان بعضها في طول بعض كما سيظهر:

الأول: بقاء الأرض على ملك صاحبها الأول مطلقا،

قال في الجواهر:

«المحكي عن المبسوط و المهذّب و السرائر و الجامع و التحرير و الدروس و جامع المقاصد أنها باقية على ملكه أو ملك وارثه، بل قيل: إنه لم يعرف الخلاف في ذلك قبل الفاضل في التذكرة.» «1»

أقول: و هذا القول مختار صاحب الجواهر أيضا، بل لعلّه المشهور بين المتأخرين من أصحابنا، و لكن في اشتهاره بين القدماء من أصحابنا كلام بل منع كما سيظهر.

الثاني: خروجها عن ملكه مطلقا،

فيجوز لكل أحد إحياؤها كسائر الموات، و لا حقّ للأول فيها أصلا. و لم أعثر إلى الآن على مصرّح بهذا القول، و إن كان ربما يلوح من بعض العبارات.

الثالث: أن يفصّل بين ما كان ملكها بالإحياء

فتزول بزوال الحياة و بين ما كان بغيره من الشراء أو الاتّهاب أو الوراثة أو نحوها فتبقى على ملكه. قالوا: و من هذا القبيل أيضا أراضي الخراج إذا ماتت للعلم بصاحبها و هو عنوان المسلمين، و قد حصلت لهم بغير الإحياء.

قال في الجواهر:

«قيل: ربما أشعرت به (أي بهذا القول الثالث) عبارة الوسيلة و اختاره في المسالك و الروضة بعد أن حكاه عن جماعة منهم العلامة في بعض فتاواه، و مال إليه

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 231

في التذكرة، و في الكفاية: «أنه أقرب» و في المفاتيح: «أنّه أوفق بالجمع بين الأخبار.» بل في جامع المقاصد: «أن هذا القول مشهور بين الأصحاب».» «1»

الرابع: أن يقال بعدم خروجها عن ملكه بمجرد موتها، و لكنها تخرج عن ملكه بإحياء الغير لها

و استيلائه عليها. و ربما يذكر هذا بنحو الاحتمال. و يوجّه بالجمع بين استصحاب ملكية الأول و بين ما دلّ على مالكية المحيي الثاني، كصحيحة الكابلي و نحوها، فتبقى ملكية الأول إلى زمان إحياء الثاني.

الخامس: أن يقال ببقائها على ملك الأول و لكن يجوز للغير إحياؤها

و أداء طسقها إلى الأول أو وارثه، و يصير الثاني بالإحياء أحق بها من غيره. نسبه في المسالك «2» إلى المبسوط و المحقق في كتاب الجهاد و الأكثر.

السادس: القول بذلك مع الاستيذان من المالك أو الحاكم

إن أمكن و إلّا فيحييها بنفسه، و به قال في الدروس كما يأتي.

و العمدة في المقام بيان ما هو الحق من الأقوال الثلاثة الأول.

و قد يختلج بالبال ابتناء المسألة على القول بملكية الرقبة و عدمها:

فإن قلنا بملكيتها فالأصل يقتضي بقاءها في ملك مالكها، و لأن طبع الملكية هو البقاء و الاستمرار إلّا أن تنتقل بالنواقل العرفية أو الشرعية. و إن قلنا بعدم ملكيتها فالقاعدة تقتضي رجوعها إلى الإمام بالكلية لزوال علة الاختصاص و هي الإحياء و آثاره، و كون علة الحدوث علة للبقاء أيضا يحتاج إلى عناية زائدة و دليل قطعي، بل الظاهر أن موضوع الحق هو آثار الإحياء، و المفروض زوالها بالكلية.

______________________________

(1)- الجواهر 38/ 21.

(2)- المسالك 2/ 288.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 232

[بعض عبارات الفقهاء]

و كيف كان: فلنذكر بعض عبارات الفقهاء ثم نشير إلى ما هو الأظهر عندنا:

1- قال في المبسوط:

«و امّا الذي جرى عليه ملك المسلم فمثل قرى المسلمين التي خربت و تعطّلت فإنه ينظر، فإن كان صاحبه معينا فهو أحق بها و هو في معنى العامر، و إن لم يكن معينا فإنه يملك بالإحياء لعموم الخبر، و عند قوم لا يملك ...» «1»

2- و فيه أيضا في الغامر من بلاد الشرك:

«و أما الذي جرى عليه ملك فإنه ينظر، فإن كان صاحبه معينا فهو له، و لا يملك بالإحياء بلا خلاف، و إن لم يكن معينا فهو للإمام عندنا، و فيهم من قال: يملك بالإحياء، و فيهم من قال: لا يملك بالإحياء ...» «2»

فهو- قدّس سرّه- حكم ببقاء الخراب لمالكه الأول إذا كان معينا مسلما كان أو كافرا، و ظاهره العموم و لو لما ملك بالإحياء.

3- و في إحياء الموات من المهذّب:

«و الغامر ضربان: غامر لم يجر عليه ملك لمسلم ... و غامر جرى عليه ملك مسلم، فهو مثل قرى أهل الإسلام التي خربت و تعطّلت. فإن كان لشي ء منها صاحب معين

أو لصاحبه عقب معين كان صاحبه المعين أو عقبه أحق به من كل أحد.

و إن لم يكن له صاحب و لا عقب لصاحبه معين صحّ أن يملك بالإحياء، و ذلك يكون بأمر الإمام- عليه السلام-.» «3»

4- و قال في الغامر من بلاد الشرك:

«و أما ما جرى عليه ملك و صاحبه معين فهو له و لا يملك بالإحياء، و إن لم يكن له صاحب معين كان للإمام.» «4»

______________________________

(1)- المبسوط 3/ 269.

(2)- المبسوط 3/ 269.

(3)- المهذّب 2/ 28.

(4)- المهذّب 2/ 28.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 233

5- و في إحياء الموات من اللمعة:

«و لو جرى عليه ملك مسلم فهو له و لوارثه بعده، و لا ينتقل عنه بصيرورته مواتا.» «1»

6- و في إحياء الموات من الشرائع:

«و كل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعده. و إن لم يكن لها مالك معروف معين فهي للإمام- عليه السلام- و لا يجوز إحياؤها إلّا بإذنه. فلو بادر مبادر فأحياها بدون إذنه لم يملك. و إن كان الإمام «ع» غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها. فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، و مع ظهور الإمام «ع» يكون له رفع يده عنها.» «2»

أقول: إطلاق عبارة الصدر يشمل ما إذا صارت مواتا أيضا سواء ملك الأول بالإحياء أو بغيره. و لكن مقتضى الذيل ارتفاع حق الأول بصيرورتها مواتا إن كان ملكها بالإحياء.

اللّهم إلا أن يراد بتركها الإعراض عنها بالكلية، أو تحمل عبارة الصدر على زمان الظهور و تحقق الإذن في خصوص التملك فإذا حصل الملك بقي و لو بعد صيرورة الأرض مواتا، و تحمل عبارة الذيل على صورة عدم تحقق الإذن

في التملك لغيبة الإمام و عدم إمكان الاستيذان منه فلم يحصل الملك للمحيي بل حق الأولوية فقط بمقتضى أخبار الإحياء، و بعبارة أخرى ملكية الآثار فقط، و لذا يجوز للإمام رفع يده عنها بعد ظهوره، فتكون النتيجة أن الإحياء في عصر الغيبة لا يوجب ملكية الرقبة أصلا و يزول الحق بصيرورتها مواتا. فالملكية تتوقف على الإذن الخاصّ من الإمام و لا يكفي فيها أخبار الإحياء.

7- و نظير عبارة الشرائع عبارة العلامة في موضع من التذكرة قال:

«كل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعده، و إن لم يكن لها مالك معروف فهي للإمام و لا يجوز إحياؤها إلا بإذنه، و لو بادر إنسان فأحياها من دون إذنه لم يملكها حال الغيبة و لكن يكون المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فلو تركها

______________________________

(1)- اللمعة الدمشقيّة (مع شرحه الروضة) 7/ 138 (- ط. القديم 2/ 251).

(2)- الشرائع 3/ 272 (- ط. أخرى/ 792، الجزء 4).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 234

فبادت آثارها فأحياها غيره فهو أحق، و مع ظهوره «ع» له رفع يده عنها.» «1» و مورد الاستشهاد هنا صدر العبارة.

و بالجملة، فالظاهر من العبارات التي مرّت بقاء الملكية بعد الموت أيضا فيما إذا كان المالك معينا و إن حصل الملك بالإحياء.

و لكن الظاهر من التذكرة و المسالك و الروضة و جامع المقاصد و الكفاية هو التفصيل بين ما كان الملك بالإحياء أو بغيره.

8- فلنذكر عبارة التذكرة فإنها أول ما يرى فيه التفصيل، قال فيها:

«مسألة: لو لم تكن الأرض التي في بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنها كانت قبل ذلك معمورة جرى عليها ملك مسلم فلا يخلو

إما أن يكون المالك معينا أو غير معين، فإن كان معينا فإما أن تنتقل إليه بالشراء أو العطية و شبهها، أو بالإحياء، فإن ملكها بالشراء و شبهه لم تملك بالإحياء، قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه.

و إن ملكها بالإحياء ثم تركها حتى دثرت و عادت مواتا فعند بعض علمائنا و به قال الشافعي و أحمد: أنه كالأول لا يصح لأحد إحياؤه و لا يملك بالإحياء و العمارة بل يكون للمالك أو لورثته، لقوله «ع»: «من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهو أحق بها»، و لأنها أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء كالتي ملكت بشراء أو بعطية، و لقوله «ع»: «و ليس لعرق ظالم حق» و قد تقدم أن العرق الظالم هو أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها، و لأن سليمان بن خالد سأل الصادق «ع» عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها فما ذا عليه؟ قال: الصدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقه.

و قال مالك: يصحّ إحياؤها و يكون الثاني المحيي لها أحق بها من الأول، لأن هذه

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 403.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 235

أرض أصلها مباح فإذا تركها حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحة، كما لو أخذ ماء من دجلة ثم ردّه إليها، و لأن العلة في تملك هذه الأرض الإحياء و العمارة، فإذا زالا زالت العلة فيزول المعلول و هو الملك، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك فيثبت الملك له، كما لو التقط شيئا

ثم سقط من يده وضاع عنه فالتقطه غيره فإن الثاني يكون أحق.

و لا بأس بهذا القول عندي، فيدلّ عليه ما تضمنه قول الباقر «ع» حكاية عما وجده في كتاب علي «ع»، و لقول الصادق «ع»: أيّما رجل أتى خربة بائرة. الحديث.» «1»

أقول: ما ذكره أخيرا إشارة إلى صحيحتي الكابلي و معاوية بن وهب الآتيتين.

9- و راجع في هذا المجال المسالك أيضا، فإنه حرّر المسألة بالتفصيل و قوّى فيها التفصيل بين ما كان الملك بالإحياء و بين غيره فقال:

«و إن خربت فإن كان انتقالها إليه بالقهر كالمفتوحة عنوة بالنسبة إلى المسلمين أو بالشراء أو العطية و نحوهما لم يزل ملكه عنها أيضا إجماعا على ما نقله في التذكرة عن جميع أهل العلم. و إن ملكها بالإحياء ثم تركها حتى عادت مواتا فعند المصنف و قبله الشيخ و جماعة أن الحكم كذلك ... و ذهب جماعة من أصحابنا منهم العلامة في بعض فتاويه و مال إليه في التذكرة إلى صحة إحيائها و كون الثاني أحق بها من الأول ... و هذا القول قويّ لدلالة الروايات عليه ...» «2»

10- و في إحياء الموات من الروضة:

«و موضع الخلاف ما إذا كان السابق قد ملكها بالإحياء، فلو كان قد ملكها بالشراء و نحوه لم يزل ملكه عنها إجماعا على ما نقله العلامة في التذكرة عن جميع أهل العلم.» «3»

11- و في إحياء الموات من المغني في ذيل قول الخرقي: «و من أحيا أرضا لم تملك فهي له» قال:

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 401.

(2)- المسالك 2/ 288.

(3)- اللمعة الدمشقيّة 7/ 139 (- ط. القديم 2/ 251).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 236

«و جملته أن الموات قسمان: أحدهما: ما

لم يجر عليه ملك لأحد و لم يوجد فيه أثر عمارة ... القسم الثاني: ما جرى عليه ملك مالك و هو ثلاثة أنواع: أحدها: ما له مالك معين و هو ضربان: أحدهما: ما ملك بشراء أو عطية، فهذا لا يملك بالإحياء بغير خلاف. و قال ابن عبد البرّ: أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه. الثاني: ما ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر و عاد مواتا، فهو كالذي قبله سواء. و قال مالك يملك هذا لعموم قوله: «من أحيا أرضا ميتة فهي له.» و لأن أصل هذه الأرض مباح فإذا تركت حتى تصير مواتا عادت إلى الإباحة كمن أخذ ماء من نهر ثم ردّه فيه.

و لنا أن هذه أرض يعرف مالكها فلم تملك بالإحياء كالتي ملكت بشراء أو عطية. و الخبر مقيد بغير المملوك بقوله في الرواية الأخرى: «من أحياء أرضا ميتة ليست لأحد» و قوله: «في غير حق مسلم».» «1» إلى آخر ما ذكره، فراجع.

أقول: توفي ابن قدامة مؤلف المغني في «630»، و العلامة في «726» و ربما يظهر لمن راجع المغني و التذكرة و المنتهى أن العلامة كان يراجع المغني و يستفيد منه.

و أنت ترى أن التفصيل بين ما ملك بشراء و نحوه و بين ما ملك بالإحياء. و نقل الإجماع من ابن عبد البرّ في الأول منهما قد تعرض لهما ابن قدامة، فلعل العلامة أخذهما منه، و الشهيد في الروضة و المسالك أخذهما من التذكرة. و الفقيه الحافظ ابن عبد البرّ الأندلسي صاحب كتاب الاستيعاب كان من علماء السنة، و قد توفي في «463». و الظاهر أنه المراد في عبارة المغني. و

الإجماع المنقول لا نعتمد عليه نحن في فقهنا فكيف بما ادّعاه هو. ثم إن معقد إجماع ابن عبد البر على ما ترى لا يختص بما إذا كان ملك الأول بالشراء و نحوه، بل يعم ما ملك بالإحياء أيضا، فتدبّر. هذا.

و لم نجد في كلمات القدماء من أصحابنا أثرا من التفصيل بين ما ملك بالإحياء

______________________________

(1)- المغني 6/ 147.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 237

و بين غيره. بل الظاهر من إطلاق عباراتهم عدم الفرق بينهما. و الشيخ في المبسوط أيضا لم يفرق بينهما، فراجع ما مرّ من عبارتيه. «1»

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 237

نعم، يمكن أن يقال: إن الشيخ كان قد أفتى في التهذيبين و النهاية و المبسوط بأن الإحياء لا يفيد الملك للرقبة بل الأولوية فقط كما مرّ في المسألة السادسة، فيجعل هذا قرينة على أن قوله في المقام: «الذي جرى عليه ملك» أراد به ما ملك بالشراء و نحوه. و هكذا الكلام في كلام المهذّب.

ثم إنه يرد على التفصيل إشكال، و هو أن مالكية الأول و إن فرض كونها بغير الإحياء مباشرة و لكنها بالأخرة تنتهي إلى الإحياء، بأن اشتراها أو ورثها مثلا أو اغتنمها المسلمون ممن أحياها و لو بوسائط. فهذه الأسباب الناقلة كلها فروع على الإحياء، و الفرع لا يزيد على الأصل، فلا ينتقل إلى الثاني غير ما ثبت للأول بإحيائه.

اللّهم إلّا أن يقال: إن المراد بالشراء و نحوه شراء الرقبة من الإمام أو الوراثة منه أو ممن اشتراها

أو ورثها منه.

و قد أشار إلى هذا في الجواهر حيث قال بعد التعرض للإجماع الذي حكاه التذكرة عن ابن عبد البرّ:

«و بالجملة، المسلّم من الإجماع المزبور إذا ملكه بغير الإحياء كالشراء من الإمام- عليه السلام- مثلا، أما إذا كان أصل الملك بالإحياء ثم باعه من آخر أو ورثه منه آخر فالظاهر جريان البحث في بقاء الملك لمن هو له على نحو الملك بالإحياء.» «2»

أو يقال كما في بلغة الفقيه:

«إن الإباحة منهم لشيعتهم جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك مستلزمة إما لدخوله آنا مّا في ملكه عند إرادة التصرف الخاص، أو يكون من الفضولي المتحقق معه الإجازة من المالك، فتخرج الرقبة حينئذ عن ملك الإمام- عليه السلام-

______________________________

(1)- راجع المبسوط 3/ 269.

(2)- الجواهر 38/ 21.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 238

و يملكها من انتقلت إليه، كما لو اشتراه من الإمام «ع» نفسه. و منه يعلم أنه لا وجه لإلحاق الانتقال بالإرث من المحيي بسائر النوافل الشرعية منه كالشراء و العطية و غيرهما كما وقع من شيخنا في الجواهر تبعا للرياض و جامع المقاصد ...» «1»

أقول: و لكن لنا أن نقول: إن البائع يمكن أن يبيع ما حصل له بالإحياء من آثار الإحياء كما قاله الشيخ في النهاية في عبارته التي مرت في المسألة السادسة نظير ما في بيع الأراضي المفتوحة عنوة و ما في نقل الرعايا حقوقهم في الأراضي في القرى التي لها ملّاك، و هذا يجري في الإرث و نحوه أيضا، فتدبّر.

و كيف كان: فإن كان ملك الأول باشتراء الرقبة من الإمام أو الوراثة منه مثلا و لو بوسائط كان مقتضى الأصل و بعض الأدلة الآتية بقاءها على ملكه. كيف و

طبع الملكية عند العقلاء يقتضي الدوام و الاستمرار و عدم انقطاعها إلا بالنواقل العرفية أو الشرعية. و لا دليل على كون الخراب أو تصرف الغير منها، و هذا هو القدر المتيقن من الإجماع المدعى على فرض صحته.

و أما إذا كان منشأ الاختصاص أو الملكية على القول بها هو الإحياء سواء أحياها بنفسه أو انتقلت إليه ممن أحياها و لو بوسائط فهل يبقى بعد صيرورتها مواتا أو يزول إما بمجرد الموت أو بتصرف الغير و إحيائه؟ و جهان بل قولان. و ليست المسألة إجماعية و لا مشهورة شهرة قدمائية كاشفة عن أقوال المعصومين «ع»، بل هي مختلف فيها، فاللازم الاستناد فيها إلى القواعد و الأخبار الواردة.

و استدل للقول الأول بوجوه:
الأول: الاستصحاب

ما لم يثبت المزيل.

______________________________

(1)- بلغة الفقيه 1/ 347 (ط. أخرى/ 125).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 239

الثاني: إطلاق أخبار الإحياء،

حيث إن الظاهر منها بالإطلاق الأزماني و الأحوالي ثبوت الاختصاص أو الملك ابتداء و استدامة و لا سيما على القول بالملك فإن طبع الملك يقتضي الدوام و لا دليل على كون الخراب مزيلا له.

و لا ينتقض بشمول إطلاقها للمحيي الثاني أيضا، لتقيدها بقوله «ص»: «من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له، و ليس لعرق ظالم حق» و بقوله «ص»: «من أحيا أرضا ميتة لم تكن لأحد قبله فهي له، و ليس لعرق ظالم حق» «1» و عن هشام بن عروة أنه قال: «العرق الظالم أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها.» «2»

الثالث: خبر سليمان بن خالد،

قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها، ما ذا عليه؟ قال:

الصدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقه. «3»

و السند إلى سليمان صحيح. و سليمان بن خالد و إن ناقشوا فيه بأنه ممن خرج مع زيد و لكن وثقه جماعة و قالوا إنه تاب و رجع و كان فقيها وجها. و على ما مرّ منّا من تأييد أئمتنا «ع» لخروج زيد يكون خروج سليمان معه من محاسنه لا من مساويه، فتأمّل.

و روى هذه الرواية في الوسائل «4» عن الشيخ بسند صحيح، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه «ع» أيضا، فراجع التهذيب باب المزارعة «5» و فيه: «فليردّ إليه حقه».

و المراد بحقه إما أصل الأرض أو طسقها. و على الثاني يكون تقريرا لأصل التصرف و الإحياء، فيكون الخبر دليلا للقول الخامس الذي مرّ و سيأتي بيانه. و لعل

______________________________

(1)- سنن البيهقي 6/ 142، كتاب إحياء الموات، باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد ...

(2)- التذكرة

2/ 400؛ و نحو ما فيه عن هشام في سنن البيهقي 6/ 142.

(3)- الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 3.

(4)- الوسائل 17/ 329، ذيل الحديث السابق.

(5)- التهذيب 7/ 201، باب المزارعة، الحديث 34.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 240

الظاهر على نقل الحلبي ردّ أصل الأرض. هذا.

و يناقش هذه الأدلة:
أما الأول فبأن الاستصحاب أصل لا يقاوم الأدلة الآتية

للقول الثاني.

و أما الثاني فبأن إطلاق أخبار الإحياء كما يشمل المحيي الأول يشمل الثاني أيضا،

بل دلالتها عليه أقوى، لأنه سبب طار مملك و إذا طرأ سبب مملك على سبب سابق كان التأثير للثاني، كما يدلّ على ذلك الصحاح الآتية. و كون الأرض بعد خرابها ملكا للأول أو حقا له في مفروض البحث أول الكلام. و تفسير هشام بن عروة ليس بحجة مضافا إلى عدم ثبوت كون الأرض الميتة للأول. و الخبران يمكن أن يحملا على موات لا يخرج بالموت عن الملك كما إذا كانت مالكية الأول بانتقال الرقبة إليه من قبل الإمام بشراء أو نحوه و لو بوسائط، أو يحملا على خراب لم يبلغ حدّا يفتقر إلى إحياء جديد بل يكفيه إصلاح ما فلم تنقطع عنه علاقة الأول عرفا، فتدبّر.

و يناقش الثالث

أولا بإمكان حمله على ما إذا كان ملك الأول بالشراء من الإمام و نحوه كما هو الظاهر من لفظ الصاحب المضاف إلى الأرض، فتأمّل. و ثانيا بأن الحق في الخبر مجمل فكما يحتمل إرادة الأرض أو طسقها يحتمل أيضا إرادة غيرهما كالآلات الباقية منه في الأرض أو أجرة تسطيح الأرض أو بعض المروز الباقية مثلا أو شي ء في ذمة المحيي الثاني. و لا دلالة أيضا في لفظ: «صاحبها» على بقاء علاقة الأوّل، لإطلاق المشتق كثيرا على من قضى. بل جواز تصرّف الثاني و عدم ردعه عنه يدلّ على عدم كونها ملكا للأوّل فعلا و إلّا لما جاز التصرف فيها و لزم الإشارة إلى ردعه، فتأمّل.

و يستدل للقول الثاني، أعني جواز إحياء الغير و كون الأرض له
اشارة

- مضافا إلى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 241

إطلاقات أخبار الإحياء و عموماتها بل كون شمولها له أقوى بتقريب مرّ، و إلى ما مرّ عن التذكرة من التعليلين لقول مالك- بصحاح ثلاث:

الأولى: صحيحة أبي خالد الكابلي،

عن أبي جعفر «ع»، قال: «وجدنا في كتاب علي «ع»: أن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض و نحن المتقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي و له ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها حتى يظهر القائم «ع» من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه «ص» و منعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم و يترك الأرض في أيديهم.» «1»

و قد مرّ شرح سند الحديث و متنه في المسألة السادسة، فراجع.

و مقتضاها بقرينة ثبوت الخراج و جواز إخراج المحيي منها عدم سببية الإحياء لملكية الرقبة و أنه بعد خرابها يكون الثاني أحق بها. و حمل قوله: «فإن تركها أو أخربها» على خصوص الإعراض الكلي خلاف الظاهر، إذ الظاهر من الحكم بأحقية الثاني عدم إعراض الأول بالكلية و احتمال ثبوت حق له أيضا. مضافا إلى أن فرض عدم ملكية الرقبة و كون متعلق الحق هو آثار الإحياء فقط يقتضي انتفاء الحق بانتفاء موضوعه قهرا، فتدبّر.

و حمل الملكية للإمام في الصحيحة و غيرها على الملكية

المعنوية كما قيل بلا وجه بعد ظهورها في الملكية الاعتبارية الشرعية. و يشهد لذلك تفريع آثارها من أخذ الخراج و جواز الإخراج. مضافا إلى ما مرّ منّا من أن الأرض من الأموال العامة التي خلقها اللّه- تعالى- للأنام، و أن معنى كونها للإمام كونها تحت اختياره و تصرفه بما هو وليّ أمر الأمّة نظير سائر الأولياء المتصرفين في أموال المولّى عليهم.

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 329، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 242

و كيف كان فدلالة الحديث على انقطاع علاقة المحيي الأول عن الأرض بموتها أو بإحياء الثاني لها واضحة.

الثانية: صحيحة عمر بن يزيد،

قال: سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه «ع» عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها فعمرها و كرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال أبو عبد اللّه «ع»: كان أمير المؤمنين «ع» يقول: «من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم «ع» فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه.» «1»

و تقريب الاستدلال بها يظهر مما مرّ. و قوله: «تركها أهلها» يعم الأهل المعيّنين أيضا، و الترك أعم من الإعراض كما مرّ.

الثالثة: صحيحة معاوية بن وهب،

قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «أيّما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فإن عليه فيها الصدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض للّه و لمن عمرها.» «2»

و دلالتها واضحة و حمل قوله: «تركها فأخربها» على صورة إعراض الأول مشكل و لا سيما و أن طلبه بعد يدلّ على عدم إعراضه. و ظاهر العبارة أن مجرّد الترك أوجب الخراب. و احتمال كون المراد أن الأرض للأول الذي عمرها سابقا كما في الجواهر «3» بعيد غاية البعد، فإن الظاهر من التعبير بمناسبة الحكم و الموضوع كونه لبيان ثبوت الحق للثاني لعمرانه الفعلي لا لبيان بقاء الحق للأوّل الذي زال أثر عمرانه.

فإن قلت: ظاهر هذه الصحاح الثلاث هو كون المحيي الثاني أحق و أن علاقة

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 383، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 13.

(2)- الوسائل 17/ 328، الباب 3 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1.

(3)- الجواهر 38/ 22.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 243

الأول تنقطع عن الأرض بعد إحياء الثاني لها، و لكن من المحتمل عدم انقطاع علاقته بمجرد الموت و الخراب بل تبقى إلى حين الإحياء، و بالإحياء تزول. و كون جواز الإحياء بما أنه تصرف متوقفا على خروجها عن ملك الأول ممنوع لاحتمال إجازة الشارع فيه حسبة للأمة حذرا من تعطيل الأراضي. هذا مضافا إلى امكان القول بتحقق الملكية للثاني آنا مّا قبل التصرف بدلالة الاقتضاء.

قلت: هذا البحث لا يفيدنا فيما هو المهم في مقام العمل، فإن الغرض من البحث الحكم بأحقية الثاني بعد عملية الإحياء، و عدم وجوب الطسق عليه للأول، و لا يفرّق في ذلك بين انقطاع علاقة الأول بمجرد الموت و الخراب أو بعد عملية الإحياء. هذا مضافا إلى أن علاقة الأول بالأرض إما أن يحكم بدوامها و إما أن يحكم بانقطاعها، و حيث إن المفروض هو الثاني فبمناسبة الحكم و الموضوع يظهر أن انقطاعها يستند لا محالة إلى انتفاء الموضوع و المحل أعني آثار الحياة، فإذا انتفت انتفت، إذ لو كان الموضوع نفس الرقبة لم يكن وجه لانقطاع العلاقة لبقاء الرقبة دائما.

و بالجملة، فاحتمال بقاء العلاقة إلى زمان الإحياء و ارتفاعها به احتمال بدوي يزول بالدقة.

و بذلك يظهر بطلان القول الرابع من الأقوال الستة على فرض وجود القائل به، فتدبّر. هذا.

و حيث ظهر لك أدلّة القولين فلنرجع إلى المقايسة بينهما و السعي في رفع التهافت إن أمكن. و العمدة في المقام صحيحتا سليمان بن خالد و الحلبي في ناحية، و الصحاح الثلاث في ناحية أخرى.

و قد قيل في الجمع بينهما و رفع التهافت وجوه:
الوجه الأول: ما يظهر من بلغة الفقيه.

و محصّله بتوضيح منّا: أن مفاد صحيحتي

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 244

سليمان و الحلبي بقاء علاقة الأول، و مفاد الصحاح

الثلاث انقطاعها فيكون بينهما التباين من هذه الجهة. و الموضوع في صحيحتي سليمان و الحلبي و كذا في صحيحتي معاوية بن وهب و عمر بن يزيد مطلق يعمّ بإطلاقه مالكية الأول بالإحياء أو بغيره.

و لكن الموضوع في صحيحة الكابلي خاص حيث يختص بما كانت مالكية الأول بالإحياء، فبصحيحة الكابلي يقيّد إطلاق الموضوع في صحيحتي سليمان و الحلبي فتحملان على غير صورة الإحياء جمعا، و بعد هذا التقييد تنقلب النسبة بين صحيحتي سليمان و الحلبي و بين صحيحتي معاوية بن وهب و عمر بن يزيد، إذ يصير الموضوع في صحيحتي سليمان و الحلبي خاصّا بالنسبة إليهما فيحمل بسببهما المطلق في صحيحتي معاوية بن وهب و عمر بن يزيد على صورة الإحياء فقط جمعا، فتكون النتيجة التفصيل بين مالكية الأول بالإحياء أو بغيره. «1»

أقول: قد ضعّف في البلغة هذا الوجه أولا بمنع صحة الترتيب في النسبة المؤدّي إلى انقلاب النسبة كما حقق في الأصول. و ثانيا بأن تقييد صحيحتي سليمان و الحلبي بصحيحة الكابلي فرع ظهور صحيحة الكابلي في مالكية الثاني و هو ممنوع، إذ ليس فيها إلا أحقية الثاني، و هذه لا تنافي مالكية الأول و وجوب اداء الطسق إليه، فتأمّل. هذا.

و لنا أن نقرّر الجمع المذكور بنحو لا يرد عليه إشكال انقلاب النسبة بأن يقال:

إن الموضوع في صحيحتي سليمان و الحلبي و كذا في صحيحتي معاوية بن وهب و عمر بن يزيد مطلق، و في صحيحة الكابلي مقيد بما إذا كان المالكية بالإحياء فيقيد بهذه الصحيحة منطوقا و مفهوما كل واحد من موضوعي النفي و الإثبات في عرض واحد. و كما يحمل المطلق على المقيد في المتخالفين حكما يحمل عليه في المثبتين أيضا ضرورة تعارض

المطلق و المقيد و إن كانا مثبتين مع ظهور القيد في

______________________________

(1)- بلغة الفقيه 1/ 345 (- ط. أخرى/ 123).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 245

الدخالة، اللّهم إلّا أن ينكر هذا الظهور في صحيحة الكابلي.

الوجه الثاني: ما يظهر من البلغة أيضا.

و محصّله بتوضيح منا أن صحيحتي سليمان و الحلبي كالنص في بقاء علاقة الأوّل، إذ حكم فيهما بوجوب أداء حقه. و حيث إن آثار الحياة انعدمت فرضا فلا محالة يكون موضوع الحق الباقي نفس رقبة الأرض، و يراد بأداء حق الأول أداء طسق الأرض و أجرتها. و تحمل الصحاح الثلاث على كون علاقة الثاني بنحو الأحقية فقط بمقتضى عمله و نشاطاته. و لا منافاة بين أحقية الثاني بمقتضى عمله و بين وجوب أداء الطسق عليه بمقتضى مالكية الأول للرقبة. «1»

أقول: يرد على هذا أوّلا: أن الحق في صحيحتي سليمان و الحلبي مجمل و لعله أراد به نفس الأرض لا طسقها و لا سيما في صحيحة الحلبي حيث عبّر فيها بالردّ.

و ثانيا: أن اللام في قوله في صحيحة معاوية بن وهب: «فإن الأرض للّه و لمن عمرها» حيث دخلت على اللّه و على العامر معا يكون لها ظهور تام في مالكية الثاني و انقطاع علاقة الأول عنها بالكلية. و ثالثا: أن الطسق في صحيحتي الكابلي و عمر بن يزيد جعل للإمام لا للمحيي الأول. اللهم إلا أن يقال: إن الطسق فيهما قد فرض للإمام بما أنه مالك للأرض و مسلّط عليها شرعا، و المجعول فيهما للمحيي هو الأحقية.

و أما في صحيحة سليمان فحيث فرضت مالكية الأول للرقبة حكم فيها بأداء الطسق إليه، و لعل مالكيته كانت باشتراء الرقبة مثلا من الإمام. فتكون نتيجة الجميع أن المحيي

أحق بمقتضى عمله، و الطسق فرض عليه للمالك إماما كان أو غيره.

الوجه الثالث: أن مورد صحيحتي سليمان بن خالد و الحلبي ما إذا كان صاحب الأرض معروفا،

فتحمل الصحاح الثلاث على ما إذا لم يعرف صاحبها.

______________________________

(1)- بلغة الفقيه 1/ 346 (- ط. أخرى/ 124).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 246

و فيه مضافا إلى ظهور الصحاح الثلاث في أن الملاك لأحقية الثاني صيرورة الأرض خرابا و كون الثاني عامرا لها فلا يؤثر في ذلك معروفية الصاحب السابق و عدمها: أن المصرّح به في صحيحة معاوية بن وهب أحقية الثاني و إن كانت الأرض لرجل فجاء بعد يطلبها. و ظاهر أن الرجل ظاهر في المعين.

الوجه الرابع: أن تحمل الصحاح الثلاث على صورة إعراض الأول بالكلية،

و صحيحتا سليمان و الحلبي على صورة عدم الإعراض.

و فيه أنه جمع تبرعي لا شاهد له، إذا الترك و الإخراب أعم من الإعراض، فتدبّر.

فهذه الوجوه الأربعة بعض ما قيل في المقام لرفع التهافت بين أخبار الباب.

و ملخص الكلام في المقام أنه لو فرض حمل صحيحة عمر بن يزيد على ما إذا لم يعرف صاحب الأرض و حملت صحيحة الكابلي على ما إذا كان الاختصاص بنحو الأحقية فقط فلا إشكال في بقاء صحيحتي سليمان بن خالد و معاوية بن وهب متخالفتين بالتباين، و يشكل إثبات المرجح لأحدهما فتتساقطان و يرجع لا محالة إلى استصحاب مالكية الأول مؤيدا بأن طبع الملك يقتضي الدوام و الاستمرار، أو يقال: إن صحيحة سليمان نصّ في بقاء علاقة الأول، و صحيحة معاوية ظاهرة في انقطاعها لعدم التصريح فيها بعدم وجوب الطسق للأول فيجمع بينهما بأحقية الثاني و وجوب الطسق عليه للأول كما أفتى به بعض و تقدم عن البلغة أيضا. هذا.

و الأولى إحالة المسألة إلى ما مرّ في المسألة السادسة، فإن ثبتت ملكية الرقبة و لو بسبب الإحياء فالظاهر بقاؤها بعد الخراب أيضا إذ طبع الملك يقتضي الدوام.

و المفروض أن

موضوع الملكية و هي الرقبة باقية بعد الموت أيضا، و الملك يحتاج إلى العلة في الحدوث لا في البقاء فإذا حدث يبقى إلى أن يتحقق إحدى النواقل العرفية أو الشرعية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 247

و أما إذا كان الاختصاص بنحو الأحقية فقط كما اخترناه بالنسبة إلى عملية الإحياء و لو فرض التعبير بالملكية أيضا كان الموضوع لها آثار الحياة المنتجة من الفكر و القوى و النشاطات، فلا محالة تنتفي بانتفاء موضوعها أعني الآثار بالكلية، فتعود الرقبة إلى أصلها الأولي.

و على هذا فيجب أن تحمل صحيحة سليمان بن خالد على ما إذا فرض تحقق ملكية الرقبة كما إذا اشتراها من الإمام مثلا، أو يحمل الحق فيها على ما إذا بقي بعض الآثار و الآلات. و يحتمل بعيدا إرادة الإمام- عليه السلام- من لفظ صاحبها و لم يصرح به تقية، فيكون مفادها مفاد صحيحتي الكابلي و عمر بن يزيد من فرض الطسق للإمام، فلاحظ.

تتميم [مقتضى بقاء علاقة الأول بالأرض عدم جواز التصرف فيها]
[ما يقال في المخالفة لهذا الأصل]

لا يخفى أن مقتضى بقاء علاقة الأول بالأرض عدم جواز التصرف فيها و إحياؤها بدون إذنه، و عدم ترتب الأثر على الإحياء لو فعل.

و لكن قال في المسالك:

«و اعلم أن القائلين بعدم خروجها عن ملك الأول اختلفوا: فذهب بعضهم إلى عدم جواز إحيائها و لا التصرف فيها مطلقا إلّا بإذن الأول كغيرها من الأملاك.

و ذهب الشيخ في المبسوط و المصنف في كتاب الجهاد و الأكثر إلى جواز إحيائها و صيرورة الثاني أحق بها لكن لا يملكها بذلك بل عليه أن يؤدّي طسقها إلى الأول أو وارثه، و لم يفرقوا في ذلك بين المنتقلة بالإحياء و غيره من الأسباب المملكة حيث يعرض لها الخراب و تصير مواتا.

و ذهب

الشهيد في الدروس إلى وجوب استيذان المحيي للمالك أوّلا، فإن امتنع فالحاكم و له الإذن فيه، فإن تعذر الأمران جاز الإحياء و على المحيي طسقها للمالك.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 248

و حاولوا في هذين القولين الجمع بين الأخبار بحمل أحقية الثاني في الأخبار الصحيحة على أحقية الانتفاع بها بسبب الإحياء و إن لم يكن مالكا، و وجوب الطسق من خبر سليمان بن خالد في قوله «ع»: «إذا كان يعرف صاحبها فليؤدّ إليه حقه.» فإن الحق و إن كان أعم من أجرة الرقبة إلّا أن الجمع بين الأخبار يقتضي حمله على الأجرة خاصة. و في قيود الشهيد مراعاة لحق المالك و حق الإحياء (الأخبار خ. ل)» «1»

و في الجواهر: بعد نقل كلام المسالك قال:

«قد عرفت أنه لا نصوص دالة إلا صحيح الكابلي الذي سمعت البحث فيه، مع أنه مشتمل على الطسق للإمام- عليه السلام- لا المحيي الأول كصحيح عمر بن يزيد ... و صحيح معاوية بن عمار (معاوية بن وهب- ظ.) الذي هو مجمل أو كالمجمل. و خبر سليمان بن خالد الذي يمكن بل قيل: إن الظاهر إرادة نفس الأرض من حقه فيها، فلا مخرج عن قاعدة قبح التصرف في مال الغير، فضلا عن أن يترتب له أحقية بذلك على وجه لا يجوز للمالك انتزاعها منه.» «2»

أقول: صاحب الجواهر ذكر قبيل ذلك:

«أن صحيح الكابلي يمكن أن يكون من المتشابه الذي ينبغي أن يردّ علمه إليهم «ع» ... و أن المشهور أعرضوا عنه.» «3»

و لم يظهر لي وجه التشابه فيه، و قد مرّ في المسألة السادسة شرح الحديث و أن المشهور من قدمائنا أفتوا بمضمونه.

و يمكن أن يقال كما مرّ: إن

مساق صحيحتي الكابلي و عمر بن يزيد هو بعينه مساق صحيحة سليمان بن خالد، إذ مفاد الجميع فرض الطسق للمالك، غاية

______________________________

(1)- المسالك 2/ 288.

(2)- الجواهر 38/ 25.

(3)- الجواهر 38/ 23.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 249

الأمر أن المالك في الصحيحتين هو الإمام و في صحيحة سليمان غيره على الظاهر و يحتمل فيها أيضا إرادة الإمام كما مرّ.

و لا نرى إجمالا في صحيحة معاوية بن وهب و لا في غيرها.

هذا مضافا إلى أن عمومات أخبار الإحياء و لا سيما مثل قوله «ع» في موثقة محمد بن مسلم: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحق بها و هي لهم» تشمل المقام أيضا، و لا ينافي هذا وجوب الطسق للمالك كما في مورد الموثقة أعني أراضي أهل الذمّة، فتأمّل.

و رقبة الأرض و إن فرض نسبتها إلى شخص خاص و اختصاصها به إجمالا، لكن الأرض و ما فيها وضعت للأنام و تعطيلها و احتكارها يضرّ بالمجتمع، فلا يظن بالشرع و العقلاء إجازة تعطيلها و ترك استثمارها عمدا.

فالحكم بجواز إحيائها و أحقية المحيي بها مع إيجاب الطسق للمالك جمع بين الحقين و لا يبعد صدوره من قبل اللّه- تعالى- مولى الموالي حسبة. و قد مرّ خبر يونس، عن العبد الصالح «ع»، قال: «إن الأرض للّه- تعالى- جعلها وقفا على عباده، فمن عطّل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده و دفعت إلى غيره ...» «1»

و بالجملة، فيمكن أن يكون حكم أرض الغير يخالف حكم سائر الأموال، و الاحتياط يقتضي إحالة ذلك في كل عصر إلى حاكم المسلمين و سائسهم كما أشار إليه في الدروس، فتدبّر.

و الأولى نقل بعض كلمات الأعلام في المقام،

فنقول:

1- قال الشيخ

في متاجر النهاية:

«و من أحيا أرضا ميتا كان أملك بالتصرف فيها من غيره، فإن كانت الأرض لها مالك معروف كان عليه أن يعطي صاحب الأرض طسق الأرض، و ليس للمالك انتزاعها من يده ما دام هو راغبا فيها.» «2»

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 345، الباب 17 من أبواب كتاب إحياء الموات، الحديث 1.

(2)- النهاية/ 420.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 250

و قد يظن وجود قريب من هذه العبارة في المبسوط أيضا كما يظهر مما مرّ من المسالك و لكن لم أقف على ذلك إلى الآن.

2- نعم، في زكاة المبسوط في الأرض التي أسلم أهلها طوعا، قال:

«فإن تركوا عمارتها و تركوها خرابا جاز للإمام أن يقبّلها ممن يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع، و كان على المتقبل بعد إخراج حق القبالة و مئونة الأرض إذا بقي معه النصاب العشر أو نصف العشر، ثم على الإمام أن يعطي أربابها حق الرقبة.» «1»

3- و في جهاد الشرائع:

«خاتمة: كل أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام تقبيلها ممن يقوم بها، و عليه طسقها لأربابها. و كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها كان أحق بها، و إن كان لها مالك معروف فعليه طسقها.» «2»

4- و في جهاد المختصر النافع:

«و كل أرض ترك أهلها عمارتها فللإمام تسليمها إلى من يعمرها، و عليه طسقها لأربابها. و كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها فهو أحق بها، و إن كان لها مالك فعليه طسقها له.» «3»

5- و في الدروس في شرائط التملك بالإحياء قال:

«و رابعها: أن لا يكون مملوكا لمسلم أو معاهد. فلو سبق ملك واحد منهما لم يصح الإحياء. نعم، لو تعطلت الأرض وجب عليه أحد

الأمرين إما الإذن لغيره أو الانتفاع، فلو امتنع فللحاكم الإذن و للمالك طسقها على المأذون، و لو تعذر الحاكم فالظاهر جواز الإحياء مع الامتناع من الأمرين و عليه طسقها.» «4»

______________________________

(1)- المبسوط 1/ 235.

(2)- الشرائع 1/ 323 (- ط. أخرى/ 247).

(3)- المختصر النافع/ 114.

(4)- الدروس/ 292.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 251

أقول: قد اختلفت كلمات فقهائنا- رضوان اللّه عليهم- في أرض أسلم أهلها طوعا و تركها أهلها و لم يعمروها فخربت فقال بعضهم: إن الإمام يقبّلها ممن يعمرها و كانت للمسلمين. و قال بعضهم: عليه طسقها لأربابها. و يظهر من بعضهم الجمع بين الحقين أعني كون الحاصل للمسلمين مع وجوب الطسق لأربابها أيضا.

قال العلامة في جهاد المختلف:

«أرض من أسلم أهلها عليها طوعا ملك لهم يتصرفون فيها كيف شاءوا، فإن تركوا عمارتها يقبلها الإمام من يعمرها و يعطي صاحبها طسقها و أعطى المتقبل حصته، و ما يبقى فهو متروك لمصالح المسلمين في بيت ما لهم. قاله الشيخ و أبو الصلاح ...» «1»

و أنكر ابن إدريس جواز التصرف أصلا فقال في أحكام الأرضين من السرائر:

«ضرب منها أسلم أهلها عليها طوعا ... فإن تركوها خرابا أخذها إمام المسلمين و قبّلها من يعمرها و أعطى أصحابها طسقها و أعطى المتقبل حصته، و ما يبقى فهو متروك لمصالح المسلمين في بيت ما لهم على ما روي في الأخبار. أورد ذلك شيخنا أبو جعفر. و الأولى عندي ترك العمل بهذه الرواية، فإنها تخالف الأصول و الأدلة العقلية و السمعية، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه و لا التصرف فيه بغير إذنه و اختياره، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد.» «2»

و قال العلامة في المختلف بعد نقل

الأقوال:

«و الأقرب ما اختاره الشيخ. لنا أنه أنفع للمسلمين و أعود عليهم فكان سائغا، و أيّ عقل يمنع من الانتفاع بأرض يترك أهلها عمارتها و إيصال أربابها حق الأرض؟

مع أن الروايات متظاهرة بذلك: روى صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد بن أبي نصر، قالا: ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر مما سقي بالسماء و الأنهار، و نصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها. و ما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبّله ممن

______________________________

(1)- المختلف 1/ 332.

(2)- السرائر/ 110.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 252

يعمره و كان للمسلمين، و على المتقبلين في حصصهم العشر أو نصف العشر.» و في الصحيح، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا «ع» الخراج و ما سار به أهل بيته فقال: «العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره، و كان للمسلمين».» «1»

أقول: الخبران ذكرهما في جهاد الوسائل «2»، و يحتمل اتحادهما و قد مضى شرحهما في بحث الأراضي المفتوحة عنوة. «3»

و أنت ترى أنه ليس فيهما ذكر من أداء الطسق لصاحب الأرض، و أظنّ أن المراد بما لم يعمروه فيهما أرض الموات الموجودة في بلاد الكفر، و واضح أنها من الأنفال فتكون من الأموال العامة و تكون تحت اختيار الإمام بما أنه إمام و سائس للمسلمين فيقبلها بما يرى و يصرف الحاصل في

مصالح المسلمين، فالاستدلال بهما لما أفتى به العلامة و غيره بلا وجه.

فلا يبقى للقول بجواز إحياء أرض الغير و وجوب أداء الطسق إليه إلا صحيحة سليمان بن خالد و الحلبي، بناء على كون المراد بحقه الطسق فتكون إمضاء لأصل الإحياء، و لكن من المحتمل أن يراد به أصل الأرض و لا سيما بنقل الحلبي: «فليردّ إليه حقّه»، فلا إمضاء. نعم، للحاكم الإسلامي إعمال ذلك ولاية و حسبة للشخص و للأمة كما مرّ.

هذا كله فيما إذا كان صاحب الأرض التي صارت مواتا معلوما معيّنا.

القسم الثاني من الأرض التي عرضها الموت: ما كان صاحبها غير معلوم،
اشارة

و

المفروض عدم إحراز بياد الأهل أو إعراضه بالكلية،

فمقتضى القاعدة أن يقال:

______________________________

(1)- المختلف 1/ 332 (مع سقط في الرواية الثانية وقع من قلم الناسخ).

(2)- الوسائل 11/ 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث 1 و 2.

(3)- راجع 3/ 192- 195 من الكتاب.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 253

إن قلنا بأن الصاحب لم يكن مالكا لنفس الرقبة لزم القول برجوعها إلى الإمام بالكلية و شملها أدلة الإذن في الإحياء، إذ المفروض زوال علة الاختصاص السابق و هو الإحياء. و كون علة الحدوث علة للبقاء أيضا يحتاج إلى عناية زائدة و دليل قطعي. بل الظاهر أن موضوع الحق هو آثار الإحياء السابق و المفروض زوالها بالكلية.

و أما إن قلنا بأن صاحبها كان مالكا لنفس الرقبة فالقاعدة تقتضي بقاءها في ملكه و كونها محكومة بحكم مجهول المالك كالأرض المحياة و غيرها من الأموال إذا فرض جهل مالكها، فإنّ طبع الملكية كما مرّ هو الدوام و الاستمرار مع بقاء الموضوع إلّا أن تنتقل إلى الغير بإحدى النواقل الشرعية.

و المستفاد من الأخبار و الفتاوى في المال الذي جهل مالكه

أو عرف و لم يمكن إيصاله إليه أنه يتصدق به عن صاحبه. و الأحوط بل الأقوى أن يكون هذا بإذن المجتهد الجامع لشرائط الحكم، لأنه وليّ الغائب، و لأنه مقتضى الجمع بين ما دلّ على التصدق به- كما في أخبار كثيرة متفرقة في الأبواب المختلفة و منها خبر يونس عن الرضا «ع» فيمن أصاب معه بعض متاع من رافقه بمكة و لا يعرف بلده- و بين ما دلّ على كونه للإمام كقول أبي عبد اللّه «ع» في رواية داود بن يزيد: «ما له صاحب غيري»، و قول أبي الحسن «ع» في رواية محمد بن القاسم بن الفضيل:

«ما أعرفك لمن هو» يعني نفسه، فراجع

الوسائل. «1»

[كلمات الفقهاء في المقام]

و لعله لذا قال في الشرائع:

«و كل أرض جرى عليها ملك لمسلم فهي له أو لورثته بعده، و إن لم يكن لها مالك معروف معين فهي للإمام- عليه السلام-، و لا يجوز إحياؤها إلّا بإذنه.» «2»

فتحمل الأرض في كلامه- قدّس سرّه- على الأعم من الحية و الميتة كما هو الظاهر من إطلاقه، و ليس الذيل قرينة على إرادة خصوص الميتة بل بيان لحكم قسم منها. و يراد بقوله: «فهي للإمام» كونها تحت اختياره و تصرفه لا كونها ملكا

______________________________

(1)- الوسائل 17/ 357، الباب 7 من أبواب كتاب اللقطة، الحديث 1؛ و الوسائل 17/ 585، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه، الحديث 12.

(2)- الشرائع 3/ 272 (- ط. أخرى/ 792، الجزء 4).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 254

لشخصه، و هذا صادق في الأنفال و في مجهول المالك كليهما على وزان واحد لما مرّ من أن الأنفال أيضا ليست ملكا لشخص الإمام.

و بهذا يظهر الإشكال على ما في المسالك في المقام، حيث قال:

«الحكم هنا مقيد بما لو كانت ميتة، إذ لو كانت حية فهي مال مجهول المالك، و حكمه خارج عن ملكيته للإمام له بالخصوص. فأما إذا كانت ميتة و الحال أنها كانت في الأصل مملوكة ثم جهل مالكها فهي للإمام.» «1»

أقول: على القول بمالكية الأول للرقبة و بقائها بعد الموت أيضا لا يبقى فرق بين الحية و الميتة في كونهما من مصاديق مجهول المالك. و ظاهر عبارة الشرائع أيضا التعميم.

و قد صرّح بهذا الإشكال في الجواهر أيضا ثم قال:

«اللّهم إلّا أن يثبت من الأدلة إخراج خصوص الأرض من بين مجهول المالك في كونها للإمام- عليه السلام-

و لو لاندراجها في الخربة التي ورد في النصوص أنها من الأنفال، أو فيما لا ربّ لها خصوصا مع عدم العلم بوجود المالك، أو قلنا بخروجها عن ملك الأول بالموت إذا فرض أن ملكه لها بالإحياء، و لكن قد عرفت ما في الأخير.» «2» هذا.

و يحتمل في عبارة الشرائع أن لا يجعل قوله: «و إن لم يكن لها مالك معروف» قسما من قوله: «و كل أرض جرى»، بل يجعل قسيما له و معطوفا عليه فيراد به الأرض الخربة التي باد أهلها و لم يعلم جريان ملك المسلم عليها. و قد مرّ في محله أن الموات بقسميه يكون من الأنفال و يكون للإمام أصليا كان أو عارضيا. و على هذا فلا إشكال. هذا.

و لكن ظاهر التذكرة تقسيم ما جرى عليه ملك لمسلم إلى قسمين فقال كما مرّ:

«لو لم تكن الأرض التي في بلاد الإسلام معمورة في الحال و لكنها كانت قبل ذلك

______________________________

(1)- المسالك 2/ 288.

(2)- الجواهر 38/ 27.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 255

معمورة جرى عليها ملك مسلم فلا يخلو إما أن يكون المالك معينا أو غير معين، فإن كان معينا ... و إن كان المالك لهذه الأرض السابق غير معين ثم خربت و زالت آثار العمارة منها فإنها للإمام عندنا و لا يجوز لأحد إحياؤها إلّا بإذنه، فإن بادر إليها إنسان و أحياها من دون إذنه لم يملكها، و لو كان الإحياء حال غيبة الإمام «ع» كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فزالت آثارها فأحياها غيره ملكها، فإذا ظهر الإمام «ع» يكون له رفع يده عنها لما تقدم.

و اختلفت العامة: فقال أبو حنيفة: إنها تملك

بالإحياء، و به قال مالك، لما تقدم من عموم الأخبار، و لأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم فأشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك، و لأنها إن كانت في أرض دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام، و إن كانت في أرض دار الكفر فهي كالركاز. و للشافعي قولان. هذا أحدهما لما تقدم، و الثاني: أنه لا يجوز إحياؤها، لقوله «ع»: «من أحيا أرضا في غير حق مسلم فهو أحق بها.» قيد بقوله: «في غير حق مسلم.» و لأن هذه الأرض لها مالك فلا يجوز إحياؤها كما لو كان معينا. و عن أحمد روايتان كالقولين ...» «1»

أقول: و قد مرّت في صدر المسألة عبارتا المبسوط و المهذب و عبارة أخرى للتذكرة أيضا في حكم ما لو لم يكن صاحبها معينا و أنه يجوز إحياؤها بإذن الإمام، فراجع.

و في المغني لابن قدامة:

«النوع الثالث: ما جرى عليه الملك في الإسلام لمسلم أو ذمي غير معين فظاهر كلام الخرقي أنها لا تملك بالإحياء و هو إحدى الروايتين عن أحمد ... لما روى كثير بن عبد اللّه بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «من أحيا أرضا مواتا في غير حق مسلم فهي له.» فقيده بكونه في غير حق مسلم، و لأن هذه الأرض لها مالك فلم يجز إحياؤها كما لو كان معينا، فإن مالكها إن كان له ورثة فهي لهم و إن لم يكن له ورثة ورثها المسلمون. و الرواية الثانية أنها تملك بالإحياء. نقلها صالح و غيره، و هو مذهب أبي حنيفة و مالك، لعموم

______________________________

(1)- التذكرة 2/ 401.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 256

الأخبار، و

لأنها أرض موات لا حق فيها لقوم بأعيانهم أشبهت ما لم يجر عليه ملك مالك، و لأنها إن كانت في دار الإسلام فهي كلقطة دار الإسلام و إن كانت في دار الكفر فهي كالركاز.» «1»

[الذي يختلج بالبال عاجلا]

أقول: و الذي يختلج بالبال عاجلا أنه إن اندرست الآثار بالكلية و تقادم عهدها و انقطع ارتباطها بملاكها عرفا- و إن فرض احتمال وجود الوارث الشرعي لها بوسائط في خلال المجتمع- كانت من الأنفال و محكومة بحكمها، لصدق بياد الأهل عليها عرفا فتشملها أدلته التي مرّت.

و أما إن لم يتقادم عهدها بملاكها بل كانت بحيث يصدق عليها كونها لمالك مجهول فالظاهر كونها محكومة بحكمه، و لا دليل على افتراق حكم الأرض عن غيرها من الأموال التي جهل مالكها. هذا.

و قد طال البحث في مسألة الأراضي و إحيائها. و محل بحث هذه المسائل كتاب إحياء الموات، و إنما تعرضنا لبعضها هنا استطرادا، فراجع مظانّها.

______________________________

(1)- المغني 6/ 149.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 257

الفصل السادس في إشارة إجمالية إلى حكم سائر الضرائب

اشارة

التي ربما تمسّ الحاجة إلى تشريعها و وضعها زائدا على الزكوات و الأخماس و الخراج و الجزايا المعروفة المشروعة

لا يخفى أن الظاهر من بعض الأخبار حرمة وضع العشور و الكمارك و نحوها و ذمّ الماكسين و العشّارين. و لكن المستفاد من بعض الروايات جواز وضع العشور على تجار اليهود و النصارى، و أنها كانت تؤخذ من تجار أهل الذمة و أهل الحرب، بل و تجّار المسلمين أيضا. و قد استقرت السيرة على أخذ العشور و الكمارك في عصر الخلفاء إلى عصرنا هذا و وضع الضرائب و الماليات على أهل المكنة و المستغلّات و الحرف حسب إمكاناتهم في البلاد الإسلامية. و لا شك أن إدارة شئون البلاد لا يمكن إلّا بتشريع نظام مالي كافل لسدّ جميع الخلّات. و لا يكفي في ذلك ما نعرفه من الأخماس و الزكوات و نحوها.

اللّهم إلّا أن يؤخذ بما احتملناه سابقا في بحث

الزكاة من إحالة تعيين ما فيه الزكاة إلى حكّام العصر الواجدين للشرائط فيدخل فيها كل ما شرّع من قبلهم في كل عصر و مكان حسب الإمكانات و الشرائط و الحاجات.

و كيف كان فلنبحث هنا أيضا في جهات:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 258

الجهة الأولى: في التعرض لأخبار متفرقة يظهر منها إجمالا ذمّ العشّارين:
[ذمّ العشّارين]

و هذا السنخ من الأخبار كثير جدّا في كتب الفريقين نقتصر هنا على ذكر بعضها:

1- ففي نهج البلاغة مخاطبا لنوف البكالي: «يا نوف، إن داود- عليه السلام- قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلّا استجيب له إلّا أن يكون عشّارا أو عريفا أو شرطيّا أو صاحب عرطبة- و هي الطنبور- أو صاحب كوبة- و هي الطبل.» «1»

و رواها في مصادر نهج البلاغة عن الخصال و كمال الدين للصدوق و المجالس للمفيد و حلية الأولياء و تاريخ بغداد و تاريخ دمشق و دستور معالم الحكم و كنز الفوائد، فراجع. «2»

أقول: العشّار لا يتعين فيمن يأخذ العشور المحرمة، بل كان يطلق العشر كثيرا على الصدقات الواجبة كما يظهر من الأخبار، اللّهم إلّا أن يقال بانصراف لفظ العشّار إلى خصوص الآخذين للعشور غير المشروعة. و الحكومة الحقة مثل الباطلة لا بدّ لها من عشّار و شرطي و عريف، فيمكن أن يقال: إن هذه التعبيرات الواردة في الروايات مع غلظتها وردت لبيان خطورة هذه الحرف و لزوم الدقّة و الاحتياط فيها لكثرة وقوع الزلات فيها، و كل عشار رهين بحسن عمله و حساب ما جباه من الأموال، و الحساب رقيق دقيق. و يمكن أن يحمل أخبار الذمّ على خصوص الظالمين

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1134؛ عبده 3/ 174؛ لح/ 487، الحكمة 104.

(2)- راجع

مصادر نهج البلاغة 4/ 96 و 97.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 259

منهم في استيفاء الحقوق و هم كانوا كثيرين في تلك الأعصار كما سيأتي. و قد ورد نظير هذه التهديدات في العرافة كما مرّ في فصل الاستخبارات. و مع ذلك وردت روايات كثيرة تدلّ على مشروعية العرافة و أنه لا بدّ منها، فراجع ما حرّرناه هناك.

و مثله الشرطي أيضا.

2- و في البحار عن أمالي الصدوق بسنده عن نوف البكالي، قال: قال أمير المؤمنين «ع»: «يا نوف، اقبل وصيّتي: لا تكونن نقيبا و لا عريفا و لا عشّارا و لا بريدا.» «1»

3- و فيه أيضا عن الخصال بسنده عن نوف، قال: قال: أمير المؤمنين «ع»:

«يا نوف، إيّاك أن تكون عشّارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هي الطبل، فإن نبي اللّه «ع» خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال: إنها الساعة التي لا يردّ فيها دعوة إلّا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر أو شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة.» «2»

4- و فيه أيضا عن الخصال بسنده، قال: قال رسول اللّه «ص»: «لا يدخل الجنّة مدمن خمر ... و لا عشّار و لا قاطع رحم و لا قدري.» «3»

5- و فيه أيضا عن ثواب الأعمال في حديث عن رسول اللّه «ص»: «على العشّار كل يوم و ليلة لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، و من يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا.» «4»

6- و في مسند أحمد بسنده عن الحسن، قال: مرّ عثمان بن أبي العاص على كلاب بن أميّة و هو جالس على مجلس العاشر بالبصرة

فقال: ما يجلسك هاهنا؟

قال: استعملني هذا على هذا المكان يعني زيادا. فقال له عثمان: أ لا أحدّثك

______________________________

(1)- بحار الأنوار 72/ 343 (- ط. إيران 75/ 343)، الباب 81 من أبواب كتاب العشرة، الحديث 33.

(2)- بحار الأنوار 72/ 342 (- ط. إيران 75/ 342)، الباب 81 من أبواب كتاب العشرة، الحديث 30، عن الخصال/ 338، باب الستة، الحديث 40.

(3)- بحار الأنوار 72/ 343 (- ط. إيران 75/ 343)، الباب 81 من أبواب كتاب العشرة، الحديث 32.

(4)- بحار الأنوار 73/ 369 (- ط. إيران 76/ 369)، الباب 67 من كتاب الآداب و السنن، الحديث 30.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 260

حديثا سمعته من رسول اللّه «ص»؟ قال: بلى. فقال عثمان: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: كان لداود نبي اللّه- عليه السلام- من الليل ساعة يوقظ فيها أهله فيقول: يا آل داود، قوموا فصلّوا، فإن هذه ساعة يستجيب اللّه فيها الدعاء إلّا لساحر أو عشّار.

فركب كلاب بن أميّة سفينته فأتى زيادا فاستعفاه فأعفاه. «1»

7- و في المسند أيضا بسنده عن مالك بن عتاهية، قال: سمعت النبي «ص» يقول: «إذا لقيتم عشارا فاقتلوه.» ثم حكى عن قتيبة بن سعيد قال: «يعني بذلك الصدقة يأخذها على غير حقها.» «2»

و روى الرواية مع التفسير أبو عبيد في الأموال أيضا، و رواها أيضا بلفظ آخر عنه «ص» قال: «من لقي صاحب عشور فليضرب عنقه.» «3»

أقول: قال ابن الأثير في النهاية:

«فيه: إن لقيتم عاشرا فاقتلوه. أي إن وجدتم من يأخذ العشر على ما كان يأخذه أهل الجاهلية مقيما على دينه فاقتلوه لكفره أو لاستحلاله لذلك إن كان مسلما و أخذه مستحلا و تاركا فرض اللّه و هو

ربع العشر. فأما من يعشرهم على ما فرض اللّه- تعالى- فحسن جميل. و قد عشر جماعة من الصحابة للنبي «ص» و للخلفاء بعده.» «4»

8- و في المسند أيضا بسنده عن عقبة بن عامر الجهني، قال: سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «لا يدخل الجنة صاحب مكس.» يعني العشّار. «5»

و رواه أيضا أبو عبيد بلا تفسير. و رواه الدارمي أيضا في سننه. و رواه أيضا أبو داود في السنن ثم روى عن ابن إسحاق قال: «الذي يعشر الناس يعني صاحب المكس.» «6»

______________________________

(1)- مسند أحمد 4/ 22.

(2)- مسند أحمد 4/ 234.

(3)- الأموال/ 634.

(4)- النهاية لابن الأثير 3/ 238.

(5)- مسند أحمد 4/ 143 و 150.

(6)- راجع الأموال/ 632؛ و سنن الدارمي 1/ 393، باب كراهية أن يكون الرجل عشّارا؛ و سنن أبي داود 2/ 120، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في السعاية على الصدقة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 261

و في النهاية:

«فيه: لا يدخل الجنة صاحب مكس. المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس و هو العشّار.» «1»

9- و في المسند أيضا بسنده عن أبي الخير، قال: عرض مسلمة بن مخلد، و كان أميرا على مصر، على رويفع بن ثابت أن يولّيه العشور فقال: إني سمعت رسول اللّه «ص» يقول: «إن صاحب المكس في النار» و رواه أيضا أبو عبيد. «2»

أقول: لا دلالة في هذا القبيل من الأخبار على إرادة الجباة للعشور غير المشروعة فقط، بل لعل المراد بالعشور فيها الزكوات المقدرة شرعا بالعشر و نصف العشر و ربع العشر، و وردت هذه الأخبار للإشارة إلى ما كان عليه غالب العشّارين في تلك الأعصار من الظلم و الإجحاف و الاعتداء، و المطالبة ثانيا ممن

أدّى زكاة ماله، و أخذ الزيادة باسم الهدايا و نحو ذلك، و لعلّ كلمة المكس مأخوذة من المماكسة فإنهم كانوا يماكسون الناس في أخذ الزيادة:

قال شمس الدين السرخسي في المبسوط:

«العاشر من ينصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار و تأمن التجار بمقامه من اللصوص ... و الذي روي من ذمّ العشّار محمول على من يأخذ مال الناس ظلما كما هو في زماننا دون من يأخذ ما هو حق و هو الصدقة.» «3»

و في خراج أبي يوسف قال: «حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميد الساعدي، قال: استعمل النبي «ص» رجلا يقال له ابن اللتبية على صدقات بني سليم، فلما قدم قال: هذا لكم و هذا اهدي إليّ. قال: فقام النبي «ص» على المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه، ثم قال: «ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم و هذا أهدي إليّ،

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 4/ 349.

(2)- مسند أحمد 4/ 109؛ و الأموال/ 632.

(3)- المبسوط 2/ 199، كتاب الزكاة، باب العشر.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 262

أ فلا قعد في بيت أبيه و بيت أمّه حتى ينظر أ يهدى إليه أم لا؟ و الذي نفسي بيده لا يأخذ منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته: إما بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر.» ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، فقال: اللّهم هل بلّغت؟» «1» و روى نحو ذلك مسلم في صحيحه. «2»

أقول: الرغاء: صوت الإبل، و اليعار: صوت الشاة. و هذا الحديث و نحوه إخطار و تهديد بالنسبة إلى من يستفيد من موقعيته الاجتماعية و السياسية استفادة شخصية و يزعم أنها

محلّلة له.

و في الأموال لأبي عبيد بسنده، قال:

«كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطاة: «أن ضع عن الناس الفدية، وضع عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس و ليس بالمكس، و لكنه البخس الذي قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ، وَ لٰا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»* فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه، و من لم يأتك بها فاللّه حسيبه.» «3»

فيظهر من هذه الروايات أن الإجحاف و الاعتداء على الناس في أخذ الصدقات كان متعارفا في تلك الأعصار. و الناس عبيد الدنيا إلّا من عصم اللّه، و لعل الأمر بقتل العاشر فيما مرّ من حديث النبي «ص» أيضا كان يراد به قتل من بلغ منهم حدّ الإفساد. و أما من يطمئن من نفسه بالاحتياط و التقوى و رعاية حال الضعفاء فتصدّيه لجباية الصدقات و الأموال الشرعية و الضرائب يكون مرغوبا فيه شرعا بل ربما يجب مع التعين.

و في خراج أبي يوسف بسنده عن رافع بن خديج، قال: قال رسول اللّه «ص»:

«العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل اللّه.» «4»

و رواه الحاكم في المستدرك بسنده، عن رافع، عنه «ص» و زاد في آخره: «حتى

______________________________

(1)- كتاب الخراج/ 82.

(2)- صحيح مسلم 3/ 1463، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمّال، الحديث 1832.

(3)- الأموال/ 633.

(4)- الخراج/ 81.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 263

يرجع إلى بيته.» و قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. «1» هذا.

و أما ما ورد في أخبارنا من الحلف كاذبا للعشّارين

لتخليص المال منهم:

1- كما في صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: «نمرّ بالمال على العشّار فيطلبون منّا أن نحلف لهم و يخلّون سبيلنا و لا يرضون منّا إلا بذلك، قال: فاحلف لهم فهو أحلّ (أحلى خ.

ل) من التمر و الزبد.» «2»

2- و في خبر الحلبي أنه سأل أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل يحلف لصاحب العشور يجوز (يحرز خ. ل) بذلك ماله؟ قال: نعم.» «3»

3- و في خبر معمر بن يحيى، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: إن معي بضائع للناس و نحن نمرّ بها على هؤلاء العشّار فيحلفونا عليها فنحلف لهم؟ فقال: «وددت أني أقدر على أن أجيز أموال المسلمين كلها و أحلف عليها، كلّ ما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقية.» «4»

4- و في خبر إسماعيل الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر «ع»: «أمرّ بالعشّار و معي المال فيستحلفوني فإن حلفت تركوني و إن لم أحلف فتشوني و ظلموني؟ فقال:

«احلف لهم. قلت: إن حلفوني بالطلاق؟ قال: فاحلف لهم. قلت: فإن المال لا يكون لي؟ قال: تتقي مال أخيك.» «5» و نحوه صحيح إسماعيل الجعفي «6». إلى غير ذلك من الأخبار، فالظاهر أن هذا كان من جهة كونهم عشّارين لحكومات الجور و كان أداء المال لهم تقوية لهم فكان الأولى تخليص المال منهم حتى الزكوات الواجبة، فتدبّر.

______________________________

(1)- مستدرك الحاكم 1/ 406، كتاب الزكاة.

(2)- الوسائل 16/ 135، الباب 12 من كتاب الأيمان، الحديث 6.

(3)- الوسائل 16/ 135، الباب 12 من كتاب الأيمان، الحديث 8.

(4)- الوسائل 16/ 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، الحديث 16.

(5)- الوسائل 16/ 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، الحديث 17.

(6)- الوسائل 15/ 298، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، الحديث 5.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 264

الجهة الثانية: في التعرض لبعض كلمات الأعلام و للأخبار الواردة في العشور:
[الكلمات]

1- قال الشيخ في كتاب الجزية من الخلاف (المسألة 15):

«إذا دخل حربيّ دار الإسلام أو أهل الذمّة دخلوا الحجاز من غير

شرط لما يؤخذ منهم فإنه لا يؤخذ منهم شي ء و هو ظاهر مذهب الشافعي، و في أصحابه من قال:

يؤخذ من الذمي إذا دخل الحجاز سوى الحرم نصف العشر، و في الحربي إذا دخل دار الإسلام العشر. و قال أبو حنيفة: يؤخذ منهم ما يأخذون هم من المسلمين إذا دخلوا دار الحرب: فإن عشروهم عشرناهم و إن أخذوا منهم نصف العشر فمثل ذلك. و إن عفوا عنهم عفونا عنهم.

دليلنا أن الأصل براءة الذمة و تقدير ما يؤخذ منهم يحتاج إلى شرع أو شرط، و ليس هاهنا واحد منهما.» «1»

2- و في الجزايا من المبسوط:

«لا يجوز للحربي أن يدخل إلى دار الإسلام إلّا بإذن الإمام. و يجوز أن يدخلها بغير إذنه لمصلحة من أداء رسالة أو عقد هدنة و ما أشبه ذلك ...

فأما إن استأذن في الدخول فإن كان في رسالة بعقد هدنة أو أمان إلى مدة ترك بغير عوض. و إن كان لنقل ميرة إلى المسلمين بهم غنى عنها أو لتجارة لم يجز تركه إلا بعوض يشرط عليه حسب ما يراه الإمام من المصلحة سواء كان عشرا أو أقلّ أو أكثر ...

و أما أهل الذمة إذا اتجروا في سائر بلاد الإسلام ما عدا الحجاز لم يمنعوا من ذلك

______________________________

(1)- الخلاف 3/ 240.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 265

لأنه مطلق لهم و يجوز لهم الإقامة فيها ما شاءوا. و أما الحجاز فلا يدخلون الحرم منه على حال و ما عداه على ما قدّمناه في دخول أهل الحرب بلاد الإسلام في أكثر الأحكام ...

إذا دخل أهل الذمة الحجاز، أو أهل الحرب دخلوا بلد الإسلام من غير شرط فإن للإمام أن يأخذ منهم مثل

ما لو دخلوها بإذن. و قيل: ليس له أن يأخذ منهم شيئا و هو قوي لأن الأصل براءة الذمة. و قيل إنهم يعاملون بما يعامل المسلمون إذا دخلوا بلاد الحرب سواء.

إذا اتجر أهل الذمة في الحجاز فإنه يؤخذ منهم ما يجب عليهم في السنة مرة واحدة بلا خلاف. و أما أهل الحرب إذا اتجروا في بلاد الإسلام فالأحوط أن يؤخذ منهم في كل دفعة يدخلونها لأنهم ربما لا يعودون. و قيل: إنه لا يؤخذ منهم إلّا في السنة دفعة واحدة و يكتب لهم براءة إلى مثله من الحول.» «1»

3- و قال العلامة في جهاد التذكرة:

«مسألة: مع أداء الجزية لا يؤخذ سواها، سواء اتجروا في بلاد الإسلام أو لم يتجروا إلا في أرض الحجاز على ما يأتي، و به قال الشافعي لقوله- تعالى-: «حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ.» جعل إباحة الدم ممتدا إلى إعطاء الجزية، و ما بعد الغاية يخالف ما قبلها.

و ما رواه العامة من قوله «ص»: «فادعهم إلى الجزية فإن أجابوك فدعهم و كف عنهم.» و من طريق الخاصة رواية محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر «ع» في أهل الجزية أ يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال: لا. «2» و قال أحمد:

إذا خرج من بلده إلى أيّ بلد كان من بلاد الإسلام تاجرا أخذ منه نصف العشر لقوله «ع»: «ليس على المسلمين عشور، إنما العشور على اليهود و النصارى.»

و يحتمل أن يطلق لفظ العشور على الجزية أو يحمل على المتّجرين بأرض الحجاز.» «3»

و ذكر نحو ذلك في المنتهى أيضا، فراجع «4».

______________________________

(1)- المبسوط 2/ 48.

(2)- الوسائل 11/ 115، الباب 68 من أبواب جهاد العدوّ ...، الحديث 4.

(3)- التذكرة 1/ 442.

(4)- المنتهى 2/

967.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 266

أقول: و استثناء أرض الحجاز من جهة كونهم ممنوعين من دخولها فإن دخلوها صاروا بحكم أهل الحرب، كما يأتي في عبارته الآتية.

4- و في التذكرة أيضا:

«إذا استأذن الحربي في دخول دار الإسلام أذن له الإمام إن كان يدخل للرسالة أو حمل ميرة أو متاع تشتدّ حاجة المسلمين إليه، و لا يجوز توظيف مال على الرسول و المستجير لسماع كلام اللّه- تعالى- فإن لهما الدخول من غير إذن. و إن كان يدخل لتجارة لا تشتدّ الحاجة إليها فيجوز أن يأذن له، و يشترط عليه عشر ما معه من مال التجارة لأنه لما ارتفق بالتجارة جعل عليه في مقابلة إرفاقه شي ء. و إنما يؤخذ العشر من مال التجارة و لا يعشر ما معه من ثوب و مركوب. و للشافعية و جهان في أنه هل يجوز للإمام أن يزيد المشروط على العشر، أصحّهما عنده الجواز. و كذا يجوز نقصها فيرد العشر إلى نصف العشر فما دون خصوصا فيما تكثر حاجة المسلمين إليه كالميرة ...

و أما الذمي فله أن يتجر فيما سوى الحجاز من بلاد الإسلام و لا يؤخذ من تجارته شي ء إلّا أن يشترط عليه مع الجزية. ثم الذمي في بلد الحجاز كالحربي في بلد الإسلام. و لا يؤخذ منهما في كل حول إلا مرّة واحدة إذا كان يدور في بلاد الإسلام تاجرا و يكتب له و للذمي براءة حتى لا يطالب في بلد آخر قبل مضيّ الحول ...

فأما إذا أذن للحربي في دخول دار الإسلام أو الذمي في دخول الحجاز بلا شرط فوجهان: أحدهما يؤخذ حملا للمطلق على المعهود، و الثاني المنع لأنهم لم يلتزموا.

و قال

أبو حنيفة: إن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخلوا دارهم تجارا أخذ منهم مثل ما يأخذون و إن لم يشترط، و إلّا فلا يؤخذ منهم. و اعترض عليه بأنه مجازاة غير الظالم ...» «1»

5- و قال في المنتهى:

«لا يجوز لأهل الحرب أن يدخلوا بلاد الإسلام إلا بإذن الإمام ... و أما إذا كان

______________________________

(1)- التذكرة 1/ 444.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 267

تاجرا لا يحتاج المسلمون إلى تجارته كالبرّ و العطر و غير ذلك لم يأذن له إلّا بعوض يشترط عليه بحسب ما يراه الإمام من مصلحة من قليل أو كثير سواء كان عشر أموالهم أو لم يكن، و لو أذن لهم بغير عوض للمصلحة جاز لأن ذلك إلى اجتهاده.

و لو أذن لهم في الدخول مطلقا و لم يشترط العوض و لا عدمه فللشافعي قولان. أحدهما:

أنه ليس له أن يطالبهم بالعوض لأنه لم يشترطه عليهم فلم يستحق كما لو أذن لهم بغير عوض. و الثاني: يؤخذ منهم العشر لأن مطلق الإذن يحمل على المعهود في الشرع، و قد أخذ عمر منهم فيؤخذ ذلك. و قوى الشيخ «ره» الأول و هو جيّد عملا ببراءة الذمة و عدم المعارض. و قال أبو حنيفة: ينظر الإمام فإن كانوا يأخذون من المسلمين إذا دخل عليهم العشر أخذ منهم مثله و إن لم يأخذه شيئا لم يعشرهم لأنهم إذا فعلوا ذلك فقد رضوا به. و قال أحمد: يؤخذ منهم العشر مطلقا لأن عمر أخذ العشر و لم ينقل أنه شرط ذلك عليهم، و اشتهر ذلك بين الصحابة و عمل به الخلفاء بعده فكان إجماعا. و نحن نمنع ذلك مطلقا ...» «1»

6- و في خراج أبي

يوسف:

«أما العشور فرأيت أن تولّيها قوما من أهل الصلاح و الدين و تأمرهم أن لا يتعدّوا على الناس فيما يعاملونهم به فلا يظلموهم و لا يأخذوا منهم أكثر مما يجب عليهم ... ثم يؤخذ من المسلمين ربع العشر، و من أهل الذمة نصف العشر، و من أهل الحرب العشر من كل ما مرّ به على العاشر و كان للتجارة و بلغ قيمة ذلك مأتي درهم فصاعدا أخذ منه العشر، و إن كانت قيمة ذلك أقل من مأتي درهم لم يؤخذ منه شي ء. و كذلك إذا بلغت القيمة عشرين مثقالا أخذ منها العشر ... و إذا مرّ عليه بمأتي درهم مضروبة أو عشرين مثقالا تبرا أو مأتي درهم تبرا أو عشرين مثقالا مضروبة أخذ من ذلك ربع العشر من المسلم و نصف العشر من الذمي و العشر من الحربي ثم لا يؤخذ منها شي ء إلى مثل ذلك الوقت من الحول و إن مرّ بها غير مرّة.

______________________________

(1)- المنتهى 2/ 971.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 268

و كذا إذا مرّ بمتاع قد اشتراه للتجارة فإن كان المتاع يساوي مأتي درهم أو عشرين مثقالا أخذ منه ...

و ما لم يكن من مال التجارة و مرّوا به على العاشر فليس يؤخذ منه شي ء ... قال:

و يعشر الذمي التغلبي، و الذمي من أهل نجران كسائر أهل الذمة من أهل الكتاب في أخذ نصف العشر منهم. و المجوس و المشركون في ذلك سواء. قال: و إذا مرّ التاجر على العاشر بمال أو بمتاع و قال: قد أدّيت زكاته و حلف على ذلك فإن ذلك يقبل منه و يكفّ عنه، و لا يقبل في هذا من الذمي و

لا من الحربي لأنه لا زكاة عليهما يقولان قد أدّيناها ...

قال أبو يوسف: فإن عمر بن الخطاب وضع العشور، فلا بأس بأخذها إذا لم يتعدّ فيها على الناس و يؤخذ بأكثر مما يجب عليهم. و كل ما أخذ من المسلمين من العشور فسبيله سبيل الصدقة و سبيل ما يؤخذ من أهل الذمة جميعا و أهل الحرب سبيل الخراج ...» «1»

أقول: لا يخفى أن أبا يوسف تلميذ أبي حنيفة و مع ذلك لم يفرق في كلامه بين أخذهم من المسلمين و عدمه كما مرّ عن أبي حنيفة و لا بين صورة الاشتراط و عدمه كما مرّ عن الشافعي و غيره، بل حكم بجواز الأخذ مطلقا كما عن أحمد.

7- و في أمّ الشافعي بعد نقل ما رواه مالك من أخذ عمر من النبط كما يأتي قال:

«لست أحسب عمر أخذ ما أخذ من النبط إلّا عن شرط بينه و بينهم كشرط الجزية، و كذلك أحسب عمر بن عبد العزيز أمر بالأخذ منهم، و لا يأخذ من أهل الذمة شيئا إلا عن صلح. و لا يتركون يدخلون الحجاز إلا بصلح و يحدّد الإمام فيما بينه و بينهم في تجاراتهم و جميع ما شرط عليهم أمرا يبين لهم و للعامة ليأخذهم به الولاة غيره.

و لا يترك أهل الحرب يدخلون بلاد المسلمين تجّارا فإن دخلوا بغير أمان و لا رسالة

______________________________

(1)- الخراج/ 132- 134.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 269

غنموا. و إن دخلوا بأمان و شرط أن يأخذ منهم عشرا أو أكثر أو أقل أخذ منهم. فإن دخلوا بلا أمان و لا شرط ردّوا إلى مأمنهم و لم يتركوا يمضون في بلاد الإسلام، و لا يؤخذ

منهم شي ء و قد عقد لهم الأمان إلا عن طيب أنفسهم، و إن عقد لهم الأمان على دمائهم لم يؤخذ من أموالهم شي ء إن دخلوا بأموال إلا بشرط على أموالهم أو طيب أنفسهم. قال الشافعي: و سواء كان أهل الحرب بين قوم يعشرون المسلمين إن دخلوا بلادهم أو يخمسونهم لا يعرضون لهم في أخذ شي ء من أموالهم إلا عن طيب أنفسهم أو صلح يتقدم منهم أو يؤخذ غنيمة أو فيئا إن لم يكن لهم ما يأمنون به على أموالهم.» «1»

8- و في المدوّنة الكبرى في فتاوى مالك:

«قلت: أ رأيت النصراني إذا تجر في بلدة ... فإذا خرج من بلدة إلى غيرها من بلاد المسلمين تاجرا لم يؤخذ منه مما حمل قليل و لا كثير حتى يبيع. فإن أراد أن يردّ متاعه إلى بلاد أو يرتحل به إلى بلاد أخرى فذلك له و ليس لهم أن يأخذوا منه شيئا إذا خرج من عندهم بحال ما دخل عليهم و لم يبع في بلادهم شيئا و لم يشتر عندهم شيئا.

فإن كان قد اشترى عندهم شيئا بمال ناضّ كان معه أخذ منه العشر مكانه من السلعة التي اشترى حين اشترى ... قلت: و إن دخل عليهم بغير مال ناضّ إنما دخل عليهم بلادهم بمتاع متى يؤخذ منه؟ فقال: إذا باعه. قلت: فإذا باعه أخذ منه العشر مكانه من ثمن المتاع؟ قال: نعم ... قلت: أ رأيت الذمي إذا خرج بمتاع إلى المدينة فباع بأقلّ من مأتي درهم أ يؤخذ منه العشر؟ فقال: نعم. قلت: فيؤخذ منه مما قلّ أو كثر؟ فقال: نعم. قلت: و هذا قول مالك؟ فقال: نعم.» «2»

أقول: فمالك جعل العشر في كل ما يبيعه أهل الذمة

أو يشتريه فيؤخذ منه فورا و لم يحدّد له نصابا.

9- و في مختصر الخرقي في فقه الحنابلة:

«و من يجز من أهل الذمة إلى غير بلده أخذ منه نصف العشر في السنة.» «3»

______________________________

(1)- الأمّ 4/ 125، كتاب الجزية، ذكر ما أخذ عمر من أهل الذمة.

(2)- المدوّنة الكبرى 1/ 240، تعشير أهل الذمة.

(3)- المغني لابن قدامة 10/ 597.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 270

قال ابن قدامة في شرح العبارة:

«اشتهر هذا عن عمر و صحت الرواية عنه به. و قال الشافعي: ليس عليه إلّا الجزية ...» «1»

و في المختصر أيضا:

«و إذا دخل إلينا منهم تاجر حربي بأمان أخذ منه العشر.»

و قال ابن قدّامة في شرح العبارة:

«و قال أبو حنيفة: لا يؤخذ منه شي ء إلا أن يكونوا يأخذون منّا شيئا فنأخذ منهم مثله ... و قال الشافعي: إن دخل إلينا بتجارة لا يحتاج إليها المسلمون لم يأذن له الإمام إلا بعوض يشرطه عليه و مهما شرط جاز، و يستحب أن يشترط العشر ليوافق فعله فعل عمر ... و لنا ما رويناه في المسألة التي قبلها، و أن عمر أخذ منهم العشر، و اشتهر ذلك فيما بين الصحابة، و عمل به الخلفاء الراشدون بعده و الأئمة بعده في كل عصر من غير نكير، فأيّ إجماع يكون أقوى من هذا؟ و لم ينقل أنه شرط ذلك عليهم عند دخولهم ...» «2»

10- و في بدائع الصنائع في فقه الحنفية:

«و أما القدر المأخوذ مما يمرّ به التاجر على العاشر فالمارّ لا يخلو إما أن كان مسلما أو ذميا أو حربيا، فإن كان مسلما يأخذ منه في أموال التجارة ربع العشر لأن المأخوذ منه زكاة ...

و إن كان

ذميا يأخذ منه نصف العشر و يؤخذ على شرائط الزكاة لكن يوضع موضع الجزية و الخراج و لا تسقط عنه جزية رأسه ...

و إن كان حربيا يأخذ منه ما يأخذونه من المسلمين فإن علم أنهم يأخذون منّا ربع العشر أخذ منهم ذلك القدر، و إن كان نصفا فنصف، و إن كان عشرا فعشرا ...

فإن كان لا يعلم ذلك يأخذ منه العشر.

و أصله ما روينا عن عمر أنه كتب إلى العشّار في الأطراف أن خذوا من المسلم

______________________________

(1)- المغني لابن قدامة 10/ 597.

(2)- المغني لابن قدامة 10/ 602.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 271

ربع العشر و من الذمي نصف العشر و من الحربي العشر، و كان ذلك بمحضر من الصحابة و لم يخالفه أحد منهم فيكون إجماعا منهم على ذلك. و روي أنه قال: «خذوا منهم ما يأخذون من تجّارنا.» فقيل له: إن لم ما يأخذون من تجارنا؟ فقال:

«خذوا منهم العشر.» و ما يؤخذ منهم فهو في معنى الجزية.» «1»

فهذه بعض كلمات الأعلام في المقام؛ فحكم البعض بجواز أخذ العشر أو نصف العشر أو ربع العشر مطلقا، و بعضهم بجواز الأخذ مع الاشتراط، و إلا فلا، و بعضهم بجواز الأخذ منهم إن أخذوا منّا، و بعضهم بالأخذ بعد البيع أو الشراء.

و ظاهر الجميع أن المأخوذ من المسلم زكاة مال التجارة المشروعة سنوية. و الأكثر استدلوا للمسألة بفعل عمر و قوله، فكأنه لم يثبت عندهم صحة الروايات المروية عن النبي «ص» في هذا المجال أو إطلاقها و سيأتي ذكرها.

و قد تعرض فقهاء السنة لفروع العشر و حكم العاشر في كتاب الزكاة أو باب الجزية من الجهاد، و أرادوا بالعاشر من نصبه الإمام

على الطريق ليأخذ الصدقات و العشور من المارّين بأموالهم مسلما كان المارّ أو ذميّا أو حربيا، فراجع مبسوط السرخسي و حاشية ابن عابدين «2» و غيرهما مما مرّ بعضها. و قد تعرضوا لذلك لما استمرّ عليه سيرة خلفائهم و حكامهم في مقام العمل.

و راجع لتفصيل المسألة أيضا كتاب آثار الحرب للدكتور وهبة الزحيلي. «3»

و أما الأخبار الواردة في العشور

و قد وردت من طرق السنة:

1- فروى أبو داود في كتاب الخراج من السنن بسنده، عن حرب بن عبيد اللّه، عن جدّه أبي أمّه، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه «ص»: «إنما العشور على اليهود

______________________________

(1)- بدائع الصنائع 2/ 38، كتاب الزكاة.

(2)- مبسوط السرخسي 2/ 199؛ و حاشية ابن عابدين 2/ 37 و ما بعدها، باب العاشر.

(3)- آثار الحرب/ 524 و ما بعدها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 272

و النصارى، و ليس على المسلمين عشور.» و روى بسند آخر عن حرب بن عبيد اللّه عن النبي «ص» بمعناه و قال: «خراج» مكان «العشور.» «1»

أقول: فالحديث على فرض صحته النقلان فيه يتعارضان و يتساقطان. و لعل المراد بالخراج فيه الجزية. و على فرض صحة النقل الأول فلا إطلاق للفقرة الأولى منه حتى يدلّ على جواز أخذ العشور منهم و إن لم تشترط، إذ محطّ النظر في الحديث هو الفقرة الثانية منه أعني عقد النفي كما لا يخفى.

2- و في الزكاة من سنن الترمذي في ذيل حديث: «ليس على المسلمين جزية» قال: و قول النبي «ص»: «ليس على المسلمين جزية عشور» إنما يعني به جزية الرقبة.

و في الحديث ما يفسّر هذا، حيث قال: «إنما العشور على اليهود و النصارى، و ليس على المسلمين عشور.» «2»

أقول: تفسير العشور بالجزية

على الرقبة من اجتهاد الترمذي، و لا دليل على صحة اجتهاده.

3- و في سنن أبي داود أيضا بسنده، عن رجل من بكر بن وائل، عن خاله، قال: قلت: يا رسول اللّه، أعشر قومي؟ قال: «إنما العشور على اليهود و النصارى.» «3»

و رواه عنه أحمد أيضا و زاد في آخره: «و ليس على الإسلام عشور.» «4»

4- و في سنن أبي داود أيضا بسنده، عن رجل من بني تغلب، قال: أتيت النبي «ص» فأسلمت و علّمني الإسلام، و علّمني كيف آخذ الصدقة من قومي ممن أسلم ثم رجعت إليه فقلت: يا رسول اللّه، كل ما علمتني قد حفظت إلا الصدقة أ فأعشرهم؟ قال: «لا، إنما العشور على النصارى و اليهود.» «5»

______________________________

(1)- سنن أبي داود 2/ 151، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات.

(2)- سنن الترمذي 2/ 73، أبواب الزكاة، الباب 11 (باب ما جاء ليس على المسلمين جزية)، الحديث 629.

(3)- سنن أبي داود 2/ 151، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في تعشير أهل الذمة ...

(4)- مسند أحمد 4/ 322.

(5)- سنن أبي داود 2/ 151، كتاب الخراج و الفي ء و الإمارة، باب في تعشير أهل الذمة ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 273

و قد تعرّض لهذه الأخبار البيهقي في السنن ثم قال:

«و هذا إن صحّ فإنما أراد- و اللّه أعلم- تعشير أموالهم إذا اختلفوا بالتجارة، فإذا أسلموا رفع ذلك عنهم.» «1»

أقول: فيظهر من البيهقي الترديد في صدور هذا الخبر عن النبي «ص». و يؤيد ذلك أن أكثر فقهائهم يتمسكون لجواز أخذ العشور بفعل عمر و قوله لا بقول النبي «ص» كما مرّت عباراتهم.

و في

نهاية ابن الأثير في لغة «عشر» قال:

«و منه الحديث: ليس على المسلمين عشور، إنّما العشور على اليهود و النصارى.

العشور: جمع عشر يعني ما كان من أموالهم للتجارات دون الصدقات. و الذي يلزمهم من ذلك عند الشافعي ما صولحوا عليه وقت العهد، فإن لم يصالحوا على شي ء فلا يلزمهم إلا الجزية. و قال أبو حنيفة: إن أخذوا من المسلمين إذا دخلوا بلادهم للتجارة أخذنا منهم إذا دخلوا بلادنا للتجارة. و منه الحديث: احمدوا اللّه، إذ رفع عنكم العشور. يعنى ما كانت الملوك تأخذه منهم. و فيه: أن وفد ثقيف اشترطوا أن لا يحشروا و لا يعشروا و لا يجبوا، أي لا يؤخذ عشر أموالهم.» «2»

5- و في نصب الراية بسنده عن أنس بن مالك، قال: «فرض رسول اللّه «ص» في أموال المسلمين في كل أربعين درهما درهم، و في أموال أهل الذمة في كل عشرين درهما درهم، و في أموال من لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم.» «3» رواه الطبراني في الأوسط. و رواه الهيثمي في مجمع الزوائد أيضا. «4»

و في نصب الراية عن الطبراني:

«لم يسند هذا الحديث إلا محمد بن المعلّى، تفرّد به زنيج. و قد رواه أيوب و سلمة بن علقمة و يزيد بن إبراهيم و جرير بن حازم و خبيب بن الشهيد و الهيثم الصيرفي و جماعة

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 199، كتاب الجزية، باب الذمّي يسلم فيرفع عنه الجزية و لا يعشر ماله ...

(2)- النهاية 3/ 239.

(3)- نصب الراية 2/ 379، كتاب الزكاة، باب فيمن يمرّ على العاشر.

(4)- مجمع الزوائد 3/ 70، كتاب الزكاة، فيما تجب فيه الزكاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 274

عن أنس

بن سيرين عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب فرض.» فذكر الحديث. «1»

أقول: يأتي نقل الخبر عن أنس عن عمر بأسانيد مختلفة، و الظاهر أنه الصحيح.

6- و في باب العشر من مبسوط السرخسي: «قد روي أن عمر بن الخطاب أراد أن يستعمل أنس بن مالك على هذا العمل، فقال له: أ تستعملني على المكس من عملك؟ فقال: ألا ترضى أن أقلّدك ما قلّدنيه رسول اللّه «ص»؟» «2»

أقول: لم أعثر على هذا النقل في كتب حديث السنة. بل ورد نظير هذه المقاولة بين أنس بن سيرين و أنس بن مالك فقال له: «ألا ترضى أن أجعلك على ما جعلني عليه عمر بن الخطاب؟» «3» و سيأتي نقله.

فهذه ما وقفت عليه عاجلا من الرواية عن النبي «ص» في هذا الباب.

7- و في المصنف لعبد الرزاق بسنده عن مسلم بن سكرة أنه سأل ابن عمر:

أعلمت عمر أخذ من المسلمين العشور؟ قال: لم أعلمه، لم أعلمه. و روى أبو عبيد بسنده عن مسلم بن شكرة نحوه. قال: و قال غير حجاج: مسلم بن المصبح. «4»

8- و روى أبو عبيد بسنده عن زياد بن حدير، يقول: أنا أول عاشر عشر في الإسلام، قلت: و من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنّا نعشر مسلما و لا معاهدا، كنّا نعشر نصارى بني تغلب. «5»

9- و في سنن البيهقي بسنده عن زياد بن حدير، قال: بعثني عمر إلى نصارى بني تغلب و أمرني أن آخذ منهم نصف عشر أموالهم، و نهاني أن أعشر مسلما أو ذا

______________________________

(1)- نصب الراية 2/ 379، كتاب الزكاة، باب فيمن يمرّ على العاشر.

(2)- مبسوط السرخسي 2/ 199، كتاب الزكاة، باب العشر.

(3)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب

ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

(4)- المصنّف 4/ 139، كتاب الزكاة، باب العشور، الرقم 7248؛ و الأموال/ 634.

(5)- الأموال/ 635.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 275

ذمة يؤدّي الخراج. «1»

10- و روى أبو عبيد بسنده عن عبد الرحمن بن معقل، قال: سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنّا نعشر مسلما و لا معاهدا. قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجّار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم. «2»

و رواه البيهقي بسنده، عن عبد اللّه بن معقل، عن زياد بن حدير. «3»

و رواه يحيى القرشي في خراجه بسنده، عن عبد اللّه بن مغفّل، عن زياد بن حدير. «4»

11- و في خراج أبي يوسف: «حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال:

سمعت أبي يذكر، قال: سمعت زياد بن حدير قال: أول من بعث عمر بن الخطاب على العشور أنا. قال: فأمرني أن لا أفتش أحدا، و ما مرّ عليّ من شي ء أخذت من حساب أربعين درهما درهما واحدا من المسلمين. و من أهل الذمة من كل عشرين واحدا، و ممن لا ذمة له العشر. قال: و أمرني أن أغلظ على نصارى بني تغلب، و قال: إنهم قوم من العرب و ليسوا بأهل كتاب فلعلهم يسلمون. قال: و كان عمر قد اشترط على نصارى بني تغلب أن لا ينصّروا أبناءهم.» «5»

12- و فيه أيضا بسنده عن زياد بن حدير الأسدي: «أن عمر بن الخطاب بعثه على عشور العراق و الشام و أمره أن يأخذ من المسلمين ربع العشر، و من أهل الذمة نصف العشر، و من أهل الحرب العشر. الحديث.» «6»

13- و فيه أيضا بسنده عن زياد بن حدير أنه

مدّ حبلا على الفرات فمرّ عليه

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 218، كتاب الجزية، باب ما جاء في تعشير أموال بني تغلب ...

(2)- الأموال/ 635.

(3)- سنن البيهقي 9/ 211، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

(4)- كتاب الخراج/ 169.

(5)- الخراج/ 135.

(6)- الخراج/ 135.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 276

رجل نصراني فأخذ منه، ثم انطلق فباع سلعته فلما رجع مرّ عليه فأراد أن يأخذ منه، فقال: كلما مررت عليك تأخذ مني؟ فقال: نعم. فرحل الرجل إلى عمر بن الخطاب فوجده بمكة يخطب الناس. الحديث.» «1»

14- و في سنن البيهقي بسنده عن زياد بن حدير، قال: كتبت إلى عمر في أناس من أهل الحرب يدخلون أرضنا أرض الإسلام فيقيمون. قال: فكتب إليّ عمر: «إن أقاموا ستة أشهر فخذ منهم العشر، و إن أقاموا سنة فخذ منهم نصف العشر.» «2»

أقول: لا يخفى وجود التهافت بين ما روي عن زياد بن حدير في هذا الباب، إلّا أن يحمل على اختلاف الأزمنة.

15- و في خراج أبي يوسف: حدثنا أبو حنيفة، عن القاسم، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال: «بعثني عمر بن الخطاب على العشور و كتب لي عهدا أن آخذ من المسلمين مما اختلفوا فيه لتجاراتهم ربع الشعر، و من أهل الذمة نصف العشر، و من أهل الحرب العشر.» «3»

16- و في سنن البيهقي بسنده، عن أبي حنيفة، عن الهيثم و كان صيرفيا بالكوفة، عن أنس بن سيرين أخي محمد بن سيرين، قال: «جعل عمر بن الخطاب أنس بن مالك على صدقة البصرة فقال لي أنس بن مالك: أبعثك على ما بعثني عليه عمر بن الخطاب، فقلت:

لا أعمل ذلك حتى تكتب لي عهد عمر بن الخطاب الذي عهد إليك. فكتب لي: «أن خذ من أموال المسلمين ربع العشر، و من أموال أهل الذمة إذا اختلفوا للتجارة نصف العشر، و من أموال أهل الحرب العشر.» «4»

أقول: يشبه أن يكون الهيثم في سند هذا الحديث و القاسم في سند ما قبله أحدهما مصحّفا من الآخر. و لا يخفى ما في التعبير عن مطلق العشور بالصدقة من

______________________________

(1)- الخراج/ 136.

(2)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

(3)- الخراج/ 135.

(4)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 277

الخفاء، و لكن التعبير من أنس بن سيرين.

17- و في السنن أيضا بسنده عن أنس بن سيرين، قال: أرسل إليّ أنس بن مالك، فأبطأت عليه، ثم أرسل إليّ فأتيته، فقال: إن كنت لأرى لو أني أمرتك أن تعضّ على حجر كذا و كذا ابتغاء مرضاتي لفعلت. اخترت لك خير عمل فكرهته، إني أكتب لك سنّة عمر. قلت: فاكتب لي سنّة عمر. قال: فكتب: «من المسلمين من كل أربعين درهما درهم. و من أهل الذمة من كل عشرين درهما درهم. و ممّن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهم.» قال: قلت: من لا ذمة له؟

قال: «الروم، كانوا يقدمون الشام.» «1»

18- و في السنن أيضا بسنده عن أنس بن سيرين، قال: بعثني أنس بن مالك على العشور، فقلت: تبعثني على العشور من بين علمك (غلمتك- ظ.)؟ فقال:

ألا ترضى أن أجعلك على ما جعلني عليه عمر بن الخطاب، أمرني أن

آخذ من المسلمين ربع العشر، و من أهل الذمة نصف العشر، و ممن لا ذمة له العشر. «2»

19- و في خراج أبي يوسف: «حدثنا محمد بن عبد اللّه، عن أنس بن سيرين، قال: «أرادوا أن يستعملوني على عشور الابلّة، فأبيت، فلقيني أنس بن مالك فقال:

ما يمنعك؟ فقلت: العشور أخبث ما عمل عليه الناس. قال: فقال لي: لا تفعل، عمر صنعه؛ فجعل على أهل الإسلام ربع العشر، و على أهل الذمة نصف العشر، و على المشركين ممن ليس له ذمة العشر.» «3»

في النهاية في معنى الابلّة:

«هي بضم الهمزة و الباء و تشديد اللام: البلد المعروف قرب البصرة من جانبها البحري.» «4»

______________________________

(1)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

(2)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

(3)- الخراج/ 137.

(4)- النهاية 1/ 16.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 278

أقول: و الظاهر أنها معرّبة «پل» بمعنى الجسر، و كان البلد مرسى سفن البصرة و محلا لأخذ العشور و لذا يطلق عليه في أعصارنا: «العشّار».

و يظهر مما مرّ من خبر زياد بن حدير و من استدلال أنس بصنع عمر عدم تعارف أخذ العشر في عصر النبي «ص» و عدم ثبوت ما روي عنه «ص» في هذا المجال عندهم و إلا كان الأوفق الاستدلال بها. و لم يرد بالعشر في هذه الروايات زكاة التجارة المشروعة في عصر النبي «ص» بشرائطها التي منها الحول، بل كان أمرا يشبه الحقوق الجمركية المتعارفة في أعصارنا، و يظهر من الروايات أنه كان أمرا منكرا عندهم. نعم يمكن أن يقال إن المأخوذ

من المسلمين كان بعنوان زكاة التجارة و لذا كان يؤخذ منهم ربع العشر، فتأمّل.

20- و في خراج أبي يوسف أيضا: حدثنا عاصم بن سليمان، عن الحسن، قال: كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب: «أن تجّارا من قبلنا من المسلمين يأتون أرض الحرب فيأخذون منهم العشر.» قال: فكتب إليه عمر: «خذ أنت منهم كما يأخذون من تجّار المسلمين، و خذ من أهل الذمة نصف العشر و من المسلمين من كل أربعين درهما درهما، و ليس فيما دون المائتين شي ء، فإذا كانت مأتين ففيها خمسة دراهم و ما زاد فبحسابه.» «1»

و روى نحوه البيهقي أيضا و روى نحوه يحيى القرشي أيضا في خراجه. «2»

21- و رواه يحيى القرشي في خراجه أيضا بسنده عن الحسن هكذا: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: أن خذ من تجّار المسلمين من كل مأتين خمسة دراهم، و ما زاد على المائتين فمن كل أربعين درهما درهم، و من تجّار أهل الخراج نصف العشر، و من تجار المشركين ممن لا يؤدي الخراج العشر. قال: يعني أهل الحرب. «3»

______________________________

(1)- الخراج/ 135.

(2)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...؛ و خراج يحيى القرشي/ 169.

(3)- الخراج/ 169.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 279

22- و في خراج أبي يوسف أيضا: حدثنا عبد الملك بن جريج، عن عمرو بن شعيب أن أهل منبج- قوم من أهل الحرب- وراء البحر كتبوا إلى عمر بن الخطاب:

«دعنا ندخل أرضك تجارا و تعشرنا.» قال: فشاور عمر أصحاب رسول اللّه «ص» في ذلك، فأشاروا عليه به، فكانوا أول من عشر من أهل الحرب.

و رواه

عبد الرزاق في المصنف أيضا. «1»

23- و في زكاة الموطأ: «حدثني يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد اللّه، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة و الزيت نصف العشر؛ يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة و يأخذ من القطنية العشر.» «2»

24- و فيه أيضا: «و حدثني عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد أنه قال: كنت غلاما عاملا مع عبد اللّه بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكنا نأخذ من النبط العشر. و حدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب على أيّ وجه كان يأخذ عمر بن الخطاب من النبط العشر، فقال ابن شهاب: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر.» «3»

أقول: و روى في الأمّ الخبرين عن مالك و رفع التهافت بينهما بوجهين: الأول:

أن يحمل العشر في خبر السائب على عشر القطنية. الثاني: أن يكون الاختلاف باختلاف الوقت، قال: «و لعله كله بصلح يحدثه في وقت برضاه و رضاهم.» «4»

و روى الخبرين أبو عبيد أيضا بسنده عن مالك. «5» و رواهما البيهقي أيضا بسنده عن مالك. «6»

______________________________

(1)- الخراج/ 135؛ و المصنّف 10/ 335، كتاب أهل الكتابين، باب ما يؤخذ من أرضيهم و تجاراتهم، الحديث 19280.

(2)- الموطأ 1/ 208، كتاب الزكاة، عشر أهل الذمّة.

(3)- الموطأ 1/ 208، كتاب الزكاة، عشر أهل الذمّة.

(4)- الأمّ 4/ 125، كتاب الجزية، ذكر ما أخذ عمر من أهل الذمة.

(5)- الأموال/ 640 و 641.

(6)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 280

و في النهاية في معنى القطنيّة:

«هي بالكسر و التشديد: واحدة القطاني، كالعدس و الحمّص و اللوبياء و نحوها.» «1»

و فيه أيضا:

«النبط و النبيط: جيل معروف كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين.» «2»

و في حاشية الأموال عن المنجد:

«نبط و أنباط: قوم من العرب قطنوا قديما جنوبي فلسطين، كانوا من التجّار يرحلون إلى مصر و الشام و بلاد الفرات و روما ...» «3»

25- و في سنن البيهقي بسنده عن السائب بن يزيد، قال: «كنت أعاشر مع عبد اللّه بن عتبة زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من أهل الذمّة أنصاف عشور أموالهم فيما تجروا فيه.» «4»

26- و في خراج أبي يوسف: حدثني يحيى بن سعيد، عن زريق بن حيان- و كان على مكس مصر-، فذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه: «أن انظر من مرّ عليك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم العين، و مما ظهر من التجارات من كل أربعين دينارا دينارا. و ما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارا. فإن نقصت تلك الدنانير فدعها و لا تأخذ منها شيئا. و إذا مرّ عليك أهل الذمة فخذ مما يديرون من تجاراتهم من كل عشرين دينارا دينارا، فما نقص فبحساب ذلك حتى تبلغ عشرة دنانير ثم دعها فلا تأخذ منها شيئا و اكتب لهم كتابا بما تأخذ منهم إلى مثلها من الحول.» «5»

أقول: و روى نحو ذلك عبد الرزاق في المصنف، و فيه: «من مرّ بك من

______________________________

(1)- النهاية لابن الأثير 4/ 85.

(2)- النهاية لابن الأثير 5/ 9.

(3)- الأموال/ 641.

(4)- سنن البيهقي 9/ 210، كتاب الجزية، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتّجر في غير بلده ...

(5)- الخراج/ 136.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 4، ص: 281

المسلمين و معه مال يتجربه فخذ منه صدقته.» «1» فيظهر منه أن ما كان يؤخذ من المسلم كان بعنوان زكاة مال التجارة، و يشهد له ذكر الحول في آخر الخبر أيضا.

و روى ذيل الخبر أبو عبيد أيضا، فراجع. «2»

27- و في المصنف: عن معمر عن يحيى بن أبي كثير، قال: «يؤخذ من أهل الكتاب الضعف مما يؤخذ من المسلمين من الذهب و الفضة. فعل ذلك عمر بن الخطاب و عمر بن عبد العزيز.» «3»

إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

أقول: المستفاد من مجموع هذه الروايات أن أخذ العشور الجمركية كان أمرا متعارفا مستمرا في تلك الأعصار و كان مشروعا عندهم إجمالا، غاية الأمر أنه كان يؤخذ من المسلمين ربع العشر باسم زكاة مال التجارة. و قد مرّ الترديد في صحّة ما روي في هذا المجال عن النبي «ص»، و أن القائلين بالجواز من فقهاء السنّة أكثرهم كانوا يستدلّون لذلك بقول عمر و صنعه لا بالأخبار النبوية. و قد مرّ في عبارة المنتهى عن أحمد في أهل الحرب: أنه يؤخذ منهم العشر مطلقا لأن عمر أخذ العشر و لم ينقل أنه شرط ذلك عليهم، و اشتهر ذلك بين الصحابة، و عمل به الخلفاء بعده فصار إجماعا، و مرّ دعوى الإجماع بهذا التقريب في عبارة المغني و بدائع الصنائع أيضا، فيظهر منهم إرادة إثبات الحكم بالإجماع.

و لا يخفى أن رأينا في الإجماع و ملاك حجيته يخالف رأى فقهاء السنة، إذ نفس اتفاق الكل و إجماعهم عندهم حجة في قبال السنة، و أما نحن فلا نعتبره حجة إلّا إذا كشف بنحو من الأنحاء عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره فيكون من

طرق إثبات السنة. و التحقيق يطلب من محله.

______________________________

(1)- المصنّف 10/ 334، كتاب أهل الكتابين، باب ما يؤخذ من أرضيهم و تجاراتهم، الحديث 19278.

(2)- الأموال/ 641.

(3)- المصنّف 10/ 335، كتاب أهل الكتابين، باب ما يؤخذ من أرضيهم و تجاراتهم، الحديث 19281.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 282

و يمكن المناقشة في أصل وجود الاتفاق أيضا، إذ يظهر من بعض الكلمات عدم التزام الجميع في تلك الأعصار بحلية العشور و مشروعيتها إلا مع الشرط، بل يظهر منها أن أخذها كان أمرا منكرا عند الملتزمين بالموازين الشرعية.

قال أبو عبيد في كتاب الأموال:

«وجوه هذه الأحاديث التي ذكرنا فيها العاشر، و كراهة المكس و التغليظ فيه: أنه قد كان له أصل في الجاهلية يفعله ملوك العرب و العجم جميعا فكانت سنتهم أن يأخذوا من التجار عشر أموالهم إذا مرّوا بها عليهم. يبين ذلك ما ذكرنا من كتب النبي «ص» لمن كتب من أهل الأمصار مثل ثقيف و البحرين و دومة الجندل و غيرهم ممن أسلم: أنهم لا يحشرون و لا يعشرون، فعلمنا بهذا أنه قد كان من سنة الجاهلية، مع أحاديث فيه كثيرة فأبطل اللّه ذلك برسوله «ص» و بالإسلام.

و جاءت فريضة الزكاة بربع العشر من كل مأتي درهم خمسة فمن أخذها منهم على فرضها فليس بعاشر، لأنه لم يأخذ العشر إنما أخذ ربعه ... فإذا كان العاشر يأخذ الزكاة من المسلمين إذا أتوه بها طائعين غير مكرهين فليس بداخل في هذه الأحاديث، فإن استكرههم عليها (لم- ظ.) آمن أن يكون داخلا فيها و إن لم يزد على ربع العشر، لأن سنة الصامت خاصة أن يكون الناس فيه مؤتمنين عليه: من ذلك حديث مسروق الذي ذكرناه:

قوله: لا أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنّه رسول اللّه «ص» و لا أبو بكر و لا عمر- و كان حبلا يعترض به النهر يمنع السفن من المضي حتى تؤخذ منهم الصدقة فأنكر مسروق أن تؤخذ منهم على استكراه. و قد فسّره حديث عمر بن عبد العزيز الذي ذكرناه: قوله: «من جاءك بصدقة فاقبلها، و من لم يأتك بها فاللّه حسيبه.» و كذلك حديث عثمان: قوله: «و من أخذنا منه لم نأخذ منه حتى يأتينا بها تطوعا».» «1»

و في كتاب الأموال أيضا قبل ذلك:

«حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق أنه قال: «و اللّه

______________________________

(1)- الأموال/ 636- 638.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 283

ما علمت عملا أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا. و ما بي أن أكون ظلمت فيه مسلما و لا معاهدا دينارا و لا درهما، و لكني لا أدري ما هذا الحبل الذي لم يسنّه رسول اللّه «ص» و لا أبو بكر و لا عمر. قالوا: فما حملك على أن دخلت فيه؟

قال: لم يدعني زياد و لا شريح و لا الشيطان حتى دخلت فيه.» «1»

و فيه أيضا بسنده عن عبد الرحمن قال:

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطاة: «أن ضع عن الناس الفدية، وضع عن الناس المائدة، وضع عن الناس المكس، و ليس بالمكس، و لكنه البخس الذي قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ وَ لٰا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.»* فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه، و من لم يأتك بها فاللّه حسيبه.» «2»

و في نهاية ابن الأثير:

«في الحديث: «يأتي على الناس زمان يستحلّ فيه الربا بالبيع و الخمر بالنبيذ

و البخس بالزكاة.» البخس: ما يأخذه الولاة باسم العشر و المكوس يتأوّلون فيه الزكاة و الصدقة.» «3»

فيستفاد من جميع ذلك و من نظائرها عدم وضوح مشروعية أخذ العشور عندهم بل كونه أمرا منكرا. هذا.

و لكن مع ذلك كله يمكن أن يستدل للجواز- مضافا إلى أن عمل الخليفة و عمّاله كان بمرأى الصحابة و مسمعهم و لم يسمع منهم ردع عن ذلك و لو كان لبان-:

أن أمير المؤمنين «ع» بعد ما تصدّى للخلافة لم يرد من ناحيته ردع عن هذا العمل المستمر في البلاد الإسلامية بسعتها بل كان يقبل الأموال التي كانت تجلب إليه من البلاد فكان هذا إمضاء منه «ع» للعشور أيضا. فأنت ترى في مصنّف أبي بكر ابن أبي شيبة مثلا بسنده، قال: «أتى المختار علي بن أبي طالب بمال من المدائن و عليها عمّه سعد بن مسعود، قال: فوضع المال بين يديه و عليه مقطعة حمراء، قال:

فأدخل يده فاستخرج كيسا فيه نحو من خمس عشرة مأئة، قال: هذا من أجور

______________________________

(1)- الأموال/ 635.

(2)- الأموال/ 633.

(3)- النهاية 1/ 102.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 284

المومسات. قال: فقال علي «ع»: لا حاجة لنا في أجور المومسات. قال: و أمر بمال المدائن فرفع إلى بيت المال.» «1»

فيظهر بذلك إمضاء غير أجورهن، و من البعيد جدّا عدم وجود العشور أيضا فيما أمضاه و قبله لما عرفت من تعارف أخذها في البلاد الإسلامية.

و احتمال أن بعض البدع قد رسخ في أعماق القلوب بحيث لم يكن يتمكن أمير المؤمنين «ع» من ردعه نظير الجماعة في صلاة التراويح مثلا، مدفوع بأن الثابت خلاف ذلك في كثير من المسائل المبدعة و لا سيما في أواخر خلافته

و استقرار أمره، فتدبّر. هذا.

و ملخص الكلام في المقام أن مقتضى الأصل الأولي هو سلطة الناس على أنفسهم و أموالهم، و حرمة إكراه الغير، و أن حرمة مال الإنسان كحرمة دمه إلّا فيما ثبت من ناحية الشرع المبين خلافه كما ثبت من تشريع الزكوات و الأخماس و الجزايا و نحوها و جواز مطالبتها من ناحية الولاة.

و في الحديث عن رسول اللّه «ص»: «و الزكاة نسخت كل صدقة.» «2»

و فيه أيضا عن أبي جعفر «ع»: «لا يسأل اللّه عبدا عن صلاة بعد الفريضة و لا عن صدقة بعد الزكاة.» «3»

و فيما وصّى به رسول اللّه «ص» معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «فأخبرهم أن اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم طاعوا لك بذلك فإيّاك و كرائم أموالهم، و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه و بين اللّه حجاب.» «4»

______________________________

(1)- المصنّف 11/ 114، كتاب الأمراء، الحديث 10670.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 284

(2)- الوسائل 6/ 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 13.

(3)- الوسائل 6/ 6، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 12.

(4)- صحيح البخاري 3/ 73، كتاب المغازي، بعث أبي موسى و معاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 285

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر «ع»: «في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم و مواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال: لا.» «1»

و الأخبار الواردة في

العشور مع كثرتها لم تصل عندنا إلى حدّ الإقناع و الحجية، بل وردت أخبار كثيرة في ذمّ العاشر و الماكس كما مرّ. و قد مرّ الترديد في صحة ما روي عن النبي «ص» في هذا المجال، و لو سلّم صحة ما روي عنه أعني قوله: «إنما العشور على اليهود و النصارى، و ليس على المسلمين عشور» فالظاهر أن محطّ النظر في هذه العبارة بيان عقد النفي لا عقد الإثبات فلا إطلاق فيه، و لعل المراد به كان صورة شرطها في عقد الجزية فلا إشكال فيها حينئذ لكون مقدار الجزية عندنا موكولا إلى نظر الإمام، أو يراد بالعشور الجزية كما مرّ عن الترمذي.

هذا مضافا إلى أنه لم يثبت أن المأخوذ في عصر عمر كان بدون الاشتراط فلعلهم كانوا يشرطونها. و للدولة الإسلامية منع أهل الحرب من الدخول في دار الإسلام و عدم إعطاء الأمان لهم إلا بشروط فيكون منها إعطاء مال خاص سواء كان عشرا أو أقل أو أكثر. كما أنه لو كانت للدولة الإسلامية مرافق و إمكانات محدثة كالمراسي و المحطّات و الطرق المبلّطة و الجسور و نحوها فلها أن تعلق إجازة الاستفادة منها على إعطاء حقوق خاصة من غير فرق في ذلك بين المسلمين و غيرهم.

هذا كله مع قطع النظر عما يأتي بحثه في الجهة التالية من جواز تشريع الضرائب الضرورية التي ربما يحتاج إليها الأنظمة و وجوب إعطائها حفظا للنظام، بل احتمال دخولها حينئذ في عنوان الزكاة بناء على إحالة تعيين ما فيه الزكاة و مقدارها إلى ولاة العصر في كل صقع و زمان. و قد مرّ تفصيل ذلك في فصل الزكاة من هذا الكتاب، فراجع. «2»

______________________________

(1)- الوسائل 11/ 115، الباب 68 من

أبواب جهاد العدوّ و ما يناسبه، الحديث 4.

(2)- راجع أوائل الجزء الثالث.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 286

الجهة الثالثة: في البحث في ضرائب أخرى غير الضرائب المعروفة:
لو لم تكف الضرائب المشروعة المعروفة

من الزكوات و الأخماس و الخراج و الجزايا، و ما يمكن أن يتحصل من طسق أراضي الأنفال على ما اخترناه، و من استخراج المعادن الغنية و أخذ الحقوق الجمركية من تجار أهل الحرب، و أرباح التجارات الخارجية التي يتصدّى لها الحكومات غالبا و نحو ذلك من المنابع المالية للحكومات، لو لم تكف جميع ذلك لإدارة شئون الدولة الإسلامية و سدّ خلّاتها فهل يجوز تشريع ضرائب أخرى مرتجلة على الأعمال و الأموال و المصانع و الأبنية و السيّارات و نحوها حسب الحاجة إليها؟

[عدم جواز تعطيل الحكومة الإسلامية]

فنقول: الأصل الأولي كما مرّ و إن اقتضى سلطة الناس على أنفسهم و أموالهم، و أن حرمة مال الإنسان كحرمة دمه، و لكن من الضروري بحكم العقل و الشرع وجوب تأسيس الدولة الإسلامية و حفظ النظام الإسلامي و سلطاتها الثلاث بشعبها و إيجاد الأمن في البلاد و حفظ الثغور و الأطراف و إقامة دعائم الدين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالمعنى الواسع لهما يعني بسط المعروف في المجتمع و قطع جذور المنكر و الفساد، و نحو ذلك من شئون الحكومة الحقة الصالحة. و قد مرّ في هذا الكتاب بالتفصيل بيان عدم جواز إهمال الحكومة الإسلامية و تعطيل شئونها المختلفة حتى في عصر الغيبة، بل عدّ الحكومة و الولاية أفضل دعائم الإسلام:

ففي صحيحة زرارة، عن أبي جعفر «ع»، قال: «بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية.» قال زرارة: فقلت: و أيّ شي ء من ذلك

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 287

أفضل؟ قال: «الولاية أفضل لأنها مفتاحهن و الوالي هو الدليل عليهن.» «1»

و من الواضح توقف إقامة الدولة بشؤونها على

تحقيق نظام مالي واسع غنيّ يتكفّل لسدّ جميع الخلّات و رفع جميع الحاجات. فهذا من المحكمات التي لا مجال للريب فيها.

[للقول بتوسعة الضرائب طريقين]
اشارة

و حينئذ فلا بدّ من القول بأحد أمرين:

الأول: أن يقال: إن الزكاة اسم لكل واجب ماليّ يشرّع من قبل الحكام

الواجدين للشرائط حسب الأموال و الحاجات. فأصل الزكاة مما شرّعها اللّه- تعالى- في الكتاب العزيز و أمر بإعطائها و أخذها فقال: «أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ»*، و قال:

«يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.» «2»

فهي وظيفة مالية شرّعها اللّه- تعالى- في الإسلام و في الشرائع السابقة في جنب الصلاة التي هي من أهمّ الوظائف العبادية البدنية. و لم يذكر في الكتاب العزيز خصوص ما تتعلق به، بل ظاهر الآية الأخيرة تعلّقها بجميع ما يحصل للإنسان سواء كان بالكسب أو بالاستخراج من الأرض. كما أن ظاهر قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا» «3» جواز أخذها من جميع الأموال لظهور الجمع المضاف في العموم. فالمتعلق بحسب الحكم الاقتضائي و الإنشائي جميع الأموال، و قد فوّض تعيين ما تؤخذ منها و تطالب فعلا إلى أولياء المسلمين و حكّام الحق في كل صقع و زمان، حيث إن ثروات الناس و أعيان أموالهم تختلف بحسبهما، و الشريعة الإسلامية شريعة خالدة عامّة لجميع الأصقاع و الأزمان إلى يوم القيامة. فعلى والي المسلمين في كل عصر و مكان ملاحظة ثروات الناس و الاحتياجات الموجودة في عصره و مقر حكمه، و وضع الضرائب بحسبهما و تنصبغ هذه قهرا بصبغة الزكاة.

و هكذا كانت الزكاة المشرّعة في الشرائع السابقة أيضا لا محالة فكانت مناسبة

______________________________

(1)- الوسائل 1/ 7، الباب 1 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 2.

(2)- سورة البقرة (2)، الآية 267.

(3)- سورة التوبة (9)، الآية 103.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 288

للثروات و الحاجات.

و قد وضع رسول اللّه «ص» بما أنه

كان إمام المسلمين و حاكما عليهم في عصره الزكاة على تسعة أشياء معهودة لما كانت هذه التسعة عمدة ثروة العرب في عصره و مجال حكمه، و عفا عما سوى ذلك كما دلّ على ذلك صحاح مستفيضة، و العفو لا يصدق إلا مع وجود الحكم لو لاه:

ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير و بريد بن معاوية و الفضيل بن يسار كلهم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه «ع»، قالا: «فرض اللّه- عزّ و جلّ- الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنّها رسول اللّه «ص» في تسعة أشياء، و عفا رسول اللّه «ص» عما سواهن: في الذهب و الفضة، و الإبل و البقر و الغنم، و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّه «ص» عما سوى ذلك.» «1»

و في خبر أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و الذهب و الفضة، و الإبل و البقر و الغنم، و عفا عما سوى ذلك.» قال يونس: معنى قوله: إن الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك، إنما كان ذلك في أول النبوة، كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول اللّه «ص» فيها سبع ركعات، و كذلك الزكاة وضعها و سنّها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب «2».

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المجال و قد مرّ تفصيلها و شرحها في فصل الزكاة من هذا الكتاب، فراجع.

و يشهد لما ذكرناه ما ورد من جعل أمير المؤمنين «ع» الزكاة في الخيل، و ظاهر ذلك كونه بنحو

الوجوب:

ففي صحيحة محمد بن مسلم و زرارة، عنهما- عليهما السلام- جميعا، قالا: «وضع

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 34، الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.

(2)- الكافي 3/ 509، كتاب الزكاة، باب ما وضع رسول اللّه «ص» على أهل بيته الزكاة عليه، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 289

أمير المؤمنين «ع» على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا.» «1»

و الظاهر أن المراد بذلك الزكاة لا الخراج و الجزية لتسميته صدقة في صحيحة زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه «ع» هل في البغال شي ء؟ فقال: لا. فقلت:

فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: «لأن البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكور شي ء. قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: «ليس فيها شي ء. قال:

قلت: هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل.» «2»

و في سنن البيهقي بسنده، عن غورك بن الحصرم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال رسول اللّه «ص»: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار.» تفرد به غورك. «3» و لعله كان في عصره «ص» بنحو الاستحباب.

و فيه أيضا بسنده عن حارثة بن مضرب، قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا: إنا قد أصبنا أموالا: خيلا و رقيقا نحبّ أن يكون لنا فيه زكاة و طهور.

قال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، فاستشار عمر عليا «ع» في جماعة من أصحاب رسول اللّه «ص» فقال علي «ع»: «هو

حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها راتبة.» «4»

يظهر من هذا الحديث أيضا أصل مشروعية الزكاة و حسنها في الخيل، و إنما الذي خاف منه أمير المؤمنين «ع» أن تنصبغ بصبغة الجزية التي فيها نوع من الذلة.

و هل يمكن الالتزام في مثل أعصارنا بحصر الزكاة مع سعة مصارفها الثمانية في خصوص التسعة المعهودة بشرائطها الخاصة؟ مع أن الذهب و الفضة المسكوكتين و كذا الأنعام الثلاثة السائمة لا توجد إلّا أقلّ قليل، و الغلات الأربع في قبال سائر

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 51، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 1.

(2)- الوسائل 6/ 51، الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.

(3)- سنن البيهقي 4/ 119، كتاب الزكاة، باب من رأى في الخيل صدقة.

(4)- سنن البيهقي 4/ 118، كتاب الزكاة، باب لا صدقة في الخيل.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 290

منابع الثروة من المصانع العظيمة و التجارات الضخمة، و الأبنية المرتفعة و السفن و السيارات و المحصولات الزراعية المتنوعة غير الغلات الأربع قليلة القيمة جدّا و المصارف الثمانية التي تساوق عمدة خلات المجتمع و الدول تحتاج إلى أموال كثيرة، و قد دلّت أخبار كثيرة على أن اللّه- تعالى- فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم و لو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم، و لعل الفقراء من باب المثال فيراد به المصارف الثمانية للزكاة، فراجع الوسائل. «1»

و إن أبيت ما ذكرناه من تفويض تعيين ما فيه الزكاة إلى ولاة العصر و ثقل عليك قبوله فلا محالة يلتزم بذلك فيما إذا فرضها الولاة في الموارد التي جعلت فيها الزكاة بنحو الاستحباب، و هي كثيرة أنهيناها في المجلد

الثاني من كتابنا في الزكاة إلى اثني عشر موردا، فنقول: إن الزكاة في هذه الموارد و إن كانت بحسب الجعل الشرعي مندوبة و لكن لوالي المسلمين في كل صقع و زمان أن يفرضها حسب الاحتياج كما صنع أمير المؤمنين «ع» في الخيل، فتدبّر. هذا كلّه مما يتعلق بالأمر الأول من الأمرين.

الأمر الثاني: أن يقال: إن الضرائب الشرعية المعروفة إنما شرّعت لرفع الحاجات و سدّ الخلّات

في الأوضاع و الشرائط العادية، و أما إذا فرضنا الحاجة إليها لشرائط خاصة حادثة فحيث إن حفظ النظام الإسلامي بشعبها و شئونها العامة من أهمّ الفرائض على جميع الأمة فلا محالة يجب على الولاة تقدير الحاجات و الأموال اللازمة و وضع ضرائب بمقدارها مع رعاية العدل و الإنصاف، و يجب على الأمة تأديتها و إن لم ينطبق عليها أحد العناوين المعروفة، كل هذا لضرورة وجوب المقدمة بوجوب ذيها.

و ربما يوجد في بعض الأخبار الإشعار بهذا السنخ من الضرائب و الاحتياج إليها:

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 3، الباب 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 291

1- ففي موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه «ع»: «و لكن اللّه- عزّ و جلّ- فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال- عزّ و جلّ-: وَ الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ. فالحق المعلوم غير الزكاة، و هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و سعة ماله ... و مما فرض اللّه- عزّ و جلّ- أيضا في المال من غير الزكاة قوله- عزّ و جلّ-: «الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ.» الحديث.» «1»

3- و في نور الثقلين، عن تفسير العياشي، عن الحسين بن موسى، قال: روى أصحابنا، قال: سئل

أبو عبد اللّه «ع» عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: «الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» فقال: هو صلة الإمام في كل سنة بما قلّ أو كثر، ثم قال أبو عبد اللّه «ع»:

و ما أريد بذلك إلّا تزكيتكم. «2»

3- و في نور الثقلين أيضا عن مجمع البيان. روى الوليد بن أبان، عن أبي الحسن الرضا «ع»، قال: قلت له: هل على الرجل في ماله سوى الزكاة؟ قال:

نعم، أين ما قال اللّه: «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ. الآية.» «3»

و راجع مجمع البيان تفسير سورة الرعد أيضا. «4»

و لا يخفى أن صلة إمام المسلمين بما هو إمامهم و قائدهم لا يراد بها إلا مساعدته و تقويته بالأموال و الطاقات في جميع المجالات و الحاجات الحادثة له في إدارة شئون المسلمين و تنظيم أمورهم و حفظ ثغورهم و نحو ذلك من الأمور المتوقعة من الإمام بما هو إمام. و إلّا فشخص الإمام بما هو شخص ليس له كثير حاجة إلى الأمة.

4- و في نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين «ع» لمالك: «و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة، و من طلب الخراج

______________________________

(1)- الوسائل 6/ 27، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.

(2)- تفسير نور الثقلين 2/ 495.

(3)- تفسير نور الثقلين 2/ 495.

(4)- مجمع البيان 3/ 289 (الجزء 6).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 292

بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد ... و لا يثقلن عليك شي ء خفّفت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك و تزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم و تبجحك باستفاضة

العدل فيهم معتمدا فضل قوّتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم و الثقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم، فربّما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به، فإن العمران محتمل ما حمّلته، و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها.» «1»

أقول: التبجح: السرور. و الإجمام: الإراحة.

5- و روى نحو ذلك في تحف العقول في كتابه «ع» له و فيه: «فلا يثقلن عليك شي ء خففت به عنهم المؤونات فإنه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك ... مع أنها عقد تعتمد عليها إن حدث حدث كنت عليهم معتمدا لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الجمام و الثقة منهم بما عوّدتهم من عدلك و رفقك، و معرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب أنفسهم فإن العمران محتمل ما حمّلته، و إنما يؤتى خراب الأرض لإعواز أهلها.» «2»

6- و روى نحو ذلك في دعائم الإسلام في كتابه «ع» له و فيه: «فإن حزبك أمر تحتاج فيه إلى الاعتماد عليهم، وجدت معتمدا بفضل قوّتهم على ما تريد بما ذخرت فيهم من الجمام.

و كانت مودتهم لك و حسن ظنّهم فيك و ثقتهم بما عوّدتهم من عدلك و رفقك مع معرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمور قوة لهم يحتملون بها ما كلفتهم، و يطيبون بها نفسا بما حمّلتهم فإن العدل يحتمل بإذن اللّه ما حملت عليهم.» «3»

أقول: قوله: حزبك أي أصابك و اشتد عليك. و لا يخفى كون بعض النقول أو جميعها نقلا بالمعنى.

7- و في آخر كتاب الزكاة من الكافي بسنده، عن معاذ بن كثير، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: «موسّع على شيعتنا أن

ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرّم

______________________________

(1)- نهج البلاغة، فيض/ 1013؛ عبده 3/ 106- 108؛ لح/ 436، الكتاب 53.

(2)- تحف العقول/ 138.

(3)- دعائم الإسلام 1/ 362، كتاب الجهاد- ذكر ما يجب للأمراء و ما يجب عليهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 293

على كل ذي كنز كنزه حتى يأتيه به فيستعين به على عدوّه، و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لٰا يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ.» «1»

و لا يراد بالكنز هنا المال المدفون، بل كل زائد على النفقات اليومية فيدّخر كالأموال المودعة في البنوك و الأمتعة المدخرة في المخازن و نحو ذلك، فيظهر من الحديث أنه مع احتياج الحكومة الحقة الصالحة لا يجوز ادّخار الأموال بل يجب الإتيان بها إليه، و لفظ القائم كناية عن المتصدّي للحكومة الحقة الصالحة، نعم قائم آل محمد «ع» في آخر الزمان من أبرز مصاديقها، فتأمّل.

8- و يمكن أن يستأنس للمقصود أيضا بقوله- تعالى- في سورة الأعراف: «خُذِ الْعَفْوَ.» «2» بضميمة قوله في سورة البقرة: «وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ، قُلِ الْعَفْوَ.» «3» فيراد بالعفو المال الزائد على النفقة على ما فسّره بعض.

قال في المجمع في معنى العفو:

«فيه أقوال: أحدها: أنه ما فضل عن الأهل و العيال، أو الفضل عن الغنى، عن ابن عباس و قتادة. و ثانيها: أن العفو: الوسط من غير إسراف و لا إقتار، عن الحسن و عطاء، و هو المروي عن أبي عبد اللّه «ع». و ثالثها: أن العفو ما فضل عن قوت السنة، عن أبي جعفر الباقر، قال: و نسخ ذلك بآية الزكاة، و به قال السدّي.

و رابعها:

أن العفو أطيب المال و أفضله.» «4»

أقول: نسخ الوجوب لا ينافي بقاء الاقتضاء و الرجحان فيصير واجبا بحكم الحاكم الشرعي، فتأمّل.

9- و في خراج أبي يوسف: «قد بلغنا عن علي بن أبي طالب أنه وضع على أجمة برس أربعة آلاف درهم، و كتب لهم كتابا في قطعة أدم، و إنما دفعها إليهم على

______________________________

(1)- الكافي 4/ 61، كتاب الزكاة، باب النوادر، الحديث 4.

(2)- سورة الأعراف (7)، الآية 199.

(3)- سورة البقرة (2)، الآية 219.

(4)- مجمع البيان 1/ 316 (الجزء الثاني).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 294

معاملة قصبها.» «1»

أقول: برس بالضم قيل: ناحية بأرض بابل. و في القاموس: «قرية بين الكوفة و الحلة.» «2»

و لعل المتتبع يعثر على موارد كثيرة من هذا القبيل يستفاد منها جواز وضع الضرائب من قبل حكّام الحق.

و يمكن أن يستدل للمقصود بوجهين آخرين أيضا:
[الأول: للإمام أن يعلق إجازة الانتفاع من المشاريع العامة]

الأول: ما أشرنا إليه سابقا من أن للإمام و عمّاله أن يعلقوا إجازة الانتفاع من المشاريع العامة التي يحدثونها من المراسي و المحطّات و الطرق المبلّطة و القناطر و المستشفيات و المعاهد و نحو ذلك على أداء مال خاص مطلقا أو لأمر خاص و بالنسبة إلى أصناف خاصة، فيصير هذا قرارا منهم مع كل مواطن، و من أراد الانتفاع منها فلا محالة يتعين عليه أن يؤدي ما قرروه.

[الثاني: ولاية الوالي إن كانت بانتخاب المجتمع فله أن يشترط في عقد البيعة العامّة شرائط خاصة]

الثاني: أن ولاية الوالي إن كانت بانتخاب المجتمع و مبايعتهم له كما قرّبناه في محله فله أن يشترط في عقد البيعة العامّة شرائط خاصة و منها السماح له لوضع ضرائب خاصة فيتعين عليهم العمل بها. و إن كانت بجعل الشارع فنقول إن جعل الشارع ليس جزافا بل يكون لا محالة لتنظيم أمور المجتمع و إدارة شئونه العامة و جبر نقائصه و سدّ خلاته، فيجوز للوالي بل يجب عليه الحكم بكل ما رآه صلاحا لهم و لنظامهم، و من أهم المصالح تعيين نظام مالي كافل لسدّ جميع الخلّات و الحاجات، و يسمّى هذا القبيل من الأحكام بالأحكام الولائية و السلطانية فيتعين هذا شرعا.

و قد جعل اللّه- تعالى- هذا المنصب الشريف للنبي «ص» حيث قال: «النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.» «3» فإذا كان لكلّ أحد أن يتصرف في نفسه و ماله بعض

______________________________

(1)- الخراج/ 87.

(2)- القاموس/ 342.

(3)- سورة الأحزاب (33)، الآية 6.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 295

التصرفات فلا محالة يصير النبي «ص» بمقتضى هذه الآية الشريفة أولى به في هذه التصرفات من نفسه.

و قد عرفت في محله أن مقتضى ولاية الفقيه و خلافته عن رسول اللّه في الأمور العامة أن يكون له كل

ما كان للنبي «ص» بحق ولايته الشرعية.

اللّهم إلّا أن يقال: إن وظيفة الحاكم الإسلامي ليس إلّا تنظيم أمور المجتمع على أساس ما أنزله اللّه- تعالى- لا على أساس ما يقترحه، و ليس الفقيه أولى من نفس النبي الأكرم «ص»، و قد خاطبه اللّه- تعالى- بقوله: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّٰاسِ بِمٰا أَرٰاكَ اللّٰهُ.» «1» و بقوله: «وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتٰابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لٰا تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ عَمّٰا جٰاءَكَ مِنَ الْحَقِّ.» «2»

و بعبارة أخرى ليس جعل الولاية بداعي الجعل و التشريع، بل بداعي تنفيذ ما أنزل اللّه- تعالى-، فتدبّر. هذا.

و إلى هنا قد تمّ ما أردنا ذكره في بيان المنابع المالية للدولة الإسلامية المعقود لبيانها الباب الثامن من كتابنا هذا، و قد طال البحث فأعتذر من القرّاء الكرام.

______________________________

(1)- سورة النساء (4)، الآية 105.

(2)- سورة المائدة (5)، الآية 48.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 296

بقيت هنا نكات ينبغي الإشارة إليها:
الأولى: أنه يجب على المسؤولين في الدولة الإسلامية إيجاد التوازن بين المنابع المالية

الموجودة و بين المصارف؛ فيحذف المصارف غير الضرورية و الدوائر الزائدة التي تتصدى للأعمال التكرارية أو غير اللازمة و يدغم بعض المؤسسات و الدوائر في بعض و لا سيما ما يوجب منها صعوبة الأمر على المراجعين و تحمّل المشاق و تضييع الأوقات، و كلّما كانت الدوائر بسيطة ساذجة و المقرّرات مرنة سهلة كانت أجلب لرضاية الناس و علاقتهم برجال الملك و مصادر الأمور، حيث إن أوقات الناس لها قيم كثيرة عندهم. فليعتبر من بساطة حكم النبي «ص» و سذاجته و ما وجد فيه الناس من عدل و راحة.

الثانية: أن الواجب اجتناب المتصدين للمصارف عن التبذير و الإسراف،

إذ لا فرق في حرمتهما بين الأموال الشخصية و بين الأموال العامة المتعلقة بالمجتمع، بل الأمر في الأموال العامة آكد، حيث إنها تكون في أيدي المسؤولين من قبيل الوديعة و الأمانة، و التعدي فيها خيانة:

1- قال اللّه- تعالى-: «وَ لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ وَ كٰانَ الشَّيْطٰانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً.» «1»

2- و قال: «وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.» «2»

______________________________

(1)- سورة الإسراء (17)، الآية 26 و 27.

(2)- سورة الأعراف (7)، الآية 31.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 297

3- و قال: «وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ.» «1»

4- و في الصحيفة السجادية: «اللّهم صلّ على محمد و آله و احجبني عن السرف و الازدياد و قوّمني بالبذل و الاقتصاد، و علّمني حسن التقدير، و اقبضني بلطفك عن التبذير.» «2»

5- و في البحار عن الخصال بسنده، عن داود الرقّي، عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «إنّ القصد أمر يحبّه اللّه- عزّ و جلّ- و إن السرف يبغضه حتى طرحك النواة، فإنها تصلح لشي ء، و حتى صبّك فضل

شرابك.» «3»

6- و في الوسائل عن الخصال بسنده، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي- عليهم السلام- أنه كتب إلى عمّاله: «أدقّوا أقلامكم، و قاربوا بين سطوركم، و احذفوا عني فضولكم، و اقصدوا قصد المعاني. و إياكم و الإكثار، فإن أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار.» «4»

فليدقّق النظر في هذا الكلام الكتّاب و المسؤولون الذين لا يرى منهم دقّة و لا محاسبة لا في صرف الأموال من بيت المال و لا في إشغال أوقات الأمّة و الأئمة.

7- و فيه أيضا، عن تفسير العياشي، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: «أ ترى اللّه أعطى من أعطى من كرامته عليه، و منع من منع من هوان به عليه؟

كلّا و لكن المال مال اللّه يضعه عند الرجل ودائع و جوّز لهم أن يأكلوا قصدا، و يشربوا قصدا، و يلبسوا قصدا، و يركبوا قصدا، و ينكحوا قصدا، و يعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين و يرمّوا به شعثهم، فمن فعل ذلك كان ما يأكل حلالا، و يشرب حلالا، و يركب حلالا، و ينكح حلالا.

و من عدا ذلك كان عليه حراما، ثم قال: «لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.» أ ترى اللّه ائتمن رجلا على مال يقول له (خوّل له- تفسير العياشى) أن يشتري فرسا بعشرة آلاف درهم و تجزيه فرس

______________________________

(1)- سورة المؤمن- غافر- (40)، الآية 43.

(2)- الصحيفة السجادية، الدعاء 30.

(3)- بحار الأنوار 68/ 346 (- طبعة إيران 71/ 346)، كتاب الإيمان و الكفر- مكارم الأخلاق، الباب 86 (باب الاقتصاد و ذمّ الإسراف)، الحديث 10.

(4)- الوسائل 12/ 299، الباب 15 من أبواب آداب التجارة، الحديث 2.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4،

ص: 298

بعشرين درهما، و يشتري جارية بألف و تجزية جارية بعشرين دينارا، ثم قال: لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.» «1»

الثالثة: ينبغي أن يجعل الحقوق و المزايا مهما أمكن على حسب الأعمال

و جودتها لا على حسب الأزمنة و الأوقات، إذ على الأول تزيد المسارعة و السباق و المداقّة في الأعمال، و على الثاني يزيد دفع الوقت و الإهمال كما لا يخفى.

الرابعة: ينبغي أن توجد أرضية الأمن الفكري و المالي في المجالات المختلفة

بحيث يتشوق الناس في الإنتاجات النافعة و صرف الأموال فيها، و أن يخطّط النظام الاقتصادي في البلاد بنحو يقع رءوس الأموال و الطاقات في قسمة الإنتاجات لا الخدمات و التجارات إلا بمقدار الضرورة.

الخامسة: ينبغي أن يفوّض الزراعات و الصناعات و التجارات و المصانع إلى أفراد المجتمع

و الأخصائيين منهم و لا يباشرها الدول مهما أمكن، و لا يتدخلون فيها بالقهر و الإجبار إلا عند الضرورة، بل يعطى للأفراد الحريّة التامة في انتخاب الأشغال و النشاطات الاقتصادية المحلّلة، فإن التحديدات توجب أن تفقد الأشخاص اعتمادهم على أنفسهم و يضعف عامل التحرك في نفوسهم فلا يزدهر الاستعدادات الكامنة و يقلّ الإنتاجات النافعة جدّا.

و مباشرة الحكومات و الدول لها توجب أولا كراهة الأمة و بغضائها في قبال الحكومة. و ثانيا قلّة الجبايات. و ثالثا احتياج الدولة إلى استخدام موظفين كثيرين.

و رابعا إلى وضع ضرائب كثيرة لمصارف الموظفين. و هذه كلها مضرة بالرعايا و بالدولة معا.

نعم، تتصدى الدولة للتخطيط الكلي في المجال الاقتصادي و الإرشاد و الهداية

______________________________

(1)- الوسائل 8/ 366، الباب 23 من أبواب أحكام الدوابّ، الحديث 5؛ و تفسير العياشي 2/ 13.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 299

فيه إلى الأصلح و الأنفع و الأحوج، و إيجاد الأرضية الصالحة و الإمكانيات بقدر الحاجة.

و قد عقد ابن خلدون في الفصل الحادي و الأربعين من الفصل الثالث من كتابه الأول فصلا بديعا بعنوان أن التجارة من السلطان مضرّة بالرعايا مفسدة للجباية.

و قد ذكرنا نحن محصل كلامه بتناسب ما في أوائل المجلد الثاني من هذا الكتاب نعيده هنا تتميما للفائدة:

«إن استحداث التجارة و الفلاحة للسلطان غلط عظيم و إدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة: فأوّلا مضايقة الفلاحين و التجار في شراء الحيوان و البضائع و تيسير أسباب ذلك،

فإن الرعايا متكافئون في اليسار متقاربون، و إذا رافقهم السلطان في ذلك و ماله أعظم كثيرا منهم فلا يكاد أحد منهم يحصل على غرضه في شي ء من حاجاته و يدخل على النفوس من ذلك غمّ و نكد.

ثم إن السلطان قد ينتزع الكثير من ذلك إذا تعرض له غضّا أو بأيسر ثمن أو لا يجد من يناقشه في شرائه فيبخس ثمنه على بائعه.

ثم إذا حصل فوائد الفلاحة و حصلت بضائع التجارة فلا ينتظرون به حوالة الأسواق و إنفاق البياعات لما يدعوهم إليه تكاليف الدولة فيكلفون أهل تلك الأصناف من تاجر أو فلاح بشراء تلك البضائع و لا يرضون في أثمانها إلا القيم و أزيد فيستوعبون في ذلك ناضّ أموالهم و تبقى تلك البضائع بأيديهم عروضا جامدة و ربما تدعوهم الضرورة إلى شي ء من المال فيبيعون تلك السلع على كساد من الأسواق بأبخس ثمن.

و ربما يتكرر ذلك على التاجر و الفلاح منهم بما يذهب رأس ماله فيقعد عن سوقه و يتكرر و يدخل به على الرعايا من العنت و المضايقة و فساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السعي و يؤدي إلى فساد الجباية.

فإذا انقبض الفلّاحون عن الفلاحة و قعد التجار عن التجارة ذهبت الجباية جملة أو دخلها النقص المتفاحش. و إذا قايس السلطان بين ما يحصل له من الجباية

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 300

و بين هذه الأرباح القليلة وجدها بالنسبة إلى الجباية أقلّ من القليل. ثم فيه التعرض لأهل عمرانه و اختلال الدولة بفسادهم و نقصه، فإن الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أموالهم بالفلاحة و التجارة نقصت و تلاشت بالنفقات، و كان فيها إتلاف أموالهم، فافهم ذلك.» «1» هذا.

و قد

تمّت كتابة هذه الأوراق- و للّه الحمد- في 23 رمضان المبارك 1409 في بلدة قم المكرّمة.

و أنا العبد المفتقر إلى رحمة ربّه الهادي حسينعلي المنتظري النجف آبادي غفر اللّه له و لوالديه.

______________________________

(1)- مقدمة ابن خلدون/ 197، الفصل 41 من الفصل 3 من الكتاب (- ط. أخرى/ 281، الفصل 40).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 301

خاتمة الكتاب نذكر فيها كتاب أمير المؤمنين «ع» و عهده الى مالك الاشتر.

اشارة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 303

سند عهد أمير المؤمنين «ع» الى مالك الاشتر

نذكر في خاتمة الكتاب كتاب أمير المؤمنين- عليه السلام- و عهده إلى مالك الأشتر المتضمن لأهمّ برامج الحكم الإسلامي و آدابه ليكون ختام الكتاب مسكا.

و نفس مضامين العهد الشريف و محتوياته تكون أقوى شاهد صدق على صدوره إجمالا عن منبع العلم الإلهي و معدنه، فقد يحسّ القارئ البصير على كل فقرة منه مسحة من العلم الإلهي و عبقة من الكلام النبوي كما قال الشريف الرضي «ره» في أول نهج البلاغة.

و قد روى هذا العهد الشريف قبل الشريف الرضي (المتوفى في «404» أو «406» من الهجرة) الحسن بن علي بن شعبة (المتوفى في «332») في كتاب تحف العقول في باب ما روي عن أمير المؤمنين «ع» باختلاف ما بينه و بين نهج البلاغة، فراجع. «1»

و روى قريبا منه في دعائم الإسلام «2» بإضافة في أوله، و قال في أوله:

«و عن علي «ع» أنه ذكر عهدا، فقال الذي حدثناه: أحسبه من كلام علي «ع» إلا أنا روينا عنه أنه رفعه فقال: عهد رسول اللّه «ص» عهدا كان فيه بعد كلام

______________________________

(1)- تحف العقول/ 126 و ما بعدها.

(2)- دعائم الإسلام 1/ 350، كتاب الجهاد، ذكر ما يجب للأمراء و ما يجب عليهم.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 304

ذكره: قال «ص»، فراجع. و يشبه كون ما في الدعائم نقلا بالمعنى. هذا.

و في مصادر نهج البلاغة قال:

«رواه النويري في نهاية الأرب باختلاف بسيط جدّا.» «1»

و في رجال النجاشي في أصبغ بن نباتة:

«كان من خاصة أمير المؤمنين «ع» و عمّر بعده، روى عنه عهد الأشتر و وصيته إلى محمد ابنه، أخبرنا ابن الجندي، عن

علي بن همام، عن الحميري، عن هارون بن مسلم، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بالعهد.» «2»

و في فهرست الشيخ الطوسي:

«كان الأصبغ من خاصة أمير المؤمنين «ع» و عمّر بعده، و روى عهد مالك الأشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين «ع» لما ولّاه مصر ... أخبرنا بالعهد ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن، عن الحميري، عن هارون بن مسلم و الحسن بن ظريف جميعا عن الحسين بن علوان الكلبي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة.» «3»

أقول: فالسندان يلتقيان في الحميري.

و ابن الجندي في سند النجاشي هو أحمد بن محمد بن عمران بن موسى الذي قال هو في حقه: «أستاذنا «ره» ألحقنا بالشيوخ في زمانه.»

و علي بن همام مجهول لم يذكر في كتب الرجال، و لكن من المظنون جدّا كونه مصحّف أبي عليّ محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي الثقة جليل القدر.

و الحميري هو عبد اللّه بن جعفر الحميري الثقة مؤلف قرب الإسناد.

و هارون بن مسلم قال النجاشي في حقه: «ثقة وجه».

و الحسين بن علوان قال فيه النجاشي و غيره: «عامي ثقة.»

______________________________

(1)- مصادر نهج البلاغة 3/ 430.

(2)- رجال النجاشي/ 6 (- ط. أخرى/ 8).

(3)- الفهرست/ 37 (- طبعة أخرى/ 62).

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 305

و سعد بن طريف قال الشيخ في رجاله: «و يقال له: سعد الخفّاف صحيح الحديث.» و قال النجاشي: «يعرف و ينكر.» و لكن عن ابن الغضائري: أنه ضعيف.

و أصبغ بن نباتة قالوا في حقه: «من خاصّة أمير المؤمنين «ع» و من أجلّاء أصحابه مشكور.»

و أما ابن أبي جيد في سند الشيخ فهو علي

بن أحمد بن محمد بن أبي جيد من مشايخ الإجازة، و لعل ذلك يلحقه بالثقات.

و محمد بن الحسن هو ابن الوليد الثقة جليل القدر.

و الحسن بن ظريف كوفي ثقة.

فالظاهر أن السند لا بأس به و إن اختلفوا في سعد بن طريف كما مرّ. هذا.

مضافا إلى شهرة العهد و تلقي الأصحاب له بالقبول، و إلى ما مرّ من شهادة متنه على صحته إجمالا، فتدبّر. هذا.

و أوصي رجال الدين و الملك المتعهدين بأن يداوموا على مطالعة هذا العهد النفيس و يداقّوا في مضامينه و نكاته، و يطبقوا أعمالهم و نشاطاتهم السياسية و الاجتماعية على دساتيره و دقائقه. و قد حكى العلامة النائيني- طاب ثراه- في كتاب تنبيه الأمة أن المجتهد الكبير العلامة الفذّ في عصره الحاج الميرزا حسن الشيرازي- قدّس سرّه- كان يداوم على مطالعة هذا العهد القيّم.

وفقنا اللّه- تعالى- للعمل بما يحبّ اللّه و يرتضيه في جميع الأحوال و به نستعين و عليه الاتكال.

فلنشرع في نقل الكتاب، و قد نقلناه من النسخة المطبوعة بمصر بشرح العلامة الشيخ محمد عبده:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 307

53 و من كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النخعي،

لما ولاه على مصر و اعمالها حين اضطرب [أمر] محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد و أجمع كتبه للمحاسن «1»

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

هذا ما أمر به عبد اللّه علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه، حين ولّاه مصر: جباية خراجها، و جهاد عدوّها، و استصلاح أهلها، و عمارة بلادها.

أمره بتقوى اللّه، و إيثار طاعته، و اتّباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه، و سننه، الّتي لا يسعد أحد إلّا باتّباعها، و لا يشقى إلّا مع جحودها و إضاعتها؛

و أن ينصر

اللّه سبحانه بقلبه و يده و لسانه؛ فإنّه، جلّ اسمه، قد تكفّل بنصر من نصره، و إعزاز من أعزّه.

و أمره أن يكسر نفسه من الشّهوات و يزعها عند الجمحات «2»؛ فإنّ النّفس أمّارة بالسّوء، إلّا ما رحم اللّه.

______________________________

(1)- و راجع تحف العقول ص 126، إذ يوجد فيما نقله من هذا العهد فقرات مفيدة ليست في نهج البلاغة، و وفاة مؤلّفه كما مرّ في «332» و وفاة الرضي في «404» أو «406».

(2)- يزعها أي يكفّها عن مطامعها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 308

ثمّ اعلم، يا مالك أنّي قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور، و أنّ النّاس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم، و إنّما يستدلّ على الصّالحين بما يجري اللّه لهم على ألسن عباده، فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل الصّالح، فاملك هواك و شحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك فإنّ الشّحّ بالنّفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت.

و أشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة، و المحبّة لهم، و اللّطف بهم، و لا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا «1» تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدّين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزّلل، و تعرض لهم العلل، و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطإ فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الّذي تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه و صفحه، فإنّك فوقهم و والي الأمر عليك فوقك، و اللّه فوق من ولّاك! و قد استكفاك أمرهم و ابتلاك بهم، و لا تنصبنّ نفسك لحرب اللّه فإنّه لا يدي لك بنقمته

«2»، و لا غنى بك عن عفوه و رحمته، و لا تندمنّ على عفو، و لا تبجحنّ بعقوبة «3»، و لا تسر عنّ إلى بادرة «4» وجدت منها مندوحة، و لا تقولنّ إنّي مؤمّر آمر فأطاع فإنّ ذلك إدغال في القلب، و منهكة للدّين، و تقرّب من الغير. «5» و إذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك اللّه فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك؛ فإنّ ذلك يطامن إليك من طماحك، و يكفّ عنك من غربك، و يفي ء إليك بما عزب عنك من عقلك. «6»

إيّاك و مساماة اللّه في عظمته «7» و التّشبّه به في جبروته؛ فإنّ اللّه يذلّ كلّ جبّار، و يهين كلّ مختال.

______________________________

(1)- ضرى الكلب بالصيد: تعوّده و أولع به، تطعم بلحمه و دمه.

(2)- أي لا تقدر على دفع نقمته.

(3)- بجح بالشي ء: فرح به.

(4)- البادرة: ما يبدر من الحدّة عند الغضب.

(5)- الإدغال: إدخال الفساد. و المنهكة: المضعفة. و الغير بالكسر فالفتح: حوادث الدهر.

(6)- الطماح: الجماح. و يطامن منه: يخفض منه. و الغرب: الحدّة. و يفي ء: يرجع.

(7)- المساماة: المغالبة في السموّ و العلوّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 309

أنصف اللّه و أنصف النّاس من نفسك و من خاصّة أهلك و من لك فيه هوى من رعيّتك؛ فانّك إلّا تفعل تظلم! و من ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده، و من خاصمه اللّه أدحض حجّته و كان للّه حربا حتّى ينزع أو يتوب و ليس شي ء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه و تعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإنّ اللّه سميع دعوة المضطهدين و هو للظّالمين

بالمرصاد.

و ليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها في الحقّ، و اعمّها في العدل و أجمعها لرضا الرّعيّة، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة «1» و إنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة.

و ليس أحد من الرّعيّة أثقل على الوالي مئونة في الرّخاء و أقلّ معونة له في البلاء، و أكره للانصاف، و أسأل بالالحاف و أقلّ شكرا عند الاعطاء، و أبطأ عذرا عند المنع، و أضعف صبرا عند ملمّات الدّهر من أهل الخاصّة و إنّما عماد الدّين و جماع المسلمين و العدّة للأعداء العامّة من الأمّة، فليكن صغوك لهم، و ميلك معهم.

و ليكن أبعد رعيّتك منك و أشنأهم عندك أطلبهم لمعايب النّاس فانّ في النّاس عيوبا الوالي أحقّ من سترها، فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها فانّما عليك تطهير ما ظهر لك، و اللّه يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر اللّه منك ما تحبّ ستره من رعيّتك أطلق عن النّاس عقدة «2» كلّ حقد، و أقطع عنك سبب كلّ وتر، و تغاب عن كلّ ما لا يصحّ لك و لا تعجلنّ إلى تصديق ساع «3»؛ فإنّ السّاعي غاش، و إن تشبّه بالنّاصحين.

و لا تدخلنّ في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل و يعدك الفقر، و لا جبانا يضعفك عن الأمور، و لا حريصا يزيّن لك الشّره «4» بالجور، فإنّ البخل و الجبن و الحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظّنّ باللّه!

______________________________

(1)- يجحف برضا الخاصّة، أي يذهب به و يفني أساسه.

(2)- أي أزل عن قلوبهم علل الأحقاد بحسن السيرة معهم.

(3)- الوتر: العداوة. و التغابي: التغافل. و الساعي: النمام.

(4)- الشّره: بالتحريك: أشدّ الحرص.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 310

إنّ شرّ

وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا، و من شركهم في الآثام فلا يكوننّ لك بطانة فإنّهم أعوان الأئمة، و إخوان الظّلمة، و أنت واجد منهم خير الخلف ممّن له مثل آرائهم و نفاذهم، و ليس عليه مثل آصارهم و أوزارهم ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه، أولئك أخفّ عليك مئونة، و أحسن لك معونة، و أحنى عليك عطفا، و أقلّ لغيرك إلفا «1»، فاتّخذ أولئك خاصّة لخلواتك و حفلاتك، ثمّ ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك و أقلّهم مساعدة فيما يكون منك ممّا كره اللّه لأوليائه واقعا [ذلك] من هواك حيث وقع. و الصق بأهل الورع و الصّدق، ثمّ رضهم على أن لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله «2»، فانّ كثرة الإطراء تحدث الزّهو و تدنى من العزّة.

و لا يكوننّ المحسن و المسي ء عندك بمنزلة سواء؛ فإنّ في ذلك تزهيدا لأهل الاحسان في الاحسان، و تدريبا لأهل الإساءة على الاساءة! و ألزم كلّا منهم ما ألزم نفسه. و اعلم أنّه ليس شي ء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم و تخفيفه المؤونات عليهم، و ترك استكراهه إيّاهم على ما ليس [له] قبلهم فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظّنّ برعيّتك، فإنّ حسن الظّنّ يقطع عنك نصبا طويلا و إنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده، و إنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده.

و لا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة، و اجتمعت بها الألفة، و صلحت عليها الرّعيّة؛ و لا تحدثنّ سنّة تضرّ بشي ء من ماضى تلك السّنن فيكون الأجر لمن سنّها، و الوزر

عليك بما نقضت منها.

و أكثر مدارسة العلماء، و منافثة الحكماء «3» في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، و إقامة ما استقام به النّاس قبلك.

و اعلم أنّ الرّعيّة طبقات لا يصلح بعضها إلّا ببعض، و لا غنى ببعضها عن بعض: فمنها

______________________________

(1)- الأحنى: الأميل و الأعطف. و الإلف بالكسر: الألفة.

(2)- أي عوّدهم على أن لا يزيدوا في مدحك و يفرحوك بنسبة عمل عظيم لم تفعله.

(3)- المنافثة: المحادثة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 311

جنود اللّه، و منها كتّاب العامّة و الخاصّة، و منها قضاة العدل و منها عمّال الإنصاف و الرّفق، و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذّمّة و مسلمة النّاس، و منها التّجّار و أهل الصّناعات، و منها الطّبقة السّفلى من ذوي الحاجة و المسكنة، و كلّ قد سمّى اللّه [له] سهمه. و وضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنّة نبيّه- صلى اللّه عليه و آله و سلّم- عهدا منه عندنا محفوظا.

فالجنود، باذن اللّه، حصون الرّعيّة، و زين الولاة، و عزّ الدّين، و سبل الأمن، و ليس تقوم الرّعيّة إلّا بهم، ثمّ لا قوام للجنود إلّا بما يخرج اللّه لهم من الخراج الّذي يقوون به على جهاد عدوّهم، و يتعمدون عليه فيما يصلحهم، و يكون من وراء حاجتهم، ثمّ لا قوام لهذين الصّنفين إلّا بالصّنف الثّالث من القضاة و العمّال و الكتّاب، لما يحكمون من المعاقد «1» و يجمعون من المنافع، و يؤتمنون عليه من خواصّ الأمور و عوامّها و لا قوام لهم جميعا إلّا بالتّجّار و ذوي الصّناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم و يقيمونه من أسواقهم، و يكفونهم من التّرفّق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم،

ثمّ الطّبقة السّفلى من أهل الحاجة و المسكنة الّذين يحقّ رفدهم و معونتهم و في اللّه لكلّ سعة، و لكلّ على الوالي حقّ بقدر ما يصلحه. و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه اللّه من ذلك إلّا بالاهتمام و الاستعانة باللّه، و توطين نفسه على لزوم الحقّ، و الصّبر عليه فيما خفّ عليه أو ثقل.

فولّ من جنودك انصحهم في نفسك للّه و لرسوله و لإمامك، و أنقاهم جيبا «2» و أفضلهم حلما: ممّن يبطئ عن الغضب، و يستريح إلى العذر، و يرأف بالضّعفاء، و ينبو على الأقوياء «3» و ممّن لا يثيره العنف، و لا يقعد به الضّعف.

ثمّ الصق بذوي [المروءات] الأحساب و أهل البيوتات الصّالحة و السّوابق الحسنة،

______________________________

(1)- هذا و ما بعده نشر على ترتيب اللّف؛ فالمعاقد: العقود و المعاهدات، و إحكامها شأن القضاة. و جمع المنافع شأن العمّال. و المؤتمنون هم الكتّاب.

(2)- الجيب: طوق القميص، و نقيّ الجيب أي طاهر الصدر و القلب.

(3)- الحلم: العقل. و ينبو أي يشتدّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 312

ثمّ أهل النّجدة و الشّجاعة و السّخاء و السّماحة؛ فانّهم جماع من الكرم، و شعب من العرف، ثمّ تفقّد من أمورهم ما يتفقّد الوالدان من ولدهما، و لا يتفاقمنّ في نفسك شي ء قوّيتهم به «1» و لا تحقرنّ لطفا تعاهدتهم به و إن قلّ، فإنّه داعية لهم إلى بذل النّصيحة لك، و حسن الظّنّ بك. و لا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها؛ فإنّ لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به، و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه.

و ليكن آثر رءوس جندك عندك من و اساهم في معونته؛ و أفضل عليهم من جدته، بما

يسعهم و يسع من وراءهم من خلوف أهليهم، حتّى يكون همّهم همّا واحدا في جهاد العدوّ؛ فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك.

و إنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، و ظهور مودّة الرّعيّة، و إنّه لا تظهر مودّتهم إلّا بسلامة صدورهم، و لا تصحّ نصيحتهم إلّا بحيطتهم على ولاة الأمور و قلّة استثقال دولهم، و ترك استبطاء انقطاع مدّتهم؛ فافسح في آمالهم و واصل في حسن الثّناء عليهم و تعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم؛ فانّ كثرة الذّكر لحسن أفعالهم تهزّ الشّجاع، و تحرّض النّاكل، إن شاء اللّه.

ثمّ اعرف لكلّ امرئ منهم ما أبلى، و لا تضيفنّ بلاء امرئ إلى غيره، و لا تقصّرنّ به دون غاية بلائه، و لا يدعونّك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا، و لا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما.

و اردد إلى اللّه و رسوله ما يضلعك «2» من الخطوب و يشتبه عليك من الأمور؛ فقد قال اللّه تعالى لقوم أحبّ إرشادهم: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ فالرّدّ إلى اللّه: الأخذ بمحكم كتابه، و الرّدّ إلى الرّسول: الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة.

ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الأمور

______________________________

(1)- تفاقم الأمر: اشتدّ.

(2)- ضلعه: ضرب في ضلعه، و أضلعه: أثقله. و المراد ما يشكل عليك.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 313

و لا تمحكه الخصوم «1» و لا يتمادى في الزّلّة، و لا يحصر من الفي ء إلى الحقّ إذا عرفه «2»، و لا تشرف

نفسه على طمع و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه؛ و أوقفهم في الشّبهات و آخذهم بالحجج، و أقلّهم تبرّما «3» بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشّف الأمور، و أصرمهم عند اتّضاح الحكم؛ ممّن لا يزدهيه إطراء «4»، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل، ثمّ أكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيل علّته، و تقلّ معه حاجته إلى النّاس، و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرّجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا؛ فإنّ هذا الدّين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار:

يعمل فيه بالهوى، و تطلب به الدّنيا.

ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا، و لا تولّهم محاباة و أثرة؛ فإنّهم جماع من شعب الجور و الخيانة؛ و توخّ منهم أهل التّجربة و الحياء من أهل البيوتات الصّالحة و القدم في الإسلام المتقدّمة فانّهم أكرم أخلاقا، و أصحّ أعراضا؛ و أقلّ في المطامع إشرافا، و أبلغ في عواقب الأمور نظرا. ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق فإنّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم، و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، و حجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ثمّ تفقّد أعمالهم و ابعث العيون من أهل الصّدق و الوفاء عليهم، فإنّ تعاهدك في السّرّ لأمورهم حدوة «5» لهم على استعمال الأمانة و الرّفق بالرّعيّة و تحفّظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، و أخذته بما أصاب من عمله، ثمّ نصبته بمقام المذلّة، و وسمته بالخيانة، و قلّدته عار التّهمة.

و تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله؛

فإنّ في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم؛ و لا صلاح لمن سواهم إلّا بهم، لأنّ النّاس كلّهم عيال على الخراج و أهله. و ليكن

______________________________

(1)- أمحكه: أغضبه و جعله لجوجا.

(2)- أي لا يضيق صدره من الرجوع إلى الحقّ.

(3)- التبرّم: الملل و الضجر.

(4)- أصرمهم: أقطعهم للخصومة. لا يزدهيه إطراء: لا يستخفّه زيادة الثناء.

(5)- الحدوة: الحثّ.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 314

نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنّ ذلك لا يدرك إلّا بالعمارة، و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد، و لم يستقم أمره إلّا قليلا؛ فإن شكوا ثقلا أو علّة أو انقطاع شرب أو بالّة أو إحالة أرض «1» اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم. و لا يثقلنّ عليك شي ء خفّفت به المؤونة عنهم فإنّه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك، و تزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم، و تبجّحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوّتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم «2» و الثّقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم، فربّما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به فإنّ العمران محتمل ما حمّلته، و إنّما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، و إنّما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع و سوء ظنّهم بالبقاء، و قلّة انتفاعهم بالعبر.

ثمّ انظر في حال كتّابك فولّ على أمورك خيرهم؛ و اخصص رسائلك الّتي تدخل فيها مكائدك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممّن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ، و لا

تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمّالك عليك و إصدار جواباتها على الصّواب عنك فيما يأخذ لك و يعطي منك، و لا يضعف عقدا اعتقده لك، و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك، و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور؛ فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل، ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك و استنامتك «3» و حسن الظّنّ منك؛ فإنّ الرّجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم و حسن خدمتهم، و ليس وراء ذلك من النّصيحة و الأمانة شي ء، و لكن اختبرهم بما ولّوا للصّالحين قبلك: فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثرا، و أعرفهم بالأمانة وجها، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك للّه و لمن ولّيت أمره، و اجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا

______________________________

(1)- الثقل: ثقل الخراج المضروب. و البالّة: ما يبلّ الأرض من المطر. و إحالة الأرض: تحويلها البذور إلى الفساد.

(2)- الإجمام: الإراحة.

(3)- الفراسة: حسن النظر. و استنام إلى الشي ء: سكن إليه سكون النائم، و المقصود أن لا يكون انتخابك تابعا لميلك الخاصّ و حسن ظنك.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 315

منهم لا يقهره كبيرها، و لا يتشتّت عليه كثيرها، و مهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

ثمّ استوص بالتّجّار و ذوي الصّناعات و أوص بهم خيرا: المقيم منهم و المضطرب بماله، و المترفّق ببدنه؛ فإنّهم موادّ المنافع، و أسباب المرافق و جلّابها من المباعد و المطارح في برّك و بحرك و سهلك و جبلك، و حيث لا يلتئم النّاس لمواضعها و لا يجترءون عليها؛ فإنّهم سلم لا تخاف بائقته «1» و صلح لا تخشى غائلته، و تفقّد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك.

و

اعلم- مع ذلك- أنّ في كثير منهم ضيقا فاحشا، و شحّا قبيحا و احتكارا للمنافع، و تحكّما في البياعات، و ذلك باب مضرّة للعامّة و عيب على الولاة؛ فامنع من الاحتكار فانّ رسول اللّه، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، منع منه. و ليكن البيع بيعا سمحا: بموازين عدل، و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه فنكّل به؛ و عاقبه في غير إسراف.

ثمّ اللّه اللّه في الطّبقة السّفلى من الّذين لا حيلة لهم من المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزّمنى «2» فإنّ في هذه الطّبقة قانعا و معترّا «3»؛ و احفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم، و اجعل لهم قسما من بيت مالك، و قسما من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد؛ «4» فإنّ للأقصى منهم مثل الّذي للأدنى، و كلّ قد استرعيت حقّه؛ فلا يشغلنّك عنهم بطر «5» فإنّك لا تعذر بتضييعك التّافه «6» لإحكامك الكثير المهمّ، فلا تشخص همّك عنهم و لا تصعّر «7» خدّك لهم، و تفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن

______________________________

(1)- البائقة: الداهية.

(2)- البؤسى: شدّة الفقر. و الزمنى جمع زمين: المصاب بالزمانة.

(3)- القانع: الخاضع بالسؤال. و المعترّ: المتعرض للعطاء بلا سؤال.

(4)- الصوافي جمع الصافية، و هي أرض الغنيمة.

(5)- البطر: طغيان النعمة.

(6)- التافه: القليل الحقير.

(7)- صعّر خدّه: أماله كبرا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 316

تقتحمه العيون «1» و تحقره الرّجال، ففرّغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التّواضع، فليرفع إليك أمورهم، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى اللّه يوم تلقاه «2»؛ فإنّ هؤلاء من بين الرّعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم، و كلّ فأعذر

إلى اللّه في تأدية حقّه إليه، و تعهّد أهل اليتم و ذوي الرّقة في السّنّ ممّن لا حيلة له، و لا ينصب للمسألة نفسه، و ذلك على الولاة ثقيل [و الحقّ كلّه ثقيل] و قد يخفّفه اللّه على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم، و وثقوا بصدق موعود اللّه لهم.

و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرّغ لهم فيه شخصك، و تجلس لهم مجلسا عامّا فتتواضع فيه للّه الّذي خلقك، و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع «3»، فإنّي سمعت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، يقول في غير موطن: (لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القويّ غير متتعتع) ثمّ احتمل الخرق منهم و العيّ «4»، و نحّ عنهم الضّيق و الأنف يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته، و يوجب لك ثواب طاعته، و أعط ما أعطيت هنيئا، و امنع في إجمال و إعذار!

ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها: منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه كتّابك، و منها إصدار حاجات النّاس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك «5»، و أمض لكلّ يوم عمله؛ فإنّ لكلّ يوم ما فيه، و اجعل لنفسك فيما بينك و بين اللّه أفضل تلك المواقيت، و أجزل تلك الأقسام و إن كانت كلّها للّه إذا صلحت فيها النّيّة، و سلمت منها الرّعيّة.

و ليكن في خاصّة ما تخلص به للّه دينك: إقامة فرائضه الّتي هي له خاصّة. فأعط اللّه من بدنك في ليلك و نهارك، و وفّ ما تقرّبت به إلى اللّه من ذلك كاملا غير مثلوم

______________________________

(1)- تقتحمه العيون: تزدريه و تحتقره.

(2)- الإعذار: الاجتهاد في

أداء الحق بحيث تكون معذورا.

(3)- التعتعة في الكلام: التردد فيه من عجز و عيّ.

(4)- الخرق بالضمّ: العنف. و العيّ: العجز عن النطق.

(5)- حرج: ضاق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 317

و لا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ، و إذا قمت في صلاتك للنّاس فلا تكوننّ منفّرا و لا مضيّعا فإنّ في النّاس من به العلّة و له الحاجة. و قد سألت رسول اللّه، صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حين وجّهني إلى اليمن كيف أصلّي بهم؟ فقال «صلّ بهم كصلاة أضعفهم، و كن بالمؤمنين رحيما».

و أمّا بعد، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك؛ فإنّ احتجاب الولاة عن الرّعيّة شعبة من الضّيق، و قلّة علم بالأمور، و الاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، و يعظم الصّغير، و يقبح الحسن و يحسن القبيح، و يشاب الحقّ بالباطل؛ و إنّما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور، و ليست على الحقّ سمات تعرف بها ضروب الصّدق من الكذب، و إنّما أنت أحد رجلين: إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحقّ ففيم احتجابك من واجب حقّ تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه، أو مبتلىّ بالمنع فما أسرع كفّ النّاس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مئونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة.

ثمّ إنّ للوالي خاصّة و بطانة فيهم استئثار، و تطاول، و قلّة إنصاف في معاملة فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال و لا تقطعنّ لأحد من حاشيتك و حامّتك قطيعة و لا يطمعنّ منك في اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من النّاس

في شرب أو عمل مشترك يحملون مئونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك و عيبه عليك في الدّنيا و الآخرة.

و ألزم الحقّ من لزمه من القريب و البعيد، و كن في ذلك صابرا محتسبا، واقعا ذلك من قرابتك و خاصّتك حيث وقع؛ و ابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه؛ فإنّ مغبّة ذلك محمودة.

و إن ظنّت الرّعيّة بك حيفا فأصحر لهم بعذرك، و اعدل عنك ظنونهم بإصحارك؛ فإنّ في ذلك رياضة منك لنفسك و رفقا برعيّتك، و إعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحقّ.

و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك [و] للّه فيه رضا؛ فإنّ في الصّلح دعة لجنودك و راحة من همومك، و أمنا لبلادك، و لكن الحذر كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحه؛ فإنّ العدوّ ربّما قارب ليتغفّل فخذ بالحزم، و اتّهم في ذلك حسن الظّنّ. و إن عقدت بينك

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 318

و بين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمّة فحط عهدك بالوفاء، و ارع ذمّتك بالأمانة، و اجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت؛ فإنّه ليس من فرائض اللّه شي ء النّاس أشدّ عليه اجتماعا مع تفرّق أهوائهم و تشتّت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر «1» فلا تغدرنّ بذمّتك و لا تخيسنّ بعهدك «2» و لا تختلنّ عدوّك؛ فإنّه لا يجترئ على اللّه إلّا جاهل شقيّ. و قد جعل اللّه عهده و ذمّته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، و حريما يسكنون إلى منعته، و يستفيضون إلى جواره فلا إدغال و لا مدالسة «3» و لا خداع فيه، و لا تعقد عقدا

تجوّز فيه العلل، و لا تعوّلنّ على لحن قول بعد التّأكيد و التّوثقة، و لا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب انفساخه بغير الحقّ؛ فإنّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، و أن تحيط بك من اللّه فيه طلبة، فلا تستقيل فيها دنياك و لا آخرتك. «4»

إيّاك و الدّماء و سفكها بغير حلّها؛ فإنّه ليس شي ء أدنى لنقمة، و لا أعظم لتبعة، و لا أحرى بزوال نعمة و انقطاع مدّة؛ من سفك الدّماء بغير حقّها، و اللّه سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدّماء يوم القيامة، فلا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام؛ فإنّ ذلك ممّا يضعفه و يوهنه بل يزيله و ينقله، و لا عذر لك عند اللّه و لا عندي في قتل العمد؛ لأنّ فيه قود البدن، و إن ابتليت بخطإ و أفرط عليك سوطك أو سيفك أو تؤدّي بالعقوبة؛ فإنّ في الوكزة فما فوقها مقتلة، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلى أولياء المقتول حقّهم.

و إيّاك و الاعجاب بنفسك، و الثّقة بما يعجبك منها، و حبّ الإطراء فإنّ ذلك من أوثق فرص الشّيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.

______________________________

(1)- أي وجدوا عواقب الغدر و بيلة.

(2)- خاس بعهده: نقضه. و الختل: الخداع.

(3)- الإدغال: الإفساد. و المدالسة: الخيانة.

(4)- أي تخاف أن تحيط بك من اللّه مطالبة بحقّه في الوفاء بحيث لا يمكنك التخلّص منه بمطالبة العفو منه في دنياك أو آخرتك.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 319

و إيّاك و المنّ على رعيّتك باحسانك، أو التّزيّد فيما كان من فعلك «1» أو أن تعدهم

فتتبع موعدك بخلفك، فإنّ المنّ يبطل الإحسان، و التّزيّد يذهب بنور الحقّ، و الخلف يوجب المقت عند اللّه و النّاس قال اللّه تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ.

و إيّاك و العجلة بالأمور قبل أوانها، أو التّسقّط فيها عند إمكانها «2» أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كلّ أمر موضعه، و أوقع كلّ أمر موقعه.

و إيّاك و الاستئثار بما النّاس فيه أسوة، «3» و التّغابي عمّا تعنى به «4» ممّا قد وضح للعيون؛ فإنّه مأخوذ منك لغيرك؛ و عمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، و ينتصف منك للمظلوم؛ املك حميّة أنفك «5»، و سورة حدّك، و سطوة يدك، و غرب لسانك؛ و احترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة، و تأخير السّطوة، حتّى يسكن غضبك فتملك الاختيار، و لن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك.

و الواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة، أو سنّة فاضلة، أو أثر عن نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو فريضة في كتاب اللّه، فتقتدي بما شاهدت ممّا عملنا [به] فيها، و تجتهد لنفسك في اتّباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، و استوثقت به من الحجّة لنفسي عليك؛ لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها. و أنا أسأل اللّه بسعة رحمته، و عظيم قدرته على إعطاء كلّ رغبة أن يوفّقني و إيّاك لما فيه رضاه من الاقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه، مع حسن الثّناء في العباد، و جميل الأثر في البلاد، و تمام النّعمة، و تضعيف الكرامة «6»، و أن يختم لي و لك بالسّعادة و

الشّهادة، إنّا إليه راجعون. و السّلام على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله الطّيبين الطاهرين و سلّم تسليما كثيرا، و السّلام.

______________________________

(1)- التزيّد: إظهار الزيادة في الأعمال عن الواقع منها.

(2)- التسقّط فيها: التهاون فيها.

(3)- أي تخصّ نفسك بشي ء من الحقوق العامة التي تجب فيها المساواة.

(4)- التغابي عما تعنى به: التغافل عمّا يجب أن يهتمّ به.

(5)- أي املك نفسك عند الغضب.

(6)- أي جعلها أضعافا.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 321

الفهارس العامّة

اشارة

1- أبواب الكتاب و فصولها إجمالا.

2- الموضوعات على ترتيب حروف التهجي.

3- مصادر التحقيق.

4- الآيات الكريمة.

5- الروايات الشريفة.

6- أسماء النبي و بنته الزهراء و الأئمة- صلوات اللّه عليهم أجمعين.

7- الأعلام و الرواة.

8- القبائل، الطوائف، الجماعات، الفرق و المذاهب.

9- الكتب الواردة في المتن.

10- الأماكن و البقاع.

11- الأيام و الحوادث.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 323

فهرس أبواب الكتاب و فصولها إجمالا حسب ترتيبها في الكتاب

يشتمل الكتاب على مقدمة و ثمانية أبواب و خاتمة:

المقدمة و فيها إشارة إجمالية إلى ضرورة الحكومة و أنحائها الدارجة، و الحكومة الإسلامية و ولاية الفقيه و أبواب الكتاب و فصوله. ج 1/ 3- 23

الباب الأوّل فيما يقتضيه الأصل، و حكم العقل في المسألة إجمالا مع قطع النظر عما ورد في الكتاب و السنة ج 1/ 25- 31

الباب الثاني في ثبوت الولاية للنبيّ الأكرم و للأئمة المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين و الإشارة الى انحاء الولاية ج 1/ 33- 81

الباب الثالث في بيان لزوم الحكومة و ضرورتها في جميع الأعصار و لو في عصر الغيبة بل كونها من ضروريات الإسلام و مما أوجب اللّه- تعالى- تأسيسها و الحفاظ عليها مع الإمكان. ج 1/ 83- 256

و يشتمل هذا الباب على فصول أربعة:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 324

الفصل الأوّل: في ذكر كلمات بعض العلماء و الأعاظم المدّعين للإجماع في المسألة. ج 1/ 85- 88

الفصل الثاني: في سير إجمالي في روايات الفقه الإسلامي و فتاوى الأصحاب التي يظهر منها إجمالا سعة دائرة الإسلام و جامعيته لجميع شئون الإنسان و أنّ الحكومة داخلة في نسجه و نظامه و لا يجوز تعطيلها في عصر و لا مكان. و يشتمل هذا الفصل على

أربعة عشر فصلا. ج 1/ 89- 160

الفصل الثالث: فيما يستدلّ به لضرورة الحكومة في جميع الأعصار و يذكر لذلك عشرة أدلّة. ج 1/ 161- 204

الفصل الرابع: في ذكر الأخبار الّتي ربما توهم وجوب السكوت في قبال الجنايات و مظالم الأعداء في عصر الغيبة و عدم التدخل في الشؤون السياسية و إقامة الدّولة العادلة إلى أن يظهر الإمام المنتظر «ع». ج 1/ 205- 256

الباب الرابع في شرائط الإمام و الوالي الّذي تصحّ إمامته و تجب طاعته ج 1/ 257- 395

و يشتمل على اثني عشر فصلا:

الفصل الأوّل: في ذكر بعض الكلمات من العلماء و الفقهاء في شرائط الوالي ج 1/ 261- 273

الفصل الثاني: في بيان ما يحكم به العقل و العقلاء في المقام مع قطع النظر عن الآيات و الروايات ج 1/ 275- 277

الفصل الثالث: في ذكر آيات الباب ج 1/ 279- 283

الفصل الرابع: في اعتبار العقل الوافي ج 1/ 285- 286

الفصل الخامس: في اعتبار الإسلام و الايمان. ج 1/ 287- 288

الفصل السادس: في اعتبار العدالة. ج 1/ 289- 300

الفصل السابع: في اعتبار الفقاهة و العلم بالإسلام ج 1/ 301- 318

الفصل الثامن: في اعتبار القوة و حسن الولاية ج 1/ 319- 327

الفصل التاسع: في اعتبار أن لا يكون الوالي من أهل البخل و الطمع و المصانعة ج 1/ 329- 334

الفصل العاشر: في اعتبار الذكورة ج 1/ 335- 361

الفصل الحادي عشر: في اعتبار طهارة المولد ج 1/ 363- 367

الفصل الثاني عشر: في ذكر أمور أخر اختلفوا في اعتبارها في الإمام ج 1/ 369- 395

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4،

ص: 325

الباب الخامس في كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة ج 1/ 397- 620

و يشتمل على ستة فصول:

الفصل الأوّل: في ذكر الأقوال في المسألة و نقل بعض الكلمات ج 1/ 399- 406

الفصل الثاني: في البحث في مقام الثبوت و ذكر المحتملات فيه ج 1/ 407- 423

الفصل الثالث: في ذكر أدلّة القائلين بنصب الفقهاء عموما ج 1/ 425- 492

الفصل الرابع: فيما يمكن أن يستدلّ به لصحة انعقاد الإمامة بانتخاب الأمّة ج 1/ 493- 511

الفصل الخامس: في أخبار البيعة و ماهيتها ج 1/ 513- 529

الفصل السادس: في ستّ عشرة مسألة مهمة يجب الالتفات إليها و البحث فيها ج 1/ 531- 620

الباب السادس في حدود ولاية الفقيه و اختياراته و وظائف الإمام، و السلطات الثلاث، و واجبات الحاكم الإسلامي تجاه الإسلام و الأمّة، و واجبات الأمّة تجاهه ج 2/ 1- 782

و يشتمل على خمسة عشر فصلا:

الفصل الأوّل: في أهداف الدولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلاميّ التصدّي له في حكومته ج 2/ 3- 30

الفصل الثاني: في الشورى ج 2/ 31- 50

الفصل الثالث: في أنّ المسؤول في الحكومة الإسلامية هو الإمام، و السلطات الثلاث أياديه و أعضاده ج 2/ 51- 55

الفصل الرابع: في بيان إجماليّ لأنواع السلطات و الدوائر في الحكومة الإسلامية:

السلطة التشريعية؛ السلطة التنفيذية؛ السلطة القضائيّة ج 2/ 57- 211

الفصل الخامس: في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إدارة الحسبة ج 2/ 213- 303

الفصل السادس: في البحث حول التعزيرات الشرعية ج 2/ 305- 420

الفصل السابع: في أحكام السجون و آدابها ج 2/ 421- 538

الفصل الثامن: في التجسس و الاستخبارات العامّة

ج 2/ 539- 591

الفصل التاسع: هل يثبت الهلال بحكم الإمام و الوالي أم لا؟ ج 2/ 593- 610

الفصل العاشر: في الاحتكار و التسعير ج 2/ 611- 667

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 326

الفصل الحادي عشر: في وجوب اهتمام الإمام و عماله بالأموال العامّة للمسلمين و حفظها، و صرفها في مصارفها المقررة، و رعاية العدل في قسمها، و التسوية فيها، و إعطاء كل ذي حقّ حقّه و قطع أيادي الغاصبين عنها بمصادرتها ج 2/ 669- 693

الفصل الثاني عشر: في وجوب اهتمام الإمام و عمّاله بأمر الضعفاء و الأرامل و الأيتام و من لا حيلة له ج 2/ 695- 700

الفصل الثالث عشر: في السياسة الخارجية للإسلام و معاملته مع الأقليات غير المسلمة ج 2/ 701- 753

الفصل الرابع عشر: في إشارة إجمالية إلى اهتمام الإسلام بالقوى العسكرية ج 2/ 755- 768

الفصل الخامس عشر: في ذكر الآيات و الروايات الدالّة على ثبوت الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمّة و أنّه يجب على الأمّة التسليم له و إطاعته، و كذا إطاعة عمّاله المنصوبين من قبله اجمالا ج 2/ 769- 782

الباب السابع في ذكر بعض الآيات و الروايات الواردة في سيرة الإمام و أخلاقه في معاشرته المسلمين و غيرهم، و في مطعمه و ملبسه و نحو ذلك. ج 2/ 783- 833

و يشتمل على ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: في مكارم أخلاقه و لطفه و عفوه و رحمته ج 2/ 785- 809

الفصل الثاني: في أنه على الإمام أن لا يحتجب عن رعيّته ج 2/ 811- 815

الفصل الثالث: في سيرة الإمام في مطعمه و ملبسه و إعراضه عن الدنيا

و زخارفها ج 2/ 817- 833

الباب الثامن في المنابع الماليّة للدولة الإسلامية ج 3/ 1- 507 و ج 4/ 1- 300

و يشتمل على ستة فصول:

الفصل الأوّل: في الزكاة و الصدقات ج 3/ 5- 41

الفصل الثاني: في الخمس ج 3/ 43- 128

الفصل الثالث: في غنائم الحرب الّتي منها الأراضي المفتوحة عنوة و السبايا و الأسارى ج 3/ 129- 317

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 327

الفصل الرابع: في بيان مفهوم الفي ء و ذكر بعض مصاديقه و منها الجزية و الخراج ج 3/ 319- 507

الفصل الخامس: في الأنفال ج 4/ 1- 256

الفصل السادس: في إشارة إجمالية إلى حكم سائر الضرائب التي ربّما تمسّ الحاجة إلى تشريعها و وضعها زائدة على الزكوات و الأخماس و الخراج و الجزايا المعروفة المشروعة ج 4/ 258- 300

خاتمة الكتاب في ذكر كتاب أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر حين ولّاه مصر ج 4/ 301- 319

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 329

فهرس الموضوعات على ترتيب حروف التهجي

لتسهيل الاطلاع على مطالب الكتاب يترتّب هذا الفهرس على ترتيب حروف التهجي و لكن لكثرة المباحث رتّب الموضوعات الرئيسية على أساس التهجي ثمّ عنون في ذيل كل واحد منها المباحث التفريعية المرتبطة و نشير ابتداء الى الموضوعات الرئيسية ثم نفصل كل منها:

إجبار المسجون على المقابلة التلفزيونية،

السجن.

الاجتهاد و التقليد.

الإجماع،- منابع الحكم الإسلامي.

الاحتكار و التسعير.

أخبار التحليل و الجواب عنها،- لخمس.

أخبار السكوت و السكون.

أخلاق الإمام،- الإمام.

أدلّة الفقه و مصاره،- منابع الحكم الإسلامي و مصادره.

الأراضي و أحكامها.

الأراضي المفتوحة عنوة.

الأرامل و الضعفاء في الحكومة الإسلامية،- أهداف الدولة الاسلامية.

الأسارى.

الاستخبارات العامّة و التجسس.

الاستخلاف.

الاستشارة،- الشورى.

إطاعة أولى الأمر.

إطاعة الجائر حرام،- إطاعة أولي

الأمر؛ القيام في قبال حكّام الجور.

الاقتصاد في الإسلام،- المنابع المالية، الاحتكار و التسعير؛ أهداف الدولة الإسلامية؛ التعزيرات المالية.

الأقليات غير المسلمة،- السياسة الخارجية ...

الأقلية و الأكثرية في الحكومة،- الإمام.

الأكثرية و الأقلية في الحكومة،- الإمام.

الامامة،- الولاية

الإمام.

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحسبة.

انتخاب الأمّة- الإمام- كيفية تعيين الوالي

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 330

و انعقاد الإمامة.

الأنفال.

اهتمام الإمام بالأموال العامة،- أهداف الدّولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلامي ...

أهداف الدولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلامي التصدّي له في حكومته.

أهل بيت النبيّ «ص»،- الاستخلاف.

البغاة،- القيام في قبال حكّام الجور؛ و ...

البيعة و ماهيتها،- الإمام- كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة.

التجسّس،- الاستخبار العامّة و التجسس.

التسعير،- الاحتكار و التسعير.

التشريع،- السلطة التشريعية.

تشريع القوانين في أبواب الفقه على أساس الحكومة،- الحكومة.

التعذيب و التشديد،- الاستخبارات العامة؛ التعزيرات الشرعية.

التعزيرات الشرعية.

التعزيرات المالية.

التعزيرات البدنية.

تعيين الوالي و انعقاد الإمامة،- الإمام- كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة.

التقليد،- الاجتهاد و التقليد.

التنفيذ،- السلطة التنفيذية.

الجزية.

الجهاد.

الحاكم الإسلامي،- الإمام.

الحبس،- السجن.

حديث الثقلين و التّمسك بالعترة الطّاهرة،- الاستخلاف.

حرمة الانسان في النظام الاسلامي،- الاستخبارات العامة؛ التعزيرات الشرعية.

الحريات في النظام الإسلامي

الحسبة،- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحسبة.

الحصانة السياسية،- السياسة الخارجية للإسلام و ...

الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمة ...

الحكومة.

الخراج.

الخمس.

الدولة الإسلامية،- الحكومة.

الزكاة و الصدقات.

السبايا،- الأسارى.

السجن.

السلطات الثلاث.

السلطة التشريعية.

السلطة التنفيذية.

السلطة القضائية.

السلطان،- الإمام.

السلطنة،- الولاية.

السياسة الخارجية للإسلام.

سيرة الإمام و مكارم أخلاقه،- الإمام.

شرائط الإمام و الوالي ...

الشورى.

الصابئة،- الجزية- بحث في حكم الصابئة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 331

الصدقات،- الزكاة و الصدقات.

الضرائب الإسلامية،- المنابع المالية.

ضرورة الحكومة في جميع الأعصار،- الحكومة.

الضعفاء و الأرامل في الحكومة الإسلامية،- أهداف الدولة الإسلامية.

العدل و أهميته في الإسلام.

العشور،- المنابع المالية- الضرائب التي ...

العقل

و أهميته في النظام الإسلامي،- السلطة التشريعية؛ شرائط الإمام و الوالي؛ الشورى؛ المسائل الأصولية؛ منابع الحكم الإسلامي.

العقوبات في النظام الإسلامي،- الاستخبارات العامة؛ التعزيرات الشرعية؛ السجن.

عهد مولانا أمير المؤمنين «ع»،- كتاب مولانا أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر.

غنائم الحرب.

فدك.

فقه الدولة،- الحكومة.

الفي ء.

القسط و أهميته في الإسلام.

القضاء،- السلطة القضائية.

القوى العسكرية.

قيام زيد بن علي،- أخبار السكوت و السكون؛ القيام في قبال حكام الجور.

القيام في قبال حكّام الجور.

كتاب مولانا أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر.

الكفاح المسلح لإقامة الدولة العادلة،- القيام في قبال حكام الجور.

كيفية تعيين الوالي و انعقاد الامامة،- الإمام.

لزوم الحكومة في كلمات بعض العلماء و الأعاظم المدعين للإجماع في مسألة الحكومة،- الحكومة.

المباحث المتفرقة.

المرأة و ميزاتها و الحكومة،- شرائط الإمام و الوالي.

المسائل الأصولية.

المسؤول في الحكومة الإسلامية هو الإمام،- الإمام.

منابع الحكم الإسلامي و مصادره،- السلطة التشريعية؛ المسائل الأصولية.

المنابع المالية.

النظام الاسلامي و كيفيته،- السلطات الثلاث.

النهي عن تولّي الكفار و اتخاذهم بطانة،- السياسة الخارجية ...

النهي عن المنكر،- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحسبة.

وظائف الحاكم الإسلامي و شئونه،- الإمام.

الوالي،- الإمام.

الولاية.

ولاية الفقيه،- الإمام؛ الحكومة؛ الولاية.

ولاية المظالم،- السلطة القضائية.

الولاية و حكم العقل فيها.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 332

ولاية النبيّ و الأئمة المعصومين- عليهم السلام-

الهلال و ثبوته بحكم الحاكم.

سرد العناوين تفصيلا:

إجبار المسجون على المقابلة التلفزيونية،- السجن.

الاجتهاد و التقليد: 2/ 71- 109.

- الاستنباط و الاجتهاد: 2/ 71.

- التخطئة و التصويب: 2/ 73.

- انفتاح باب الاجتهاد المطلق: 2/ 78.

- كيفية حصر المذاهب في المذاهب الأربعة الدارجة لأهل السنة فعلا: 2/ 79.

- امتياز الأئمة الاثني عشر «ع» و حجية أقوالهم: 2/ 83.

- «التقليد و أدلته» 2/ 86.

- الآيات التي استدلّوا بها على حجّية فتوى الفقيه: 2/ 87.

- الروايات التي استدلوا بها على

حجيّة فتوى الفقيه، و هي على سبع طوائف:

- الطائفة الأولى: ما ورد في مدح الرواة و الترغيب في نشر الأحاديث ...: 2/ 89.

- الطائفة الثانية: ما ورد من الأئمة «ع» من إرجاع شيعتهم إلى الفقهاء منهم بنحو العموم: 2/ 90.

- الطائفة الثالثة: ما ورد من الأئمة من إرجاع بعض الشيعة إلى بعض: 2/ 92.

- الطائفة الرابعة: ما اشتمل على الأمر بالإفتاء و الترغيب فيه: 2/ 95.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 332

- الطائفة الخامسة: ما دلّ على حرمة الإفتاء بغير علم: 2/ 97.

- الطائفة السادسة: ما دل على أن الإفتاء و الأخذ به كان متعارفا و لم يردع عنه الأئمة بل قرّروه: 2/ 97.

- الطائفة السابعة: ما دلّ على إرجاع أمر القضاء إلى الفقهاء من الشيعة و إيجاب القبول لحكمهم: 2/ 98.

- المناقشة في أدلّة التقليد: 2/ 99.

- العمدة في الباب هي بناء العقلاء و سيرتهم على رجوع الجاهل إلى العالم: 2/ 102.

- كلام ابن زهرة في التقليد: 2/ 105.

- طريق آخر إلى مسألة التقليد: 2/ 106.

الإجماع،- منابع الحكم الإسلامي.

الاحتكار و التسعير: 2/ 611- 667.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 333

- و فيه جهات من البحث:

- الاحتكار- 1- الاحتكار و الحصار التجاريّ مشكلة حضارة العصر: 2/ 611.

- 2- مفهوم الاحتكار في اللغة: 2/ 612.

- 3- مفهوم الاحتكار في كلمات الفقهاء: 2/ 614.

- 4- هل الاحتكار محرّم أو مكروه؟ و ذكر بعض الكلمات من الفقهاء: 2/ 615.

- 5- أدلّة الطرفين: 2/ 620.

- 6- أخبار

الاحتكار على خمس طوائف: 2/ 620.

- الطائفة الأولى- ما دلّت على المنع مطلقا: 2/ 621.

- الطائفة الثانية- ما دلّت على المنع مطلقا في خصوص الطعام: 2/ 626.

- الطائفة الثالثة- ما دلّت على المنع بعد الثلاثة أو بعد الأربعين يوما: 2/ 629.

- الطائفة الرابعة- ما دلّت على التفصيل بين وجود الطعام في البلد و عدمه: 2/ 631.

- الجمع بين الطوائف الأربع: 2/ 635.

- كلام صاحب الجواهر: 2/ 636.

- أقسام حبس المتاع: 2/ 637.

- الطائفة الخامسة- ما دلت على أنّ الحكرة المنهيّ عنها إنّما هي في أمور خاصّة: 2/ 639.

- 7- هل تختصّ الحكرة المنهيّ عنها بأقوات الإنسان أو الأشياء الخاصة أم لا؟ 2/ 644.

- 8- وجوه الحمل في الأخبار الحاصرة: 2/ 646.

- تعيين موضوعات الحكرة من شئون الوالي: 2/ 647.

- 9- نقل كلام بعض الفقهاء: 2/ 649.

- 10- هل يشترط فيه الاشتراء أم لا؟ 2/ 651.

- 11- اشتراط كون الاستبقاء للزيادة: 2/ 653.

- 12- اجبار المحتكر على البيع: 2/ 655.

- «التسعير»- 13- هل يجوز التسعير أم لا؟ و ذكر بعض كلمات الفقهاء فيه: 2/ 658.

- 14- أخبار التسعير: 2/ 661.

- 15- متى يجوز التسعير؟ 2/ 664.

- خاتمة في أنه هل يجوز التحالف على سعر خاص أم لا؟ 2/ 667.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 334

أخبار التحليل و الجواب عنها: 3/ 74- 82؛ و أيضا- الخمس.

أخبار السكوت و السكون:

- الأخبار التي ربما توهم السكوت في قبال الجنايات و مظالم الأعداء في عصر الغيبة و عدم التدخل في الشؤون السياسية و إقامة الدولة العادلة: 1/ 205- 256.

- الرواية 1 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 205.

- قداسة زيد و قيامه و

نظيره قصة حسين بن علي شهيد فخ: 1/ 208.

- الرواية 2 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل و البحث في سند الصحيفة السجادية: 1/ 222.

- الرواية 3 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل (و يذكر في ذيلها موقعية إمام الصادق «ع» و عدد شيعته و اختصاصات بعض أصحابه و كذا قيام أبي مسلم الخراساني و ماهيته): 1/ 229.

- الرواية 4 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 233.

- الرواية 5 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 235.

- الرواية 6 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل (و يذكر في ذيلها الروايات التي يحتمل انطباق مفادها على الثورة الإسلامية الواقعة في إيران و رواية في مدح أهل قم): 1/ 237.

- يجب حفظ النظام بعد الدفاع و دفع الكفار و لا يجوز تفويض الحكومة إلى أهل الفسق و الترف: 1/ 241.

- الرواية 7 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 244.

- الرواية 8 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 245.

- الرواية 9 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 245.

- الرواية 10 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 247.

- الرواية 11 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 247.

- الرواية 12 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 247.

- الرواية 13 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 248.

- الرواية 14 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 249.

- الرواية 15 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 250.

- الرواية 16 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 252.

- الرواية 17 من أخبار الباب 13 من جهاد الوسائل: 1/ 252.

دراسات

في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 335

- خلاصة أخبار السكون و السكوت: 1/ 255.

أخلاق الإمام: 2/ 785- 833؛ و أيضا- الإمام.

أدلّة الفقه و مصادره،- منابع الحكم الإسلامي و مصادره.

الأراضي و أحكامها: 3/ 181- 248.

- إشارة إلى أقسام الأرضين و أحكامها: 3/ 181؛ و أيضا- الأنفال.

الأراضي المفتوحة عنوة: 3/ 182- 248.

- ما ورد من الروايات في الأراضي المفتوحة عنوة و حكم بيعها و شرائها: 3/ 192.

- البحث في أمور:

- الأمر الأول: المقصود من صيرورة الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين صيرورتها ملكا للعنوان و الجهة 3/ 206.

- الأمر الثاني: هل المراد بالأرض المفتوحة عنوة في الأخبار و الفتاوى خصوص العامرة منها بالإحياء أو مطلق ما استولت عليها دولة الكفر؟ 3/ 208.

- الأمر الثالث: ما كان يملكه الكفار في الأراضي و العقارات ينتقل إلى المسلمين بالفتح،- و هذا الحكم عام يجري في جميع الأعصار و الأراضي: 3/ 210.

- الأمر الرابع: لا يصح نقل الأراضي المفتوحة عنوة و لا وقفها و لكن للمتصرف فيها بإذن الإمام حق الأولوية و يملك الآثار المحدثة فيها فيجوز له النقل و الوقف: 3/ 212.

- الأمر الخامس: المتصدي للأراضي المفتوحة هو الإمام أو نائبه، و مع التعذر يتصدّى لها عدول المؤمنين حسبة: 3/ 217.

- الأمر السادس: إذا كانت هذه الأراضي تحت استيلاء حكّام الجور و بليت الشيعة بالمعاملة معهم فالظاهر إجازة الأئمة «ع» لذلك تسهيلا لشيعتهم: 3/ 223.

- الأمر السابع: الظاهر أن الحكم الذي مرّ لا يختصّ بما أخذه الجائر من الخراج بل يعمّه و ما أحاله: 3/ 229.

- الأمر الثامن: الظاهر حرمة التصرف في الخراج على الجائر تكليفا و ثبوت الضمان عليه وضعا، و إن جاز للآخذ الأخذ منه

و التصرف فيه: 3/ 230.

- الأمر التاسع: هل الحكم الذي مرّ يختصّ بالسلطان المخالف أو يعمّ كلّا من المؤمن و المخالف بل و الكافر أيضا؟ 3/ 232.

- الأمر العاشر: الجواب عن إشكال الاستدلال للحكم في المقام بما ورد في أرض السواد: 3/ 237.

- الأمر الحادي عشر: كيف تثبت الأمور الثلاثة التي يتوقف عليها كون الأرض

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 336

خراجية مع تقادم الزمان و تقلب الأحوال و الأراضى؟ 3/ 240.

- هنا نكات و مناقشات ينبغي الإشارة إليها: 3/ 241.

و أيضا- الأنفال: 4/ 1- 256 فإن أكثر مباحثها يرتبط بأقسام الأرضين و أحكامها.

الأرامل و الضعفاء في الحكومة الإسلامية،- أهداف الدولة الإسلامية.

الأسارى: 3/ 249- 317.

هنا مسألتان:

- المسألة الأولى: في حكم النساء و الذراريّ: 3/ 253.

- المسألة الثانية: في حكم الأسارى البالغين من الكفّار: 3/ 258.

؛ و أيضا- سجن الأسراء: 2/ 508.

- و هنا أمور ينبغي التعرض لها إجمالا:

- الأوّل: يمكن القول بأن الحكم بتعيّن قتل الأسارى و الحرب قائمة مختص بما إذا كان في إبقائهم محذور و خطر تجمع و هجمة: 3/ 269.

- الثاني: هل يجوز قتل من أسر بعد إثخان العدوّ و تقضي القتال أم يتخير الإمام بين المنّ و الفداء و الاسترقاق فقط؟ 3/ 270.

- الثالث: هل التخيير بين الخصال الثلاث أو الأربع يختص بالأسارى من أهل الكتاب أم لا؟ 3/ 273.

- الرابع: هل التخيير في المقام تخيير شهوة أو مصلحة؟ 3/ 274.

- الخامس: الجواب عن المناقشة في اختيار الاسترقاق أو المال فداء أو غيرهما: 3/ 276.

- السادس: حكم من أسلم بعد أسره: 3/ 276.

- حكم أسارى أهل البغي و المدبر و الجريح منهم: 3/ 280.

- حكم نساء

البغاة و ذراريّهم و حكم أموالهم ممّا حواها العسكر و ما لم يحوها: 3/ 297.

الاستخبارات العامة و التجسس: 2/ 539- 591.

و فيه جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في وجوب حفظ أعراض المسلمين و أسرارهم: 2/ 539

- الجهة الثانية: في لزوم الاستخبارات العامّة و ضرورتها إجمالا: 2/ 546.

- الجهة الثالثة: في بيان شعب الاستخبار [الأربع]، و أهدافه، و ذكر الأخبار و الروايات الواردة فيها: 2/ 550.

- نتعرض للشعب الأربع في أربعة فصول:

- الفصل الأوّل: في مراقبة العمّال و الموظفين: 2/ 550.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 337

- الفصل الثاني: في مراقبة التّحركات العسكرية للسلطات الخارجية و عمل النبي «ص» و أمير المؤمنين «ع» في حروبهما: 2/ 554.

- الفصل الثالث: في مراقبة نشاطات المخالفين و أهل النفاق و الجواسيس و الأحزاب السرية الداخلية المعاندة: 2/ 567.

- الفصل الرابع: في مراقبة الأمّة في حاجاتها و خلاتها و شكاياتها و ما تتوقّعه من الحكومة المركزية، و في تعهّداتها للحكومة و ما تتوقعه الحكومة منها: 2/ 571.

- الكلام في معنى النقيب و العريف: 2/ 576.

- الجهة الرابعة: في أمور أخر في الاستخبارات ينبغي التنبيه عليها:

- 1- أهمية و شرائط من يستخدم لعمل المراقبة و التجسّس: 2/ 580.

- 2- أنّ سنخ المراقبة للأعداء من الكفّار و أهل النفاق يختلف عن سنخ المراقبة للعمّال و للأمّة، فيتعيّن تفكيك الشعب بحسب المسؤولين: 2/ 580.

- 3- لزوم تعيين حدود وظائف عمّال الاستخبارات و إعمال الدّقة في انتخابهم، و مراقبتهم حينا بعد حين ثم مجازاة المتخلفين منهم بأشدّ المجازاة: 2/ 581.

- 4- ما هي وظيفة المستخبر عند تزاحم الواجب و الحرام، و هل يجوز له ارتكاب المحرّم في طريق

استخباراته؟ 2/ 583.

- 5- هل يجوز تعزير المتّهم للكشف و الاعتراف؟ 2/ 584.

- 6- يمكن أن يستفاد للمراقبة من بعض المتطوّعين، بل ذلك هو الأولى و الأحوط لبيت المال: 2/ 586.

- 7- هل يرتبط جهاز الاستخبارات الإسلامي بالسلطة التنفيذية أو بالسلطة القضائية أو بالإمام مباشرة؟ 2/ 586.

- 8- عمدة ما أوجب الفساد في أجهزة الأمن الرائجة و بيان الفرق بينها و بين جهاز الأمن الإسلامي: 2/ 589.

الاستخلاف:

- استخلاف اللّه الإنسان و استعماره في أرضه و وراثة الإنسان لها: 1/ 501.

- استخلاف رسول اللّه «ص»: 1/ 43- 61؛ و أيضا- 1/ 170؛ 305 و ما بعدها؛ 315؛ 404.

- مقام أمير المؤمنين و موقفه من رسول اللّه: 1/ 46.

- توضيح للمطلب: 1/ 46.

- قصة غدير خم و تحقيق العلامة الأميني فيها: 1/ 50.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 338

- حوار جرى بين هشام بن الحكم الشيعي و بين عمرو بن عبيد المعتزلي: 1/ 51.

- وصية الإخوة المسلمين بمراجعة كتاب المراجعات: 1/ 52.

- تفسير الولاية و بيان معناها: 1/ 53.

- حديث الثقلين و التمسك بالعترة: 1/ 58.

؛ و أيضا-: 1/ 171؛ 606؛ و- لبيان امتياز الأئمة الاثني عشر «ع» و حجية أقوالهم: 2/ 83؛ و في قول الإمام الشهيد الحسين بن علي «ع»: فلكم فيّ أسوة: 1/ 211.

و صرّح أيضا- في جعل الولاية بلا فصل لمولانا أمير المؤمنين «ع» و أن الولاية بالنصّ في موارد كثيرة، منها: 1/ 42؛ 64- 69؛ 185؛ 526؛ 531؛ 532؛ 557؛ 575.

الاستشارة،- الشورى.

إطاعة أولي الأمر،- ولاية النبي و الأئمة المعصومين؛ الاستخلاف.

- آية إطاعة اللّه و إطاعة رسوله و أولي الأمر و علة تكرار لفظ أطيعوا: 1/ 64.

- تفسير

معنى أولي الأمر و الاحتمالات الثلاث فيها و أن الأئمة الاثني عشر «ع» هم القدر المتيقن: 1/ 64.

- و أيضا- 1/ 406؛ 436؛ 590.

و أيضا- في الجمع بين ما دل على وجوب الإطاعة و مدح الإمارة و الترغيب فيها و بين أخبار دلت على أنّه: لا طاعة لمن لم يطع اللّه ...: 1/ 204.

- و أيضا- الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمّة و أنه يجب على الأمّة التسليم له و إطاعته و كذا إطاعة عمّاله المنصوبين من قبله: 2/ 769- 780؛ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 1/ 299 و 2/ 781.

إطاعة الجائر حرام،- إطاعة أولي الأمر؛ القيام في قبال حكام الجور.

الاقتصاد في الإسلام،- المنابع المالية؛ الاحتكار و التسعير؛ أهداف الدولة الإسلامية؛ التعزيرات المالية.

الأقليات غير المسلمة،- السياسة الخارجية ...

الأقلية و الأكثرية في الحكومة،- الإمام.

الأكثرية و الأقلية في الحكومة،- الإمام.

الإمامة،- الولاية.

- بيان مفهوم الإمامة: 1/ 73.

الإمام (الوالي؛ الحاكم الإسلامي؛ السلطان)

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 339

- معنى الإمام اصطلاحا: 1/ 80- 81؛ و أيضا- في معنى الإمام: 1/ 196.

- مكارم أخلاقه و لطفه و عفوه و رحمته: 2/ 785- 809.

- على الإمام أن لا يحتجب عن رعيّته: 2/ 811- 815.

- سيرة الإمام في مطعمه و ملبسه و إعراضه عن الدنيا و زخارفها. 2/ 817- 833.

- شرائط الإمام و هي ثمانية اتفاقية و ستة اختلافية- شرائط الإمام و الوالي.

- كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة و فيه ستة فصول: 1/ 397- 620.

- الفصل الأول: في ذكر الأقوال في المسألة و نقل بعض الكلمات: 1/ 399.

مبدأ السيادة و الحكومة هو اللّه تعالى أو الأمة؟ 1/ 404.

- الفصل الثاني: في البحث في مقام الثبوت

و ذكر المحتملات الخمسة (أو الستة- 1/ 418) فيه: 1/ 407.

يجب الالتفات إلى أمرين:

- الأمر الأوّل: المحتملات في مقام الثبوت خمسة: 1/ 409.

- الأمر الثاني: كيفية إنفاذ حكم الفقهاء الواجدين للشرائط في عصر واحد: 1/ 415.

- تنبيهان:

- الأوّل: بحث حول تعدد الدولة: 1/ 418.

- الثاني: سبب عدم بحث الفقهاء في الحكومة و نقل كلام ابن طاوس: 1/ 421.

- الفصل الثالث: في ذكر أدلّة القائلين بنصب الفقهاء عموما: 1/ 425.

- الأمر الأوّل: مقبولة عمر بن حنظلة (يبحث فيها سندا و دلالة): 1/ 427.

- مشهورة أبي خديجة (يبحث فيها سندا و دلالة): 1/ 430.

- تفسير الآيات الثلاث المرتبطة بالمقبولة و معنى أولي الأمر: 1/ 431.

- مفهوم الأمانة و موارد استعمالها: 1/ 431.

- مفهوم الحكم و موارد استعمالها: 1/ 433.

- كلام الأستاذ الإمام الخميني حول المقبولة: 1/ 440.

- توضيح لكلام الأستاذ حول المقبولة: 1/ 443.

- مناقشات حول كلام الأستاذ في معنى المقبولة: 1/ 445.

- تتمة: نقل كلام الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردي و نقده: 1/ 456.

- الأمر الثاني: حديث اللّهم ارحم خلفائي: 1/ 461.

- الأمر الثالث: حديث العلماء ورثة الأنبياء و ما يقرب منه: 1/ 467.

- الأمر الرابع: حديث الفقهاء حصون الإسلام: 1/ 471.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 340

- الأمر الخامس: حديث الفقهاء أمناء الرسل: 1/ 475.

- الأمر السادس: حديث و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا: 1/ 478.

- الأمر السابع: حديث العلماء حكّام على الناس و الاحتمالات الثلاث فيه: 1/ 483.

و أيضا- 1/ 309.

- الأمر الثامن: حديث مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء: 1/ 485.

و أيضا- 1/ 311.

- ذكر أخبار أخر ربما يتوهم دلالتها على النصب: 1/ 487.

-

نقل كلام العوائد في المقام: 1/ 490.

و أيضا- 1/ 317 في جعل الولاية للعلماء و ...

- الفصل الرابع: فيما يمكن أن يستدل به لصحة انعقاد الإمامة بانتخاب الأمة و هي ستة و عشرون أمرا: 1/ 493- 511.

- الأمر الأوّل: حكم العقل: 1/ 493.

- الأمر الثاني: سيرة العقلاء في جميع الأعصار: 1/ 494.

- الأمر الثالث: قاعدة السلطنة: 1/ 495.

- الأمر الرابع: ما دلّ على صحة العقود و نفاذها: 1/ 496.

- الأمر الخامس: ما دلّ على الحثّ على الشورى و الأمر بها في الأمر و الولاية: 1/ 497.

- الأمر السادس: ما دلّ على التكاليف الاجتماعية التي لوحظ فيها مصالح المجتمع الإسلامي بما هو مجتمع: 1/ 499.

- الأمر السابع: ما دلّ على استخلاف اللّه الإنسان و استعماره في أرضه و وارثة الإنسان لها: 1/ 501.

- الأمر الثامن: ما في نهج البلاغة لمّا أرادوا بيعته «ع» بعد قتل عثمان: 1/ 503.

- الأمر التاسع: ما في تاريخ الطبري من جعل أمير المؤمنين «ع» لرضا المسلمين اعتبارا و جعل الإمامة ناشئة منه: 1/ 504.

- الأمر العاشر: ما في الكامل من خطبة أمير المؤمنين «ع» يوم البيعة: 1/ 504.

- الأمر الحادي عشر: ما في نهج البلاغة من قوله «ع» إنّما الشورى للمهاجرين و الأنصار: 1/ 505.

- الأمر الثاني عشر: قول رسول اللّه «ص» لعلي «ع»: لك ولاء أمتي ...: 1/ 505.

- الأمر الثالث عشر: قول رسول اللّه «ص»: إن تولوها عليّا ... 1/ 506.

- الأمر الرابع عشر: ما في كتاب الحسن «ع»: و لأني المسلمون الأمر ...: 1/ 506.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 341

- الأمر الخامس عشر: ما في كتاب صلح الحسن «ع»: الأمر من بعده

شورى بين المسلمين: 1/ 506.

- الأمر السادس عشر: ما عن رسول اللّه «ص»: ما ولّت أمّة قطّ أمرها رجلا ...: 1/ 507.

- الأمر السابع عشر: ما عن النبي «ص» ... و يغصب الأمّة أمرها ...: 1/ 507.

- الأمر الثامن عشر: ما عن النبي «ص»: لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة: 1/ 508.

- الأمر التاسع عشر: ما في كتاب سليم: يختاروا لأنفسهم إماما ...: 1/ 508.

- الأمر العشرون: ما في كتاب أعاظم الكوفة إلى الحسين «ع» و جوابه إليهم: 1/ 508.

- الأمر الحادي و العشرون: ما في الدعائم: و توليتهم ...: 1/ 509.

- الأمر الثاني و العشرون: ما في تاريخ اليعقوبي: فليرتض المسلمون من أحبّوا: 1/ 509.

- الأمر الثالث و العشرون: ما عن رسول اللّه «ص» فليؤمّروا أحدهم: 1/ 510.

- الأمر الرابع و العشرون: ما في معاهدة النبي «ص»: ليس عليكم أمير إلّا من أنفسكم: 1/ 510.

- الأمر الخامس و العشرون: فحوى ما أفتوا به في اختيار المفتي و القاضي ...: 1/ 511.

- الأمر السادس و العشرون: آيات و أخبار البيعة: 1/ 511.

- تذكرة: انعقاد الإمامة بالبيعة لو صح كان في طول النص قطعا و صرّح به في مواضع كثيرة، منها: 1/ 50؛ 394؛ 405؛ 409؛ 425؛ 460؛ 489؛ 493؛ 496؛ 504؛ 511؛ 531؛ 538؛ 557.

- الفصل الخامس: في أخبار البيعة و ماهيتها (و فيها بيعة الحديبية و بيعة العقبة الأولى و الثانية): 1/ 513- 529.

- الكلام في ماهيّة البيعة و نقل كلمات الأعلام فيها: 1/ 523.

- الفصل السادس: في ست عشرة مسألة مهمّة (يرتبط بكيفية تعيين الوالي) يجب الالتفات اليها و البحث فيها: 1/ 531- 620.

- المسألة 1- في وجوب الترشيح للولاية و لشعبها لمن

يقدر عليها: 1/ 537.

- المسألة 2- افتراق الحكومة الإسلامية عن الحكومة الديمقراطية و أن الانتخاب و آراء الأمّة معتبرة و لكنه في طول النص و في الرتبة المتأخرة عن الشروط المذكورة للوالي: 1/ 538.

- المسألة 3- هل رعاية الشروط المعتبرة في الوالي حكم تكليفي أو وضعي؟ 1/ 541.

- المسألة 4- هل الشروط واقعية أو علمية؟ 1/ 544.

- المسألة 5- إذا لم يوجد الواجد لجميع الشرائط (بل بعضها في بعض و بعضها في

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 342

آخر) فما هو التكليف؟ 1/ 545.

- المسألة 6- لو كان الانتخاب مشروعا فهل يجب على الشارع بيان حدوده و شرائطه أو لا؟ 1/ 548.

- المسألة 7- الجواب عمّا قد يقال من أنّ أكثر الناس بسطاء أو لا يكون لهم تقوى ...: 1/ 551.

- انتخاب أهل الحل و العقد من قبل الأمة و انتخاب الوالي من قبل أهل الحل و العقد أفضل الطرق للاطمينان بصحة الانتخاب: 1/ 552، 560؛ 579.

- المسألة 8- هل الملاك في الانتخاب آراء الجميع أو الأكثر أو جميع أهل الحلّ و العقد أو أكثرهم أو الحاضرين في بلد الإمام؟ 1/ 553.

- المسألة 9- الجواب عما يعترض به من أنّ الاتفاق لا يحصل غالبا و الأخذ بآراء الأكثرية يوجب ضياع حقوق الأقلية: 1/ 563.

- المسألة 10- إذا كانت الأكثرية غير صالحة فهل تقدم على الأقليّة الصالحة؟ 1/ 567.

- المسألة 11- هل يجوز للحاكم المنتخب التصدي لأمور لا يجوز لآحاد الأمّة التصدي لها؟ 1/ 569.

- التكاليف الاجتماعية وظيفة من وظائف ممثل المجتمع: 1/ 569.

- المسألة 12- إذا لم يشترك الأكثرية في الانتخاب فهل يجبر عليه أو يكفي انتخاب الأقلية و ينفّذ

على الجميع؟ 1/ 571.

- المسألة 13- على فرض عدم النصب أو عدم وقوع الانتخاب هل تبقى الأمور العامة معطّلة أو يجب تصديها على الفقيه من باب الحسبة؟ 1/ 572.

- المسألة 14- هل الانتخاب للوالي عقد جائز أو لازم؟ 1/ 574.

المسألة 15- هل يعتبر في الناخبين شروط أولا؟ 1/ 577.

- المسألة 16- هل يجوز للأمّة الكفاح المسلح و الخروج على الحاكم إذا فقد بعض الشرائط أو لا؟ 1/ 580- 620.

(و في ذيل هذه المسألة مباحث كثيرة نافعة، فراجع القيام في قبال حكام الجور.)

- وظائف الإمام و واجباته- أهداف الدولة الإسلامية: 2/ 3- 30؛ 669- 700؛ الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمّة: 2/ 769- 782؛ إن المسؤول في الحكومة الإسلامية هو الإمام و السلطات الثلاث أياديه و أعضاده فهو بمنزلة رأس المخروط يشرف على جميعها إشرافا تامّا: 2/ 51- 55.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 343

- شئون الامام:

في مطاوي أبحاث الكتاب يعد بعض المسائل من شئون الحاكم أو الإمام أو الوالي أو الولاية أو الحكومة أو الدولة الإسلامية و مآل الجميع واحد لأنّ حيثية الإمام حيثية تقييدية. و هذه المسائل و إن كانت جلّها بل كلّها ذكرت في وظائف الإمام و لكن لأهمية الموضوع يذكر بعض منها هنا مستقلا فمنها: إعلان ثبوت الهلال: 1/ 96؛ أنّ الخمس ضريبة إسلامية مقررة لمنصب إمامة المسلمين و نحوه الأنفال و الزكاة ...: 1/ 103 و ما بعدها؛ إدارة الحج: 1/ 110؛ الإذن في الجهاد الابتدائي: 1/ 117؛ أمر الجزية و الغنائم و الأسارى و الأراضي إلى الإمام: 1/ 130؛ كون ميراث من لا وارث له للإمام: 1/ 136؛ كون الشي ء للإمام عبارة أخرى عن كونه

للمسلمين ...: 1/ 147؛ تعيين موضوعات الحكرة من شئون الوالي: 2/ 647؛ إن الأنفال للّه و للرسول و بعده للإمام بما هو إمام: 3/ 103؛ الخمس حق وحداني ثابت لمنصب الإمامة: 3/ 110؛ ليست الغنائم و الأنفال لشخص الرسول و الإمام بل هما تحت اختيارهما: 3/ 136؛ الخمس حق وحداني قد شرع لإدارة شئون الإمامة و الحكم الإسلامي و من جملة شئونها سدّ خلة الفقراء من السادة الذين هم من أغصان شجرة النبوة:

4/ 108؛ معنى كون الأنفال للإمام و الاحتمالات الثلاث فيه و تأييد الاحتمال الثالث و هو أن تكون حيثية الإمامة حيثية تقييدية فالأنفال مثلا تكون ملكا لمقام الإمامة و منصبها لا للشخص: 4/ 18؛

- و قد مرّ سابقا أن الأموال العامة قد تضاف إلى اللّه و قد تضاف إلى الرسول أو الإمام ... و قد تضاف إلى المسلمين و مآل الكل واحد: 4/ 21؛ إن قولهم «ع» «إن الخمس و الفي ء و الأنفال للإمام» و كذا كون الأراضي المفتوحة عنوة تحت اختيار الإمام فيه نظران مختلفان سعة و ضيقا: 4/ 24.

الأمر بالمعروف و النهي المنكر و الحسبة: 2/ 213- 303.

و في المسألة جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أهم الفرائض الشرعية، بل يحكم بوجوبهما العقل أيضا: 2/ 213.

- الجهة الثانية: في أنّ للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر درجات و مراتب: 2/ 215.

- (و راجع في أن إجراء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بسعتهما يقتضي تحصيل القدرة و إقامة الدولة الحقة: 1/ 311 و ما بعدها.)

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 344

- الجهة الثالثة: في أنّه هل يكون وجوبهما

على الأعيان أو على الكفاية؟ 2/ 220.

- تصوير الوجوب الكفائي: 2/ 222.

- الجهة الرابعة: في ذكر بعض الآيات و الروايات الواردة في المسألة: 2/ 224.

- الجهة الخامسة: في وجوب إنكار العامة على الخاصّة و تغيير المنكر عليهم إذا علموا به: 2/ 233.

- الجهة السادسة: في وجوب إنكار المنكر بالقلب و تحريم الرضا به و وجوب الرضا بالمعروف: 2/ 235.

- الجهة السابعة: في وجوب الإعراض عن فاعل المنكر و هجره إذا لم يرتدع: 2/ 238.

- الجهة الثامنة: في رفع توهم و شبهة حول قوله تعالى-: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...: 2/ 240.

- الجهة التاسعة: في بيان ما ذكروه شرطا لوجوبهما: 2/ 241.

- الشرط الأوّل: أن يعلمه منكرا: 2/ 241.

- الشرط الثاني: أن يجوّز تأثير إنكاره: 2/ 245.

- فروع ينبغي الالتفات إليها: 2/ 246.

- الشرط الثالث: أن يكون الفاعل له مصرّا على الاستمرار: 2/ 247.

- الشرط الرابع: أن لا يكون في إنكاره مفسدة: 2/ 250.

- سائر الشروط التي ذكرت لوجوبهما: 2/ 256.

- (و راجع في أن وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ليس مشروطا بإذن الإمام و لكن وجودهما غالبا مشروط بإذن الإمام فيلزم تحصيل الحكومة الحقة:

1/ 152 و 192.)

- الجهة العاشرة: في بيان مفهوم الحسبة و شروط المحتسب و الفرق بينه و بين المتطوع: 2/ 256.

- الجهة الحادية عشرة: في ذكر بعض الموارد التي تصدّى فيها رسول اللّه «ص» أو أمير المؤمنين «ع» لأمر الحسبة أو أمرا بها: 2/ 263.

- الجهة الثانية عشرة: في وظيفة المحتسب: 2/ 270.

- ذكر بعض ما في كتاب «معالم القربة في أحكام الحسبة» تلخيصا: 2/ 272.

- خاتمة: في آداب المحتسب و ما يجب عليه أو ينبغي له في

احتسابه: 2/ 300.

- (و راجع فيما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمفهومهما الوسيع و أن قيام سيد الشهداء «ع» على يزيد بن معاوية و كذا قيام زيد بن علي و قيام

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 345

شهيد فخ، للعمل بهذه الفريضة: 1/ 600 و ما بعدها.)

انتخاب الأمة،- الإمام- كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة.

الأنفال- الفصل الخامس من الباب الثامن في الأنفال: 4/ 1- 256.

و فيه جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في تفسير آية الأنفال و معنى الأنفال و المقصود منها في الآية و في فقه الفريقين: 4/ 1.

- تقسيم الأموال إلى أموال شخصية و أموال عامة و المقصود من الأنفال جميع الأموال العامة: 4/ 5.

- الجهة الثانية: في معنى كون الأنفال للإمام: 4/ 18.

- الجهة الثالثة: في بيان الأنفال بالتفصيل و أن المقصود منها جميع الأموال العامة التي خلقها اللّه للأنام: 4/ 30.

- العناوين المشهورة للأنفال و الاستدلال عليها:

- الأوّل: الأرض التي تملك من غير قتال و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب: 4/ 32.

- الثاني: الأرضون الموات: 4/ 36.

- معنى الموات و الخراب: 4/ 42.

- الثالث: الأرض التي لا ربّ لها: 4/ 45.

- الرابع: رءوس الجبال و بطون الأودية و كذا الآجام: 4/ 47.

- الخامس: سيف البحار: 4/ 52.

- السادس: قطائع الملوك و صفاياهم: 4/ 52.

- السابع ممّا يكون للإمام بما هو إمام: صفايا الغنيمة: 4/ 56.

- الثامن مما يكون للإمام بما هو إمام: ما يغنمه المقاتلون بغير إذن الإمام: 4/ 61.

- التاسع: المعادن مطلقا على قول قويّ: 4/ 68.

- العاشر: ميراث من لا وارث له: 4/ 82.

- التعرض للأخبار التي يتوهم معارضتها

في المقام: 4/ 86.

- التعرض لاختلاف كلمات أصحابنا في حكم ميراث من لا وارث له في عصر الغيبة: 4/ 94.

- الحادي عشر: البحار: 4/ 98.

- الثاني عشر: الأرض المعطّلة ثلاث سنين على قول: 4/ 100.

- الجهة الرابعة: في حكم الأنفال و تملكها و التّصرّف فيها و لا سيما في عصر

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 346

الغيبة: 4/ 103.

- و نتعرض لذلك في مسائل:

- المسألة الأولى: في أن الأنفال للّه و للرسول و بعده للإمام بما هو إمام: 4/ 103.

- المسألة الثانية: في أنه لا يجوز التصرف فيها إلّا بإذن الإمام خصوصا أو عمومها و أنه هل يثبت فيها التحليل أم لا؟ 4/ 107.

- التعرض لتفسير العناوين الثلاثة (المناكح و المساكن و المتاجر) و الأخبار الواردة في المقام و بيان مقدار الدلالة فيها: 4/ 120.

- تحليل المناكح: 4/ 122.

- تحليل المساكن: 4/ 127.

- تحليل المتاجر: 4/ 134.

- خاتمة يتعرّض فيها لأمور ترتبط بأخبار التحليل: 4/ 138.

- المسألة الثالثة: فيما ورد في إحياء الأرضين الموات و الترغيب فيه و أحقية المحيي بها: 4/ 148.

- يشترط في جواز الإحياء إذن الإمام: 4/ 156.

- المسألة الرابعة: في بيان شروط الإحياء: 4/ 166.

- المسألة الخامسة: في إشارة إجمالية إلى مد الإحياء و التحجير و ما به يتحققان: 4/ 177.

- بقي هنا أمران:

- الأمر الأوّل: هل يختلف صدق الإحياء بحسب ما يقصد من العمارة أم لا؟ 4/ 183.

- الأمر الثاني: في التحجير و أحكامه: 4/ 185.

- المسألة السادسة: هل الإحياء في الأرض الموات يوجب مالكية المحيي لرقبة الأرض أو لا يوجب إلّا أحقية المحيي بها؟ 4/ 194.

- أخبار المسألة: 4/ 200.

- المسألة السابعة: في أن

الإسلام شرط أم لا؟ 4/ 216.

- المسألة الثامنة: في حكم الأرض المحياة إذا صارت مواتا: 4/ 229.

اهتمام الإمام بالأموال العامة،- أهداف الدولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلامي ...

أهداف الدولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلامي التصدّي له في حكومته: 2/ 3- 30.

- الحكومة الإسلامية ليست حكومة استبدادية ديكتاتورية: 2/ 4.

- و راجع في أنّ الحكومة الإسلامية تفترق عن الحكومة الديمقراطية [حكومة الشعب على الشعب] بوجهين أساسيين: 1/ 538.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 347

- أساس الحكم في الحكومة الإسلامية هو أحكام اللّه- تعالى-: 2/ 4.

- و أيضا- 2/ 702؛ و- في الغرض من الإمامة و الحكومة الحقة: 1/ 599.

- وظائف الحاكم الإسلامي: 2/ 5.

- الآيات و الروايات التي تعرضت لوظائف الحاكم الإسلامي: 2/ 7.

- العناوين الخمسة عشر لما يجب على الحاكم الإسلامي: 2/ 21.

- ما يظهر لك من الآيات و الروايات المذكورة أمران:

- الأوّل: أنّ الحاكم الإسلامي قائد و مرجع للشئون الدينيّة و السياسية معا و عدم انفكاك الدين عن السياسة و الحاكم هو بمنزلة رأس المخروط يحيط و يشرف على جميع الشؤون إشرافا تاما: 2/ 24.

- الثاني: أنّ الحاكم إنّما يتصدى و يتدخل في الأمور العامّة الاجتماعية فقط: 2/ 25.

- مضارّ تدخل الحاكم في غير الأمور العامة الاجتماعية: 2/ 25.

- تدخل النبي و تحديده في مسألة الاحتكار بقدر الضرورة: 2/ 28.

- تدخل النبي و تحديده في قصة سمرة بن جندب بقدر الضرورة و قوله «ص»:

لا ضرر و لا ضرار: 2/ 29.

- و- في أصول مسئوليات الإمام و تكاليفه الثلاثة: 1- بيان أحكام اللّه و حفظها من البدع و الأوهام، 2- حفظ نظام المسلمين، 3- إدارة أمر

القضاء و فصل الخصومات: 1/ 386؛ التكاليف الاجتماعية وظيفة لمثل المجتمع:

1/ 569؛ ما دلّ على الغرض من الإمامة و الحكومة الحقة: 1/ 599؛ وجوب اهتمام الإمام و عمّاله بالأموال العامة للمسلمين و حفظهما و صرفها في مصارفها المقررة ...: 2/ 669؛ وجوب اهتمام الإمام و عماله بأمر الضعفاء و الأرامل و الأيتام و من لا حيلة له: 2/ 695؛ على الإمام أن لا يحتجب عن رعيته: 2/ 811.

أهل بيت النبيّ «ع»،- الاستخلاف.

البغاة،- القيام في قبال حكام الجور.

- و أيضا- قتال البغاة على الإمام: 1/ 127؛ ما دلّ على جواز قتال البغاة بل وجوبه: 1/ 612.

البيعة و ماهيتها،- الإمام- كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة: 1/ 513- 529.

- أخبار البيعة و ماهيتها (و يتعرض فيها لبيعة الحديبية و بيعة العقبة الأولى و الثانية): 1/ 513.

- الكلام في ماهية البيعة و نقل كلمات الأعلام فيها: 1/ 523.

التجسس،- الاستخبارات العامة و التجسس: 2/ 539- 591.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 348

التسعير،- الاحتكار و التسعير: 2/ 658- 667.

التشريع،- السلطة التشريعية: 2/ 59- 109.

تشريع القوانين في أبواب الفقه على أساس الحكومة- الحكومة: 1/ 92- 160.

التعذيب و التشديد: 2/ 375، و أيضا- الاستخبارات العامة؛ التعزيرات الشرعية.

التعزيرات الشرعية: 2/ 305- 420.

جهات البحث في المسألة:

- الجهة الأولى: في اهتمام الإسلام بإقامة الحدود و التعزيرات: 2/ 309.

- الجهة الثانية: في عموم الحكم للصغائر أيضا: 2/ 314.

- الجهة الثالثة: في بيان مفهوم التعزير بحسب اللغة: 2/ 315.

- الجهة الرابعة: في أنّ التعزير يراد به الضرب و الإيلام، أو مطلق التأديب؟ 2/ 318.

- ما ورد في التأديب بغير الضرب و الإيلام أو معه: 2/ 324.

- ما يستدلّ به لتعيّن الضرب و

الإيلام: 2/ 327.

- التعزيرات المالية:

- الجهة الخامسة: في التعزير المالي:

- ما يمكن أن يستدلّ به للتعزير بالمال بإتلافه أو بأخذه، و هو ثمانية عشر دليلا: 2/ 333.

- التعزيرات البدنية:

- الجهة السادسة: في حدّ التعزير البدني و مقداره قلّة و كثرة و الأقوال في المسألة: 2/ 345.

- الأخبار الواردة في مقدار التعزير: 2/ 352.

- الجهة السابعة: في مقدار الضرب التأديبيّ: 2/ 358.

- الجهة الثامنة: في حكم من قتله الحدّ أو التعزير أو التأديب: 2/ 361.

- الجهة التاسعة: في إشارة إجماليّة إلى ما تثبت به موجبات الحدود و التعزيرات: 2/ 370.

- خمس مسائل نتعرّض لها إجمالا:

- المسألة الأولى: لا يجوز ضرب المتّهم و تعزيره بمجرد الاتّهام: 2/ 375.

- المسألة الثانية: أن الاعتراف مع التعذيب و التشديد لا اعتبار به شرعا: 2/ 378.

- المسألة الثالثة: الظاهر أنّه يجوز حبس المتهم لكشف الحقّ أو أدائه في حقوق الناس مع احتمال فراره و عدم التمكن منه: 2/ 381.

- المسألة الرابعة: هل يجوز تعزير المتهم للكشف إذا علم الحاكم بوجود معلومات نافعة مهمة عنده؟ 2/ 385.

- المسألة الخامسة: ليس للحاكم تهديد أو تعزير المتّهم للكشف في حقوق اللّه،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 349

و لا يجب على المرتكب إظهارها: 2/ 388.

- الجهة العاشرة: في إشارة إجمالية إلى فروع أخرى في المسألة: 2/ 390.

- الأوّل: ليس في الحدود بعد ثبوتها نظر ساعة: 2/ 391.

- الثاني: الحدود تدرأ بالشبهات و لا شفاعة و لا يمين فيها: 2/ 391.

- الثالث: حرمة ضرب المسلم بغير حقّ و عند الغضب، و وجوب الدفاع عن المظلوم: 2/ 392.

- الرابع: في عفو الإمام عن الحدود و التعزيرات. و نقل بعض الأقوال في المسألة:

2/ 393.

- العفو عن التعزيرات: 2/ 396.

- الخامس: لا تضرب الحدود في شدّة الحرّ أو البرد: 2/ 404.

- السادس: لا يجرى الحدود على من به قروح أو يكون مريضا حتّى تبرأ أو يرفق به في الضرب: 2/ 406.

- السابع: كيفية إجراء الحدود و التعزيرات: 2/ 408.

- الجهة الحادية عشرة: عود إلى البدء (ذكر فيها بعض مصاديق التعزيرات): 2/ 414.

- الجهة الثانية عشرة: في الفروق التي ذكرها بعض المصنفين بين أحكام الحدّ و التعزير: 2/ 417.

تعيين الوالي و انعقاد الإمامة،- الإمام- كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة: 1/ 399- 620.

التقليد،- الاجتهاد و التقليد.

التنفيذ،- السلطة التنفيذية: 2/ 110- 139.

الجزية: 3/ 363- 486.

- معنى الجزية و الخراج و الفرق بينهما: 3/ 363.

- الجزية: 3/ 365.

- و هنا جهات من البحث، يذكر اثنتا عشرة جهة:

- الجهة الأولى: فيمن تؤخذ منه الجزية من الفرق، و أنّها هل تؤخذ من سائر الكفّار أيضا أم لا؟ و هل تؤخذ من العرب أيضا؟ 3/ 368.

- ما يستدل به في المقام (لأهل الكتاب و غير أهل الكتاب) من الآيات و الروايات: 3/ 375.

- المهادنة و الموادعة و المعاهدة على ترك القتال: 3/ 388.

- حكم من تهوّد أو تنصّر أو تمجّس بعد طلوع الإسلام: 3/ 389.

- بحث في حكم الصابئة: 3/ 392.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 350

- الجهة الثانية: في ذكر من تسقط عنه الجزية: 3/ 413.

- أ- حكم النساء و الصبيان و المجانين: 3/ 416.

- ب- حكم الجزية على المملوك: 3/ 420.

- ج- حكم الشيخ الفاني المعبّر عنه بالهمّ و كذا المقعد و الأعمى: 3/ 422.

- د- حكم الفقير في هذا الباب: 3/ 423.

- ه- حكم الرهبان و

أصحاب الصوامع في هذا الباب: 3/ 424.

- الجهة الثالثة: في كمية الجزية: 3/ 426.

- الجهة الرابعة: في اختيار الإمام أو من نصبه بين أن يضع الجزية على الرؤوس أو الأراضي أو كليهما: 3/ 433.

- الجهة الخامسة: في جواز مضاعفة الصدقة عليهم جزية: 3/ 438.

- الجهة السادسة: في جواز اشتراط الضيافة على أهل الذمّة: 3/ 442.

- الجهة السابعة: في أنّه لا يؤخذ منهم سوى الجزية و ما اشتراط عليهم في عقد الذمة شي ء آخر من زكاة و غيرها: 3/ 446.

- الجهة الثامنة: في جواز أخذ الجزية من ثمن الخمور و الخنازير و نحوهما من المحرمات: 3/ 451.

- الجهة التاسعة: فيما إذا مات الذمّي أو أسلم: 3/ 455.

- الجهة العاشرة: في مصرف الجزية: 3/ 461.

- الجهة الحادية عشرة: في معنى الصغار المذكور في الآية و الإشارة إلى ماهية الجزية و تاريخها: 3/ 468.

- الجهة الثانية عشرة: في إشارة إجمالية إلى شرائط الذمة: 3/ 476.

الجهاد: 1/ 112- 126.

- وجوب الجهاد إجمالا من ضروريات الإسلام: 1/ 112.

- ليس الجهاد إلّا الدفاع عن الحقّ و العدالة: 2/ 710- 712.

- الجهاد على قسمين: الجهاد الابتدائي و الدفاعي: 1/ 115.

- الجهاد الابتدائي في الحقيقة هو الدفاع عن العدالة و التوحيد: 1/ 115.

- هل يعتبر في الجهاد الابتدائي إذن الإمام أو لا؟ 1/ 117.

- (و راجع في الجهاد الابتدائي و الجهاد الدفاعي و الفرق بينهما في إذن الإمام:

1/ 192 و 255.)

- لا يعتبر في الجهاد الدفاعي إذن الإمام بل يجب مطلقا و إن كان وجود الإمام

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 351

شرطا لوجوده: 1/ 121.

و راجع في أن الدفاع واجب حتى في ظل راية الباطل بشرط عدم

تأييده: 1/ 240؛

و أيضا- أخبار السكوت و السكون ...؛ البغاة؛ القيام في قبال حكام الجور.

الحاكم الإسلامي،- الإمام.

الحبس،- السجن.

حديث الثقلين و التمسك بالعترة الطاهرة،- الاستخلاف.

حرمة الإنسان في النظام الإسلامي- الاستخبارات العامة؛ التعزيرات الشرعية.

الحريات في النظام الإسلامي: 2/ 25- 30.

الحسبة- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحسبة: 2/ 259- 303.

الحصانة السياسية- السياسة الخارجية للإسلام و ...: 2/ 738.

الحقوق المتقابلة بين الإمام و الأمة و أنّه يجب على الأمة التسليم له و إطاعته و كذا إطاعة عمّاله المنصوبين من قبله إجمالا: 2/ 769- 782.

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: 2/ 781.

و- إطاعة أولي الأمر؛ الإمام؛ أهداف الدولة الإسلامية ...

سبب تنفر المسلمين من اسم الحكومة و السياسة: 1/ 13

- أهمية فقه الدولة و المسائل العامّة الاجتماعية (: فقه القضايا العامة) و التنبيه بنقص البحوث الفقهية: 1/ 20.

- تذكار و اعتذار، و فيه اشارة الى افساد عملاء الاستعمار و اياديهم بين المسلمين: 1/ 22.

- الحكومة (الدولة الإسلامية، الإمامة، السلطنة، الولاية.)

- مفهوم الحكم و مورد استعمالها: 1/ 433.

- الحكومة من أهم الفرائض و من أهم الأمور الحسبية. 1/ 572.

- على العلماء و الفقهاء أن يتدخلوا في السياسة لأنّ الولاية مفتاح سائر الفرائض و أنها من أهم الأمور الحسبية: 1/ 12.

- الباب الثالث في بيان لزوم الحكومة و ضرورتها في جميع الأعصار و لو في عصر الغيبة بل كونها من ضروريات الإسلام و مما أوجب اللّه- تعالى- تأسيسها و الحفاظ عليها مع الإمكان، و يشتمل على فصول أربعة: 1/ 83- 256.

- الفصل الأوّل: في ذكر كلمات بعض العلماء و الأعاظم المدعين للإجماع في المسألة: 1/ 85.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 352

- الفصل الثاني: في

سير إجمالي في روايات الفقه الإسلامي و فتاوى الأصحاب التي يظهر منها إجمالا سعة دائرة الإسلام و جامعيته لجميع شئون الإنسان و أنّ الحكومة داخلة في نسجه و نظامه و لا يجوز تعطيلها في عصر و لا مكان: 1/ 89، و أيضا- ضرورة الحكومة و أنحائها و الحكومة الإسلامية و تأسيس أوّل دولة اسلامية بيد النبي «ص»: 1/ 3- 15.

- للبحث في ولاية الفقيه في عصر الغيبة طريقان: 1/ 89.

- طريقتنا و طريقة الأعاظم في بحث الولاية و الاشارة الى سيرة آية اللّه العظمى البروجردي في بحوثه الفقهية: 1/ 18، 21.

- تصوّر الإسلام على نحوين: انفكاك الدين عن السياسة و خلافه: 1/ 90.

- الإشارة إلى أبواب الفقه التي يستفاد منها أن تشريع القوانين في الإسلام كان على أساس حكومة إسلامية، و ذلك في أربعة عشر فصلا:

- الفصل الأوّل في الصلاة خصوصا صلاة الجمعة و العيدين: 1/ 92.

- الفصل الثاني في الصوم و الاعتكاف: 1/ 96.

- الفصل الثالث في الزكاة و أنها ضريبة من ضرائب الحكومة: 1/ 98.

- الفصل الرابع في الخمس و الأنفال و أنه ضريبة من ضرائب الحكومة: 1/ 102.

- الفصل الخامس في الحج و المزار: 1/ 107.

- الفصل السادس في الجهاد- الجهاد: 1/ 112.

- الجهاد على قسمين: 1/ 115.

- هل يعتبر في الجهاد الابتدائي إذن الإمام؟ 1/ 117.

- لا يعتبر في الجهاد الدفاعي إذن الإمام بل يجب مطلقا: 1/ 121.

- الفصل السابع في قتال البغاة علي الإمام: 1/ 127.

- الفصل الثامن فيما دلّ على أنّ أمر الجزية و الغنائم و الأسارى و الأراضي إلى الإمام: 1/ 130.

- الفصل التاسع في الحجر و الوصية: 1/ 133.

- الفصل العاشر فيما ورد في النكاح و الطلاق

و ملحقاته: 1/ 134.

- الفصل الحادي عشر في المواريث و أن ميراث من لا وارث له للإمام: 1/ 136.

- الفصل الثاني عشر فيما ورد في القضاء و الحدود: 1/ 138.

- الفصل الثالث عشر فيما ورد في القصاص و الديات: 1/ 145.

- الفصل الرابع عشر في التعرض لبعض عبارات الفقهاء و فتاواهم التي علق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 353

فيها الحكم على الإمام أو الوالي أو السلطان أو الحاكم أو نحو ذلك مما يشكل حمله على خصوص الإمام المعصوم: 1/ 151.

- الفصل الثالث من الباب فيما يستدلّ به لضرورة الحكومة في جميع الأعصار و يذكر لذلك عشرة أدلّة: 1/ 161.

- الدليل الأول: أن الحكومة داخلة في نسج الإسلام و نظامه و الإسلام كافل لجميع ما يحتاج إلى الإنسان: 1/ 162 و أيضا- 4/ 109.

- الدليل الثاني: أن الحكومة أمر ضروري للبشر: 1/ 167.

- الدليل الثالث: رواية فضل بن شاذان (في علة وجود الإمام) في العيون و العلل: 1/ 171.

- وثاقة محمد بن فضل و فضل بن شاذان: 1/ 173.

- الدليل الرابع: ما في نهج البلاغة في جواب الخوارج: لا بدّ للناس من أمير ...: 1/ 174.

- الدليل الخامس: ما في المحكم و المتشابه: لا بدّ للأمّة من إمام يقوم بأمرهم: 1/ 177.

- الدليل السادس: ما في كتاب سليم: يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا ...: 1/ 178.

- البحث في سند الكتاب المنسوب إلى سليم بن قيس الهلالي: 1/ 180.

- الدليل السابع: نتيجة صغرى و كبرى كلّية: (أنّ الإسلام يدعو المسلمين إلى التجمع و التشكل و توحيد الكلمة و الإمامة هي نظام الأمة ... و حافظة وحدتها فالتشكل لا يتم إلّا بالإمامة): 1/

182.

- البحث العلميّ الحرّ لا يضرّ بالوحدة بل يؤكّدها: 1/ 21.

- الدليل الثامن: صحيحة زرارة، بني الإسلام على خمسة: 1/ 188.

- الدليل التاسع: ما في نهج البلاغة: «أخذ اللّه على العلماء» و أنّ الحكومة حسبة ...: 1/ 191.

- و أيضا- في أن الحكومة من أهم الأمور الحسبية: 1/ 12، 242، 572.

- معنى التقية إجمالا: 1/ 193.

- الدليل العاشر: أخبار متفرقة يظهر منها لزوم الحكومة و الدولة: 1/ 194.

- كيفية الجمع بين أخبار مدح الإمارة و الترغيب فيها و بين أخبار التحذير و التخويف منها: 1/ 204.

- الفصل الرابع من الباب في ذكر الأخبار التي ربما توهم وجوب السكوت

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 354

في قبال الجنايات و مظالم الأعداء في عصر الغيبة و عدم التدخل في الشؤون السياسية و إقامة الدولة العادلة- أخبار السكوت و السكون: 1/ 205- 256.

- و أيضا- الولاية.

- أهداف الدولة الإسلامية و الغرض منها- أهداف الدولة الإسلامية ...: 2/ 3- 30.

- السياسة الخارجية للدولة الإسلامية- السياسة الخارجية للإسلام ...: 2/ 701- 753.

- الحصانة السياسية و معاملة الدولة مع الأقليات غير المسلمة- السياسة الخارجية للإسلام ...

- المنابع المالية لها- المنابع المالية للدولة الإسلامية: 3/ 1- 507 و 4/ 1- 300.

- امتياز الحكومة الاسلامية عن الحكومة الديموقراطية: 1/ 8.

الخراج: 3/ 487- 507.

و هنا جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في معنى الخراج و موضوعه و مقداره: 3/ 488.

- معنى الجزية و الخراج و الفرق بينهما: 3/ 363.

- الجهة الثانية: في مصرف الخراج: 3/ 495.

- الجهة الثالثة: في أنه يجب على إمام المسلمين و عمّاله أن يرفقوا بأهل الجزية و الخراج و يخفّفوا عنهم بما يصلح به أمرهم و

لا يجوز تعذيبهم و التضييق عليهم في أمر الخراج و الجزية 3/ 500.

الخمس: 3/ 43- 128.

و فيه جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في بيان مفهوم الخمس و تشريعه: 3/ 43.

- معنى آية الخمس: 3/ 44؛ 104؛ 147.

- الجهة الثانية: فيما يجب فيه الخمس: 3/ 51.

- الأوّل: غنائم دار الحرب: 3/ 52.

- الثاني: المعادن: 3/ 58.

- الثالث: الكنز: 3/ 64.

- الرابع: الغوص: 3/ 65.

- الخامس: ما يفضل عن مئونة السنة: 3/ 66.

- البحث في أمور ثلاثة:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 355

- الأمر الأوّل: في إشارة إلى إشكال وقع في خمس الأرباح و الجواب عنه: 3/ 70.

- الأمر الثاني: في ذكر أخبار التحليل و الجواب عنها: 3/ 74.

- الأمر الثالث: في أنّ الموضوع في هذا القسم من الخمس هل هو الأرباح أو مطلق الفائدة؟ 3/ 82.

- السادس مما فيه الخمس على ما قالوا: الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم: 3/ 88.

- السابع مما فيه الخمس: الحلال المختلط بالحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره، فيحل بإخراج خمسه: 3/ 94.

- الجهة الثالثة: في مصرف الخمس: 3/ 100.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 355

- بيان مفاد آية الخمس: 3/ 104.

- الروايات المتعرضة لمصرف الخمس: 3/ 107.

- الخمس حق وحداني ثابت لمنصب الإمامة: 3/ 110.

- توضيح و تكميل: 3/ 117.

- الورود في المسألة من طريق آخر: 3/ 119.

- الجهة الرابعة في حكم الخمس في عصر الغيبة: 3/ 122.

- إن الخمس و الأنفال للإمام بما

أنه إمام: 1/ 102.

الدولة الإسلامية،- الحكومة.

الزكاة و الصدقات: 3/ 5- 41.

و فيه جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في بيان مفهوم الزكاة و الصدقة: 3/ 5.

- الجهة الثانية: في بيان ما فيه الزكاة إجمالا و هل أنها في تسعة أشياء أو أزيد؟ 3/ 10.

- الروايات الواردة فيما فيه الزكاة و هي أربع طوائف: 3/ 13.

- وجوه الجمع بين روايات ما فيه الزكاة: 3/ 20.

- الموارد التي استحبت فيها الزكاة و هي اثنا عشر موردا: 3/ 30.

- الجهة الثالثة: في أنّ الزكاة تكون تحت اختيار الإمام و هو الذي يتصدى لأخذها و صرفها في مصارفها: 3/ 32.

- الجهة الرابعة: في الصدقات المندوبة و الأوقاف العامة: 3/ 37.

- إن الزكاة ضريبة من ضرائب الحكومة الإسلامية: 1/ 98.

السبايا،- الأسارى: 3/ 249- 317.

السجن: أحكام السجون و آدابها 2/ 421- 538.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 356

و فيه جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في بيان مفهوم السجن بحسب اللّغة: 2/ 421.

- الجهة الثانية: في مشروعية الحبس إجمالا: 2/ 425.

- الجهة الثالثة: في أوّل من بنى السجن في الإسلام: 2/ 434.

- الجهة الرابعة: في موضوع الحبس الشرعي و الغرض منه: 2/ 437.

- نقل كلام صاحب كتاب «التشريع الجنائيّ الإسلامي»: 2/ 439.

- الجهة الخامسة: في إشارة إجمالية إلى مكان السجن من العقوبات في الشريعة الإسلامية: 2/ 443.

- الجهة السادسة: في إشارة إجمالية إلى موارد الجمع بين الحبس و بعض العقوبات الأخر: 2/ 446.

- (إجبار المسجون على المقابلة التلفزيونيّة): 2/ 447.

- 1- المراة المرتدة: 2/ 449.

- 2- المختلس و الطرّار و النبّاش: 2/ 449.

- 3- الحالق شعر المرأة: 2/ 450.

- 4- المؤلي إذا أبى أن يطلق أو يفي ء: 2/

450.

- 5- شارب الخمر في رمضان: 2/ 451.

- 6- من أمسك أحدا ليقتله الآخر: 2/ 451.

- 7- القاتل عمدا إذا لم يقتصّ منه: 2/ 451.

- 8- شاهد الزور: 2/ 452.

- 9- أمين السوق إذا خان: 2/ 452.

- 10- من يلقّن المجرم بما يضرّ مسلما: 2/ 453.

- 11- من قتل مملوكه: 2/ 453.

- 12- من سرق ثالثة: 2/ 453.

- الجهة السابعة: في اقسام السجون بحسب أصناف السجناء: 2/ 455.

- الجهة الثامنة: في تقسيمها بملاحظة أسبابها الرئيسيّة: 2/ 456.

- الجهة التاسعة: في نفقات السجن و السجناء: 2/ 458.

- الجهة العاشرة: في التعرض لفروع أخر جزئية: 2/ 467.

- الأوّل: النظر في حال المحبوسين: 2/ 467.

- الثاني: رعاية حاجات المحبوسين: 2/ 469.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 357

- الثالث: ضمان السجان إذا فرّط: 2/ 470.

- الرابع: على الإمام أن يراعي الشؤون الدينية للسّجناء: 2/ 473.

- الجهة الحادية عشرة: في ذكر ما عثرت عليه من موارد السجن في أخبار الشيعة و السّنة: 2/ 474.

- الأخبار الواردة في الحبس على طائفتين:

- الطائفة الأولى: ما تعرضت لمطلق الحبس و السجن بنحو الإجمال أو لمدة معينة، و هي تسعة و عشرون موردا: 2/ 477.

- 1- مورد التّهمة: 2/ 477.

- 2، 3 و 4- الفسّاق من العلماء و الجهال من الأطبّاء و المفاليس من الأكرياء: 2/ 482.

- 5، 6 و 7- الغاصب لمال الغير، و آكل مال اليتيم ظلما، و الخائن في الأمانة: 2/ 483.

- 8 و 9- المديون المماطل، و المدّعي للإفلاس: 2/ 484.

- هنا مسألتان في الإفلاس ينبغي الإشارة إليهما: 2/ 487.

- 10- من ترك الإنفاق على زوجته بلا إعسار: 2/ 490.

- 11- الكفيل حتى يحضر المكفول

أو ما عليه: 2/ 491.

- 12- من عليه حق من حقوق الناس أو حقوق اللّه غير ما ذكر فيحبس لاستيفائه: 2/ 493.

- 13، 14، 15 و 16- المختلس، و الطرّار، و النبّاش، و الداعر: 2/ 495.

- 17- أمين السوق إذا خان: 2/ 499.

- 18- من يلقّن المجرم بما يضرّ مسلما: 2/ 499.

- 19- شاهد الزور: 2/ 499.

- 20- من وثب على امرأة فحلق رأسها: 2/ 500.

- 21- الأمّ إذا كانت تزني: 2/ 501.

- 22- السكارى المتباعجون بالسكاكين: 2/ 501.

- 23- القاتل عمدا إذا لم يقتصّ منه: 2/ 505.

- 24- الأسراء: 2/ 508.

- 25- من عذّب عبده حتى مات: 2/ 509.

- 26- من أعتق نصيبه من مملوكه المشترك فيه فيحبس ليشتري البقية و يعتقها: 2/ 510.

- 27- القوّاد المحكوم بالنفي على ما روي: 2/ 511.

- 28- المرتدّ الملّي يحبس ليتوب: 2/ 511.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 358

- 29- من قطع يده فيحبس للعلاج: 2/ 512.

- الطائفة الثانية من أخبار الحبس و السجن: ما تعرضت لمن يخلّد في السجن حتّى يموت أو حتى يتوب، و هي أحد عشر موردا: 2/ 512.

- 1- من سرق ثالثة: 2/ 513.

- 2- المرأة المرتدة: 2/ 518.

- 3- المؤلي إذا أبى أن يفي ء أو يطلّق: 2/ 522.

- 4- من أمسك رجلا ليقتله غيره: 2/ 523.

- 5- من أمر رجلا حرّا بقتل رجل: 2/ 528.

- 6- العبد القاتل بأمر سيّده: 2/ 529.

- 7- من خلّص القاتل من أيدي الأولياء: 2/ 531.

- 8- المحارب المحكوم بالنفي على ما في بعض الأخبار و الفتاوى: 2/ 532.

- 9- الّذي يمثّل: 2/ 533.

- 10- المنجّم المصرّ على التنجيم: 2/ 533.

- 11-

من وقع على أخته و لم يمت بالضربة: 2/ 534.

- بعض القواعد التي أقرّتها هيئة الأمم المتّحدة لمعاملة المسجونين: 2/ 534.

السلطات الثلاث: 2/ 51- 211.

- إن المسؤول في الحكومة الإسلامية هو الإمام و السلطات الثلاث أياديه و اعضاده فهو بمنزلة رأس المخروط يشرف على جميعها إشرافا تاما: 2/ 51.

- بيان إجمالي لأنواع السلطات و الدوائر في الحكومة الإسلامية: 2/ 57.

- أصول السلطات في الحكومة ثلاثة: (1- التشريعية، 2- التنفيذية، 3- القضائية): 2/ 57.

السلطة التشريعية: 2/ 59- 109.

و فيها جهات من البحث:

- 1- في بيان الحاجة إليها و حدودها و تكاليفها (و أن للحكم الشرعي ثلاث مراحل): 2/ 59.

- 2- انتخاب النوّاب لمجلس الشورى: 2/ 62.

- 3- مواصفات الناخبين و المنتخبين: 2/ 63.

- 4- منابع الحكم الإسلامي و مصادره: 2/ 63.

- هنا أمور اختلف في حجيتها الفريقان: 2/ 64.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 359

- الأوّل: الإجماع بما هو إجماع و اتفاق: 2/ 65؛ 2/ 339.

- الثاني: القياس و الاستحسانات الظنيّة: 2/ 68.

- الثالث: أقوال العترة الطاهرة: 2/ 70.

- 5- الاستنباط و الاجتهاد 2/ 71.

- 6- التخطئة و التصويب: 2/ 37.

- 7- انفتاح باب الاجتهاد المطلق: 2/ 78.

- 8- التقليد و أدلّته: 2/ 86- 109.

- [راجع في العناوين الفرعية للجهات الأربع الأخيرة «الاجتهاد و التقليد».]

السلطة التنفيذية: 2/ 110- 139.

و فيها جهات من البحث:

- 1- المراد منها و الحاجة إليها و مراتبها: 2/ 110.

- 2- مصدر السلطة التنفيذيّة: 2/ 114.

- 3- مواصفات الوزراء و العمّال و الأمراء بمراتبهم: 2/ 115؛ 1/ 308.

- 4- إشارة إلى دوائر من السلطة التنفيذيّة: 2/ 127.

- 5- ذكر بعض من ولّاه النبي «ص» على النواحي: 2/ 128.

-

6- ذكر بعض من بعثه رسول اللّه «ص» على الصدقات: 2/ 132.

- 7- في عدد غزوات النبي «ص» و سراياه: 2/ 133.

- 8- ذكر من استخلفه رسول اللّه «ص» على المدينة أو على أهله حينما خرج من المدينة: 2/ 134.

- 9- ذكر بعض من بعثه النبي «ص» إلى الملوك للدعوة إلى الإسلام: 2/ 137.

- 10- ذكر من بعثه النبي «ص» إلى الجهات يعلّم الناس القرآن و يفقههم في الدين ...: 2/ 138.

السلطة القضائية: 2/ 140- 211.

و فيها جهات من البحث:

- 1- الحاجة إليها: 2/ 140.

- 2- لقضاء اللّه و لرسوله و للأنبياء و الأوصياء، و كان الأنبياء و الأئمة يتصدّون له: 2/ 141.

- 3- شرائط القاضي و مواصفاته و هي البلوغ، و العقل، و الإيمان، و العدالة، و طهارة المولد، و الذكورة، و الحرية، و سلامة السمع و البصر على قدر الحاجة: 2/ 146/

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 360

- و أيضا- اشتراط الذكورة: 1/ 335- 361؛ و اشتراط العدالة: 1/ 297.

- 4- اعتبار العلم في القاضي: 2/ 150.

- 5- هل يعتبر في علم القاضي كونه عن اجتهاد؟ 2/ 153.

- ما يستدلّ به على اعتبار الاجتهاد في القاضي: 2/ 156.

- كلام صاحب «الجواهر»: 2/ 159.

- الجواب عمّا في الجواهر: 2/ 162.

- كلام بعض الأساتذة في كتابه «جامع المدارك» و نقده: 2/ 167.

- كلام للفاضل النراقي في «المستند» و نقده: 2/ 170.

- 6- هل للفقيه أن ينصب المقلّد للقضاء؟ 2/ 172.

- 7- هل يجوز للمجتهد أن يوكّل العاميّ المقلّد للقضاء؟ 2/ 173.

- 8- هل يجزي التجزّي في الاجتهاد؟ 2/ 176.

- 9- هل يتعين الأعلم مع الإمكان أو لا؟ 2/ 178.

- ما

يستدلّ به على اعتبار الأعلمية: 2/ 180.

- نقل كلام صاحب «العروة» و نقده: 2/ 182.

- 10- اهتمام الإسلام بالقسط و العدل و الحكم بالحق: 2/ 185.

- 11- المساواة أمام القانون: 2/ 190.

- 12- استقلال القاضي: 2/ 196.

- 13- بعض آداب القضاء: 2/ 197.

- 14- في تكاليف القاضي و اختياراته: 2/ 201.

- 15- ولاية المظالم: 2/ 205- 211.

السلطان،- الإمام.

السلطنة،- الولاية.

السياسة الخارجية للإسلام و معاملته مع الأقليّات غير المسلمة 2/ 711- 753.

و فيها جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في أن الإسلام دين و سياسة و تشريع و حكومة: 2/ 701.

و أيضا- 1/ 83 و ما بعدها.

- الجهة الثانية: في أنّ الحاكم هو اللّه تعالى: 2/ 4 و 2/ 702.

- الجهة الثالثة: في أن الإسلام دين عام عالميّ أبديّ: 2/ 705.

- بعض مراسلات النبي «ص» إلى الملوك للدعوة إلى قبول الإسلام: 2/ 705.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 361

- الجهة الرابعة: في أنّ الإسلام يدعو إلى الحقّ و العدالة و أن الجهاد ليس إلّا الدفاع عن الحق و العدالة: 2/ 708.

- الجهة الخامسة: في أنّ المسلمين بأجمعهم أمّة واحدة و لا فضل لأحد منهم على أحد إلّا بالتقوى: 2/ 712.

- الجهة السادسة: في النهي عن تولّي الكفّار و اتخاذهم بطانة: 2/ 717.

- الجهة السابعة: في مداراة الكفّار و حفظ حقوقهم و حرمتهم: 2/ 721.

- و- في أن حفظ حقوق الأقليات بنفسه يعدّ من مقررات الإسلام و موازينه: 1/ 277.

- الجهة الثامنة: في الأمان و الهدنة: 2/ 725.

- 1- عقد الأمان: 2/ 726.

- 2- الهدنة و ترك القتال: 2/ 728.

- (و راجع أيضا في المهادنة و الموادعة و المعاهدة على ترك القتال: 3/ 388.)

-

الجهة التاسعة: في وجوب الوفاء بالعهد و حرمة الغدر و لو مع الكفّار: 2/ 731.

- الجهة العاشرة: في الحصانة السياسية للسفراء و الرسل: 2/ 738.

- الجهة الحادية عشرة: في حكم جاسوس العدوّ: 2/ 740.

- الجهة الثانية عشرة: في ذكر بعض معاهدات النبي «ص» مع الكفّار من أهل الكتاب و غيرهم: 2/ 745.

و يذكر فيها سبعة موارد، و هي: 1- عهد كتبه «ص» بين أهل المدينة. 2- هدنة الحديبيّة. 3- عهد أمان منه «ص» ليهود بني عاديا من تيماء. 4- معاهدته «ص» مع أهل أيلة. 5- دعوته «ص» أساقفة نجران. 6- كتابه «ص» لأبي الحارث بن علقمة أسقف نجران. 7- معاهدته «ص» مع نصارى نجران: 2/ 745- 753.

سيرة الإمام و مكارم أخلاقه،- الإمام: 2/ 785- 833.

شرائط الإمام و الوالي الذي تصحّ إمامته و تجب طاعته و يشتمل هذا الباب (الباب الرابع) على اثني عشر فصلا: 1/ 259- 395.

- شرائط الإمام الذي تصح إمامته و تجب طاعته، و هي ثمانية اتفاقية و ستة اختلافية: 1/ 259.

- الفصل الأول: في ذكر بعض الكلمات من العلماء و الفقهاء في شرائط الوالي: 1/ 261- 273.

- رأي ابن سينا: 1/ 261؛ رأي الفارابي: 1/ 262، رأي الماوردي: 1/ 263، رأي القاضي أبي يعلى الفراء: 1/ 264، كلام العلامة الحلّي في التذكرة:

1/ 265، رأي القاضي الباقلاني: 1/ 266، كلام القاضي عضد الدين الإيجي

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 362

و الشريف الجرجاني: 1/ 267، كلام عبد الملك الجويني: 1/ 268، كلام النووي: 1/ 269، آراء ابن حزم الأندلسي: 1/ 269، كلام ابن خلدون:

1/ 272، كلام القلقشندي: 1/ 272، ملخص ما في الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 273.

-

الفصل الثاني: في بيان ما يحكم به العقل و العقلاء في المقام مع قطع النظر عن الآيات و الروايات: 1/ 275.

- حفظ حقوق الأقليات بنفسه يعدّ من مقررات الإسلام و موازينه: 1/ 277.

- الفصل الثالث: في ذكر آيات الباب: 1/ 279.

- الفصل الرابع: في اعتبار العقل الوافي. 1/ 285.

- الفصل الخامس: في اعتبار الإسلام و الإيمان: 1/ 287.

- الفصل السادس: في اعتبار العدالة (و أن الظالم و الفاسق لا يجعل إماما و واليا و أنه لا طاعة لمن لم يطع اللّه و أنّه ورد في روايات كثيرة مدح الإمام العادل): 1/ 289.

- نكتة مهمة، و هي أن الأمير المنصوب من قبل الإمام لجيش خاصّ أو جهة خاصة إذا فرض سقوطه عن العدالة لا يوجب هذا بنفسه سقوطه عن منصبه و لا جواز التخلف عن أوامره في الجهة المشروعة التي نصب لها: 1/ 300.

- الفصل السابع: في اعتبار الفقاهة و العلم بالإسلام: 1/ 301.

- و أيضا،- في الاحتمالات الثلاث في حديث العلماء حكام على الناس: 1/ 309 و 483.

- (و كذا راجع في نقل حديث مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء: 1/ 311 و 485.)

- الفصل الثامن: في اعتبار القوة و حسن الولاية، (و هي في الحقيقة خمسة شرائط: 1- الشمّ السياسي، 2- الإحاطة بكيفية العمل و فنونه و الاطّلاع على نفسيات أمّته و حاجاتهم، و شرائط الزمان و البيئة. 3- الشجاعة النفسية و القاطعية في التصميم و قوة الإرادة. 4- سلامة الحواس و الأعضاء من السمع و البصر و اللسان و نحوها بمقدار ما يرتبط بعمله أو يوجب عدمه شيئا يسبّب نفرة النّاس منه و عدم تأثير حكمه فيهم، 5- الحلم.): 1/ 319- 327.

-

الفصل التاسع: في اعتبار أن لا يكون الوالي من أهل البخل و الطمع و المصانعة و حبّ الجاه: 1/ 329.

- الفصل العاشر في اعتبار الذكورة في الوالي و القاضي: 1/ 335.

- بحث حول الإجماع: 1/ 339.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 363

- التنبيه على أمرين: 1/ 341.

- الأمر الأوّل، و فيه ثلاث مقدمات: 1- تفاوت الرجل و المرأة: 1/ 341.

- 2- مفهوم العدل: 1/ 343.

- 3- الولاية مسئولية و أمانة: 1/ 344.

- الولاية تنافي طباع المرأة و ظرافتها: 1/ 344.

- حكمة جعل الطلاق بيد الرجل و أيضا حكمة تفاوت حكم الرجل و المرأة في الميراث و الديات: 1/ 346.

- الأمر الثاني: المرأة و التستر: 1/ 347.

- الآيات الدالّة على اعتبار الذكورة في الوالي و القاضي: 1/ 348.

- الروايات الدالّة على اعتبار الذكورة في الوالي و القاضي: 1/ 353.

- الفصل الحادي عشر: في اعتبار طهارة المولد في الوالي و القاضي و المفتي: 1/ 363.

- الفصل الثاني عشر: في ذكر أمور أخر اختلفوا في اعتبارها في الإمام، و هي ستة: 1/ 369.

- الأوّل: البلوغ: 1/ 369.

- الثاني: سلامة الأعضاء و الحواس: 1/ 370.

- الثالث: الحرية: 1/ 372.

- الرابع: القرشية: 1/ 373.

- الخامس: العصمة: 1/ 380.

- أصول مسئوليات الإمام و تكاليفه ثلاثة ...: 1/ 386.

- السادس: كون الإمام منصوصا عليه: 1/ 389.

- و أيضا- في أنه هل رعاية الشروط حكم تكليفي أو وضعي؟ 1/ 541؛ و أنه هل الشروط واقعية أو علمية؟ 1/ 544؛ و أنه إذا لم يوجد الواجد لجميع الشرائط فما هو التكليف: 1/ 545؛ و أن تشخيص الواجد للشرائط و ترشيحه من جانب هيئة المحافظة على الدستور موجب للاطمينان على

صحة الانتخاب: 1/ 551 و 579.

- و أيضا- شروط الحاكم المنتخب عند العقلاء: 1/ 10.

الشورى: 2/ 31- 50.

و فيها جهات من البحث:

- 1- اهتمام الإسلام بالاستشارة: 2/ 31.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 364

- و أيضا- في الحث على الشورى و الأمر بها: 1/ 497، و في كيفية الشورى: 1/ 548.

- الملاك في العمل بعد المشاورة هو تشخيص نفس الحاكم: 2/ 37.

- الشورى في أصل الإمامة و الولاية خلاف سيرة العقلاء و المتشرعة: 2/ 37.

- 2- مواصفات من يستشار: 2/ 39؛ 1/ 560.

- 3- حق المستشير على المشير و بالعكس: 2/ 42.

- 4- ذكر بعض موارد استشارة النبي «ص»: غزوة البدر، غزوة احد، موردين من غزوة الأحزاب، قصة الحديبية، و غزوة الطائف: 2/ 44- 50.

الصابئة،- الجزية- بحث في حكم الصابئة: 3/ 392- 412.

الصدقات،- الزكاة و الصدقات: 3/ 5- 41.

الضرائب الإسلامية،- المنابع المالية.

ضرورة الحكومة في جميع الأعصار،- الحكومة: 1/ 85- 204.

الضعفاء و الأرامل في الحكومة الإسلامية،- أهداف الدولة الإسلامية.

العدل و أهميته في الإسلام: 2/ 185- 195. و أيضا- السلطة القضائية.

العشور،- المنابع المالية- الضرائب التي ...: 4/ 258- 285.

العقل و أهميته في النظام الإسلامي،- السلطة التشريعية؛ شرائط الإمام و الوالي؛ الشورى؛ المسائل الأصولية؛ منابع الحكم الإسلامي.

العقوبات في النظام الإسلامي،- الاستخبارات العامة؛ التعزيرات الشرعية؛ السجن.

عهد مولانا أمير المؤمنين «ع»- كتاب مولانا أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر: 4/ 301- 319.

غنائم الحرب التي منها الأراضي المفتوحة عنوة و السبايا و الأسارى 3/ 129- 317.

و في المسألة جهات من البحث:

- الجهة الأولى: في مفاد الغنيمة و الفرق بينها و بين الفي ء: 3/ 129.

- الجهة الثانية: في أنّ الغنائم للّه و للرسول و أنها من الأنفال،

و آية الأنفال نزلت فيها: 3/ 133.

- ليست الغنائم و الأنفال لشخص الرسول و الإمام بل هما تحت اختيارهما: 3/ 136.

- عدم تقسيم النبي «ص» غنائم مكة و حنين بين المقاتلين و قد فتحتا عنوة: 3/ 141.

- ليس بين آية الأنفال و آية الخمس تهافت و ليس في البين نسخ: 3/ 147.

- الجهة الثالثة: في كيفيّة تقسيم الغنائم: 3/ 153.

- الأخبار الواردة في تقسيم الغنيمة: 3/ 156.

- المشهور بيننا أنّ للفارس سهمين و للراجل سهما واحدا: 3/ 159.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 365

- حكم المدد و الصبيان و النساء و العبيد و الكفّار في هذا الباب: 3/ 163.

- فروع ينبغي الإشارة اليها:

الأوّل: هل يكون في أعصارنا للسيّارات و الطيّارات و نحوهما في الحروب حكم الفرس أم لا؟ 3/ 166.

- الثاني: إذا كانت الجيوش موظفين من قبل الحكومة، و النفقات و الوسائل ملكا للحكومة فهل يجري حكم تقسيم الغنيمة كما في المتطوعين أم لا؟ 3/ 167.

- الثالث: هل يجوز التصرّف في شي ء من الغنيمة أم لا؟ 3/ 167.

- الرابع: هل التخميس يقدم على الجعائل و النوائب و النفقات و الرضخ، أو يؤخر عنها، أو يفصّل بين الرضخ و غيره؟ 3/ 169.

- الجهة الرابعة: في السلب: 3/ 172.

- البحث في السلب يقع في مسائل نشير إلى بعضها إجمالا:

- المسألة الأولى: هل السلب للقاتل مطلقا أو فيما إذا شرطه الإمام له؟ 3/ 173.

- المسألة الثانية: هل القاتل يستحق السلب مطلقا أو يعتبر في ذلك شروط؟ 3/ 176.

- المسألة الثالثة: في المقصود من السلب: 3/ 177.

- المسألة الرابعة: هل السلب يخمّس خمس غنائم الحرب أم لا؟ 3/ 178.

- الجهة الخامسة: في الصفايا و

أنها للإمام: 3/ 180.

الجهة السادسة: في حكم الأراضي المفتوحة عنوة و فيها إشارة إلى أقسام الأرضين و أحكامها- الأراضي و أحكامها: 3/ 181- 248.

الجهة السابعة: في الأسارى- الأسارى: 3/ 249- 317.

فدك: 3/ 329.

فقه الدولة،- الحكومة.

الفي ء: 3/ 319- 507.

- بيان مفهوم الفي ء و ذكر بعض مصاديقه، و هنا أمور يجب البحث فيها إجمالا:

- الأمر الأوّل: هل الموضوع في الآيتين (6 و 7 من سورة الحشر) هنا واحد أو يكون الموضوع في الثانية أعم؟ 3/ 324.

- الأمر الثاني: في حكم ما لم يوجف عليه بالخيل و الركاب و أنّه للرسول «ص» و بعده للإمام: 3/ 326.

- إعطاء فدك لفاطمة «ع»: 3/ 329.

- توهم نسخ آية الفي ء: 3/ 333.

- الأمر الثالث: أن الفي ء و الأنفال لا خمس فيها: 3/ 335.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 366

- الأمر الرابع: ما هو مفهوم الفي ء و المقصود منه في لسان الشرع و الفرق بينه و بين الغنائم و الأنفال و الصدقات: 3/ 343.

- بعض الروايات المتضمنة للفظ الفي ء و مصارفه: 3/ 351.

- الأمر الخامس: في التعرض لبعض أنواع الفي ء: 3/ 361.

- معنى الجزية و الخراج و الفرق بينهما: 3/ 363.

- و هنا مسألتان:

- المسألة الأولى: في الجزية،- الجزية: 3/ 365- 486.

- المسألة الثانية: في الخراج،- الخراج: 3/ 487- 507.

القسط و أهميته في الإسلام: 2/ 185- 195؛ و أيضا- السلطة القضائية.

القضاء،- السلطة القضائية: 2/ 140- 211.

القوى العسكرية:

- إشارة إجمالية إلى اهتمام الإسلام بالقوى العسكرية: 2/ 755- 768.

- تنبيه: يلزم أن يكون إعداد القوى المسلّحة على حسب الزمان، و ينبغي أن تدغم تدريجا التشكيلات المسلّحة المتكثرة في القوتين الأساسيتين: النظاميّة و الانتظاميّة 2/ 767.

قيام زيد بن علي،- أخبار

السكوت و السكون؛ القيام في قبال حكام الجور.

القيام في قبال حكام الجور:

- هل يجوز للأمّة الكفاح المسلّح و الخروج على الحاكم إذا فقد بعض الشرائط أولا؟ 1/ 580- 620.

- فاجعة الحرة و ما جرى بين عبد اللّه بن عمرو عبد اللّه بن مطيع: 1/ 583.

- البحث في أمرين:

- الأمر الأوّل: لا يجوز إطاعة الجائر الفاسق في فسقه و جوره و إنما الإطاعة لمن يكون له حق الأمر: 1/ 590.

- الأمر الثاني: هل يجوز الخروج و القيام ضدّ الحاكم إذا صار جائرا، أو لا؟ 1/ 593.

- الأدلة التي تدلّ على جواز بل وجوب السعي في خلع الوالي و لو بالكفاح المسلح إذا صار انحرافه أساسيا: 1/ 595- 620.

- الأوّل: ما يستفاد من الآيات و الروايات الدّالة على وجوب خلع الوالي إذا صار انحرافه أساسيا: 1/ 595.

- الثاني: ما دل على الغرض من الإمامة و الحكومة الحقة: 1/ 599.

- الثالث: ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بمفهومهما الوسيع: 1/ 600.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 367

- الرابع: قيام سيد الشهداء «ع» على يزيد بن معاوية: 1/ 605.

- الخامس: ما دلّ على تقديس زيد بن علي و تقديس قيامه: 1/ 606.

- و أيضا- قداسة زيد بن علي «ع» و قيامه: 1/ 208.

- السادس: ما دلّ على تقديس شهيد فخ و تقديس قيامه: 1/ 607.

و أيضا- في تقديس حسين بن علي شهيد فخ: 1/ 217.

- السابع: ما دلّ على وجوب القيام في قبال حكام الجور مع وجود القدرة و منه حديث سدير الصيرفي: 1/ 609.

- الثامن: ما دلّ على حرمة عدم المبالاة بما يقع في المجتمع من الجور و الظلم:

1/ 611.

و أيضا- ما هو المراد بالتقية: 1/ 193؛ و علة عدم قيام الإمام الصادق «ع» و موقعيته و قلّة عدد أصحابه و خصوصيات بعض منهم: 1/ 229- 232؛ و علة عدم تأييد الإمام الصادق «ع» بعض الثورات التي كانت في عصره كقيام محمد بن عبد اللّه المحض باسم المهدوية: 1/ 218 و 249؛ و قيام أبي مسلم الخراساني: 1/ 231 و 235.

- التاسع: ما دلّ على جزاء المحارب و المفسد في الأرض: 1/ 613.

- العاشر: ما دل على جواز قتال البغاة بل وجوبه: 1/ 127؛ 1/ 612.

- الحادي عشر: ما دل على حرمة إعانة الظالم و مساعدته بل و حبّ بقائه: 1/ 614.

- خلاصة الأدلّة في وجوب خلع الوالي و لو بالكفاح المسلح إذا صار انحرافه أساسيا: 1/ 618.

- و أيضا- الجهاد: 1/ 12- 126؛ و أخبار السكوت و السكون:

1/ 205- 256؛ لأن بعض مباحثهما يرتبط بالمقام.

كتاب مولانا أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر: 4/ 301- 319.

- سند عهد أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر: 4/ 303.

- عهد أمير المؤمنين «ع» إلى مالك الأشتر: 4/ 307- 319.

الكفاح المسلح لإقامة الدولة العادلة،- القيام في قبال حكام الجور: 1/ 580- 620.

كيفية تعيين الوالي و انعقاد الإمامة،- الإمام: 1/ 397- 620.

لزوم الحكومة في كلمات بعض العلماء و الأعاظم المدعين للإجماع في مسألة الحكومة،- الحكومة: 1/ 85- 88.

المباحث المتفرقة:

- توثيق فضل بن شاذان النيشابورى و محمد بن شاذان و الاعتماد على خبرهما: 1/ 173.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 368

- الدعوة على قسمين: 1- دعوة إلى الحق و مؤيّدة من قبل الأئمة «ع» 2- و دعوة إلى الباطل ... 1/ 206 و 237.

-

سدير الصيرفي و حديثه المشهور. 1- 229- 232 و 609.

- الصحيفة السجادية و البحث في سندها. 1/ 223.

- قصص و أحاديث كثيرة من عمل أمير المؤمنين «ع» أيام خلافته (ذكرت في وجوب اهتمام الإمام و عمّاله: 2/ 669- 700، كقصة ابن عباس: 2/ 674- 678؛ و قصة عقيل و الحديدة المحماة: 2/ 679؛ و قصة الحسين أو الحسن و العسل:

2/ 680؛ فراجع أهداف الدولة الإسلامية و ما يجب على الحاكم الإسلامي ...

- كتاب سليم بن قيس الهلالي و البحث في سنده و أنّ الاعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي مشكل: 1/ 180- 182.

- لا ضرر و لا ضرار و المقصود منها: 2/ 29.

- المذاهب الأربعة الدارجة لأهل السنة و كيفية الحصر فيها: 2/ 79.

- المسائل المعنونة في الفقه على قسمين: 1- المسائل الأصلية المتلقاة عن الأئمة المعصومين «ع»؛ 2- و المسائل التفريعية التي استنبطها الفقهاء: 1/ 339.

المرأة و ميزاتها و الحكومة،- شرائط الإمام و الوالي ...

المسائل الأصولية:

- اشارة الى معنى التواتر الإجمالي و مكانته: 1/ 19.

- متى يجب العمل بالأخبار الواردة من طرق السنة: 1/ 19.

- حجية أقوال العترة الطاهرة «ع» و أفعالهم مسألة أصولية لا كلامية: 1/ 58.

- بحث حول الإجماع: 1/ 339.

- بحث حول التمسك بالإطلاق و بيان مورده: 1/ 451 و 465.

- مورد حمل المطلق على المقيد: 1/ 546.

- منابع الحكم الإسلامي: 2/ 64- 71.

- إشارة إلى حجية الكتاب و السنة و العقل إجمالا: 2/ 64- 65.

- بحث حول الإجماع عند الفريقين: 2/ 65- 68.

- بحث حول القياس و الاستحسانات الظنية: 2/ 68- 70.

- حجية أقوال العترة الطاهرة «ع»: 2/ 70- 71.

- الاستنباط و الاجتهاد: 2/ 71- 73.

- التخطئة و التصويب: 2/

73- 78.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 369

- انفتاح باب الاجتهاد المطلق: 2/ 78- 85.

- التقليد و أدلته و المناقشة فيها، طريق آخر إلى التقليد: 2/ 86- 109.

- ماهية الوجوب الكفائي و الفرق بينه و بين العيني: 2/ 222- 224.

- أقسام الخبر المتواتر: 2/ 432- 433.

- تقريب لحجية قول المؤرخ بوجهين، و المناقشة فيه: 3/ 242- 243.

- معنى حمل فعل المسلم على الصحة: 3/ 243- 244.

- إشارة إلى منع التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص اللفظي: 3/ 411.

- إشارة إلى منع قاعدة المقتضي و المانع: 3/ 411.

- إشارة إلى منع الاستصحاب الأزلي بنحو السلب المركب: 3/ 411.

- ما يدل عليه إناطة الرخصة تكليفا أو وضعا بأمر وجودي: 3/ 411- 412.

- ممنوعية الرجوع إلى العموم الفوقي بعد تعارض الخاصين: 4/ 209.

- المفاهيم من قبيل ظهور الفعل لا ظهور اللفظ: 4/ 221.

- إشارة إلى رأينا في الإجماع: 4/ 281.

المسؤول في الحكومة الإسلامية هو الإمام،- الإمام.

منابع الحكم الإسلامي و مصادره،- السلطة التشريعية؛ المسائل الأصولية 2/ 64- 71.

المنابع المالية،- الجزء الثالث: 3/ 1- 507؛ و الجزء الرابع: 4/ 1- 300؛

من الكتاب و يتعرّض لأصول مباحثها في ستة فصول:

- الفصل الأوّل: في الزكاة و الصدقات- الزكاة و الصدقات: 3/ 5- 41.

- الفصل الثاني: في الخمس- الخمس: 3/ 43- 128.

- الفصل الثالث: في غنائم الحرب التي منها الأراضي المفتوحة عنوة و السبايا و الأسارى- غنائم الحرب ...، الأراضي، الأسارى: 3/ 129- 317.

- الفصل الرابع: في بيان مفهوم الفي ء و ذكر بعض مصاديقه- الفي ء؛ الجزية؛ الخراج: 3/ 319- 507.

- الفصل الخامس: في الأنفال- الأنفال: 4/ 1- 256.

- الفصل السادس: في إشارة إجمالية إلى حكم سائر الضرائب التي

ربّما تمسّ الحاجة إلى تشريعها و وضعها زائدة على الزكوات و الأخماس و الخراج و الجزايا المعروفة المشروعة. و فيه جهات من البحث: 4/ 257- 300.

- الجهة الأولى: في التعرض لأخبار متفرقة يظهر منها إجمالا ذمّ العشّارين: 4/ 258.

- الجهة الثانية: في التعرض لبعض كلمات الأعلام و للأخبار الواردة في

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 370

العشور: 4/ 264.

- الأخبار الواردة في العشور: 4/ 271.

- الجهة الثالثة: في البحث في ضرائب أخرى غير الضرائب المعروفة: 4/ 286.

- نكات ينبغي الإشارة إليها و هي خمسة: 4/ 296.

النظام الاسلامي و كيفيته،- السلطات الثلاث.

النهي عن تولّي الكفّار و اتّخاذهم بطانة،- السياسة الخارجية ...: 2/ 717- 721.

النهي عن المنكر،- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الحسبة.

وظائف الحاكم الإسلامي و شئونه،- الإمام.

الوالي،- الإمام.

الولاية (الإمامة، السلطنة، الحكومة، الدولة الإسلامية)،- الحكومة.

- تفسير الولاية و بيان معناها: 1/ 53- 57.

- بيان مفهوم الإمامة: 1/ 73.

- تقسيم الولاية: 1/ 74.

- مراتب الولاية التشريعية: 1/ 77.

- إنّ الولاية المساوقة للإمامة لها مراتب ثلاث بحسب التحقق الخارجي: 1/ 78.

- الولاية مسئولية و أمانة: 1/ 344.

- الولاية تنافي طباع المرأة و ظرافتها: 1/ 344.

ولاية الفقيه،- الإمام؛ الحكومة؛ الولاية.

ولاية المظالم- السلطة القضائية: 2/ 205- 211.

الولاية و حكم العقل فيها:

- ما يقتضيه الأصل، و حكم العقل في المسألة إجمالا مع قطع النظر عما ورد في الكتاب و السنة: 1/ 27- 31.

- مقتضى الأصل، و حكم العقل في المسألة: 1/ 11، 27.

- هنا أمور أخر:

- الأول: حكم العقل بإطاعة اللّه: 1/ 28.

- الثاني: حكم العقل بحسن إرشاد الغير و وجوب الإطاعة لمن يرشد الإنسان: 1/ 29.

- الثالث: حكم العقل بتعظيم المنعم و شكره: 1/

30.

- الرابع: حكم العقل بأنّ إطاعة الحاكم العادل حافظة لمصالح المجتمع: 1/ 30.

- خلاصة ما ذكر: 1/ 31.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 371

ولاية النبي و الأئمة المعصومين «ع»:

- الباب الثاني: في ثبوت الولاية للنبي الأكرم و للأئمة المعصومين- سلام اللّه عليهم أجمعين-: 1/ 35- 81.

- ثبوت الولاية للنبيّ «ص» و للأئمة «ع»: 1/ 35.

- 1- آية جعل إبراهيم إماما: 1/ 36.

- 2- آية جعل داود خليفة: 1/ 37.

- 3- آية كون كون النبي «ص» أولى بالمؤمنين من أنفسهم: 1/ 37.

- الوجوه المحتملة (الأربعة) في معنى الآية الثالثة (النبيّ أولى بالمؤمنين): 1/ 37.

- بعض موارد الاستشهاد بالآية الثالثة (النبيّ أولى بالمؤمنين): 1/ 41.

- تتمة في استخلاف رسول اللّه «ص»: 1/ 43.

- مقام أمير المؤمنين «ع» و موقفه من رسول اللّه: 1/ 46.

- توضيح للمطلب: 1/ 46.

- تفسير الولاية و بيان معناها: 1/ 53.

- حديث الثقلين و التمسك بالعترة: 1/ 58.

- 4- آية قضاء اللّه و رسوله و قصة زيد بن حارثة و زينب بنت جحش: 1/ 62.

- 5- آية ولاية اللّه و رسوله و المؤمنين و شأن نزولها: 1/ 62.

- 6- آية إطاعة اللّه و إطاعة رسوله و أولي الأمر و علة تكرار لفظ أطيعوا: 1/ 64.

- 7- آية تحكيم النبي «ص» فيما شجر بينهم: 1/ 69.

- 8- آية حكم النبي «ص» بما أراه اللّه: 1/ 70.

- 9- آية الاستيذان من النبيّ و حرمة المخالفة: 1/ 71.

- التنبيه على أمور:

- الأول: في بيان مفهوم الإمامة:

- الثاني: في تقسيم الولاية و أن الولاية التكوينية إجمالا ثابتة للنبي «ص» و الأئمة «ع»: 1/ 74.

- الثالث: في مراتب الولاية التشريعية: 1/ 77.

- الرابع:

أن الولاية المساوقة للإمامة لها مراتب ثلاث بحسب التحقق الخارجي: 1/ 78.

- الخامس: في معنى الإمام اصطلاحا: 1/ 80؛ 1/ 196.

- و أيضا- «الاستخلاف»؛ «إطاعة أولي الأمر».

- و أيضا- تأسيس اوّل دولة اسلامية بيد النبي «ص»: 1/ 9.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 372

الهلال و ثبوته بحكم الحاكم: 2/ 593- 610.

- هل يثبت الهلال بحكم الإمام و الوالي أم لا؟: 2/ 593- 610.

- أدلّة القائلين بعدم حجية حكم الإمام و الوالي بثبوت الهلال: 2/ 597.

- أدلّة القائلين بحجية حكم الإمام و الوالي بثبوت الهلال: 2/ 597.

- الموارد التي تصدّى النبي «ص» لأمر الهلال و تعيين تكليف المسلمين، و كذلك تصدّى أمير المؤمنين «ع» و جميع الخلفاء: 2/ 601.

- فروع حول مسألة ثبوت الهلال:

- 1- هل يختص الحكم بثبوت الهلال لمن يتصدّى لمقام الإمامة أم لا؟: 2/ 607.

- 2- الحكم عبارة عن إنشاء الإلزام بشي ء أو ثبوت أمر، و لا يتعيّن فيه لفظ خاصّ: 2/ 608.

- 3- ليس حكم الحاكم في الموضوعات بنحو السببية، بل هو طريق شرعي إلى الواقع كسائر الأمارات و الطرق: 2/ 608.

- 4- إنّ حكم المجتهد في الهلال و نحوه ليس كفتواه منحصرا في حقّه و حقّ مقلّديه، بل يعمّ سائر المجتهدين أيضا إذا أذعنوا باجتهاده و جامعيّته للشرائط: 2/ 609.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 373

فهرس مصادر التحقيق

1- الآثار الباقية لأبي ريحان البيروني، محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي «المتوفى 440 ه.»

طبع ليبزج سنة 1923 م.

2- آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي، أستاذ الفقه الإسلامي و أصوله في جامعة دمشق. طبع دار الفكر دمشق، سنة 1403 ه. ق.

3- ابتغاء الفضيلة

في شرح الوسيلة لآية اللّه مرتضى الحائري «1334- 1406 ه. ق»، طبع مكتبة الطباطبائي، قم.

4- إثبات الهداة «إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات» للشيخ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن بن علي، صاحب الوسائل «1033- 1104 ه. ق»، في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة العلمية، قم.

5- الاحتجاج للطبرسي، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي «المتوفى سنة 588 ه.»، طبع النجف، المطبعة المرتضوية، 1350 ه. ق و طبعة أخرى، في مجلدين طبع النجف، مطبعة النعمان، 1386 ه. ق.

6- إحقاق الحق «إحقاق الحق و إزهاق الباطل» للقاضي، نور اللّه بن شريف الدين «956 و المستشهد 1019 ه.»، أصله أربع مجلدات و لكن طبع مع الملحقات حتى الآن عشرون مجلدا و ليس بكامل، التحقيق و التعليق و الملحقات لآية اللّه العظمى النجفي المرعشي دامت بركاته، طبع مكتبة آية اللّه المرعشي.

7- الأحكام السلطانية لأبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي «المتوفى 458 ه.»، تصحيح و تعليق محمد حامد الفقي، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1406 ه. ق، مصورا من

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 374

طبعة مصر سنة 1386 ه. ق.

8- الأحكام السلطانية للماوردي أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي «المتوفى سنة 450 ه.»، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1406 ه. ق، مصوّرا من طبعة مصر، سنة 1393 ه. ق.

9- أحكام السجون «أحكام السجون بين الشريعة و القانون» للدكتور الشيخ أحمد الوائلي، طبع مؤسسة أهل البيت، بيروت.

10- أحكام القرآن للجصاص، أبي بكر أحمد بن الرازي الحنفي «المتوفى 370 ه. ق»، في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة البهية بمصر، سنة 1347 ه. ق.

11- إحياء العلوم لأبي حامد، محمد بن محمد الغزالي الملقب بحجة

الإسلام «المتوفى 505 ه. ق»، في خمس مجلدات، طبع المكتبة التجارية بمصر.

12- الاختصاص للشيخ المفيد، أبي عبد اللّه محمد بن محمد بن نعمان «336 أو 338- 413 ه.»، تصحيح و تعليق علي أكبر الغفاري، طبع مؤسسة الأعلمي بيروت، سنة 1402 ه. ق.

13- اختيار معرفة الرجال «رجال الكشي» أصله لأبي عمرو، محمد بن عمر الكشي، و التأليف لشيخ الطائفة، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.»، تصحيح و تعليق الحسن المصطفوي، طبع المشهد الرضوي.

14- الإرشاد «إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان» للعلّامة الحلّي، جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر «648- 726 ه.» (المطبوع مع مجمع الفائدة و البرهان.) راجع مجمع الفائدة و البرهان.

15- الإرشاد «الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد» للشيخ المفيد «المتوفى 413 ه.»

تصحيح و إخراج السيد كاظم الموسوي المياموي، طبع دار الكتب الإسلامية، طهران، سنة 1377 ه. ق و طبعة أخرى، طبع مكتبة بصيرتي، قم.

16- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري لأبي العباس، شهاب الدين، أحمد بن محمد القسطلاني «المتوفى 923 ه.» (و بهامشه صحيح مسلم بشروح النووي للشيخ يحيى بن شرف النووي، المتوفى 676 ه. ق)، في عشر مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

17- الاستبصار «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه»، في أربع مجلدات، طبع إيران، 1390 ه. ق.

18- الإسلام و النصرانية مع العلم و المدنية للشيخ محمد عبده «1265- 1323 ه.» الطبعة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 375

الثالثة، طبع مطبعة المنار مصر، سنة 1341 ه. ق.

19- الإصابة «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

الشافعي «773- 852 ه.» طبع دار إحياء التراث العربي بيروت «مصورا من طبع مطبعة السعادة بمصر، سنة 1328 ه. ق».

*- أصول الكافي، راجع الكافي للكليني.

20- إعلام الموقعين «إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين» لابن قيّم الجوزية «المتوفى 751 ه. ق»، تعليق و مراجعة طه عبد الرؤوف سعد، في أربع مجلدات، طبع دار الجيل بيروت.

21- إعلام الورى «إعلام الورى بأعلام الهدى» للطبرسي، أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي «المتوفى 548 ه.» في مجلد واحد، الطبع القديم «بخطّ ميرزا عبد الكريم الشيرازي، سنة 1312 ه. ق».

22- الإقبال «الإقبال بصالح الأعمال» لابن طاوس، السيّد رضيّ الدين، أبي القاسم، علي بن موسى بن جعفر بن طاوس «589- 664 أو 668 ه.» طبع طهران بخطّ محمد بن محمد قلي سنة 1314 ه. و طبعة أخرى، دار الكتب الإسلامية 1390 ه. الطبعة الثانية.

«بخط علي أكبر طالقاني، سنة 1312 ه. ق».

23- الاقتصاد «الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» طبع مطبعة الخيام قم، سنة 1400 ه. ق.

24- اقتصادنا للسيد محمد باقر الصدر «المستشهد في 1400 ه. ق» الطبعة الثالثة، دار الفكر، بيروت، سنة 1389 ه. و طبعة أخرى، الطبعة السادسة عشرة لدار التعارف للمطبوعات، بيروت.

25- أقرب الموارد لسعيد خوري شرتوني اللبناني «1849- 1912 م»، في ثلاث مجلدات المطبوع في إيران سنة 1403 ه. ق.

26- الألفين «الألفين، الفارق بين الصدق و المين» للعلّامة الحلّيّ، جمال الدين أبي منصور، الحسن بن يوسف بن المطهر «648- 726 ه.» الطبعة الثانية، سنة 1388 ه. طبع المكتبة الحيدرية في النجف.

27- الأمّ للشافعي، محمد بن إدريس الشافعي «150- 204 ه.» سبعة أجزاء في أربع مجلدات (و بهامشه مختصر أبي إسماعيل بن

يحيى المزني الشافعي»، طبع القاهرة، دار الشعب، 1388 ه. ق.

28- الأمالي «المعروف بالمجالس» للصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه «المتوفى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 376

1381 ه.» طبعه القديم «بخط محمد حسن الگلپايگاني 1300 ه. ق». و طبعة أخرى من منشورات مؤسسة الأعلمي، بيروت الطبعة الخامسة، سنة 1400 ه. ق.

29- الأمالي للشيخ المفيد «المتوفى 413 ه.» تحقيق الحسين أستاد ولي و علي أكبر الغفاري طبع منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة قم المقدسة، سنة 1403 ه. ق.

30- الامامة و السياسة «تاريخ الخلفاء» لابن قتيبة، أبي محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ «213- 276 ه.» جزءان في مجلد واحد، طبع شركة مكتبة و مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر سنة 1378 ه. ق.

31- الأموال لأبي عبيد، القاسم بن سلام «المتوفى 224 ه.» طبع دار الفكر بيروت، الطبعة الثانية سنة 1395 ه. ق.

32- إنجيل لوقا، إنجيل متى و إنجيل مرقس (المطبوعة في الكتاب المقدّس- كتب العهد القديم و العهد الجديد- المترجم من اللغات الأصلية ...) طبع بيروت، سنة 1870 م.

33- أنساب الأشراف للبلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري «المتوفى 279 ه.» طبع بيروت «حقّقه و علّق عليه الشيخ محمد باقر المحمودي».

34- بحار الأنوار «الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار» للعلّامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.» في عشر و مأئة مجلد طبع بيروت، و طبع إيران مع تفاوت في ترتيب أرقام بعض المجلدات. و طبعه القديم، طبع أمين الضرب، الكمپاني، ستة و عشرون جزء في سبعة عشر مجلدا.

35- بدائع الصنائع لابن مسعود الكاساني الحنفي «المتوفى 587 ه.» في سبع مجلدات، طبع بيروت دار

الكتاب العربي سنة 1394 ه. ق.

36- بداية المجتهد «بداية المجتهد و نهاية المقتصد» لابن رشد، أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي «520- 595 أو 597 ه. ق» في جزءين، طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1371 ه. ق. و طبعة أخرى للمكتبة التجارية الكبرى بمصر في مجلدين.

37- البدر الزاهر «البدر الزاهر في صلاة الجمعة و المسافر» للمؤلف (تقريرات أبحاث أستاذه آية اللّه العظمى السيد حسين الطباطبائي البروجردي- قدّس سرّه- «1292- 1380 ه») طبع مطبعة الحكمة- قم، سنة 1378 ه. ق.

38- بلغة الفقيه للسيد محمد بن محمد تقي بن الرضا بن آية اللّه بحر العلوم «المتوفى 1326 ه. ق» الطبع الجديد في أربع مجلدات، الطبعة الرابعة 1403 ه. ق (تحقيق و تعليق: السيد محمد تقي آل بحر العلوم). و طبعة أخرى، الطبع الحجري في مجلد واحد، سنة 1325 ه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 377

*- البيع للإمام الخميني- قدّس سرّه- راجع كتاب البيع.

39- التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول للشيخ منصور علي ناصف، في خمس مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

40- تاريخ ابن عساكر «تاريخ الدمشق» لابن عساكر، أبي القاسم، علي بن الحسن بن هبة اللّه الشافعي (المتوفى 573 ه.» طبع دار التعارف للمطبوعات، بيروت، تحقيق محمد باقر المحمودي.

41- تاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي «المتوفى 910 ه.» طبع لاهور، سنة 1304 ه. ق.

42- تاريخ الطبري «تاريخ الأمم و الملوك» لأبي جعفر، محمد بن جرير الطبري «224- 310 ه.» في ستة عشر مجلدا، طبع ليدن.

43- تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي

المعروف باليعقوبي «المتوفى 284 ه. ق على ما في الكنى و الألقاب للشيخ عباس القميّ» جزءان في مجلد واحد، طبع مطبعة الغري في النجف، سنة 1358 ه. ق.

44- التبيان لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي، «385- 460 ه.»، طبعه القديم في مجلدين، طبع مطبعة الإسلامية، سنة 1325 ه. ش «المكتوب بخطّ أبي القاسم و طاهر الخوشنويس سنة 1365 ه. ق.».

45- التحرير «تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»، طبع إيران مؤسسة آل البيت «ع»، «بخطّ محمد حسن بن محمد علي الگلپايگاني، سنة 1314 ه. ق».

46- تحرير الوسيلة للإمام الخميني- قدّس سرّه الشريف- «1320- 1409 ه. ق.»، في مجلدين، طبع مطبعة الآداب بالنجف.

47- تحف العقول «تحف العقول فيما جاء من الحكم و المواعظ من آل الرسول «ص» لابن شعبة، أبي محمد الحسن بن علي بن شعبة الحراني (المعاصر للصدوق من أعلام القرن الرابع، المتوفى 381 ه.)، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، قم، سنة 1404 ه. ق.

48- التذكرة «تذكرة الفقهاء» للعلّامة الحلّي «648- 726»، في مجلدين، طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، إيران.

49- التراتيب الإدارية «نظام الحكومة النبوية» للشيخ عبد الحيّ الكتاني طبع دار الكتاب العربي، بيروت.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 378

50- التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي لعبد القادر عودة في مجلدين، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت، سنة 1405 ه. ق.

51- تصحيح الاعتقاد «شرح عقائد الصدوق» للشيخ المفيد «المتوفى 413 ه.» طبع منشورات الرضي، قم، تعليق السيد هبة الدين الشهرستاني.

52- تعليقة المنهج لمحمد باقر البهبهاني المعروف بالآقا البهبهاني «المتوفى 1205 أو 1206 ه.»

(المطبوع بهامش منهج المقال «الرجال الكبير» للميرزا محمد الأسترآبادي، المتوفى 1028 أو 1026 ه.)

الطبع الحجري في مجلد واحد سنة 1306 ه. ق، إيران.

53- تفسير علي بن إبراهيم «تفسير القمي» لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي (من مشايخ الكليني) «المتوفى 307 ه.» جزءان في مجلد واحد، طبع إيران سنة 1313 ه. ق. و طبعة أخرى حجرية، و طبع النجف في مجلدين من منشورات مكتبة الهدى.

54- تفسير العياشي للعيّاشي، أبي النضر، محمد بن المسعود بن محمد بن العياش التميمي الكوفي السمرقندي (عاش في أواخر القرن الثالث من الهجرة النبوية)، في جزءين، طبع المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، تصحيح و تحقيق و تعليق السيد هاشم الرسولي المحلاتي.

55- تفسير القرطبي «الجامع لأحكام القرآن» لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي «توفي على قول في سنة 671 ه.»، عشرون جزء في عشر مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

*- تفسير المنار للزمخشري، راجع الكشاف.

*- تفسير المنار لمحمد رشيد رضا، راجع المنار.

56- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، أبي محمد، الحسن بن علي العسكري «ع» «المستشهد في 8 ربيع الأوّل من سنة 260 ه. ق» الطبع القديم (المطبوع بهامش تفسير علي بن إبراهيم القميّ طبع إيران، سنة 1313 ه.)

*- تفسير نور الثقلين للشيخ عبد علي، راجع نور الثقلين.

57- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع لجمال الدين، مقداد بن عبد اللّه السيوري الحلّي «المتوفى 826 ه.» في أربع مجلدات طبع مطبعة الخيام قم، سنة 1404 ه. تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري.

58- تنقيح المقال «تنقيح المقال في علم الرجال» للمامقاني، الشيخ عبد اللّه بن محمد حسن «1290- 1351 ه» في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة المرتضوية في النجف الأشرف سنة 1349 إلى 1352 ه. ق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 379

59- التوحيد للصدوق «المتوفى 381

ه.»، طبع مؤسسة النشر الإسلامي، قم، صحّحه و علّق عليه السيد هاشم الحسيني الطّهراني.

60- التهذيب «تهذيب الأحكام» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» في عشر مجلدات، طبع إيران، دار الكتب الإسلامية الطبعة الثالثة، سنة 1390 ه. ق. و الطبع القديم في مجلدين، بالأفست من طبعه سنة 1317 و 1318 ه. ق. مع تصحيح أرقام الصفحات.

61- جامع الأصول «جامع الأصول من أحاديث الرسول» لابن الأثير، أبي السعادات، مبارك بن محمد الجزري «544- 606 ه.» في اثني عشر مجلدا، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت، سنة 1400 ه. ق.

*- جامع الترمذي، راجع سنن الترمذي.

62- جامع السعادات «جامع السعادات في موجبات النجاة» للمولى محمد مهدي بن أبي ذرّ النراقي «المتوفى 1209 ه»، في ثلاث مجلدات، طبع مطبعة النجف، الطبعة الثالثة، سنة 1383 ه. ق.

*- الجامع الصحيح، راجع صحيح البخاري.

*- الجامع لأحكام القرآن، راجع تفسير القرطبي.

63- جامع المدارك «جامع المدارك في شرح المختصر النافع» لآية اللّه العظمى السيد أحمد بن ميرزا يوسف الخوانساري- قدّس سرّه- «المتوفى 1405 ه.» سبعة أجزاء في ست مجلدات، طبع مؤسسة إسماعيليان، الطبعة الثانية، سنة 1405 ه. ق.

64- جامع المقاصد «جامع المقاصد في شرح القواعد» للمحقق الثاني، علي بن الحسين الكركي «المتوفى 940 ه.» الطبع الجديد لمؤسسة آل البيت «ع» خرج منه حتى الآن خمس مجلدات، سنة 1408 ه. ق. و طبعة أخرى، في مجلدين، طبع طهران، انتشارات جهان «مصور من الطبع القديم سنة 1395 ه. ق».

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 379

65- الجعفريات أو الاشعثيات

(المطبوع مع قرب الإسناد) يرويه أبو علي، محمد بن محمد الأشعث (من أعلام القرن الرابع)، طبع مكتبة نينوى الحديثة، طهران «بخطّ أبي القاسم خوشنويس».

66- الجمل «الجمل أو النصرة في حرب البصرة» للشيخ المفيد «المتوفى 413 ه.» طبع مكتبة الداوري، الطبعة الثالثة.

67- الجوامع الفقهية، طبع طهران «بخط محمد رضا الخوانساري و ابنه محمد علي، سنة

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 380

1276 ه. ق». و طبعة أخرى، طهران، انتشارات جهان مصورا من طبعه السابق مع حذف رسالة ترجمة أبي بصير و تغيير الترتيب السابق للكتب جمع فيه أحد عشر كتابا في الفقه من تأليفات القدماء: 1- المقنع في الفقه للصدوق «المتوفى 381 ه.» 2- الهداية للصدوق أيضا.

3- الانتصار للسيد المرتضى «355- 436 ه.» 4- الناصريات له أيضا. 5- الجواهر لابن البرّاج «400- 481 ه.» 6- إشارة السبق لعلاء الدين الحلبي. 7- المراسم لسلّار «المتوفى 463 ه.» 8- النهاية لشيخ الطائفة «385- 460 ه.» 9- نكت النهاية للمحقق الحلّي «602- 672 ه». 10- الغنية لابن زهرة «511- 585 ه.» 11- الوسيلة لابن حمزة.-

و رسالة عديمة النظير في ترجمة أبي بصير للسيد محمد مهدي الموسوي الخوانساري «المتوفى 1246 ه.»

68- الجواهر «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» للشيخ محمد حسن بن باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر «المتوفى 1266 ه.» في اثنين و أربعين مجلدا، طبع إيران، دار الكتب الإسلامية 1392- 1400 ه. ق.

69- حاشية ابن عابدين «ردّ المحتار على الدّر المختار» لمحمد أمين بن اليحمر الشهير بابن عابدين «1198- 1308 ه» أصله غير تكملته خمسة أجزاء، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1407 ه. ق.

70- حاشية المكاسب «حاشية الكمپاني على

المكاسب» للشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني الكمپاني «المتوفى 1361 ه.» في جزءين، طبع إيران «بخطّ محمد علي بن الحاج ميرزا محمود التبريزي الغروي 1363- 1364 ه. ق.»

71- حاشية المكاسب للسيّد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي «المتوفى 1337 ه.» طبع دار المعارف الإسلامية، طهران و مؤسسة دار العلم، قم، سنة 1378 ه. ق.

72- الحافل المذيل على الكامل «الحافل في تكملة الكامل» للشيخ أبي العباس أحمد بن محمد المعروف بابن الروميّة «المتوفى سنة 637 ه. ق». و الكامل لأبي أحمد عبد اللّه بن محمد المعروف بابن عدي الجرجاني «المتوفى سنة 365 ه. ق».

73- الحدائق «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» للشيخ يوسف بن أحمد البحراني «1107- 1186 ه.» خرج منه حتى الآن خمسة و عشرون مجلدا من أوّل كتاب الطهارة إلى أواخر كتاب الظهار من سنة 1376 إلى 1409 ه. ق.

*- الحسبة لابن تيمية، راجع كتاب الحسبة.

74- الحكومة الإسلامية للإمام الخميني- قدّس سرّه الشريف- «1320- 1409 ه. ق»، طبع

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 381

منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى، إيران.

75- الخراج للقاضي أبي يوسف، يعقوب بن إبراهيم بن حبيب- صاحب أبي حنيفة- «113- 182 ه.»، طبع دار المعرفة للطباعة، بيروت، سنة 1399 ه. ق.

76- الخراج ليحيى بن آدم القرشي «المتوفى سنة 203 ه.» الطبعة الثانية، سنة 1384، المطبعة السلفية (صحّحه و ... الشيخ أحمد محمد شاكر.)

77- الخصال للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين «المتوفى 381 ه.» طبع منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم. «صحّحه و علّق عليه علي أكبر الغفّاري».

78- الخطط «الخطط المقريزية (المسماة) بالمواعظ و الاعتبار في ذكر الخطط و الآثار» لتقي الدين أحمد بن علي بن عبد

القادر بن محمد، المعروف بالمقريزي «تقريبا 765- 845 ه.»، في ثلاث مجلدات طبع بمطبعة الساحل الجنوبي- الشياح- لبنان.

79- خلاصة الأديان در تاريخ دينهاى بزرگ للدكتور محمد جواد المشكور. (و الكتاب باللغة الفارسية) طبع انتشارات الشرق طهران سنة 1359 ه. ش.

80- الخلاف «الخلاف في الأحكام، أو مسائل الخلاف» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع إيران.

81- الخلافة و الإمامة ديانة و سياسة لعبد الكريم الخطيب، طبع دار المعرفة، بيروت، (الطبعة الثانية سنة 1395 ه. ق.)

*- الخمس «كتاب الخمس» للشيخ مرتضى الأنصاري، راجع كتاب الطهارة منه.

*- الخمس للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

82- الخمس «كتاب الخمس» للمؤلّف، طبع جماعة المدرسين، قم، سنة 1360 ه. ش.

83- الدّر المنثور للسيوطي، أبي الفضل، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي «849- 910 أو 911 ه.»، ستة أجزاء، طبع مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، قم. «مصورا من طبعه بالمطبعة الميمنية بمصر، سنة 1314 ه. ق.»

84- الدروس «الدروس الشرعية في فقه الامامية» للشهيد الأوّل، شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن مكّي؛ 734- 786 ه.» طبع قم، انتشارات الصادقي، تصحيح و تعليق: السيد مهدى اللازوردي الحسينى؛ بخط أبي القاسم محمد صادق الحسينى 1296 ه. ق.»

85- الدستور للجمهورية الإسلامية في إيران- المصوّب 1358 ه. ش. 1399 ه. ق.

86- دعائم الإسلام للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي «المتوفى 363 ه.» في مجلدين، طبع القاهرة، دار المعارف.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 382

87- الذخيرة «ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد» للمحقق السبزواري، محمد باقر بن محمد مؤمن «1017- 1090 ه.» في مجلد واحد، طبع مؤسسة آل البيت «ع»

«بخطّ زين العابدين بن علي الخوانساري، سنة 1274 ه. ق».

88- رجال الشيخ لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» طبع المطبعة الحيدرية في النجف، سنة 1380 ه.

89- رجال النجاشي لأبي العباس أحمد بن علي المعروف بالنجاشي «372- 450 ه.» طبع إيران، مركز نشر الكتاب للمصطفوي، و أعاد طبعه بالأوفست مكتبة الداوري، سنة 1398 ه. و طبعة أخرى، لجماعة المدرسين، قم سنة 1407 ه مع التحقيق للسيد موسى الشبيري الزنجاني.

90- رسائل إخوان الصفاء و خلّان الوفاء لجماعة إخوان الصفاء الّذين عاشوا في القرن الرابع الهجري، في أربع مجلدات، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، سنة 1405 ه. ق.

91- روضات الجنات «روضات الجنات في أحوال العلماء و السادات» للخوانساري، الميرزا محمد باقر «1226- 1313 ه.» في ثمانية أجزاء، عنيت بنشره مكتبة إسماعيليان، قم، سنة 1390- 1392 ه. ق.

92- الروضة «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» للشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي «911- 965 و قيل 966 ه.» في مجلدين، الطبع القديم «بخط عبد الرحيم 1308 و 1310 ه. ق.».

*- الروضة «روضة الكافي» للكليني، راجع الكافي له.

93- الرياض «رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل» للسيد علي بن محمد علي الطباطبائي «1161- 1231 ه.» في مجلدين، طبع مؤسسة آل البيت «ع» «بخطّ كلب علي بن عباس القزويني سنة 1286- 1288 ه.».

94- رياض العلماء «رياض العلماء و حياض الفضلاء» لميرزا عبد اللّه أفندي «1066- 1130 ه.» طبع مطبعة الخيام، سنة 1401 ه. من مخطوطات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي «حقّقه السيد أحمد الحسيني.».

95- زبدة المقال «زبدة المقال في خمس الرسول و الآل» للسيد عباس الحسيني القزويني الملقب بأبي ترابيّ (تقريرات أبحاث أستاذه آية اللّه العظمى البروجردي «1292-

1380 ه.») طبع المطبعة العلمية، قم.

*- الزكاة «كتاب الزكاة» للشيخ الأنصاري «قده»، راجع كتاب الطهارة منه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 383

96- الزكاة «كتاب الزكاة» للمؤلّف، خرج منه حتى الآن مجلدان، طبع مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

*- الزكاة «كتاب الزكاة» للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

97- السرائر «السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي» لابن إدريس الحلّي، أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي «558- 598 ه.» طبع إيران، انتشارات المعارف الإسلامية، الطبعة الثانية سنة 1390 «بخط السيد الحسن الموسوي 1270 ه. ق».

*- السراج الوهّاج، راجع المنهاج.

98- سفينة البحار للمحدّث الشيخ عباس بن محمد رضا القمي «قده» «المتوفى 1359 ه.» في مجلدين، طبع المطبعة العلمية في النجف الأشرف، سنة 1355 ه. ق.

*- السقيفة لسليم بن قيس، راجع كتاب سليم بن قيس.

99- السّنّة «كتاب السنة» لعبد اللّه بن أحمد الحنبل «213- 290 ه.» في مجلدين، طبع دار ابن القيّم، رياض، سنة 1406 ه. ق «تحقيق الدكتور محمد بن سعيد القحطاني.».

100- سنن ابن ماجة لأبي عبد اللّه محمد بن يزيد القزويني، الشهير ب «ابن ماجة» «207- 275 ه.» في مجلدين، طبع بيروت، دار إحياء التراث العربي 1395، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.

101- سنن أبي داود لأبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي «202- 275 ه.»

في مجلدين طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي و أولاده بمصر، سنة 1371 ه. ق مع التعليقات للشيخ أحمد سعد علي.

102- سنن البيهقي «السنن الكبرى» لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي «المتوفى 458 ه.» في عشر مجلدات طبع دار المعرفة، بيروت، سنة 1355 ه. من طبعة هند سنة 1344 ه ق.

103- سنن الترمذي «جامع الترمذي» لأبي

عيسى، محمد بن عيسى الترمذي «المتوفى 279 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1394 ه. ق.

تحقيق و تصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف و عبد الرحمن محمد عثمان.

104- سنن الدارمي لأبي محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن السمرقندي الدارمي «181- 255 ه.»

في مجلدين، طبع دار الفكر، بيروت، سنة 1398 ه. ق.

105- سنن النسائي لأبي عبد الرحمن، أحمد بن شعيب الشهير ب «النسائي» «214- 303 ه.»

ثمانية أجزاء في أربع مجلدات، طبع مع شرح السيوطي و حاشية السندي، طبع دار الكتاب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 384

العربي، بيروت.

106- سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري «المتوفى 218 أو 213 ه.» في أربع مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت، حققها و ضبطها و شرحها و وضع فهارسها مصطفى السقا، إبراهيم الأبياري و عبد الحفيظ شبلي.

107- السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي «975- 1044 ه.» في ثلاث مجلدات و بهامشها سيرة زيني دحلان، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت.

108- سيرة زيني دحلان «السيرة النبوية و الآثار المحمدية» لأحمد بن زين بن أحمد دحلان «1231- 1304 ه.» المطبوع بهامش السيرة الحلبية.

109- الشرائع «شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام» للمحقق الحلّي، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن «المتوفى 676 ه.» أربعة أجزاء في مجلدين، طبع مطبعة الآداب في النجف، الطبعة المحققة الأولى 1389 ه. ق. تصحيح و تعليق عبد الحسين محمد علي. و طبعة أخرى، في أربعة أجزاء مع تعليقات السيد صادق الشيرازي، طبع دار الهدى للطباعة و النشر، قم، من طبعة بيروت سنة 1403 ه. ق.

110- شرح

صحيح مسلم للنووي، محيي الدين أبي زكريا، يحيى النووي «631- 676 ه.»

(المطبوع بهامش إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري) راجع إرشاد الساري.

111- شرح المواقف للسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني «المتوفى 816 ه.» (و المواقف للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفى 756 ه.)، ثمانية أجزاء في أربع مجلدات، طبع مع حاشيتين جليلتين عليه في مطبعة السعادة بمصر.

112- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد «586- 656 ه.» في عشرين مجلدا، طبع القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1378- 1383 ه. ق.

113- شرح نهج البلاغة لكمال الدين، ميثم بن علي بن ميثم البحراني «المتوفى 679 ه ق»، في خمسة أجزاء طبع المطبعة الحيدرية، سنة 1378 ه. ق.

114- الشفاء للشيخ الرئيس، أبي علي حسين بن عبد اللّه بن سينا «370- 427 ه.» طبع مصر سنة 1380 ه. «تحقيق: الأب قنواتي و سعيد زائد». و طبعة أخرى في مجلد واحد، قسم الإلهيات، طبع في إيران مع تعليقات صدر المتألهين.

115- الصحاح «تاج اللغة و صحاح العربيّة» لإسماعيل بن حماد الجوهري «المتوفى 393 ه. ق»، في ست مجلدات، طبع دار العلم للملايين بيروت، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية 1399 ه. ق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 385

116- صحيح البخاري «الجامع الصحيح» لأبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري «194- 256 ه.» ثمانية أجزاء في أربع مجلدات مع حاشية السندي، طبع دار إحياء الكتب العربي.

117- صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري «206- 261 ه.»

في خمس مجلدات، طبع دار إحياء التراث العربي، بيروت و طبعة أخرى، ثمانية أجزاء في مجلدين، طبع مصر.

118- الصحيفة السجادية تشتمل على نيف

و خمسين دعاء للإمام الهمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب «ع» «38 أو 37 أو 36- 95 أو 94 ه. ق».

*- الصلاة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

119- الضعفاء لابن حبان، أبي حاتم محمد بن حبان البستي «المتوفى سنة 354 ه. ق».

120- الطبقات «الطبقات الكبرى» لابن سعد، محمد بن سعد «المتوفى 230 ه.» في تسع مجلدات، طبع ليدن، سنة 1325 ه. ق. و الأفست من مؤسسة النصر في طهران.

121- العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي «المتوفى 1337 ه. ق»، في مجلدين، طبع إيران، المكتبة العلمية الإسلامية 1399 ه. ق. و بهامشها تعليقات أعلام العصر و مراجع الشيعة الإمامية.

122- العدّة «عدّة الأصول» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» المجلد الأوّل طبع مؤسسة آل البيت «ع»، سنة 1403 ه. ق.

123- العقد الفريد لعبد ربّه الأندلسي، أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربّه الأندلسي «246- 327 ه.» في سبع مجلدات مع الفهارس، طبع دار الكتاب العربي، بيروت، بالأفست من طبعته المحقّقة بمصر.

124- علل الشرائع للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي «المتولد حدود 305 و المتوفى 381 ه.» طبعه القديم سنة 1311 ه. ق و طبعة أخرى من منشورات المكتبة الحيدرية في النجف، سنة 1385 ه.

125- عليّ إمام المتقين لعبد الرحمن الشرقاوي جزءان في مجلدين طبع مكتبة الغريب في القاهرة.

126- العوائد «عوائد الأيّام من مهمات أدلّة الأحكام.» للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي «المتوفى 1245 أو 1244 ه.»، طبع مكتبة بصيرتي، قم.

127- عوالي اللئالي «عوالي اللئالي الغريزيّة في الأحاديث الدينية» لأبي جمهور الأحسائي،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 386

محمد

بن علي بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائي «المتوفى 940 ه.» في أربع مجلدات، طبع مطبعة سيد الشهداء قم، سنة 1403 ه، تحقيق آية اللّه الحاج آقا مجتبى العراقي.

128- العين «عين اللغة أو كتاب العين» لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي «100- 175 ه.» ثمانية أجزاء في ثماني مجلدات، طبع مؤسسة دار الهجرة، قم، سنة 1405 ه.

«تحقيق الدكتور مهدي المخزومي و الدكتور إبراهيم السامرائي».

129- عيون أخبار الرضا للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين «المتوفى 381 ه.»

جزءان في مجلد واحد طبع إيران سنة 1378 ه. ق مع التصحيح و التذييل للسيد مهدي الحسيني اللازوردي.

130- الغارات لأبي إسحاق، إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي الأصفهاني «المتوفى 283 ه.» في مجلدين، طبع إيران مع المقدمة و الحواشي و التعليقات للسيد جلال الدين الحسيني الأرموي «المحدث».

131- غاية المرام «غاية المرام في حجة الخصام عن طريق الخاص و العام» للمحدث السيد هاشم بن سليمان البحراني «المتوفى 1107 ه.» في مجلد واحد، طبع مؤسسة الأعلمي، بيروت، بالأفست من طبعه الحجري القديم، سنة 1272 ه. ق.

132- الغرر و الدّرر «غرر الحكم و درر الكلم» من كلام أمير المؤمنين الإمام علي «ع»، جمعه الآمدي، أبو الفتح عبد الواحد بن محمد الآمدي الإمامي «المتوفى 510 ه.» في سبع مجلدات، طبع طهران، سنة 1346 ه. ش، طبع مع شرحه للمحقق البارع، جمال الدين بن الحسين الخوانساري «المتوفى 1125 ه.»

133- الغدير «الغدير في الكتاب و السنة و الأدب» للعلّامة الأميني، الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني «المتوفى 1390 ه.» في أحد عشر جزء، طبع دار الكتب الإسلامية «للآخوندي»، الطبعة الثانية، سنة 1372 ه. ق. و طبع بيروت دار الكتاب العربي، الطبعة الرابعة، سنة

1397 ه.

134- الغيبة لشيخ الطائفة، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» إصدار مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

135- الغيبة للنعماني، لابن أبي زينب، أبي عبد اللّه، محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني «من أعلام القرن الرابع» طبع بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، سنة 1403 ه، و طبعة أخرى، طبع مكتبة الصدوق طهران مع التحقيق لعلي أكبر الغفاري.

136- فتوح البلدان لأبي الحسن، أحمد بن يحيى البلاذري «المتوفى 279 ه.» طبع دار الكتب

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 387

العلمية، بيروت، سنة 1365 و 1398 ه. ق. «المراجعة و التعليق لرضوان محمد رضوان».

*- فروع الكافي للكليني، راجع الكافي له.

137- الفصل في الملل و الأهواء و النحل لابن حزم الأندلسي، أبي محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم «المتوفى 456 ه.» خمسة أجزاء في ثلاث مجلدات، طبع دار المعرفة، بيروت، سنة 1406 ه. ق.

138- الفقه الإسلامي و أدلّته للدكتور وهبة الزحيلي، ثماني مجلدات طبع دار الفكر بدمشق، سنة 1404 ه. ق.

139- فقه الرضا «الفقه المنسوب للإمام الرضا- عليه السلام-». تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى في مشهد المقدسة، سنة 1406 ه. ق.

140- الفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري «تأليف لجنة بإشراف وزارة الأوقاف بمصر»، في خمس مجلدات، طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر، و الأفست من دار إحياء التراث العربي، بيروت.

141- الفقيه «كتاب من لا يحضره الفقيه» للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي «المتوفى 381 ه.» أربع مجلدات، طبع منشورات جماعة المدرسين، قم، صحّحه و علّق عليه علي أكبر الغفّاري.

142- فلسفة التوحيد و الولاية لمحمد جواد مغنية «ره» في مجلد واحد،

طبع في مطبعة الحكمة بقم المشرفة.

143- الفهرست لشيخ الطائفة، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» طبع المكتبة المرتضوية في النجف «صحّحه و علّق عليه السيد محمد صادق آل بحر العلوم»، و طبعة أخرى، المطبعة الحيدرية في النجف سنة 1380 ه.

144- الفهرست «فوز العلوم» لابن النديم، أبي الفرج محمد بن إسحاق «المتوفى 380 أو 385 ه.» طبع مطبعة الاستقامة، قاهرة. و طبعة أخرى طبع طهران سنة 1391 ه. ق.

*- في النظام السياسي للدولة الإسلامية للدكتور محمد سليم العوا، راجع النظام السياسي للدولة الإسلامية.

145- القاموس «القاموس المحيط و القابوس الوسيط» لمجد الدين، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي «729- 817 ه. ق»، الطبع القديم «الحجري» في مجلد واحد.

146- قرب الإسناد لأبي العباس، عبد اللّه بن جعفر الحميري القمي (من أعلام القرن الثالث و من أصحاب الإمام العسكرى «ع») «المتولد في حدود 240 و المتوفى بعد 300 ه.» طبع

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 388

مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

147- القواعد «قواعد الأحكام في مسائل الحلال و الحرام» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.»، جزءان في مجلد واحد، طبع قم، منشورات الرضي «الجزء الأوّل بخطّ الميرزا السيد حسن بن الحاج الميرزا علي نقي المدرس الحسني اليزدي، سنة 1330 ه. و الجزء الثاني بخط محمد بن الميرزا عبد العلي، سنة 1315 ه. ق».

148- القواعد و الفوائد للشهيد الأوّل، شمس الدين، أبي عبد اللّه محمد بن مكي «734- 786 ه.» في مجلدين، طبع مكتبة المفيد، قم «تحقيق الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم.»

149- الكافي للكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني «المتوفى 328 ه.» في ثماني مجلدات؛ الأصول و الفروع و الروضة، طبع دار الكتب

الإسلامية، إيران، تصحيح و تعليق علي أكبر الغفاري. و طبعة أخرى لفروع الكافي في مجلدين، الطبع القديم الرحلي، سنة 1315 ه. ق (بخطّ أحمد التفرشي من سنة 1311 إلى 1314 ه. ق.)

150- الكافي لأبي الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم الدين الحلبي (من تلاميذ السيد المرتضى) «374- 447 ه.» طبع مكتبة الإمام أمير المؤمنين، إيران.

151- الكامل لابن الأثير، عزّ الدين، أبي الحسن علي بن أبي الكرم «المتوفى 630 ه.» في ثلاثة عشر مجلدا طبع دار الصادر، بيروت 1385 ه. ق.

152- الكامل في اللغة و الأدب «كامل الأنوار» للمبرّد النحوي، أبي العباس محمد بن يزيد «210- 285 ه.» في مجلدين طبع دار العهد الجديد للطباعة بمصر.

153- كتاب البيع للإمام الخميني- قدّس سرّه الشريف- «1320- 1409 ه. ق» في خمس مجلدات، طبع مطبعة الآداب في النجف و طبع مطبعة إسماعيليان في قم.

154- كتاب الحسبة «الحسبة و مسئولية الحكومة الإسلامية» لأحمد بن عبد الحليم، تقي الدين بن تيمية «661- 728 ه. ق»، طبع دار الشعب بالقاهرة، سنة 1396 ه. ق. تحقيق صلاح عزام.

*- كتاب الخمس للشيخ الأنصاري، راجع كتاب الطهارة له.

*- كتاب الخمس للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

*- كتاب الخمس للمؤلّف، راجع الخمس له.

*- كتاب الزكاة للشيخ الأنصاري، راجع كتاب الطهارة.

*- كتاب الزكاة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

*- كتاب الزكاة للمؤلّف، راجع الزكاة له.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 389

*- كتاب السنّة لعبد اللّه بن أحمد الحنبل، راجع السنّة.

155- كتاب الطهارة للشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري «المتوفى 1281 ه.» (المطبوع في آخره عدّة رسائل و كتب له، منها كتاب الزكاة و كتاب الخمس و كتاب الصوم.)، طبع طهران «بخطّ

علي بن الحسن التبريزي، سنة 1303 ه.» و طبعة أخرى، طبع إيران «بخطّ أحمد الطباطبائي الأردستاني و زين العابدين الخوانساري، سنة 1298 ه. ق.».

*- كتاب الطهارة للحاج آقا رضا الهمداني، راجع مصباح الفقيه.

156- كتاب سليم بن قيس «كتاب السقيفة» لسليم بن قيس الكوفي الهلالي صاحب الإمام أمير المؤمنين «المتوفى حدود 90 ه.» طبع دار الكتب الإسلامية، إيران.

*- كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل، راجع العين.

157- الكشّاف، تفسير الكشّاف «الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل ...» للزمخشري، جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري «467- 538 ه.» في أربع مجلدات طبع مصر، سنة 1385 ه. ق. و طبعة أخرى في أربع مجلدات، طبع دار الكتاب العربي، بيروت.

158- كشف الغطاء «كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء» للشيخ جعفر بن خضر، المعروف بكاشف الغطاء «المتوفى 1227 و قيل 1228 ه.» طبع أصفهان، منشورات المهدويّ.

159- كشف الغمّة «كشف الغمة في معرفة أحوال الأئمة «ع» ...» للأربلي، بهاء الدين أبي الحسن علي بن عيسى «المتوفى 692 أو 693 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع دار الكتاب الإسلامي، بيروت، سنة 1401 ه. ق.

160- كشف اللثام «كشف اللثام و الإبهام عن كتاب قواعد الأحكام» للفاضل الهندي، بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني «المتوفى 1135 أو 1137 ه.» في مجلدين، طبع إيران سنة 1391 ه. ق.

161- كشف المحجة «كشف المحجة لثمرة المهجة» لابن طاوس، السيّد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن طاوس «589- 664 ه.»، طبع المطبعة الحيدرية في النجف، سنة 1370 ه. ق.

162- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلّامة الحلّي، جمال الدين أبي منصور، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي «648- 726 ه.» طبع مكتبة المصطفوي، قم و الماتن:

محمد

بن محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالخواجه نصير الدين الطوسي «597- 672 ه.»

163- كفاية الأحكام للمحقق السبزواري، المولى محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري «المتوفى

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 390

1090 ه.» الطبع الحجري، إيران، أصفهان.

164- كفاية الأصول للمحقق الخراساني، الشيخ محمد كاظم المعروف بالآخوند الخراساني «1255- 1329 ه.» في مجلدين مع حاشية المشكيني، طبع مكتبة الإسلامية، طهران «بخطّ طاهر (خوشنويس) بن عبد الرحمن سنة 1363 ه.».

165- كلمات المحقّقين يحتوي على ثلاثين رسالة من أعلام الفقهاء و المحققين، طبع مكتبة المفيد قم، سنة 1402 ه، مصورا من طبعه الحجري، سنة 1315 ه. ق.

166- كمال الدين «كمال الدين و تمام النعمة ...» للصدوق، أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن موسى القمي «المتوفى 381 ه.» الطبع القديم، سنة 1301 ه، ق، بخطّ محمد حسن الگلپايگاني و طبعة أخرى طبع جماعة المدرسين، قم «تصحيح و تعليق علي أكبر الغفاري».

167- كنز العرفان «كنز العرفان في فقه القرآن» للشيخ الأجلّ جمال الدين المقداد بن عبد اللّه السيوري «المتوفى 826 ه.» جزءان في مجلد واحد طبع المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية طهران، سنة 1384 ه. ق.

168- كنز العمّال لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي «المتوفى 975 ه.» في ستة عشر مجلدا، طبع حلب، سنة 1390 ه. ق.

169- گيتاشناسي لمحمود المحجوب و فرامرز الياوري، الطبعة الرابعة لمؤسسة گيتاشناسي، سنة 1365 ه. ش.

170- لسان العرب لابن منظور، أبي الفضل، جمال الدين، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري «630- 711 ه. ق» مع الملحقات في ستة عشر مجلدا، طبع نشر أدب الحوزة، قم، سنة 1405 ه. ق.

171- لسان الميزان لشهاب الدين، أبي

الفضل، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني «المتوفى 852 ه.» في سبع مجلدات، طبع مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، سنة 1390 ه «مصورا من طبعة حيدرآباد الدكن سنة 1331 ه.»

172- اللمعة للشهيد الأوّل، شمس الدين، أبي عبد اللّه محمد بن مكي «734- 786 ه.» طبع إيران، سنة 1406 ه. ق. الطبعة الأولى المحقّقة لمركز بحوث الحجّ و العمرة.

173- اللمعة الدمشقية للشهيد الأوّل مع شرحها: «الروضة البهية للشهيد الثاني»، في عشر مجلدات، طبع النجف، تصحيح و تعليق السيّد محمد كلانتر. و طبعة أخرى، الطبع القديم في مجلدين. راجع الروضة البهية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 391

174- مآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي، أحمد بن عبد اللّه «756- 820 و قيل 821 ه.»

في ثلاث مجلدات، طبع مطبعة عالم الكتب، بيروت «تحقيق عبد الستار حمد فراج».

175- مبادي نظم الحكم في الإسلام لعبد الحميد المتولّي، الطبعة الأولى، دار المعارف بالإسكندرية في مصر.

176- المبسوط للسرخسي لشمس الأئمة أبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي «المتوفى 483 ه.» ثلاثون جزء في خمسة عشر مجلدا، الطبعة الثانية دار المعرفة للطباعة و النشر، بيروت.

177- المبسوط لشيخ الطائفة، أبي جعفر، محمد بن الحسن الطوسي «385- 460 ه.» ثمانية أجزاء، طبع المكتبة المرتضوية، إيران، الطبعة الثانية 1387- 1393 ه. ق.

178- مجمع البحرين «مجمع البحرين و مطلع النيّرين» للطريحي، فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح «979- 1087، و قيل 1089، و قيل 1085 و الأرجح الأوّل»، طبع مكتبة المصطفوي، طهران، في مجلد واحد «مصورا من طبعة سنة 1298 ه. ق».

179- مجمع البيان «مجمع البيان لعلوم القرآن» للطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي «المتوفى 548 ه. ق»،

عشرة أجزاء في خمس مجلدات أو عشر مجلدات، طبع طهران، المكتبة الإسلامية مع تصحيح الفاضل المتبحر الشيخ أبي الحسن الشعراني- قدّس سرّه- [و طبعة أخرى، طبع مطبعة العرفان، صيدا (سوريا) من سنة 1333 إلى 1356 ه. ق].

180- مجمع الزوائد «مجمع الزوائد و منبع الفوائد» للحافظ نور الدين، علي بن أبي بكر الهيثمي «المتوفى 807 ه.» في عشر مجلدات، طبع دار الكتاب العربية بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1967 م.

181- مجمع الفائدة و البرهان للمحقق الأردبيلي، أحمد بن محمد «المتوفى 993 ه.» الطبع القديم «الحجري» في مجلد واحد. و الطبع الجديد خرج منه حتى الآن سبع مجلدات طبع جماعة المدرسين- قم.

182- المحاسن للبرقي، أبي جعفر، أحمد بن محمد بن خالد البرقي «المتوفى 274 و قيل 280 ه.»

طبع دار الكتب الإسلامية، قم، عني بنشره و تصحيحه و التعليق عليه السيد جلال الدين الحسيني المشتهر بالمحدّث.

183- المحصول «المحصول في علم الأصول» لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي «544- 606 ه. ق»، في ست مجلدات طبع الرياض «تحقيق طه جابر فياض العلواني» الطبعة الأولى 1399 إلى 1401 ه.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 392

184- المحكم و المتشابه للسيّد المرتضى علم الهدى، علي بن الحسين بن موسى بن محمد «355- 433 ه.» رسالة شريفة كلها منقولة من تفسير النعماني، طبع طهران «بخط محمد تقي بن محمد حسين القمي سنة 1312 ه. ق».

185- المحلّى لابن حزم الأندلسي، أبي محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم «المتوفى 456 ه.»

أحد عشر جزء في ثماني مجلدات، طبع دار الفكر، بيروت.

*- مختصر [أبي القاسم] الخرقي، راجع المغني لابن قدامة.

186- المختصر النافع «المختصر النافع في فقه الإمامية»

للمحقق الحلّي، أبي القاسم، نجم الدين، جعفر بن الحسن الحلّي «المتوفى 676 ه.» طبع دار الكتاب العربي بمصر.

187- المختلف «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» للعلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف المطهر الحلّي «648- 726 ه.» جزءان في مجلد واحد، طبع إيران بتصدّي الشيخ أحمد الشيرازي سنة 1323- 1324 ه. ق.

188- المدارك «مدارك الأحكام» للسيّد محمد بن السيّد علي الموسوي العاملي المعروف بصاحب المدارك «المتوفى 1009 ه.» طبع إيران «بخطّ السيّد حسن بن محمد الحسيني الخوانساري 1322 ه. ق.» مع تصحيح أرقام صفحاته.

189- المدوّنة الكبرى لمالك بن أنس بن مالك «93- 179 ه. ق» (و معها مقدمات ابن رشد لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد، المتوفى 520 ه.) في أربع مجلدات طبع دار الفكر، بيروت، سنة 1400 ه. ق.

190- المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي- قدّس سرّه- «1290- 1377 ه.»

طبع بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1402 ه. ق. «تحقيق و تعليق حسين الراضي».

191- مرآة العقول «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» للعلّامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي «1037- 1111 ه.»، الطبع الجديد، طبع منه حتى الآن أربعة و عشرون مجلدا إلى آخر شرح الفروع من الكافي، طبع نشر دار الكتب الإسلامية، طهران. و الطبع القديم في أربع مجلدات، طبع الحجري «بخطّ أبي القاسم النوري من سنة 1317 إلى 1325 ه. ق.»

192- مروج الذهب لأبي الحسن، علي بن الحسين بن علي المسعودي، المعروف بالمسعودي «المتوفى 345 أو 346 ه.» في مجلدين، طبع المطبعة البهية المصرية، سنة 1346 ه. ق.

193- المسالك «مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام» للشهيد الثاني، زين الدين بن عليّ العاملي «911- 965 و قيل 966 ه.» في مجلدين، طبع إيران

«بخطّ كلبعلي الشرندي القزويني 1313 ه. ق.»

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 393

194- مسالك الأفهام «مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام» للفاضل، جواد بن سعد اللّه الكاظمي «المتوفى 1065 ه.» أربعة أجزاء في مجلدين، طبع مكتبة المرتضوية، طهران.

195- مستدرك الحاكم «المستدرك على الصحيحين» لأبي عبد اللّه الحاكم النيسابوري «321- 405 ه.» في أربع مجلدات، طبع دار الكتاب العربي، بيروت.

196- مستدرك الوسائل «مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل» للحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي المعروف بالمحدّث النوري «المتوفى 1320 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الإسلامية بطهران و المكتبة العلمية بالنجف. طبع مصورا في المطبعة الإسلامية سنة 1382 ه. ق. «بخط محمد صادق بن محمد رضا التويسركاني 1318 ه. ق.»

197- المستصفى «المستصفى من علم الأصول» للإمام، أبي حامد محمد بن محمد الغزالي «450- 505 ه.» في مجلدين طبع مطبعة أمير قم «مصورا من الطبعة الأولى بمصر، سنة 1322 ه. ق».

198- المستمسك «مستمسك العروة الوثقى» لآية اللّه العظمى السيد محسن الحكيم «قده» «1306- 1390 ه.» في أربعة عشر مجلدا. طبع قم، دار الكتب العلمية مصورا من طبع النجف بمطبعة الآداب.

199- المستند «مستند الشيعة في أحكام الشريعة» للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي «المتوفى 1244 و قيل 1245 ه.» في مجلدين، طبع منشورات المكتبة المرتضوية، إيران، 1325 ه. ق.

200- مسند أحمد لأحمد بن حنبل أبي عبد اللّه، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني «164- 241 ه.» و بهامشه منتخب كنز العمال، في ست مجلدات، طبع المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية 1398 ه. ق.

201- مسند زيد لزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب «ع». «76- 121 أو بعدها» جمعه عبد العزيز بن

إسحاق البغدادي «المتوفى 363 ه.» في مجلد واحد، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403 ه. ق.

202- مصادر نهج البلاغة و أسانيده للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، الطبعة الثالثة في أربع مجلدات، طبع دار الأضواء، بيروت، سنة 1405 ه. ق.

203- مصباح الشريعة «مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة» أبواب من الأخلاق مرويّة كلّها عن الإمام الصادق «ع»، طبع مركز نشر الكتاب بطهران، سنة 1379 ه. ق. و طبعة أخرى، طبع بيروت، مؤسسة الأعلمي، سنة 1400 ه. ق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 394

204- مصباح الفقيه للحاج آقا رضا بن الآقا محمد هادي المعروف بالفقيه الهمداني «المتوفى 1322 ه.» طبع منه ثلاث مجلدات: 1- كتاب الطهارة، طبع مكتبة الصدر، طهران «بخطّ ميرزا حسين ناسخيان، سنة 1353 ه.» 2- كتاب الصلاة، طبع مكتبة الداوري، قم «بخطّ ميرزا محمود بن مهدي التبريزي و ولده محمد علي سنة 1347 ه. ق». 3- كتاب الزكاة و الخمس و الصوم و الرهن، طبع مكتبة المصطفوي، قم «بخط طاهر بن عبد الرحمن خوشنويس، سنة 1364 ه. ق.».

205- المصنّف لابن أبي شبية «المتوفى 235 ه.» في ستة عشر مجلدا طبع باكستان، سنة 1406 ه. ق.

206- المصنّف «المصنف في الحديث» لأبي بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني «المتوفى 211 ه.» في أحد عشر مجلدا، طبع بيروت، تحقيق و تصحيح حبيب الرحمن الأعظمي.

207- معالم القربة في أحكام الحسبة لمحمد بن محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن الأخوة «648- 729 ه.» طبع دار الفنون بكيمبريج (المعروف بطبع ليدن) سنة 1937 م. و طبعة أخرى بمصر مع تحقيق د. محمد محمود شعبان و صديق أحمد عيسى المطيعي.

208- معاني الأخبار للصدوق،

أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي «المتوفى 381 ه.»، عني بتصحيحه علي أكبر الغفاري، طبع بيروت، سنة 1399 و كذا طبع جماعة المدرسين في قم المشرفة، و مكتبة الصدوق طهران.

209- المعتبر «المعتبر في شرح المختصر» للمحقق الحلّي، أبي القاسم، نجم الدين، جعفر بن الحسن الحلّي «المتوفى 676 ه.» طبع منشورات مجمع الذخائر الإسلامية مصورا من طبعة سنة 1318 ه ق.

*- معجم مقاييس اللغة، راجع مقاييس اللغة.

210- المغازي للواقدي، أبي عبد اللّه محمد بن عمر بن واقد «130- 207 ه.» ثلاثة أجزاء في مجلدين أو في ثلاث مجلدات طبع دار المعارف بمصر «تحقيق الدكتور مارسدن جونس» و الأفست في إيران، سنة 1405 ه. ق.

211- المغني لابن قدامة، أبي محمد، عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة «541- 620 ه.»

(شرح على مختصر أبي القاسم الخرقي، المتوفى 334 ه.) و يليه الشرح الكبير على متن المقنع، في اثني عشر مجلدا، طبع دار الكتاب العربي، بيروت 1392 ه. ق.

212- مغني المحتاج «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» لمحمد الخطيب الشربيني

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 395

«المتوفى حدود سنة 977 ه.» (في شرح منهاج الطالبين للنووي)، أربع مجلدات طبع دار الفكر، بيروت «تعليق الشيخ جوبلي بن إبراهيم الشافعي».

213- مفتاح الكرامة «مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة» للسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي «المتوفى 1226 ه.» في عشر مجلدات، طبع منه ثماني مجلدات في مصر و المجلدان الآخران في ايران، 1324- 1376 ه. ق.

214- المفردات للراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد المفضل «توفي على قول في سنة 502 ه.» طبع دار الكاتب العربي، سنة 1392 ه .. «تحقيق

نديم مرعشلي.»

215- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد بن أحمد «284- 356 ه.» الطبعة الثانية طبع المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، سنة 1385 ه.

216- مقاييس اللغة «معجم مقاييس اللغة» لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا «اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته على أقوال خمسة و الأصح سنة 395 ه.» في ستّ مجلدات، طبع الأفست، دار الكتب العلمية، قم- «تحقيق و ضبط عبد السلام محمد هارون».

217- مقدمة ابن خلدون لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون المغربي «732- 806 أو 808 ه.»،

طبع مطبعة البهية المصرية، و طبعة أخرى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الرابعة، سنة 1398 ه. ق.

218- المقنعة «المقنعة في الأصول و الفروع» للشيخ المفيد، أبي عبد اللّه، محمد بن محمد بن النعمان «336- 413 ه.» طبع مكتبة الداوري، قم «مصورا من طبعة سنة 1274 ه. ق.

في دار الطباعة الآقا محمد تقي التبريزي، بخطّ أحمد علي الخوانساري.».

219- المكاسب للشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى بن المولى محمد أمين الأنصاري «المتوفى 1281 ه.» طبع تبريز، مطبعة الاطّلاعات الطبعة الثانية «بخط طاهر بن عبد الرحمن خوشنويس 1376 ه. ق.» و طبعة أخرى المطبوع مع شرحه للسيد محمد كلانتر، طبع منه حتى الآن أحد عشر مجلدا.

220- ملاذ الأخيار «ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار» للعلامة المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي المجلسي «1037- 1111 ه.» في ستة عشر مجلدا طبع مكتبة آية اللّه المرعشي، قم، سنة 1407 ه. ق.

221- ملحقات «العروة الوثقى» للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي- قدّس سرّه- «المتوفى 1337 ه.» طبع مكتبة الداوري، قم. «و هي تشتمل على كتاب الربا و العدد و الوكالة و الهبة و الوقف و القضاء.»

دراسات في ولاية الفقيه

و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 396

222- الملل و النحل لأبي الفتح، محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني «479- 548 ه.» جزءان في مجلدين، الطبعة الثانية، طبع مصر. و كذا دار المعرفة بيروت. (تحقيق محمد سيد كيلاني).

223- المنار «تفسير المنار» لمحمد رشيد رضا «المتوفى 1354 ه.» (المقتبس من دروس أستاذه، الشيخ محمد عبده) في اثني عشر مجلدا، طبع دار المنار بمصر الطبعة الثانية سنة 1366 ه، مصورا من الطبعة الأولى. و أعادت طبعه بالأفست في بيروت دار المعرفة.

224- المناقب «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب، رشيد الدين محمد بن علي «المتوفى 588 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المطبعة الحيدرية، النجف، سنة 1376 ه. ق.

225- منتقى الجمان «منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح و الحسان» لجمال الدين، أبي منصور الحسن بن زين الدّين، المعروف بابن الشهيد، «959- 1011 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع جماعة المدرسين، قم، «تصحيح و تعليق علي أكبر الغفاري».

226- المنتهى «منتهى المطلب في تحقيق المذهب» للعلّامة الحلّي «648- 726 ه.» في مجلدين، طبع إيران، سنة 1333 ه. ق.

227- المنجد «المنجد في اللغة و الأعلام» اشترك في تأليفه عدة من المحققين. دار المشرق، بيروت، الطبعة العشرون.

228- المنهاج للنووي، محيي الدين أبي زكريا، يحيى النووي «631- 676 ه.» (المطبوع مع شرحه السراج الوهاج للشيخ محمد الزهري الغمراوي)، في مجلد واحد، طبع مصر، سنة 1352 ه. ق.

229- منهاج البراعة «منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة» للسيد حبيب اللّه الموسوي الخوئي ...

«المتوفى 1324 ه.» و مع تكملته يكون في أحد و عشرين مجلدا، طبع إيران.

230- منية الطالب «منية الطالب في شرح المكاسب» للشيخ موسى بن محمد النجفي الخوانساري (تقريرات أبحاث أستاذه آية اللّه

الشيخ محمد حسين الغروي النائيني، المتوفى 1355 ه.) في مجلدين، طبع المكتبة المرتضوية في النجف 1358 ه. و المكتبة الحيدرية في طهران سنة 1373 ه. ق «بخط محمد علي الغروي التبريزي».

231- موسوعة الفقه الإسلامي، يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في القاهرة. خرج منها حتى الآن أكثر من عشرة مجلدات.

232- الموطّأ لأبي عبد اللّه، مالك بن أنس بن مالك «93- 179 ه.» جزءان في مجلد واحد، طبع مصر، سنة 1370 ه. ق.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 397

233- المهذّب «المهذّب في الفقه» لابن البرّاج، القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي «400- 481 ه.» في مجلّدين طبع مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

234- الميزان «الميزان في تفسير القرآن» للعلّامة الطباطبائي، السيد محمد حسين الطباطبائي «1321- 1402 ه.» في عشرين جزء طبع مؤسسة الأعلمي، بيروت، و كذا جماعة المدرسين في قم. و طبعة أخرى، طبع دار الكتب الإسلامية، طهران.

235- ميزان الاعتدال «ميزان الاعتدال في نقد الرجال» لأبي عبد اللّه، محمد بن أحمد عثمان الذهبي «673- 748 ه.» في أربع مجلدات طبع دار المعرفة، بيروت، «تحقيق علي محمد البجاوي».

236- نصب الراية «نصب الراية لأحاديث الهداية» للحافظ جمال الدين أبي محمد، عبد اللّه بن يوسف الزيلعي الحنفي «المتوفى 762 ه» في أربع مجلدات، مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، الطبعة الأولى سنة 1357 ه، مطبعة دار المأمون في هند.

237- نضد القواعد «نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية» للفاضل المقداد بن عبد اللّه السيوري «المتوفى 826 ه.» طبع مطبعة الخيام، قم، سنة 1403 ه. «تحقيق السيد عبد اللطيف الكوهكمري.»

238- نظام الحكم في الشريعة و التاريخ الإسلامي لظافر القاسمي الطبعة الثانية، طبع دار النفائس،

بيروت سنة 1397 ه. ق.

239- نظام الحكم و الإدارة في الإسلام لباقر شريف القرشي. طبع مطبعة الآداب في النجف الأشرف، الطبعة الأولى، سنة 1386 ه. ق.

240- النظام السياسي للدولة الإسلامية «في النظام السياسي للدولة الإسلامية» للدكتور محمد سليم العوا، الطبعة السادسة، طبع مكتب مصر الحديث بالإسكندرية في مصر.

241- نظم الحكم و الإدارة في الشريعة الإسلامية و القوانين الوضعية لعلي- علي منصور، طبع بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1391 ه. ق.

242- نفس المهموم «نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم «ع»» للشيخ عباس القمي «بعد سنة 1290- 1359 ه. ق.» الطبع القديم، سنة 1335 ه. ق. و طبعة أخرى، مطبعة الخيام، قم، سنة 1405 ه. ق، تحقيق الشيخ رضا أستادي.

243- نور الثقلين «تفسير نور الثقلين» للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي- المعاصر للشيخ الحرّ العاملي- «المتوفى 1112 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار الكتب العلمية، قم «تصحيح و تعليق الحاجّ السيّد هاشم الرسولي المحلاتي.»

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 398

244- النهاية «النهاية في غريب الحديث و الأثر» لابن الأثير، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري «544- 606 ه.» في خمس مجلدات، طبع دار إحياء الكتب العربية (تحقيق محمود محمد الطناحي و طاهر أحمد الزاوي)، سنة 1383 ه. ق.

245- النهاية «النهاية في مجرد الفقه و الفتاوي» لشيخ الطائفة، أبي جعفر الطوسي «385- 460 ه.» طبع دار الكتاب العربية، بيروت، سنة 1390 ه. ق.

246- نهاية الأصول للمؤلّف (تقريرات لأبحاث أستاذه آية اللّه العظمى السيد حسين البروجردي «1292- 1380 ه») طبع مطبعة الحكمة، قم، سنة 1375 ه. ق.

247- نهج البلاغة من كلام مولانا أمير المؤمنين «ع» جمعه الشريف الرضيّ محمد بن

الحسين «359- 406 ه.» له طبعات كثيرة، منها: 1- مع الترجمة بالفارسية و الشرح للحاج السيد علينقي فيض الإسلام، المطبوع بخط طاهر خوشنويس، ستة أجزاء في مجلد واحد. 2- مع الشرح للشيخ محمد عبده ثلاثة أجزاء في مجلد واحد، طبع مطبعة الاستقامة بمصر. 3- مع ضبط نصّه و ابتكار فهارسه العلمية للدكتور صبحي الصالح، طبع بيروت سنة 1387 ه.

و طبع بالأفست في إيران سنة 1395 ه. بإشراف انتشارات الهجرة، قم.

248- نهج السعادة «نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة» للشيخ محمد باقر المحمودي، ثمانية أجزاء في سبع مجلدات، طبع بيروت.

249- نهج الفصاحة، من كلام رسول اللّه الأعظم «ص» جمعه و ترجمه بالفارسية أبو القاسم الباينده. طبع سازمان انتشارات جاويدان «مؤسسة منشورات الجاويدان»، الطبعة الثالثة عشرة.

250- نيل الأوطار للشوكاني، محمد بن علي بن محمد الشوكاني «المتوفى 1255 و على قول 1250 ه.» ثمانية أجزاء في أربع مجلدات، الطبعة الأولى، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1403 ه. ق.

251- الوافي للفيض الكاشاني، المحدث المتكلم الفقيه، المولى محسن الكاشاني «1007- 1091 ه.» في ثلاث مجلدات، طبع المكتبة الإسلامية، طهران، «بخطّ محمد حسن بن محمد علي الأصفهاني 1323 ه. ق.»

252- الوثائق السياسية للعهد النبوي و الخلافة الراشدة لمحمد حميد اللّه طبع دار النفائس، بيروت، سنة 1405 ه. ق.

253- الوسائل «تحصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» للشيخ الحرّ العاملي، محمد بن الحسن بن علي «1033- 1104 ه.» في عشرين مجلدا، طبع المكتبة الإسلامية،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 399

إيران 1389- 1383 ه. ق.

254- الوسيلة «الوسيلة إلى نيل الفضيلة» لابن حمزة، عماد الدين، أبي جعفر، محمد بن علي بن حمزة الطوسي (من أعلام القرن السادس)

طبع إيران، سنة 1408 ه. ق. مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي. «تحقيق الشيخ محمد الحسون.».

255- وسيلة النجاة لآية اللّه الأصفهاني، السيّد أبي الحسن بن محمد بن عبد الحميد «1284- 1365 ه. ق.» طبع إيران، سنة 1385 ه. ق.

256- وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري «المتوفى 212 ه.» طبع المؤسسة العربية الحديثة بمصر، الطبعة الثانية سنة 1382 «تحقيق و شرح عبد السلام محمد هارون.»

*- ولاية الفقيه للإمام الخميني- قدّس سرّه- راجع الحكومة الإسلامية.

257- يادنامۀ أستاد شهيد مرتضى المطهري «المستشهد في 1399 ه. ق.» طبع في إيران باللغة الفارسية تحت إشراف الدكتور عبد الكريم سروش.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 401

فهرس الآيات الكريمة

رقم الآية ج/ الصفحة

البقرة (2) 3 ... وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ: 3/ 26.

29 ... خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ..:

4/ 76، 82، 99.

30 وَ إِذْ قٰالَ رَبُّكَ لِلْمَلٰائِكَةِ ..*: 1/ 501.

30 ... إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ..:

1/ 464، 503؛ 3/ 347، 348.

30 ... أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا ..: 1/ 503.

31 وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمٰاءَ ..: 1/ 464.

43 وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ ..*: 4/ 287.

44 أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ ..: 2/ 257، 300.

45 ... إِنَّهٰا لَكَبِيرَةٌ إِلّٰا عَلَى الْخٰاشِعِينَ: 2/ 193.

54 ... فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ..: 1/ 40.

62 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ..*: 3/ 409.

83 ... وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً ..: 3/ 376.

105 مٰا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ..: 2/ 718.

109 وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ ..: 2/ 718.

110 وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ ..: 4/ 287.

124 وَ إِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ ..: 1/ 36، 281، 289.

124 ... لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ: 1/ 298، 385، 498،

526، 541، 595.

159 إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ..: 2/ 88.

177 ... وَ آتَى الْمٰالَ عَلىٰ حُبِّهِ ..: 3/ 105.

179 وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ ..: 1/ 177؛

2/ 438.

188 ... وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ ..: 1/ 433،

434، 448.

189 ... وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا ..: 2/ 546.

190 وَ قٰاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ..*: 1/ 500؛ 3/ 425.

193 وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ ..*: 1/ 116.

194 ... فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ ..: 2/ 368.

205 وَ إِذٰا تَوَلّٰى سَعىٰ فِي الْأَرْضِ ..: 2/ 9.

206 وَ إِذٰا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّٰهَ ..: 2/ 9.

208 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا ..: 1/ 183.

219 ... وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ ..: 3/ 38.

4/ 293.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 402

226 لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ ..: 3/ 348،

358.

226 ... فَإِنْ فٰاؤُ ..: 3/ 343،

228 ... وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ..: 1/ 283،

351.

232 ... ذٰلِكُمْ أَزْكىٰ لَكُمْ ..: 3/ 6.

235 ... وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ ..: 1/ 215.

246 ... قٰالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنٰا ..: 1/ 187.

247 وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ..: 1/ 282.

247 ... إِنَّ اللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ ..: 1/ 165.

247 ... إِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ ..:

1/ 302، 321.

247 ... وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ ..:

1/ 303.

251 فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّٰهِ ..: 1/ 596.

251 ... وَ قَتَلَ دٰاوُدُ جٰالُوتَ ..: 1/ 166.

251 ... وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ ..: 1/ 121.

257 اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ..: 1/ 55، 56،

280.

260 ... فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ..: 1/ 75.

261 مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ ..: 3/ 37.

267 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا ..*: 3/

12، 26،

37؛ 4/ 287.

270 وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ ..: 3/ 38.

273 لِلْفُقَرٰاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا ..: 3/ 35.

276 يَمْحَقُ اللّٰهُ الرِّبٰا وَ يُرْبِي الصَّدَقٰاتِ ..:

3/ 38.

280 وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ ..: 1/ 100؛ 2/ 487،

488.

282 ... فَإِنْ كٰانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ..:

1/ 270.

282 ... أَنْ تَضِلَّ إِحْدٰاهُمٰا ..: 1/ 337.

283 ... وَ لٰا تَكْتُمُوا الشَّهٰادَةَ ..: 2/ 385.

286 لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً ..*: 3/ 413.

آل عمران (3) 28 لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ ..: 1/ 279،

287.

49 ... أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ..:

1/ 75.

64 قُلْ يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا ..: 2/ 706، 707.

85 وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ ..: 3/ 390، 391.

92 لَنْ تَنٰالُوا الْبِرَّ حَتّٰى ..: 3/ 39.

100 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا ..*: 1/ 280.

101 ... وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّٰهِ ..: 1/ 381.

103 وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ ..: 1/ 183.

104 وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ ..: 1/ 500؛

2/ 227، 228، 272.

110 كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ ..: 2/ 226، 227.

118 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا ..*: 2/ 19،

719.

119 هٰا أَنْتُمْ أُولٰاءِ تُحِبُّونَهُمْ ..: 2/ 719.

120 إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ ..: 2/ 718.

134 ... وَ الْكٰاظِمِينَ الْغَيْظَ ..: 2/ 397.

144 وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلّٰا رَسُولٌ ..: 1/ 47.

149 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا ..*: 2/ 720.

150 بَلِ اللّٰهُ مَوْلٰاكُمْ وَ هُوَ ..: 2/ 720.

159 فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ ..: 2/ 302،

785.

159 ... وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ..: 2/ 298.

159 ... وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ..: 1/ 12، 65،

414، 499؛ 2/ 32، 38.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 403

200 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا

..: 1/ 183.

النساء (4) 5 وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ ..: 1/ 107، 282،

285؛ 2/ 117.

6 ... وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ حَسِيباً*: 2/ 260.

11 ... وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ ..: 3/ 156.

13 تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ ..*: 2/ 328.

14 وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ ..*: 2/ 328.

15 وَ اللّٰاتِي يَأْتِينَ الْفٰاحِشَةَ ..: 2/ 428.

23 ... وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ ..:

4/ 47.

29 ... وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ...: 2/ 241، 288.

31 إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ ...: 2/ 315.

34 الرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ ...: 1/ 283،

348، 350.

34 ... فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ ...: 1/ 349.

35 ... فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ ...: 1/ 433.

54 ... فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ ...: 1/ 166.

58 إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ ...*: 1/ 431، 432،

476؛ 2/ 159، 163، 186، 188.

58 ... وَ إِذٰا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّٰاسِ ...: 1/ 432،

433، 435، 448.

59 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ ...*: 1/ 64،

431، 432؛ 2/ 769، 779؛ 4/ 312.

59 ... أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...: 1/ 69، 87، 381، 436، 438،

575.

59 فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ ...: 1/ 438.

60 أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ ...: 1/ 280، 431،

439، 597.

60 ... يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحٰاكَمُوا ...: 1/ 427،

435؛ 2/ 156.

65 فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ ...: 1/ 69؛ 2/ 141،

143، 772.

75 وَ مٰا لَكُمْ لٰا تُقٰاتِلُونَ فِي ...: 1/ 116، 212؛

2/ 710.

80 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ ...: 1/ 188.

83 ... لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ...: 2/ 72.

90 إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلىٰ قَوْمٍ ...: 2/ 721.

102 وَ إِذٰا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ ...: 1/ 92.

105 إِنّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ ...*: 1/ 70؛ 2/ 5،

343؛ 4/ 295.

114 لٰا خَيْرَ

فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ ...: 2/ 260.

115 وَ مَنْ يُشٰاقِقِ الرَّسُولَ ...: 1/ 280، 556،

590؛ 2/ 65.

135 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا ...*: 2/ 159، 185.

141 ... وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى ...:

1/ 270، 279؛ 287، 541؛ 2/ 20، 116، 149؛ 4/ 219.

144 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا ...: 2/ 719.

المائدة (5) 1 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ...: 1/ 496،

575، 576؛ 2/ 731.

2 ... لٰا تُحِلُّوا شَعٰائِرَ اللّٰهِ ...: 1/ 215.

2 ... وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ فَاصْطٰادُوا ...: 1/ 215.

2 ... تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ ...: 1/ 270،

589.

3 ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...: 1/ 189؛

2/ 70.

5 ... وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ ...: 2/ 628.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 404

5 ... وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخٰاسِرِينَ: 3/ 392.

7 وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ ...: 2/ 731.

8 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا ...: 2/ 159، 185.

8 ... وَ لٰا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ...: 2/ 193.

12 وَ لَقَدْ أَخَذَ اللّٰهُ مِيثٰاقَ ...: 2/ 572، 731.

12 ... وَ بَعَثْنٰا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ...: 2/ 575،

577.

12 ... وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ ...: 2/ 316.

13 فَبِمٰا نَقْضِهِمْ مِيثٰاقَهُمْ ...*: 2/ 718، 731.

13 ... وَ لٰا تَزٰالُ تَطَّلِعُ عَلىٰ خٰائِنَةٍ ...: 2/ 397.

14 وَ مِنَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنّٰا نَصٰارىٰ ...: 2/ 731.

20 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ ...*: 1/ 166.

24 ... فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ ...: 2/ 44.

33 إِنَّمٰا جَزٰاءُ الَّذِينَ يُحٰارِبُونَ ...: 1/ 143،

163، 500، 612؛ 2/ 425، 517؛ 3/ 263.

33 ... أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ...: 2/ 426؛

3/ 264.

33 ... ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ...: 1/ 612.

34 إِلَّا

الَّذِينَ تٰابُوا ...*: 1/ 612.

38 وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا ...: 1/ 163،

500، 569؛ 2/ 498.

42 ... فَإِنْ جٰاؤُكَ فَاحْكُمْ ...: 3/ 483.

42 ... وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ ...: 2/ 185.

44 ... فَلٰا تَخْشَوُا النّٰاسَ وَ ...: 1/ 311.

44 ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ ...*: 1/ 29،

539؛ 2/ 154، 159.

45 وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ ...: 2/ 190.

45 ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ ...*: 1/ 29، 159،

539.

47 ... وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ ...*: 1/ 29، 539؛ 2/ 159.

48 وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ الْكِتٰابَ ...: 1/ 539؛ 2/ 5،

186، 343؛ 4/ 295.

49 وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ ...: 1/ 539؛

2/ 5، 60.

50 أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ...: 2/ 5، 60.

50 ... وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ ...*: 2/ 160.

51 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا ...*: 1/ 279،

287؛ 2/ 19، 720.

52 فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ ...: 2/ 19، 720.

54 ... ذٰلِكَ فَضْلُ اللّٰهِ يُؤْتِيهِ ...*: 1/ 391.

55 إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ ...: 1/ 62، 63؛

3/ 7.

57 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا ...*: 2/ 719.

63 لَوْ لٰا يَنْهٰاهُمُ الرَّبّٰانِيُّونَ وَ ...: 1/ 311.

67 يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ ...: 1/ 49، 170؛

2/ 709.

69 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ ...*: 3/ 409.

78 لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ ...:

1/ 311، 602؛ 2/ 234،

79 ... لَبِئْسَ مٰا كٰانُوا يَفْعَلُونَ: 1/ 311.

90 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ ...: 2/ 335.

95 ... لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ ...: 1/ 215.

97 جَعَلَ اللّٰهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرٰامَ ...: 1/ 107.

103 ... وَ لٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...:

1/ 566.

105 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ ...: 2/ 240.

105 ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ...: 1/ 603؛

2/ 241.

105 ... لٰا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ ...: 2/ 273.

106 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ ...: 2/ 429.

106 ... تَحْبِسُونَهُمٰا مِنْ بَعْدِ الصَّلٰاةِ ...: 2/ 422.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 405

117 ... وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ...: 1/ 47.

الأنعام (6) 38 ... مٰا فَرَّطْنٰا فِي الْكِتٰابِ ...: 2/ 70.

50 قُلْ لٰا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي ...: 1/ 282.

57 ... إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ ...*: 1/ 28، 405،

408، 539؛ 2/ 3، 59، 142؛ 3/ 104.

62 ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّٰهِ ...: 1/ 28.

62 ... أَلٰا لَهُ الْحُكْمُ ...: 1/ 539؛ 2/ 3، 59.

89 أُولٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ ...: 3/ 397.

114 أَ فَغَيْرَ اللّٰهِ أَبْتَغِي حَكَماً ...: 1/ 433.

133 ... إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَسْتَخْلِفْ ...:

1/ 503.

141 ... وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ*: 3/ 40؛ 4/ 297، 298.

146 ... وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنٰا ...: 3/ 46،

129.

152 ... وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزٰانَ ...: 2/ 86.

164 ... وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ ...*: 2/ 236.

الأعراف (7) 3 اتَّبِعُوا مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ...: 1/ 280.

12 ... خَلَقْتَنِي مِنْ نٰارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*: 2/ 69.

28 وَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً ...: 1/ 295.

29 قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ...: 2/ 185، 709.

31 ... وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا ...*: 4/ 296.

31 ... وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ*: 3/ 40؛ 4/ 297، 298.

32 ... قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ...: 3/ 222؛

4/ 131.

73 وَ إِلىٰ ثَمُودَ أَخٰاهُمْ صٰالِحاً ...*: 2/ 809.

85 وَ إِلىٰ مَدْيَنَ أَخٰاهُمْ شُعَيْباً ...*: 2/ 809.

107

فَأَلْقىٰ عَصٰاهُ فَإِذٰا هِيَ ...*: 1/ 75.

108 وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذٰا هِيَ ...*: 1/ 75.

128 قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّٰهِ ...:

1/ 502.

128 ... إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا ...: 2/ 738؛

4/ 46، 200، 241.

157 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ ...: 2/ 7، 228.

158 قُلْ يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ ...: 2/ 703.

159 وَ مِنْ قَوْمِ مُوسىٰ أُمَّةٌ ...: 2/ 228.

169 فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ...*: 1/ 503.

187 ... قُلْ إِنَّمٰا عِلْمُهٰا عِنْدَ اللّٰهِ وَ لٰكِنَّ ...:

1/ 565.

199 خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ ...: 2/ 397، 786؛

3/ 474؛ 4/ 293.

200 وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطٰانِ ...*: 2/ 786.

الأنفال (8) 1 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ ...: 3/ 133، 134،

135، 136، 149، 150، 158، 352، 353؛ 4/ 1، 3، 7، 13، 20، 33، 38، 84.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 405

1 ... قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ ...: 2/ 141؛ 4/ 6، 145.

5 ... وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ ...: 3/ 282.

6 يُجٰادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ ...: 3/ 282.

24 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا ...: 1/ 177.

38 قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا ...: 3/ 458.

39 وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ ...*: 1/ 116،

163؛ 2/ 711؛ 3/ 375، 383.

41 وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 406

وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ ...*: 1/ 102؛ 3/ 44، 47، 49،

50، 52، 55، 66، 67، 68، 78،

100، 101، 103، 104، 105، 108، 111، 113، 129، 130، 134، 135، 148، 149، 150، 155، 158، 178، 334، 341، 343، 347، 357؛ 4/ 35، 61، 64، 132.

41 ... وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا ...: 3/ 50.

56 الَّذِينَ عٰاهَدْتَ مِنْهُمْ ...: 2/ 737.

57 فَإِمّٰا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ...: 2/ 737؛

3/ 259.

58 وَ إِمّٰا تَخٰافَنَّ مِنْ قَوْمٍ ...: 2/ 737.

60 وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ...: 1/ 125، 163،

500، 569؛ 2/ 555، 719، 756، 758، 767.

60 ... وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ ...: 2/ 740.

60 ... وَ مٰا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ ءٍ ...*: 2/ 757.

61 وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهٰا ...: 2/ 20،

721، 728، 729، 730؛ 3/ 388.

65 يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ...: 1/ 112.

67 مٰا كٰانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرىٰ ...: 3/ 251،

258، 261، 265، 270.

69 فَكُلُوا مِمّٰا غَنِمْتُمْ حَلٰالًا ...: 3/ 129؛ 4/ 64.

70 يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي ...: 3/ 250.

التوبة (9) 1 بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ...: 2/ 730.

2 فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ ...: 1/ 215؛

2/ 729.

4 إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ...: 2/ 728، 732.

5 فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ...: 1/ 113، 215،

2/ 430؛ 3/ 375.

5 ... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ ...: 3/ 259،

267، 271، 368، 373، 376، 377، 392.

6 وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجٰارَكَ ...: 2/ 722،

726.

7 كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ ...: 2/ 732.

7 ... إِلَّا الَّذِينَ عٰاهَدْتُمْ ...*: 2/ 728.

8 كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ...: 2/ 718.

11 فَإِنْ تٰابُوا وَ أَقٰامُوا الصَّلٰاةَ ...*: 2/ 713.

12 وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمٰانَهُمْ مِنْ بَعْدِ ...: 1/ 113.

12 ... فَقٰاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ...: 1/ 81، 196.

13 أَ لٰا تُقٰاتِلُونَ

قَوْماً نَكَثُوا ...: 1/ 113.

25 لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ فِي مَوٰاطِنَ ...: 2/ 34.

29 قٰاتِلُوا الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ ...: 1/ 113؛ 2/ 706؛

3/ 365، 368، 375، 376، 378، 392، 477.

29 ... مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ ...*: 3/ 368.

29 ... حَتّٰى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ...: 3/ 413، 424،

428، 435، 455، 468، 478؛ 4/ 265.

29 ... عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صٰاغِرُونَ: 3/ 423، 471.

31 اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ ...: 1/ 591.

33 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ...*: 2/ 703.

34 ... وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ ...: 3/ 26؛

4/ 293.

36 ... وَ قٰاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ...: 1/ 113،

569.

38 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مٰا لَكُمْ ...: 1/ 112.

41 انْفِرُوا خِفٰافاً وَ ثِقٰالًا ...: 1/ 112؛ 2/ 762.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 407

55 فَلٰا تُعْجِبْكَ أَمْوٰالُهُمْ وَ لٰا ...: 2/ 821.

58 وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقٰاتِ ...: 3/ 9.

60 إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ...

1/ 98، 99؛ 2/ 672، 696، 697؛ 3/ 7، 9، 32، 33، 35.

61 وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ...: 2/ 786.

71 وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنٰاتُ بَعْضُهُمْ ...: 1/ 55، 77،

311؛ 2/ 170، 225، 272.

73 يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ جٰاهِدِ الْكُفّٰارَ ...*: 1/ 112.

103 خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ...: 1/ 98؛ 3/ 5، 6، 7، 9، 12، 20،

26، 32، 34، 39، 120؛ 4/ 287.

111 إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...: 1/ 113،

117؛ 2/ 226.

112 التّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ ...: 1/ 118؛ 2/ 226.

122 وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا ...: 2/ 88.

123 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قٰاتِلُوا ...: 1/ 112.

128 لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ...:

2/ 590، 787.

128 ... حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ

رَحِيمٌ:

1/ 48.

يونس (10) 35 ... أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ ... فَمٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ: 1/ 282، 301، 303.

هود (11) 18 ... أَلٰا لَعْنَةُ اللّٰهِ عَلَى الظّٰالِمِينَ: 2/ 11.

61 وَ إِلىٰ ثَمُودَ أَخٰاهُمْ صٰالِحاً ...: 2/ 809.

61 ... هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهٰا ...: 1/ 502، 503؛ 4/ 149.

84 وَ إِلىٰ مَدْيَنَ أَخٰاهُمْ شُعَيْباً ...: 2/ 809.

85 ... وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْيٰاءَهُمْ ...:

4/ 262، 283.

113 وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ...: 1/ 281،

290، 298، 595، 617.

114 وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ طَرَفَيِ النَّهٰارِ ...: 2/ 402.

114 ... إِنَّ الْحَسَنٰاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئٰاتِ ...:

2/ 312.

يوسف (12) 33 قٰالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ...: 2/ 421.

35 ... لَيَسْجُنُنَّهُ حَتّٰى حِينٍ: 2/ 421.

36 وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيٰانِ ...: 2/ 421.

40 ... إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ ...: 1/ 405، 408؛

3/ 104.

55 قٰالَ اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ ...: 1/ 283،

321، 332، 541؛ 2/ 117.

67 ... إِنِ الْحُكْمُ إِلّٰا لِلّٰهِ ...: 1/ 405، 408؛

3/ 104.

72 ... نَفْقِدُ صُوٰاعَ الْمَلِكِ وَ ...: 2/ 492.

88 ... تَصَدَّقْ عَلَيْنٰا ...: 3/ 7.

92 ... لٰا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ...: 3/ 142.

101 رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ...: 1/ 166.

108 قُلْ هٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا ...: 2/ 709.

الرعد (13) 11 ... إِنَّ اللّٰهَ لٰا يُغَيِّرُ مٰا بِقَوْمٍ ...: 2/ 9، 721؛

30/ 475.

21 وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ ...: 4/ 291.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 408

إبراهيم (14) 34 وَ آتٰاكُمْ مِنْ كُلِّ مٰا سَأَلْتُمُوهُ ...: 2/ 14؛

4/ 149.

الحجر (15) 85 ... فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ: 2/ 397.

النحل (16) 43 وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ إِلّٰا ...: 2/ 88.

44

... لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ...: 2/ 70.

48 ... يَتَفَيَّؤُا ظِلٰالُهُ عَنِ الْيَمِينِ ...: 3/ 343.

75 ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً ...: 1/ 282،

372.

75 ... فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً ...: 1/ 373.

76 وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمٰا ...: 1/ 282،

321، 373.

89 ... تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ ...: 2/ 70.

90 إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ ...: 2/ 186،

709.

91 وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّٰهِ إِذٰا عٰاهَدْتُمْ ...: 2/ 732.

120 إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً ...: 2/ 228.

125 ادْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ ...: 2/ 709.

الاسراء (17) 5 فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ أُولٰاهُمٰا بَعَثْنٰا ...: 1/ 240.

15 وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ ...: 2/ 236.

26 وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ ...: 3/ 329، 332،

333.

26 ... وَ لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: 4/ 296.

27 إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا ...: 4/ 296.

33 ... وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ ...: 2/ 506.

34 ... وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ ...: 2/ 732.

38 كُلُّ ذٰلِكَ كٰانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً:

2/ 633.

60 ... وَ مٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي ...: 1/ 225.

71 يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ ...: 1/ 200،

243.

79 وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ...: 4/ 2.

الكهف (18) 19 ... فَلْيَنْظُرْ أَيُّهٰا أَزْكىٰ طَعٰاماً ...: 3/ 6.

26 ... مٰا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ...: 1/ 29.

28 ... وَ لٰا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ ...: 1/ 281،

290، 597؛ 2/ 781.

29 ... فَمَنْ شٰاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شٰاءَ فَلْيَكْفُرْ ...:

3/ 15، 23.

مريم (19) 12 يٰا يَحْيىٰ خُذِ الْكِتٰابَ بِقُوَّةٍ ...: 3/ 397.

31 ... وَ أَوْصٰانِي بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ ...: 3/ 8.

43 يٰا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جٰاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ...:

2/ 88.

55 وَ كٰانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلٰاةِ وَ الزَّكٰاةِ

...: 3/ 8.

طه (20) 29 وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي: 1/ 44؛ 2/ 110.

30 هٰارُونَ أَخِي: 1/ 44؛ 2/ 110.

31 اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي: 1/ 44؛ 2/ 110.

32 وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي: 1/ 44؛ 2/ 110.

44 فَقُولٰا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً ...: 2/ 302.

97 ... وَ انْظُرْ إِلىٰ إِلٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ ...:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 409

2/ 332.

111 وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ...: 3/ 196.

131 وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ ...: 2/ 821.

الأنبياء (21) 22 لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ ...: 1/ 413.

47 وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ ...: 2/ 186.

72 وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ ...: 4/ 2.

73 وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنٰا ...: 1/ 81؛

3/ 8.

78 وَ دٰاوُدَ وَ سُلَيْمٰانَ إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي ...: 2/ 143.

92 إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً ...: 2/ 713.

105 وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ ...: 1/ 502.

الحج (22) 17 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ ...*: 3/ 409.

39 أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ...: 1/ 121، 122.

40 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ ...: 1/ 121.

40 ... وَ لَوْ لٰا دَفْعُ اللّٰهِ النّٰاسَ بَعْضَهُمْ ...:

1/ 212، 596.

40 ... وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّٰهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ...: 1/ 282؛

2/ 8.

41 الَّذِينَ إِنْ مَكَّنّٰاهُمْ فِي الْأَرْضِ ...: 1/ 121،

165، 282، 596؛ 2/ 8، 227.

77 ... ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا ...: 1/ 177.

78 وَ جٰاهِدُوا فِي اللّٰهِ حَقَّ جِهٰادِهِ ...: 1/ 210.

المؤمنون (23) 23 وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَمٰانٰاتِهِمْ وَ ...*: 2/ 732.

52 وَ إِنَّ هٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً ...: 2/ 713.

55 أَ يَحْسَبُونَ أَنَّمٰا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ ...: 2/ 819.

56 نُسٰارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرٰاتِ

...: 2/ 819.

72 أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرٰاجُ ...: 3/ 489.

96 ... ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...*: 2/ 397.

النور (24) 2 الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ ...: 1/ 163،

500، 569؛ 2/ 428، 429.

2 ... وَ لٰا تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي ...: 2/ 409.

2 ... وَ لْيَشْهَدْ عَذٰابَهُمٰا طٰائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:

2/ 411؛ 3/ 281.

19 إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ ...: 2/ 540، 541.

27 لٰا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ...: 2/ 546.

55 وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ...: 1/ 501؛

2/ 703.

61 ... فَإِذٰا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ...: 1/ 39.

62 ... إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ ...*: 1/ 71.

63 لٰا تَجْعَلُوا دُعٰاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ ...: 1/ 71.

63 ... قَدْ يَعْلَمُ اللّٰهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ ...: 1/ 72.

الفرقان (25) 18 قٰالُوا سُبْحٰانَكَ مٰا كٰانَ يَنْبَغِي ...: 1/ 292.

35 وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسَى الْكِتٰابَ ...*: 2/ 110.

63 وَ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ ...: 2/ 787.

74 وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنٰا هَبْ لَنٰا ...: 2/ 787.

الشعراء (26) 94 فَكُبْكِبُوا فِيهٰا هُمْ وَ الْغٰاوُونَ: 2/ 301.

151 وَ لٰا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ: 1/ 280، 290، 298، 541، 590، 597؛ 2/ 116، 781.

152 الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لٰا يُصْلِحُونَ:

1/ 280، 290، 298، 541، 590، 597؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 410

2/ 116، 781.

157 فَعَقَرُوهٰا فَأَصْبَحُوا نٰادِمِينَ: 2/ 236.

214 وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ: 1/ 43؛ 2/ 787.

215 وَ اخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ ...: 2/ 787.

النمل (27) 34 قٰالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذٰا دَخَلُوا ...: 1/ 6، 281.

39 قٰالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا ...: 1/ 283،

321.

40 قٰالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتٰابِ ...: 1/ 75.

62 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذٰا ...: 1/ 501.

القصص (28) 5 وَ

نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ...:

1/ 502.

24 ... رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ:

2/ 817.

26 قٰالَتْ إِحْدٰاهُمٰا يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ...: 1/ 283،

321؛ 2/ 117.

41 وَ جَعَلْنٰاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ ...: 1/ 81.

68 وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مٰا يَشٰاءُ ...: 1/ 383، 391.

68 ... مٰا كٰانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ...: 1/ 393.

83 تِلْكَ الدّٰارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهٰا ...: 2/ 807.

العنكبوت (29) 46 وَ لٰا تُجٰادِلُوا أَهْلَ الْكِتٰابِ ...: 2/ 722.

الروم (30) 19 ... يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا ...*: 2/ 187،

310.

31 ... وَ أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ ...*: 1/ 569.

60 فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ ...*: 2/ 787.

لقمان (31) 13 ... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ: 1/ 385.

17 يٰا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلٰاةَ وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ ...:

2/ 273.

السجدة (32) 18 أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ:

1/ 281؛ 2/ 117.

الأحزاب (33) 6 النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ ...: 1/ 37، 40، 103،

190، 469، 557؛ 2/ 343؛ 3/ 104؛ 4/ 294.

6 ... وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ ...*: 1/ 302،

303.

21 لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ ...:

1/ 473؛ 2/ 218، 722، 798.

32 يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ ...:

1/ 353.

33 وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ ...: 1/ 283، 352.

36 وَ مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى ...: 1/ 62،

383، 391، 404، 441، 2/ 42.

39 ... وَ كَفىٰ بِاللّٰهِ حَسِيباً: 2/ 260.

40 مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ ...: 2/ 703.

47 وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ ...: 2/ 787.

48 وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ ...: 1/ 280؛

2/ 787.

50 ... مِمّٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلَيْكَ ...: 3/ 343.

67 وَ قٰالُوا رَبَّنٰا إِنّٰا أَطَعْنٰا ...: 1/ 280، 290،

دراسات في ولاية الفقيه و

فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 411

590، 597؛ 2/ 781.

سبأ (34) 28 وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلّٰا كَافَّةً لِلنّٰاسِ ...: 2/ 703.

فاطر (35) 18 وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ ...*: 2/ 236.

28 ... إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ ...: 1/ 314.

39 هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلٰائِفَ ...*: 1/ 501.

يس (36) 40 لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ ...: 1/ 292.

ص (38) 3 ... وَ لٰاتَ حِينَ مَنٰاصٍ: 2/ 675.

20 وَ شَدَدْنٰا مُلْكَهُ وَ آتَيْنٰاهُ الْحِكْمَةَ ...: 1/ 166.

26 يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً ...: 1/ 37، 439،

501؛ 2/ 6، 55، 142، 186، 202.

35 ... رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً ...: 1/ 166.

39 هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ:

2/ 394.

الزمر (39) 7 ... وَ لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ ...*: 2/ 236.

9 ... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ...: 1/ 282،

302؛ 2/ 117.

17 ... فَبَشِّرْ عِبٰادِ: 1/ 494.

18 الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ...: 1/ 494.

65 وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى ...: 2/ 804.

غافر- المؤمن (40) 12 ... فَالْحُكْمُ لِلّٰهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ: 1/ 29.

20 وَ اللّٰهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ ...: 2/ 142.

35 ... كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا ...: 4/ 319.

43 ... وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ:

4/ 297.

71 إِذِ الْأَغْلٰالُ فِي أَعْنٰاقِهِمْ ...: 2/ 681.

فصّلت (41) 34 وَ لٰا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ ...: 2/ 787.

35 وَ مٰا يُلَقّٰاهٰا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ...: 2/ 787.

36 وَ إِمّٰا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطٰانِ ...*: 2/ 787.

الشورى (42) 9 أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءَ ...: 1/ 29.

10 وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْ ءٍ ...: 1/ 29.

15 فَلِذٰلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ ...: 2/ 186، 709.

37 وَ

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ ...: 2/ 31.

38 وَ الَّذِينَ اسْتَجٰابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقٰامُوا ...: 1/ 497؛

2/ 31.

38 ... وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ ...: 1/ 12، 65،

405، 561.

الزخرف (43) 18 أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ ...: 1/ 283، 352.

19 وَ جَعَلُوا الْمَلٰائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبٰادُ الرَّحْمٰنِ ...:

1/ 453؛ 2/ 168.

الدخان (44) 30 وَ لَقَدْ نَجَّيْنٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ ...: 1/ 281.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 412

31 مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كٰانَ عٰالِياً ...: 1/ 281.

الأحقاف (46) 4 ... أَوْ أَثٰارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ...: 1/ 303.

محمد «ص» (47) 4 فَإِذٰا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقٰابِ حَتّٰى إِذٰا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثٰاقَ فَإِمّٰا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّٰا فِدٰاءً حَتّٰى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا ...: 3/ 251،

258، 259، 260، 265، 267، 269، 270، 271، 368، 373، 375، 377، 392، 411.

11 ذٰلِكَ بِأَنَّ اللّٰهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ...: 1/ 53.

14 أَ فَمَنْ كٰانَ عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ...*: 1/ 282.

22 فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ ...: 1/ 281؛ 2/ 8.

23 أُولٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ ...*: 1/ 281.

36 ... وَ لٰا يَسْئَلْكُمْ أَمْوٰالَكُمْ: 3/ 10.

الفتح (48) 1 إِنّٰا فَتَحْنٰا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً: 3/ 141.

9 ... وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ ...: 2/ 316، 317.

10 إِنَّ الَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اللّٰهَ يَدُ اللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ ...: 1/ 513، 514،

518، 526.

18 لَقَدْ رَضِيَ اللّٰهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ...: 1/ 513.

24 وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ...: 3/ 141.

29 مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى الْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ ...: 2/ 716، 795.

الحجرات (49) 7 ... وَ كَرَّهَ

إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ ...: 2/ 633.

9 وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ... فَقٰاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي ءَ إِلىٰ أَمْرِ اللّٰهِ فَإِنْ فٰاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا ...: 1/ 70، 128، 163،

500، 612؛ 2/ 185؛ 3/ 280، 285، 289، 298، 309، 343، 348.

10 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا ...: 1/ 183؛

2/ 141، 713.

12 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ...: 2/ 540، 589.

12 ... وَ لٰا تَجَسَّسُوا ...: 2/ 248، 377، 546.

13 يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ ... وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ ...:

1/ 204؛ 2/ 190، 578، 713.

النجم (53) 32 ... فَلٰا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقىٰ:

3/ 6.

الرحمن (55) 10 وَ الْأَرْضَ وَضَعَهٰا لِلْأَنٰامِ: 2/ 823؛ 4/ 20، 82.

11 فِيهٰا فٰاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذٰاتُ الْأَكْمٰامِ: 2/ 823.

19 مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيٰانِ: 2/ 823.

20 بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لٰا يَبْغِيٰانِ: 2/ 823.

22 يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجٰانُ 2/ 823.

الحديد (57) 7 آمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ أَنْفِقُوا ...: 3/ 39.

17 ... يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا ...*: 2/ 187،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 413

310.

25 لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ ...: 1/ 596؛

2/ 185، 39، 807.

الحشر (59) 6 وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ ...: 3/ 319،

324، 325، 334، 343، 350، 352.

7 مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ... كَيْ لٰا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيٰاءِ مِنْكُمْ وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ...: 1/ 50؛ 2/ 622؛ 3/ 130،

134، 319، 321، 324، 325، 327، 333، 334، 335؛ 343، 348، 352؛ 4/ 20، 34.

8 لِلْفُقَرٰاءِ الْمُهٰاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا ...: 3/ 319،

328.

9 وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّٰارَ وَ الْإِيمٰانَ ...: 3/ 319.

10 وَ الَّذِينَ

جٰاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ ...: 3/ 319.

الممتحنة (60) 1 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ ...:

2/ 280، 720، 741.

8 لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ ...: 2/ 20،

186، 722؛ 3/ 389.

9 إِنَّمٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ قٰاتَلُوكُمْ ...: 2/ 20،

722؛ 3/ 389.

12 يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذٰا جٰاءَكَ الْمُؤْمِنٰاتُ ...:

1/ 514، 515.

الصف (61) 2 ... لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ: 2/ 257.

3 كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا ...: 2/ 257.

الجمعة (62) 3 وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّٰا يَلْحَقُوا بِهِمْ ...: 2/ 703.

المنافقون (63) 4 ... هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ ...:

2/ 568.

8 ... لَئِنْ رَجَعْنٰا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلّٰهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ ...:

1/ 281؛ 2/ 568.

الطلاق (65) 7 ... لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا ...:

3/ 413، 424.

التحريم (66) 9 يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ جٰاهِدِ الْكُفّٰارَ وَ الْمُنٰافِقِينَ ...*:

2/ 795.

الملك (67) 15 ... فَامْشُوا فِي مَنٰاكِبِهٰا وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ...:

4/ 148.

القلم (68) 2 مٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ: 2/ 788.

3 وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ: 2/ 788.

4 وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ: 2/ 788.

35 أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ: 1/ 281، 291؛ 2/ 116.

36 مٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ*: 1/ 281، 291؛ 2/ 116.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 414

المعارج (70) 5 فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا: 2/ 788.

المزّمّل (73) 10 وَ اصْبِرْ عَلىٰ مٰا يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا:

2/ 397، 788.

11 وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ ...: 2/ 788.

20 ... أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ ...*: 1/ 569.

القيامة (75) 11 كَلّٰا لٰا وَزَرَ: 2/ 112.

الإنسان (76) 24 فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَ لٰا تُطِعْ ...: 1/ 280،

290،

597.

الأعلى (87) 4 وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعىٰ: 2/ 226.

الشمس (91) 9 قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا: 3/ 6.

الضحى (93) 11 وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ: 2/ 824.

الانشراح (94) 6 إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً*: 2/ 490.

القدر (97) 1 إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: 1/ 225.

2 وَ مٰا أَدْرٰاكَ مٰا لَيْلَةُ الْقَدْرِ: 1/ 225.

3 لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ: 1/ 225.

البينة (98) 7 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ: 1/ 61.

العاديات (100) 1 وَ الْعٰادِيٰاتِ ضَبْحاً: 2/ 564.

النصر (110) 1 إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ وَ الْفَتْحُ: 3/ 141.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 415

فهرس الروايات الشريفة

حرف الالف آفة الزعماء ضعف السياسة: 2/ 119.

آفة العمران جور السلطان: 2/ 119.

آفة الوزراء خبث السريرة: 2/ 119.

آفة الرئاسة سعة الصدر: 2/ 119.

آمركم بأربع و أنهاكم عن أربع: 4/ 60.

آمره بتقوى اللّه في سرائر أمره: 2/ 698.

... آمرهم بالمعروف و أنهاهم عن المنكر:

2/ 273.

آيتان إحداهما لنا و الأخرى لكم: 1/ 432.

الأئمة من قريش: 1/ 265، 268.

أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون: 1/ 516.

ابتدر الناس إلى قراب سيف رسول اللّه: 3/ 504.

... أبو العيال أحق بحمله: 2/ 832.

أتى رجل عليا «ع» فقال: 3/ 96.

أتى النبيّ «ص» رجل، فقال: إني زنيت:

2/ 388.

... أ تأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين: 2/ 682.

... أ تأمرونّي أن أطلب النصر بالجور: 2/ 194، 671.

... أ تأمرونّي- ويحكم- أن أطلب النصر بالجور:

2/ 670.

أتت امرأة أمير المؤمنين «ع» فقالت: 2/ 494.

اتّقوا الحكومة، فإن الحكومة: 1/ 138، 297، 335، 386، 435، 448، 454؛ 2/ 18، 142، 149، 150.

... أ تخون المسلمين: 2/ 192، 684.

أ تدري من أين دخل على الناس الزنا:

3/ 75؛ 4/

122.

أ ترى اللّه أعطى من أعطى: 3/ 40؛ 4/ 297.

أ ترون الأمر إلينا نضعه حيث نشاء: 1/ 392.

... أ تشفع في حدّ من حدود اللّه: 1/ 392.

... أ تشهد أن لا إله إلّا اللّه: 2/ 601.

أ تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم: 1/ 50، 56.

... أتمّ الآية ... فإذا رأينا هؤلاء الذين: 1/ 117.

أتي أمير المؤمنين «ع» برجل أصاب حدّا:

2/ 406.

أتي أمير المؤمنين «ع» برجل قد تكفّل: 2/ 432، 491.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 416

أتي أمير المؤمنين «ع» برجل نصراني كان أسلم:

2/ 267.

أتي أمير المؤمنين «ع» برجل وجد تحت فراش:

2/ 325.

أتي أمير المؤمنين «ع» بطرّار قد طرّ دراهم:

2/ 497.

أتي رسول اللّه «ص» برجل دميم قصير: 2/ 406.

اجعلوا بينكم رجلا ممن قد عرف حلالنا و حرامنا:

2/ 99، 177.

اجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال: 2/ 566.

... اجلس، أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة:

2/ 388.

اجلس في مسجد المدينة: 2/ 95.

... اجلسوا، نعم لا حكم إلّا للّه كلمة حق:

2/ 806.

أجلّ الملوك من ملك نفسه و بسط العدل:

1/ 199.

أجيزوا (أقيلوا خ. ل) لأهل المعروف: 2/ 402.

أحبّ الناس إلى اللّه يوم القيامة: 1/ 198، 202.

... احبس هذا الغلام فلا تحدث فيه حدثا:

2/ 479.

احبسوا هذا الأسير و أطعموه: 2/ 460.

... احتفظ به ثم غضب و قال ما أقبح بالرجل منكم: 2/ 389.

الاحتكار داعية الحرمان: 2/ 623.

الاحتكار رذيلة: 2/ 623.

الاحتكار شيمة الفجّار: 2/ 623.

الاحتكار في عشرة و المحتكر ملعون: 2/ 640.

أحرق لي عليّ بن أبي طالب بيادر بالسواد:

2/ 266، 332، 627.

احفظوني في ذمّتي: 3/ 370.

... احلف لهم ... فاحلف لهم: 4/ 263.

... احلت؟ يا أبا محمد!: 3/ 56، 340.

أحلّ لي الخمس لم يحلّ لأحد قبلي: 3/

149؛ 4/ 3.

احمدوا اللّه إذ رفع عنكم العشور: 4/ 273.

... أخبروه أنّه إن أتاني مسلما رددت عليه:

2/ 795.

اختار محمدا و أهل بيته: 1/ 392.

... اختاروا إحدى الطائفتين: 3/ 152.

أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا: 1/ 387.

أخذ ميراثه فجعل في بيت مال المسلمين: 4/ 21.

... أخذت بجريرة حلفائك: 3/ 277.

أخذته و اللّه من بين يديه و من خلفه: 1/ 213.

اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا: 2/ 558.

... أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا: 1/ 516؛ 2/ 571، 572.

... أخرجوهم من بيوتكم: 2/ 324، 325.

... أخّروهنّ من حيث أخرهنّ اللّه: 1/ 336.

إخلاص العمل و النصيحة لوليّ الأمر: 2/ 773.

... ادخلوا اثنين اثنين ... أنت في حلّ: 4/ 124.

أدّوا الخيط و المخيط: 3/ 168.

ادرءوا الحدود بالشبهات: 2/ 313، 391.

ادرءوا الحدود عن المسلمين: 1/ 144؛ 2/ 152، 391.

... ادركا المرأة: 2/ 741.

... ادع لي قومك: 3/ 321.

ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا: 3/ 391.

أدقّوا أقلامكم و قاربوا بين سطوركم: 4/ 297.

أدنى الإنكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة:

2/ 238.

إذا آوى إلى منزله جزّأ دخوله: 2/ 811.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 417

إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد: 1/ 145؛ 2/ 506.

إذا اختلط الذكي و الميتة: 3/ 453.

إذا أخذ السارق قطعت يده من وسط: 2/ 513.

إذا أخذت أسيرا فعجز: 1/ 131؛ 3/ 264.

إذا أخذت الجزية من أهل الكتاب: 3/ 446.

إذا أدرك الصغار و طلبوا: 1/ 133.

إذا أراد اللّه بالأمير خيرا: 2/ 111.

إذا أراد اللّه- عزّ و جلّ- برعية خيرا: 2/ 112.

إذا أراد اللّه بعبد خيرا فقهه في الدين: 1/ 21.

إذا أراد اللّه بقوم خيرا ولى عليهم: 1/ 203، 286؛ 2/ 153.

إذا ارتدّت

المرأة عن الإسلام: 2/ 518.

إذا ارتدّت المرأة فالحكم فيها: 2/ 519.

إذا استولى اللئام اضطهد الكرام: 2/ 120.

إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا: 2/ 529.

إذا أمسك الرجل الرجل و قتله الآخر: 2/ 526، 527.

إذا أنزلت بكم حادثة: 1/ 20.

... إذا بلغ قيمته دينارا: 3/ 66.

إذا بنى الملك على قواعد: 1/ 199.

إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما: 1/ 412.

إذا تحمل الرجل بوجه الرجل: 2/ 492.

إذا جئت قالوا قد جاء المرد شكنبه: 2/ 268.

إذا حكم الحاكم فاجتهد: 2/ 76.

إذا خرج ثلاثة في سفر: 1/ 186، 510.

إذا خرج القائم «ع» قتل ذراريّ قتلة الحسين «ع»: 2/ 236.

إذا رأيت العالم يخالط: 1/ 620.

... إذا رأيتم الجنازة فقوموا: 2/ 724.

إذا رأيتم من ولاتكم شيئا: 1/ 300.

إذا سرق السارق في البيدر: 1/ 143.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 417

... إذا سمعتم مؤذنا أو رأيتم: 3/ 376.

إذا شهد عند الإمام شاهدان: 1/ 96، 598، 604.

... إذا صدقاكم ضربتموهما و إذا كذباكم:

2/ 386، 557.

إذا ضرب أحدكم فليتّق الوجه: 2/ 410.

... إذا عجز اربابها عنها: 3/ 200.

... إذا علمت أنّ من ذلك شيئا واحدا:

3/ 127.

إذا غزا قوم بغير إذن الإمام: 3/ 151، 237؛ 4/ 63.

إذا قام الخليفة مصرا من الأمصار: 1/ 298.

إذا قامت البينة فليس للإمام: 1/ 141.

إذا قرأت كتابي فنحّ ابن هرمة: 2/ 452، 499.

إذا قطع الطريق اللصوص: 2/ 427، 532.

... إذا كان عند غيرك فلا بأس: 2/ 634، 645.

إذا كان في الحدّ لعلّ أو عسى فالحدّ معطل:

2/ 391.

... إذا كان القيم به مثلك و مثل

عبد الحميد فلا بأس: 2/ 204.

... إذا كان كذا فبعه و تصدّق بثمنه: 3/ 125.

إذا كان مع الرجل أفراس في الغزو: 3/ 162.

إذا كان يعرف صاحبها فليؤدّ: 4/ 248.

إذا كان يوم القيامة نادى: 1/ 297، 615.

... إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس: 4/ 168، 169.

... إذا كانت الضيعة له فلا بأس: 4/ 168.

إذا كانت أمراؤكم خياركم: 1/ 355، 497، 2/ 33.

... إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا: 3/ 354.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 418

إذا كفل الرجل حبس إلى أن يأتي صاحبه:

2/ 491.

إذا لقيت عدوّك: 3/ 385.

إذا لقيتم عشّارا فاقتلوه: 4/ 260.

إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة: 1/ 471.

إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة:

1/ 472.

إذا مشى يتقلّع كأنّما يمشي: 2/ 790.

إذا ملك الأراذل هلك الأفاضل: 2/ 120.

إذا نابكم في الصلاة شي ء: 1/ 336.

إذا نظرت في كتابي هذا فامض: 2/ 555.

إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه: 2/ 336.

إذا ولد المولود في أرض الحرب: 3/ 165.

إذا لا يكذب علينا: 1/ 429.

... اذهب فاطرحهما عنك: 2/ 336.

... أرى أن لا يقتل به و لا يغرم ديته: 1/ 146.

... أرى أن يحبس الذين خلصوا: 1/ 145، 2/ 531.

أرى تراثي نهبا: 1/ 469.

... أ رأيت إن جعلت لكم ثلث: 2/ 47.

أ رأيت إن هم أبوا الجزية: 3/ 165.

أربعة أخماس الغنيمة: 3/ 160.

أربعة لا قطع عليهم المختلس: 2/ 495.

أربع من كنّ فيه فهو منافق: 2/ 733.

... ارث ماله: 4/ 94.

الأرض كلّها لنا: 4/ 130.

... ارفع إزارك فإنّه أنقى لثوبك: 2/ 269.

اركبوا و ارموا و أن ترموا: 2/ 759.

استرشدوا العاقل و لا تعصوه: 2/ 34.

استشر العاقل من الرجال الورع: 2/ 39.

استشر في أمرك الذين

يخشون: 2/ 39.

استعمل رسول اللّه (ص) سعيد بن سعيد: 2/ 265.

استعمل العدل و احذر العسف: 2/ 187.

استعملتموه حتى إذا كبر و عجز منعتموه: 2/ 723.

استعملني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع»:

3/ 431.

أسد حطوم خير من سلطان ظلوم: 1/ 176؛ 4/ 109.

... أ سرقت؟ قل لا إن شئت: 2/ 379.

... اسق أنت يا زبير: 2/ 206.

... اسكنوا ما سكنت السماء و الأرض: 1/ 249.

... إسلامه إسلام لنفسه: 3/ 354.

الإسلام و السلطان أخوان توأمان: 1/ 195.

الإسلام يجبّ ما قبله: 3/ 455، 458.

الإسلام يعلو و لا يعلى عليه: 1/ 288؛ 2/ 149.

... أسمعت بلالا نادى ثلاثا؟: 3/ 158.

اسمعوا و أطيعوا، فإنّما عليهم: 1/ 581.

اسمعوا و أطيعوا لمن ولّاه: 1/ 185؛ 2/ 549، 777.

اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي: 1/ 219.

الأسير إذا أسلم فقد حقن دمه: 3/ 277، 359.

اشترى عليّ قمصين سنبلانيين: 2/ 831.

... اشترى حقّه فيها: 3/ 198.

... اشتر لنا شعيرا فاخلطه: 2/ 654.

... اشترها، فإن لك من الحق: 3/ 200، 215، 222، 234، 467، 498.

... أشدّ الجلد ... بل تخلع ثيابه: 2/ 408.

... أشدّ الجلد ... بل يجرّد: 2/ 408.

... أشر عليّ برجل له فضل و أمانة: 2/ 34.

... أشركتك في أمانتي و جعلتك: 2/ 676.

اشفعوا إليّ و يقضي اللّه: 2/ 403، 420.

أشهد أنّ رسول اللّه «ص» قضى: 4/ 163.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 419

أشهد أنّك قد أقمت الصلاة: 1/ 189، 313؛ 2/ 228، 254.

أشيروا عليّ أيّها الناس: 2/ 44.

... أشيروا عليّ، أ ترون أن نميل: 2/ 50.

أصلح وزيرك، فإنّه الذي يقودك: 2/ 123.

... أ صلّيت معنا؟ ... إنّ الحسنات: 2/ 312.

... اضرب و أعط كلّ عضو حقّه: 2/

410.

... اضربه و أعط كلّ عضو حقّه: 2/ 411.

اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض: 2/ 35.

... اطلبوه فاقتلوه: 2/ 742.

اطلعت في النار فرأيت واديا: 2/ 621.

... أطلقوا ثمامة: 3/ 260.

... أظهروا من رديّ بيعكم ما تظهرون من جيده:

2/ 268.

... أعاذك اللّه من إمارة السفهاء: 1/ 614.

اعتبروا أيها الناس بما وعظ اللّه: 1/ 311.

... أعجبك يا أبا وهب! هذا الشعب؟: 3/ 146.

أعرف الناس باللّه أعذرهم للناس: 2/ 400.

اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة: 1/ 69، 529.

اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر رواياتهم:

1/ 482.

أعطى رسول اللّه «ص» خيبر: 3/ 58، 203.

أعطى النبي «ص» بلال بن الحارث المزني:

4/ 80.

أعطاني رسول اللّه «ص» سهمين: 3/ 161.

... أعط المال همشاريجه: 4/ 92.

أعطوا لقيصر ما لقيصر و ما للّه للّه: 2/ 24.

... أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته: 4/ 93.

أعطيت خمسا ... و احلّ لي: 4/ 3.

اعلم أنّ مقدمة القوم عيونهم: 2/ 566.

اعلم يا رفاعة، إنّ هذه الإمارة أمانة: 2/ 133.

... اغد عليّ بها: 2/ 335.

... أف أف، ما أنا لهؤلاء بإمام: 1/ 231.

... أ فتّان أنت؟ يا معاذ!: 2/ 294.

افتتح رسول اللّه خيبر: 3/ 203؛ 4/ 27.

أفتخر يوم القيامة بعلماء أمّتي: 1/ 468.

أفضل الجهاد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:

2/ 273.

أفضل شهداء أمّتي رجل قام إلى إمام: 2/ 274.

أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب: 1/ 587.

أفضل الملوك من أعطي ثلاث خصال: 2/ 808.

أفضل الملوك من حسن فعله و نيّته: 1/ 199.

أفضل ما منّ اللّه سبحانه به على عباده: 1/ 166، 199.

... أفضل ما يتقرب به العباد إلى اللّه: 2/ 776.

أفضل من شاورت ذو التجارب: 2/ 40.

أفضل الناس رأيا من لا يستغني عن رأي مشير:

2/ 36.

... أفلحت يا قديم، إن متّ:

2/ 575.

... أ فيك خير تبايع: 3/ 291.

أ فينبغي أن يكون الخليفة على الأمّة: 1/ 303.

... إقامة الحدود إلى من إليه الحكم: 1/ 140؛ 2/ 204، 219.

... إقامة الحدود. إن وجد الزاني: 2/ 409.

اقبل أعذار الناس تستمتع بإخائهم: 2/ 400.

اقتدوا باللذين من بعدي: 2/ 516.

اقتلوا المشركين و استحيوا شيوخهم: 3/ 422.

... اقتلوه ... اقطعوه ... اقتلوه: 2/ 516.

أقرب ما يكون العبد إلى الكفر: 2/ 542.

... اقض على هذا كما وصفت لك: 2/ 164، 174.

أقضاهم علي بن أبي طالب (ع): 2/ 179.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 420

... اقضوا يوما فإنّ الشهر تسعة و عشرون 2/ 603.

... أقطع رسول اللّه «ص» فاطمة فدك 3/ 329.

أقل العثرة و ادرء الحدّ، و تجاوز: 2/ 399.

أقم الناس على سنّتهم: 2/ 570.

أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم: 2/ 314، 398.

أقيلوا ذوي الهناة عثراتهم: 2/ 314.

أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم: 2/ 313، 321، 403، 419.

... اكس عمّك ... أو ليس هذا: 2/ 681.

... ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان: 2/ 687.

ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم: 1/ 60؛ 2/ 84.

ألا تبايعوني على الإسلام: 1/ 524.

ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به: 1/ 605؛ 2/ 253.

... ألا تسخطون و تنقمون: 1/ 307.

ألا فالحذر الحذر من طاعة: 1/ 598؛ 2/ 781.

ألا لا يتبع مولّ و لا يجهّز على جريح: 2/ 398، 805.

ألا لا يذافّ على جريح: 3/ 293.

ألا من ظلم معاهدا: 2/ 722؛ 3/ 448، 449.

ألا و إنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان: 3/ 357.

ألا و كل قطعة أقطعها عثمان: 2/ 688.

ألا و من علّق سوطا بين يدي سلطان: 1/ 615.

الزم الأرض و لا تحرك يدا و لا رجلا: 1/ 252.

...

الزمه ... يا أخا بني تميم ما تريد: 2/ 423.

الزموا الأرض و اصبروا على البلاء: 1/ 250.

ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم: 4/ 146.

أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم: 1/ 45.

... أ لك حاجة؟: 2/ 793.

إلّا أن أقيم حقّا أو أدفع باطلا: 2/ 23.

إلّا أن تروا كفرا: 1/ 581.

اللّه أجلّ و أكرم من أن يترك: 1/ 422.

اللّه اللّه في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم: 2/ 498.

اللّه مع القاضي ما لم يجر: 2/ 188.

اللّهم ارحم خلفائي: 2/ 89، 107، 173.

اللّهم إنّك تعلم أنه لم يكن: 2/ 13.

اللّهم إنّ هذا المقام لخلفائك: 1/ 80.

اللّهم خذ العيون و الأخبار عن قريش: 2/ 740.

اللّهم صلّ على محمد و آل محمد: 4/ 297.

الهوا و العبوا، فإنّي أكره أن يرى: 2/ 759.

... أ ليست نفسا: 2/ 724؛ 3/ 470.

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون: 1/ 45.

... أمّا الرطبة فليس عليك: 3/ 16.

أما لكم من مفزع: 2/ 94.

أما و الّذي فلق الحبة: 1/ 191.

إمام عادل خير من مطر وابل: 1/ 166، 199.

الإمام الجائر خير من الفتنة: 1/ 176.

الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما: 1/ 381، 392.

الإمام وارث من لا وارث له: 4/ 21.

الإمام يأخذ الجارية الروقة: 4/ 59.

الإمام يجري و ينفل: 3/ 137، 355؛ 4/ 10.

الإمام يحلل حلال اللّه و يحرّم حرام اللّه: 1/ 386.

الإمام يقضي عن المؤمنين الديون: 1/ 100.

... إمامهم الذي بين أظهرهم: 1/ 200، 243.

الإمامة نظام الأمّة: 1/ 410.

... أمر الناس أن يصوموا: 2/ 603.

... الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء: 1/ 515.

أمر رسول اللّه «ص» الزبير بن العوام أن يعذب:

2/ 385.

أمر علي «ع» بهدم دار حنظلة: 2/ 576.

أمر علي «ع» مناديه فنادى: 3/ 305.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه

الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 421

أمرت أن أقاتل الناس: 2/ 711؛ 3/ 277، 368، 375، 376.

... أمرني أن أقسّمها: 1/ 209.

... أ مسلمان أنتما ... فامر: 2/ 602.

... أمّا الذي قتل فيقتل و أمّا: 2/ 525.

... إمّا أن ترجع إلى المناكحة و إمّا: 2/ 387.

أمّا بعد فاستخلف على عملك: 2/ 554.

أمّا بعد فأقم للناس الحج: 2/ 96، 812.

أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة: 1/ 556.

أمّا بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة:

1/ 114؛ 2/ 763.

أمّا بعد فإنّ حقّا على الوالي: 2/ 774، 800.

أمّا بعد فإنّ دهاقين أهل بلادك: 2/ 802.

أمّا بعد فإنّ صلاح أبيك غرني منك: 2/ 338، 553، 688.

أمّا بعد فإنّ عيني بالمغرب كتب: 2/ 565.

أمّا بعد فإنّك دسست الرجال: 2/ 743.

أمّا بعد فإنّي كنت أشركتك: 2/ 675.

... أمّا بعد فتبّا لكم أيّتها الجماعة: 1/ 606.

أمّا بعد فالعجب كل العجب: 2/ 677.

أمّا بعد فقد بعثت إليكم عبدا: 1/ 326؛ 2/ 775.

أمّا بعد فقد بلغني عنك قول: 2/ 553.

أمّا بعد فقد بلغني عنك أمر: 2/ 552، 674.

أمّا بعد فقد بلغني موجدتك: 2/ 553.

أمّا بعد فقد جعل اللّه- سبحانه- لي عليكم:

2/ 195، 773.

أمّا بعد فقد علمتما- و إن كتمتما- أنّي: 1/ 519.

أمّا بعد يا بن حنيف، فقد بلغني: 2/ 552، 825.

أمّا ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبّتك: 1/ 478.

... أمناء الرسل: 1/ 477.

... الأمناء على حلاله: 1/ 314.

أمير الجيش زيد بن حارثة فإن قتل: 1/ 510.

... أمن عليك حتى ترجع: 3/ 261.

أنا أعلم الناس بالمجوس: 3/ 382.

... أنا أفعله: 2/ 639.

أنا أولى برسول اللّه «ص»: 1/ 306، 322.

أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه: 1/ 41؛ 2/ 696؛ 4/ 86.

... أنا نقيبكم: 2/ 572.

أنا وارث من لا

وارث له: 4/ 84، 94.

إن أتاكم آت منّا فانظروا: 1/ 607.

إن استطعت أن لا يعرفن: 1/ 348.

إن أعطيتم الخمس و سهم النبيّ: 4/ 56.

... أن أقم الحد فيهم على المسلم: 3/ 387، 482.

إن أمّر عليكم عبد مجدّع: 1/ 373؛ 2/ 780.

... إن تاب فما عليه شي ء: 1/ 141.

إن تولّوها عليّا تجدوه هاديا مهديّا: 1/ 506.

... إن شاء أولياؤه قتلوهم جميعا: 1/ 145؛ 2/ 451، 505.

إن شئتم فآجروه و إن شئتم: 2/ 489.

... إن قاتلوا عليها مع أمير: 1/ 130؛ 3/ 157؛ 4/ 35، 63.

... إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجي ء: 3/ 190.

إن كان الرجل الميّت يوالي: 4/ 84.

إن كان الطعام كثيرا يسع الناس: 2/ 633، 645.

... إن كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا: 2/ 341.

... إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه:

1/ 146.

... إن كان له مال أخذت الدية: 1/ 149؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 422

2/ 505.

... إن كان المملوك له أدّب و حبس: 2/ 453، 510.

... إن كنت كاذبا فلا أماتك اللّه: 3/ 308.

ان لا تجهزوا على جريح: 3/ 313.

... أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني: 2/ 561.

... أن لا يقتل مقبل و لا مدبر: 3/ 301.

إن لقيتم عاشرا فاقتلوه: 4/ 260.

... إن نزلتم بقوم فامروا: 3/ 444.

إن وجد قتيل بأرض فلاة أدّيت: 1/ 148.

... إن وهبوا دمه ضمنوا ديته: 1/ 100.

... ان يؤخذ من العسل: 3/ 18.

... إن يثبت عليه الجرم بإقرار أو بينة: 2/ 381.

أنبئت بسرا قد اطّلع اليمن: 2/ 774.

... أ نبرز لهم من المدينة أم نكون: 2/ 47.

الأنبياء و أوصياؤهم لا ذنوب لهم: 1/ 381.

... أنت رسولي إليهم في هذا: 1/ 429.

...

أنت سرق، فباعني بأربعة أبعرة: 2/ 490.

... أنت في حلّ ... أحدهم يثب على أموال:

3/ 81.

أنت مني بمنزلة هارون من موسى: 1/ 44.

أنتم وفيتم سبعين أمة أنتم خيرها: 2/ 226.

الأنصار أعفة صبر و الناس تبع لقريش: 1/ 376.

الإنصاف زين الإمرة: 2/ 119.

انصر أخاك ظالما أو مظلوما: 2/ 316.

... انطلق إلى بني قريظة فانظر: 2/ 561.

... انطلق فادخل في الناس: 2/ 564.

... انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله: 2/ 334.

... انظر إلى أهل المعك و المطل: 2/ 198.

انظر خراجك فجدّ فيه و لا تترك منه درهما:

2/ 803؛ 3/ 501.

انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا: 2/ 160، 177.

انظروا أهل بيت نبيّكم: 1/ 60.

... انظروا في القرآن فما كان: 4/ 85.

انظروا لأنفسكم فو اللّه إن الرجل: 2/ 117.

... انظروا هل من وارث: 4/ 93.

الأنفال للّه و للرّسول «ص» و هي كل أرض:

4/ 33.

الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب: 4/ 16، 32.

... انكر رسول اللّه «ص» قتل النساء و الصبيان:

3/ 257.

انه عن الحكرة فمن ركب النهي فأوجعه: 2/ 622.

انّ الأئمة في كتاب اللّه- عزّ و جلّ- إمامان: 1/ 81.

انّ الأئمة من قريش غرسوا: 1/ 374.

... انّ أبا اليقظان كان رجلا: 3/ 294، 306.

انّ أحبّ الناس إلى اللّه يوم القيامة: 2/ 188.

انّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه: 1/ 65.

انّ أداء الصلاة و الزكاة و الصوم: 1/ 432.

انّ أرض الجزية لا ترفع: 3/ 465.

انّ الأرض كلّها لنا فما أخرج: 4/ 74.

انّ الأرض للّه- تعالى- جعلها وقفا: 4/ 20، 100، 191، 214، 249.

انّ أشدّ ما فيه الناس يوم القيامة: 3/ 76؛ 4/ 123.

انّ الأشلّ إذا سرق قطعت: 2/ 514.

انّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر:

2/ 228، 245.

انّ

اللّه أجلّ و أعظم من أن يترك الأرض:

1/ 200.

ان اللّه بعث محمدا «ص»: 3/ 377.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 423

انّ اللّه- تبارك و تعالى- اتخذ إبراهيم عبدا: 1/ 36.

انّ اللّه- تبارك و تعالى- أنزل في القرآن: 1/ 169.

... انّ اللّه- تبارك و تعالى- بعث جبرئيل:

3/ 221؛ 4/ 130.

... انّ اللّه- تبارك و تعالى- سيؤيد هذا الدين:

3/ 219.

انّ اللّه- تبارك و تعالى- قد حرّم دماءكم:

2/ 545.

انّ اللّه- تبارك و تعالى- لم يدع شيئا: 1/ 169.

انّ اللّه- تبارك و تعالى- مع السلطان: 1/ 387.

انّ اللّه- تعالى- جعل الإسلام: 2/ 714.

انّ اللّه- تعالى- هو القابض و الباسط: 2/ 282.

انّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما: 3/ 78، 357؛ 4/ 132.

انّ اللّه جعل لكلّ شي ء حدّا: 2/ 328.

انّ اللّه جعلني إماما لخلقه: 2/ 822.

انّ اللّه حدّ حدودا فلا تعتدوها: 2/ 328، 368.

انّ اللّه حرّم من المسلم دمه و عرضه: 2/ 541.

إنّ اللّه خلق آدم من طين كيف يشاء: 1/ 392.

انّ اللّه رفيق يحبّ كلّ رفيق: 2/ 302.

انّ اللّه- سبحانه- فرض في أموال الأغنياء: 2/ 15.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- تطوّل على عباده: 2/ 627.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- خلق الجنّة طاهرة: 1/ 366.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض الزكاة: 3/ 28.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض على الأغنياء: 3/ 29.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- فرض للفقراء: 3/ 28.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- لا يعذّب العامة: 1/ 601؛ 2/ 234.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- و كلّ بالسعر: 2/ 662.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- يؤيد هذا الدين: 3/ 219.

انّ اللّه- عزّ و جلّ- يمتحن الأوصياء: 3/ 239.

انّ اللّه فرض الجهاد و عظّمه: 1/ 114؛ 2/

710.

انّ اللّه فرض طاعتنا في كتابه: 4/ 59.

انّ اللّه فرض على أئمة العدل: 1/ 331.

انّ اللّه قد جعل لكلّ شي ء حدّا و جعل: 2/ 307، 310، 315.

انّ اللّه لا يجمع أمتي ... على الضلالة: 1/ 554؛ 2/ 66.

انّ اللّه لا يعجل لعجلة العباد: 1/ 236.

انّ اللّه لا ينتزع العلم انتزاعا و لكن: 1/ 487.

انّ اللّه لمّا فتح على نبيّه: 3/ 329.

انّ اللّه ليؤيّد هذا الدّين بقوم: 1/ 176، 586.

انّ اللّه ليدخل بالسهم: 2/ 760.

... انّ اللّه هو المسعّر القابض: 2/ 663.

انّ اللّه و كلّ بالأسعار ملكا: 2/ 663.

انّ اللّه يعذّب الذين يعذّبون الناس في الدنيا:

2/ 376؛ 3/ 503.

انّ اللّه يعذّب الذين يعذّبون في الدنيا: 3/ 502.

انّ اللّه ينصر هذا الدّين: 3/ 219.

انّ الّتي أمر بها رسول اللّه: 2/ 335.

انّ الذين يعذّبون الناس: 3/ 506.

انّ الإمام أبو اليتامى و إنّما: 2/ 573، 699.

... انّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا: 1/ 98؛ 3/ 32.

انّ الإمامة زمام الدين و نظام المسلمين: 1/ 185، 387، 599؛ 2/ 17، 549.

انّ امرأة استعدت على زوجها: 2/ 490.

انّ امرأة استعدت عليّا «ع» على زوجها: 2/ 470، 490.

انّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة: 2/ 66.

انّ الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم:

2/ 377، 544.

انّ أمير المؤمنين «ع» أتي برجل اختلس: 2/ 326،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 424

449، 495.

انّ أمير المؤمنين «ع» أتي برجل عبث بذكره:

2/ 266.

انّ أمير المؤمنين «ع» ألقى صبيان الكتّاب:

2/ 267، 359.

انّ أمير المؤمنين «ع» أمر قنبرا أن يضرب:

2/ 369.

انّ أمير المؤمنين «ع» حلّلهم من الخمس: 4/ 122.

انّ أمير المؤمنين «ع» رأى قاصّا في المسجد:

2/ 267.

انّ أمير المؤمنين «ع» رفع إليه رجل عذّب عبده:

2/ 341، 453،

509.

انّ أمير المؤمنين «ع» صاحب رجلا: 2/ 803.

انّ أمير المؤمنين «ع» قال: من أقرّ عند تجريد:

2/ 378، 584.

... انّ أمير المؤمنين «ع» قد سار: 3/ 238، 464.

انّ أمير المؤمنين «ع» كان لا يرى الحبس: 2/ 484.

انّ أمير المؤمنين «ع» كان يأمر: 2/ 488.

انّ أمير المؤمنين «ع» كان يحبس ثلاثة: 2/ 457.

انّ أناسا كانوا على عهد رسول اللّه «ص»:

1/ 187؛ 2/ 334.

انّ الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما: 1/ 470.

انّ الأنفال ما كان من أرض: 3/ 351؛ 4/ 17، 33.

انّ أهل الطائف أسلموا: 3/ 142.

انّ أولى الناس بالأنبياء: 1/ 468.

انّ أوّل ما استحلّ الأمراء العذاب: 2/ 380.

إنّ أوّل ما دخل النقص على بني إسرائيل:

1/ 602.

انّ بني تغلب أنفوا من الجزية: 3/ 94، 436.

انّ بني قريظة نزلوا من حصنهم: 3/ 256.

انّ التقية جنّة المؤمن: 1/ 193، 234.

انّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين «ع»: 2/ 524.

انّ جبرئيل كرى برجله: 4/ 99.

انّ الحجاج طلبه و قال: تلعن أبا تراب: 2/ 255.

انّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء:

1/ 444.

انّ الحلم بمنزلة الظلّ، فإن شئت: 2/ 269.

انّ خليلي أوصاني أن أسمع و أطيع: 2/ 779.

انّ الخمس و الفي ء و الأنفال للإمام: 4/ 24.

انّ دار الشرك يحلّ ما فيها: 3/ 306.

... انّ الدية على ورثته فإن لم يكن له: 1/ 149.

انّ ربّي- تبارك و تعالى- استشار: 2/ 49.

انّ رحى الإسلام ستدور: 1/ 604؛ 2/ 254.

انّ رجلا أتى أمير المؤمنين «ع»: 3/ 95.

انّ رجلا استعدى عليّا «ع» على رجل: 2/ 392.

انّ رجلا كفى لرجل بنفس رجل: 2/ 491.

انّ رجلا نزل بأمير المؤمنين «ع»: 2/ 198.

إنّ رسول اللّه «ص» أتي باليهودية: 2/ 397، 794.

انّ رسول اللّه «ص» افتتح خيبر: 3/ 201.

انّ رسول

اللّه «ص» أمر بالنزول: 3/ 444.

انّ رسول اللّه «ص» بعث جيشا: 1/ 299، 591.

انّ رسول اللّه «ص» بعث خالد: 3/ 381.

انّ رسول اللّه «ص» بعثه: 3/ 429.

انّ رسول اللّه «ص» خرج بالنساء: 3/ 165، 353.

انّ رسول اللّه «ص» سجن في المدينة: 2/ 382، 478.

انّ رسول اللّه «ص» ضرب في الخمر ثمانين:

2/ 363.

انّ رسول اللّه «ص» عامل أهل خيبر: 3/ 203.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 425

انّ رسول اللّه «ص» عرضهم: 3/ 255.

انّ رسول اللّه «ص» قال لأبي ذرّ ...: و إخراج الخمس: 3/ 71.

انّ رسول اللّه «ص» قال: ثلاث لا يغلّ: 1/ 183.

انّ رسول اللّه «ص» قال: من ضرب الناس:

1/ 219.

انّ رسول اللّه «ص» قال: يا فلان، إن المسلمين:

2/ 263.

انّ رسول اللّه «ص» قبل الجزية: 3/ 480.

انّ رسول اللّه «ص» قضى أنّ الأرض: 4/ 153.

انّ رسول اللّه «ص» كان إذا أتاه: 3/ 359.

انّ رسول اللّه «ص» كان إذا بعث: 3/ 255.

انّ رسول اللّه «ص» لم يورث: 2/ 820.

انّ رسول اللّه «ص» لمّا أفاء: 3/ 196، 204.

انّ رسول اللّه «ص» لمّا ظهر: 3/ 204.

انّ رسول اللّه «ص» لمّا فرغ: 3/ 330.

انّ رسول اللّه «ص» مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم:

2/ 263.

انّ رسول اللّه «ص» نهى عن إحداث الكنائس:

3/ 483.

انّ رسول اللّه «ص» و أبا بكر و عمر: 2/ 337.

إنّ السلطان لأمين اللّه في الأرض: 1/ 198.

إنّ سمرة بن جندب كان له عذق: 2/ 28.

إنّ السنّة لا تقاس: 2/ 69.

انّ شرّ وزرائك من كان للأشرار: 2/ 118.

انّ صاحب المكس في النار: 4/ 261.

انّ عاديّ الأرض للّه و لرسوله: 4/ 154.

إنّ عبد اللّه بن سبا كان يدعي النبوة: 2/ 511.

إنّ العرافة حقّ و لا بدّ

للناس: 2/ 572.

إنّ على الإمام أن يخرج المحبسين: 1/ 94.

انّ على كلّ إنسان منكم: 3/ 429.

إنّ العلماء ورثة الأنبياء و ذاك: 1/ 468.

انّ عليّ بن أبي طالب «ع» ... أحرق طعاما:

2/ 266، 332، 627.

إنّ عليّ بن أبي طالب «ع» كان يلبس: 2/ 823.

انّ عليّ بن أبي طالب «ع» لمّا قتله: 2/ 493.

انّ عليا أتي برجل عبث بذكره: 2/ 266.

انّ عليا «ع» أتي برجل كفى برجل: 2/ 491.

انّ عليا «ع» أتي بسارق فقطع يده: 2/ 517.

انّ عليا «ع» أجاز أمان عبد مملوك: 2/ 726.

انّ عليا «ع» حبس متّهما بالقتل: 2/ 457.

انّ عليا «ع» رفع إليه أن رجلا اختلس: 2/ 495.

انّ عليا «ع» قال: إذا ولد المولود: 3/ 354.

انّ عليا «ع» قال: إنّما الحبس: 2/ 478.

انّ عليا «ع» قال: لا يصلح الحكم: 1/ 140.

انّ عليّا «ع» قضى في أربعة تباعجوا: 2/ 457.

انّ عليّا «ع» قضى في الدّين أن يحبس: 2/ 457.

انّ عليّا «ع» كان إذا أخذ شاهد زور: 2/ 326، 452، 499.

انّ عليّا «ع» قال: كان لي أن أقتل المولّي 3/ 295.

انّ عليّا «ع» كان يجعل للفارس: 3/ 162.

انّ عليّا «ع» كان يحبس في الدين: 1/ 133؛ 2/ 432، 486.

انّ عليّا «ع» كان يخرج أهل السجون: 2/ 473.

انّ عليّا «ع» كان يخرج الفساق: 2/ 474.

انّ عليّا «ع» كان يسهم للفارس: 3/ 162.

انّ عليّا «ع» كان يطعم من خلد: 2/ 460.

انّ عليّا «ع» كان يفلّس الرجل: 1/ 133.

انّ عليّا «ع» كان يقول لا أجيز في الهلال:

2/ 597.

انّ عليّا «ع» كان يقول لا قطع على أحد يخوّف:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 426

2/ 378.

انّ عليّا «ع» لم يكن ينسب أحدا: 2/ 806.

انّ عليّا «ع»

لما مضى لسبيله: 1/ 65، 506.

انّ عليّا «ع» هدم دار جرير و دار قوم: 2/ 337.

انّ عليّا «ع» وظف على الفقير دينارا: 3/ 424.

... إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ: 1/ 146.

... إنّ عملك ليس لك بطعمة: 1/ 79، 344؛ 2/ 676.

... إنّ عمّي كان رجلا لدنيانا و آخرتنا:

1/ 209، 607.

إنّ الغادر ينصب له لواء يوم القيامة: 2/ 734.

إنّ غلاء السعر و رخصه بيد اللّه: 2/ 663.

إنّ الفتنة إذا أقبلت شبهت: 1/ 253.

إنّ في أيدي الناس حقّا: 1/ 620.

إنّ في كتاب عليّ «ع» أنّه كان يضرب:

2/ 310.

... إنّ قائمنا «ع» لو قد قام: 3/ 234.

انّ القرآن أنزل على النبيّ «ص»: 3/ 350.

انّ القصد أمر يحبّه اللّه: 4/ 297.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 426

أنّ القوّة الرمي: 2/ 757.

إنّ قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا:

1/ 187.

انّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام:

3/ 186، 237.

إنّ للأمّ ثلثي البرّ و للأب الثلث: 1/ 346.

إنّ لصاحب المال أن يعمل بماله: 1/ 495.

إنّ للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك: 1/ 104؛ 4/ 20.

إنّ لكلّ شي ء حدّا و من تعدّى: 2/ 368.

أنّ ما أخطأت القضاة في دم أو قطع: 1/ 139؛ 2/ 365.

انّ محمّد بن أبي بكر كتب: 3/ 482.

إنّ المشورة لا تكون إلّا بحدودها: 2/ 40.

... إنّ معي من ترون: 2/ 573.

... أنّ مقامك بمكّة خير: 2/ 559.

إنّ الملائكة تحضر الرهان: 2/ 759.

إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان: 2/ 759.

إنّ ممّا استحقت به الإمامة التطهير: 1/ 384.

انّ من أسلم من المسلمين: 3/ 418.

إنّ

من أشدّ الناس عذابا: 2/ 301.

إنّ من أعظم الناس حسرة: 2/ 300.

انّ من عرف شيئا فليأخذه: 3/ 317.

انّ من مات و ليس له وارث: 4/ 92.

... انّ منكم رجالا نكلهم الى ايمانهم: 2/ 743.

... إنّ موسى و هارون «ع» كانا نبيين: 1/ 393.

انّ النبيّ «ص» استخلف ابن أمّ مكتوم:

1/ 371.

انّ النبيّ «ص» باع حرّا أفلس في دينه: 2/ 489.

انّ النبيّ «ص» بعث خالدا: 3/ 381.

انّ النبيّ «ص» بعثه ... فقال: إنّ الناس:

2/ 197.

انّ النبيّ «ص» حبس رجلا في تهمة: 2/ 382، 431، 478.

انّ النبيّ «ص» حبس في تهمة رجلا: 2/ 430.

انّ النبيّ «ص» حجر على معاذ و باع: 2/ 487.

انّ النبيّ «ص» دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر:

3/ 203.

انّ النبيّ «ص» ضرب على نصراني بمكة:

3/ 430.

انّ النبيّ «ص» ضرب على نصارى: 3/ 442، 443.

أنّ النبيّ «ص» ضرب في الخمر ثمانين: 2/ 363.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 427

إنّ النبيّ «ص» فادى جماعة من كفّار: 3/ 261.

إنّ النبيّ «ص» قال: اقتلوا: 3/ 255.

إنّ النبيّ «ص» قال: أنا أولى بكل مؤمن:

2/ 695.

أنّ النبيّ «ص» قال مخاطبا لعشيرته: 2/ 110.

إنّ النبيّ «ص» قسم يوم خيبر: 3/ 161.

إنّ النبيّ «ص» كان إذا بعث أميرا: 3/ 384.

إنّ النبيّ «ص» كان قوته الشعير: 2/ 821.

إنّ النبيّ «ص» كان يحبس في التهمة: 2/ 477.

إنّ النبيّ «ص» كان يحبس في تهمة الدم:

2/ 381، 384، 584.

انّ النبيّ «ص» كان يخطب: 3/ 281.

انّ النبيّ «ص» لمّا بعث إلى ابن أبي الحقيق:

3/ 257.

انّ النبيّ «ص» لما دخل المدينة: 3/ 320.

انّ الناس إذا رأوا الظالم: 1/ 603.

إنّ الناس مسلّطون على أموالهم: 1/ 495.

إنّ النفس إذا أحرزت قوتها: 2/ 639.

أنّ النفي هو الحبس

سنة أو يتوب: 2/ 511.

إنّ نوحا حمل في السفينة: 1/ 366.

إنّ هؤلاء قد تمالؤوا: 1/ 184، 2/ 548.

إنّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم: 1/ 379.

إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي: 1/ 377.

... إنّ هذا المال ليس لي و لا لك: 2/ 673؛ 3/ 131، 148، 326، 353؛ 4/ 21.

إنّ الوالي إذا اجتهد: 2/ 77.

إنّ الوفاء توأم الصدق: 2/ 733.

إنّ يهوديّا كان له على رسول اللّه: 2/ 790.

إنّ يهود بني النضير: 3/ 256.

انّ يهودية كانت تشتم: 3/ 483.

انّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة: 1/ 239.

... إنّا لا نستعمل على عملنا من يريده: 1/ 332.

إنّا لا نمنعهم الفي ء و لا نحول بينهم: 2/ 806.

... إنّا لو فعلنا هذا لكلّ من نتهمه: 2/ 383، 480.

... إنّا و اللّه لا نولّي على هذا العمل: 1/ 332؛ 2/ 125.

إنّك إن اتبعت عورات الناس: 2/ 377، 544.

... إنّك تسمع ما أسمع و ترى: 2/ 111.

... إنّك تقتل و تصلب كما قتل أبوك و صلب:

1/ 224.

... إنّك طيّب الريح حسن اللون: 2/ 833.

إنّكم لعلّكم تقاتلون قوما: 3/ 448.

... إنّما أرض الخراج للمسلمين: 3/ 198.

... إنّما البس هذين الثوبين: 2/ 833.

إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار: 1/ 111.

إنّما أمروا بالحج لعلّة الوفادة إلى اللّه: 1/ 108.

إنّما أنا بشر و إنّكم تختصمون إليّ: 2/ 144.

إنّما أنت فينا رجل واحد: 2/ 559.

إنّما جعلت الجماعة لئلّا يكون الإخلاص: 1/ 93.

إنّما الحبس حتّى يتبيّن للإمام: 2/ 382.

... إنّما حرّم اللّه الجزية من مشركي العرب:

3/ 383.

إنّما الحكرة أن تشتري طعاما: 2/ 634، 652.

إنّما الحكرة أن يشتري طعاما: 2/ 634.

إنّما حضّ على المشاورة: 2/ 36.

إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه: 1/ 293، 542.

إنّما السعر إلى

اللّه يرفعه: 2/ 664.

إنّما سنّ رسول اللّه «ص» الزكاة: 3/ 25.

إنّما الطاعة للّه- عزّ و جلّ- و لرسوله: 1/ 384.

... إنّما العشور على اليهود و النصارى: 4/ 271، 272، 285.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 428

إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول: 1/ 550؛ 2/ 73، 87.

إنّما قال اللّه- تعالى- إنّما جزاء الذين: 2/ 517.

إنّما للمرإ ما طابت به نفس إمامه: 4/ 162.

... إنّما له الثمن فلا بأس: 3/ 453.

إنّما المؤمنون إخوة بنو أب: 2/ 715.

إنّما مثلي في الأنبياء كمثل رجل: 2/ 704.

إنّما الناس تبع المهاجرين: 1/ 557، 559.

... إنّما هو على القوي المطاع العالم: 2/ 228، 256.

إنّما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء: 3/ 28.

إنّما يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر 2/ 257، 302.

إنّما يؤمر بالمعروف و ينهى عن المنكر: 2/ 245، 250.

إنّما يجمع الناس الرضا و السخط: 2/ 235.

إنّما يعني: أولى بكم أي أحق بكم: 1/ 63.

أنّه أتي برجل قد كفل بنفس: 2/ 491.

أنّه أتي برجل كبير البطن: 2/ 406.

أنّه أتي بسارق فقطع يده: 2/ 453، 462.

أنّه أحرق طعاما محتكرا بالنار: 2/ 330.

... انّه إذا كان ذلك: 3/ 200، 235.

انّه استقطع النبيّ «ص» الملح: 4/ 81.

... انّه إن لم يكن للزوج وليّ طلقها الوالي:

1/ 135.

انّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر: 1/ 519، 555.

أنّه بنى حظيرة من قصب: 2/ 523.

أنّه بنى سجنا و سمّاه نافعا: 2/ 435.

انّه جعل على أغنيائهم: 3/ 431.

انّه خمّس ما حواه عسكر أهل النهروان: 3/ 315.

أنّه رأى بعثة العيون: 2/ 566.

انّه رخّص في أخذ الجزية: 3/ 452.

أنّه رفع إلى أمير المؤمنين «ع» رجل: 2/ 325.

أنّه «ص» عامل أهل خيبر على النصف:

3/ 360.

انّه «ع» قبض ما وجد في

عسكر الجمل: 3/ 315.

إنّه قد حقّ لي أن آخذ البري ء: 2/ 239.

انّه قسم في النفل للفارس سهمين: 3/ 161.

أنّه قضى أن الخراج بالضمان: 3/ 492.

أنّه قضى أن يحجر على الغلام: 2/ 485.

... أنّه قضى بذلك: 2/ 526.

أنّه قضى في أربعة نفر شربوا الخمر: 2/ 502.

أنّه «ص» كان إذا بايع النساء: 1/ 515.

أنّه كان اذا سرق الرجل اوّلا: 2/ 462.

أنّه كان يحبس في النفقة: 2/ 450، 493.

أنّه كان يمشي في الأسواق وحده: 2/ 807.

أنّه كره سؤر ولد الزنا و سؤر اليهودي: 1/ 365.

إنّه لا قدست أمّة لا يأخذ: 1/ 191، 611.

أنّه لا يقطع الطرار، و هو الذي يقطع: 2/ 450، 496.

إنّه لم يكن قبلي نبيّ إلّا قد أعطى: 2/ 111.

أنّه لمّا نزلت الآية سأل رسول اللّه «ص»:

2/ 786.

أنّه لمّا هزم أهل الجمل جمع كل ما أصابه:

3/ 304.

... انه ليس للإمام أن يعفو: 1/ 147؛ 4/ 23، 90.

إنّه ليس على الإمام إلّا ما حمّل من أمر ربّه:

2/ 15.

أنّه «ص» مرّ بالمحتكرين فأمر بحكرتهم: 2/ 28، 662.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 429

... انّه منع من غنيمة أموالهم: 3/ 399.

أنّه نهى عن الحكرة: 2/ 613.

أنّه نهى عن قتل النساء و الولدان: 2/ 520.

أنّه نهى عن قتل المرتدّة: 2/ 521.

انّه «ع» ورد ري و شهريار و في المراجعة ورد قم:

3/ 238.

أنّه يضاعف عليه اليمين ... و الوالي: 1/ 149.

... أنّه يضرب ضربا وجيعا و تؤخذ: 2/ 341.

... أنّه يقتل السيد و يستودع العبد: 2/ 529.

... أنّها تسترق: 2/ 520.

... إنّها لكبيرة إلّا على الخاشعين يا أخا بني نهد:

2/ 193.

... أنّها نزلت في الإمرة: 1/ 39.

... إنّهم حجتي: 1/ 479.

... إنّهم صبوا إلى تعطيل: 3/

399.

إنّهم قد سمعوا رسول اللّه «ص» يقول عودا:

1/ 306.

... إنّي أحلف باللّه ما كذب رسول اللّه: 2/ 387، 741.

إنّي أنا الذي سمّاني اللّه في التوراة: 2/ 790.

إنّي تارك فيكم الثقلين: 1/ 58.

إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم: 2/ 70.

... إنّي رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة:

2/ 48.

إنّي قد رأيت و اللّه خيرا: 2/ 45.

إنّي لآخذ على التهمة: 2/ 382، 480.

إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم: 3/ 80؛ 4/ 133، 139.

إنّي لا أخيس بالعهد: 2/ 739.

... إنّي لأرجو أن أفاقكم و لا يطلبني: 2/ 663.

... إنّي لأستحي أن يغلب جهله علمي: 2/ 804.

... إنّي لست آخذ الجزية: 3/ 379، 385.

إنّي لم أبعث باليهودية و لا بالنصرانية: 2/ 8.

إنّي مننت على أهل البصرة: 3/ 301.

إنّي نظرت في كتاب اللّه فلم أجد: 2/ 670.

... إنّي و اللّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء:

2/ 686.

... اهرق الخمر و اكسر الدنان: 2/ 335.

أهل الإسلام هم أبناء الإسلام: 2/ 673.

أهل المدائن الحبساء في سبيل اللّه: 2/ 627.

أوحى اللّه إلى شعيب النبي- عليه السلام-:

2/ 230.

أوصي الخليفة من بعدي بتقوى اللّه: 2/ 799.

... أولئك رفقائي في الجنّة: 1/ 462.

أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة: 2/ 398.

أوّلها الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام: 1/ 599.

... أو ليضربنّ اللّه بقلوب بعضكم: 1/ 603.

... أ و ما لنا من الأرض و ما أخرج اللّه منها:

3/ 221؛ 4/ 128، 202.

... إي و اللّه لا أرزأ من أموالكم: 2/ 830.

... ايت فقيه البلد فاستفته: 2/ 98.

... ايتمروا بالمعروف و تناهوا: 2/ 241.

... ايتني خمسه ... هو لك: 3/ 97.

... ايتني عشية لأدفع إليك شيئا: 2/ 681.

... أ يعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة:

2/ 544.

الإيلاء هو أن يحلف الرجل: 2/

522.

... ايّ شي ء بلغني عنكم: 2/ 172.

... إيّاك أن تدفع فتكسر فتغرم: 2/ 266.

إيّاك أن تطمع نفسك إلى من فوقك: 2/ 821.

إيّاك و مشاورة النساء: 1/ 357؛ 2/ 41.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 430

إيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة: 1/ 430.

إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا: 1/ 361، 430؛ 2/ 158.

إيّاكم و الإقراد. يكون أحدكم أميرا: 2/ 195.

إيّاكم و صحبة العاصين: 1/ 614.

إيّاكم و الظنّ، فإنّ الظن أكذب الحديث:

2/ 540، 589.

إيّانا عنى؛ أن يؤدّي الأوّل إلى الإمام: 1/ 432.

إيّانا عنى خاصة؛ أمر جميع المؤمنين: 1/ 66؛ 2/ 770.

... ايّكما قتله؟ ... مسحتما سيفيكما؟: 3/ 172.

... أيّكم يأخذ أمّ المؤمنين في سهمه؟: 3/ 303، 307.

... أيّكم يأخذ عائشة في سهمه؟ 3/ 299.

أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها: 1/ 54، 55.

أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها: 1/ 134.

أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا: 3/ 89، 91.

أيّما رجل أتى خربة بائرة: 4/ 235، 242.

أيّما رجل استعمل رجلا على عشرة: 1/ 309؛ 2/ 125.

أيّما رجل قتله الحد أو القصاص فلا دية له:

2/ 366.

أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض: 4/ 150، 222، 249.

أيّما وال احتجب عن حوائج الناس: 2/ 813.

... أيّها الأعرابيّ، إنّما ألبس هذين الثوبين:

2/ 832.

أيّها المؤمنون، إنّه من رأى عدوانا يعمل به:

1/ 601؛ 2/ 229.

أيّها الناس، احفظوا لا تحتكروا: 2/ 625.

أيّها الناس، اسمعوا قولي: 2/ 714.

أيّها الناس، ألا إنّ ربّكم واحد: 2/ 190، 713.

أيّها الناس، إنّ آدم لم يلد عبدا و لا أمة: 1/ 27؛ 2/ 669.

أيّها الناس، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر: 1/ 302، 322.

أيّها الناس، إنّ اللّه- تعالى- حرّم عليكم:

2/ 411.

أيّها الناس، إنّ رسول اللّه «ص» قال: من رأى:

1/ 123، 605؛ 2/

253.

أيّها الناس، إنّ لي عليكم حقّا: 2/ 16، 774.

أيّها النّاس، إنّكم بايعتموني على ما بويع:

1/ 518.

أيّها الناس، إنّما يجمع الناس: 2/ 236.

أيّها الناس، إنّي تارك فيكم أمرين: 1/ 41؛ 2/ 71.

أيّها الناس، إنّ ربّكم واحد: 2/ 713.

أيّها الناس، قد آن لكم: 2/ 249، 389.

... أيّها الناس- عن ملأ و أذن- إنّ هذا:

1/ 505.

أيّها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي: 1/ 58.

أيّها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى:

2/ 240.

أيّها الناس، لا تشكوا عليّا: 2/ 683.

... أيّها الناس و اللّه ما لي من فيئكم: 3/ 144، 355.

حرف الباء باسمك اللّهم، هذا ما صالح: 2/ 750.

بالإمام تمام الصلاة و الزكاة: 1/ 189؛ 2/ 52.

... بخ بخ، تيك أفضل: 3/ 217.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 431

... بخصال أوّلها نصّ من اللّه- تبارك و تعالى:

1/ 392.

... البرّ و الشعير و الذرّة: 3/ 16.

البرّ و الصدقة ينفيان: 3/ 40.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. إنّ اللّه واسع كريم:

3/ 80.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. من عبد اللّه عليّ «ع»:

2/ 569.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد رسول اللّه «ص»: 2/ 705، 707، 738.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد عبد اللّه «ص»:

2/ 706، 707.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد النبيّ «ص»:

2/ 752.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا بيان من اللّه:

2/ 11.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا كتاب من محمّد «ص»: 2/ 706، 745، 751.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد اللّه:

4/ 307.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما كتب محمد:

2/ 753؛ 3/ 447.

بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذه أمنة من اللّه:

2/ 20، 751.

بسم اللّه الرحمن الرحيم ... و اعلم أنّي سأشير:

2/ 808.

بشّر المخبتين بالجنّة: 2/ 95.

... بضعة عشر سوطا ما

بين العشرة إلى العشرين:

2/ 353.

... بطون الأودية و رءوس الجبال: 4/ 39، 48، 73.

بعث رسول اللّه بسيسة عينا: 2/ 557.

بعث رسول اللّه «ص» خالد بن الوليد: 3/ 368.

بعث رسول اللّه «ص» سريّة و استعمل: 2/ 782.

بعث رسول اللّه «ص» عمرو بن حزم: 2/ 96.

بعث عليّ «ع» محمد بن أبي بكر أميرا على مصر:

3/ 387.

بعثني رسول اللّه «ص» إلى اليمن: 2/ 144، 710؛ 3/ 381، 416.

... بعد ما قسم أو قبل؟: 3/ 355.

بكم فتح اللّه و بكم يختم و بكم ينزل: 1/ 76.

... بل أدعو ... بل اللّه يخفض و يرفع: (يرفع و يخفض): 2/ 658، 663.

... بل خلقت حواء من آدم: 1/ 360.

... بل للناس كافة: 2/ 402.

بلى كانت في أيدينا: 3/ 331.

بلغني أنّك تقعد في الجامع: 2/ 95.

بلغني عنك أمر إن كنت فعلته: 2/ 553، 674؛ 3/ 353.

... بما تقضي: 2/ 165.

... بالمنّ و العفو كما سار: 3/ 294.

... بنى سجنا من قصب فسمّاه نافعا: 2/ 432.

... بالنصّ و الدلائل: 1/ 391.

بني الإسلام على خمسة أشياء: 1/ 13، 188؛ 4/ 109، 286.

بالوصية الظاهرة و بالفضل: 1/ 294.

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا: 4/ 178.

... بيعوا و لا تحلفوا، فإنّ اليمين تنفق السلعة:

2/ 269.

حرف التاء تاركوا الترك: 3/ 389.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 432

تاركوا الحبشة: 3/ 389.

... تؤخذ ديته فتجعل في بيت مال المسلمين:

4/ 24.

... تؤخذ فتجعل في بيت مال المسلمين: 4/ 88.

... تؤدّون الأمانة إليهم و تقيمون: 2/ 809.

... تبيع في سوقنا بسعر: 2/ 624.

تتبّع العورات من أعظم السوءات: 2/ 543.

تتبّع العيوب من أقبح العيوب: 2/ 543.

تجاوز عن الزلل و أقل العثرات: 2/ 400.

تجب الجمعة على سبعة نفر من

المسلمين: 1/ 94.

... تجهّز حتى تخرج إلى مصر، فإنّ عيالي:

2/ 667.

ترد على أحدهم القضية: 2/ 76.

... تخلع ثيابه: 2/ 410.

تصدّق بخمس مالك: 3/ 98.

تعرفون أنّها حرام ... فأمر بنا: 2/ 512.

تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدّ:

2/ 311.

تفترق أمّتي على بضع و سبعين: 2/ 69.

تقطع رجل السارق بعد قطع اليد: 2/ 461.

... تقطع رجله بعد يده: 2/ 461.

تقطع اليد و الرجل ثم لا يقطع: 2/ 461، 514.

... تقوم الجارية و تدفع إليه: 3/ 354.

التقية ترس المؤمن: 1/ 193، 234.

... تقيم إلى يوم الجمعة: 2/ 682.

تكون شيعتنا في دولة القائم «ع» سنام: 1/ 436.

تمام الحج لقاء الإمام: 1/ 111.

... تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون: 2/ 808.

... توقف ردء للمسلمين: 3/ 222.

تولّي الأراذل و الأحداث الدول: 2/ 120.

حرف الثاء ثلاثة تجب على السلطان خاصة: 2/ 399.

ثلاثة من كنّ فيه من الأئمة صلح: 1/ 296؛ 2/ 814.

ثلاثة يدخلهم اللّه الجنّة بغير حساب: 1/ 201.

ثلاثة يعذّبون يوم القيامة: 2/ 544.

ثلاث خصال تجب للملوك: 2/ 777.

ثلاث موبقات نكث الصفقة و ترك السنّة:

1/ 522، 528.

ثمّ اختر للحكم بين الناس: 1/ 435؛ 2/ 152، 181.

ثمّ أكثر تعاهد قضائه و افسح له: 2/ 196.

ثمّ اللّه اللّه في الطبقة السفلى: 2/ 697؛ 3/ 498.

ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم: 1/ 326.

ثمّ إنّ للوالي خاصّة و بطانة فيهم: 2/ 211.

ثمّ إنّ هذا الإسلام دين اللّه: 2/ 704.

ثمّ تفقّد أعمالهم و ابعث العيون: 2/ 53، 551.

... ثمّ سارع «ع» إلى داره فهدمها: 2/ 338.

ثمّ لا تدع أن يكون لك عليهم: 2/ 552.

ثمّ للوالي بعد أدبه و حبسه: 2/ 452.

حرف الجيم جاء رجل إلى أمير المؤمنين «ع» فأقرّ بالسرقة:

2/ 394.

جاء رجل إلى رسول اللّه «ص» فقال

إنّ أمّي:

2/ 431، 501.

جاء رجل إلى النبيّ «ص» فقال يا رسول اللّه:

2/ 263.

جاءني كتابك تذكر أنّ بعض أهل القبلة:

2/ 438.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 433

جاز بالحسنة و تجاوز عن السيئة: 2/ 401.

جرت السنّة أن لا تؤخذ: 3/ 417.

... جزية الأرض و الرقبة: 3/ 467.

الجزية عطاء المجاهدين: 3/ 465.

... جعلته عليكم حاكما: 1/ 453.

جمال السياسة العدل في الإمرة: 2/ 400، 796.

الجنة تحت أقدام الأمهات: 1/ 346.

الجنود بإذن اللّه حصون الرعية: 1/ 473.

جهاد المرأة حسن التبعّل: 1/ 346.

الجهاد واجب عليكم مع كلّ أمير: 1/ 119، 584.

جهل المشير هلاك المستشير: 2/ 40.

حرف الحاء ... حاكما: 1/ 448، 459.

حبس الإمام بعد الحدّ ظلم: 2/ 325.

حبس رسول اللّه «ص» ناسا من قومي في تهمة بدم:

2/ 382، 478.

حبّك الشي ء يعمي و يصمّ: 2/ 116.

... حتّى يكون للرعيّة كالأب الرحيم: 1/ 290، 322.

حدّ الزاني أشدّ من حدّ القاذف: 2/ 409.

حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود: 2/ 408.

حديثي حديث أبي و حديث أبي: 2/ 71.

حسن التدبير و تجنب التبذير: 2/ 120.

حسن السياسة قوام الرعيّة: 2/ 120.

حسن السياسة يستديم الرئاسة: 2/ 120.

حسن العدل نظام البرّيّة: 2/ 120.

... الحصون: 1/ 474.

... حصون الإسلام: 1/ 472.

حفّت الجنّة بالمكاره: 1/ 296.

حقّ الضيافة ثلاثة: 3/ 444.

حقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه: 1/ 433؛ 2/ 779.

حقّ على العاقل أن يضيف إلى رأيه: 2/ 36.

... حقّه عليهم أن يسمعوا له: 2/ 775.

حقّ الولد على الوالد أن يعلّمه الكتابة: 2/ 761.

حقّ الولد على والده أن يعلّمه: 2/ 761.

الحكّام: القضاة: 1/ 435، 448.

الحكرة في الخصب أربعون يوما: 2/ 629.

الحكرة في ستة أشياء: في الحنطة و الشعير و التمر:

2/ 639.

... حكم اللّه أنتظر فيكم:

1/ 175.

الحكم حكمان: حكم اللّه و حكم الجاهلية:

2/ 160.

... الحكم ما حكم به أعدلهما: 1/ 445؛ 2/ 167، 181.

... حكمت بحكم الملك: 3/ 256.

حلال محمد حلال إلى يوم القيامة: 2/ 704.

الحمد للّه الذي جعلنا من زرع إبراهيم: 1/ 436.

الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا: 2/ 62.

... الحمد للّه الذي هذا من رياشه: 2/ 831.

حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة: 2/ 575.

حرف الخاء ... خذ عن يونس بن عبد الرحمن: 2/ 94.

خذ من كلّ حاكم دينارا: 3/ 424.

خذ من مال الناصب حيثما: 4/ 139.

... خذها: 3/ 453.

... خذ هذه الغنم بالذي أصابك: 3/ 145.

خذوا عني قد جعل اللّه لهن سبيلا: 2/ 429.

الخراج بالضمان: 3/ 489، 491.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 434

... الخراج، و إن أخذ من رءوسهم الجزية:

3/ 363، 434، 467، 488.

... خرج رسول اللّه «ص» فقعد: 2/ 335.

خرج عليّ «ع» إلى دار جرير فشعّث منها:

2/ 337.

خطب رسول اللّه «ص» في حجة الوداع: 1/ 168.

... خلقه اللّه في الأرض يوم خلقت: 3/ 61.

... الخمس (في جواب السؤال عن الكنز):

3/ 64.

خمس اللّه للإمام و خمس: 3/ 108.

... الخمس بعد المؤونة: 3/ 69.

... الخمس في ذلك: 3/ 84.

... الخمس في ذلك ... أمّا ما أكل فلا: 3/ 69.

الخمس للّه و الرسول و هو لنا: 3/ 113.

الخمس من خمسة أشياء: 1/ 105؛ 3/ 52، 107، 156.

... الخمس ... يؤخذ منها: 3/ 59.

خمس علامات قبل قيام القائم «ع»: 1/ 244.

... خمسة أو ستة و أرفق: 2/ 359.

خمسة لا يؤمنون الناس على كل حال: 1/ 365.

خور السلطان أشدّ على الرعيّة: 2/ 120.

خيار أئمّتكم الذين تحبّونهم و يحبّونكم: 1/ 582.

خيار خصال النساء شرار خصال الرجال:

1/ 342.

خير

السياسات العدل: 2/ 120.

الخير كلّه في السيف و تحت ظلّ السيف: 1/ 120، 163؛ 2/ 710.

خيركم من تعلّم القرآن و علّمه: 2/ 293.

خير الملوك من أمات الجور: 1/ 199.

خير من شاورت ذوو النهى و العلم: 2/ 40.

خير من مشى على الأرض المعلّمون: 2/ 293.

حرف الدال دار عن المؤمنين ما استطعت: 2/ 393.

داووا مرضاكم بالصدقة: 3/ 40.

دخل رجلان على أمير المؤمنين «ع» فألقى:

2/ 803.

دخل رجل على عليّ بن الحسين «ع» فقال:

2/ 569.

دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: 1/ 96؛ 2/ 604.

دخلت على مروان بن الحكم: 3/ 293.

دع له يديه يتق بهما: 2/ 410.

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك: 2/ 278.

دعا رسول اللّه «ص» فاطمة: 3/ 329.

... الدعاء إلى طاعة اللّه من طاعة العباد:

3/ 250.

... دعها عدّة للمسلمين: 3/ 184، 238.

... دعهم يكونوا مادّة للمسلمين: 3/ 190.

دعوني و التمسوا غيري ... و اعلموا: 1/ 503.

دولة الأوغاد مبنية على الجور و الفساد: 2/ 121.

دولة العادل من الواجبات: 1/ 199؛ 2/ 120.

دولة الفجّار مذلّة الأبرار: 2/ 121.

دولة اللئام مذلّة الكرام: 2/ 121.

دول اللئام من نوائب الأيام: 2/ 121.

... دون الحدّ ... لا و لكن دون أربعين:

2/ 353.

دية ولد الزنا دية الذمّي: 1/ 366.

الدين النصيحة ... للّه و: 1/ 594؛ 2/ 778.

الدين و السلطان أخوان توأمان: 1/ 194.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 435

حرف الذال ... ذاك إلى الإمام: 2/ 604.

... ذلك إلى الإمام، يأخذ من كل إنسان:

1/ 130؛ 3/ 428.

... ذلك إلى الإمام يفعل ما شاء: 1/ 143.

ذلك بأنّ مجاري الأمور: 2/ 108.

... ذلك للإمام و المسلمين حلال: 1/ 130؛ 3/ 452.

... الذرّة و العدس و السلت: 3/ 17.

... ذروة الأمر و سنامه

و مفتاحه: 1/ 189، 2/ 776.

ذكرت الحرورية عند عليّ «ع» فقال: 1/ 128.

ذكر رسول اللّه «ص» النساء: 1/ 359.

الذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا: 3/ 89.

حرف الراء رأيت رسول اللّه «ص» يرمي جمرة يوم النحر على جمل: 2/ 274.

رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم:

2/ 300.

الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم: 2/ 235.

ربّ ذنب مقدار العقوبة عليه: 2/ 325، 401.

... ربّ العيال أحقّ بحمله: 2/ 830.

رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحقّ: 1/ 239.

رحم اللّه خلفائي، فقيل يا رسول اللّه «ص»:

1/ 462.

رحم اللّه عبدا أحيا أمرنا: 2/ 89. دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 435

ردّوا عليهم نساءهم: 3/ 355.

رغبوا عن اختيار اللّه و اختيار رسول اللّه «ص»:

1/ 394.

رفع القلم عن ثلاثة ... الصبيّ حتى يحتلم:

1/ 270.

الركاز: الذهب الذي ينبت في الأرض: 3/ 61.

... الرمي: 2/ 758.

الرمي سهم من سهام الإسلام: 2/ 758.

الرهن لمن رهنه له: 3/ 45.

... روحوا: 2/ 563.

روي أنه إن فاء و هو أن يراجع: 2/ 523.

روينا عن علي «ع» أنه لما هزم أهل الجمل جمع:

3/ 316.

حرف الزاء الزاني أشدّ ضربا من شارب الخمر: 2/ 409.

الزكاة في كلّ ما كيل: 3/ 23.

زوال الدول باصطناع السفل: 2/ 121.

حرف السين السائبة ليس لأحد عليها سبيل: 4/ 87.

... سار و اللّه فيهم بسيرة رسول اللّه «ص»:

3/ 289.

ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة:

1/ 297؛ 2/ 152.

ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة:

1/ 297، 2 152.

ساعة إمام عدل أفضل من عبادة: 1/ 140، 167، 197، 502؛ 2/ 188.

الساعي قاتل ثلاثة: قاتل نفسه: 2/ 236.

سألت خالي هند بن أبي هالة: 2/ 788.

سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام:

1/ 101.

سبحان اللّه في

مثل هذا الوقت يضرب: 2/ 405.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 436

سبحان اللّه ما ينبغي هذا: 2/ 405.

سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه: 1/ 201.

ستكون أمراء فتعرفون و تنكرون: 1/ 582.

سبع أكول حطوم خير من وال ظلوم غشوم:

1/ 296.

سدير عصيدة بكلّ لون: 1/ 230.

... سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم: 2/ 564.

... سر، فإنّ الإمام لا يقف: 1/ 81، 109، 196؛ 2/ 601؛ 4/ 25.

سع الناس بوجهك و مجلسك و حكمك: 2/ 800.

... السلاح: 2/ 758.

سلبوني سلطان ابن أمّي: 1/ 80.

السلطان ظلّ اللّه: 1/ 204.

السلطان وزعة اللّه: 1/ 198.

سلوني قبل أن تفقدوني: 3/ 380.

... سمعت أبي يقول أتي عليّ «ع» في زمانه برجل: 2/ 460، 513.

... سمعت أنين عمّي العباس في وثاقه:

2/ 509.

سمعت رسول اللّه «ص» يقول: 1/ 191، 611؛ 2/ 111، 684.

السنّة ما سنّ رسول اللّه «ص» و البدعة: 1/ 528.

سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب: 3/ 370، 380، 382.

سوء الظنّ يفسد الأمور: 2/ 543.

... سيروا على بركة اللّه فإنّ اللّه: 2/ 45

... سيف و ترس: 2/ 758.

سيكون بعدي أمراء: 1/ 614.

سيكون عليكم أئمة يملكون أرزاقكم: 1/ 604؛ 2/ 254.

حرف الشين شاور في حديثك الذين يخافون: 2/ 39.

شرّ الأمراء من ظلم رعيّته: 2/ 121.

شرّ الأمراء من كان الهوى عليه أميرا: 2/ 121.

شرّ الملوك من خالف العدل: 2/ 121.

شرّ الناس من لا يعفو عن الزلّة: 2/ 400، 448، 543.

شرّ الناس من لا يقبل العذر: 2/ 400.

شرّ الناس من يظلم الناس: 2/ 121.

شرّ الوزراء من كان للأشرار وزيرا: 2/ 121.

شرّ الولاة من يخافه البري ء: 2/ 121.

الشركة في الملك تؤدّي إلى الاضطراب: 1/ 410، 414؛ 2/ 38.

... شيئا من قضائنا: 1/ 430.

حرف الصاد

صالح رسول اللّه «ص» أهل نجران: 3/ 381، 430، 484.

صالح رسول اللّه «ص» عبدة الأوثان على الجزية:

3/ 386.

صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين:

1/ 506.

... صدق سليم- رحمة اللّه عليه- هذا حديث نعرفه: 1/ 181.

... الصدقة ... فليؤدّ إليه حقّه: 4/ 234.

صعد رسول اللّه «ص» المنبر يوم فتح مكة فقال:

2/ 714.

صعد النبي «ص» المنبر فقال: من ترك: 2/ 696.

الصلاة جماعة و لو على رأس زجّ: 1/ 93.

صلاح ذات البين أفضل: 2/ 141.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 437

صنفان من أمّتي إذا صلحا: 1/ 200.

الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة: 3/ 45.

الصوم يوم تصومون و الفطر يوم تفطرون: 2/ 605.

حرف الضاد ضرب رسول اللّه «ص» على نصارى بمكة دينارا:

3/ 430.

حرف الطاء طوبى لمن كانت أمّه عفيفة: 1/ 366.

حرف الظاء ظفر الكرام عفو و إحسان: 2/ 401، 796.

ظلم المستشير ظلم و خيانة: 2/ 43.

ظهر المؤمن حمى اللّه إلّا من حدّ: 2/ 393.

حرف العين عاديّ الأرض للّه و لرسوله: 4/ 39، 154، 155، 220، 222.

عاديّ الأرض للّه و للرسول: 4/ 101، 192.

العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس: 2/ 118.

العالم حديقة سياحها الشريعة: 2/ 778.

العامل بالظلم و المعين له و الراضي به: 1/ 614.

العامل على الصدقة بالحق كالغازي: 4/ 262.

العامل على غير بصيرة كالسائر على: 1/ 324؛ 2/ 117.

العباد عباد اللّه و البلاد بلاد اللّه: 4/ 153.

العجماء جبار و المعدن جبار: 3/ 60.

العدل أحلى من الشهد: 2/ 187.

عدل الإمام أن يدفع ما عنده إلى الإمام الذي:

2/ 163.

العدل نظام الإمرة: 2/ 119.

... عذّبه حتّى تستأصل ما عنده: 2/ 386.

العرافة حقّ و العرفاء في النار: 2/ 577.

العسل في كل عشرة أزقاق زقّ: 3/ 18.

عشر خصال من

صفات الإمام: 1/ 384، 391.

... العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا:

1/ 131؛ 3/ 195، 494؛ 4/ 252.

... عطاء المجاهدين: 3/ 464.

عظّم العلماء و اعرف فضلهم: 1/ 487.

العفو زكاة القدرة: 2/ 399.

العفو عند القدرة من سنن المرسلين: 2/ 399.

العقل دليل المؤمن: 2/ 65.

... على الإمام أن يجيز شهادتها: 1/ 140.

على الإمام أن يخرج المحبسين: 2/ 473.

... على الإمام أن يعرض على قرابته: 1/ 147؛ 4/ 23، 90.

على الإمام أن يعلّم أهل ولايته: 2/ 16.

... على أن لا تهدم لهم بيعة: 3/ 484.

على العشار كل يوم و ليلة لعنة اللّه: 4/ 259.

على المرء المسلم السمع و الطاعة: 1/ 67، 299، 591؛ 2/ 780.

على المشير الاجتهاد في الرأي: 2/ 43.

على الوالي خمس خصال: جمع الفي ء: 2/ 18، 125.

علة جعل الإمام المنع عن الفساد: 1/ 599.

علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل: 1/ 468.

العلماء حكّام على الناس: 1/ 199، 309، 483.

العلم حاكم و المال محكوم عليه: 1/ 310، 483.

علّموا أبناءكم السباحة و الرمي: 2/ 760.

... عليك بالأسدي: 2/ 93.

عليك السمع و الطاعة في عسرك: 2/ 779.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 438

... عليكم: 1/ 405.

عليكم بتقوى اللّه وحده لا شريك له: 1/ 205.

علينا إلقاء الأصول و عليكم التفريع: 1/ 550؛ 2/ 73.

... عليه الخمس: 3/ 66.

... عليه الدية ... الإمام، هذا للّه: 1/ 148.

... عليها الحدّ فيما قذفت به: 1/ 142.

... عليها الخمس جميعا: 3/ 59.

... عليهم الجزية في أموالهم: 3/ 451.

على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل: 2/ 358.

على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس: 3/ 69، 84، 114.

على كل حالم أو حالمة دينارا: 3/ 418.

... عليّ بعاصم بن زياد: 2/ 823.

عليّ

«ع» و الأئمة من ولده معصومون: 1/ 381.

... العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي: 2/ 92.

... العمري و ابنه ثقتان: 2/ 92.

... عندك قميص سنبلاني: 2/ 831.

عند كمال القدرة تظهر فضيلة العفو: 2/ 401.

عونك للضعيف من أفضل الصدقة: 3/ 98.

حرف الغين الغبرة على من أثارها، هلك المحاضير: 1/ 233.

... غلبتم عليه من منازل العلماء: 1/ 314.

الغنيمة يقسم على خمسة أخماس: 3/ 157.

... غيّب وجهك عنّي: 2/ 794.

حرف الفاء ... الفائدة مما يفيد إليك: 3/ 85.

فأبد لهم العزّ مكان الذلّ: 1/ 435.

... فاحذروهم على أديانكم: 1/ 475.

... فاحذروهم على دينكم: 1/ 477.

... فاحلف لهم فهو أحلّ: 4/ 263.

فأخبرهم أنّ اللّه قد فرض عليهم: 2/ 10؛ 4/ 284.

فأخذ الناس بأربع و تركوا: 1/ 190.

... فأخذها رجل من المسلمين: 4/ 221.

فاخفض لهم جناحك و ألن لهم جانبك: 2/ 800.

فادعهم إلى الجزية فإن أجابوك: 4/ 265.

... فإذا حكم بحكمنا: 2/ 609.

فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه: 2/ 598، 600.

... فاذهب فالتمس رجلا أزديا: 4/ 93.

فاربع يا أبا العباس رحمك اللّه: 2/ 54.

فارجعوا إلى رواة أحاديثنا: 2/ 171.

... فأرسل فأت به: 2/ 690.

... فاستخففتم بحق الأئمّة: 1/ 314، 316.

فاستعن باللّه على ما أهمّك: 2/ 800.

... فاصبر، إنّ وعد اللّه حق: 2/ 804.

فأعطى الفارس سهمين: 3/ 161.

فأعطانا منها: 3/ 164.

فاعلم أنّ أفضل عباد اللّه عند اللّه: 1/ 197، 293؛ 2/ 15، 188.

فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل: 1/ 518.

... فاللّه الحاكم: 1/ 316.

... فأمر «ع» أخا المقتول أن يضرب عنق القاتل:

2/ 524.

... فأمر أخاه أن يضرب عنق القاتل: 2/ 451.

... فأمر رسول اللّه «ص» بالخربة فحفرت:

2/ 386.

... فأمر رسول اللّه «ص» الناس: 2/ 602.

فأمرنا نبيّنا رسول ربّنا «ص»: 3/ 383.

... فأمرهم أن

ينفروا إلى رسول اللّه: 2/ 100.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 439

... فأمرهم رسول اللّه «ص» أن يفطروا و أن يخرجوا: 2/ 602.

... فأمّا حقّ الضعفاء: 1/ 314.

فأمّا حقّ سائسك بالسلطان: 2/ 777.

فأمّا حقكم عليّ فالنصيحة لكم: 3/ 356.

فأمّا السيوف الثلاثة المشهورة: 3/ 376.

فأمّا الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم: 3/ 47، 68.

فأمّا من تأنس به و تستريح إليه: 2/ 124.

فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه: 1/ 331؛ 2/ 91.

فأمّا وجه الإمارة فقوله: 1/ 102.

فامنع من الاحتكار فإنّ رسول اللّه «ص»:

2/ 666.

فأنصفوا الناس من أنفسكم: 3/ 501.

فأنكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم: 1/ 152، 600؛ 2/ 217، 235، 306.

... فإن أبى قوتل: 1/ 303.

فإن تزوجت و هي بكر فزعمت: 1/ 134.

فإن حزبك أمر تحتاج فيه: 4/ 292.

فإن صحّ عندك أنّ أحدا: 2/ 499.

... فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له: 1/ 149.

فإن قال: فلم جعل أولي الأمر: 1/ 171؛ 2/ 17.

فإن قال: فلم لا يجوز أن يكون الأرض: 1/ 411.

فإن قيل فلم جعلت الخطبة؟: 1/ 94.

فإن كان في المصر طعام أو متاع: 2/ 652.

... فإن كان يقدر على أن يعتق: 1/ 135.

فإن كانوا أخافوا السبيل فقط: 2/ 329، 427، 532.

... فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام:

1/ 136.

... فأنتم المسلوبون تلك المنزلة: 1/ 314.

فإنّ الأرض للّه و لمن عمّرها: 4/ 245.

فإنّ أولى الناس بأمر هذه الأمّة: 1/ 306، 322.

فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء:

1/ 439؛ 2/ 159.

فإنّا صنائع ربّنا و الناس بعد صنائع لنا: 1/ 76.

فإنّكم خزّان الرعيّة و وكلاء الأمّة: 1/ 495، 575.

فإنّما تحاكم إلى الطاغوت: 1/ 444.

... فإنّهم حجتي عليكم: 1/ 480.

... فإنّي قد جعلته عليكم

حاكما: 1/ 444، 447؛ 2/ 168، 169، 202.

... فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا: 1/ 430، 442؛ 2/ 202.

فأين أنت من ذلك: 3/ 144.

فبدأ اللّه بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:

2/ 232.

... فبناه عليّ بالجصّ و الآجر: 2/ 436.

... فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة:

1/ 439.

فتقربوا إلى أئمة الضلال: 1/ 435.

فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد: 2/ 52.

فجرت السنّة في الحدّ أنّه إذا رفع: 1/ 143.

... فجلده ثمانين جلدة: 2/ 494.

فالجنود- بإذن اللّه- حصون الرعية: 2/ 764، 767.

... فحبس أحد الغفاريين و قال: 2/ 479.

... فحبسه رسول اللّه «ص» حتى باع: 2/ 510.

فحقوق أئمتك ثلاثة: أوجبها: 1/ 81.

... فخرجت في آثارهم أنظر: 2/ 559.

فخمّس رسول اللّه «ص» الغنيمة: 3/ 106.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 440

فدعائم الإسلام و هي خمس: 1/ 191.

فدنوت فأكلت و قلت الصوم معك: 2/ 604.

فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشرك: 1/ 184؛ 2/ 548.

فرض اللّه- عزّ و جلّ- الزكاة مع الصلاة: 3/ 13؛ 4/ 288.

فرض رسول اللّه «ص» في أموال المسلمين:

4/ 273.

فصاروا ملوكا و حكاما و أئمة أعلاما: 1/ 448.

... فصام و أمر الناس بصيامه: 2/ 602.

... فضربه ثمانين ثم حبسه: 2/ 493.

فضل العالم على الناس كفضلي: 1/ 487.

فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه:

1/ 488.

فضلت بأربع ... و أحلّت لأمّتي الغنائم: 4/ 2.

الفطر يوم يفطر الناس و الأضحى: 2/ 605.

فعند ذلك يكون السلطان: 1/ 370.

فالغنائم و الفوائد يرحمك اللّه فهي: 3/ 83.

... ففرّقهم أمير المؤمنين و سأل: 2/ 479.

... فقال أمير المؤمنين «ع»: تصدّق بخمس مالك: 3/ 96.

فقال له رسول اللّه «ص» خلّ عنه و لك: 2/ 29.

فقبحا لكم و ترحا حين صرتم: 1/ 250.

فقدان

الرؤساء أهون من رئاسة السفل: 1/ 122.

فقدّموا أمر اللّه و طاعته و طاعة من أوجب اللّه:

2/ 778.

فقدموا على عاملي بها و خزّان: 2/ 796.

الفقراء هم الذين لا يسألون: 3/ 35.

فقسّم رسول اللّه «ص» ما أفاء اللّه عليه: 3/ 322.

... فقسّمها رسول اللّه «ص» بين المهاجرين:

3/ 322.

... فقسّمها رسول اللّه «ص» على المهاجرين الأولين: 3/ 321.

... فقسّمها النبيّ «ص» بين المهاجرين:

3/ 322.

... فقضى بأن يقتل القاتل: 2/ 525.

... فقضى بقتل القاتل و قلع عين: 2/ 525.

الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا: 1/ 475.

فقيه واحد أشدّ على إبليس: 1/ 487.

فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا: 1/ 488.

... فكان ينفق منها على أهله: 3/ 338.

فكل أسير أخذ في تلك الحال: 1/ 130.

فلا بأس أن تلتمس بسلعتك: 2/ 654.

فلا تكلّموني بما تكلّم به: 2/ 35.

فلا تقدموهما لتهلكوا و لا تعلّموهما: 1/ 60.

فلا يثقلن عليك شي ء خففت به عنهم: 4/ 292.

... فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب:

1/ 293، 542.

... فلكم فيّ أسوة: 1/ 211.

... فلم أحللنا إذا لشيعتنا: 3/ 76؛ 4/ 135.

فلمّا انتهى رسول اللّه «ص» إلى تبوك: 3/ 380.

فلمّا قدم رسول اللّه «ص»: 3/ 50.

فلمّا مضى «ص» تنازع المسلمون الأمر: 1/ 50.

فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة: 1/ 65، 330، 498؛ 2/ 32.

فلمّا هزمهم اللّه أمرت أن لا يتبع مدبر: 3/ 290.

فلو رخّص اللّه في الكبر لأحد: 2/ 819.

... فليؤدّ إليه حقّه: 4/ 239.

... فليردّ إليه حقّه: 4/ 239، 252.

فليرضوا به حكما ... فإنّي قد جعلته:

1/ 441، 445.

فليس ينبغي لك أن تنقض: 1/ 292.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 441

... فليفعل ... فليرابط و لا يقاتل: 1/ 124، 241.

فما سقت أو استقت فهو لنا: 4/

146.

... فما كان يعطيكما رسول اللّه «ص»: 2/ 683.

فمن أحيا أرضا من المسلمين: 4/ 221.

فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ: 1/ 469.

فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه: 2/ 622.

... فمن كان عنده منهنّ شي ء: 3/ 152.

... فمن وصلهم بشي ء مما يدعون له: 3/ 341.

فمنهم المنكر للمنكر بقلبه و لسانه: 2/ 217، 229.

فالموت في حياتكم مقهورين: 1/ 226.

فنظرت فإذا ليس لي معين: 1/ 610.

فهل رأيت أحدا زعم أنّ اللّه: 1/ 295.

فهمت ما ذكرتما فاصمدا: 2/ 91.

فهو في الذروة من قريش: 1/ 375.

فهو معصوم مؤيد: 1/ 394.

... فهي له: 4/ 194، 206، 208، 253.

... فهي لهم: 4/ 206.

فو اللّه لقد قرب هذا الأمر ثلاث: 1/ 242.

فو اللّه لكأنّي أنظر إليه بين الركن و المقام: 1/ 521.

فو اللّه لو لم يصيبوا من المسلمين: 2/ 236، 508؛ 3/ 295.

فو اللّه ما زلت مدفوعا عن حقّي: 1/ 51.

فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ: 1/ 307، 323.

فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي: 1/ 198، 294.

... فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك للّه:

1/ 325.

الفي ء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم:

3/ 352.

الفي ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها:

3/ 351.

... الفي ء و الأنفال و الخمس و كل ما دخل منه في ء: 3/ 341، 357.

... فيبعث عليهم من يمنعهم: 2/ 264.

... فيخلّى سبيله حتى يستفيد مالا: 2/ 488.

فيظهر عند ذلك صاحب الأمر: 1/ 521.

... فيعلّمونها الناس من بعدي: 1/ 466.

فيكون بعد ذلك أرزاق: 3/ 360.

في الإبل صدقتها و في الغنم صدقتها: 3/ 18.

في تسعة أشياء: الذهب و الفضة: 3/ 14.

... في حق غير مسلم فهي له: 4/ 186.

في الخيل السائمة في كل فرس دينار: 4/ 289.

في رجل عدا

على رجل و جعل ينادي: 2/ 525.

في الركاز الخمس: 3/ 60.

... في غير حق مسلم: 4/ 236.

في كتاب عليّ «ع» أنّ نبيّا من الأنبياء: 2/ 143.

... في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير:

3/ 67؛ 84.

في المرتدّ يستتاب، فإن تاب و إلّا: 2/ 519.

فيما أوصى به رسول اللّه «ص» عليّا «ع»: 2/ 34.

فيما سقت السماء و البعل و السيل العشر: 3/ 15.

فيما يخرج من المعادن و البحر: 3/ 95.

حرف القاف ... قاضيا: 1/ 448.

قال ابن عباس: فنوديت: 1/ 360.

قال اللّه- عزّ و جلّ- قد نابذني من أذلّ: 2/ 448.

قال أمير المؤمنين «ع»: أعط المال همشاريجه:

4/ 21.

قال أمير المؤمنين «ع» أمرنا رسول اللّه: 2/ 238.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 442

قال أمير المؤمنين «ع»: إنّ اللّه: 1/ 601.

قال أمير المؤمنين «ع»: إنّ اللّه لا يعذّب العامة:

2/ 234، 253.

قال أمير المؤمنين «ع»: الحمد للّه: 1/ 168.

قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب «ع»: هلك الناس: 3/ 77؛ 4/ 122.

قال أمير المؤمنين «ع»: في رجل أمر عبده:

2/ 529.

قال أمير المؤمنين «ع»: في خلاف النساء البركة:

1/ 359.

قال أمير المؤمنين «ع»: كلّ امرئ تدبّره: 1/ 359.

قال أمير المؤمنين «ع»: لا تختانوا: 2/ 775.

قال أمير المؤمنين «ع»: لا يخرج المسلم: 1/ 117؛ 3/ 358.

قال أمير المؤمنين «ع»: لا يشفعنّ أحد في حدّ:

2/ 392.

قال أمير المؤمنين «ع»: لا يصلين: 1/ 365.

قال أمير المؤمنين «ع» لشريح: يا شريح: 1/ 138؛ 2/ 142.

قال أمير المؤمنين «ع»: لعمر بن الخطاب: 2/ 192.

قال أمير المؤمنين «ع» لفاطمة: أحلّي نصيبك:

3/ 357.

قال أمير المؤمنين «ع»: من ابتلي بالقضاء:

2/ 197.

قال رسول اللّه «ص» أتاني ملك: 2/ 821.

قال رسول اللّه «ص» إذا تقاضى إليك:

2/ 197.

قال رسول اللّه «ص» إذا كان يوم القيامة:

1/ 297، 615.

قال رسول اللّه «ص» اللهم ارحم خلفائي:

1/ 461، 462.

قال رسول اللّه «ص»: إنّ أعتى الناس على اللّه: 2/ 375؛ 3/ 503.

قال رسول اللّه «ص»: إنّ أبغض الناس إلى اللّه:

2/ 376، 392.

قال رسول اللّه «ص»: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- جعل:

2/ 307.

قال رسول اللّه «ص»: إنّ المعصية إذا عمل بها:

2/ 234.

قال رسول اللّه «ص»: إنّما أقضي بينكم بالبينات:

2/ 143.

قال رسول اللّه «ص»: أيّما رجل اشترى طعاما:

2/ 630.

قال رسول اللّه «ص»: أيّما مؤمن أو مسلم:

1/ 100؛ 2/ 696؛ 3/ 33.

قال رسول اللّه «ص»: أيّما وال احتجب: 2/ 814.

قال رسول اللّه «ص»: تصدّقوا: 3/ 39.

قال رسول اللّه «ص»: التوحيد: 3/ 39.

قال رسول اللّه «ص»: الجالب مرزوق و المحتكر ملعون: 2/ 621.

قال رسول اللّه «ص»: خمس لا أدعهنّ حتى الممات: 2/ 791.

قال رسول اللّه «ص» خمس لست بتاركهنّ:

2/ 791.

قال رسول اللّه «ص»: الخير كلّه في السيف:

1/ 113، 602.

قال رسول اللّه «ص»: داووا: 3/ 40.

قال رسول اللّه «ص»: الصدقة: 3/ 39.

قال رسول اللّه «ص»: صنفان من أمّتي: 1/ 187.

قال رسول اللّه «ص»: طرق طائفة من بني إسرائيل: 2/ 627.

قال رسول اللّه «ص»: عليكم بالعفو: 2/ 397.

قال رسول اللّه «ص»: الفقهاء أمناء الرسل:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 443

1/ 475.

قال رسول اللّه «ص»: قال اللّه عزّ و جلّ: لأعذّبن:

1/ 293.

قال رسول اللّه «ص»: كلّ معروف صدقة:

3/ 41.

قال رسول اللّه «ص»: لا تصلح الإمامة: 1/ 290، 322؛ 2/ 18، 798.

قال رسول اللّه «ص»: لا تطلبوا عثرات: 2/ 249، 542.

قال رسول اللّه «ص»: لا قطع في ثمر و لا كثر:

2/ 308.

قال رسول اللّه «ص»: لا يحلّ لأحد يؤمن

باللّه:

2/ 354.

قال رسول اللّه «ص»: لا يقتل الرسل: 2/ 738.

قال رسول اللّه «ص»: لأسامة بن زيد: لا يشفع في حدّ: 3/ 391.

قال رسول اللّه «ص»: لعن اللّه من قتل غير قاتله:

2/ 376؛ 3/ 503.

قال رسول اللّه «ص»: للجنة باب يقال: 1/ 113.

قال رسول اللّه «ص»: للحسين «ع»:

يا حسين «ع»، يخرج: 1/ 209.

قال رسول اللّه «ص»: ليّ الواجد بالدّين يحلّ:

2/ 387.

قال رسول اللّه «ص»: ما نظر- عزّ و جلّ- إلى وليّ:

2/ 775.

قال رسول اللّه «ص»: ما ولّت: 1/ 304.

قال رسول اللّه «ص»: من ابتلى بالقضاء:

2/ 198.

قال رسول اللّه «ص»: من أحيا أرضا مواتا:

4/ 150.

قال رسول اللّه «ص»: من أرضى: 1/ 591.

قال رسول اللّه «ص»: من بلغ حدّا في غير حدّ:

2/ 358، 368.

قال رسول اللّه «ص»: من تولّى عرافة قوم:

2/ 573.

قال رسول اللّه «ص»: من سلك طريقا يطلب:

1/ 467.

قال رسول اللّه «ص»: من شهد أمرا: 2/ 235.

قال رسول اللّه «ص»: من عمل على غير علم:

1/ 325؛ 2/ 117.

قال رسول اللّه «ص»: من غرس شجرا: 4/ 151.

قال رسول اللّه «ص»: من فارق جماعة المسلمين:

1/ 528.

قال رسول اللّه «ص»: يأتي على الناس: 2/ 237.

قال رسول اللّه «ص»: يا عليّ، أربعة من قواصم الظهر: 1/ 597.

قال رسول اللّه «ص»: يا معشر من أسلم بلسانه:

2/ 542.

قال رسول اللّه «ص»: يوم بدر: من استطعتم:

3/ 296.

قال عليّ «ع»: إنّ اللّه لا يعذّب العامة بذنب الخاصّة: 2/ 234.

قال [عليّ «ع»]: العامل بالظلم و الراضي به:

2/ 236.

قال عليّ «ع»: الوصية بالخمس: 3/ 112.

قال [عليّ «ع»]: يجب على الإمام أن: 1/ 139.

قال لهم عليّ «ع»: فأخبروني: 3/ 314.

قال لي رسول اللّه «ص»: أ لم تسمع قول اللّه:

1/ 61.

قال النبيّ «ص»: الأئمة من قريش: 1/ 374.

قال النبيّ

«ص»: خير مال المرء: 3/ 39.

قال النبيّ «ص»: كيف بكم إذا فسدت

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 444

نساؤكم: 2/ 233.

قال النبيّ «ص» لمّا وجّهني إلى اليمن: إذا تحوكم: 2/ 197.

قبول عذر المجرم من مواجب الكرم: 2/ 400.

القتال قتالان: قتال: 3/ 386.

قد أخذ رسول اللّه «ص» الجزية: 3/ 381.

قد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري: 2/ 570.

قد بلغتماني ما أرسلكما به معاوية فاسمعا مني:

1/ 179.

قد رأيت النبيّ «ص» يقصّ من نفسه: 3/ 507.

... قد رضي من المال: 3/ 96.

... قد شهد بدرا و ما يدريك: 2/ 403، 741.

قد ظهر رسول اللّه «ص» على أهل خيبر: 3/ 203.

قد ظهر رسول اللّه «ص» على خيبر: 4/ 151.

قد علمت يا رسول اللّه أنّه سيكون: 4/ 65، 124.

... قد كان شتم أمّي و تفل في وجهي: 2/ 393.

قدّموا قريشا و لا تقدّموها: 1/ 268.

قريش ولاة الناس في الخير و الشر: 1/ 379.

قسّم رسول اللّه «ص» خيبر: 3/ 204، 496؛ 4/ 105.

قسّم رسول اللّه «ص» الفي ء: 3/ 41، 359.

قضى أمير المؤمنين «ع»: أن ما أخطأت: 2/ 365.

قضى أمير المؤمنين «ع»: أن يجلد: 3/ 481.

قضى أمير المؤمنين «ع» في أربعة شربوا: 2/ 502.

قضى أمير المؤمنين «ع» في رجل: 1/ 148؛ 2/ 491، 524؛ 4/ 23، 90.

قضى أمير المؤمنين «ع» في السارق إذا سرق:

2/ 513.

قضى أمير المؤمنين «ع» في من أعتق: 4/ 85.

قضى أمير المؤمنين في وليدة كانت: 2/ 494.

قضى رسول اللّه «ص» أنّ الخصمين: 2/ 199.

قضى عليّ «ع» في رجلين أمسك أحدهما و قتل الآخر: 1/ 145؛ 2/ 523.

قضى النبيّ «ص» في من سرق الثمار: 2/ 339.

القضاة أربعة، ثلاثة في النار: 2/ 150.

القضاة ثلاثة، واحد في

الجنّة: 2/ 150.

قضاء من اللّه و رسوله: 4/ 162.

قطائع الملوك كلّها للإمام: 4/ 54.

... قل أستغفر اللّه و أتوب إليه ثلاث: 2/ 805.

قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم: 2/ 158.

قلت يا رسول اللّه، إن عرض لي أمر: 2/ 145.

... قم عنّي و تب إلى اللّه: 2/ 334.

... قم فتعشّ مع الحسن و الحسين: 2/ 825.

قوله- عزّ و جلّ- «لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ» عنى به:

1/ 385.

قيل يا رسول اللّه، ما الحزم: 2/ 34.

حرف الكاف كاتبا عليّ «ع» لم يكتبا عليه ذنبا: 1/ 381.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 444

كان آخر ما تكلّم به النبيّ «ص» أن قال:

احفظوني في ذمّتي: 3/ 370.

كان أبو جعفر و أبو عبد اللّه «ع» لا يشتريان:

2/ 639.

كان أبي «ع» يقول: إنّ للحرب: 3/ 263.

كان أمير المؤمنين «ع» إذا أبى المؤلي: 2/ 522.

كان أمير المؤمنين «ع» عندكم بالكوفة يغتدي:

2/ 267.

كان أمير المؤمنين «ع» لا يأخذ بأوّل الكلام:

2/ 197.

كان أمير المؤمنين «ع» يجعل له حظيرة:

2/ 387، 451.

كان أمير المؤمنين «ع» يجلد الحرّ و العبد: 3/ 481.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 445

كان أمير المؤمنين «ع» يحبس الرجل: 2/ 485.

... كان أمير المؤمنين «ع» يقول: من أحيا 1/ 132؛ 4/ 130، 201، 242.

... كان رأيه فيه رأي: 3/ 102.

كان رسول اللّه «ص» إذا أتاه: 3/ 54، 109، 156؛ 4/ 58.

كان رسول اللّه «ص» إذا أراد: 3/ 254.

كان رسول اللّه «ص» إذا أصاب: 3/ 158.

كان رسول اللّه «ص» إذا فقد الرجل من إخوانه:

2/ 791.

كان

رسول اللّه إذا وجّه جيشا: 2/ 551.

كان رسول اللّه «ص» إذا بعث: 3/ 254.

كان رسول اللّه «ص» يأكل أكل العبد: 2/ 821.

كان رسول اللّه «ص» يجعل: 3/ 161.

كان رسول اللّه «ص» يجلس على الأرض:

2/ 791.

كان رسول اللّه «ص» يقسم ما افتتح: 3/ 109.

كان رسول اللّه «ص» يقسم لحظاته بين أصحابه:

2/ 791.

كان رسول اللّه «ص» يقول: إذا أمتي تواكلت:

2/ 232.

كان رسول اللّه «ص» يقول: أنا أولى: 1/ 41.

... كان زيته من بيت المال: 2/ 683.

... كان عالما و كان صدوقا: 1/ 207.

... كان عقله لا توازن به العقول: 2/ 35.

... كان عليهم ما أجازوا: 3/ 94، 435.

كان عليّ بن أبي طالب «ع» إذا كان في القبيلة:

2/ 464، 496.

كان عليّ بن أبي طالب «ع» يمتنع: 2/ 827.

كان علي «ع» لا يحبس في الدين إلّا ثلاثة:

2/ 483.

كان علي «ع» لا يزيد على قطع اليد: 2/ 513.

كان عليّ «ع» ولّى المنذر بن الجارود: 2/ 486.

كان عليّ «ع» يجعل له حظيرة: 2/ 523.

كان علي «ع» يضرب في الخمر: 3/ 481.

كان علي «ع» يقول في الرجل يموت و يترك مالا:

4/ 91.

كان فراش رسول اللّه «ص» عباءة: 2/ 820.

كان قوم يشربون فيسكرون: 2/ 501.

كان لأمّ سلمة زوج النبي «ص» أمة فسرقت:

2/ 192.

كان لداود نبيّ اللّه- عليه السلام- من الليل ساعة: 4/ 260.

كان لهم كتاب أحرقوه: 3/ 369.

... كان لهم نبي قتلوه و كتاب: 3/ 379.

كان لي شارف من نصيبي من المغنم: 3/ 50.

كان المسيح «ع» يقول: إنّ التارك: 2/ 245.

كان و اللّه فينا كأحدنا: 2/ 828.

كان «ص» يخزن لسانه إلّا عما يعنيه: 2/ 789.

كان يزيد بن حجيّة ... فحبسه: 2/ 486.

كان «ص» يسأل الناس عمّا في الناس:

2/ 579.

كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء:

1/ 6.

كانت في ذؤابة سيف رسول اللّه صحيفة:

3/ 504.

كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون: 1/ 238.

كتب رسول اللّه «ص» إلى مجوس: 3/ 382.

كتب رسول اللّه «ص» إلى معاذ: 3/ 418.

... كذلك فلتكن: 2/ 324.

... كرهت ما كرهت: 3/ 252.

كفى بالظفر شافعا للمذنب: 2/ 401.

... كل أرض خربة أو شي ء: 3/ 327؛ 4/ 17،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 446

33، 38، 48، 54.

... كلّ أرض دفعها إليك السلطان: 3/ 233.

كلّ بلدة فتحت بالسيف إلّا: 3/ 141.

كلّ راية ترفع قبل راية القائم «ع» فصاحبها طاغوت: 1/ 237.

كلّ سائس إمام: 1/ 196.

كلّ شي ء قوتل عليه على شهادة: 3/ 52.

... كلّ قرية يهلك أهلها: 4/ 46، 104.

... كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس: 3/ 59، 61.

كلّ ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة: 3/ 19.

كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق: 3/ 16.

كلّ مرتدّ مقتول ذكرا كان أو أنثى: 2/ 520.

كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام:

1/ 143.

كلّ معروف صدقة: 3/ 98.

... كلّ من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا:

1/ 521.

كلّ من دان اللّه- عزّ و جلّ- بعبادة: 1/ 195.

كلّ لهو المؤمن باطل إلّا في ثلاث: 2/ 759.

كلّكم راع و كلّكم مسئول عن رعيّته: 1/ 77، 202؛ 2/ 7، 54، 55، 233.

... كلمة حقّ أريد بها باطل: 3/ 283.

كلمة حقّ تقال لإمام جائر: 1/ 594.

... كلمة حقّ يراد بها الباطل: 1/ 174؛ 3/ 282.

... كلمة عادلة يراد بها جور: 1/ 175.

... كم عندنا من طعام ... أخرجه: 2/ 654.

كنتم خير أمّة أخرجت للناس، قال: أهل بيت النبيّ: 2/ 226.

كن مقتدرا و لا تكن محتكرا: 2/ 632.

كيف أنت و أئمة من بعدي: 3/ 359.

كيف أنتم و

زمان قد أظلّكم: 1/ 604؛ 2/ 254.

... كيف تبيع؟: 2/ 264.

... كيف تقضي إذا عرض لك قضاء: 2/ 72، 144.

كيف يا ربّ و الغضب: 2/ 786.

كيف يعدل في غيره من يظلم نفسه: 2/ 112.

حرف اللام لآخذنّ البري ء منكم بذنب السقيم: 2/ 238.

... لا: 1/ 365؛ 3/ 446؛ 4/ 285.

... لا آخذها إلّا بحدودها: 3/ 332.

... لا أجعل شيئا جعله اللّه: 3/ 321، 335.

لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة: 2/ 595.

... لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة: 1/ 97.

... لا أفعل، لأنّي سمعت أبي يقول: النصيحة خشنة: 2/ 246.

... لا إلّا إمامان أحدهما صامت لا يتكلم:

1/ 412.

... لا إلّا أن لا يقدر على شي ء: 3/ 97.

... لا إلّا أن يكون أحدهما صامت: 1/ 412.

... لا إلّا و أحدهما صامت: 1/ 411، 412.

... لا إنّما العشور على اليهود و النصارى: 4/ 272.

... لا بأس: 3/ 266، 453.

... لا بأس أن تشتريها: 3/ 200.

لا بأس بأن يتقبّل: 3/ 225، 233.

... لا بأس بأن يشتريها منهم: 4/ 151، 224.

... لا بأس بشرائها: 3/ 215، 265.

... لا بأس ... بعه كيف شئت: 2/ 666.

... لا بأس به، أمّا للمقتضي: 3/ 453.

... لا بأس به، كذلك: 3/ 227.

... لا بأس بها فتكون إذا كان ذلك: 3/ 200.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 447

لا بدّ للأمّة من إمام يقوم بأمرهم: 2/ 16، 52.

لا بدّ للناس من إمارة برّة أو فاجرة: 1/ 202.

لا بدّ من إمارة و رزق للأمير: 1/ 195؛ 2/ 574.

... لا، بل مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به:

2/ 257.

لا تأخذا في الصدقة: 3/ 18.

لا تؤمّ المرأة الرجال: 1/ 361.

... لا تبتع حرّا، فإنه

لا يصلح لك: 3/ 266.

لا تبطل حقوق المسلمين: 1/ 563.

لا تبك يا عمرو، نأكل أكثر الطيب: 2/ 822.

... لا تبيعوا إلّا طيّبا، و إيّاكم و ما طفا: 2/ 268.

لا تتبعوا عثرات المسلمين: 2/ 448.

... لا تتبعوا مولّيا و لا تجيزوا: 3/ 288.

لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر:

1/ 313؛ 2/ 231.

لا تجتمع أمّتي على ضلالة: 2/ 66، 68.

لا تجلدوا أحدا فوق عشرة (عشرين): 2/ 349.

لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ: 2/ 354.

... لا تجوز شهادة ولد الزنا: 1/ 365.

... لا تجيزوا على جريح: 3/ 290.

... لا تجهزوا على جريح: 3/ 292.

... لا تخبرني بين أحد من المسلمين: 2/ 558.

لا تدعن لهم درهما من الخراج: 3/ 502.

لا تزال أمّتي بخير ما أمروا بالمعروف: 2/ 231.

لا تزال طائفة من أمّتي قوّامة: 1/ 603.

لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون: 1/ 240، 602.

لا تسبّوا الولاة، فإنّهم إن أحسنوا: 1/ 584.

... لا تشاور (تسارّ) أحدا في مجلسك: 2/ 198.

لا تشتر من أرض السواد: 3/ 197، 354.

لا تشتر من عقار أهل الذمّة: 3/ 201.

... لا تصلح: 1/ 375.

لا تصلح الإمامة إلّا لرجل فيه ثلاث خصال:

1/ 541.

لا تضربن رجلا سوطا: 3/ 502.

... لا تطعنوا في غير مقبل: 3/ 312.

لا تعاجل الذنب بالعقوبة: 2/ 400، 401.

لا تعذّبوا الناس، فإنّ الذين يعذّبون الناس:

3/ 506.

لا تعلّموا قريشا و تعلّموا منها: 1/ 380.

لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيه غسالة الحمام:

1/ 365.

... لا تفعلوا، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد: 1/ 218.

... لا تفعلوا فإنّي أكون وزيرا خير: 1/ 504.

لا تقاتلوا الخوارج من بعدي: 1/ 589.

لا تقاتلوا القوم حتّى يبدءوكم: 3/ 311.

لا تقبلنّ في استعمال عمّالك و أمرائك: 2/ 123.

... لا تقتل، و

تخدم خدمة شديدة: 2/ 449، 520.

... لا تقتلوا الأسراء: 3/ 290.

لا تقتلوا امرأة: 2/ 521.

لا تقتلوا الولدان و لا أصحاب الصوامع: 3/ 425.

... لا تقضينّ و لا تفصلنّ إلّا بما تعلم: 2/ 145.

لا تقطع يد النبّاش إلّا أن يؤخذ: 2/ 450، 496.

... لا تقف، فإنّ الإمام إذا دفع بالناس:

1/ 109.

لا تقوم الساعة حتى يؤكل: 3/ 447.

لا تكن عبد غيرك: 1/ 27.

لا تكون المرأة حكما تقضي: 1/ 360.

لا جزية على العبد: 3/ 420.

لا جزية على العبيد: 3/ 414.

لا جزية على مسلم: 3/ 455.

... لا حاجة لنا في أجور المومسات: 4/ 284.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 448

لا حبس في تهمة إلّا في دم: 2/ 382، 479.

لا حبس على معسر، قال اللّه: 2/ 487.

لا حدّ على معترف بعد بلاء، إنه من قيّدت:

2/ 379.

... لا حكم إلّا للّه إنّ وعد اللّه حق: 1/ 175.

لا حمى إلّا للّه و لرسوله: 4/ 173.

... لا خمس عليك فيما سرّح: 3/ 85.

لا خير في ولد الزنا و لا في بشره: 1/ 366.

لا زال أنا و شيعتي بخير ما خرج الخارجي:

1/ 247.

... لا سوط دون هذا: 2/ 411.

لا صلاة في العيدين إلّا مع الإمام: 1/ 95.

لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد: 1/ 375؛ 2/ 294.

لا صلاة لمن لم يصلّ في المسجد: 1/ 92.

لا ضرر: 3/ 307.

لا ضرر و لا ضرار: 2/ 284؛ 3/ 175؛ 4/ 162، 164.

لا طاعة في معصية اللّه: 1/ 204.

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: 1/ 299، 591؛ 2/ 781، 782.

لا طاعة لمن لم يطع اللّه: 1/ 204، 299، 592.

لا عقوبة فوق عشر ضربات إلّا في حدّ: 2/ 354.

لا قطع في ثمر حتّى يؤويه

الجرين: 2/ 307، 308.

... لا ... كيف يحلّ لكم: 3/ 315.

... لا لأنهم تحرموا بحرمة: 3/ 298، 303.

... لا ما أكل رسول اللّه خبز برّ قط: 2/ 820.

لا مظاهرة أوثق من المشاورة: 2/ 34.

... لا و اللّه ما أجد لك شيئا: 2/ 686.

لا يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر: 2/ 273.

لا يبطل حق امرئ مسلم: 1/ 563.

لا يبطل دم امرئ مسلم: 2/ 368.

لا يتبع مدبر و لا يذفّف: 3/ 293.

لا يجرّد في حدّ و لا يشنّج: 2/ 409.

لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ: 2/ 348، 354.

لا يجمع اللّه أمر أمّتي على ضلالة: 1/ 554.

لا يجوز على رجل قود و لا حدّ بإقرار: 2/ 379.

لا يحتكر إلّا خاطئ: 2/ 624.

لا يحتكر الطعام إلّا خاطئ: 2/ 626.

لا يحتكر إلّا خوّانون: 2/ 625.

لا يحضرنّ أحدكم رجلا يضربه سلطان: 2/ 392.

لا يحلّ الفتيا لمن لا يستفتي: 2/ 171.

لا يحلّ (لا يجوز) قتل أحد من النّصّاب: 3/ 387.

لا يحلّ لأحد أن يتصرّف: 4/ 162.

لا يحلّ لأحد أن يشتري: 3/ 76؛ 4/ 137.

لا يحلّ لثلاثة نفر يكونون: 1/ 186، 510.

لا يحلّ للخليفة من مال اللّه إلّا: 2/ 684.

لا يحلّ لوال يؤمن باللّه و اليوم الآخر: 1/ 141؛ 2/ 353.

لا يحلّ مال امرئ مسلم: 3/ 300.

لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن: 1/ 119، 295.

لا يخلد في السجن إلّا ثلاثة: 2/ 432، 518، 525، 533.

لا يدخل الجنة صاحب مكس: 4/ 260، 261.

لا يدخل الجنة مدمن خمر: 4/ 259.

... لا يذفّف على جريح و لا يتبع مدبر: 3/ 296.

لا يزال الإسلام عزيزا: 1/ 377.

لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة: 1/ 377.

لا يزال أمر الناس ماضيا: 1/

377.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 449

لا يزال أمرنا صالحا حتى يصير اثنا عشر: 1/ 378.

لا يزال هذا الأمر عزيزا: 1/ 377.

لا يزال هذا الأمر في قريش: 1/ 378.

لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا: 1/ 377.

لا يسأل اللّه عبدا عن صلاة: 4/ 284.

لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة: 1/ 195.

... لا يستقيم إلّا أن يكون السلطان قد قسّم:

1/ 133.

لا يستقيم الناس على الفرائض و الطلاق إلّا بالسيف: 1/ 137.

لا يصلح الناس إلّا أمير برّ أو فاجر: 1/ 175.

لا يصلح الناس في الطلاق إلّا بالسيف: 1/ 134.

لا يضيفن ذو سلطان خصما: 2/ 200.

لا يطمعنّ ذو الكبر في الثناء الحسن: 2/ 124.

لا يطمعنّ القليل التجربة: 2/ 34.

لا يعذر عبد اشترى من الخمس: 4/ 137.

لا يعفي عن الحدود التي للّه دون الإمام: 2/ 393.

لا يفتن يهودي عن يهوديته: 3/ 381.

لا يفرض اللّه- تعالى- طاعة من يعلم: 1/ 384.

لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة: 1/ 270.

لا يفلح قوم وليتهم امرأة: 1/ 336، 354.

لا يقابل مسي ء قطّ بأفضل: 2/ 401.

لا يقبل من عربي جزية: 3/ 378، 385.

لا يقبل من مشركي العرب: 3/ 386.

... لا يقتلن مدبر و لا يجهز: 3/ 314.

لا يقدّس اللّه أمّة قادتهم امرأة: 1/ 354.

لا يقضي القاضي بين اثنين: 2/ 200.

... لا يقطع و لكنه يضرب و يسجن: 2/ 495.

لا يقف أحدكم موقفا يضرب: 2/ 297.

لا يقيم أمر اللّه- سبحانه- إلّا من لا يصانع:

1/ 330؛ 2/ 119.

لا يكون السفيه إمام التقي: 1/ 286.

لا يكون عمران حيث يجور السلطان: 2/ 122.

لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج و الدماء:

1/ 542.

لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر يوم: 1/ 110.

لا ينبغي للمؤمن أن

يذلّ نفسه: 2/ 246، 251.

لا ينبغي للمسلم أن يؤدّي خراجا: 3/ 459.

لأحملنّ ذنوب سفهائكم إلى علمائكم: 2/ 239.

لأخرجنّ اليهود و النصارى من جزيرة العرب:

2/ 280.

لأستحي من اللّه أن لا أدع له: 2/ 516.

لألقيت حبلها على غاربها و لسقيت: 1/ 80.

... لئن بلغني أنّك تنظر في النجوم: 2/ 533.

لئن تفرغت لبني تغلب: 3/ 439، 440.

لئن كانت الإمامة لا تنعقد: 1/ 561.

... لأنّ البغال لا تلقح و الخيل: 3/ 27؛ 4/ 289.

... لأنّ رسول اللّه «ص» نهى: 3/ 255، 416.

... لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى: 1/ 520.

... لأنّها مفتاحهنّ و الوالي هو الدليل عليهن:

1/ 189.

لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية: 1/ 366.

لتأمرنّ بالمعروف و لتنهنّ عن المنكر: 2/ 232.

... لتقتصّ من زوجها: 1/ 348.

... لرسول اللّه «ص» و ما كان: 3/ 113.

لسان القاضي بين جمرتين: 2/ 152، 188.

لسيرة عليّ «ع» في أهل البصرة كانت خيرا:

3/ 305.

لعمل الإمام العادل في رعيته: 1/ 203.

لعن اللّه الراشي و المرتشي: 2/ 301.

لعن رسول اللّه «ص» الراشى و المرتشي: 2/ 199.

... لقد حكم اليوم فيهم بحكم اللّه: 3/ 256، 272.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 450

... لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان:

2/ 207.

لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا: 2/ 275.

... لك أن تشير عليّ و أرى: 2/ 37، 780.

... للإمام ... نعم، من أردت أن تطهره منهم:

1/ 101؛ 3/ 34.

... للفارس سهمان و للراجل سهم: 3/ 160.

للمملوك طعامه و كسوته بالمعروف: 2/ 276.

... للّه خمسها و أربعة أخماس للجيش: 3/ 158.

لم تحلّ الغنائم لأحد: 4/ 2.

لم تكن الصدقة في عهد رسول اللّه «ص»: 3/ 17.

... لم عملت هذا ... نورزوا لنا في كلّ يوم:

2/

680.

... لم يجئ تأويل هذه الآية بعد: 3/ 383.

لم يخمّس رسول اللّه «ص» بدرا: 3/ 49.

لم يسب علي «ع» يوم الجمل: 3/ 305.

لم يقتل رسول اللّه «ص» صبرا: 3/ 272.

... لمّا ظفر بها أكرمها و بعث معها: 2/ 805.

لمّا ظهر أمير المؤمنين «ع» على أهل البصرة:

3/ 313.

لمّا فتح رسول اللّه «ص» مكة بايع الرجال:

1/ 515.

لمّا نزلت آية الزكاة: 3/ 20.

لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه و أنذر عشيرتك:

1/ 43.

لمّا نزل رسول اللّه «ص» بمرّ الظهران: 3/ 142.

لمّا هزمنا عليّ «ع» بالبصرة: 3/ 303، 353.

لمّا ولّى أمير المؤمنين «ع» شريحا: 2/ 175.

لمّا وليّ علي «ع» صعد المنبر فحمد اللّه: 2/ 669؛ 3/ 358.

... لمن عمل بها من أمّتي: 2/ 402.

لن تقدّس أمّة لا يؤخذ للضعيف: 2/ 191، 211.

لن نستعمل (لا نستعمل) على عملنا: 1/ 332.

لن يبرح هذا الدين قائما: 1/ 240، 602.

لن يزال هذا الأمر قائما: 1/ 378.

لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض: 1/ 379.

لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة: 1/ 65، 353، 498، 508؛ 2/ 32.

لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة: 1/ 353،

لنا الأنفال ... منها المعادن: 4/ 45، 49، 73.

... له أن ينفل قبل القتال: 3/ 151.

لهم ما لنا و عليهم ما علينا: 3/ 474.

لو أتيت برجل قذف عبدا مسلما: 2/ 355.

لو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب اللّه:

1/ 67، 202.

... لو أنّ امرء مسلما مات من بعد هذا أسفا:

1/ 122.

لو أنّ أهل السماوات و الأرض: 2/ 237.

لو أنّ رجلا أخذ حزمة من قضبان: 2/ 406.

لو أنّ رجلا ضرب رجلا: 2/ 376؛ 3/ 504.

لو أنّ قوما حاصروا مدينة فسألوهم: 2/ 726.

لو أنّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي:

1/ 109.

لو أنّكم إذا بلغكم عن

الرجل: 2/ 239.

... لو خليتم أسيرها و رددتم مالها: 3/ 261.

لو عطّل الناس الحج لوجب على الإمام: 1/ 109.

... لو قتلت الأحبّة لقتلت من في هذه الحجرة:

3/ 292.

لو كان الإيمان في الثريا: 2/ 704.

... لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد: 2/ 366.

لو كان المطعم بن عدي حيّا: 3/ 146، 260، 261، 267.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 451

... لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء: 1/ 211، 474.

لو لا أنّ عليّا «ع» سار: 3/ 306، 316.

لو لا أنّك رسول لضربت عنقك: 2/ 739.

لو لا حضور الحاضر و قيام الحجة: 1/ 473، 611؛ 2/ 14.

لو لاك ما خلقت الأفلاك: 1/ 76؛ 4/ 29.

لو لا من يبقى بعد غيبة قائمكم: 1/ 488.

لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان: 1/ 378.

... لو وجدت أربعين ذوي عزم: 1/ 610.

لو ولّيت الناس لعلّمتهم كيف ينبغي: 1/ 135.

لو يعلم الناس ما في طلب العلم: 1/ 21.

لوددت أنّ أصحابي ضربت رءوسهم: 1/ 21.

... لي منه الخمس مما يفضل من مئونته:

1/ 102؛ 3/ 69، 112، 119.

ليس أحد أقيم عليه الحدّ فيموت فأجد: 2/ 363.

ليس بالعاجز و لا باللئيم: 2/ 788.

... ليس به بأس قد ظهر رسول اللّه: 3/ 199؛ 4/ 150، 206، 224.

ليس ثواب عند اللّه- سبحانه- أعظم: 1/ 166، 198.

ليس الحكرة إلّا في الحنطة و الشعير: 2/ 639، 640.

ليس الخمس إلّا في الغنائم خاصّة: 3/ 48، 52، 342.

... ليس ذلك إليكم؛ إنّما: 1/ 558.

ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا: 2/ 176.

ليس على النساء أذان و لا إقامة: 1/ 354.

ليس على مؤمن جزية: 3/ 459.

ليس على مسلم جزية: 3/ 458.

ليس على المسلمين جزية: 4/ 272.

ليس على

المسلمين عشور: 4/ 265، 273.

... ليس عليها شي ء فيما بينها و بين اللّه: 1/ 146.

... ليس عليهم سبي، إنّما: 3/ 304.

ليس في الإسلام كنيسة: 3/ 483.

ليس في الحدود نظر ساعة: 2/ 391.

ليس في الخضر و البقول صدقة: 3/ 18.

ليس في العسل زكاة: 3/ 18.

ليس في المال حق سوى الزكاة: 3/ 7.

ليس فيما بين أهل الذمّة معاقلة فيما يجنون:

1/ 148.

ليس لأحدكم إلّا ما طابت به نفس إمامه:

4/ 38، 161، 198.

... ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبرا: 3/ 288.

ليس للبعيد من الغنيمة شي ء: 3/ 166.

... ليس لكتابك جواب؛ اخرج عنّا: 1/ 235.

... ليس لكم ذلك: 3/ 304، 311، 316.

ليس للمرإ إلّا ما طابت به نفس إمامه: 4/ 37، 156، 157، 162.

... ليس لنفسه من ذلك: 3/ 196.

ليس منّا أهل البيت أحد يدفع: 1/ 228.

ليس منّا من غشّنا و دحس: 2/ 265.

... ليس هذا لي و لا لك: 3/ 133؛ 4/ 7.

... ليس هو ذاك: 2/ 161، 164.

ليس يتبع الرجل بعد موته: 3/ 41.

... ليس يحييها بالقطر و لكن: 2/ 188، 310.

ليكن أبغض الناس إليك و أبعدهم منك:

2/ 123.

ليكن أحبّ الناس إليك و أحظاهم لديك:

2/ 122.

ليكن أحظى الناس منك أحوطهم: 2/ 122.

ليكن أحظى الناس عندك أعملهم بالرفق:

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 452

2/ 123.

ليلة الضيف حقّ على كل مسلم: 3/ 444.

لينتهينّ أقوام لا يشهدون الصلاة: 2/ 334، 388.

ليّ الواجد يحلّ عرضه و عقوبته (عقوبته و عرضه):

2/ 431، 484، 485.

حرف الميم ... ما الإبل إلّا مثل الحنطة و الشعير: 3/ 228.

... ما أتى فيه على يديه فلا شي ء: 2/ 359.

ما أجد أحدا أحيا ذكرنا: 2/ 95.

ما أجلب به أهل البغي: 3/ 312.

... ما أحبّ

أنّي عقدت لهم: 1/ 615.

ما أحطتم عليه فهو لكم: 4/ 154.

ما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام: 3/ 209.

... ما أرى عليهم من سبيل: 3/ 313.

ما استحسنه المسلمون فهو حسن: 2/ 260.

ما أسكر كثيره فقليله حرام: 2/ 418.

ما أطعم اللّه لنبي طعمة: 4/ 57.

... ما أعرفك لمن هو: 4/ 85، 253.

ما أفلح قوم قيّمتهم امرأة: 1/ 354.

ما أفلح قوم قيّمهم امرأة: 1/ 354.

ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة: 1/ 337.

ما أقبح العقوبة مع الاعتذار: 2/ 400.

ما أقرّ قوم بالمنكر: 1/ 601.

... ما أمحل هذا؟: 3/ 81.

... ما أنا لهؤلاء بإمام، أما يعلمون: 1/ 232.

ما أنزل اللّه داء إلّا و أنزل له دواء: 2/ 292.

... ما أنصفناكم إن كلّفناكم: 3/ 77؛ 4/ 134.

... ما بال أقوام جاوز: 3/ 257.

... ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم: 1/ 333؛ 4/ 261.

... ما بال هذا؟ ... إني نهيت: 2/ 324.

... ما بال هذه؟ ... أمرت بها أن ترجم؟:

2/ 379.

... ما بقي منهم اثنان: 1/ 378.

ما بنى عليّ آجرّة على آجرة: 2/ 685، 831.

... ما ترون في هذا؟ ... قتلته إذا: 2/ 516.

... ما تروني صانعا بكم؟: 3/ 142.

ما تريدون من عليّ «ع»؟: 1/ 45، 57، 171، 412.

... ما تقول؟ إن كان ذلك كذلك: 1/ 367.

... ما تقولان أنتما: 2/ 738.

ما تنفقون عليّ يا أهل البصرة؟: 2/ 685.

ما جعل اللّه بسط اللسان و كفّ اليد: 1/ 152، 192، 600؛ 2/ 217، 306.

ما حقّ امرئ مسلم أن يبيت ليلة: 1/ 49، 170.

... ما حملك على ترك إجابتي؟: 2/ 804.

... ما حملك على ما صنعت؟: 2/ 264.

... ما حملكم على ذلك؟: 1/ 299؛ 2/ 782.

ما خلق اللّه حلالا و لا حراما إلّا:

1/ 169.

ما ذا يمنعكم إذا بلغكم من الرجل: 2/ 246.

ما رأيت من ناقصات عقل: 1/ 359.

... ما سكتت عنه و صبرت فخلّ عنها: 1/ 135.

... ما صلحت دنيا و لا دين إلّا به: 1/ 120.

ما صومي إلّا بصومك و لا إفطاري: 2/ 604.

... ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان: 2/ 65.

... ما عماد الدين ... فما آفته؟: 2/ 295.

ما عملك ... فما يقول من قبلك فيه: 2/ 631.

... ما عندك؟ يا ثمامة!: 2/ 431، 508؛ 3/ 260.

ما قدّست أمّة لم يؤخذ: 1/ 611.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 453

... ما قيمة هذه النعل؟: 2/ 13.

ما كان عبد ليحبس نفسه على اللّه: 1/ 248.

... ما كان فراشي الليلة: 2/ 690.

ما كان فيهم الأطفال: 2/ 237.

... ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي: 1/ 102؛ 3/ 114؛ 4/ 22.

... ما كان للّه فهو لرسوله: 3/ 112.

ما كان للملوك فهو للإمام: 4/ 55.

... ما كان من الأرضين باد: 4/ 34.

ما كفل لنا يتيما قطعته عنّا محبتنا: 1/ 488.

... ما كنت تصنع بسعة هذه الدار: 2/ 824.

... ما كنت لألقى اللّه ببدعة لم يحدث: 2/ 662.

... ما له؟: 2/ 825.

... ما له ترحه اللّه فعل فعل: 2/ 486.

مالي ممّا أفاء اللّه عليكم: 3/ 102.

ما من أحد أفضل منزلة من إمام: 1/ 202.

ما من أحد ولي شيئا: 2/ 111.

ما من إمام أو وال يغلق بابه: 2/ 813.

ما من أمر يختلف فيه اثنان: 1/ 169؛ 2/ 62.

ما من أمير يؤمر على عشرة إلّا و هو يأتي: 2/ 297.

ما من أمير يلي أمر المسلمين و لا يجهد: 2/ 297.

ما من رجل أمّن رجلا على ذمّة:

2/ 732.

ما من رجل يكون في قوم: 1/ 603.

ما من شي ء إلّا و فيه كتاب أو سنّة: 1/ 169؛ 2/ 62.

ما من عين رأت منكرا و معصية للّه: 2/ 273.

ما من قوم يعمل فيهم: 1/ 603.

ما من مسلم يغرس غرسا: 4/ 149.

ما من مولود يولد إلّا على الفطرة: 3/ 481.

... ما نصحتني يا أصبغ: 2/ 268.

... ما هذا الّذي صنعتموه: 1/ 331؛ 2/ 802.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 453

... ما هذا ... سبحان اللّه في هذه الساعة؟!:

2/ 405.

ما هذه النيران؟ على أيّ شي ء توقدون: 2/ 336.

ما ولّت أمّة قط أمرها رجلا: 1/ 64، 507.

... ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس: 3/ 65.

... ما يحلّ لنا دمه و لكنّا نحبسه: 2/ 481.

... ما يرى الإمام، و لا يقدر له شي ء: 1/ 99.

ما يمنع ابن أبي سمّاك: 3/ 234.

مات رجل على عهد أمير المؤمنين «ع»: 4/ 92، 97.

ما يعطى المصدق؟: 1/ 99.

ما يمنع أحدكم إذا ورد: 2/ 39.

... ما يمنعك من محمد بن مسلم؟: 2/ 93.

... ما ينبغي لنبيّ إذا لبس لأمته: 2/ 46.

المال تنقصه النفقة و العلم يزكو على الإنفاق:

3/ 6.

المؤذّنون أمناء و الأمناء ضمناء: 2/ 294.

المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد: 2/ 715.

المؤمن أخو المؤمن عينه و دليله: 2/ 715.

المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا:

1/ 184.

المؤمنون إخوة تتكافى دماؤهم: 2/ 714.

المبادرة إلى العفو من أخلاق الكرام: 2/ 399.

مثل المؤمنين في توادّهم و تعاطفهم و تراحمهم:

2/ 19، 715.

مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه:

1/ 311، 314.

المجوس إنّما

ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية:

3/ 380، 393.

المجوس تؤخذ منهم الجزية: 3/ 379.

المحتكر آثم عاص: 2/ 623.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 454

المحتكر البخيل جامع لمن لا يشكره: 2/ 623.

المحتكر محروم من نعمته: 2/ 623.

المحتكر ملعون: 2/ 624.

المرتدّ يستتاب؛ فإن تاب و إلّا قتل: 2/ 519.

مرّ النبيّ «ص» بفخّ فنزل فصلّى: 1/ 608.

مرّ النبيّ «ص» في سوق المدينة بطعام: 2/ 263.

مروا بالمعروف و إن لم تعملوا به: 2/ 258، 273.

المروءة العدل في الإمرة: 2/ 400.

المستشار مؤتمن: 2/ 42.

المسلم أخو المسلم: 2/ 715؛ 3/ 298.

المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم: 2/ 714، 726.

المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط: 1/ 496.

مشاورة العاقل الناصح رشد: 2/ 39.

... مصلح أو مفسد؟ ... هل يجوز أن: 1/ 392.

المضعف أمير الرفقة: 2/ 765.

... مع أمير أمّره الإمام: 4/ 63، 64.

معاشر الناس، إنّ النساء نواقص: 1/ 358.

المعصوم هو الممتنع باللّه من جميع: 1/ 381.

المغرم إذا تديّن أو استدان في حقّ: 1/ 100؛ 2/ 696.

الملوك حكّام على الناس: 1/ 199، 310، 435، 448، 484.

... ممن قد روى حديثنا: 2/ 171.

من آذى ذمّيا: 3/ 474.

من ائتمن رجلا على دمه ثمّ: 2/ 732.

من ابتلي بالقضاء بين المسلمين: 2/ 200.

من أتى حزّارا فصدّقه في مقالة: 2/ 296.

من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد: 1/ 129، 184.

من أتى محمّدا من قريش بغير إذن: 2/ 735.

من أتى من هذه القاذورات شيئا: 2/ 279.

من أحاط حائطا على أرض فهي له: 4/ 153، 180، 182، 183، 187، 198، 216.

من أحاط على شي ء فهو أحقّ به: 4/ 154، 182، 187.

من أحبّ بقاء الظالمين: 1/ 616.

من احتكر طعاما أربعين ليلة: 2/ 631.

من احتكر طعاما أربعين يوما: 2/ 283.

من

احتكر طعاما على أمّتي أربعين: 2/ 631.

من احتكر فهو خاطئ: 2/ 624.

من احتكر طعاما فهو كذا: 2/ 612، 613.

من احتكر على المسلمين طعاما: 2/ 627.

من احتكر فوق أربعين يوما فإنّ الجنّة: 2/ 630.

من احتكر يريد أن يتغالى بها: 2/ 624، 654.

من أحسن الكفاية استحقّ الولاية: 1/ 324؛ 2/ 122.

من أحيا أرضا فهي له: 4/ 178.

من أحيا أرضا في غير حق: 4/ 255.

من أحيا أرضا من المؤمنين: 4/ 206، 221.

من أحيا أرضا مواتا: 4/ 161، 255.

من أحيا أرضا ميتة فله: 4/ 149.

من أحيا أرضا ميتة فهي له: 4/ 151، 157، 161، 198، 216، 217، 220، 225، 226، 227، 236.

من أحيا أرضا ميتة في غير حق: 4/ 234.

من أحيا أرضا ميتة لم تكن لأحد: 4/ 153، 239.

من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد: 4/ 186، 236.

من أحيا مواتا فهو أحقّ به: 4/ 42.

من أحيا مواتا من الأرض: 4/ 153، 167، 239.

من أحيا ميتا من موتان الأرض: 4/ 154.

من أخذ سارقا فعفا عنه: 1/ 141.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 455

من أخذت منه أرض ثمّ مكث: 4/ 101، 191.

من أرضى اللّه بسخط الناس: 2/ 301.

من استأكل بعلمه افتقر: 2/ 97.

من استبدّ برأيه هلك: 2/ 34.

من استشار أخاه فلم يمحضه: 2/ 42.

من استطاع منكم أن لا ينام: 1/ 203.

من استعمل رجلا من عصابة: 1/ 309، 344؛ 2/ 125، 189.

من استعمل عاملا من المسلمين: 1/ 308؛ 2/ 125.

من استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا: 2/ 714.

من استقبل وجوه الآراء عرف: 2/ 35.

... من أسلم طوعا تركت أرضه: 1/ 131؛ 3/ 54، 192؛ 4/ 251.

من أسلم منهم و أقام: 3/ 72.

من اشترى شيئا من الخمس: 3/ 76؛ 4/

137.

... من أصاب بفيه من ذي حاجة: 2/ 340.

من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين: 2/ 716.

من أطاعني فقد أطاع اللّه و من عصاني: 1/ 67؛ 2/ 779.

من اعتق سائبة فليتوال: 4/ 87.

من أعطاها مؤتجرا بها: 2/ 331.

من أعمر أرضا ليست لأحد: 4/ 152.

من أعود الغنائم دولة الأكارم: 1/ 199.

... من أعوزه شي ء من حقّي: 3/ 75؛ 4/ 139.

من أفتى الناس بغير علم: 2/ 97.

من افترى على مملوك عزّر لحرمة الإسلام:

2/ 355.

من أقرّ بحدّ على تخويف أو حبس أو ضرب:

2/ 378.

من أقرّ على نفسه عند الإمام بحق: 1/ 142.

من أقمنا عليه حدّا من حدود اللّه: 2/ 362.

من أقيم عليه حدّ فمات فلا دية له و لا قود: 2/ 366.

... من أكل بفمه و لم يتّخذ خبنة فليس عليه شي ء: 2/ 340.

... من ألقى سلاحه فهو آمن: 3/ 141.

من امتنع من دفع الحقّ: 2/ 485.

من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فهو خليفة اللّه:

2/ 272.

من أمّ قوما و فيهم أعلم منه أو أفقه منه: 1/ 304.

من أنكره بالسيف لتكون كلمة اللّه: 2/ 306.

من بحث عن أسرار غيره: 2/ 543.

من بدل دينه فاقتلوه: 2/ 521؛ 3/ 390، 391، 392.

من بلغ ما ليس بحدّ فهو من التعزير: 2/ 322، 349.

من بنى مسجدا كمفحص: 3/ 217.

... من ترك مالا فلورثته و من ترك: 1/ 103.

... من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل: 1/ 247، 441؛ 2/ 156.

من ترك الجهاد ألبسه اللّه: 2/ 763.

من تطبّب و لم يعلم منه طبّ: 2/ 292.

من تعلّم علما ليماري به السفهاء: 1/ 306.

من تقدم على قوم من المسلمين: 1/ 308.

من تمنّى من أمّتي الغلاء: 2/ 625.

من تولّى أمر الناس فعدل: 2/ 812.

من تولّى أمرا من

أمور الناس: 1/ 201، 387.

من تولّى عرافة قوم (و لم يحسن فيهم خ. ل):

2/ 574.

... من جاء بكذا فله كذا: 3/ 133؛ 4/ 6.

من جاءكم يريد أن يفرّق الجماعة: 1/ 497، 507؛ 2/ 33.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 456

من جعل قاضيا فقد ذبح: 2/ 152.

من حبس طعاما يتربّص به الغلاء: 2/ 630.

من الحدود ثلث جلد و من تعدّى: 2/ 368.

من حسنت سياسته وجبت طاعته: 1/ 199، 324؛ 2/ 122.

من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه: 2/ 189.

من خرج يدعو الناس و فيهم من: 1/ 305.

من خلد في السجن رزق من بيت المال: 2/ 462، 519.

من خلع يدا من طاعة لقي: 1/ 201، 583.

من خير خلق اللّه بعد أئمة الهدى: 1/ 482.

... من دخل دار أبي سفيان فهو آمن: 2/ 794.

من دخل في شي ء من أسعار المسلمين: 2/ 625.

من دعا الناس إلى نفسه و فيهم: 1/ 306.

من الدين التجاوز عن الجرم: 2/ 401.

من رأى رجلا يصطاد بالمدينة فله سلبه: 2/ 330.

من رأى منكرا فليغيّره بيده: 2/ 273.

من رأى منكم منكرا فلينكر: 2/ 217، 306.

من رأيتموه يصيد فيه شيئا فله سلبه: 2/ 331.

... من رجل يقوم فينظر لنا: 2/ 560.

من زرع زرعا أو غرس غرسا: 4/ 149.

... من زكريا بن آدم القمي: 2/ 94.

من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم: 4/ 155، 186، 187.

من سلك طريقا يطلب فيه علما: 1/ 469.

من سوّد اسمه في ديوان الجبارين: 1/ 616.

... من الشرك فرّوا ... إنّ المنافقين: 2/ 807.

من شهر السلاح في مصر ... فجزاؤه: 1/ 143.

من ضربناه حدّا من حدود اللّه: 2/ 367.

من طبائع الاغمار إتعاب النفوس: 2/ 623.

من طلب هذا

الرزق من حلّه: 1/ 99؛ 2/ 696.

من ظلم معاهدا و كلّفه فوق طاقته: 2/ 722؛ 3/ 505.

من عذّب الناس عذّبه اللّه: 3/ 506.

... من عرف شيئا من ماله: 3/ 302.

من عفا عن الجرائم فقد أخذ: 2/ 401.

من علامات المأمون على دين اللّه: 2/ 123.

من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ: 1/ 270.

من غشّ مستشيره سلب تدبيره: 2/ 43.

من فاته شي ء في صلاته فليسبّح: 1/ 336.

من فارق جماعة المسلمين: 1/ 183، 184، 522، 527، 576؛ 2/ 775.

من قال من مؤمن ما رأته عيناه: 2/ 541.

... من قتل الرجل؟ ... له سلبه أجمع: 2/ 743.

من قتل قتيلا فله سلبه: 2/ 332؛ 3/ 171، 173، 175.

... من قتل كافرا فله سلبه: 3/ 171، 175، 176.

من قتل معاهدا في غير كنهه حرّم اللّه: 2/ 733.

من قتله القصاص أو الحدّ لم يكن له دية: 2/ 366.

من قتله القصاص بأمر الإمام: 1/ 146.

... من قطع منه شيئا فلمن أخذه سلبه: 2/ 331.

من كان بينه و بين قوم عهد: 2/ 733.

من كان لم يصم فليصم و من كان أكل: 2/ 603.

من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا: 1/ 488.

... من كان منكم ... روى حديثنا ... نظر في حلالنا: 1/ 444.

من كان يؤمن باللّه و باليوم الآخر: 3/ 359.

من كانت عنده امرأة فلم يكسها: 1/ 134.

من كره من أمير شيئا: 1/ 582.

من كشف حجاب أخيه انكشف: 2/ 448، 543.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 457

من كنت مولاه فعليّ مولاه: 1/ 53، 54، 56، 63، 310، 483؛ 3/ 104.

من لزم المشاورة لم يعدم: 2/ 36.

من لطم خدّ امرئ مسلم أو وجهه: 3/ 505.

من لقى صاحب عشور فليضرب عنقه:

4/ 260.

... من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك:

2/ 603.

من لم يصلح نفسه لم يصلح غيره: 2/ 122.

من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية: 1/ 203.

من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية: 1/ 49، 170، 196.

من مات لا مولى له و لا ورثة: 4/ 84.

من مات من حدّ أو قصاص فهو قتيل القرآن:

2/ 366.

من مات و ترك دينا: 4/ 84.

من مات و لم يدع وارثا: 4/ 88.

من مات و ليس عليه إمام: 1/ 196.

من مات و ليس في عنقه: 1/ 201.

... من مات و ليس له مولى: 4/ 84.

من مات و ليس له وارث: 4/ 84.

من محمد رسول اللّه إلى أساقفة نجران: 2/ 752.

من محمد رسول اللّه إلى أهل اليمن: 3/ 380.

من محمد رسول اللّه إلى صاحب الروم: 2/ 706.

من محمد رسول اللّه إلى صاحب مصر: 2/ 707.

من محمد رسول اللّه «ص» إلى الهرمزان: 2/ 708.

من مشى إلى سلطان جائر: 2/ 252.

من مشى إلى ظالم ليعينه: 1/ 615.

من نصب نفسه للقياس: 2/ 69.

من نصب نفسه للناس: 1/ 293.

من وجد برد حبّنا في كبده: 4/ 122.

... من وجد رجلا يصيد فيه فليسلبه: 2/ 331.

... من وجد ماله فليأخذه: 3/ 298، 304.

من وكّل رجلا على إمضاء: 2/ 174.

من ولّى لنا شيئا فلم تكن له: 3/ 499.

من ولّى من أمر المسلمين شيئا فاحتجب:

2/ 813.

من ولّاه اللّه- عزّ و جلّ- من أمر المسلمين شيئا:

2/ 111.

من ولاه شيئا من أمور المسلمين: 2/ 813.

... من يحمل وزري يوم القيامة: 2/ 699.

... من يشتري منّي سيفي هذا: 2/ 685، 831، 832.

منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء:

1/ 468.

... منكم ... عليكم: 1/ 451.

... منكم (في خبر أبي خديجة): 2/ 149.

منها أنّ

الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود: 1/ 476.

موتان الأرض للّه و لرسوله: 4/ 39، 42، 154، 217، 220.

موسّع على شيعتنا أن ينفقوا: 4/ 292.

المؤلى إذا أبى أن يطلق: 2/ 522.

... ميراثه بين المسلمين عامّة: 4/ 88.

حرف النون النائحة و من حولها في النار: 2/ 282.

... نابيت قومك و داهنت وضيعت: 2/ 326.

الناس تبع لقريش في الخير و الشرّ: 1/ 376.

الناس تبع لقريش في هذا الشأن: 1/ 375.

الناس عبيد الدنيا و الدين لعق على ألسنتهم:

1/ 579.

الناس كأسنان المشط سواء: 2/ 191.

الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا: 4/ 131.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 458

النبي «ص» فادى بالرجل الذي أسلم: 3/ 278.

النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق: 1/ 60، 84.

نحن العلماء و شيعتنا المتعلّمون: 1/ 316، 469.

نحن قوم فرض اللّه- تعالى- طاعتنا: 4/ 13، 58، 59.

نحن و اللّه الذين عنى اللّه: 3/ 327.

الندامة على العفو أفضل: 2/ 397.

نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها: 2/ 772.

نضّر اللّه عبدا سمع مقالتي هذه: 2/ 773.

... نظام المسلمين ... 1/ 386.

... نعم: 2/ 94؛ 3/ 164، 217؛ 4/ 263.

... نعم أخبرني أبي عن جدّي: 4/ 97.

... نعم ... إذا أدرك الصغار: 2/ 203.

... نعم، إذا حفر لهم: 3/ 226.

... نعم، أما بلغك كتاب: 3/ 378.

... نعم، إنّ الوكيل إذا وكّل: 2/ 174.

... نعم، إنّ المدينة لم تكن يومئذ: 3/ 17.

... نعم، إنّا للّه و إنّا إليه راجعون: 1/ 608.

... نعم، أين ما قال اللّه و الذين: 4/ 291.

... نعم، خمس و عشرون سوطا ربع حدّ الزاني:

2/ 331.

نعم الشي ء الإمارة لمن أخذها بحقها: 1/ 202.

... نعم، لا بأس به: 3/ 226.

... نعم ... ليس حيث تذهب، إنّما

هو:

2/ 448.

... نعم ... ليس حيث تذهب، إنّما هي إذاعة سرّه: 2/ 543.

... نعم ... نعم، إنّما هو ماله: 3/ 421.

... نعم، و ذلك أنّ عليّا: 3/ 305.

... نعم، و لكن لو اعترف و لم يجئ بالسرقة: 2/ 378.

... نعم ... يكون بعدي أئمة: 1/ 580.

... نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام:

1/ 100.

نعيت إلى النبيّ «ص» نفسه و هو صحيح:

2/ 799.

نفد الطعام على عهد رسول اللّه «ص» فأتاه:

2/ 28، 632، 661.

نكحت ابنة رسول اللّه «ص» و ليس لنا فراش إلّا:

2/ 832.

نهى رسول اللّه «ص» أن يحتكر الطعام: 2/ 626.

نهى رسول اللّه «ص» عن الأدب عند الغضب:

2/ 392.

نهى عن الحكرة بالبلد: 2/ 625.

حرف الهاء هؤلاء يقولون: لا إمرة إلّا للّه: 1/ 4، 547؛ 2/ 15؛ 4/ 109.

... هؤلاء المحرومون: 3/ 164.

... هذا ابن عمّ رسول اللّه «ص» في علمه:

2/ 676.

... هذا أمين هذه الأمّة: 2/ 139.

هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق: 2/ 765.

هذا على أن يأمره بعد معرفته: 2/ 245.

... هذا لتجرئك على شرب الخمر: 2/ 451.

... هذا لشيعتنا حلال: 3/ 75؛ 4/ 123، 134.

... هذا نفي المحارب غير هذا النفي: 1/ 143.

هذه الآية نزلت حين أمر رسول اللّه «ص»:

3/ 365.

هذه الكتب ابتداء منهم أو جواب ما كتبت:

1/ 214.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 459

... هاهنا أحد من أهل قريته: 4/ 93.

... هل تعرف الناسخ و المنسوخ: 2/ 171.

هلمّوا أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده: 1/ 59.

هم عيش العلم و موت الجهل: 2/ 83.

... هم قرابة الرسول «ص»: 3/ 113.

... هم من آبائهم: 3/ 258.

... هم منهم: 3/ 258.

هم موضع سرّه و لجأ أمره: 1/ 60؛ 2/ 83.

... هم

و اللّه أهل قم: 1/ 240.

همّ رسول اللّه «ص» بإحراق قوم في منازلهم:

1/ 93.

هو أنت و شيعتك يوم القيامة: 1/ 61.

... هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل:

1/ 146.

... هو حسن إن لم يكن جزية: 4/ 289.

... هو حقّك إن عفوت عنه فحسن: 1/ 141.

هو الرجل يأتي السلطان: 1/ 617.

... هو صلة الإمام في كلّ سنة: 4/ 291.

... هو كذلك ... صدق اللّه: 2/ 236.

... هو كذلك، هو كذلك: 1/ 117.

... هو لجميع المسلمين: 3/ 197.

... هو لك يا مالك، فإذا: 3/ 291.

... هو له، هو له: 3/ 231.

... هو المعتصم بحبل اللّه: 1/ 381.

... هو من الفي ء و الأنفال: 3/ 357؛ 4/ 55.

... هوّن عليك، فإنّي لست: 2/ 798.

... هي الزكاة: 3/ 9.

... هي الزكاة المفروضة: 3/ 9.

... هي القرى الّتي قد جلا أهلها: 4/ 39.

... هي القرى الّتي قد خربت: 4/ 39، 45، 54، 73.

... هي له و له أجر بيوتها: 4/ 151، 207.

... هي و اللّه الإفادة يوما: 3/ 47.

... هي و مثلها و النكال و ليس في شي ء من الماشية: 2/ 340.

... هيهات يا معلّى، أما و اللّه: 1/ 345؛ 2/ 53، 822.

حرف الواو و آتيتم الزكاة و أعطيتم: 3/ 72.

... و آخر ينظر لهما: 2/ 524.

و الآية الخامسة قول اللّه: 3/ 329.

الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل: 1/ 142.

و اجعل لذوي الحاجات منك قسما: 2/ 54، 211.

و اجعل لهم قسما من بيت مالك: 4/ 53.

و أخذ رسول اللّه «ص» الجزية: 3/ 368، 381.

... و إخراج الخمس من كلّ ما يملكه: 3/ 85.

و إذا حاصرت أهل حصن: 2/ 76.

... و إذا لقيتم عدوّا: 3/ 384.

... و إذا وصلتم

إلى رحال القوم: 3/ 310.

و الأرضون الّتي أخذت عنوة: 3/ 33، 494.

و أشدّ من يتم هذا اليتيم يتيم ينقطع: 1/ 488.

و الاستشارة عين الهداية: 2/ 35.

و أشعر قلبك الرحمة للرعية و المحبة: 2/ 398، 722، 801؛ 3/ 470.

و أعجب من ذلك طارق طرقنا: 1/ 333.

و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ألا انّ القوّة ...:

2/ 758.

و أعظم ما افترض اللّه- سبحانه- من تلك الحقوق:

1/ 186.

______________________________

و اعلم- مع ذلك- أنّ في كثير منهم: 2/ 621، 646.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 460

... و أغنى عن الناس شرّه: 2/ 518.

... و أفضلهم حلما و أجمعهم علما و سياسة:

1/ 325.

و أقام لهم عليّا «ع» علما و إماما: 1/ 390.

وال ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم: 1/ 4، 176، 547.

و الزموا السواد الأعظم: 1/ 184، 554.

و اللّه إن كان عليّ «ع» ليأكل: 2/ 827.

و اللّه لأن أبيت على حسك السعدان: 2/ 679.

... و اللّه لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي ء:

3/ 359.

و اللّه لا يخرج أحد منّا قبل خروج القائم: 1/ 222.

... و اللّه لهي أحبّ إليّ من إمرتكم: 1/ 79.

و اللّه لو أنّ الحسن و الحسين فعلا: 2/ 193، 211.

و اللّه لو وجدته قد تزوج به النساء: 2/ 15، 187، 211، 686.

و اللّه ما صلّوا لهم و لا صاموا و لكن: 1/ 591.

و اللّه ما كانت لي في الخلافة رغبة: 1/ 80، 190، 332.

و اللّه ما لي من فيئكم و لا هذه الوبرة: 3/ 147.

و اللّه ما معاوية بأدهى مني و لكنه يغدر: 1/ 545؛ 2/ 735.

و اللّه يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء:

1/ 529.

و اللّه يا محمد من أصبح

من هذه الأمّة: 1/ 291.

و الّذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته: 1/ 61.

و الإمام المستحق له علامات: 1/ 384.

و الإمام عالم لا يجهل و راع لا ينكل: 1/ 305، 323.

و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: 2/ 250.

و الأمر و النهي وجه واحد لا يكون: 1/ 177.

و أمر أمير المؤمنين «ع» مالكا: 2/ 265.

و أمر «ع» رفاعة قاضيه على الأهواز: 2/ 266.

و أمره أن يأخذ من المغانم: 3/ 71.

... و أمره أن يقرئهم: 2/ 96.

و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة: 1/ 108.

و أمروا بالمعروف و ائتمروا به: 2/ 257.

و أمّا بعد فلا تطولنّ احتجابك: 2/ 812.

و أمّا حقّ المستشير فإن حضرك: 2/ 42.

و أمّا حقّ رعيتك بالسلطان: 2/ 399، 777.

و أمّا حقي عليكم فالوفاء بالبيعة: 1/ 576.

و أمّا الحنّاط فإنّه يحتكر الطعام على أمّتي: 2/ 630.

و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا 1/ 263، 481؛ 2/ 90، 107، 158، 598.

و أمّا الخمس فقد أبيح: 4/ 139.

و أمّا الرجل الذي اعترف باللّواط: 2/ 394.

و أمّا الرشا في الحكم فهو الكفر: 2/ 199.

و أمّا السيف المكفوف: 3/ 289.

و أمّا فلانة فأدركها رأي النساء: 1/ 359.

... و أمّا قولك: إنّ عليّا «ع» قتل: 3/ 288.

و أمّا قولك: إنّ قومي كان لهم عريف: 2/ 574.

و أمّا قولك لا تبايع حتى يبايع أهل الأمصار:

1/ 558.

و أمّا قوله: و ما أفاء اللّه: 3/ 324.

و أمّا اللواتي في صفات ذاته فإنّه: 1/ 304، 323.

و أمّا ما جاء في القرآن: 3/ 111.

... و أمّا المتلبسون بأموالنا: 3/ 78.

و أمّا المغانم فإنّه لما كان يوم بدر: 3/ 134.

و الأموال أربعة: أموال المسلمين: 3/ 356.

و إن أبوا أن يهاجروا: 3/ 358.

و

إن تركها أو أخربها فأخذها: 4/ 188.

و إن تعطوا من المغنم الخمس: 3/ 72.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 461

و إن حارب اللّه و سعى في الأرض: 2/ 532.

... و إن سرق فاقطعوا يده: 2/ 516.

و إن عقدت بينك و بين عدوّك: 2/ 734.

... و إن كان الميت لم يتوال إلى أحد: 1/ 142.

و إن كانت امرأة حبست حتى تموت: 2/ 519.

و إن كانت امرأة فحلق رجل رأسها: 2/ 501.

و أن لا تنازع الأمر أهله: 1/ 617.

... و إن لم يكن له وليّ طلّقها السلطان: 1/ 135.

و أن ليس عليكم أمير إلّا من أنفسكم: 1/ 501.

... و أنا وارث من لا وارث له: 4/ 86.

... و أنتم أعظم الناس مصيبة: 1/ 316، 485.

و انظروا لأنفسكم، فو اللّه إنّ الرجل: 1/ 276، 308.

و إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: 2/ 253.

... و إنّ عملك ليس لك بطعمة: 1/ 433.

و إنّ في سلطان اللّه عصمة: 2/ 774.

و انّ لك نصيبا في بيت المال: 3/ 220.

و إنّ من أسخف حالات الولاة: 2/ 802.

و إنّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين: 2/ 21.

و إنّما الشورى للمهاجرين و الأنصار: 1/ 505، 549، 567.

و إنّما عاب اللّه ذلك عليهم: 2/ 253.

و إنّما هلك الناس حين ساووا: 1/ 291.

و إنّه لا بدّ للناس من أمير: 3/ 356.

و انه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج: 1/ 237.

و إنّي أقسم باللّه قسما صادقا: 2/ 554، 673؛ 3/ 356.

... و إنّي باعث إليكم أخي و ابن عمّي:

1/ 509، 559.

... و أوّل ذلك الدعاء إلى طاعة اللّه: 1/ 116؛ 2/ 711.

و إيّاك أن تشتم مسلما أو تطيع: 2/ 777.

و

إيّاك و الغدر بعهد اللّه و الإخفار: 2/ 734.

و إيّاك و مشاورة النساء فإنّ رأيهنّ: 1/ 356.

و إيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضا: 1/ 442.

و ايم اللّه لأنصفنّ المظلوم: 2/ 189.

و أيّما قرية عصت اللّه و رسوله: 3/ 58.

... و أيّما قوم أحيوا: 3/ 199.

و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض: 4/ 207.

... و بحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كلّ زمان:

1/ 122.

و بسطتم يدي فكففتها و مددتموها: 1/ 519.

... و بطون الأودية و رءوس الجبال: 4/ 38، 48.

و التأديب ما بين ثلاثة إلى عشرة: 2/ 360.

و تفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله: 3/ 500.

و الجاسوس و العين إذا ظفر بهما: 2/ 742.

وجد في قائم سيف رسول اللّه «ص»: 3/ 503.

وجدت امرأة مقتولة: 3/ 257.

وجدنا في كتاب عليّ «ع» أن الأرض: 4/ 46، 200، 241.

... وجّه رسول اللّه «ص» عمر بن الخطاب:

2/ 564.

و جعل رسول اللّه «ص» الصدقة في كلّ: 3/ 23.

و جعلوهم حكّاما على رقاب الناس: 1/ 448.

و الجهاد واجب مع الإمام: 1/ 117.

و الحكم لا يصح إلّا بإذن من اللّه و برهانه:

2/ 142.

و الخمس من جميع المال مرّة واحدة: 3/ 85.

... وددت أنّي أقدر على أن أجيز: 4/ 263.

و دفن عليّ «ع» الأطراف: 3/ 317.

و ذلك أنّ جميع ما بين السماء و الأرض: 3/ 357.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 462

ورثت عن رسول اللّه «ص»: 3/ 504.

... ورثة الأنبياء: 1/ 469.

و رجل قمش جهلا موضع في جهال الأمّة:

2/ 151.

وزراء السوء أعوان الظلمة و إخوان الأئمة:

2/ 122.

و الزكاة نسخت كلّ صدقة: 4/ 284.

و سأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا: 1/ 226، 246.

و صل اللّه طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله: 2/

776.

وضع أمير المؤمنين «ع» على الخيل: 3/ 27؛ 4/ 288.

وضع رسول اللّه «ص» الزكاة على تسعة: 2/ 648؛ 3/ 13، 14، 15، 19، 22؛ 4/ 288.

و طاعتنا نظاما للملّة: 1/ 185؛ 2/ 549.

و طاعة ولاة العدل تمام العزّ: 2/ 777.

و العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس: 1/ 241.

و العشر في التمر و الزبيب و الحنطة: 3/ 25.

و علّة ضرب الزاني على جسده: 2/ 409.

و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون: 1/ 99؛ 3/ 33.

و فعل النبي «ص» ذلك و أخذ الجزية: 3/ 372.

و الفي ء يقسم قسمين: 3/ 348.

و في كلّ أربعين من الإبل السائمة: 2/ 330.

و قام معه بنو أبيه يخضمون: 3/ 326؛ 4/ 21.

و قبض ما كان في عسكرهم: 3/ 314.

و قد اجتمعت الأمّة قاطبة: 2/ 68.

و قد روى أصحابنا أنّ ما يحويه العسكر: 3/ 311.

و قد عرفت أنّ معاوية كتب: 2/ 553.

و قد علمتم أنّ رسول اللّه «ص» رجم الزاني:

3/ 356.

و قد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي: 1/ 291، 325، 329.

و قد علمتم موضعي من رسول اللّه «ص»: 1/ 46.

و قد كان رسول اللّه «ص» عهد إليّ: 1/ 505.

و قد كان من أبي سفيان في زمن عمر: 1/ 364.

و قد ولّيت أموركم حذيفة بن اليمان: 2/ 570.

و قسّم عليّ «ع» ما وجده في العسكر: 3/ 313.

و قضى أن لا ضرر و لا ضرار: 2/ 30.

و قول اللّه- تعالى- ما فرّطنا: 2/ 70.

و كان أمير المؤمنين «ع» إذا سرق السارق:

2/ 454، 462.

و كان أمير المؤمنين «ع» يعطي ميراث: 4/ 93.

و كان رسول اللّه «ص» المبين عن اللّه: 3/ 430.

... و كان رسول اللّه «ص» ينفق منها: 3/ 322.

و كان علي «ع» إذا

أتي بالسارق: 2/ 462.

... و كان للمسلمين: 3/ 193.

و كانت الفريضة تنزل بعد الفريضة: 1/ 189.

و كأنّك إنّما كنت تكيد: 3/ 356.

و كذلك أخذ رسول اللّه «ص» البيعة لعليّ «ع»:

1/ 517.

و كذلك من عظمت الدنيا في عينه: 2/ 817.

... و كفّ عن الناس: 2/ 518.

... و كلّ أرض خربة و بطون الأودية: 4/ 38، 48.

... و كلّ أرض ميتة قد جلا أهلها: 4/ 55.

... و كلّ أرض ميتة لا ربّ لها: 4/ 47.

و كلّ حكرة تضرّ بالناس: 2/ 623.

و كلّ سائس إمام: 2/ 601؛ 4/ 25.

و كلّ ما دخل منه في ء: 3/ 350.

و كلّ ما في أيدي شيعتنا: 4/ 208، 221.

و كلّ ما كان في أيدي شيعتنا: 4/ 146.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 463

... و كم تضربه؟ ... مأئة مأئة: 2/ 359.

و كيف يأمرهم اللّه- عزّ و جلّ- بطاعة: 1/ 438.

... و كيف يختلفان: 2/ 182.

و لا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة: 2/ 723.

و لا تدخلنّ في مشورتك بخيلا: 1/ 326، 330؛ 2/ 40.

و لا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك: 2/ 728؛ 3/ 388.

و لا تقتلوا وليدا: 3/ 425.

و لا تقطعوا شجرة: 3/ 168.

... و لا تلي الإمارة: 1/ 354.

و لا تهيجوا امرأة بأذى و إن شتمن أعراضكم:

1/ 358.

و لا تهيجوا النساء بأذى و إن شتمن أعراضكم:

1/ 357.

... و لا تولّى القضاء: 1/ 355.

... و لا الجاهل فيضلّهم بجهله: 1/ 302.

... و لا جزية على النساء: 3/ 418.

و لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به: 2/ 257.

... و لا يجاز على جريحهم و: 3/ 293.

و لا يحلّ منع الملح و النار: 4/ 76.

... و لا يقتل أسير

و لا: 3/ 301.

و لا يقسّم فيئهم: 3/ 305.

و لا يكونن المحسن و المسي ء: 2/ 189.

ولاة الجور شرار الأمّة: 1/ 296؛ 2/ 122.

و لكن اللّه- عزّ و جلّ- فرض في أموال: 4/ 291.

و لكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمّة: 1/ 286، 292.

و لكني أضرب بالمقبل إلى الحقّ: 2/ 570.

الولاية أفضل، لأنّها: 1/ 599.

ولاية أهل العدل الّذين أمر اللّه: 1/ 197، 294، 509.

ولد الزنا شرّ الثلاثة: 1/ 364.

و لعلي أسمعكم و أطوعكم لمن ولّيتموه أمركم:

1/ 65.

و لعمري لئن كانت الإمامة: 1/ 549، 555.

و لعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ:

1/ 601.

و لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل: 2/ 723.

و للإمام صفو المال: 3/ 72، 137؛ 4/ 59.

ولّ أمر جنودك أفضلهم في نفسك حلما:

1/ 325.

ولّاني المسلمون الأمر بعده: 1/ 498؛ 2/ 32.

... و لم أفتوك بثمانية عشر يوما؟: 2/ 98.

... و لم يستحلّ أن يجلس في الضوء من غير استحقاق: 2/ 682.

... و لم يا سدير، ... يا سدير، و كم عسى أن تكونوا؟: 1/ 230، 609.

و لمّا فرغ رسول اللّه «ص» من ردّ سبايا حنين:

3/ 355.

و لنا الأنفال ... المعادن منها: 4/ 46، 73.

و لنا الصفيّ ... الصفي من كلّ: 4/ 59.

و لنجران و حاشيتها جوار اللّه: 2/ 21؛ 3/ 472.

و له أن يسدّ بذلك المال: 3/ 148، 169، 466؛ 4/ 10.

و له بعد الخمس الأنفال: 4/ 17، 34، 38.

و له رءوس الجبال و بطون الأودية: 4/ 48.

و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم: 4/ 53.

و لو استعمل عليكم عبد يقودكم: 1/ 373؛ 2/ 779.

... و لو صبرتم على الأذى: 1/ 316.

و لو قتل عليّ «ع» أهل البصرة جميعا: 3/ 295.

دراسات في

ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 464

و ليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة: 2/ 250.

و ليس في الرايات راية أهدى من اليماني: 1/ 238.

و ليس في مال الخمس زكاة: 3/ 56، 113، 340.

و ليس لعرق ظالم حقّ: 4/ 160، 234.

و ليس للأعراب من الغنيمة شي ء: 3/ 165.

و ليس للإمام أكثر من الجزية: 3/ 447.

... و ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين: 3/ 195.

و ليس يحبّ للملوك أن يفرّطوا: 2/ 124.

و ليكن أبعد رعيتك منك و أشنأهم: 2/ 543.

و ليكن أحبّ الأمور إليك: 2/ 114.

و ليكن نظرك في عمارة الأرض: 4/ 291.

و ما أخذ بالسيف: 3/ 194، 203، 210، 211؛ 4/ 207.

... و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه:

2/ 300.

و ما أعمال البرّ كلّها و الجهاد: 2/ 214.

و ما أقرّ قوم بالمنكر: 2/ 234.

... و ما أنت و ذاك، إنّما كلّف الناس: 2/ 776.

... و ما علامة ذلك؟: 3/ 146.

... و ما عليّ من غلائه إن غلا فهو: 2/ 662.

و ما كان للّه من حقّ فإنّما: 4/ 105.

و ما كان من فتح لم يقاتل: 3/ 352؛ 4/ 34.

و ما كان من أرض خربة: 4/ 38، 48.

و ما لم يعمر منها أخذه: 4/ 21.

... و ما لم يعمروه منها: 3/ 193، 194.

... و ما الملاحة؟ ... فقال هذا: 3/ 59.

... و ما هي؟ ... في الحبوب كلّها: 3/ 19.

... و مثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله: 4/ 64، 125.

و المرأة إذا ارتدّت عن الإسلام: 2/ 449.

و معه درّة لها سبابتان: 2/ 266.

و مكان القيّم بالأمر مكان النظام: 1/ 186؛ 2/ 19، 548.

و من استمع إلى حديث قوم: 2/ 544.

و من أنكره

بالسيف لتكون كلمة اللّه: 2/ 217، 253.

... و من كان على نصرانية أو يهودية: 3/ 418.

... و من يبيع ذلك؛ هي أرض المسلمين:

3/ 198؛ 4/ 205.

و من يكن على يهوديته أو نصرانيته: 3/ 418.

... و منها أنّه لو لم يجعل لهم إماما: 1/ 296.

و مهما كان في كتّابك من عيب: 2/ 54.

... و الناس يقولون: 3/ 194.

و نحن أهل بيت محمد (ص) و أولى بولاية هذا:

1/ 65.

... و نسخ ذلك بآية الزكاة: 4/ 293.

و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته: 3/ 106.

و نهى رسول اللّه «ص» عن التعدي: 3/ 447.

و هؤلاء الذين لو ولّوا عليكم: 1/ 307.

و هو نسل المطهرة البتول لا مغمز فيه: 1/ 375.

و هو وارث من لا وارث له: 4/ 85.

و الواجب في حكم اللّه و حكم الإسلام: 1/ 12، 318، 388، 508؛ 2/ 16.

و يؤخذ الباقي فيكون بعد ذلك: 3/ 467، 495.

و اليتامى يتامى الرسول: 3/ 106.

و يترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور: 1/ 554.

و يترك الناس ليس لهم طعام: 2/ 653.

و يجب على الوالي أن يكون كالراعي: 2/ 53.

... و يحك! إنّ العراقين بهما الرجال: 1/ 332.

... و يحكم! أبعد الرضا و الميثاق: 2/ 736.

... و يحكم! هذا للبدريين دون الصحابة:

1/ 557.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 465

... و يستودع العبد في السجن حتى يموت:

2/ 529.

و يقطع من السارق الرجل بعد اليد: 2/ 462.

و يكونون حكّام الأرض و سنامها: 1/ 436.

... ويلك! كيف قطعت على أبي: 2/ 809.

... ويلك! لعلّ رجلا وقع عليك و أنت:

2/ 495.

... ويلك! ما هذا ... ويلك: 2/ 683.

... ويلك! ما وراءك ... و لم أقتلك: 2/ 739.

ويل لقوم لا يدينون اللّه

بالأمر بالمعروف: 2/ 233.

ويل للوزراء؛ ليتمنى أقوام يوم القيامة: 2/ 112.

ويل للأمراء، ويل للعرفاء، ويل للأمناء:

2/ 575.

و يوسع الطريق الأعظم فيصير ستين: 4/ 215.

حرف الياء ... يا أبا بصير، إنّا قد أعطينا هؤلاء: 2/ 736.

... يا أبا ثعلبة، مر بالمعروف و انه عن المنكر:

2/ 273.

... يا أبا جندل، اصبر و احتسب فإنّ اللّه:

2/ 735.

يا أبا حنيفة، بلغني أنّك تقيس: 2/ 69.

يا أبا ذر، إنّك ضعيف لا تأمرن: 1/ 270.

... يا أبا ذر، إنّك ضعيف و إنّها أمانة: 1/ 324.

يا أبا ذر، إنّي أراك ضعيفا و إنّي أحبّ: 2/ 124.

يا ابن أمّ عبد، ما حكم من بغى: 3/ 285.

يا ابن عباس، عليك بتقوى اللّه: 2/ 807.

... يا ابن عوف، اركب فرسك ثم ناد: 3/ 448.

... يا ابن الكوّاء، حفظت المسألة فافهم الجواب:

1/ 529.

يا ابن مسعود، أ تدري ما حكم اللّه: 3/ 292.

... يا أمير المؤمنين، ما بال مظلمتنا: 3/ 333.

يا أمّ سلمة، هذا حدّ من حدود اللّه: 2/ 310.

... يا أمير المؤمنين، لا تقس أخي زيدا: 1/ 210.

يا أهل السوق، اتقوا اللّه، و إيّاكم و الحلف:

2/ 268.

يا أهل الكوفة، إذا أنا خرجت: 2/ 685.

يا أيّها الناس، تداووا فإنّ اللّه: 2/ 292.

يا أيّها الناس، و اللّه ما من شي ء: 2/ 61.

... يا با بصير، هم قوم وصفوا عدلا: 2/ 301.

يا با ذر، إنّك ضعيف و إنّها أمانة: 2/ 124.

يا با ذر، إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي: 1/ 323، 2/ 124.

... يا بنيّ، انظر كيف تحكم فإنّ: 2/ 188.

... يا جارية، ما يبكيك؟: 2/ 804.

يا حسن، إذا نزلت بك نازلة: 2/ 40.

يا حكم، كلّنا قائم بأمر اللّه: 1/ 243.

... يا حكيم بن حزام، إيّاك أن تحتكر: 2/

665.

... يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي: 2/ 830.

يا خالد، لا تردّ عليه: 3/ 175.

... يا خالد، ما حملك على ما صنعت: 3/ 174.

يا دنيا، أ بي تشوقت و لي تعرضت؟!: 2/ 828.

يا دنيا، أ لي تعرضت أم إليّ تشوقت؟!: 2/ 829.

يا دنيا، يا دنيا، إليك عنّي: 2/ 829.

يا زياد، إنّك لتعمل: 1/ 616.

يا سدير، الزم بيتك و كن حلسا: 1/ 229.

... يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء:

1/ 193.

... يا سعد، إنّك سألتني: 3/ 133.

... يا سليمان، الدخول في أعمالهم و العون لهم:

1/ 615.

يا سوادة بن قيس، أ تعفو أم تقتصّ؟: 2/ 191.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 466

يا شريح، قد جلست مجلسا لا يجلسه: 1/ 454.

يا شحّام، إنّي طلبت إلى إلهي في سدير: 1/ 230.

... يا صاحب الطعام، ما هذا؟: 2/ 264.

يا صفوان، كلّ شي ء منك حسن: 1/ 616.

يا عائشة، أخّرى هذا، فإنّي إذا: 2/ 819.

... يا عبد العزيز، جهل القوم و خدعوا: 1/ 382.

يا عليّ، اخلفني في أهلي و اضرب و خذ: 2/ 136.

يا عليّ، إنّ إزالة الجبال الرواسي أهون: 1/ 245.

يا عليّ، إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية: 3/ 47.

يا عليّ، ليس على النساء جمعة و لا جماعة: 1/ 354؛ 2/ 41.

يا عمرو، اتق اللّه و أنتم أيّها الرهط: 1/ 305.

يا عمرو، أ رأيت لو بايعت: 3/ 377.

يا عمر، افتح الأبواب و سهّل الحجاب: 2/ 813.

يا عمّار، إن كنت تحبّ أن تستتب: 2/ 41.

... يا غلام، اذهب فانظر أ صام السلطان أم لا؟:

1/ 96؛ 2/ 604.

... يا غلام، صدق فوك و وعت أذناك: 2/ 568.

يا فضيل، شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟:

1/ 209.

... يا قنبر،

أظنّ أنّه حدث بهذا الزقّ: 2/ 680.

... يا قنبر، خذهم إليك فداء: 2/ 512.

يا كعب بن عجرة، أعيذك باللّه: 1/ 297.

... يا محمّد، كذّب سمعك و بصرك عن أخيك:

2/ 541.

يا محمّد، من عطّل حدّا من حدودي: 2/ 310.

يا معاذ، علّمهم كتاب اللّه: 2/ 9.

يا معشر الأنصار، ما قالة بلغتني: 3/ 144.

... يا معشر التجّار، إنّ أسواقكم هذه تحضرها:

2/ 268.

... يا معشر قريش، ما ترون أنّي فاعل بكم: 2/ 5، 794؛ 3/ 143.

يا معشر القصّابين، لا تعجّلوا الأنفس: 2/ 268.

يا معشر القصّابين، لا تنفخوا: 2/ 265.

يا معشر من آمن بلسانه و لم يدخل: 2/ 542.

... يا مفضّل، أ ما لو كان ذلك: 2/ 822.

يا مفضّل، من تعرّض لسلطان جائر: 2/ 251.

يا مفضّل، ... و العالم بزمانه لا يهجم عليه اللوابس:

1/ 324.

يا متوكل، كيف قال لك يحيى، إنّ عمّي محمد بن عليّ: 1/ 224.

... يا موسى، ... قل أستغفر اللّه: 3/ 312.

... يا نجيّة، سلني فلا تسألني: 4/ 132.

يا نضر، إذا انتهيت إلى فخّ فأعلمني: 1/ 608.

يا نوف، إنّ داود- عليه السلام- قام في مثل:

2/ 576؛ 4/ 258.

يا نوف، اقبل وصيتي؛ لا تكونن: 4/ 259.

يا نوف، إيّاك أن تكون عشارا: 2/ 575؛ 4/ 259.

... يا هزّال، لو سترته بردائك لكان خيرا لك:

2/ 250، 389.

يا هشام، إنّ للّه على الناس: 2/ 65.

... يا يهودي، الدرع درعي و لم أبع و لم أهب:

2/ 194.

يأتي على الناس زمان يستحلّ: 4/ 283.

يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلّا: 1/ 355.

... يؤدّي خمسا و يطيب له: 4/ 64، 125، 140.

... يباع ممّن يستحلّ الميتة: 3/ 454.

... يبيعه أحد غيرك ... لا بأس: 2/ 632.

... يتصدّق بثمانين درهما: 2/ 134.

... يتولّى من

شاء و على من: 4/ 87.

يجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم: 1/ 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 467

يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق: 2/ 325، 432، 482.

... يجب عليك فيه الخمس: 3/ 69.

... يجب عليه في استقبال الحيض دينار:

2/ 331.

... يجب عليهم الخمس: 1/ 103؛ 3/ 68، 84، 112.

يجبر الرجل على النفقة على امرأته: 2/ 490.

... يجرّد: 2/ 410.

... يجلد ثمانين جلدة لحقّ المسلم: 2/ 326.

... يجلس الإمام مستدبر القبلة: 1/ 135.

يحتاج الإمام إلى قلب عقول: 1/ 285، 324.

يحشر الحكّارون و قتلة الأنفس: 2/ 625.

يحقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل اللّه: 2/ 778.

يحقّ على المسلمين الاجتهاد: 2/ 716.

يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا: 1/ 296؛ 2/ 52.

يخرج خمس الغنيمة: 3/ 157.

يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي «ع»:

1/ 239.

يخرج منه الخمس و يقسم ما بقي: 3/ 157، 326، 351، 495.

... يخرج منها خمس للّه: 3/ 157.

... يخشع له القلب و تذلّ به النفس: 2/ 827.

يخضمون مال اللّه خضمة الإبل: 3/ 111.

يد اللّه على الجماعة: 1/ 554.

... يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا:

1/ 136.

... يرثه من يلي جريرته: 4/ 86.

... يروون حديثي ... فيعلّمونها الناس من بعدي: 1/ 464.

يريد به غلاء المسلمين: 2/ 654.

... يسأل هل عليك في إفطارك إثم: 1/ 96.

... يستودع السجن: 2/ 530.

يسّر و لا تعسّر و بشّر و لا تنفّر: 2/ 11.

يسعى بذمّتهم أدناهم: 2/ 726، 727، 733.

... يشترى منه ما لم يعلم: 3/ 227.

يشيب ابن آدم و يشبّ فيه خصلتان: 2/ 140.

يصلّي الإمام الظهر يوم النفر بمكة: 1/ 111.

يضرب الرجل الحدّ قائما: 2/ 408.

... يضرب ضربا وجيعا و يحبس: 2/ 450، 500.

... يضرب ضربة بالسيف:

2/ 534.

... يضربه على قدر ذنبه؛ إن زنى: 2/ 359.

يضربون على عهد رسول اللّه «ص»: 2/ 265.

يعمل في إمرته المؤمن و يستمتع: 1/ 176.

يفرّق الحدّ على الجسد كلّه: 2/ 408.

يقاتل عن بيضة الإسلام: 2/ 549.

... يقام عليه حدود المسلمين: 3/ 482.

... يقتدي به المؤمن و يخشع به القلب: 2/ 832.

... يقتل به الّذي قتله: 2/ 528.

... يقتل السيّد به: 2/ 530.

... يقتل القاتل و يحبس الممسك: 2/ 526.

يقتل القاتل و يصبر الصابر: 2/ 527.

... يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي: 1/ 607.

... يقتله الأدنى فالأدنى: 1/ 144.

... يقطع بالأخير: 1/ 142.

يقطع رجل السارق بعد قطع اليد: 1/ 142.

يقوم المحتكر مكتوب بين عينيه: 2/ 626.

يكون اثنا عشر أميرا ... كلّهم من قريش:

1/ 376.

يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة: 2/ 125.

يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم: 2/ 230، 252.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 468

يكون من بعدي اثنا عشر أميرا: 1/ 376.

يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما:

1/ 219.

ينادى باسم القائم «ع» فيؤتى و هو خلف المقام:

1/ 521.

ينادي مناد من السماء أوّل النهار: 1/ 244.

ينزل المسلمون على أهل الذمّة: 3/ 444.

... ينظر إلى أفقههما و أعلمهما: 2/ 182.

... ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا:

2/ 98.

يوم واحد من سلطان عادل خير من مطر: 1/ 140، 197.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 475

482، 494، 504؛ 4/ 10، 17، 20، 34، 48، 53، 59، 85، 100، 191، 193، 214، 249.

الإمام الرضا، أبو الحسن الثاني، علي بن موسى بن جعفر بن محمد- عليهم السلام-: 1/ 93، 94، 100، 108، 117، 124، 131، 133، 135، 172- 174، 185،

189، 210، 211، 240، 249، 305، 323، 374، 375، 382، 384، 390، 391، 411، 435، 448، 449، 459، 462، 468، 497، 507، 520، 521، 550، 591، 599، 614؛ 2/ 17، 33- 35، 52، 73، 89، 94، 97، 98، 197، 203، 231، 236، 237، 245، 250، 360، 376، 387، 409، 438، 453 على احتمال، 491، 509 على احتمال، 511، 549، 551، 639، 696، 788، 811، 821؛ 3/ 16 على احتمال، 19 على احتمال، 26، 39، 47، 54، 64، 65 على احتمال، 80، 85، 86، 94، 113، 125، 193، 195، 266، 380، 387، 436، 438، 494، 503، 504؛ 4/ 85، 97، 168، 252، 253، 291.

الإمام الجواد، أبو جعفر الثاني، محمد بن علي بن موسى بن جعفر- عليهم السلام-: 1/ 173، 370، 428؛ 2/ 328، 426، 532؛ 3/ 47، 68، 71، 74، 75، 81، 83؛ 4/ 139.

الإمام الهادي (و هو المعروف بالعالم) أبو الحسن الثالث، علي بن محمد بن علي بن موسى- عليهم السلام-: 1/ 99، 102، 173، 468؛ 2/ 67، 91، 92، 134، 394، 453 على احتمال، 509 على احتمال؛ 3/ 33، 35، 68، 69، 71، 113، 114، 288؛ 4/ 22.

الإمام العسكري، أبو محمد، الحسن بن علي بن محمد بن علي- عليهم السلام-: 1/ 173، 482، 488؛ 2/ 91، 92، 217، 306؛ 3/ 19 على احتمال، 69؛ 4/ 65، 68، 124، 134، 142.

الإمام الثاني عشر، صاحب العصر و القائم بالحق، الحجة بن الحسن العسكري، محمد بن الحسن بن علي بن محمد- عليهم السلام- و يعرف بألقاب و أسماء متعددة منها: وليّ الأمر، صاحب الأمر، صاحب الزمان، إمام العصر، وليّ العصر، الإمام المنتظر، المهديّ، القائم- قائم آل محمد،

الناحية المقدّسة ...: 1/ 15، 101،

120، 122، 132، 164، 173، 193، 194، 197، 200، 218- 220، 222، 223، 229، 232، 234، 237- 239، 242- 244، 249، 252، 253، 255، 256، 370، 379، 387، 392، 395، 422، 423، 436، 443، 478، 481، 521، 522، 527؛ 2/ 90، 93، 107، 156، 158، 167، 236، 237، 598، 600، 823؛ 3/ 70، 73، 74، 78، 79، 122، 123، 125، 219، 221، 234، 295، 296، 305- 307، 316؛ 4/ 24، 26- 28، 109، 111، 129، 139، 163، 200- 203، 211، 215، 227، 241، 242، 293.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 477

فهرس الاعلام و الرواة

آدم «ع»: 1/ 178، 360، 392، 464، 503؛ 2/ 17، 69، 465، 670، 708، 713، 714، 760؛ 3/ 347، 348، 373، 382، 396، 397، 404، 410؛ 4/ 99.

آصف: 1/ 75.

الآمدي: 1/ 176، 185، 198، 309، 410؛ 2/ 16، 36، 119، 399، 448، 570، 623.

آية اللّه الأصفهاني،- المحقق الأصفهاني.

آية اللّه الأميني،- العلامة الأميني، الشيخ عبد الحسين.

آية اللّه العظمى البروجردي، السيد محمد حسين:

1/ 14، 19، 22، 86، 339، 456؛ 2/ 222، 224؛ 3/ 55؛ 4/ 28.

آية اللّه العظمى الامام الخميني- قدّس سرّه-:

1/ 14، 164، 423، 440، 442، 451؛ 2/ 205، 651؛ 3/ 118، 248.

آية اللّه العظمى السيد أحمد الخوانساري «قده»: 2/ 167.

آية الشهيد السيد محمد باقر الصدر- قدّس سرّه-: 4/ 204، 208.

آية اللّه الشهيد مرتضى المطهري- قدّس سرّه-:

1/ 343، 3/ 396.

أبان: 1/ 429، 515؛ 3/ 16؛ 4/ 138.

أبان بن أبي عياش: 1/ 180- 182.

أبان بن تغلب: 1/ 21، 386؛ 2/ 69، 95، 245؛ 3/ 40، 288؛ 4/ 84، 297.

أبان بن عثمان: 4/ 45.

الإبانة: 2/ 830.

إبراهيم: 2/

814؛ 3/ 430.

إبراهيم، إبراهيم الخليل- عليه السلام-: 1/ 36، 75، 166، 281، 289، 390، 436، 469، 470، 498، 532؛ 2/ 14، 88، 228، 752؛ 3/ 373، 401، 407، 410، 501؛ 4/ 132، 149،- الخليل.

إبراهيم بن أبي زياد: 3/ 200، 215، 222، 234، 467، 498.

إبراهيم بن اسحاق القطّان: 1/ 608.

إبراهيم بن جابر: 2/ 139.

إبراهيم بن سعد: 1/ 45.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 478

إبراهيم بن عبد اللّه: 1/ 218، 249، 587.

إبراهيم بن عبد الحميد: 1/ 366، 630.

إبراهيم بن عمر اليماني: 1/ 180.

إبراهيم بن محمد العبّاسي: 1/ 227، 231، 235.

إبراهيم بن هاشم: 3/ 422.

إبراهيم الصائغ: 1/ 587.

إبراهيم النخعي: 2/ 278، 498.

أبرويز، (كسرى ايران): 2/ 707.

أبقراط: 2/ 292.

إبليس: 1/ 61، 487، 488، 517، 598؛ 2/ 69، 84.

ابن أبي جيد: 4/ 304، 305.

ابن أبي حاتم: 1/ 49، 170؛ 2/ 226؛ 3/ 135، 329.

ابن أبي الحديد: 1/ 44، 87، 168، 250، 251، 303، 306، 308، 322، 330، 357، 375، 506، 546، 556، 584، 589؛ 2/ 15، 123، 126، 337، 382، 383، 398، 480، 672، 677، 678، 680، 685- 687، 689، 805، 825، 829؛ 3/ 315، 330.

ابن أبي الحقيق: 3/ 257، 258.

ابن أبي سمّاك: 3/ 234.

ابن أبي شيبة: 1/ 42، 175؛ 2/ 565، 806، 830؛ 3/ 149، 301.

ابن أبي عبدون: 1/ 210.

ابن أبي عقيل: 3/ 89، 95، 308، 311.

ابن أبي عمير: 1/ 174، 471، 472؛ 2/ 164، 218، 236، 245، 541؛ 3/ 454.

ابن أبي ليلى: 2/ 306، 346، 349، 351، 776؛ 3/ 10، 25، 439، 440.

ابن أبي منصور: 2/ 605.

ابن أبي نجيح: 3/ 395.

ابن أبي هالة: 2/ 579.

ابن أبي يعفور: 1/ 183، 365، 412، 615؛ 2/

263، 772؛ 3/ 465.

ابن الأثير: 1/ 44، 53، 55، 354، 503، 524، 558، 605؛ 2/ 259، 308، 316، 332، 376، 570، 577، 612، 628؛ 3/ 44، 61، 145، 242، 399، 506؛ 4/ 53، 56، 187، 260، 273، 283.

ابن الأخوّة، (محمد بن محمد بن أحمد القرشي):

2/ 260، 272، 300، 301، 330.

ابن إدريس: 2/ 217، 221، 346، 352، 489، 615؛ 3/ 61، 123، 194، 213، 215، 282، 283، 308، 309، 436، 456؛ 4/ 63، 66، 116، 121، 169، 182، 210، 251.

ابن أسباط: 2/ 392.

ابن إسحاق: 1/ 516؛ 2/ 96، 129، 132، 135، 136، 138، 139، 564، 745، 747؛ 3/ 56، 171، 190، 201، 380، 419؛ 4/ 260.

ابن أشيم 3/ 195.

ابن أم عبد،- عبد اللّه بن مسعود: 3/ 285.

ابن أم مكتوم: 1/ 371؛ 2/ 134، 135.

ابن الأنباري: 2/ 429.

ابن بابويه: 3/ 436.

ابن البرّاج (القاضي ابن البرّاج، عبد العزيز بن البرّاج): 1/ 340؛ 2/ 217، 220، 615، 617، 629؛ 3/ 123، 271، 308؛ 4/ 15، 119، 169، 197، 203، 210.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 479

ابن بريدة: 2/ 150.

ابن بزيع: 1/ 174.

ابن بطّة: 2/ 830.

ابن بكير: 2/ 639؛ 3/ 106.

ابن التلمساني: 2/ 579.

ابن جريج: 3/ 102، 134، 259.

ابن جرير (الطبري): 1/ 297، 338؛ 2/ 71؛ 3/ 135، 178، 242.

ابن جماعة: 2/ 128، 138.

ابن الجندي: 4/ 304.

ابن الجنيد: 3/ 11، 22، 89، 95، 105، 308، 408، 409، 421، 423، 424، 436، 451، 456، 469؛ 4/ 116، 126.

ابن حجر: 2/ 84، 558.

ابن حزم أبو محمد، ابن حزم (الآندلسي): 1/ 86، 87، 269، 271، 588؛ 2/ 70، 75، 266، 332، 348، 515، 602، 627.

ابن الحكم: 2/ 266.

ابن

حمزة: 2/ 221، 271، 353، 357، 489، 641، 653، 659، 666؛ 3/ 88، 124، 139، 194، 273، 282، 283، 436؛ 4/ 14، 169.

ابن حميد: 1/ 528.

ابن حنبل: 3/ 408،- أحمد بن حنبل.

ابن حيّ: 3/ 10.

ابن خزيمة: 2/ 325.

ابن الخطّاب: 2/ 693،- عمر.

ابن خلدون: 1/ 87، 167، 272، 371، 373، 524؛ 2/ 27، 112، 271؛ 4/ 299.

ابن خلّكان: 1/ 222.

ابن دريد: 2/ 259.

ابن راهويه: 2/ 77.

ابن رباط: 2/ 307.

ابن رحال: 2/ 436.

ابن رشد: 2/ 147، 728؛ 3/ 338، 370.

ابن الزبير: 1/ 402، 583؛ 2/ 498؛ 3/ 49، 53، 184.

ابن زهرة: 2/ 105، 154، 395، 497؛ 3/ 88، 139، 214؛ 4/ 198، 203، 210.

ابن زيد: 2/ 786؛ 3/ 148، 395، 397؛ 4/ 3، 8.

ابن سعد: 2/ 129، 133، 138، 559، 564، 565، 813.

ابن سعيد، (القاضي ابن سعيد): 2/ 261، 265، 532.

ابن السكن: 2/ 130.

ابن سنان: 1/ 146، 187، 334، 393، 666، 667، 821؛ 3/ 114، 355؛ 4/ 208، 211.

ابن سيدة: 2/ 613؛ 4/ 50.

ابن سيرين: 2/ 69، 507؛ 3/ 25، 159، 178.

ابن سينا، أبو علي بن سينا: 1/ 261، 533، 545- 547.

ابن سيّابة: 1/ 209.

ابن شجاع النيشابوري: 1/ 102؛ 3/ 112، 119.

ابن شهاب: 3/ 57، 201، 202، 355؛ 4/ 279.

ابن شهر آشوب: 2/ 393، 699، 792.

ابن الشيخ: 1/ 187؛ 2/ 671، 758؛ 3/ 380.

ابن طاوس، (السيد ابن طاوس): 1/ 173، 219، 421، 422؛ 3/ 71؛ 4/ 39، 154.

ابن الطيار: 3/ 157.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 480

ابن عابدين: 2/ 456.

ابن عباس: 1/ 40، 59- 61، 66، 69، 185، 195، 308، 309، 332، 360، 554، 582، 587؛ 2/ 84، 99، 125، 241، 258،

273، 324، 330، 426، 429، 507، 508، 521، 540، 544، 549، 552، 553، 601، 602، 674، 678، 687، 758، 779، 791، 831؛ 3/ 38، 49، 50، 62، 102، 109، 133، 135، 149، 150، 158، 161، 178، 203، 257، 259، 261، 265، 270، 298، 320، 324، 325، 329، 335، 381، 395، 397، 418، 425، 430، 458، 467، 471، 484؛ 4/ 2، 6، 39، 60، 80، 154، 207، 293.

ابن عبد البرّ (الأندلسي): 2/ 135، 265؛ 3/ 149؛ 4/ 234، 236، 237.

ابن عدي: 1/ 61.

ابن العربي،- محيي الدين بن العربي.

ابن العربي،- أبو بكر بن العربي.

ابن عساكر: 1/ 49، 61، 170، 203، 462؛ 2/ 269، 576، 685، 807، 812، 819، 830، 832؛ 3/ 386.

ابن عصام: 3/ 376.

ابن عقدة: 4/ 131.

ابن عمر، (عبد اللّه بن عمر): 1/ 43، 203، 299، 378، 402، 554، 584، 591؛ 2/ 66، 200، 264، 265، 291، 325، 526، 527، 602، 624، 625، 631، 704، 734، 760، 780؛ 3/ 18، 25، 156، 161، 168، 189، 203، 256، 259، 292، 370، 420؛ 4/ 11، 274،- عبد اللّه بن عمر.

ابن عوف: 2/ 564؛ 3/ 448.

ابن الغضائري: 1/ 182، 224، 247؛ 2/ 91؛ 4/ 305.

ابن فرحون: 2/ 424، 436.

ابن فضّال: 1/ 435، 448؛ 4/ 131.

ابن القاسم: 3/ 102.

ابن قتيبة: 1/ 173، 307، 323، 332، 556، 558؛ 3/ 314.

ابن قدّامة (الحنبلي): 1/ 337، 402، 586؛ 2/ 82، 138، 312، 317، 322، 332، 348، 362، 507، 515، 521، 527، 530، 618، 651، 730؛ 3/ 24، 90، 102، 155، 173، 178، 254، 266، 273، 275، 339، 425، 440، 452، 463، 480، 497؛ 4/ 12، 71، 102، 161، 170، 186، 192، 220، 222،

236، 255، 270.

ابن القيّم: 2/ 128، 424، 456.

ابن كعب بن مالك: 3/ 257، 258.

ابن الكوّاء (عبد اللّه): 1/ 529؛ 2/ 804.

ابن كيران: 2/ 138.

ابن اللتبيّة: 1/ 333؛ 4/ 261.

ابن الماجشون: 2/ 728.

ابن ماجة: 1/ 191، 239، 359، 603، 611؛ 2/ 42، 66، 67، 145، 391، 423، 484، 602، 624، 626، 663، 758، 760، 798؛ 3/ 62.

ابن المبارك: 2/ 484، 833؛ 3/ 25.

ابن المتوكّل: 4/ 81.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 481

ابن محبوب: 1/ 174، 359، 471، 472؛ 2/ 393، 519؛ 3/ 220؛ 4/ 128، 200، 202.

ابن مردويه: 1/ 49، 61، 63، 170؛ 2/ 683، 758؛ 3/ 135، 325، 329.

ابن مسعود: 1/ 40، 202؛ 2/ 77، 380، 402، 626، 733، 798؛ 3/ 185، 188، 294، 302، 353.

ابن مسكان: 2/ 255.

ابن مسلمة،- محمد بن مسلمة.

ابن المعتم: 2/ 337.

ابن المغيرة: 1/ 128.

ابن ملجم: 2/ 460، 493، 698؛ 3/ 283، 284.

ابن المنذر: 2/ 516، 527، 758؛ 3/ 109، 135، 149، 178، 339، 395، 416، 420، 456.

ابن ميثم البحراني: 1/ 176، 251.

ابن نباتة: 2/ 813.

ابن النجّار (الحنبلي): 1/ 202؛ 2/ 457.

ابن النديم: 1/ 180؛ 3/ 397، 399، 401.

ابن نيار الانصاري: 2/ 354.

ابن هرمة: 2/ 449، 452، 453، 499.

ابن هشام: 1/ 515؛ 2/ 45، 96، 132، 135، 137، 386، 509، 555- 558، 738، 741، 745- 747، 794؛ 3/ 56، 134، 143، 144، 152، 171، 204، 321، 355؛ 4/ 7.

ابن الهمّام: 2/ 435.

ابن الوكيل: 3/ 64.

ابن الوليد (محمد بن الحسن): 4/ 305.

أبو الأحوص: 2/ 517.

أبو أراكة بن مالك بن عامر القسري: 2/ 337.

أبو أسامة: 2/ 324.

أبو إسحاق إبراهيم بن هارون الخوري: 1/ 462.

أبو إسحاق السبيعي: 1/ 520.

أبو

إسحاق الشيرازي: 2/ 468، 472.

أبو إسحاق الفزاري: 1/ 587.

أبو إسحاق المروزي: 3/ 284.

أبو أمامة: 2/ 8، 544، 618، 624، 626، 627، 800؛ 3/ 135، 293، 294، 302، 386؛ 4/ 2.

أبو الأملاك المولى اسماعيل بن الشريف:

2/ 436.

أبو البختري، (وهب بن وهب): 1/ 175، 468، 469؛ 2/ 378، 409، 557، 584، 640، 738، 807، 809، 3/ 162، 165، 255، 273، 312، 386، 444؛ 4/ 76، 88.

أبو بردة، (: أبو بردة بن رجاء و أبو بردة بن نيار الأنصاري): 2/ 348، 354، 361؛ 3/ 25، 164، 198، 215؛ 4/ 205.

أبو برزة الاسلمي: 2/ 542.

أبو بشر: 1/ 181.

أبو بصير: 1/ 117، 119، 134- 136، 141، 142، 146، 148، 149، 200، 237، 238، 295، 360، 365، 366، 422، 495، 521؛ 2/ 189، 301، 355، 460، 461، 479، 505، 522، 542، 715، 821؛ 3/ 13، 17، 52، 53، 56، 69، 76، 84، 233، 235، 245، 290، 314، 340، 341، 357، 383، 481؛ 4/ 45، 46، 49، 59، 73، 74، 87، 91، 122،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 482

137، 138، 150، 151، 206، 223، 224، 226، 288.

أبو بصير الاسدي: 2/ 93.

أبو بصير عتبة بن اسيد: 2/ 736.

أبو بصير ليث بن البختري المرادي: 2/ 95.

أبو بكر: 1/ 43، 48، 87، 179، 306، 400- 403، 519، 555، 603؛ 2/ 44، 50، 76، 77، 111، 129، 130، 325، 337، 412، 423، 424، 435، 436، 461، 516، 517، 520، 521، 672؛ 3/ 101، 102، 239، 330، 331، 333، 338، 382؛ 4/ 282، 283.

أبو بكر الأصمّ: 1/ 87، 168.

أبو بكر بن أبي شيبة: 4/ 283.

أبو بكر بن العربي (القاضي أبو بكر، ابن

العربي): 2/ 75، 112، 204، 429.

أبو بكر محمد بن عبد اللّه النيسابوري: 1/ 462.

أبو بكر الجصاص (صاحب أحكام القرآن):

1/ 587.

أبو بكر الحضرمي: 3/ 13، 222، 234، 305؛ 4/ 288.

أبو بكر الخلّال: 2/ 365.

أبو بكرة: 1/ 353، 354، 366، 733.

أبو تميم الاسلمي: 2/ 558.

أبو ثعلبة: 2/ 241، 273.

أبو ثور: 2/ 349، 516، 527؛ 3/ 173، 176، 267، 371، 416، 423.

أبو الجارود: 1/ 196، 227، 392؛ 2/ 605.

أبو جحيفة: 1/ 378.

أبو جديع المرادي: 2/ 131.

أبو جعفر، الشيخ.

أبو جعفر بن بابويه،- الصدوق.

أبو جعفر الفزاري: 2/ 667.

أبو جندل: 2/ 735.

أبو جهل: 3/ 171، 172.

أبو الجهم: 1/ 430.

أبو جيد: 1/ 180.

أبو الحارث بن علقمة: 2/ 752.

أبو حازم: 3/ 160.

أبو حامد، (الشيخ أبو حامد): 2/ 403.

أبو الحرث: 1/ 402.

أبو الحسن علي بن محمد: 1/ 171؛ 2/ 91.

أبو الحسن الماوردي،- الماوردي: 1/ 588؛ 2/ 147.

أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه: 1/ 462.

أبو الحسن محمد بن القاسم المفسّر الأسترآبادي.

2/ 91.

أبو الحسين: 1/ 87، 168.

أبو الحكم: 2/ 332، 627.

أبو حمزة (الثمالي): 1/ 21، 134، 168، 614؛ 2/ 662، 775؛ 3/ 78، 254، 289، 294، 306، 357؛ 4/ 105، 132.

أبو حميد الساعدي: 1/ 333؛ 4/ 261.

أبو حنيفة: 1/ 127، 207، 336، 587؛ 2/ 69، 76، 79، 82، 83، 147، 148، 154، 155، 166، 201، 202، 311، 312، 346، 348- 350، 361، 363، 364، 412، 425- 427، 457، 471، 487، 488، 498، 507، 515، 520، 521، 527، 647، 728، 762؛ 3/ 10، 22، 60، 64، 90، 91، 100، 101، 103، 116، 141، 142، 153، 156، 159، 160، 173،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 483

178، 184، 194، 239، 260، 268، 274،

284، 285، 287، 297، 300، 302، 308، 336، 346، 368- 370، 372- 374، 383، 390، 395، 406، 407، 413، 416، 422، 424، 426، 427، 433، 438، 440، 455- 458، 463، 490؛ 4/ 36، 37، 61، 64، 156، 157، 160، 161، 189، 216، 217، 220، 255، 264، 266- 268، 270، 273، 276.

أبو الحويرث: 3/ 430، 443.

أبو خالد: 3/ 313.

أبو خالد الكابلي: (كنكر): 1/ 238؛ 3/ 194؛ 4/ 46، 157، 188، 196، 200، 221، 241،- الكابلي.

أبو خديجة: 1/ 72، 139، 361، 430، 431، 442، 446، 448- 450، 454، 458؛ 2/ 99، 145، 149، 150، 156، 158، 160، 162، 177، 202؛ 3/ 75، 295؛ 4/ 123، 134.

أبو خلف الأعمى (حازم بن عطاء): 2/ 67.

أبو الخير: 4/ 261.

أبو دجانة، (سماك بن خرشة): 3/ 321- 323، 331.

أبو دجانة الساعدي: 2/ 136.

أبو داود: 1/ 119، 186، 201، 332، 371، 510، 584، 602، 2/ 42، 72، 111، 144، 150، 199، 264، 311، 324، 331، 336، 340، 345، 380، 382، 410، 423، 424، 430، 431، 478، 484، 516، 517، 521، 557، 558، 572، 575، 601، 643، 663، 722، 733، 741، 742، 758، 760؛ 3/ 62، 171، 178، 196، 203، 328، 355، 359، 421، 491، 496؛ 4/ 56، 152، 153، 183، 186، 187، 207، 260، 271، 272.

أبو داود المسترق: 2/ 405.

أبو الدرداء: 1/ 178؛ 2/ 274، 690؛ 3/ 421.

أبو ذر: 1/ 60، 181، 270، 323، 324؛ 2/ 84، 111، 124، 136، 256، 575، 779؛ 3/ 18، 71، 160، 359.

أبو رافع: 2/ 739، 761.

أبو الربيع الشامي: 3/ 197، 354.

أبو رهم (الغفاري): 2/ 135، 136؛ 3/ 145، 164.

أبو الريحان البيروني: 3/ 401، 403.

أبو زرعة بن سيف

بن ذي يزن: 3/ 418.

أبو زرعة بن عمر بن جرير: 2/ 337.

أبو زرعة الجهني: 3/ 145.

أبو زيد بن سفيان: 2/ 132.

أبو سعيد: 1/ 202، 203؛ 2/ 71، 145، 200، 268، 628، 663؛ 3/ 444.

أبو سعيد الاصطخري: 3/ 274، 392، 395، 409.

أبو سعيد الخدري: 1/ 49، 170، 186، 191، 197، 412، 510، 611؛ 2/ 489، 683؛ 3/ 256، 329.

أبو سعيد الزهري: 2/ 233.

أبو سعيد القمّاط: 3/ 22.

أبو سفيان: 1/ 364؛ 2/ 5، 131، 386، 556، 557، 560، 561، 743، 794، 797؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 484

3/ 143، 144، 289، 320.

أبو سلالة: 1/ 604.

أبو سلمة بن عبد الاسد: 2/ 134، 136.

أبو سلمة بن عبد الرحمن: 3/ 142.

أبو سيّار (مسمع بن عبد الملك): 3/ 221؛ 4/ 129، 146، 202.

أبو شهاب الحنّاط: 3/ 29.

أبو الشيخ: 2/ 758؛ 3/ 135، 149.

أبو صالح: 2/ 687، 762؛ 3/ 101.

أبو الصباح (الكناني): 3/ 217؛ 4/ 58.

أبو الصلاح (الحلبي): 1/ 340؛ 2/ 216، 221، 395، 414، 428، 616، 617، 642، 655؛ 3/ 86، 88، 89، 123، 124، 138، 308، 438؛ 4/ 14، 98، 100، 101، 118، 191، 251.

أبو طالب: 1/ 44، 80، 436؛ 2/ 364، 530، 830، 3/ 339.

أبو طلحة: 2/ 335؛ 3/ 171، 178.

أبو العاص: 3/ 261.

أبو العاص بن الربيع: 3/ 267.

أبو العالية الرياحي: 3/ 100.

أبو العباس: 1/ 96، 145، 428؛ 2/ 388، 427، 506، 604.

أبو عبد اللّه: 3/ 258.

أبو عبد اللّه بن فرج مولى ابن الطلّاع: 2/ 424.

أبو عبد اللّه الثقفي: 3/ 29.

أبو عبد اللّه الحسين، محمد الأشناني الرازي:

1/ 462.

أبو عبد اللّه الزبيري: 2/ 322، 420.

أبو عبد اللّه السياري: 1/ 247.

أبو عبد اللّه محمد بن شاذان:

1/ 171.

أبو عبدون: 1/ 247.

أبو عبيد: 2/ 527، 748، 778؛ 3/ 25، 49، 57، 61، 90، 136، 149، 150، 173، 187، 190، 191، 197، 202، 204، 322، 323، 328، 355، 361، 380، 405، 406، 440، 449، 452، 456، 459، 480، 492، 497، 499، 502، 503؛ 4/ 2، 7، 9- 11، 81، 86، 102، 152، 153، 192، 260- 262، 274، 275، 279، 281، 282.

أبو عبيدة: 1/ 146، 563؛ 2/ 97، 540؛ 3/ 185، 187.

أبو عبيدة الجرّاح: 1/ 43، 400؛ 2/ 139؛ 3/ 472.

أبو عبيدة الحذاء: 3/ 89، 91، 92، 217، 228، 441.

أبو عثمان الجاحظ: 1/ 87، 168.

أبو عثمان النهدي: 2/ 602.

أبو عزة، (الجهني- الجمحي خ. ل-): 3/ 259، 260، 272.

أبو عزة الشاعر: 3/ 267.

أبو عزيز: 2/ 576.

أبو عصمة، قاضي مرو: 2/ 231.

أبو عطاء: 1/ 604؛ 2/ 254.

أبو علي: 2/ 75، 92، 503؛ 3/ 407.

أبو علي بن راشد: 1/ 101- 103؛ 3/ 34، 68، 84، 112- 114، 119؛ 4/ 22، 89.

أبو علي بن سينا- ابن سينا.

أبو علي محمد بن أبي بكر، همام بن سهيل الكاتب الاسكافي: 4/ 304.

أبو عمر بن عبد البرّ: 2/ 133.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 485

أبو عمرو: 2/ 762.

أبو عمرو بن العلاء: 3/ 489.

أبو عمرو الزبيري: 1/ 384.

أبو عمّارة: 4/ 135.

أبو عمير بن أنس بن مالك: 2/ 602.

أبو عوانة: 1/ 181.

أبو غالب الزراري: 1/ 478.

أبو الفتح الجرجاني: 2/ 453، 509.

أبو الفتوح الرازي: 3/ 398.

أبو فراس: 2/ 376، 3/ 506.

أبو الفرج (الاصفهاني): 1/ 218، 607، 609.

أبو القاسم: 2/ 460، 461.

أبو القاسم الخرقي: 2/ 147؛ 3/ 347، 415، 420، 468؛ 4/ 183،- الخرقي، أبو القاسم.

أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد

بن عامر بن سليمان الطائي: 1/ 462.

أبو قتادة: 3/ 171.

أبو قلابة: 3/ 261.

أبو قيس: 3/ 298، 304.

أبو كامل: 2/ 402.

أبو كريمة: 3/ 444.

أبو لبابة بن عبد المنذر العمري: 2/ 134- 136.

أبو لهب: 1/ 44؛ 2/ 272.

أبو مالك: 3/ 109.

أبو مجلز، (لا حق بن حميد): 2/ 510؛ 3/ 191.

أبو محمد،- أبو بصير.

أبو محمد، ابن حزم الآندلسي،- ابن حزم.

أبو محمد، جعفر بن نعيم بن شاذان: 1/ 171.

أبو محمد، القاسم بن العلاء: 1/ 382.

أبو مخنف: 1/ 123؛ 2/ 480.

أبو مخنف الأزدي: 2/ 670.

أبو مخنف، لوط بن يحيى: 1/ 685.

أبو المرهف: 1/ 233.

أبو مريم: 1/ 139؛ 2/ 365، 451، 493، 494، 630، 652، 654، 813؛ 3/ 16.

أبو مسعود: 2/ 42، 199.

أبو مسلم (الخراساني): 1/ 231، 235، 587.

أبو المطر، و «أبو مطر البصري»: 2/ 269، 804.

أبو معاوية: 4/ 282.

أبو المعزا: 2/ 716.

أبو معشر: 2/ 516.

أبو المفضل محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب الشيباني: 1/ 223، 224.

أبو المقداح: 2/ 621.

أبو منصور: 1/ 54.

أبو منصور، أحمد بن إبراهيم بن بكر الخوري:

1/ 462.

أبو المهلب: 3/ 261.

أبو موسى: 1/ 184، 331، 332؛ 2/ 125؛ 3/ 25، 164.

أبو موسى الأشعري: 2/ 126، 129، 131، 553، 691، 736؛ 3/ 18؛ 4/ 278.

أبو ناب: 2/ 413.

أبو نصر السجزي: 1/ 462.

أبو نعيم: 2/ 699.

أبو هاشم: 2/ 75.

أبو الهذيل: 2/ 75.

أبو هريرة: 1/ 66، 119، 120، 178، 186، 355، 375، 437، 510، 620؛ 2/ 33، 34، 42، 50، 76، 112، 125، 195، 199، 264، 324، 410، 431، 508،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 486

516، 530، 540، 575، 605، 625، 663، 691، 779، 804؛ 3/ 18، 61، 62، 260، 277، 375، 376، 444؛ 4/

2.

أبو الهيثم بن التيهان: 2/ 683.

أبو هيضم المزني: 2/ 131.

أبو الورد: 1/ 146؛ 3/ 421.

أبو ولّاد، (الحناط): 1/ 147، 148؛ 4/ 23، 90.

أبو وهب: 1/ 295.

أبو يحيى الواسطي: 3/ 378، 379.

أبو يزيد،- عقيل: 2/ 682.

أبو اليسر بن عمرو الانصاري: 3/ 133؛ 4/ 6.

أبو يعقوب، يوسف بن محمد بن زياد: 2/ 91.

أبو يعلى الفراء، الحنبلي: 1/ 264، 372، 373، 401، 446، 449، 533، 535، 545، 547، 552، 560، 567، 577، 586؛ 2/ 7، 55، 116، 148، 202، 205، 210، 261، 317، 321، 364، 375، 606، 608؛ 3/ 131، 329، 346، 350، 364، 366، 415، 428، 457، 463، 480، 489، 493.

أبو اليقظان،- عمّار بن ياسر: 3/ 294، 306.

أبو يوسف، (القاضي): 1/ 584؛ 2/ 82، 346، 348، 349، 351، 454، 463، 466، 469، 472، 496، 498، 554، 644، 664، 744؛ 3/ 10، 22، 60، 90، 91، 101، 116، 155، 159- 161، 188، 190، 258، 260، 368، 371، 398، 407، 415، 423، 440، 448، 450، 457، 480، 484، 505؛ 4/ 55، 101، 157، 160، 161، 192، 261، 262، 267، 268، 275- 280، 293.

أبو يوسف إيشع النصراني: 3/ 400.

الأبيض بن حمّال (المأربي): 4/ 69، 78، 81.

أبيّ: 1/ 40.

أبيّ بن أبي خلف: 3/ 272.

أحمد، أحمد بن حنبل: 1/ 41، 42، 118- 120، 181، 184، 186، 264، 269، 299، 336، 353، 401، 514، 586، 592، 601، 614؛ 2/ 30، 45، 49، 54، 55، 79، 82، 83، 111، 112، 139، 234، 331، 335، 340، 344، 345، 348، 351، 354، 376، 457، 488، 498، 507، 515، 516، 520، 527، 530، 575، 618، 643، 644، 663، 696، 758، 773، 804، 813، 830؛ 3/ 24، 58،

62، 90- 92، 135، 159، 167، 173، 252، 267، 274، 302، 346، 355، 359، 371- 373، 420، 424، 428، 439، 456، 463، 464، 497، 503؛ 4/ 62، 149، 180، 183، 217، 234، 255، 259، 265، 267، 268، 272، 281.

أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي: 2/ 482.

أحمد بن أحمد: 4/ 34.

أحمد بن إسحاق: 2/ 92.

أحمد بن حاتم (بن ماهويه): 2/ 91، 92، 102.

أحمد بن الشلبي الحنفي: 2/ 436.

أحمد بن شعيب الساري: 3/ 315.

أحمد بن عائذ: 1/ 430، 431.

أحمد بن عبد اللّه الهروي الشيباني: 1/ 462.

أحمد بن الفضل الكناسي: 2/ 171.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 487

أحمد بن محمد: 1/ 214، 247، 359، 430، 467، 471؛ 2/ 460، 823؛ 3/ 108، 115، 124، 220، 263، 352، 378، 379؛ 4/ 38، 48، 128، 138، 202.

أحمد بن محمد بن أبي نصر: 3/ 142، 192، 193، 195، 218؛ 4/ 251، 252.

أحمد بن محمد بن عمران بن موسى (ابن الجندي):

4/ 304.

أحمد بن محمد بن عيسى: 1/ 131، 467، 468؛ 2/ 353، 462؛ 3/ 85، 192، 195؛ 4/ 200.

أحمد بن هلال: 3/ 69، 84.

أحمد بن يونس: 3/ 29.

الأحنف بن قيس: 2/ 825؛ 3/ 445.

الأخفش: 2/ 540.

الأخنس: 2/ 736.

أخو غامد: 1/ 114.

إدريس «ع»: 3/ 373.

إدريس بن زياد: 4/ 168.

إدريس بن زيد: 4/ 168.

الأردبيلي، (المقدّس الأردبيلي، المحقق الأردبيلي): 2/ 249؛ 3/ 206، 216، 228.

أردشير، (بابكان): 1/ 195؛ 3/ 397.

أرطاة: 1/ 609.

أرطحشست: 3/ 402.

أزرق بن عقبة الثقفي: 2/ 139.

الأزهر: 2/ 736.

الأزهري: 2/ 613؛ 4/ 53.

أسامة، (أسامة بن زيد): 1/ 54، 204، 518؛ 2/ 191، 391، 564، 759.

أسامة بن شريك: 1/ 554.

الأستاذ الإمام (الخميني)؛- آية اللّه العظمى الإمام الخميني.

الأستاذ كاشف الغطاء،-

كاشف الغطاء.

إسحاق: 2/ 348، 488، 498، 507، 515، 520، 521، 670، 686، 752؛ 3/ 159، 173، 178، 359، 395؛ 4/ 2.

إسحاق بن راهويه: 3/ 395.

إسحاق بن عبد اللّه: 3/ 160، 430.

إسحاق بن عمّار: 1/ 138، 148، 454؛ 2/ 142، 173، 321، 353، 359، 378، 392، 408، 410، 491، 530، 542؛ 3/ 162، 227؛ 4/ 38، 45، 54، 73، 137، 138.

إسحاق بن يعقوب: 1/ 478، 479، 481؛ 2/ 90، 158؛ 3/ 78.

إسحاق الهمداني: 2/ 686.

إسرائيل: 2/ 8؛ 3/ 190.

أسعد بن زرارة: 1/ 93؛ 2/ 138، 572.

الإسكافي: 2/ 500؛ 3/ 175، 422، 427؛ 4/ 88.

أسلم (غلام بني الحجاج): 2/ 556.

أسلم، (مولى عمر): 3/ 418، 445.

إسماعيل: 1/ 182؛ 2/ 601، 670، 686؛ 3/ 25، 359.

إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر: 2/ 464؛ 4/ 275.

إسماعيل بن أبي زياد: 2/ 626؛ 3/ 482.

إسماعيل بن أمية: 2/ 526.

إسماعيل بن جعفر: 3/ 190، 234.

إسماعيل بن سعد: 1/ 133، 449، 459؛ 2/ 203.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 488

إسماعيل بن علي، (أمير الحاج): 1/ 81، 109، 196؛ 2/ 600؛ 4/ 25.

إسماعيل بن الفضل (الهاشمي): 3/ 9، 200، 226؛ 4/ 169.

إسماعيل بن مرّار: 4/ 101، 191.

إسماعيل بن موسى: 3/ 312.

إسماعيل الجعفي: 1/ 429؛ 4/ 263.

إسماعيل، صادق الوعد: 3/ 8، 25.

أسمر بن مضرّس: 4/ 155.

الأسود بن سريع: 3/ 257.

الأسود بن قيس المرادي: 2/ 480، 481.

الأسود بن يزيد المرادي: 2/ 480، 481.

أسيد بن حضير: 1/ 43، 400؛ 2/ 48، 138، 139.

الأشتر، الأشتر النخعي- مالك الأشتر.

الأشعث: 1/ 79؛ 3/ 380.

الأشعث بن قيس: 1/ 344، 433، 581؛ 2/ 676، 680.

الأشعري: 2/ 75.

الأصبغ: 2/ 268، 367؛ 3/ 292.

الأصبغ بن ضرار: 3/ 291.

الأصبغ بن نباتة: 1/

139، 356، 365، 388، 485، 491، 544، 666، 828؛ 3/ 296، 380؛ 4/ 304، 305.

الأصفهاني- المحقق الأصفهاني.

الأصمعي: 4/ 81.

الأصمّ: 1/ 4.

الأعمش: 2/ 250؛ 4/ 282.

الأقرع بن حابس: 3/ 144؛ 4/ 70.

أكيدر: 3/ 431.

أكيدر بن حسان: 3/ 368.

أكيدر بن عبد الملك: 3/ 381.

أكيدر الغساني: 3/ 381.

إلياس «ع»: 3/ 397.

إمام الحرمين، الجويني: 1/ 268، 419، 589؛ 2/ 283.

الإمام الخميني،- آية اللّه العظمى الإمام الخميني- قدّس سرّه-.

الإمام الرازي،- الرازي.

إمرئ القيس بن الأصبغ الكلبي: 2/ 130.

أمّ أيمن: 3/ 333.

أمّ الحصين: 2/ 780.

أمّ حكيم: 1/ 515.

أمّ سلمة: 1/ 582؛ 2/ 144، 192، 200، 310.

أم المؤمنين- عائشة.

أمّ هاني (بنت أبي طالب): 2/ 727.

أميّة بن خويلد: 2/ 565.

أنس: 1/ 202، 299، 371، 392، 393، 592؛ 2/ 139، 336، 386، 631؛ 4/ 149، 154، 278.

أنس بن أبي مرثد الغنوي: 2/ 565.

أنس بن سيرين: 4/ 274، 276، 277.

أنس بن فضالة: 2/ 558.

أنس بن مالك: 1/ 378؛ 2/ 66، 152، 380، 557، 663، 773، 791؛ 3/ 62، 145، 171، 380؛ 4/ 273، 274، 276، 277.

أنس بن محمد: 1/ 245، 354.

الأنصاري،- الشيخ الأعظم الأنصاري.

أنوش بن شيث: 3/ 402، 403.

أنو شروان،- كسرى أنو شروان.

الأوزاعي: 1/ 587؛ 2/ 346، 349، 351، 498، 507، 520، 521، 651؛ 3/ 141،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 489

142، 159، 163، 164، 167، 173، 178، 267، 277، 372، 385، 393، 406، 408، 423؛ 4/ 61.

الإيجي- عضد الدين الإيجي.

أيمن بن نابل: 2/ 274.

أيّوب: 4/ 273.

أيّوب بن عطية: 3/ 41.

الباب، (البابا): 1/ 7، 538.

الباجي: 2/ 578.

بادان، نائب كسرى: 2/ 128.

الباقلاني، (القاضي الباقلاني): 1/ 266، 585.

البحراني: 1/ 304.

البخاري: 1/ 45، 59، 66، 202، 332، 353، 376، 378، 379، 508، 515؛ 2/

54، 233، 264، 336، 354، 402، 431، 437، 484، 521، 545، 565، 573، 704، 724، 741؛ 3/ 58، 61، 62، 145، 152، 164، 172، 192، 203، 257، 260، 261، 277، 328، 376، 383، 444؛ 4/ 152.

بخت نصّر: 3/ 402، 403.

البراء بن مالك: 3/ 178.

البراء بن معرور: 1/ 516.

بردلة (القاضي بردلة): 2/ 436.

البروجردي،- آية اللّه العظمى البروجردي، السيد محمد حسين.

البرقي: 1/ 139، 141؛ 2/ 325، 389، 394، 432، 821.

بريد: 1/ 135، 143؛ 2/ 770.

بريد بن معاوية العجلي، بريد العجلي: 1/ 66، 96، 432، 438؛ 2/ 95، 104، 775؛ 3/ 13؛ 4/ 288.

بريد الكناسي: 1/ 135.

بريدة: 1/ 42، 45، 63؛ 3/ 371، 384؛ 4/ 93.

بريدة بن الحصيب الأسلمي: 2/ 562، 583.

البزاز: 1/ 378.

البزنطي: 1/ 131، 135، 471؛ 3/ 54، 55، 57، 64، 65، 113، 183، 197، 198، 203، 209، 218، 447، 493، 494، 496؛ 4/ 21، 106، 135، 168، 207، 208.

بسبس بن عمرو الجهني: 2/ 557.

بسر: 2/ 774.

بسيسة: 2/ 557، 558.

بشر بن سفيان العتكي: 2/ 565.

بشر بن عبد اللّه: 2/ 231.

بشير: 1/ 117.

بشير بن سعد: 1/ 43، 400.

بشير بن المنذر: 2/ 136.

بشير بن يسار: 3/ 196، 204.

بشير الدّهان: 4/ 59.

البطائني: 1/ 422.

البغوي: 2/ 128، 813.

بكر بن تميم: 2/ 576.

بكر بن عيسى: 2/ 685.

بكر بن كنانة: 2/ 691.

بكر بن محمد: 2/ 364.

بكير: 4/ 150.

بكير بن أعين: 1/ 430.

البلاذري: 2/ 722، 739، 806؛ 3/ 204،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 490

242، 330، 331، 431.

بلال: 2/ 111، 601؛ 3/ 158، 184، 331، 452.

بلال بن الحارث: 3/ 331؛ 4/ 80، 171.

بلقيس: 1/ 75.

بنت حاتم: 2/ 455، 509.

بنت شعيب: 1/ 321.

بنت كسرى: 1/ 353.

بهائي: 2/ 256.

بهز بن حكيم:

2/ 330، 331، 382، 383، 424، 431، 478، 481.

بوذاسف: 3/ 401.

البيروني: 3/ 402.

البيضاوي: 2/ 67.

البيهقي: 1/ 175، 308؛ 2/ 49، 125، 358، 377، 382، 386، 402، 410، 411، 436، 452، 460، 478، 489، 493، 495- 497، 499، 500، 507، 508، 510، 517، 526، 529، 541، 544، 557، 558، 739، 760، 806؛ 3/ 15، 17، 61، 62، 135، 136، 145، 158، 161، 162، 166، 171، 172، 174، 256، 261، 265، 270، 277، 292، 304، 305، 322، 338، 375، 380، 385، 418، 429، 443، 445، 448، 458، 482- 484، 502، 503؛ 4/ 7، 11، 39، 60، 80، 81، 86، 93، 102، 149، 151- 155، 187، 192، 273- 276، 278- 280، 289.

تئودور البرقوني: 3/ 397.

الترمذي: 1/ 58، 59، 144، 198، 353، 355، 376، 379، 554، 614؛ 2/ 33، 66، 70، 72، 76، 152، 188، 199، 264، 325، 335، 382، 391، 430، 431، 478، 579، 605، 624، 626، 760؛ 3/ 62، 328؛ 4/ 149، 152، 272، 285.

تغلبة: 2/ 129.

التقي: 2/ 616.

تميم الداري: 2/ 778.

توفيق الفكيكي: 2/ 474.

ثابت بن قيس: 3/ 321.

ثعلبة: 2/ 129.

الثمالي: 2/ 627؛ 3/ 357، 504؛ 4/ 55.

ثمامة بن أثال: 2/ 137، 431، 508؛ 3/ 260، 267.

ثور الكندي: 2/ 546.

الثوري: 2/ 82، 83، 498، 507، 515، 516؛ 3/ 10، 92، 102، 167، 173، 184، 423، 426، 456.

ثوير بن أبي فاختة: 1/ 430.

ثوير بن عامر: 2/ 337.

جابر: 1/ 69، 111، 152، 181، 252، 514، 600؛ 2/ 217، 218، 230، 235، 252، 267، 306، 376، 516، 517، 526، 821، 822؛ 3/ 62؛ 4/ 149، 183، 289.

جابر بن سمرة بن جندب: 1/ 240، 376، 377، 602.

جابر بن زيد: 3/ 406.

جابر

بن عبد اللّه: 1/ 61، 240، 376، 602، 614، 2/ 704، 724؛ 3/ 504؛ 4/ 149.

جابر بن يزيد، (الجعفي): 1/ 354؛ 2/ 174؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 491

3/ 418.

جابر الجعفي،- جابر بن يزيد.

الجاحظ: 1/ 543.

جالوت: 1/ 121، 166، 596.

الجبائي: 3/ 148.

جبرئيل «ع»: 1/ 225، 348، 608؛ 2/ 300، 621؛ 3/ 221، 320، 329، 333؛ 4/ 99، 130.

جبلّة بن عامر البلوى: 2/ 565.

جبير بن مطعم: 2/ 773؛ 3/ 260.

الجرجاني،- الشريف الجرجاني.

جرير: 1/ 603؛ 2/ 337.

جرير بن حازم: 4/ 273.

الجصاص: 3/ 269، 406، 460.

جعال بن سراقة الضمري: 2/ 135.

جعفر،- الإمام الصادق، أبو عبد اللّه، جعفر بن محمد بن علي «ع».

جعفر: 3/ 303.

جعفر، جعفر بن أبي طالب، جعفر الطيار:

1/ 510؛ 20/ 111، 274، 680، 705؛ 3/ 164.

جعفر بن برقان: 2/ 464.

جعفر بن محمد،- الإمام الصادق ...

جعفر بن محمد: 4/ 289.

جعفر بن محمد الأشعري: 1/ 467.

جعفر بن محمد بن زياد، الفقيه الخوري: 1/ 462.

جعفر بن محمد بن قولويه: 1/ 478.

جعفر بن نعيم: 1/ 173.

جمال الملة و الدين، (آقا جمال الخونساري):

4/ 36.

جميل، (ابن دراج): 1/ 469؛ 2/ 95، 791؛ 3/ 14، 24.

جندب، (جندب بن النعمان الأزدي): 2/ 576؛ 3/ 317.

جهيم بن الصلت: 2/ 752.

الجواد الكاظمي،- الفاضل الجواد الكاظمي.

جويبر: 2/ 716.

الجويني،- امام الحرمين الجويني.

جيفر بن الجلندي الأزدي: 2/ 137.

الحائري،- المحقّق الحائري.

حاتم: 2/ 455، 509،- عدي بن حاتم.

الحارث: 2/ 49، 129، 138، 193، 676؛ 4/ 116.

الحارث بن أبي شمر الغساني: 2/ 137.

الحارث بن أبي ضرار: 2/ 562، 742.

الحارث بن بلال (المازني)، المزني: 2/ 129، 130؛ 4/ 192.

الحارث بن حضيرة: 2/ 512.

الحارث بن سريع: 3/ 313.

الحارث بن الصمة: 3/ 323.

الحارث بن عبد الملك: 2/ 129.

الحارث بن عوف:

2/ 47.

الحارث بن كلدة: 3/ 144.

الحارث بن المغيرة (النصري): 2/ 94، 238، 246، 715؛ 3/ 76؛ 4/ 132، 135، 136.

الحارث بن نوفل: 2/ 129.

الحارث بن هشام: 3/ 144.

الحارث بن وهب: 2/ 691.

حارثة: 3/ 190؛ 4/ 289.

حاطب (بن أبي بلتعة): 2/ 137، 387، 402، 740- 742؛ 3/ 172.

الحافظ الدمياطي: 2/ 133، 135.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 492

الحافظ زين الدين العراقى،- زين الدين العراقي.

الحاكم: 1/ 42؛ 2/ 325، 572، 760؛ 3/ 135؛ 4/ 262.

الحاكم النيسابوري: 2/ 84، 624، 631، 654.

الحباب بن منذر بن الجموح: 2/ 558.

حبابة الوالبيّة: 2/ 266.

حبّة العرني: 2/ 732؛ 3/ 290.

حبيب بن أبي ثابت: 2/ 573؛ 685، 699.

حبيب بن أبي حبيب: 3/ 406.

حبيب بن مظاهر: 1/ 509.

حبيب السجستاني: 1/ 293.

حبيش: 2/ 266، 332، 627.

الحجاج: 1/ 180، 584؛ 2/ 255؛ 3/ 185، 460، 491.

حجر بن عديّ: 2/ 256.

حذيفة: 1/ 309؛ 2/ 28، 49، 111، 125، 393، 561، 648.

حذيفة بن منصور: 2/ 263، 632، 661.

حذيفة بن اليمان: 1/ 580؛ 2/ 560، 570.

حرام بن معاوية: 3/ 486.

حرب: 3/ 90.

حرب بن عبيد اللّه: 4/ 271، 272.

حرث بن نوفل الهاشمي: 2/ 129.

الحرّ: 1/ 65، 123، 211، 605؛ 2/ 253؛ 3/ 357.

حريز، (ابن عبد اللّه): 1/ 145، 188؛ 2/ 408، 432، 518، 525، 531، 533؛ 3/ 16؛ 4/ 46، 104.

حسّان بن ثابت: 1/ 518.

حسّان بن حسّان البكري: 1/ 114.

الحسن: 2/ 69، 197، 272، 363، 379، 426، 429، 515، 521، 601، 618، 651، 663، 762؛ 3/ 25، 38، 90، 92، 102، 259، 267، 286، 301، 394، 395، 397، 399، 406، 449؛ 4/ 183، 259، 278، 293.

الحسن البصري: 1/ 584؛ 2/ 274، 295، 498، 507، 520؛

3/ 159، 167، 405؛ 4/ 61.

الحسن بن ثواب: 3/ 371.

الحسن بن الجهم: 1/ 391؛ 2/ 35.

الحسن بن راشد: 2/ 40.

الحسن بن زياد: 3/ 95- 97، 100.

الحسن بن شريف بن شعبة: 2/ 666.

الحسن بن صالح: 2/ 367، 369؛ 3/ 25، 90، 439، 440؛ 4/ 3.

الحسن بن ظريف: 4/ 304، 305.

الحسن بن علي: 1/ 430، 463.

الحسن بن علي بن أبي حمزة: 1/ 471؛ 3/ 314.

الحسن بن علي بن شعبة: 2/ 666؛ 4/ 303.

الحسن بن علي بن عمارة: 3/ 159.

الحسن بن علي بن يقطين: 2/ 94.

الحسن بن محبوب: 1/ 115؛ 2/ 367؛ 3/ 421؛ 4/ 200، 201.

الحسن بن محمد بن الحنفية: 3/ 102.

الحسن بن هارون (بيّاع الأنماط): 3/ 305.

الحسين: 3/ 400.

الحسين بن أبي العلاء: 1/ 411؛ 2/ 269.

حسين بن أحمد بن ادريس: 1/ 461.

الحسين بن الجارود: 1/ 214، 215.

الحسين بن حمدان: 3/ 314.

الحسين بن خالد: 1/ 142، 249.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 493

الحسين بن سعيد: 1/ 214، 429، 430، 467؛ 2/ 164، 460؛ 4/ 138.

الحسين بن عبد اللّه: 3/ 162.

الحسين بن عبيد اللّه بن ضمرة: 2/ 662.

الحسين بن علوان: 3/ 40؛ 4/ 304.

الحسين بن علي، (شهيد فخ): 1/ 123، 217، 238، 607- 609؛ 2/ 256.

الحسين بن القاسم: 4/ 138.

الحسين بن محمد: 1/ 430.

الحسين بن المختار: 2/ 39.

الحسين بن موسى: 4/ 291.

الحسين بن يزيد النوفلي: 1/ 461.

حصين بن نيار: 2/ 129.

حفص: 1/ 109؛ 3/ 296، 303، 417، 422، 423؛ 4/ 34، 41، 48، 49.

حفص بن البختري: 1/ 294؛ 2/ 325؛ 3/ 454؛ 4/ 16، 17، 32، 38، 99،- حفص.

حفص بن سالم: 1/ 219.

حفص بن عون: 1/ 140، 167، 197، 297.

حفص بن غياث 1/

20، 140؛ 2/ 204، 219، 673؛ 3/ 151، 159، 160، 164، 255، 288، 289، 293، 305، 354، 376، 416،-

حفص.

حفصة: 2/ 689.

الحكم: 1/ 243؛ 3/ 418.

الحكم بن العاص: 2/ 324.

الحكم بن عتيبة: 1/ 365؛ 3/ 159، 405، 406.

الحكم بن مسكين: 4/ 134.

حكيم، (مؤذّن بني عيس): 3/ 47.

حكيم بن حزام: 2/ 631، 634، 652، 665؛ 3/ 143، 144.

الحلبي، (محمد بن علي الحلبي): 1/ 99، 111، 145، 183، 244، 527، 576؛ 2/ 40، 161، 162، 164، 192، 220، 249، 310، 313، 366، 375، 461، 514، 520، 523، 542، 564، 616، 620، 633- 636، 645، 650، 652، 654، 775؛ 3/ 59، 64، 66، 140، 225، 233، 236، 272، 352، 354، 453، 503؛ 4/ 34، 64، 65، 68، 119، 125، 139، 239، 240، 243- 245، 252، 263،- محمد بن علي الحلبي.

الحلّي،- المحقق، المحقق الحلّي.

حليمة: 3/ 146.

حمران (ابن أعين): 2/ 368، 397؛ 4/ 150.

حمزة (ابن عبد المطلب): 1/ 44، 587؛ 2/ 5، 111، 274، 794- 796.

حمزة بن حمران: 1/ 142؛ 2/ 97؛ 4/ 84.

حمزة بن محمد العلوي: 2/ 640.

حمّاد: 1/ 104- 106، 169؛ 2/ 62، 164، 353، 355، 356، 358، 449، 516، 520، 521، 533، 654؛ 3/ 33، 52، 56، 72، 106- 108، 113، 115، 116، 124، 137، 148، 156، 165، 169، 195، 196، 198، 206، 340، 360، 466، 467، 494- 496؛ 4/ 8، 10، 38، 47- 49، 53، 58، 59، 66، 85،- حمّاد بن عثمان،- حمّاد بن عيسى.

حمّاد بن أبي سليمان: 2/ 498.

حماد بن عثمان: 2/ 71، 321، 352، 359، 387، 450، 522، 523،- حمّاد.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 494

حمّاد بن عمرو: 1/ 245،

354.

حمّاد بن عيسى: 1/ 180، 188، 222، 467؛ 2/ 603؛ 3/ 195، 218؛ 4/ 17، 34،- حمّاد.

حماس بن قيس بن خالد الديلي: 3/ 143.

حميد: 2/ 822.

حمير بن مالك: 3/ 304.

الحميري: 2/ 640.

الحنّاط: 2/ 635، 652.

حنّان: 1/ 290، 322؛ 2/ 18، 798.

حنّان بن سدير الصيرفي: 2/ 799.

حنظلة (ابن الربيع): 2/ 337، 576.

حوّاء: 1/ 360.

حويطب بن عبد العزى: 3/ 144.

خارجة: 3/ 313.

خالد: 1/ 603؛ 3/ 173.

خالد بن الوليد: 2/ 130، 131، 139؛ 3/ 141، 143، 173، 174، 178، 368، 381.

خالد بن سعيد (ابن العاص): 2/ 139، 751.

خالد الحذاء: 3/ 156.

خبيب: 2/ 565.

خبيب بن الشهيد: 4/ 273.

خبيب بن عديّ الأنصاري: 2/ 565.

الخدري،- أبو سعيد الخدري.

خديجة (أم المؤمنين): 1/ 46، 92، 436؛ 2/ 789؛ 3/ 261.

الخرقي، أبو القاسم: 1/ 348، 515، 521، 527؛ 3/ 155، 302، 339، 350، 371، 422- 424، 439؛ 4/ 12، 235، 255، 269،- أبو القاسم الخرقي.

الخريت بن راشد: 2/ 383، 480، 569.

الخفاجي: 2/ 436.

خلّاد، خلاد السندي: 4/ 91.

خلّاس: 2/ 529.

الخلّال: 2/ 363.

الخليفة الثاني،- عمر بن الخطاب.

الخليل: 1/ 75؛ 2/ 101، 628؛ 3/ 395،- ابراهيم الخليل.

خليل بن أحمد: 3/ 45.

الخميني،- آية اللّه العظمى الإمام الخميني- قدّس سرّه-.

الخواجة نصير الدين الطوسي،- المحقق الطوسي.

الخوارزمي: 2/ 379؛ 3/ 293، 305.

الخوانساري،- المحقق الخوانساري، و أيضا- آية اللّه العظمى السيد أحمد الخوانساري.

خوّات بن جبير: 2/ 561.

خيثمة: 2/ 77.

الخيزران: 1/ 357.

الدار قطني: 2/ 129، 527؛ 3/ 25.

الدارمي: 2/ 69، 575؛ 4/ 260.

داماسب: 3/ 379.

داود: 2/ 507؛ 3/ 176؛ 4/ 92، 97.

داود «ع»: 1/ 37، 121، 166، 296، 439، 501، 596، 602؛ 2/ 6، 55، 142، 143، 186، 202، 234، 576، 817؛ 3/ 373، 397، 410؛ 4/ 258، 260.

داود بن الحصين: 1/ 427،

428؛ 2/ 182.

داود بن سليمان الفراء: 1/ 462.

داود بن فرقد: 2/ 307؛ 4/ 39، 48، 54، 55، 73.

داود بن يزيد: 4/ 253.

داود الرقي، داود بن كثير الرقي: 2/ 246، 251؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 495

4/ 131، 297.

الدجال: 1/ 237.

دحية بن خليفة الكلبي: 2/ 137.

درّة، بنت أبي لهب: 2/ 272.

درست بن أبي منصور: 2/ 525.

دريد بن الصمة: 3/ 422.

الدكتور الزحيلي، الدكتور وهبة الزحيلي،- وهبة الزحيلي.

الدكتور محمد جواد المشكور،- محمد جواد المشكور.

الدمياطي،- الحافظ الدمياطي.

الديلمي: 1/ 195، 296، 360؛ 2/ 498، 814.

الدينوري: 2/ 812.

الذلفاء بنت زياد بن لبيد: 2/ 716.

الذهبي: 1/ 222.

الرازي، الإمام الرازي: 2/ 75، 80؛ 3/ 398.

الراغب: 1/ 53، 107، 433، 524؛ 2/ 316، 421، 568، 577؛ 3/ 6، 7، 46، 129، 249، 343؛ 4/ 1.

رافع بن خديج، (الأنصاري): 2/ 576؛ 4/ 262.

رافع بن عمرو الطائي: 2/ 129.

رافع بن مالك الأنصاري: 2/ 139.

الراوندي: 1/ 475.

ربعي: 1/ 222؛ 3/ 53، 156، 341.

ربعي بن عبد اللّه: 3/ 109؛ 4/ 58.

الربيع بن زياد: 2/ 823، 825.

ربيعة: 2/ 498، 507، 527.

رزين: 2/ 266.

رستم، فرخزاد: 3/ 471.

الرشيد: 2/ 206، 256،- هارون، هارون الرشيد.

الرضي،- الشريف الرضي.

رفاعة: 2/ 123، 266، 393، 452، 499، 604، 622، 623، 638، 648، 657.

رفاعة النّخاس: 3/ 265.

الرملي، (الشافعي): 2/ 619، 643.

رويفع بن ثابت (الأنصاري): 3/ 359؛ 4/ 261.

الريان: 4/ 191.

الريان بن شبيب: 1/ 520.

الريان بن الصلت: 2/ 245، 551؛ 3/ 69؛ 4/ 100، 190.

زاذان: 1/ 304؛ 2/ 807.

الزبرقان بن بدر: 2/ 132.

الزبير: 1/ 332، 519، 555، 583؛ 2/ 386، 387، 670، 683؛ 3/ 288، 292؛ 4/ 166.

الزبير بن بكّار: 2/ 139.

الزبير بن عبد المطلب: 2/ 716.

الزبير بن عوام: 1/ 70؛ 2/ 206،

385، 556، 741؛ 3/ 331.

الزبيري: 2/ 413.

الزجاج: 1/ 453؛ 2/ 168.

الزحيلي،- وهبة الزحيلي.

زرادشت: 3/ 401.

زرارة: 1/ 13، 98، 130، 146، 188، 213، 292، 365، 366، 458، 599؛ 2/ 28، 29، 95، 104، 220، 266، 359، 397، 406، 408، 483، 513، 514، 518، 528، 530، 542، 569، 704، 776، 794؛ 3/ 13، 16، 17، 23، 27، 28، 32، 59، 61، 137، 141، 200، 222،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 496

231، 234، 306، 316، 341، 355، 357، 428، 429، 432، 453، 480؛ 4/ 8، 10، 33، 58، 109، 122، 150، 263، 286، 288، 289.

زردشت: 3/ 404.

زرّ بن حبيش: 1/ 252.

الزرقاني: 2/ 128، 136.

زريق، (ابن حيان): 1/ 187؛ 4/ 280.

زفر: 3/ 10.

زكريا «ع»: 3/ 397.

زكريا بن آدم: 1/ 386؛ 2/ 94؛ 3/ 266.

زكريا بن الحارث: 3/ 160.

زكريا بن يحيى الواسطي: 3/ 379.

الزمخشري: 1/ 200؛ 2/ 379، 771.

زنيج: 4/ 273.

الزهري: 1/ 131، 376، 380، 515؛ 2/ 50، 426، 507، 516، 520، 521، 676؛ 3/ 167، 258، 260، 261، 264، 277، 278، 322، 330، 359، 386؛ 4/ 101، 192.

الزهرة: 3/ 402.

زياد، زياد بن أبيه، زياد بن أبي سفيان: 1/ 364؛ 2/ 187، 553، 673؛ 3/ 356، 395، 399؛ 4/ 259، 260، 283.

زياد الباهلي: 2/ 129.

زياد بن أبي سلمة: 1/ 616.

زياد بن حدير: 4/ 274- 278.

زياد بن لبيب: 2/ 131.

زياد بن لبيد، (أخو بني بياضة الأنصاري):

2/ 132، 716.

زياد بن النضر: 2/ 566.

زيد،- زيد بن علي.

زيد بن أرقم: 1/ 41، 45، 50، 58؛ 2/ 70، 568.

زيد بن أسلم: 1/ 432؛ 2/ 249، 389، 411؛ 3/ 192.

زيد بن ثابت: 1/ 203؛ 2/ 160؛ 3/ 49.

زيد بن حارثة: 1/

40، 62، 510؛ 2/ 134- 136، 716؛ 3/ 174.

زيد بن علي «ع»: 1/ 123، 206- 214، 216، 217، 220، 226، 238، 247، 529، 587، 606، 607، 609؛ 2/ 256، 379، 427، 435، 450، 491، 493، 532، 779، 814؛ 3/ 315، 386.

زيد بن موسى بن جعفر- عليهما السلام-: 1/ 210.

زيد بن وهب (الجهني): 2/ 832، 833.

زيد الشحّام: 1/ 230، 387؛ 3/ 9،- الشحام.

زينب بنت جحش: 1/ 62؛ 2/ 716.

زينب بنت رسول اللّه «ص»: 3/ 261.

زين الدين العراقي، (الحافظ زين الدين العراقي):

2/ 135.

السائب بن عثمان، (ابن مظعون): 2/ 129، 136.

السائب بن يزيد: 4/ 280.

الساباطي: 3/ 200، 234.

سابق البربري: 2/ 436.

ساسان: 1/ 327.

سالم: 2/ 135،- سالم بن عبد اللّه.

سالم بن أبي الجعد: 2/ 663.

سالم بن عبد اللّه: 2/ 264، 265؛ 4/ 101، 192، 279.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 497

سالم بن مكرم الجمّال: 1/ 430.

سالم الحنّاط: 2/ 631.

سالم مولى أبي حذيفة: 1/ 43، 400.

سام: 3/ 410.

السامري: 2/ 333.

سباع بن عرفطة (الغفاري): 2/ 135، 136.

السبزواري: 2/ 595.

سبط بن الجوزي: 2/ 825.

السبكي: 4/ 190.

سحنون: 2/ 728.

السديّ: 2/ 429؛ 3/ 38، 148، 259، 394، 395، 397، 408؛ 4/ 293.

سدير، سدير الصيرفي: 1/ 111، 193، 211، 229- 232، 245، 252، 529، 609؛ 2/ 229، 776.

السّراج: 1/ 521.

السّرخسي: 2/ 456، 472؛ 4/ 261، 271، 274.

سرق: 2/ 489.

السّري: 4/ 91.

سعد: 2/ 34، 45، 330، 331؛ 3/ 149، 188.

سعد الإسكاف: 2/ 263.

سعد الأشعري: 1/ 178.

سعد بن أبي وقّاص: 1/ 518؛ 2/ 136، 330، 331، 556؛ 3/ 133، 178، 189؛ 4/ 7.

سعد بن جشم: 3/ 313.

سعد بن الربيع: 2/ 559.

سعد بن زيد: 4/ 152.

سعد بن طريف، سعد الخفاف: 4/ 304، 305.

سعد

بن عبادة: 2/ 48، 134، 136؛ 3/ 134، 144، 322.

سعد بن عبد اللّه بن ربيعة: 2/ 129.

سعد بن عبد اللّه القمّي: 1/ 392.

سعد بن عمر الجلاب: 1/ 366.

سعد بن مسعود: 4/ 283.

سعد بن معاذ: 2/ 44، 48، 134، 138؛ 3/ 133، 252، 253، 256، 257، 272، 322؛ 4/ 6.

سعد الخفّاف،- سعد بن طريف.

سعد الدوسي: 2/ 129.

سعدان بن مسلم: 2/ 405.

سعيد: 2/ 516، 517؛ 3/ 178؛ 4/ 102، 169، 192.

سعيد بن أبي سعيد المقبري: 2/ 516.

سعيد بن جبير: 2/ 426، 429، 704؛ 3/ 50، 149، 150، 267، 281، 320.

سعيد بن خفاف: 2/ 129.

سعيد بن زيد: 2/ 556؛ 3/ 505؛ 4/ 152.

سعيد بن سعيد بن العاص: 2/ 265.

سعيد بن العاص بن أميّة: 3/ 133؛ 4/ 7.

سعيد بن عبد العزيز: 3/ 372.

سعيد بن المسيب: 2/ 249، 330، 389، 507؛ 3/ 167؛ 4/ 101، 192.

سعيد الرجاني: 2/ 831.

السفّاح: 1/ 227، 235.

سفيان: 2/ 431، 484، 544، 685، 831؛ 3/ 130، 258، 344.

سفيان بن سعد: 3/ 313.

سفيان بن سعيد: 3/ 90، 342.

سفيان بن عيينة: 2/ 695.

سفيان الثوري: 2/ 274، 772؛ 3/ 130.

السفياني: 1/ 229، 231، 232، 235، 236،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 498

244.

السكوني: 1/ 20، 133، 187، 200، 297، 475، 615؛ 2/ 197، 198، 235، 238، 267، 308، 328، 339- 341، 358، 359، 368، 376، 381، 384، 391، 392، 397، 406، 449، 453، 462، 477، 481، 488- 490، 495، 497، 501- 505، 524، 526، 529، 530، 575، 584، 626، 627، 629، 631، 639، 640، 726، 733، 763؛ 3/ 39، 96- 98، 112، 255، 422؛ 4/ 151، 162.

سلّار: 1/ 340؛ 2/ 216، 660؛ 3/ 89، 123؛

4/ 14.

سلمان، (سلمان الفارسي): 1/ 181؛ 2/ 47، 111، 704؛ 3/ 71، 238، 471.

سلمة بن أكوع: 1/ 514؛ 2/ 742.

سلمة بن علقمة: 4/ 273.

سلمة بن كميل: 2/ 198.

سلمة بن يزيد الجعفي: 1/ 581؛ 2/ 129.

سليط بن عمرو: 2/ 137.

سليم: 1/ 296؛ 2/ 52،- سليم بن قيس.

سليم البشري (الشيخ سليم البشري شيخ جامع الأزهر): 1/ 52.

سليم بن قيس، (سليم بن قيس الهلالي): 1/ 12، 178، 180- 182، 303، 304، 306، 318، 384، 388، 508، 529؛ 3/ 327.

سليمان: 1/ 166، 169؛ 2/ 143؛ 4/ 244.

سليمان بن أبي حثمة: 1/ 380.

سليمان بن أبي عبد اللّه: 2/ 331.

سليمان بن بريدة: 2/ 76؛ 3/ 385.

سليمان بن خالد: 1/ 138، 232، 297، 335، 386، 435، 439، 444، 448، 449، 454؛ 2/ 18، 39، 95، 142، 143، 149، 150، 159، 160، 173، 237، 378؛ 3/ 220؛ 4/ 24، 87، 191، 234، 239، 243، 245- 249، 252.

سليمان بن قيس،- سليم بن قيس.

سليمان بن مهران: 1/ 384، 391.

سليمان الجعفري: 1/ 614، 615.

سماعة، (سماعة بن مهران): 1/ 95، 117، 141؛ 2/ 199، 368، 406، 408، 461، 513، 524؛ 3/ 67، 84، 97، 165، 221، 327، 353؛ 4/ 17، 33، 38، 54، 130، 203، 291.

سمراء بنت نهيك الأسدية: 2/ 265.

سمرة، (سمرة بن جندب): 2/ 28، 30؛ 4/ 153، 154، 182، 183، 187.

سمّاك بن حرب: 2/ 517.

سنان بن أبي سنان: 2/ 131.

السندي بن محمد: 2/ 640، 738.

السنوسي: 1/ 583.

سهل،- سهل بن أبي زياد: 4/ 191.

سهل بن أبي حثمة: 3/ 204، 496؛ 4/ 105.

سهل بن حنيف: 2/ 724؛ 3/ 321- 323.

سهل بن زياد: 1/ 467، 472، 617، 621؛ 3/ 85، 465؛ 4/ 97، 100، 190، 191.

سهيل: 2/ 736.

سهيل

بن عمرو: 2/ 730، 735، 750؛ 3/ 143، 144.

سواد بن عزية البلوي الأنصاري: 2/ 131.

سوادة بن قيس: 2/ 191.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 499

سوار بن عبد اللّه القاضي: 2/ 488.

سويد بن غفلة: 3/ 452.

سيف بن عميرة: 2/ 402.

السيوري، (الفاضل السيوري): 2/ 419.

السيوطي: 1/ 42، 49، 222، 558؛ 2/ 131، 435- 437؛ 3/ 135، 328.

السيّاري،- أبو عبد اللّه السياري.

السيّد، (صاحب حاشية المكاسب و صاحب العروة، السيد محمد كاظم): 3/ 245،- صاحب العروة.

السيّد ابن طاوس،- ابن طاوس.

السيّد حامد حسين الهندي: 1/ 59.

السيّد الرضي،- الشريف الرضي.

السيّد فضل اللّه،- فضل اللّه.

السيّد محسن العاملي،- محسن العاملي.

السيّد محمد آل بحر العلوم،- محمد آل بحر العلوم.

السيّد المرتضى،- الشريف المرتضى.

شاذان: 1/ 173.

الشافعي: 1/ 53، 127، 265، 336؛ 2/ 76، 79، 82، 83، 147، 154، 155، 201، 279، 311، 312، 322، 330، 333، 345، 349، 350، 357، 361، 363، 374، 412، 413، 420، 426، 471، 487، 488، 498، 507، 515، 516، 520، 521، 526، 527، 530، 603، 642- 644، 660، 672، 806؛ 3/ 10، 22، 24، 48، 53، 60، 64، 91، 92، 100- 102، 130، 141، 142، 153، 159، 163، 167، 168، 173، 176، 178، 184، 187، 194، 208، 239، 258، 260، 263، 267، 268، 270، 273، 274، 276، 283- 285، 297، 300، 302، 308، 322، 335- 339، 341، 344- 346، 368، 371- 374، 381، 385، 390، 391، 393، 408، 413، 416، 424- 426، 428، 430، 433، 439، 440، 443، 455، 456، 461، 463، 468، 469، 483، 490؛ 4/ 11، 36، 37، 61، 62، 94، 156، 157، 161، 216، 217، 220، 234، 251، 255، 264، 265، 267- 270،

273.

شبث بن ربعي: 2/ 576.

شجاع بن وهب الأسدي: 2/ 137.

الشحّام: 1/ 201، 285؛ 2/ 366،- زيد الشحّام.

شراحة الهمدانية: 2/ 495.

شرحبيل بن حسنة: 2/ 752.

شرف الدين الموسوي: 2/ 84.

شريح، (شريح القاضي): 1/ 138، 335، 454؛ 2/ 142، 175، 194، 196، 198، 423، 724؛ 4/ 283.

الشريف الجرجاني: 1/ 267.

الشريف الرضي، السيد الرضي: 2/ 229، 666، 678، 825؛ 4/ 303.

الشريف المرتضى، السيد المرتضى، علم الهدى:

1/ 19، 340؛ 2/ 79- 81، 180، 216، 217، 220، 221؛ 3/ 10، 21، 111، 299، 300، 307- 310، 317، 339؛ 4/ 62، 118.

شريك: 3/ 293.

الشعبي: 1/ 518؛ 2/ 76، 128، 495، 516، 677؛ 3/ 25، 102، 167، 187، 291.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 500

شعيب «ع»: 1/ 321؛ 2/ 117، 230، 300، 809.

شعيب العقرقوفي: 2/ 93.

شقيق: 4/ 282.

شقيق بن سلمة: 3/ 305.

شمس الدين السرخسي،- السرخسي.

شهر بن بادان: 2/ 128.

شهر بن حوشب: 1/ 433.

الشهرستاني: 3/ 396.

الشهيد: 4/ 121، 145، 147، 227.

الشهيد، الشهيد الأوّل، شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن مكّي: 1/ 92؛ 2/ 418، 419، 475، 477، 503، 594؛ 3/ 51، 124؛ 4/ 120، 247، 248.

الشهيد، الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي:

1/ 182؛ 2/ 132، 242، 630، 666، 808؛ 3/ 233، 241، 244؛ 4/ 72، 120، 149، 182، 236.

الشهيدان، (الشهيد الأوّل و الثاني): 2/ 220؛ 3/ 276؛ 4/ 117، 219.

شهيد فخ،- الحسين بن علي، شهيد فخ.

الشوكاني: 3/ 385.

شيبة بن ربيعة: 2/ 557.

شيث: 3/ 397.

شيث بن آدم: 3/ 406.

الشيخ، الشيخ الطوسي، شيخ الطائفة، أبو جعفر الطوسي:

1/ 19، 131، 150، 173، 180، 223، 233، 304، 323، 336، 339، 340، 372، 427- 431، 471، 478؛ 2/ 90، 92، 95، 124، 154، 164، 182، 197، 199، 200، 215، 216، 219- 221، 239، 249، 251، 267، 305، 311، 319، 345- 347، 351، 352، 355، 358، 361، 362، 367، 369، 389، 394، 395، 405، 407، 409، 427، 460، 461، 471، 473، 477، 483- 486، 489، 491، 494، 497، 501، 502، 520، 528- 531، 564، 615، 617، 626، 629، 633- 635، 639، 643، 646، 655، 658، 661، 662، 666، 673، 726، 729، 759، 760، 762، 788، 791؛ 3/ 16، 17، 21، 35، 53، 62، 64، 66، 81، 89، 90، 92، 93، 95، 96، 100، 103، 107، 108، 122، 123، 130، 141، 142، 148، 153، 159، 162، 163، 168، 169، 173، 176- 178، 182، 183، 186، 193- 195، 198، 208، 214، 221، 223، 234، 237، 238، 253، 255، 259، 261- 264، 270، 271، 273- 275، 277، 282- 284، 288، 289، 296، 300، 308، 309، 336، 351، 368، 374، 379، 383، 384، 392، 413، 417، 420، 422، 424، 426- 428، 431، 433، 436، 451، 455، 456، 461، 468، 469، 476، 486، 499؛ 4/ 3، 8، 13، 26، 56، 57، 69، 82، 88، 91، 100، 101، 111، 112، 115، 117- 119، 129، 134، 138، 156، 169، 178، 180- 182، 191، 194، 197، 200- 203، 210، 215، 235، 237- 239، 247، 249،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 501

251، 264، 267، 304، 305.

الشيخ الأعظم، الشيخ «مرتضى» الأنصاري:

1/ 14، 66، 421، 437، 479؛ 2/ 540، 653، 657؛

3/ 88، 126، 220، 229- 232، 236، 240، 241، 245- 247؛ 4/ 33، 35، 36، 47، 63، 127، 143، 145.

الشيخ المفيد،- المفيد.

الشيخ نجم الدين: 4/ 218.

الشيخان، (الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي):

3/ 408، 436، 456؛ 4/ 62.

الشيماء: 3/ 146.

صاحب الجواهر، (الشيخ محمد حسن بن باقر النجفي): 1/ 339، 341؛ 2/ 159، 239، 247، 482، 636، 637، 649، 667؛ 3/ 211، 316؛ 4/ 134، 171، 175، 184، 230، 248.

صاحب الحدائق (الشيخ يوسف بن احمد البحراني): 3/ 21، 53؛ 4/ 68، 120.

صاحب حدائق المقربين: 2/ 81.

صاحب الدعائم (القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي): 3/ 312.

صاحب العروة، (السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي): 2/ 183؛ 3/ 245؛ 4/ 68،- السيد.

صاحب القاموس، (مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي): 4/ 44.

صاحب المدارك، (السيّد محمّد بن السيّد علي الموسوي العاملي): 2/ 473، 640.

صاحب المعالم، (حسن بن زين الدين بن علي العاملي): 2/ 640.

صاحب الوسائل (الشيخ حرّ العاملي، محمد بن الحسن بن علي): 1/ 125، 248، 430؛ 3/ 124.

صالح «ع»: 2/ 238، 809.

صالح بن أبي حمّاد: 2/ 823.

صالح بن محمّد بن سهل: 3/ 81.

صالح بياع الأكسية: 2/ 832.

صباح بن سيّابة: 1/ 100؛ 2/ 696؛ 3/ 33.

الصدر،- آية اللّه الشهيد السيد محمد باقر الصدر.

الصدوق، (أبو جعفر، محمد بن علي بن الحسين):

1/ 135، 171، 173، 201، 210، 211، 220، 245، 293، 339، 354، 356، 382، 385، 392، 412، 428، 430، 461، 463، 467، 478، 520، 601؛ 2/ 90، 91، 96، 97، 112، 182، 197، 199، 234، 250، 268، 269، 325، 353، 354، 356، 360، 367، 368، 391، 406- 409، 462، 473، 491، 502، 520، 523، 528- 530، 541، 544، 573، 604، 605، 615- 617،

621، 626، 634، 639، 640، 643، 662، 665، 696، 759، 790، 820، 827، 828؛ 3/ 22، 80، 89، 94، 97، 112، 114، 193، 227، 238، 239، 303، 329، 379، 380، 418، 421، 436، 481؛ 4/ 22، 92، 99، 122، 133، 134، 151، 223، 224، 258، 259.

الصدوقين: 1/ 364.

الصعب بن جثامة: 3/ 257، 258.

صعصعة بن صوحان: 2/ 486.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 502

الصفّار: 3/ 112، 422.

صفوان: 1/ 131، 133، 174، 471؛ 3/ 54، 55، 57، 183، 197، 198، 203، 209، 218، 447، 493، 494، 496؛ 4/ 21، 208.

صفوان بن أمية، (أبو وهب): 2/ 5، 423، 436، 437؛ 3/ 143، 144، 146.

صفوان بن سليم: 2/ 625.

صفوان بن مهران الجمّال: 1/ 616.

صفوان بن يحيى: 1/ 427؛ 2/ 523؛ 3/ 142، 192، 193؛ 4/ 251.

صفوان الجمّال،- صفوان بن مهران الجمّال.

صفية: 3/ 72.

صفية بنت حييّ: 4/ 56.

صيفي بن عامر: 2/ 129؛ 3/ 72.

ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب: 2/ 716.

الضحّاك: 2/ 358؛ 3/ 259؛ 4/ 3.

الضحاك بن قيس: 2/ 130.

ضرار،- ضرار بن ضمرة الضبابي:

ضرار بن حمزة الضبابي،- ضرار بن ضمرة الضبابي: 2/ 829.

ضرار بن ضمرة الضبابي، (النهشلي): 2/ 828، 829.

ضريس بن عبد الملك: 3/ 231.

ضريس الكناسي: 2/ 393؛ 3/ 75؛ 4/ 122.

طارق بن شهاب: 1/ 375.

طارق بن عبد اللّه النهدي: 2/ 193.

طاغوت العراق، (الصدام): 3/ 296.

طالوت: 1/ 121، 125، 165، 282، 302، 321، 596.

طاهر بن حاتم: 2/ 92.

طاوس: 4/ 101، 163، 192.

الطبراني: 1/ 63؛ 4/ 273.

الطبرسي: 2/ 90، 91، 425، 428، 429، 741؛ 3/ 271.

الطبري: 1/ 43، 123، 418، 420، 503، 504، 559، 601، 605؛ 2/ 96، 147، 382، 386، 480، 683؛ 3/ 57،

148، 201، 202، 317؛ 4/ 8.

الطحاوي: 2/ 349.

طلحة: 1/ 332، 519، 555؛ 2/ 670، 683؛ 3/ 189، 288، 292، 301،- طلحة بن زيد.

طلحة بن زيد: 1/ 130، 324، 614؛ 2/ 117، 236، 266، 325، 394، 409، 410، 758؛ 3/ 164، 263، 264، 270، 272، 274، 275، 278، 417.

طلحة بن عبيد اللّه: 2/ 556.

طهمورث: 3/ 401.

الطوسي،- الشيخ، الشيخ الطوسي.

الطيّار: 3/ 24.

عائشة، (أمّ المؤمنين عائشة): 1/ 48، 49، 134، 352، 360، 515؛ 2/ 111، 279، 313، 498، 565، 605، 796، 805، 819؛ 3/ 72، 292، 299، 303، 304، 307، 314، 315، 491؛ 4/ 56، 60، 93، 152، 153، 163.

العازار، (كاهن اليهود): 3/ 404.

عاصم بن أبي النجود: 2/ 814.

عاصم بن ثابت: 2/ 565.

عاصم بن حميد، (الحنّاط): 2/ 503؛ 3/ 245؛ 4/ 46، 59، 73.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 503

عاصم بن زياد: 2/ 823- 825.

عاصم بن سليمان: 4/ 278.

عاصم بن ضمرة: 3/ 18.

عاصم بن عمرو بن قتادة: 1/ 516.

عاصم بن عوف العجلاني: 2/ 334.

عامر: 2/ 526.

عامر بن سعد: 3/ 256.

عامر بن السمط: 2/ 534.

عامر بن شهر الهمذاني: 2/ 128.

عامر بن لؤي: 2/ 49، 137، 563.

عامر بن مروان: 2/ 491.

عامر الشعبي: 3/ 148؛ 4/ 60.

عبادة: 2/ 780.

عبادة بن صامت: 1/ 516، 581، 585؛ 2/ 30؛ 3/ 49، 62، 133، 135؛ 4/ 6.

عباد بن بشر: 2/ 563.

عباد بن صهيب: 2/ 326، 519.

عباد البصري: 1/ 117.

العباس: 1/ 44، 210، 231، 608؛ 2/ 508، 509؛ 3/ 142.

العباس بن عبد المطلب: 1/ 224، 400؛ 2/ 559.

عباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: 1/ 516.

العباس الورّاق: 4/ 64.

عبد بن حميد: 2/ 269؛ 3/ 135، 333.

عبد الأعلى: 3/ 40.

عبد اللّه: 1/

378؛ 2/ 402؛ 3/ 58، 203،- عبد اللّه بن عبد المطلب.

و،- عبد اللّه (المحض)،- عبد اللّه بن عمر.

عبد اللّه، (المحض): 1/ 218، 220.

عبد اللّه بن أبي أوفى: 3/ 168.

عبد اللّه بن أبي بكر: 2/ 565؛ 3/ 419.

عبد اللّه بن أبي حدرد الأسلمي: 2/ 564؛ 3/ 145.

عبد اللّه بن أبي رافع: 2/ 683.

عبد اللّه بن أبي ربيعة المخزومي: 2/ 131.

عبد اللّه بن أبي يعفور: 2/ 93.

عبد اللّه بن أبيّ: 2/ 568؛ 3/ 320.

عبد اللّه بن أبيّ بن سلول: 2/ 46؛ 3/ 281.

عبد اللّه بن أحمد بن حنبل: 2/ 82.

عبد اللّه بن أحمد بن الخشّاب: 2/ 825.

عبد اللّه بن أرقم: 3/ 449.

عبد اللّه بن أمّ مكتوم: 2/ 136.

عبد اللّه الأفندي،- الميرزا عبد اللّه الأفندي الأصفهاني.

عبد اللّه بن بكير: 1/ 148، 249؛ 3/ 80، 108؛ 4/ 23، 90، 133.

عبد اللّه بن جحش: 1/ 62؛ 2/ 128، 555، 556.

عبد اللّه بن جدعان: 2/ 206، 207.

عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب: 2/ 685.

عبد اللّه بن جعفر الحميري: 2/ 92؛ 4/ 304.

عبد اللّه بن جندب: 3/ 311.

عبد اللّه بن حذافة: 1/ 66، 299؛ 2/ 137، 779، 782.

عبد اللّه بن الحسن: 1/ 587.

عبد اللّه بن رواحة: 1/ 510؛ 2/ 134؛ 3/ 203، 281.

عبد اللّه بن الزبير: 1/ 209؛ 2/ 199، 507، 796، 805؛ 3/ 292.

عبد اللّه بن زمعة: 2/ 673؛ 3/ 148، 326، 353؛ 4/ 21.

عبد اللّه بن زيد بن عاصم: 3/ 145.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 504

عبد اللّه بن زيد الكندي: 2/ 130.

عبد اللّه بن سبا: 2/ 511.

عبد اللّه بن سعيد بن أبي سعيد المقبري: 3/ 60.

عبد اللّه بن سلام: 1/ 360.

عبد اللّه بن

سلمة: 2/ 517.

عبد اللّه بن سليمان: 2/ 732؛ 3/ 295، 306.

عبد اللّه بن سنان: 1/ 109، 148، 149، 200، 243، 359، 496؛ 2/ 346، 431، 448، 450، 473، 500، 501، 511، 514، 543، 603؛ 3/ 20، 28، 40، 48، 52، 69، 84، 157، 222، 234، 326، 342، 351، 495؛ 4/ 23، 39، 85، 86، 90، 151، 207.

عبد اللّه بن سوار: 2/ 130.

عبد اللّه بن شريك: 2/ 833؛ 3/ 288.

عبد اللّه بن صالح: 3/ 355.

عبد اللّه بن الصلت: 1/ 188.

عبد اللّه بن طلحة: 1/ 143؛ 2/ 160، 162.

عبد اللّه بن عاصم: 3/ 313.

عبد اللّه بن عامر: 2/ 499.

عبد اللّه بن عباس: 1/ 43، 520؛ 2/ 13، 37، 54، 673، 676- 678، 777، 780، 800، 807؛ 3/ 101، 142، 160، 315.

عبد اللّه بن عبد المطلب: 1/ 80.

عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي سلول: 2/ 136.

عبد اللّه بن عتبة (بن مسعود): 4/ 279، 280.

عبد اللّه بن عجلان: 1/ 366، 367.

عبد اللّه بن عمر: 1/ 43، 48، 182، 186، 518، 582، 583؛ 2/ 54، 233، 335، 336؛ 3/ 257،- ابن عمر.

عبد اللّه بن عمر: 1/ 510؛ 3/ 25، 158.

عبد اللّه بن عمرو بن سبيع الثعلبي: 2/ 128.

عبد اللّه بن عمرو بن العاص: 1/ 379؛ 2/ 311، 340.

عبد اللّه بن غطفان: 2/ 129.

عبد اللّه بن القدّاح: 2/ 803.

عبد اللّه بن قعين: 2/ 383، 480.

عبد اللّه بن المبارك: 3/ 184.

عبد اللّه بن محمد: 3/ 19.

عبد اللّه بن مسعود: 1/ 602؛ 2/ 111؛ 3/ 191، 285، 292، 304؛ 4/ 171.

عبد اللّه بن مطيع: 1/ 582، 583.

عبد اللّه بن معقل: 1/ 514؛ 4/ 275.

عبد اللّه بن مغفّل: 4/ 275.

عبد اللّه بن المغيرة:

2/ 758، 759.

عبد اللّه بن ميمون القداح: 1/ 467.

عبد اللّه الزبيري: 2/ 374، 412.

عبد اللّه السفاح: 1/ 231.

عبد اللّه النّجاشي: 2/ 808.

عبد الحسين شرف الدين: 1/ 52- شرف الدين ...

عبد الحميد: 2/ 203، 204.

عبد الحميد بن أبي الديلم: 1/ 232.

عبد الحميد بن عبد الرحمن: 3/ 460.

عبد الحميد خان: 1/ 618.

عبد الحيّ الكتاني: 2/ 112، 128.

عبد الرحمن: 4/ 283.

عبد الرحمن بن أبي بكرة: 2/ 830.

عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: 4/ 150.

عبد الرحمن بن أبي ليلى: 1/ 601؛ 2/ 229.

عبد الرحمن بن إيزي الخزاعي: 2/ 130.

عبد الرحمن بن الحجاج: 2/ 310، 484.

عبد الرحمن بن سيابة: 1/ 94؛ 2/ 473.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 505

عبد الرحمن بن عائذ: 2/ 517.

عبد الرحمن بن عوف: 3/ 171، 331، 382.

عبد الرحمن بن غنم: 3/ 484، 486.

عبد الرحمن بن كثير: 1/ 356.

عبد الرحمن بن معقل: 4/ 275.

عبد الرحمن بن ملجم: 3/ 282.

عبد الرحمن الشرقاوي: 2/ 380.

عبد الرزاق، (الصنعاني): 1/ 299، 376؛ 2/ 135، 363، 382، 410، 411، 424، 478، 479، 663، 782، 814؛ 3/ 386، 395؛ 4/ 274، 279، 280.

عبد السلام بن صالح الهروي: 2/ 89، 236.

عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم، عبد السلام بن نعيم:

1/ 230- 232.

العبد الصالح،- عيسى بن مريم «ع».

عبد العزيز بن البرّاج،- ابن البرّاج.

عبد العزيز بن محمد: 2/ 830.

عبد العزيز بن مسلم: 1/ 375، 382، 385، 386، 390، 394، 599؛ 2/ 17، 52.

عبد العزيز بن المهتدي: 2/ 94.

عبد العزيز بن نافع: 4/ 124.

عبد القاهر البغدادي: 1/ 418.

عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: 1/ 219، 305؛ 3/ 165، 377.

عبد الكريم الخطيب: 1/ 401.

عبد المسيح الكندي النصراني: 3/ 401.

عبد المطلب: 3/ 47، 296.

عبد

الملك: 1/ 200.

عبد الملك بن جريج: 4/ 279.

عبد الملك بن عمير: 2/ 464.

عبد الملك بن مروان: 1/ 402؛ 3/ 460، 491.

عبد الملك الجويني،- إمام الحرمين الجويني.

عبد مناف: 1/ 383.

عبد المؤمن الأنصاري: 2/ 100.

عبد الواحد: 1/ 173.

عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري:

1/ 171.

عبد الوهاب: 2/ 147، 155.

عبدوس بن مالك القطّان (العطّار خ. ل):

1/ 264، 402، 586.

عبده،- محمد عبده.

عبيد: 1/ 364.

عبيد بن زرارة: 1/ 249، 412، 521؛ 2/ 354، 356.

عبيد اللّه: 1/ 59.

عبيد اللّه بن الحسن العنبري: 2/ 488.

عبيد اللّه بن زياد: 1/ 213.

عبيد اللّه بن عباس: 2/ 676، 678.

عبيد اللّه المدائني: 2/ 532.

عبيد اللّه المهدي: 1/ 223.

العبيدي: 1/ 248، 428.

عتبة بن أبي وقاص: 3/ 172.

عتبة بن ربيعة: 2/ 557.

عتبة بن فرقد: 2/ 690، 691.

عتّاب بن أسيد: 2/ 128، 138.

عثمان: 1/ 78، 178، 197، 227، 244، 293، 503، 504، 519، 527، 555، 558، 559؛ 2/ 15، 129، 187، 188، 211، 423، 435، 436، 516، 613، 686- 688؛ 3/ 101، 189؛ 4/ 282،- عثمان بن عفان.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 506

عثمان بن أبي سليمان: 3/ 380.

عثمان بن أبي شيبة: 1/ 378.

عثمان بن أبي العاص: 2/ 130؛ 3/ 187؛ 4/ 259، 260.

عثمان بن حنيف: 2/ 552، 825؛ 3/ 185، 187- 191، 490.

عثمان بن سعيد العمري،- العمري.

عثمان بن عفان: 1/ 179؛ 2/ 134، 136، 345،- عثمان.

عثمان بن عنبسة،- السفياني: 1/ 236.

عثمان بن عيسى: 1/ 180.

عثمان البتّي: 2/ 498.

عجلان: 1/ 201.

عديّ: 2/ 234.

عديّ بن أبي الزغباء: 2/ 557.

عدي بن أرطاة: 3/ 506؛ 4/ 262، 383.

عدي بن حاتم: 2/ 132، 455، 480؛ 3/ 44.

العراقي: 2/ 67.

العرباض بن سارية السلمي: 3/ 448.

عرفجة: 1/ 129، 184.

عروة: 2/

281، 376، 573، 819؛ 3/ 506؛ 4/ 152، 153، 163.

عروة بن الزبير: 3/ 380، 503؛ 4/ 153.

عروة القتّات: 2/ 171، 172.

عريض، (أبو يسار): 2/ 556.

عريف بن أضبط الديلمي: 2/ 136.

العزّي: 3/ 402.

عزير: 3/ 480.

عضد الدين الإيجي، (القاضي عضد الدين الإيجي): 1/ 267.

عطاء: 2/ 241، 507، 527؛ 3/ 38، 90، 92، 102، 130، 167، 259، 267، 344؛ 4/ 293.

عطاء بن السائب: 3/ 102، 130.

عطاء بن يسار: 2/ 575.

عطية القرضي: 3/ 256.

العفريت: 1/ 321.

عقبة: 3/ 252.

عقبة بن أبي العيزار: 1/ 123.

عقبة بن أبي معيط: 3/ 259، 267، 272.

عقبة بن بشير: 2/ 574.

عقبة بن عامر، (الجهني): 2/ 77، 757، 758، 760؛ 3/ 444؛ 4/ 260.

عقيل، (ابن أبي طالب): 1/ 333؛ 2/ 680، 681؛ 3/ 172، 262، 276، 278.

عكاشة بن ثور: 2/ 130.

عكرمة: 1/ 587؛ 2/ 544، 601، 762؛ 3/ 148- 150؛ 4/ 3، 8.

عكرمة بن أبي جهل: 3/ 143.

عكرمة بن خالد: 2/ 410.

العلاء بن جارية: 3/ 144.

العلاء بن الحضرمي: 2/ 130، 132، 137.

العلاء بن زياد (الحارثي): 2/ 824، 825.

العلاء بن سيابة: 2/ 759.

العلّامة، العلّامة الحلي، الحسن بن يوسف المطهر الحلّي: 1/ 19، 85، 265، 380، 389، 402؛ 2/ 147، 216، 221، 242، 305، 306، 313، 471، 489، 531، 578، 593، 615، 651، 660، 661، 729؛ 3/ 10، 67، 91، 93، 123، 142، 167، 187، 235، 274، 275، 307- 309، 311، 388، 394، 423، 436، 438،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 507

440، 462، 486؛ 4/ 27، 145، 173، 182، 217، 233، 235، 236، 251، 252، 265،- الفاضل.

العلّامة الأصفهاني (صاحب حاشية المكاسب):

1/ 315.

العلّامة الأميني، (صاحب الغدير، الشيخ عبد الحسين، أحمد الأميني): 1/ 44، 50، 266،

308، 585.

العلّامة الطباطبائي، (صاحب الميزان): 1/ 350، 352، 525؛ 3/ 402.

العلّامة المجلسي، (المحدث المجلسي): 1/ 178، 206، 216؛ 2/ 255، 339، 533، 686، 772، 785، 811؛ 3/ 124، 143، 193؛ 4/ 53، 101، 105.

العلّامة النائيني،- المحقق النائيني.

العلّامة النورى: 1/ 300.

العلّامة الوحيد البهبهاني: 3/ 193.

علم الهدى،- الشريف المرتضى.

العلوي: 1/ 528.

علي،- على بن ابراهيم.

علي بن إبراهيم، (القمي): 1/ 99، 188، 290، 429، 461، 467، 472، 475، 517؛ 2/ 45، 98، 387، 497، 523، 529، 572، 640، 741؛ 3/ 33، 35، 36، 49، 81، 107، 136، 195، 252، 321، 384، 394، 408؛ 4/ 7، 45، 54، 68، 73، 101، 191.

علي بن أبي حمزة، (البطائني الواقفي): 1/ 100، 471؛ 4/ 137.

علي بن أبي رافع: 2/ 192، 684.

علي بن أحمد بن أشيم: 1/ 131؛ 3/ 142، 192، 193.

علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد: 4/ 305.

علي بن الأرقم: 2/ 832.

علي بن أسباط: 2/ 97؛ 3/ 329، 333.

علي بن اسماعيل: 2/ 759.

علي بن بابويه القمي: 2/ 357.

علي بن جعفر: 1/ 528؛ 2/ 359؛ 3/ 453، 482، 504.

علي بن الحسين بن عبد ربّه: 3/ 85.

علي بن داود اليعقوبي: 1/ 461.

علي بن رئاب: 1/ 472؛ 4/ 85.

علي بن سعيد: 4/ 183.

علي بن صالح بن يحيى: 4/ 3.

علي بن طلحة: 3/ 133.

علي بن عقبة: 2/ 715.

علي بن عيسى الوزير: 2/ 303.

علي بن محمد: 1/ 467، 488؛ 2/ 823.

علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني: 2/ 686.

علي بن محمد بن قتيبة: 1/ 172.

علي بن محمد بن مهرويه القزويني: 1/ 462.

علي بن المسيّب الهمداني: 2/ 94.

علي بن مهزيار: 3/ 19، 23، 47، 67، 68، 74، 75، 79، 83، 84، 87، 119؛ 4/ 64، 66، 125،

139.

علي بن هلال: 3/ 230.

علي بن همام: 4/ 304.

علي بن يقطين: 1/ 177، 387.

علي عبد الرزاق: 1/ 401.

علي الطنافسي: 2/ 484.

علي علي منصور: 2/ 82.

عمر، (الخليفة الثاني): 1/ 48، 49، 53، 179،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 508

401- 403، 519، 545، 546، 555؛ 2/ 44، 77، 111، 126، 129، 130، 265، 277، 279، 325، 330، 337، 344، 346، 348، 369، 370، 376، 377، 379، 402، 418، 434- 437، 461، 479، 494، 499، 507، 516، 517، 624، 672، 673، 683، 689- 692، 742، 795، 799، 814، 815؛ 3/ 25، 57، 93، 94، 101، 102، 156، 159، 168، 178، 184، 185، 187، 192، 199، 237- 239، 321، 322، 328، 331، 335، 338، 361، 382، 436، 438- 441، 447، 485، 486، 490، 491، 507؛ 4/ 102، 152، 163، 225، 267، 270، 277، 278، 282، 283، 285، 289،- عمر بن الخطاب.

عمر بن أبي ربيعة: 2/ 131.

عمر بن حنظلة: 1/ 18، 69، 72، 139، 244، 386، 408، 427- 429، 456، 458، 459، 532، 554؛ 2/ 98، 108، 145، 150، 156، 178، 181، 182، 622، 769؛ 3/ 200، 215.

عمر بن الخطاب: 1/ 43، 330، 364، 400، 517- 519؛ 2/ 144، 192، 278، 280، 297، 345، 363، 364، 423، 452، 500، 546، 548، 564، 741؛ 3/ 160، 184، 187- 191، 202، 343، 344، 381، 418، 431، 445، 452، 459، 484، 505، 506؛ 4/ 101، 192، 268، 274- 276، 279، 281،- عمر.

عمر بن سعد: 3/ 311، 313.

عمر بن شيبة: 1/ 378.

عمر بن عبد العزيز: 2/ 206، 426، 464، 488، 498، 516، 813؛ 3/ 102، 159، 185، 267، 393،

408، 425، 429، 438، 440، 456، 460، 506؛ 4/ 262، 268، 280- 283.

عمر بن قيس: 1/ 169.

عمر بن محمد بن يزيد بياع السابري: 4/ 129، 201.

عمر بن هرم: 3/ 406.

عمر بن يزيد: 1/ 96، 132، 139؛ 3/ 220؛ 4/ 127- 130، 159، 201، 202، 206، 221، 222، 225، 242، 244- 248.

عمران بن الحصين: 1/ 45، 57، 171، 412؛ 3/ 261.

عمران بن موسى: 3/ 112.

عمرو: 1/ 603؛ 2/ 77.

عمرو بن أبي المقدام: 1/ 356؛ 2/ 451، 524.

عمرو بن الأشعث: 1/ 392.

عمرو بن أمية الضمري: 2/ 137.

عمرو بن حزم: 2/ 11، 12، 96، 130، 132، 139؛ 3/ 419، 421، 429.

عمرو بن الحكم القضاعي: 2/ 130.

عمرو بن خالد: 1/ 207، 217.

عمرو بن دينار: 3/ 258.

عمرو بن سعيد بن العاص: 2/ 130.

عمرو بن الشريد: 2/ 484.

عمرو بن شعيب: 3/ 25؛ 4/ 102، 192، 279.

عمرو بن شمر: 2/ 822.

عمرو بن العاص: 1/ 379؛ 2/ 129، 137، 377، 516، 682، 687، 692، 693؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 509

3/ 291، 507.

عمرو بن عبد ودّ: 2/ 393.

عمرو بن عبسة: 2/ 733.

عمرو بن عبيد: 1/ 51، 219، 305؛ 3/ 165، 377.

عمرو بن العلاء: 2/ 682.

عمرو بن قيس: 2/ 832.

عمرو بن محجوب العامري: 2/ 130.

عمرو بن مرّة الجهني: 2/ 813.

العمري (عثمان بن سعيد العمري): 1/ 386؛ 2/ 92، 93.

عمّار: 2/ 111، 432، 485، 491؛ 3/ 210، 222، 238، 293، 294، 313،- عمار بن ياسر.

عمّار بن أبي الأحوص: 4/ 85.

عمّار بن مروان: 3/ 95، 98.

عمّار بن ياسر، (أبو اليقظان): 1/ 45، 63؛ 2/ 334؛ 3/ 185، 188، 191، 292، 294، 304، 306.

عمّار الساباطي: 1/ 143؛ 2/ 41؛ 3/ 97، 235.

العماني:

3/ 373.

عمير بن أبي وقاص: 3/ 133؛ 4/ 7.

عمير بن متوكّل: 1/ 223.

عمير بن وهب: 3/ 144.

العنسي: 2/ 132.

عوف،- عوف بن مالك:

عوف بن مالك: 1/ 300، 582؛ 2/ 69؛ 3/ 173- 175، 178، 359.

عوف الوركاني: 2/ 130.

عياذ بن الجلندي الأزدي: 2/ 137.

عياض: 1/ 616.

عياض بن عقبة: 3/ 267.

عياض بن غنم: 3/ 506.

العيزار، (بن الأخنس): 2/ 480، 481.

عيسى،- عيسى بن مريم «ع».

عيسى بن أبي منصور: 1/ 96؛ 2/ 604.

عيسى بن عبد اللّه: 1/ 142، 218، 461؛ 2/ 69.

عيسى بن مريم «ع» (العبد الصالح): 1/ 47، 370، 470، 487، 602، 604؛ 2/ 234، 254، 571، 572، 705، 817؛ 3/ 8، 365، 397، 403، 410.

عيسى بن المستفاد: 3/ 71، 85.

عيسى بن يونس: 3/ 277.

عيص بن القاسم: 1/ 205، 214، 217، 218، 220، 237، 238، 247، 276، 308، 607؛ 2/ 117، 820.

العياشي: 1/ 384؛ 2/ 197، 328، 426، 453، 462، 523، 532، 790، 809؛ 3/ 40، 76، 157، 341، 350- 352، 357، 377، 429؛ 4/ 39، 45، 46، 48، 55، 59، 73، 104، 138، 297.

عيينة (بن حصن): 2/ 47، 49؛ 3/ 144.

غالب بن القطّان: 2/ 572.

الغزالي: 2/ 67، 75، 76، 322، 330، 404، 827.

الغضائري: 1/ 471.

غورك بن الحصرم: 4/ 289.

غياث بن إبراهيم: 1/ 133؛ 2/ 326، 431، 452، 486، 499، 518، 522، 639، 640.

غياث بن كلّوب: 1/ 20.

الفائق: 2/ 681.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 510

الفارابي: 1/ 262.

فارس: 2/ 92.

فاطمة بنت الحسين: 2/ 603.

فاطمة بنت عمرو: 1/ 80.

الفاضل، (العلّامة الحلي): 2/ 220، 347، 351، 355، 666؛ 3/ 276، 408؛ 4/ 169، 230،- العلامة.

الفاضل الجواد الكاظمي: 1/ 349.

الفاضل الخراساني: 3/ 123.

الفاضل السيوري،- السيوري.

الفاضل النراقي،- المحقّق

النراقي.

الفخر، فخر الإسلام: 2/ 221، 384.

فخر الدين الرازي،- الرازي، الإمام الرازي.

الفرّاء، (النحويّ): 1/ 54، 55؛ 3/ 488؛ 4/ 42، 44، و أيضا- أبو يعلى الفراء.

فرات بن حيان: 2/ 743.

فرعون: 1/ 6، 281.

فروة بن مسيك: 2/ 130.

فروة بن نوفل الأشجعي: 3/ 382.

فضالة: 1/ 429؛ 4/ 138.

فضالة بن أيّوب: 4/ 45.

الفضل بن سليمان الكاتب: 1/ 235.

الفضل بن سهل: 1/ 520.

الفضل بن شاذان: 1/ 93، 94، 108، 171- 173، 296، 428؛ 2/ 17، 52، 250.

فضل بن عثمان الأعور: 3/ 481.

الفضل بن يسار: 3/ 13.

فضل اللّه، السيّد فضل اللّه: 3/ 483.

الفضيل: 1/ 142، 145، 209؛ 3/ 357؛ 4/ 122، 150.

فضيل بن الجعد: 2/ 686.

الفضيل بن سعدان: 3/ 504.

الفضيل بن يسار: 1/ 305؛ 2/ 451، 505، 506، 715؛ 3/ 13؛ 4/ 288.

الفقيه الهمداني، (الحاج آقا رضا الهمداني):

2/ 66.

فهر بن مالك: 1/ 271.

الفيض بن المختار: 1/ 232؛ 3/ 227، 236.

القادر باللّه: 2/ 81؛ 3/ 395.

القاسم: 4/ 276، و أيضا- قاسم بن سليمان.

قاسم بن سليمان: 2/ 460، 461، 513.

القاسم، قاسم بن محمد الجوهري: 4/ 138.

القاضي: 2/ 220، 363، 503، 616؛ 3/ 302، 339، 463، 497؛ 4/ 68، 220.

القاضي ابن الأزرق: 2/ 424.

القاضي ابن البراج،- ابن البراج.

القاضي ابن سعيد،- ابن سعيد.

القاضي أبو بكر،- أبو بكر بن العربي.

القاضي أبو يعلى الفراء،- أبو يعلى الفراء.

القاضي أبو يوسف،- أبو يوسف.

القاضي الباقلاني،- الباقلاني.

القاضي بردلة،- بردلة.

القاضي عبد العزيز بن البراج،- ابن البرّاج.

القاضي عضد الدين الإيجي،- عضد الدين الإيجي.

القاضي نعمان،- نعمان.

قتادة: 2/ 426، 429، 516، 520، 521، 530، 540؛ 3/ 38، 102، 130، 259، 333، 334، 394، 395، 397، 399؛ 4/ 3، 293.

قتيبة بن سعيد: 4/ 260.

قتيبة الأعشى: 2/ 301.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص:

511

القتيبي: 1/ 428.

قثم بن العباس: 2/ 96، 565، 812.

القدّاح: 1/ 469.

قدّامة: 2/ 274، و أيضا- ابن قدّامة.

القرافي المالكي: 2/ 476.

القرطبي: 2/ 540، 542، 544؛ 3/ 102، 130، 136، 149، 321، 334، 344، 345، 350، 353، 395؛ 4/ 7.

قضاعة بن عامر الدوسي: 2/ 131.

القطب الراوندي: 1/ 140، 197.

القفطي: 3/ 398.

القلقشندي: 1/ 272.

القمّاط: 3/ 15، 24.

القمّي،- علي بن إبراهيم.

قنبر: 2/ 194، 369، 389، 512، 680، 681، 831.

قيس: 1/ 603؛ 2/ 691؛ 3/ 331.

قيس بن الربيع: 3/ 160.

قيس بن سعد: 2/ 567، 570، 724.

قيس بن عاصم: 2/ 132.

قيس بن مالك الأرجي: 2/ 131.

قيس بن مسهّر: 2/ 256.

قيصر، قيصر الروم: 2/ 137، 706.

الكابلي، (أبو خالد الكابلي): 3/ 211، 245؛ 4/ 159، 202، 204، 211، 212، 222، 225، 231، 235، 244- 248،- أبو خالد الكابلي.

الكازروني: 2/ 790.

الكاشاني، (صاحب بدائع الصنائع، ابن مسعود الكاشاني): 2/ 322، 348، 425، 643.

كاشف الغطاء، (الأستاذ): 4/ 68.

الكاهلي: 1/ 616.

الكتاني: 2/ 137، 204، 261، 265، 269، 455، 578، 579، 708.

كثير بن عبد اللّه، (ابن عوف): 4/ 154، 255.

كثير بن نمر: 2/ 806.

الكراجكي: 1/ 176، 199، 310، 357، 435، 484.

كردين، (مسمع بن عبد الملك): 4/ 129.

كرز بن جابر الفهري: 2/ 134.

الكركي، (المحقّق الكركي، المحقق الثاني):

1/ 85؛ 2/ 180، 242، 243؛ 3/ 188، 230؛ 4/ 219.

كسرى، (كسرى أنو شروان): 2/ 128، 137، 708؛ 3/ 383، 473؛ 4/ 55.

كسرى بن قباذ: 3/ 490.

كشد الجهني: 2/ 556.

الكشي: 1/ 173، 181، 232، 428، 482؛ 2/ 91، 93، 95، 171، 511، 574، 676، 677.

كعب: 1/ 516.

كعب بن الأشرف: 1/ 439؛ 3/ 320.

كعب بن عجرة: 1/ 297، 614.

كعب بن لؤي: 2/ 49، 563.

كعب بن مالك: 1/ 516؛ 2/ 324، 487، 554.

كلاب بن

أمية: 4/ 259، 260.

الكلبي: 2/ 687؛ 3/ 397.

كليب بن وائل الأزدي: 2/ 265.

الكليني، ثقة الإسلام الكليني، محمد بن يعقوب الكليني: 1/ 104، 169، 181، 248، 382، 427، 430، 468، 475، 479،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 512

2/ 53، 69، 90، 92، 97، 98، 150، 151، 156، 198، 267، 404، 406، 452، 460، 461، 477، 485، 491، 497، 502، 505، 512، 528- 530، 533، 541، 632- 634، 639، 645، 661، 662، 667، 759؛ 3/ 13، 16، 19، 78، 80، 81، 96، 98، 107، 115، 162، 192، 195، 221، 234، 254، 288، 347، 357، 378، 383، 384، 465؛ 4/ 69، 97، 99، 100، 107، 128، 130، 131، 190، 191، 200،- محمد بن يعقوب الكليني.

كليود السن: 1/ 343.

الكناسي: 1/ 135، 563.

كنانة بن أبي الحقيق: 2/ 385.

الكناني: 1/ 135؛ 2/ 366.

كنكر،- أبو خالد الكابلي.

كورش: 3/ 402.

لبيد بن ربيعة: 4/ 4.

اللّحام: 3/ 266.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 512

لقمان: 2/ 273.

الليث: 2/ 521؛ 3/ 173، 423؛ 4/ 101، 192.

ليث بن البختري المراديّ: 2/ 104.

الليث بن سعد: 2/ 349، 520؛ 3/ 64، 159، 355.

ماركس: 1/ 4، 168.

ماريا، بنت العازار كاهن اليهود: 3/ 404.

المازري: 3/ 150.

مالك، (أبو عبد اللّه، مالك بن أنس بن مالك):

2/ 78، 79، 82، 83، 144، 148، 201، 249، 312، 330، 333، 344- 346، 348، 349، 351، 363، 389، 426، 454، 457، 488، 498، 507، 515، 516، 520، 521، 527، 564، 618، 644، 647، 651، 660؛ 3/ 10،

22، 24، 61، 62، 64، 90- 92، 100، 102، 103، 141، 142، 153، 159، 167، 173، 184، 187، 194، 239، 267، 268، 274، 331، 334، 338، 339، 345، 368، 371- 373، 382، 385، 393، 406، 408، 416، 423، 426- 428، 449، 455، 456، 463، 490؛ 4/ 151، 155، 157، 217، 220، 234، 236، 255، 268، 269، 279.

مالك بن أعين: 1/ 136، 237، 358؛ 3/ 310، 317.

مالك بن أنس: 2/ 426؛ 3/ 331، 393،- مالك.

مالك بن أوس: 3/ 322، 328.

مالك بن الدخشم: 2/ 334.

مالك بن عتاهية: 4/ 260.

مالك بن عوف، (عوف النصري): 2/ 131، 795، 796؛ 3/ 144.

مالك بن نويرة اليربوعي: 2/ 132.

مالك الأشتر، (الأشتر النخعي، النخعي، مالك بن الحارث الأشتر): 1/ 17، 68، 118، 120، 325، 326، 330، 374، 386، 389، 395، 435، 437، 446؛ 2/ 16، 40، 53، 114، 118، 152، 181، 189، 196، 211، 265، 337، 398، 425، 516، 521، 543، 551، 552،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 513

621، 622، 638، 646، 648، 657، 666، 697، 722، 734، 764، 767، 770، 775، 801، 805، 812؛ 3/ 102، 289، 291، 388، 470، 498، 500؛ 4/ 53، 291، 303، 304، 307.

المأمون، (العباسي): 1/ 117، 210، 384، 391، 520، 521؛ 2/ 127، 206، 208، 250، 302؛ 3/ 85، 387، 397- 400.

ماني: 3/ 397.

الماوردي، (أبو الحسن الماوردي): 1/ 86، 263، 370، 373، 400، 446، 449، 533، 535، 542، 545، 547، 552، 560، 567، 577، 588؛ 2/ 6، 7، 55، 112، 115، 127، 147، 148، 155، 201، 205، 210، 263، 317، 321، 364، 373، 375، 403، 412، 419، 424، 426، 466، 606، 608،

761، 765؛ 3/ 7، 55، 131، 192، 220، 266، 345، 346، 350، 363، 365، 370، 374، 414، 427، 428، 440، 441، 445، 450، 457، 462، 463، 479، 489، 491، 492؛ 4/ 161.

المبرّد: 1/ 55، 175.

متوشالح بن غير لمك: 3/ 402.

المتوكّل: 2/ 134.

المتوكّل بن عمر بن المتوكّل: 1/ 223.

المتوكّل بن هارون: 1/ 223، 224.

المثنّى: 3/ 503.

مثنى الحنّاط: 2/ 391.

مجاهد: 1/ 69؛ 2/ 100، 480، 540؛ 3/ 17، 102، 141، 142، 148- 150، 259، 365، 394، 395، 397، 406، 408؛ 4/ 3، 8.

مجدي بن عمرو الجهني: 2/ 557.

المجلسي،- العلّامة المجلسي.

مجمع بن جارية الأنصاري: 3/ 161.

مجمع التيمي: 2/ 685، 831.

المحدّث القمي، (الشيخ عباس القمي صاحب سفينة البحار): 2/ 42.

المحدّث الكاشاني، (المولى محسن، الفيض الكاشاني): 3/ 124.

محسن العاملي (السيّد محسن الأمين العاملي):

2/ 457.

المحقّق، المحقّق الحلّي، (أبو القاسم نجم الدين، جعفر بن الحسن): 1/ 19، 150؛ 2/ 146، 155، 178، 216، 219، 220، 241، 256، 270، 305، 306، 317، 347، 358، 362، 369، 370، 384، 417، 419، 482، 489، 497، 506، 510، 636؛ 3/ 48، 51، 92، 124، 154، 224، 253، 273، 275، 373، 434، 482؛ 4/ 15، 32، 52، 56، 62، 64، 66، 76، 78، 166، 170، 171، 231.

المحقّق الأردبيلي،- الأردبيلي.

المحقّق الاصفهاني: 2/ 649؛ 4/ 209.

المحقّق الثاني،- الكركي.

المحقّق الحائري: 2/ 650.

المحقّق الحلّي،- المحقق، المحقّق الحلّي.

المحقّق الخوانساري: 3/ 82.

المحقّق السبزواري: 3/ 119.

المحقّق الطوسي، (الخواجة نصير الدين الطوسي)، 1/ 389.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 514

المحقّق الكركي،- الكركي.

المحقّق النائيني، (العلّامة النائيني): 1/ 14؛ 4/ 305.

المحقّق النراقي، (الفاضل النراقي، النراقي):

1/ 14، 85، 89، 408، 487؛ 2/ 170، 594.

المحقّق الهمداني: 3/ 21.

المحلّ بن خليفة: 2/ 480.

محمّد آل بحر

العلوم، السيد محمّد: 4/ 203.

محمّد،- محمد الشيباني.

محمّد بن أبي بكر: 1/ 68، 182؛ 2/ 552، 800، 805؛ 3/ 387، 482؛ 4/ 307.

محمّد بن أبي عمير: 2/ 257.

محمّد بن أبي القاسم الماجيلويه: 1/ 180.

محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري:

1/ 461.

محمّد بن إسحاق: 1/ 180؛ 3/ 102، 190، 258، 330؛ 4/ 101، 192.

محمّد بن أسلم: 2/ 662.

محمّد بن إسماعيل (ابن بزيع): 2/ 203؛ 3/ 16.

محمّد بن بشير الهمداني: 3/ 313.

محمّد بن جبير، (ابن مطعم): 1/ 379؛ 3/ 260، 261.

محمّد بن جرير الطبري: 1/ 336؛ 2/ 229.

محمّد بن حسان الرازي: 1/ 461.

محمّد بن الحسن: 1/ 467؛ 2/ 472؛ 3/ 92.-

محمّد بن الحسن بن الوليد، و أيضا محمد الشيباني.

محمّد بن الحسن الأشعري: 3/ 68.

محمّد بن الحسن بن شمّون: 1/ 427.

محمّد بن الحسن بن الوليد: 1/ 180؛ 4/ 304، 305.

محمّد بن الحسين: 1/ 427؛ 4/ 201.

محمّد بن الحكم: 2/ 726.

محمّد بن الحنفية: 1/ 356، 504؛ 2/ 35، 521؛ 4/ 304.

محمّد بن خالد: 1/ 467.

محمّد بن راشد: 2/ 264.

محمّد بن زيد: 3/ 80، 81.

محمّد بن السائب الكلبي: 3/ 101.

محمّد بن سنان: 1/ 392، 601؛ 2/ 234، 409، 438، 632، 661؛ 4/ 134.

محمّد بن سيرين: 4/ 276.

محمّد بن شاذان: 1/ 172، 173.

محمّد بن شريح: 3/ 198.

محمّد بن عبد اللّه، (محمّد بن عبد اللّه المحض بن الحسن): 1/ 218، 219، 249، 587؛ 3/ 377.

محمّد بن عبد اللّه بن زرارة: 4/ 168.

محمّد بن عبد اللّه بن مهران: 2/ 534.

محمّد بن عبد اللّه الحميري: 2/ 92.

محمّد بن عثمان، (العمري): 1/ 478؛ 2/ 90، 93؛ 3/ 78.

محمّد بن عرفة: 2/ 231.

محمّد بن علي: 1/ 461؛ 3/ 66، 160، 314.

محمّد بن علي بن أبي عبد

اللّه: 3/ 65.

محمّد بن علي بن شجاع النيشابوري: 3/ 69.

محمّد بن علي بن محبوب: 1/ 427، 430؛ 4/ 138، 201.

محمّد بن علي الحلبي، (محمد الحلبي): 1/ 196، 522؛ 3/ 197، 206؛ 4/ 84،- الحلبي.

محمّد بن علي الصيرفي: 1/ 180.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 515

محمّد بن عيسى، (ابن عبيد): 1/ 241، 427- 429.

محمّد بن الفضيل: 2/ 541، 776.

محمّد بن القاسم بن الفضيل، (ابن يسار): 4/ 85، 253.

محمّد بن قيس، (البجلي): 1/ 96؛ 2/ 192، 268، 494، 502، 503، 513، 598، 604، 827؛ 3/ 481.

محمّد بن محمد بن أحمد القرشي،- ابن الأخوة.

محمّد بن محمد بن عصام الكليني: 1/ 478؛ 2/ 90.

محمّد بن مروان: 2/ 544.

محمّد بن مسلم: 1/ 94، 98، 110، 130، 135، 141، 143، 146، 168، 195، 196، 290، 291، 365، 366، 458؛ 2/ 62، 93، 95، 104، 197، 235، 249، 331، 542، 669؛ 3/ 13، 16، 27، 28، 32، 59، 76، 93، 113، 199، 200، 203، 215، 222، 233، 234، 238، 324، 341، 351، 357، 358، 363، 383، 434، 436- 438، 446، 451، 453، 464، 467، 488، 499؛ 4/ 17، 33، 38، 46، 48، 49، 54، 84، 104، 122، 123، 147، 150، 174، 222، 223، 226، 249، 265، 285، 288.

محمّد بن مسلمة، (الأنصاري): 1/ 518؛ 2/ 135، 136، 204، 386، 692، 693؛ 3/ 320.

محمّد بن المعلّى: 4/ 273.

محمّد بن منصور: 1/ 295.

محمّد بن يحيى: 1/ 214، 427، 467، 471؛ 2/ 92؛ 3/ 220، 263، 378؛ 4/ 128، 200، 202.

محمّد بن يعقوب الكليني: 1/ 295، 478؛ 2/ 90؛ 3/ 379، 384،- الكليني.

محمّد تقي المجلسي،- والد العلامة.

محمّد جواد المشكور، (الدكتور محمد

جواد المشكور):

3/ 403.

محمّد الحلبي،- محمد بن علي الحلبي، و أيضا- الحلبي.

محمّد الشيباني،- محمد بن الحسن الشيباني:

2/ 498، 644؛ 3/ 10، 22، 90، 91، 159، 260، 407؛ 4/ 157، 161.

محمّد الطيّار: 3/ 14.

محمّد عبده: 2/ 800؛ 3/ 473؛ 4/ 305.

محمّد محيط الطباطبائي: 3/ 396.

محمود بن مسلمة: 2/ 386.

محيي الدين بن العربي، (ابن العربي): 2/ 80، 136.

المختار: 4/ 283.

مختار التمار: 2/ 804.

مخرمة بن نوفل: 3/ 144.

المدائني: 3/ 242.

المدديّ: 3/ 174، 175.

المراديان،- الأسود بن قيس. و- الأسود بن يزيد.

مرارة بن الربيع: 2/ 324.

المرتضى،- الشريف المرتضى.

مردة بن نفاتة السلولي: 2/ 130.

مرزبان الزرارة: 3/ 178.

مروان: 2/ 573، 670، 730، 796.

مروان بن الحكم: 2/ 49، 805؛ 3/ 292، 293،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 516

303، 353.

مروان الحمار: 1/ 231، 235، 609.

المروزي: 1/ 264، 586.

مروك بن عبيد: 4/ 97، 98.

مريم «ع»: 2/ 705؛ 3/ 397.

مزارم: 1/ 169.

المزني: 3/ 64، 391، 424.

مسافر بن عفيف الأزدي: 2/ 533.

المستورد: 3/ 382.

مسدّد: 2/ 402.

مسروق: 3/ 459؛ 4/ 282.

مسعدة: 2/ 244، 245، 247، 250، 253، 256، 809؛ 3/ 169، 425.

مسعدة بن زياد: 3/ 161، 444.

مسعدة بن صدقة: 1/ 601؛ 2/ 69، 99، 228، 233، 234، 392، 726، 775، 803، 806؛ 3/ 164، 168، 384.

مسعود بن هنيدة: 2/ 558.

المسعودي، (صاحب مروج الذهب، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي): 1/ 110؛ 2/ 588، 606، 688؛ 3/ 242.

مسلم، (أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري): 1/ 43، 58، 66، 67، 129، 184، 201، 202، 240، 299، 324، 331، 333، 373، 375، 377، 378، 412، 580، 585، 591، 602، 619؛ 2/ 54، 55، 76، 124، 191، 256، 336، 376، 402، 557، 558، 603، 619،

624، 626، 704، 743، 758، 779، 782؛ 3/ 9، 58، 62، 171، 174، 257، 277، 328، 338، 376، 385، 444، 502؛ 4/ 262، 263.

مسلم بن سكرة، مسلم بن شكرة: 4/ 274.

مسلم بن عقيل: 1/ 208، 226، 509، 520، 559.

مسلم بن المصبح: 4/ 274.

مسلمة بن مخلّد: 4/ 261.

مسمع: 3/ 220؛ 4/ 128، 202، 208، 211.

مسمع أبو سيّار،- مسمع بن عبد الملك.

مسمع بن عبد الملك، أبو سيّار، كردين: 2/ 341، 408، 453، 497، 509؛ 4/ 129.

المسوّر بن مخرمة: 2/ 49، 573، 730.

المسيح «ع»: 1/ 75؛ 2/ 24، 245؛ 3/ 25، 404، 408، 473، 480.

مسيلمة (الكذاب): 2/ 738.

المسيّب: 2/ 326.

مصادف: 2/ 667.

مصعب: 3/ 313.

مصعب بن سعد: 2/ 778.

مصعب بن عمير: 1/ 93؛ 2/ 96، 138.

مصعب بن يزيد الأنصاري: 3/ 424، 431، 435.

مصقلة بن هبيرة (الشيباني): 2/ 338، 486، 553، 674؛ 3/ 353.

مطر بن خليفة: 3/ 313.

مطرف: 2/ 269؛ 3/ 405.

المطعم بن عدي: 3/ 146، 260، 261، 267.

المطهري،- آية اللّه الشهيد مرتضى المطهري.

معاذ: 2/ 10، 11، 165، 294، 487، 507، 625، 631، 814؛ 3/ 25، 184، 421، 422، 424، 425؛ 4/ 105، 162.

معاذ بن جبل: 2/ 9، 72، 131، 133، 138،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 517

144، 145، 162؛ 3/ 15، 18، 57، 372، 381، 416، 418، 429؛ 4/ 284.

معاذ بن عفرا: 3/ 172.

معاذ بن عمرو بن الجموح: 3/ 172.

معاذ بن كثير: 4/ 292.

معاذ بن مسلم النحوي: 2/ 95.

معاوية: 1/ 65، 178، 179، 217، 226، 236، 246، 293، 304، 306، 307، 322، 330، 332، 364، 379، 418، 420، 498، 506، 519، 520، 542، 545، 555- 557، 589، 610؛ 2/ 16، 32، 193، 326، 337،

338، 464، 469، 486، 553، 567، 576، 671، 676، 678، 680- 682، 686، 687، 723، 735، 739، 813، 829؛ 3/ 144، 287، 288، 291، 292.

معاوية بن أبي سفيان: 1/ 507؛ 2/ 743، 828.

معاوية بن عمّار: 3/ 254؛ 4/ 87، 248.

معاوية بن وهب: 1/ 130؛ 2/ 39، 173، 808، 809؛ 3/ 41، 157؛ 4/ 35، 63، 235، 242، 244- 246، 248، 249.

معتب: 2/ 654، 655؛ 3/ 28.

معقل بن يسار: 2/ 625.

المعلّى، المعلّى بن خنيس: 1/ 169، 231، 232، 245، 345؛ 2/ 39، 53، 62، 162، 822؛ 3/ 221، 305؛ 4/ 130، 146.

معلّى بن عثمان: 2/ 366.

معلّى بن محمد: 1/ 430.

معلّى بن هلال: 2/ 677.

معمّر: 1/ 380؛ 2/ 411، 624، 814؛ 3/ 343، 386.

معمّر بن خلّاد: 2/ 34، 639.

معمّر بن وشيكة: 1/ 134.

معمّر بن يحيى، (بن أبي كثير): 4/ 263، 281.

معن بن زائدة: 2/ 348.

معن بن موسى: 2/ 78.

مغافر بن أبي أمية المخزومي: 2/ 131.

المغيرة: 3/ 383، 471.

المغيرة بن شعبة: 2/ 507.

المفضّل: 1/ 393؛ 2/ 112، 822؛ 3/ 399.

مفضل بن زيد: 2/ 251.

المفضل بن صالح: 1/ 143.

مفضل بن عمر: 1/ 324، 385؛ 2/ 118، 715.

المفيد، (أبو عبد اللّه، محمد بن محمد بن النعمان):

1/ 140، 182، 185، 194، 211، 296، 306، 339، 518، 520؛ 2/ 152، 154، 352، 394، 395، 502، 509، 511، 522، 549، 616، 655، 660، 671، 685، 743، 777، 807؛ 3/ 21، 34، 81، 89، 95، 123، 138، 290، 313، 314، 380، 393، 424، 431، 451، 471؛ 4/ 12، 27، 59، 90، 112، 117- 119، 157، 258.

مقاتل: 3/ 397.

مقاتل بن سليمان: 1/ 487.

المقداد: 1/ 181؛ 2/ 111، 716؛ 3/ 71، 161.

المقداد بن عمرو: 2/ 44.

المقدام

بن معدي كرب: 2/ 575؛ 4/ 86.

المقدام الكندي: 4/ 86.

المقري: 2/ 588.

مقسم: 3/ 159.

المقوقس: 2/ 137، 707.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 518

المكتّب: 1/ 467.

مكحول: 2/ 297، 499، 521، 758؛ 3/ 178.

ملكة سبأ: 1/ 6.

المناوي: 2/ 436، 579.

منجح بن رباح: 2/ 716.

المنذر بن أبي خميصة الهمداني: 3/ 160.

منذر بن الجارود، (العبدي): 2/ 338، 486، 553، 689.

المنذر بن ساوي، (الدارمي أو العبدي): 2/ 131، 137.

منذر الثوري: 3/ 313.

المنصور، (منصور الدوانيقي): 1/ 218، 235، 236؛ 2/ 451، 524.

منصور بن حازم: 2/ 39، 346.

المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة: 2/ 132.

المهاجر بن أبي أمية المخزومي: 2/ 138.

المهتدي: 2/ 206.

المهدي، (يعنى به هنا ادّعاء القائم «ع»): 1/ 218.

المهدي (العباسي): 1/ 235؛ 2/ 206، 274؛ 3/ 333.

المهدي عبيد اللّه: 1/ 222.

مهران: 1/ 203، 285؛ 2/ 153.

موسى، (موسى كليم اللّه «ع»)، موسى بن عمران: 1/ 45، 75، 166، 321، 393، 469، 470، 502، 517؛ 2/ 110، 228، 302، 333، 572، 817، 820؛ 3/ 365، 399، 410.

موسى بن إبراهيم: 2/ 77.

موسى بن أكيل: 2/ 182.

موسى بن بكر: 1/ 99؛ 2/ 406، 696.

موسى بن بكر بن دأب: 1/ 214، 215.

موسى بن طلحة، (بن عبيد اللّه): 2/ 805؛ 3/ 25، 312.

موسى بن عمران،- موسى «ع».

موسى الهادي، (موسى): 1/ 238، 357، 607، 608.

مؤمن آل فرعون: 2/ 256.

مؤمن الطاق: 1/ 213، 242.

مونس بن فضالة: 2/ 558.

موهب: 3/ 430.

ميثم، (ميثم التمّار): 2/ 256، 310، 313.

الميرزا حسن الشيرازي: 4/ 305.

الميرزا عبد اللّه الأفندي الأصفهاني: 2/ 79.

النائيني،- المحقق النائيني.

نابلئون: 2/ 555.

الناصر: 3/ 299، 339.

النافع، (نافع): 1/ 582؛ 3/ 168، 257، 370، 422.

نافع بن الحارث: 2/ 436، 437.

النجاشي، (أبو العباس، أحمد بن علي صاحب كتاب

الرجال): 1/ 173، 224، 241، 247، 428، 431؛ 2/ 639، 666؛ 4/ 304، 305.

النجاشي، الشاعر: 2/ 193، 451، 493، 494.

النجاشي، (الأصحم، ملك الحبشة): 2/ 137، 705، 706؛ 3/ 164.

النجاشي، (والي الأهواز): 2/ 124.

نجدة بن عمير الحنفي: 1/ 87.

نجيّة: 4/ 132.

النحاس: 3/ 149.

النخعي،- مالك الأشتر.

النراقي،- المحقق النراقي.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 519

النسائي: 1/ 42، 353؛ 2/ 336، 340، 380.

382، 424، 478، 517.

نصر بن عاصم: 3/ 382.

نصر بن عمر بن سعد: 3/ 313.

نصر بن مزاحم: 1/ 306، 322، 556، 610؛ 2/ 576.

نصر بن نصر: 3/ 313.

نصير الدين الطوسي،- المحقق الطوسي.

النضر، النضر بن الحارث: 3/ 252، 267، 272.

النضر بن سويد: 2/ 460، 461.

النضر بن قرواش: 1/ 608.

نعمان، (القاضي نعمان): 3/ 315.

النعمان بن بشير: 2/ 380.

النعمان بن زرعة: 3/ 439.

النعماني، (صاحب التفسير): 1/ 177، 191، 237، 238، 304، 378، 382، 384؛ 2/ 822؛ 3/ 111، 290، 295، 348؛ 4/ 20.

نعيم بن مسعود: 2/ 559، 560، 738.

النفس الزكية: 1/ 244.

نميلة بن عبد اللّه الليثي: 2/ 136.

نوح، نوح النبي «ع»: 1/ 60، 366؛ 2/ 84، 237؛ 3/ 395، 397، 399، 407، 410.

نوح بن درّاج: 1/ 20.

نوف، (نوف البكالي): 2/ 575، 576؛ 4/ 258، 259.

نوفل بن معاوية الدئلي: 2/ 50.

النوفلي: 1/ 475؛ 2/ 477، 497، 501، 529، 640، 808؛ 3/ 422.

النووي، النووي الشافعي: 1/ 269، 371- 373، 402، 581، 585، 617؛ 2/ 12، 147، 322، 348، 426، 468، 619، 643؛ 3/ 469؛ 4/ 83، 84.

النويري: 4/ 304.

الهادي، (العباسي): 2/ 206.

هاران بن ترح: 3/ 401.

هارون «ع»: 1/ 45، 393؛ 2/ 110، 302، 820.

هارون بن خارجة: 2/ 821.

هارون بن عنترة: 2/ 830.

هارون بن مسلم: 3/ 384؛ 4/ 304.

هارون

الرشيد: 1/ 177، 387، 388، 616؛ 2/ 463، 554؛ 3/ 332،- الرشيد.

هاشم، (هاشم بن عبد المطلب): 1/ 374، 375، 377، 380، 383.

هاني: 2/ 256.

هبيرة: 3/ 231.

هرقل: 2/ 706.

الهرماس، (ابن حبيب): 2/ 129، 423.

الهرمزان: 2/ 708.

هرمس الحكيم: 3/ 404.

الهروي: 1/ 354.

هزّال: 2/ 250، 389.

هشام،- هشام بن الحكم، و أيضا- هشام بن عبد الملك.

هشام بن أحمر: 2/ 404.

هشام بن حجير: 4/ 39، 154.

هشام بن الحكم: 1/ 51، 52، 108، 200، 381؛ 2/ 53، 65، 143، 777.

هشام بن حكيم، (بن حزام): 2/ 376؛ 3/ 502، 503، 506.

هشام بن سالم: 1/ 137، 144، 294، 412؛

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 520

2/ 71، 174، 157، 197، 239، 267؛ 3/ 41، 157، 421؛ 4/ 200.

هشام بن عبد الملك: 1/ 236، 529، 606؛ 3/ 460.

هشام بن عمرو: 3/ 144.

هشام بن عروة: 3/ 505، 506؛ 4/ 151، 239، 240، 261.

هشام بن معاذ: 2/ 813.

هشيم: 1/ 603؛ 3/ 405.

هلالة بن أمية: 2/ 324.

هند، (زوجة أبي سفيان): 2/ 5، 794.

هند بن أبي هالة: 2/ 788، 789، 811.

هنّاد: 2/ 815.

هنيدة بن خالد: 2/ 410.

هود: 4/ 149.

هوذة بن علي: 2/ 137.

الهون بن خزيمة: 2/ 563.

الهيثم، (الهيثم الصيرفي): 4/ 273، 276.

الهيثمي: 4/ 273.

الهيكل، (في بيت المقدّس): 3/ 404.

وائل بن حجر: 4/ 171.

الوائلي: 2/ 445، 456، 534.

واثلة: 2/ 125.

الواسطي: 3/ 385.

واصل بن عطاء: 1/ 219.

الواقدي: 2/ 44، 133- 135، 139، 386، 556، 558، 561، 742، 807؛ 3/ 143، 152، 242، 321، 335.

الوالد العلامة، محمد تقي المجلسي (والد المجلسي الثاني): 2/ 339؛ 4/ 98.

وحشي، (وحشي بن حرب): 2/ 5، 334، 794، 796.

وردان،- أبو خالد الكابلي: 4/ 200.

الورّاق: 3/ 151، 237، 240؛ 4/ 66، 67، 126.

ورّام،

ورّام بن أبي فراس: 1/ 297؛ 2/ 621.

الوشاء: 1/ 365؛ 2/ 376؛ 3/ 503.

الوليد بن أبان: 4/ 291.

الوليد، (الوليد بن عبد الملك): 1/ 528.

وهب: 3/ 383.

وهب بن وهب،- أبو البختري.

وهبة الزحيلي، (الدكتور وهبة الزحيلي): 1/ 338، 403؛ 2/ 76؛ 3/ 472؛ 4/ 271.

يحنّة بن رؤبة: 2/ 20، 751؛ 3/ 380.

يحيى «ع» (يحيى النبي، يحيى المعمّد، يحيى بن زكريا): 1/ 370؛ 3/ 396، 397، 399، 403، 404، 406، 410.

يحيى: 2/ 217، 218، 245، 250، 306؛ 3/ 418؛ 4/ 279،- يحيى بن أمّ الطويل.

يحيى بن آدم القرشي، (يحيى بن آدم، يحيى القرشي): 3/ 56، 342، 381، 502؛ 4/ 149، 275، 278.

يحيى بن أبي كثير: 2/ 411.

يحيى بن أكثم: 3/ 288.

يحيى بن أم الطويل، يحيى الطويل: 1/ 152، 192، 600؛ 2/ 255.

يحيى بن الحصين: 1/ 202، 373؛ 2/ 779، 780.

يحيى بن زيد بن علي: 1/ 224.

يحيى بن سعيد: 4/ 280.

يحيى بن عبد اللّه: 1/ 608.

يزدجرد: 3/ 238.

يزيد: 1/ 217، 236، 246، 314، 528،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 521

529، 583، 584، 606، 619؛ 3/ 85، 406،- يزيد بن معاوية.

يزيد بن أبي حبيب: 3/ 188.

يزيد بن إبراهيم: 4/ 273.

يزيد بن إسحاق: 3/ 85.

يزيد بن حجيّة: 2/ 486.

يزيد بن خليفة: 1/ 429.

يزيد بن رومان: 3/ 334.

يزيد بن ضبيعة: العبسي: 3/ 293.

يزيد بن معاوية: 1/ 582، 605، 618،- يزيد.

اليسع بن المغيرة: 2/ 624.

يعقوب «ع»: 2/ 752؛ 4/ 2.

يعقوب بن يزيد: 2/ 663.

اليعقوبي: 3/ 190.

اليمان بن عبيد اللّه: 2/ 255.

اليماني: 1/ 238، 244.

يوحنّة بن روبة،- يحنّة بن رؤبة.

يوسف، يوسف النبي «ع»: 1/ 166، 321، 332، 541؛ 2/ 117، 139، 342، 492؛ 3/ 7، 142.

يونس: 1/ 124، 149،

240، 303، 428، 429؛ 2/ 104، 341، 549؛ 3/ 13، 20، 22، 26، 125؛ 4/ 20، 100، 101، 135، 136، 191، 193، 214، 249، 253، 288.

يونس بن ظبيان: 3/ 221؛ 4/ 130، 146.

يونس بن عبد الرحمن: 2/ 94.

يونس بن يزيد الايلي: 3/ 355.

يونس بن يعقوب: 1/ 378؛ 2/ 94؛ 3/ 77؛ 4/ 116، 134.

يونس مولى آل يقطين: 2/ 94.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 523

فهرس القبائل، الطوائف، الجماعات، الفرق و المذاهب

آل أبي الحقيق: 2/ 385.

آل أبي المهاجر: 3/ 502.

آل جعفر «ع»: 4/ 118.

آل داود «ع»: 4/ 260.

آل ربيعة: 2/ 77.

آل ساسان: 1/ 327؛ 2/ 126.

آل عصيفر: 2/ 831.

آل علي «ع»: 4/ 118.

آل فرعون: 2/ 256.

آل مروان،- بنو مروان.

آل يقطين: 2/ 94.

الأحابيش (أحابيش قريش): 2/ 49، 563.

إخواننا السنة،- السنة.

أذرح: 3/ 380.

الأرمن: 3/ 408.

الأريوسية: 3/ 406.

الأزد: 4/ 93.

الأسباط: 3/ 402.

الأسد،- بنو الأسد.

أسلم: 2/ 603، 742.

الإسماعيلية: 1/ 380.

أصحاب الرأي: 2/ 516؛ 2/ 102، 167، 267، 456.

الإمامية: 1/ 66، 168، 211، 340، 374، 380، 389، 403، 531، 556؛ 2/ 74، 75، 105، 216، 356، 357، 427، 506، 514، 518، 520، 523، 526، 652؛ 3/ 10، 22، 66، 103، 105، 117، 225، 258، 266، 287، 293، 297، 303، 332، 408؛ 4/ 118، 156، 194.

الأمويّة: 3/ 225، 226، 236، 350.

الأمويون: 1/ 222، 331، 338، 620؛ 2/ 85؛ 3/ 470.

الأنباط: 3/ 503.

الأنصار: 1/ 9، 43، 70، 179، 348، 375، 376، 505، 519، 520، 527، 549، 555- 557، 559- 561، 567، 568، 578، 583، 584؛ 2/ 28، 44، 49، 138، 206، 312، 469، 508، 550، 564، 602، 670، 672، 715، 716، 743،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 524

745،

749، 782، 799؛ 3/ 106، 134، 144، 145، 149، 171، 189، 252، 321، 322، 328، 483، 498؛ 4/ 152، 171.

الأوس (بنو الأوس): 1/ 517؛ 2/ 571، 746- 748؛ 3/ 189، 281، 321.

أهل التصويب،- المصوبة.

أهل جربا: 3/ 380.

أهل الظاهر: 2/ 507.

باهلة: 2/ 129.

البطاركة: 1/ 7.

بطن هاشم: 1/ 377.

بطون تميم: 2/ 129.

بكر بن وائل (بنو بكر): 1/ 379؛ 3/ 143؛ 4/ 272.

بنو إسحاق: 3/ 359.

بنو الأسد (الأسد): 1/ 333؛ 2/ 131، 132.

بنو إسرائيل: 1/ 6، 125، 165، 187، 282، 311، 468، 470، 602؛ 2/ 44، 234، 300، 332، 572، 627، 731؛ 3/ 473.

بنو إسماعيل: 3/ 359.

بنو أمية: 1/ 225- 227، 231، 246، 253، 255، 583؛ 2/ 206، 588، 678، 687؛ 3/ 97، 231؛ 4/ 124، 125، 127.

بنو الأوس،- الأوس.

بنو بكر،- بكر بن وائل.

بنو بياضة الانصاري: 2/ 132.

بنو تغلبة: 2/ 129.

بنو تغلب: 3/ 90، 94، 371، 381، 391، 436، 438- 441، 447؛ 4/ 272، 274، 275.

بنو تميم: 2/ 423.

بنو ثعلبة: 2/ 129، 747؛ 3/ 72.

بنو جذيمة: 3/ 399.

بنو جشم: 2/ 745، 747.

بنو الحارث: 2/ 11، 96، 745، 747.

بنو الحجاج: 2/ 556.

بنو حنظلة: 2/ 132.

بنو حنيفة: 2/ 431، 521.

بنو الديل: 3/ 143.

بنو ساعدة: 2/ 557، 745، 747.

بنو سالم: 1/ 93، 516.

بنو سدوس: 2/ 480.

بنو سعد: 2/ 132.

بنو سلول: 2/ 130.

بنو سلمة: 3/ 133؛ 4/ 6.

بنو سليم: 2/ 743؛ 4/ 261.

بنو الشطبية: 2/ 747.

بنو طيّئ (طيّئ): 2/ 129، 132، 455، 509.

بنو عاديا: 2/ 751.

بنو العاص: 2/ 556.

بنو عامر: 1/ 515؛ 2/ 736؛ 3/ 320.

بنو العباس: 1/ 224، 227، 255، 422؛ 2/ 206، 588، 822؛ 4/ 125، 127.

بنو عبد اللّه بن غطفان: 2/ 129.

بنو عبد المطلب: 1/ 43، 44؛ 3/ 107،

296، 344.

بنو عذرة: 2/ 561.

بنو عقيل: 3/ 277، 278.

بنو عمرو بن عوف: 2/ 746.

بنو عوف: 2/ 21، 745- 747.

بنو عيس: 3/ 47.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 525

بنو غفار.- الغفاريون.

بنو قريظة (قريظة): 2/ 135، 509، 559، 561؛ 3/ 253، 256، 267، 272، 324، 325.

بنو القيس: 2/ 130.

بنو القين: 2/ 743.

بنو قينقاع: 3/ 483.

بنو لحيان: 2/ 135.

بنو ليث: 2/ 691.

بنو مروان (آل مروان): 1/ 609؛ 2/ 255؛ 3/ 460.

بنو المصطلق: 2/ 135، 562، 563، 583، 742.

بنو ناجية: 2/ 383، 480، 486.

بنو النبيت: 2/ 746.

بنو النجار: 2/ 469، 509، 557، 572، 745، 747.

بنو النضير: 2/ 134، 386؛ 3/ 256، 320- 325، 328، 331، 334، 335، 338، 344، 498؛ 4/ 36، 56.

بنو نهد: 2/ 193.

بنو هاشم (الهاشميون) 1/ 102، 218، 219، 231، 266؛ 2/ 678؛ 3/ 8، 9، 29، 30، 31، 63، 74، 99، 102، 105، 106، 117- 121، 328، 339، 344؛ 4/ 28، 124، 126، 140.

بنو الهون بن خزيمة: 2/ 563.

البوذيون: 3/ 374.

بهراء: 3/ 381، 438، 440.

البيزنطيون: 3/ 473.

البيشداذية: 3/ 401.

التبابعة: 2/ 128.

الترك: 3/ 377، 389.

تيم: 1/ 230.

تنوخ: 3/ 381، 438، 440.

ثقيف: 2/ 131، 795، 803؛ 3/ 277، 308، 501، 502؛ 4/ 273، 282.

ثمود: 2/ 236، 809؛ 4/ 155.

الثنوية: 3/ 404.

الجعفرية: 2/ 80.

جهينة: 2/ 510؛ 3/ 448.

الحبشة: 3/ 389.

الحرنانيون؛ الحرانيون (الحرنانية): 3/ 396، 398- 403، 406؛- المغتسلة.

الحرورية: 1/ 128، 129.

حمير: 2/ 743.

الحنابلة (مذهب أحمد): 1/ 336، 338، 588؛ 2/ 80، 147، 344، 345، 643، 660؛ 3/ 12، 287، 302، 347، 371، 428، 439؛ 4/ 12، 161، 183، 269.

الحنفاء: 3/ 396، 402، 403.

الحنفية: 1/ 336، 338؛ 2/ 8، 76، 80، 322، 332، 348،

433، 619، 643، 644؛ 3/ 287، 301، 302؛ 4/ 270.

خزاعة: 2/ 49، 562، 567؛ 4/ 93.

الخزر: 3/ 377.

الخزرج: 1/ 516، 517؛ 2/ 571، 748؛ 3/ 189، 281، 321.

الخوارج: 1/ 4، 86، 87، 129، 174، 176، 589؛ 2/ 15، 480، 569، 804؛ 4/ 109.

الديصانية: 3/ 393.

الديلم: 3/ 377.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 526

ربيعة (ربيعة بن نزار): 1/ 379؛ 3/ 391، 438، 439.

الروم: 3/ 238، 265، 401، 403، 408.

الرومان: 3/ 473.

زبيد: 2/ 131.

الزيدية: 1/ 389، 403؛ 2/ 367؛ 3/ 339.

الساسانية: 3/ 397.

السامرة: 3/ 370، 371، 402، 403، 407، 408.

السنة (إخواننا السنة، علماء السنة، فرق السنة):

1/ 8، 9، 19، 22، 41، 43، 44، 48، 50، 52، 59، 61، 86، 204، 276، 336، 373، 379، 401، 421، 531، 585، 587؛ 2/ 54، 64- 66، 68، 70، 74، 75، 79، 82- 85، 300، 318، 320، 323، 333، 335، 350، 356، 370، 414، 433، 437، 468، 474، 492، 498، 506، 515، 520، 523، 526، 596، 602، 619، 643، 660، 696، 701؛ 3/ 15، 59، 64، 66، 71، 105، 106، 116، 161، 162، 182، 203، 227، 252، 266، 277، 287، 307، 310، 335، 409، 419، 438؛ 4/ 8، 9، 12، 78، 101، 236، 271، 274، 281.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 526

السوفسطائية: 3/ 396.

الشافعية (الشوافع): 1/ 265، 268، 269، 336، 338، 402؛ 2/ 76، 80، 147، 322، 348، 426، 433، 468، 476، 596، 643، 652؛ 3/ 287، 301، 346،

370، 443، 463، 469؛ 4/ 161، 172، 173، 175، 180، 181، 184، 186، 188- 190، 266.

الشعوب: 3/ 459.

الشوافع،- الشافعية.

الشيعة (الشيعة الإمامية، شيعتنا، شيعة أمير المؤمنين و شيعة حسين): 1/ 8، 9، 14، 19، 20، 22، 43، 44، 48، 52، 61، 86، 99، 181، 230، 231، 265، 273، 300، 331، 339، 394، 421، 422، 442- 444، 446، 447، 449- 451، 454، 457، 458، 471، 488، 498، 520، 557، 610؛ 2/ 35، 64، 66- 68، 78- 81، 90، 92، 97، 98، 101، 145، 152، 160، 166، 169، 179، 193، 204، 218، 229، 254، 300، 414، 437، 468، 474، 596، 600، 607، 670، 673، 701؛ 3/ 17، 24، 25، 33، 47، 63، 70، 75- 82، 87، 122، 124، 125، 208، 213، 216، 218، 219- 223، 229، 231، 232، 234- 236، 245، 246، 260، 296، 305- 307، 316، 357؛ 4/ 8، 24، 26، 27، 30، 64- 66، 77- 79، 96، 108، 109، 111، 112، 115، 117، 120، 122- 127، 129- 144، 146، 147، 158، 163، 164، 197، 200- 204، 208، 211، 212، 217، 221، 222، 237، 292.

شيعة الخليفة الثاني: 2/ 126، 690.

الصابئة (الصابئون؛ صابة البطائح؛ الصابي):

3/ 370، 371، 392- 410، 412؛- المغتسلة،- الحرنانيون؛- المندائية.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 527

الصقالبة: 3/ 265.

الصهاينة: 1/ 13، 121، 123، 217، 227، 387، 388، 473؛ 2/ 220؛ 3/ 475.

طيّئ،- بنو طيّئ.

الظاهريون: 2/ 70، 507.

عاد: 4/ 155.

العباسيون (العباسية): 1/ 222، 223، 331، 338، 389، 403، 620؛ 2/ 85؛ 3/ 225، 226، 236، 350، 403.

عبد القيس: 2/ 805؛ 3/ 72، 308؛ 4/ 60.

عبس: 2/ 129.

عديّ: 1/ 230.

علماء السنة،- السنة.

العلويون: 1/

222، 223، 225، 254.

غسّان: 3/ 368.

غطفان: 2/ 479، 559، 560، 563.

الغفاريون (بنو غفار): 2/ 479، 481.

الفاطميون: 1/ 222.

الفرس: 1/ 195؛ 2/ 548؛ 3/ 185، 187، 238، 473.

فرق السنة،- السنة.

الفرنج: 3/ 408.

الفريقين: 1/ 8، 9، 17، 19؛ 2/ 68، 70، 71، 83، 306، 431، 433، 445، 472، 496، 545، 661، 696، 701، 710، 715، 759، 761، 772؛ 4/ 1، 2، 78، 120، 128، 141، 150، 155، 188، 194، 206، 207، 220، 258.

القبط: 2/ 281، 707.

قحطان: 1/ 379.

قريش: 1/ 265، 266، 268، 270، 271، 273، 374- 380، 517؛ 2/ 5، 44، 49، 133، 191، 206، 386، 387، 402، 556- 562، 565، 631، 634، 671، 672، 729، 735، 738- 740، 745- 747، 749، 750، 794؛ 3/ 105، 142- 145، 148، 261، 292، 320، 368، 372، 373، 388، 399.

قريظة،- بنو قريظة.

قضاعة: 2/ 130.

القميون: 2/ 92.

قوم موسى- اليهود.

الكرامية: 1/ 419، 618.

كلب: 2/ 130.

الكلدانيون: 3/ 397، 399.

كنانة: 2/ 385، 386، 563.

كندة: 2/ 131، 199؛ 3/ 368، 381.

الكيانية: 3/ 401.

المارونية: 3/ 406.

المالكية: 1/ 336، 338؛ 2/ 80، 344، 476، 644، 660؛ 3/ 287، 301.

المانوية: 3/ 393، 400.

متصوفة المسلمين: 3/ 405.

المجوس: 2/ 445، 454، 708، 724، 744؛ 3/ 367- 374، 378- 380، 382، 383، 386، 387، 389، 393، 394، 396، 398، 400، 402، 403، 405- 409، 449.

مجوس البحرين: 3/ 431.

مجوس هجر: 3/ 378، 379، 382.

المجوسية: 3/ 390، 393، 395، 402، 403، 408.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 528

مخاليف اليمن: 2/ 128.

المذاهب الأربعة: 1/ 404؛ 2/ 79، 80، 85.

مذحج: 1/ 326؛ 2/ 130.

مذهب أحمد،- الحنابلة.

مذهب مالك،- المالكية.

مراد: 2/ 130.

المرجئة: 1/ 86.

المرقونية: 3/ 406.

المزدقية: 3/ 393.

مزينة: 2/ 340.

المسوّدة: 1/ 227،

231.

المسيحية: 2/ 724؛ 3/ 474.

المسيحيون: 3/ 398.

المصوبة (أهل التصويب): 2/ 75، 78.

معافر: 3/ 372.

المعتزلة: 1/ 127، 219، 585؛ 2/ 70، 75؛ 3/ 377.

المغتسلة: (مغتسلة البطائح): 3/ 397، 398، 400، 404؛- المندائية؛- الحرنانيون؛- الصابئة.

المغولية (مغول): 1/ 422.

المفوضة: 2/ 77.

الملكية: 3/ 406، 408.

المندائية، المندائيون: 3/ 396، 397، 403، 404،- المغتسلة؛- الحرنانيون،- الصابئة.

المهاجرون: 1/ 9، 43، 179، 307، 323، 505، 519، 527، 549، 555، 557، 559، 560، 561، 567، 568، 578، 583، 584؛ 2/ 555، 564، 672، 684، 745، 749، 799؛ 3/ 106، 117، 134، 136، 319، 321، 322، 325، 328، 385، 461، 462، 464- 466، 489.

النبط: 2/ 376؛ 3/ 401، 501، 503؛ 4/ 268، 279، 280.

النسطورية: 3/ 406، 408.

النصارى (نصارى ...): 1/ 279، 287؛

2/ 19، 21، 126، 280، 445، 454، 720، 722، 724، 731، 744، 753؛ 3/ 91، 199، 367، 369- 373، 380، 387، 389- 398، 400، 401، 406- 409، 430، 440، 442، 443، 445، 447، 449، 485؛ 4/ 147، 150، 174، 206، 224، 265، 272- 275، 285.

النصرانية: 2/ 8؛ 3/ 381، 390، 391، 393، 406، 408، 418، 419، 437، 438.

النضير،- بنو النضير.

النواصب: 1/ 618.

الوثنية: 3/ 391، 402، 403.

الهاشميون،- بنو هاشم.

هذيل: 3/ 143.

همذان: 2/ 131.

الهنود: 3/ 374.

هوازن: 2/ 564، 573، 742، 795، 796؛ 3/ 141، 146، 152، 184.

هوذة: 2/ 563.

اليعقوبية: 3/ 406، 408.

يوحناسية: 3/ 406.

اليونان: 3/ 473.

اليونانيون: 3/ 397، 401، 403.

اليهود (يهود- قوم موسى ...): 1/ 9، 279،

287؛ 2/ 8، 19، 21، 99، 126، 228، 280، 445، 454، 560، 563، 695،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 529

718، 720، 722، 724، 731، 744- 749، 751؛ 3/ 58، 199، 203، 204، 226، 239، 256،

272، 320، 367، 369- 373، 380، 389، 391، 393، 394، 396- 401، 403- 409، 475، 483؛ 4/ 147، 150، 151، 174، 206، 207، 224، 265، 271- 273، 285،

اليهودية: 2/ 8؛ 3/ 393، 395، 402، 403، 406، 408، 418، 419.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 531

فهرس الكتب الواردة في المتن

الآثار الباقية (لأبي الريحان البيروني): 3/ 401؛ 402.

آثار الحرب (للزحيلي): 3/ 472؛ 4/ 271.

الإبانة (لأبي نصر): 1/ 462.

ابتغاء الفضيلة في شرح الوسيلة: 2/ 650.

إثبات الهداة: 1/ 200، 293.

إتحاف الرواة بمسلسل القضاة: 2/ 436.

الاحتجاج: 1/ 306، 322، 382، 392، 478، 482، 517؛ 2/ 90، 91؛ 3/ 78.

إحقاق الحق: 2/ 683.

أحكام السجون: 2/ 433، 445، 456، 466، 469، 472، 474، 535.

الأحكام السلطانية (للفراء): 1/ 264، 545، 577، 586؛ 2/ 7، 148، 201، 261، 317، 364؛ 3/ 131، 346، 415، 463، 480.

الأحكام السلطانية (للماوردي): 1/ 86، 263، 400، 545، 577، 588؛ 2/ 112، 127، 147، 155، 200، 205، 317، 321، 373، 403، 412، 419، 424، 426، 466، 761، 765؛ 3/ 7، 131، 192، 268، 363، 370، 414، 427، 440، 445، 462، 479.

الأحكام (أحكام القرآن لابن العربي): 2/ 112، 204، 429.

أحكام القرآن (للجصاص): 1/ 587؛ 3/ 269، 406، 460.

إحياء العلوم (للغزالي): 2/ 322، 827.

أخبار الخلفاء: 3/ 332.

أخبار المدينة: 2/ 139.

الاختصاص: 1/ 194، 196، 306، 360، 436.

الأدب: 2/ 365.

الأربعين (للبهائي): 2/ 256.

الإرشاد (للجويني): 1/ 268، 419.

الإرشاد- إرشاد القلوب (للديلمي): 2/ 257.

الإرشاد- إرشاد الأذهان (للعلامة): 2/ 242، 616.

الإرشاد (للمفيد): 1/ 211، 218، 293، 518، 520؛ 2/ 502، 509، 743.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 532

الإستبصار (لابن قدامة المقدسي): 2/ 138.

الإستبصار (لشيخ الطائفة): 2/ 132، 367؛ 572،

616، 635؛ 3/ 21، 81، 198؛ 4/ 88، 91، 92، 112، 195.

الاستيعاب: 2/ 133، 136، 138، 139، 265، 559؛ 4/ 236.

أسد الغابة: 2/ 130.

الإسعاد: 4/ 190.

الإسلام و أصول الحكم: 1/ 401.

الإصابة: 2/ 128، 129، 135، 139، 558، 565، 572، 576.

أصول الكافي،- الكافي.

أعلام الدين: 2/ 111.

إعلام الموقعين: 2/ 69.

إعلام الورى: 1/ 218، 219، 436، 517.

الأعمال المانعة من الجنة: 2/ 630.

الإقبال: 1/ 219، 220، 422.

الاقتصاد (لشيخ الطائفة الطوسي): 2/ 216، 220، 251.

اقتصادنا (للشهيد الصدر): 4/ 208.

أقرب الموارد: 1/ 55، 289؛ 3/ 480.

الأقضية: 2/ 424.

الاكتفاء: 2/ 138.

الإكمال- إكمال الدين: 3/ 78.

الألفين (للعلامة): 1/ 85.

الأمالي: 3/ 103.

الأمالي لابن الشيخ،- الأمالي للطوسي.

الأمالي للشيخ،- الأمالي للطوسي.

الأمالي (للصدوق)- أمالي الصدوق؛ مجالس الصدوق: 1/ 201، 217، 461، 467؛ 2/ 112، 790، 791، 812، 820، 827، 828؛ 3/ 380؛ 4/ 259.

الأمالي (للطوسي)- أمالي الطوسي؛ أمالي ابن الشيخ، مجالس الطوسي؛ مجالس ابن الشيخ:

1/ 187، 304، 323؛ 2/ 124، 564، 671، 788، 791؛ 3/ 380.

الأمالي (للمفيد)- أمالي المفيد؛ مجالس المفيد:

1/ 185؛ 2/ 549، 671، 777؛ 3/ 290؛ 4/ 258.

الإمامة و السياسة (لابن قتيبة): 1/ 307، 323، 332، 556، 558؛ 3/ 314.

الأمّ (للشافعي): 2/ 603؛ 3/ 322، 337، 345، 430، 469؛ 4/ 268، 279.

الأموال (لأبي عبيد): 2/ 21، 748، 778؛ 3/ 29، 61، 90، 136، 187، 190، 191، 197، 204، 322، 323، 355، 361، 380، 405، 440، 447، 449، 452، 480، 492، 497، 502، 503؛ 4/ 2، 7، 81، 86، 102، 192، 260، 262، 280، 282.

الانتصار (للسيد المرتضى): 1/ 19؛ 3/ 10، 21، 22، 66، 103.

الإنجيل: 1/ 113، 487؛ 2/ 7، 228، 790؛ 3/ 365، 370، 373، 394، 408، 410.

أنساب الأشراف: 2/ 681، 739؛ 806.

الأوسط: 1/ 63؛

4/ 273.

الإيضاح: 2/ 498، 660.

إيضاح النافع: 2/ 616.

البحار (للمجلسي)- بحار الأنوار: 1/ 44، 176، 178، 179، 187، 199، 201، 218- 220، 239، 310، 323، 357، 367، 374، 382، 391، 412، 435، 462،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 533

467، 468، 475، 484، 487، 495؛ 2/ 34، 41، 52، 111، 123، 124، 193، 194، 379، 380، 399، 401، 479، 511، 525، 572، 627، 630، 681، 682، 696، 700، 778، 785، 787- 790، 793، 799، 801، 803- 805، 811، 812، 820، 822، 827، 828، 3/ 333، 501؛ 4/ 215، 259، 297.

بدائع السلك (للقاضي ابن الازرق): 2/ 424.

بدائع الصنائع (للكاشاني): 2/ 322، 348، 425، 469، 619، 643، 651؛ 4/ 270، 281.

بداية ابن رشد- بداية المجتهد: 1/ 372؛ 2/ 147، 155، 728؛ 3/ 338، 370.

البدر الزاهر: 1/ 14، 86، 456، 574.

بصائر الدرجات: 1/ 412، 467؛ 3/ 112.

بلغة الفقيه: 4/ 203، 237.

البيان (للشهيد الأوّل): 3/ 51، 125؛ 4/ 68، 117.

البيع،- كتاب البيع.

التاج الجامع للأصول: 1/ 201؛ 2/ 325.

تاريخ ابن عساكر: 2/ 269، 576، 685، 830.

تاريخ بغداد: 4/ 258.

تاريخ الحكماء (للقفطي): 3/ 398.

تاريخ الخلفاء (للسيوطي): 1/ 222، 558.

تاريخ دمشق: 4/ 258.

تاريخ الطبري: 1/ 43، 123، 503، 504، 520، 559، 601، 605؛ 2/ 96، 382، 386، 480، 683؛ 3/ 317.

تاريخ قم: 1/ 239، 240.

تاريخ النسطوريين: 2/ 753.

تاريخ اليعقوبي: 1/ 509؛ 3/ 190.

التبيان (لشيخ الطائفة الطوسي): 2/ 216؛ 3/ 130، 136، 148، 270، 321، 343، 407؛ 4/ 3، 7، 8، 14.

التجريد (للمحقق الطوسي)- تجريد الاعتقاد و شرحه: 1/ 380؛ 389.

التحرير (للعلامة)- تحرير الأحكام: 2/ 313، 320، 521، 616؛ 3/ 300، 301؛ 4/ 43، 69، 230.

تحرير الوسيلة (للإمام الخميني قدّس

سرّه):

2/ 651.

تحفة الإخوان: 1/ 360.

تحف العقول (لابن شعبة): 1/ 195، 198، 242، 294، 295، 306، 311، 315، 325، 353، 355، 382، 485؛ 605، 606؛ 2/ 13، 33، 42، 67، 124، 134، 232، 253، 314، 394، 396، 399، 551، 552، 566، 777، 808؛ 3/ 85، 106، 134، 288، 293، 322، 330؛ 4/ 7، 292، 303.

تخريج ابن أبي شيبة: 2/ 565.

تخريج أحاديث البيضاوي: 2/ 67.

التذكرة: 1/ 19، 119، 120، 265، 380، 390، 402؛ 2/ 492، 531، 578، 616، 642، 658، 729، 730؛ 3/ 10، 67، 89، 92، 93، 140، 169، 188، 235، 254، 263، 270، 272- 274، 277، 278، 283، 287، 300، 309، 317، 388، 391، 392، 416، 422، 438، 443، 456، 462، 469، 493، 497؛ 4/ 43، 57، 58، 70، 115، 155، 157، 168،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 534

172، 174، 180، 183، 184، 186، 187، 188، 194، 199، 217، 220، 222، 230، 231، 233- 237، 254، 255، 265، 266.

التراتيب الإدارية (للكتاني): 2/ 128، 132، 133، 135، 137، 138، 261، 265، 269، 382، 424، 436، 455، 478، 479، 509، 558، 559، 564، 565، 572، 576، 578، 579.

التشريع الجنائي الإسلامي: 2/ 439.

تصحيح الاعتقاد: 1/ 182.

تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 3/ 193.

تفسير أبي الفتوح الرازي: 3/ 398.

تفسير الزمخشري،- الكشاف.

تفسير الإمام الفخر الرازي- التفسير الكبير:

3/ 398.

تفسير المنسوب إلى الإمام العسكري «ع»:

1/ 331، 488؛ 2/ 91، 217؛ 4/ 124، 134.

تفسير القمي (لعلي بن إبراهيم القمي): 1/ 99، 103؛ 2/ 45، 387، 523، 741، 758؛ 3/ 33، 35، 36، 49، 136، 252، 321، 394، 408؛ 4/ 7، 45، 54، 68، 73.

تفسير العياشي: 2/ 328، 462، 523،

758؛ 3/ 40، 157، 341، 429؛ 4/ 45، 138، 291، 297.

تفسير القرطبي- الجامع لأحكام القرآن: 2/ 540، 542، 544؛ 3/ 102، 130، 136، 149، 321، 334، 344، 345، 353، 395؛ 4/ 7.

تفسير الكبير،- تفسير الإمام الفخر الرازي.

تفسير المنار: 1/ 617؛ 3/ 270، 473.

تفسير الميزان،- الميزان.

تفسير النعماني: 1/ 177، 190، 304، 384؛ 2/ 16؛ 3/ 111، 348، 349؛ 4/ 20.

تفسير نور الثقلين: 1/ 296، 432، 515، 521؛ 2/ 541، 544، 564، 758؛ 4/ 291.

التكملة: 1/ 211.

التمهيد (للباقلاني): 1/ 266، 308، 585.

تنبيه الأمّة: 1/ 14؛ 4/ 305.

التنقيح (للسيوري)- التنقيح الرائع: 2/ 161، 166، 498، 616، 657، 660؛ 3/ 224؛ 4/ 36، 62، 158.

تنقيح المقال: 1/ 173، 211، 229، 230، 232، 233، 428، 429؛ 2/ 91، 829.

تهذيب الأنساب و نهاية الأعقاب: 2/ 79.

التهذيب (لشيخ الطائفة الطوسي)- تهذيب الأحكام: 1/ 138، 427، 429، 430؛ 2/ 482، 533، 684؛ 3/ 96، 107، 198، 214، 218، 221، 255، 264، 384، 386، 464؛ 4/ 87، 91، 112، 113، 127، 138، 194، 239.

التهذيب في اللغة: 4/ 50.

التهذيب (للنووي): 2/ 12.

التهذيبين- التهذيب و الاستبصار: 4/ 98، 237.

التوحيد: 2/ 662، 665.

التوراة: 1/ 113؛ 2/ 7، 190، 228، 790، 791؛ 3/ 365، 370، 373، 394، 402، 404، 410.

التيسير: 2/ 261.

ثواب الأعمال: 1/ 467؛ 2/ 541، 813؛ 4/ 259.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 535

جاماسب: 3/ 379.

جامع الأخبار: 1/ 468.

جامع الأصول: 1/ 197؛ 3/ 145.

الجامع- جامع الشرائع؛ الجامع للشرائع: 4/ 43، 220، 230.

جامع المدارك: 2/ 167.

جامع المقاصد: 2/ 616، 651؛ 3/ 216، 218، 225، 230؛ 4/ 36، 125، 159، 168، 217، 220، 226، 230، 231، 234، 238.

الجعفريات: 1/ 140؛ 2/ 354، 379،

450، 454، 462، 470، 473، 474، 490، 495، 502، 509، 525، 627؛ 3/ 201، 483.

الجمل (للمفيد)- كتاب الجمل: 2/ 685، 807؛ 3/ 313.

الجواهر: 1/ 85، 118، 127، 337، 339، 341، 363، 370؛ 2/ 155، 159، 162، 166، 170، 180، 220، 238، 239، 243، 247، 248، 250، 256، 257، 270، 305، 306، 314، 347، 350، 360، 369، 370، 384، 405، 482، 489، 492، 497، 498، 500، 503- 506، 514، 518، 520، 521، 526، 532، 595، 603، 604، 620، 636، 637، 649، 653، 656، 657، 666؛ 3/ 89، 120، 125، 159، 161، 166، 175، 177، 179، 188، 209، 211، 238، 245، 253، 276، 278، 280، 282، 286، 300، 307، 316، 366، 373، 391، 407، 408، 415، 417، 422، 423، 427، 434، 437، 456، 458، 465، 486؛ 4/ 6، 28، 32، 41، 43، 52، 62، 65، 68، 76، 78، 88، 95، 96، 98، 105، 120، 133، 134، 140- 142، 145- 147، 167- 171، 175، 183، 184، 186، 187، 190، 220، 224، 230، 237، 238، 242، 248، 254.

حاشية ابن عابدين: 4/ 271.

حاشية الروضة؛ حاشية الخوانساري على شرح اللمعة: 3/ 82؛ 4/ 36.

حاشية الصحيح؛ حاشية على صحيح مسلم:

1/ 583.

حاشية الفروع؛ حاشية لفروع الكافي: 3/ 98،- حاشية الكافي.

حاشية القواعد (للشهيد الأول): 4/ 120.

حاشية الكركي (للمحقق الكركي): 2/ 242، 243.

حاشية الكافي: 3/ 98، 264، 265، 501.

حاشية المكاسب (للعلامة الأصفهاني): 1/ 315؛ 4/ 209.

حاشية المكاسب (للسيد محمد كاظم اليزدي):

3/ 245.

الحدائق (للبحراني)- الحدائق الناضرة: 2/ 593، 594، 598، 600، 656، 657؛ 3/ 21، 22، 53، 119، 123- 125، 218؛ 4/ 66- 68، 104، 117، 120، 125.

حدائق المقربين: 2/ 81.

الحدود،- كتاب الحدود.

الحكومة الإسلامية (للإمام الخميني-

قدّس سرّه):

1/ 14، 164.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 536

الحواشي المنسوبة للشهيد على القواعد: 4/ 145، 227.

حلية الأولياء: 4/ 258.

الخراج (لأبي يوسف): 1/ 584؛ 2/ 454، 463، 469، 496، 554، 664، 744؛ 3/ 60، 90، 101، 116، 155، 159، 188، 190، 371، 398، 415، 423، 448، 450، 457، 480، 484، 505؛ 4/ 55، 101، 160، 192، 261، 262، 267، 275- 280، 293.

الخراج (ليحيى بن آدم القرشي): 3/ 56، 342، 502؛ 4/ 149، 275، 278.

الخصال: 1/ 186، 200، 201، 354، 385، 391، 393، 436، 522، 597؛ 2/ 34، 124، 250، 257، 363، 399، 544، 575، 627، 639، 733، 777، 791، 813؛ 3/ 95، 239، 418؛ 4/ 2، 3، 258، 259، 297.

الخطط المقريزية: 2/ 423.

خلاصة الأديان: 3/ 403.

الخلاف (لشيخ الطائفة): 1/ 19، 127، 336، 339، 354، 364؛ 2/ 154، 156، 311، 320، 345، 346، 352، 361، 370، 427، 428، 471، 487، 488، 492، 498، 507، 515، 520، 521، 523، 526، 529؛ 3/ 53، 59، 62، 64، 66، 90، 93، 100، 103، 105، 141، 153، 159، 161، 163، 173، 176، 178، 183، 184، 188، 208، 259، 263، 266، 273، 275، 284، 286، 296، 297، 299، 308، 335، 337، 346، 368، 373، 374، 388، 390، 392، 407، 411، 413، 414، 422- 424، 426، 428، 433، 434، 455، 456، 461، 468، 476، 496؛ 4/ 36، 57، 61، 62، 82، 94، 156، 162، 216، 217، 220، 264.

الخلافة و الإمامة (لعبد الكريم الخطيب): 1/ 401.

الخمس،- كتاب الخمس.

الدر المنثور (للسيوطي): 1/ 42، 49، 61، 63، 66، 170، 432، 604؛ 2/ 76، 226، 254، 334، 758، 760؛ 3/ 109،

135، 136، 149، 159، 320، 321، 325، 328، 329، 333، 386، 471؛ 4/ 7.

درّ السحابة: 2/ 131.

درفش: 3/ 410.

الدروس (للشهيد): 2/ 180، 489، 594، 595، 614، 616، 618، 642، 656، 659، 660؛ 3/ 124، 140، 215، 216، 218، 286، 301، 309؛ 4/ 43، 69، 95، 116، 120، 125، 142، 174، 175، 186، 218، 230، 231، 247، 249، 250.

دروس يحيى: 3/ 397.

دستور معالم الحكم: 4/ 258.

الدعائم- دعائم الإسلام: 1/ 140، 195، 197، 294، 325، 361، 475، 509؛ 2/ 15، 123، 268، 313، 366، 378، 382، 384، 393، 398، 409، 450- 453، 462، 479، 481، 482، 485، 487، 492، 494، 495، 499، 501، 502، 512، 519، 521، 524، 525، 551،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 537

552، 566، 574، 623، 626، 634، 640، 684، 688، 724، 742، 782؛ 3/ 157، 160، 166، 222، 255، 256، 291- 294، 296، 304، 311، 312، 316، 378، 385، 420، 447، 452، 465، 483؛ 4/ 88، 292، 303، 304.

الذخيرة (للمحقق السبزواري): 3/ 119؛ 4/ 68.

الذريعة: (للشيخ آقا بزرگ الطهراني): 2/ 180.

ذكرى العلامة الشهيد آية اللّه المطهري: 3/ 396.

ربيع الأبرار: 1/ 200.

رجال الشيخ: 1/ 173، 181، 233، 428؛ 3/ 198؛ 4/ 305.

رجال النجاشي: 4/ 304.

ردّ المحتار على الدّرّ المختار: 2/ 456.

رسائل إخوان الصفاء: 1/ 195.

رسائل علم الهدى: 1/ 339.

رسالة علي بن بابويه القمي: 2/ 357،- فقه الرضا.

رسالة الغيبة (للشهيد الثاني): 2/ 123، 808.

رسالة المحقق الكركي: 3/ 230.

روضات الجنات: 2/ 81.

الروضة (للشهيد الثاني)- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 2/ 489، 503، 616، 630، 665؛ 3/ 82، 88، 170؛ 4/ 33، 36، 43، 50، 62، 69، 95، 116، 136، 190،

218، 226، 230، 234- 236؛- اللمعة؛- شرح اللمعة.

روضة الكافي،- الكافي.

روضة الواعظين: 1/ 296؛ 2/ 257.

الرياض- رياض المسائل: 1/ 118، 120؛ 3/ 188، 225؛ 4/ 36، 172، 175، 186، 238.

رياض العلماء: 2/ 79، 80.

زبدة المقال: 4/ 28.

الزبور: 1/ 502؛ 3/ 395، 397، 398، 407، 410.

الزكاة،- كتاب الزكاة.

زيادات المقنعة: 3/ 89؛- المقنعة.

زيادة الروضة: 3/ 470.

السرائر: (لابن إدريس): 1/ 247؛ 2/ 346، 350، 351، 616، 617، 641، 656، 658، 671؛ 3/ 62، 86، 213، 300، 308، 417، 427، 462، 501؛ 4/ 22، 41، 63، 66، 69، 71، 76، 88، 89، 114، 136، 182، 198، 204، 220، 230، 251.

سفينة البحار: 2/ 42، 191.

سنن ابن ماجة: 1/ 191، 239، 359، 603، 611؛ 2/ 42، 66، 67، 145، 391، 484، 798.

سنن أبي داود: 1/ 119، 186، 332، 371، 510، 584، 602؛ 2/ 42، 72، 111، 144، 150، 199، 264، 311، 324، 331، 336، 340، 345، 380، 382، 410، 424، 478، 484، 557، 572، 575، 601، 643، 663، 722، 733، 738، 739، 741، 742؛ 3/ 171، 196، 197، 203، 328، 355، 359، 491، 496؛ 4/ 56، 207، 260، 271، 272.

سنن البيهقي: 2/ 49، 125، 377، 382، 386، 402، 410، 411، 452، 478، 489، 495- 497، 499، 507، 508، 510،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 538

523، 526، 529، 544، 739، 806؛ 3/ 15، 17، 61، 62، 135، 136، 145، 158، 161، 162، 166، 171، 172، 174، 256، 261، 270، 292، 304، 305، 322، 338، 380، 385، 418، 429، 443، 445، 448، 483، 484، 502، 503؛ 4/ 7، 11، 60، 80، 81، 86، 93، 273، 274، 276، 277، 280،

289.

سنن الترمذي- الجامع الصحيح: 1/ 355، 376، 379، 554؛ 2/ 188، 199، 264، 335، 382، 478؛ 3/ 328؛ 4/ 272.

سنن الدارمي: 2/ 69، 575؛ 4/ 260.

سنن سعيد: 3/ 178؛ 4/ 102، 192.

سنن النسائي: 2/ 336، 340، 380، 382، 424، 478، 517.

سيرة ابن إسحاق: 2/ 138، 564.

سيرة ابن هشام: 1/ 515؛ 2/ 45، 96، 132، 137، 386، 509، 555- 559، 738، 741، 745، 794؛ 3/ 56، 134، 143، 144، 152، 171، 201، 204، 321، 355؛ 4/ 7.

السيرة الشامية: 2/ 131.

الشرائع (للمحقق الحلّي)- شرائع الإسلام:

1/ 127، 150- 152، 154- 158، 160، 337، 363، 369، 371، 372؛ 2/ 146، 155، 178، 180، 216، 220، 241، 247، 250، 270، 305، 312، 314، 317، 319، 347، 350، 358، 360، 362، 369، 370، 372، 384، 407، 410، 414، 417، 428، 443، 467، 482، 492، 497، 500، 503، 506، 510، 511، 514، 520، 526، 616، 636، 641، 653، 656، 659، 727؛ 3/ 51، 53، 124، 154، 159، 169، 175، 188، 209، 224، 253، 262، 273، 275، 276، 278، 286، 300، 309، 372، 414، 422، 424، 427، 434، 442، 456، 479، 482، 483، 496؛ 4/ 15، 27، 30، 40، 43، 44، 52، 56، 57، 62، 70، 76، 83، 94، 107، 114، 157، 158، 166، 179، 183، 185، 188، 199، 216، 233، 250، 253، 254.

شرح الأخبار (لصاحب الدعائم): 3/ 312، 315.

شرح الألفية (لابن كيران): 2/ 138.

شرح التجريد (للعلامة الحلي)- كشف المراد:

1/ 380، 389، 403.

شرح التقريب: 2/ 135، 136.

شرح الشفاء (لابن التلمساني): 2/ 579.

شرح النووي لصحيح مسلم: 1/ 585؛ 2/ 619، 643.

شرح عبده؛ شرح نهج البلاغة (لمحمد عبده):

1/ 358؛ 2/ 800.

شرح فتح القدير: 2/ 435.

الشرح

الكبير على المقنع (لشمس الدين ابن قدامة):

2/ 618، 643، 651؛ 4/ 161.

شرح اللمعة (للشهيد الثاني)- الروضة البهية،- الروضة.

شرح المقاصد (لإمام الحرمين): 1/ 589.

شرح المواقف (للجرجاني): 1/ 267.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 539

شرح المواهب (للزرقاني): 2/ 128، 138.

شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد): 1/ 44، 87، 168، 250، 303، 306، 308، 322، 330، 357، 506، 546، 556، 584، 589، 610؛ 2/ 15، 123، 126، 337، 398، 567، 576، 672، 677، 678، 680، 685، 687، 689، 805، 825، 829؛ 3/ 315، 330.

شرح نهج البلاغة (لابن ميثم البحراني): 1/ 176، 251.

شرح نهج البلاغة (للخوئي)،- منهاج البراعة.

شرح نهج البلاغة (لعبده)،- شرح عبده.

الشعاب: 4/ 154.

الشفاء (لابن سينا): 1/ 261، 533، 545، 546.

شفاء الغليل: 2/ 436.

شمائل الترمذي: 2/ 579.

شوليون: 3/ 397.

صبح الأعشى: 2/ 128.

الصحاح (للجوهري): 1/ 54، 73، 524؛ 2/ 259، 315، 318، 422، 577، 613؛ 3/ 264، 417؛ 4/ 42، 50.

صحف آدم: 3/ 396، 404، 410.

صحيح البخاري: 1/ 45، 47، 59، 66، 202، 332، 353، 379، 508، 515؛ 2/ 54، 233، 264، 336، 354، 431، 437، 484، 540، 545، 565، 573، 704، 724؛ 3/ 58، 61، 62، 145، 152، 164، 172، 203، 257، 260، 261، 328، 376، 383.

صحيح مسلم: 1/ 43، 58، 66، 67، 129، 184، 201، 202، 240، 299، 324، 331، 333، 373، 375- 378، 412، 580، 591، 602، 619؛ 2/ 54، 55، 76، 124، 191، 336، 376، 540، 557، 603، 619، 624، 643، 704، 743، 779، 782؛ 3/ 9، 58، 62، 171، 174، 257، 328، 376، 502؛ 4/ 262.

الصحيحين- صحيح البخاري و صحيح مسلم:

2/ 540.

صحيفة الرضا «ع»: 1/ 462.

الصحيفة السجادية: 1/ 223،

224، 227، 246؛ 4/ 297.

صفين (لنصر بن مزاحم)- وقعة صفين؛ كتاب صفين: 1/ 556، 610؛ 2/ 801؛ 3/ 291، 292، 311.

الصواعق المحرقة: 2/ 84.

طب النبي: 2/ 627، 630، 640.

طبقات ابن سعد: 2/ 133، 558، 559، 564.

الطرق الحكمية (لابن قيم): 2/ 456.

عبقات الأنوار: 1/ 59؛ 2/ 83.

عجائب أحكام أمير المؤمنين «ع»: 2/ 457.

العدّة (لشيخ الطائفة)- عدة الأصول: 1/ 19، 428، 471.

العروة الوثقى (للسيد محمد كاظم اليزدي):

2/ 182، 463، 485، 595؛ 4/ 67، 68.

عقاب الأعمال: 2/ 574.

العقد: 2/ 805.

العقد الفريد: 1/ 332، 587.

العلل (للصدوق)- علل الشرائع: 1/ 44، 93، 129، 171، 172، 220، 411، 476، 599؛ 2/ 41، 96، 380، 409، 438.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 540

عليّ إمام المتّقين: 2/ 380.

العوائد (للنراقي): 1/ 14، 85، 89، 408، 468، 487، 490، 491.

عوالي اللئالي: 1/ 462، 468، 487، 495؛ 2/ 123؛ 3/ 161؛ 4/ 111، 117، 152- 154، 187.

العين (لخليل بن أحمد)- عين اللغة: 3/ 45، 407.

العيون (للصدوق)- عيون أخبار الرضا «ع»:

1/ 94، 171، 210، 247، 374، 384، 391، 462، 497، 507، 520، 591، 599؛ 2/ 33، 250، 409، 788، 789، 811، 821؛ 3/ 85، 329، 387.

الغارات (لأبي إسحاق): 1/ 252، 253؛ 2/ 268، 338، 382، 383، 436، 480، 486، 567، 571، 685، 686، 790؛ 3/ 359، 387، 482.

غاية المراد: 2/ 498.

غاية المرام (للبحراني): 1/ 304.

الغدير (للعلامة الأميني): 1/ 44، 50، 266، 318، 585.

الغرر و الدرر (للآمدي): 1/ 176، 185، 198، 285، 296، 309، 324، 410، 483؛ 2/ 16، 36، 40، 43، 119، 314، 325، 398، 399، 448، 543، 570، 623.

الغنية (لابن زهرة): 1/ 118- 120؛ 2/ 105، 106، 154، 156، 312، 395،

526، 617، 642، 659؛ 3/ 67، 83، 89، 94، 95، 103، 139، 159، 188، 254، 287، 301، 309، 373، 415، 427، 456؛ 4/ 14، 22، 36، 37، 88، 89، 198.

الغوالي،- العوالي اللئالي.

غياث الأمم في التياث الظلم (للجويني):

1/ 268.

الغيبة (للشيخ الطوسي)- غيبة الطوسي:

1/ 478؛ 2/ 90، 92؛ 4/ 215.

الغيبة (للنعماني)- كتاب الغيبة: 1/ 181، 237، 238، 239، 295، 378، 382؛ 2/ 822؛ 3/ 290، 295.

الفتن: (للترمذي): 1/ 614.

فتوح البلدان (للبلاذري): 2/ 722؛ 3/ 204، 330، 331، 431.

فروع الكافي،- الكافي.

الفروق (للقرافي): 2/ 476.

الفصل (لابن حزم): 1/ 86، 269.

الفضائل: 2/ 830.

الفقه الإسلامي و أدلته (للدكتور الزحيلي):

1/ 338، 403؛ 2/ 76، 82، 323، 344، 475، 476.

فقه الرضا: 1/ 339، 468؛ 2/ 354، 356، 357، 360، 491، 511؛ 3/ 47، 86.

الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 87، 273، 338، 371، 373، 403؛ 2/ 323، 332، 595؛ 3/ 11، 287، 301.

الفقيه (للصدوق): 1/ 138، 141، 143، 245، 339، 354، 356، 359، 461، 463، 591؛ 2/ 35، 91، 482، 498، 524، 531، 532، 616، 621، 662، 759، 781؛ 3/ 96، 112، 379، 464؛ 4/ 94.

الفهرست (لابن النديم): 1/ 180؛ 3/ 397، 399.

الفهرست (لشيخ الطائفة الطوسي): 1/ 173،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 541

180، 223، 428، 431؛ 2/ 666؛ 4/ 304.

قاطعة اللجاج (للكركي): 3/ 188.

القاموس (للفيروزآبادي)- قاموس اللغة:

2/ 316، 318، 422، 435، 613، 827؛ 3/ 45، 84، 264، 417؛ 4/ 4، 42، 44، 49.

قرب الإسناد (للحميري): 2/ 460، 493، 551، 640، 738، 799، 806، 820؛ 3/ 444؛ 4/ 88، 304.

القواعد (للعلامة الحلّي): 2/ 147، 305، 312، 314، 319، 320، 347، 350، 414، 472، 615، 618، 642، 654، 656، 659؛

3/ 139، 422؛ 4/ 95، 96، 116، 120، 145، 217، 227.

القواعد و الفوائد (للشهيد الأول): 2/ 418، 475، 478.

قوت القلوب (لأبي طالب المكي): 2/ 830.

الكافي (لأبي الصلاح): 1/ 340؛ 2/ 414، 417، 428، 616، 617، 642، 655، 3/ 86، 124، 138؛ 4/ 14، 68، 78، 98، 100، 118.

الكافي (للكليني)؛ الأصول و الفروع و الروضة:

1/ 21، 36، 63، 66، 81، 104، 113، 129، 138، 169، 181، 185، 188، 200، 214، 216، 230، 237، 241، 243، 290، 294، 305، 322- 324، 345، 356، 358، 359، 365، 378، 382، 429، 432، 467، 471، 472، 475، 479، 515، 522، 609؛ 2/ 117، 151، 187، 255، 268، 365، 395، 408، 448، 541، 542، 549، 573، 669، 670، 671، 695، 696، 699، 710، 716، 758، 759، 772، 775، 791، 794، 798، 803، 808، 821- 823، 825؛ 3/ 16، 54، 92، 98، 107، 115، 165، 195، 220، 254، 263- 265، 289، 310، 327، 347، 349، 434، 465، 482، 501؛ 4/ 69، 74، 91، 98، 99، 107، 131، 157، 168، 202، 292.

الكامل (لابن الأثير): 1/ 44، 175، 293، 503، 504، 520، 558، 559، 605؛ 2/ 376؛ 3/ 506.

كتاب أبي يوسف إيشع النصراني في الكشف عن مذاهب الحرنانيين: 3/ 400.

كتاب أحمد بن محمد بن سيار: 1/ 247.

كتاب البيع (للشيخ الأنصاري)،- المكاسب.

كتاب البيع (للإمام الخميني «قدّس سرّه»):

3/ 118، 248.

كتاب الحدود (للمصنف): 3/ 483.

كتاب الخمس (للشيخ الأنصاري): 3/ 88؛ 4/ 33، 35، 36، 142.

كتاب الخمس (للمصنف): 1/ 102، 148؛ 3/ 4، 62، 65، 67، 68، 80، 97، 107، 128؛ 4/ 108.

كتاب الزكاة (للمصنف): 3/ 4، 10، 12، 19، 20، 30، 128، 446، 450، 458، 459؛ 4/

290.

كتاب درست بن أبي منصور: 2/ 525.

كتاب سليم بن قيس الهلالي: 1/ 178، 180- 182، 253، 303، 304، 306، 318،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 542

508.

كتاب صفين،- صفين.

كتاب طلحة: 3/ 417.

كتاب ظريف: 1/ 149.

كتاب عاصم بن حميد الحناط: 4/ 46.

كتاب علي «ع»: 4/ 46، 157، 188، 200، 235، 241.

كتاب فضائل عباس بن عبد المطلب: 1/ 224.

الكتاب الكبير،- المبسوط.

كتاب ورّام: 1/ 297.

الكتب الأربعة: 2/ 102، 640؛ 3/ 15، 95.

كتبه (كتب الشيخ) الثلاثة الفتوائية: 3/ 271.

الكشاف (للزمخشري): 1/ 350؛ 2/ 771؛ 3/ 470؛ 4/ 4.

كشف الرموز: 2/ 503.

كشف الظنون: 2/ 261.

كشف الغطاء: 2/ 258، 595؛ 4/ 69، 140.

كشف الغمّة: 2/ 379، 549.

كشف اللثام: 2/ 320، 497؛ 500، 504؛ 3/ 407.

كشف المراد،- شرح التجريد.

كفاية الأحكام (للمحقق السبزواري): 2/ 176، 595؛ 3/ 119، 207، 209، 233، 238، 242، 244؛ 4/ 36، 43، 68، 231، 234.

كفاية الأصول (للمحقق الخراساني): 2/ 177، 222.

كمال الدين (للصدوق): 1/ 392، 412، 478؛ 2/ 90؛ 4/ 258.

كنز الرّب: 3/ 396.

كنز العرفان: 3/ 252.

الكنز العظيم: 3/ 396.

كنز العمال: 1/ 175، 195، 202، 286، 296، 297، 299، 309، 354، 360، 462، 475، 529، 554، 592، 604، 620؛ 2/ 10، 18، 71، 77، 125، 145، 153، 195، 200، 254، 264، 265، 269، 380، 498، 546، 605، 625، 627، 631، 684، 761، 778، 789، 799، 807، 811- 813، 815، 832؛ 3/ 485، 502؛ 4/ 162.

كنز الفوائد: 4/ 258.

كنز الكراجكي: 1/ 176، 199، 310، 357، 435، 484.

گنزا: 3/ 404.

گنزاربّا: 3/ 410.

گيتاشناسي: 3/ 247.

لبّ اللباب: 1/ 140، 197.

لسان العرب: 1/ 54، 73، 291، 354، 434، 453، 524؛ 2/ 71، 72، 168، 316، 318، 422، 563، 577،

613؛ 3/ 43، 45، 488؛ 4/ 50.

اللمعة (للشهيد الأوّل): 2/ 489، 642، 660؛ 3/ 88، 140؛ 4/ 43، 69، 95، 220، 233.

مآثر الإنافة في معالم الخلافة (للقلقشندي):

1/ 272.

مبادي نظم الحكم في الإسلام: 2/ 83.

المبسوط (للسرخسي): 2/ 456، 472؛ 4/ 261، 271، 274.

المبسوط (لشيخ الطائفة الطوسي): 1/ 339، 340، 372؛ 2/ 154، 161، 165، 166، 249، 305، 311، 314، 319، 320،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 543

362، 370، 414، 428، 467، 471، 578، 616، 618، 641، 643، 655، 658، 726، 729، 742، 762؛ 3/ 53، 89، 138، 141، 148، 169، 173، 177، 185- 187، 194، 208، 215، 218، 237، 253، 260، 261، 272، 274، 276، 278، 281، 282، 285، 286، 296، 298، 303، 308- 311، 336، 337، 369، 374، 390، 407، 414، 417، 422، 424، 426، 433، 442، 449، 455، 462، 468، 477، 486، 493، 496؛ 4/ 3، 8، 13، 62، 69، 76، 112، 156، 171، 178، 182، 184، 185، 187، 197، 216، 217، 220، 230- 232، 237، 247، 250، 255، 264.

المجازات النبويّة: 4/ 152.

مجالس ابن الشيخ؛ مجالس الطوسي،- الأمالي؛ أمالي الطوسي.

مجالس الصدوق،- الأمالي للصدوق.

مجالس المفيد،- الأمالي للمفيد.

مجمع البحرين: 1/ 39، 349؛ 2/ 260؛ 3/ 488؛ 4/ 43، 44، 50، 54، 85.

مجمع البرهان (للمقدس الأردبيلي): 2/ 249، 251؛ 3/ 206، 209، 216، 228، 270.

مجمع البيان (للطبرسي)- المجمع: 1/ 39، 40، 70، 348، 432، 439، 440، 487، 514؛ 2/ 188، 226، 241، 334، 425، 427- 430، 540، 562، 703، 741، 757، 786، 787؛ 3/ 7، 38، 103، 130، 133، 136، 145، 258، 266، 271، 281، 321، 322، 324، 344، 365، 394، 407؛

4/ 3، 6، 291، 293.

مجمع الزوائد: 4/ 273.

مجمع الفائدة و البرهان،- مجمع البرهان.

المحاسن (للبرقي)- محاسن البرقي: 1/ 304؛ 2/ 821.

محاضرات الأبرار: 2/ 136.

المحكم و المتشابه (للسيد المرتضى): 1/ 102، 104، 177، 190، 291، 304، 323، 599؛ 2/ 16، 52؛ 3/ 81، 111؛ 4/ 20، 108.

المحصول (لفخر الدين الرازي): 2/ 75.

المحلّى (لابن حزم): 1/ 271؛ 2/ 70، 75، 266، 332، 348، 351، 515، 602، 627.

مختصر الخرقي (لأبي القاسم الخرقي)- المختصر:

2/ 147؛ 3/ 302، 339، 347، 371، 415، 428، 439؛ 4/ 12، 183، 269، 270.

المختصر النافع (للمحقّق الحلّي)- المختصر؛ النافع: 2/ 167، 614، 616، 642، 653، 656، 659؛ 3/ 224؛ 4/ 43، 64، 68، 95، 115، 199، 220، 250.

المختلف (للعلامة الحلّي): 2/ 216، 221، 347، 351، 384، 615، 616، 629، 660، 666؛ 3/ 11، 89، 95، 123، 124، 194، 273، 300، 307- 309، 311، 391، 393، 408، 423، 436، 437، 451، 469؛ 4/ 27، 126، 251.

المدارك: 2/ 473، 594، 597، 640؛ 3/ 51، 95، 124؛ 4/ 57، 64، 108، 117.

المدونة الكبرى: 2/ 426، 454، 644؛ 4/ 269.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 544

مرآة العقول (للمجلسي): 1/ 138، 206، 216، 220؛ 2/ 255، 339، 533، 695، 772، 799، 824؛ 3/ 98، 137، 193، 384، 501؛ 4/ 98، 101، 191.

المراجعات: 1/ 52؛ 2/ 84.

المراسم (لسلار بن عبد العزيز)- مراسم سلّار:

1/ 340؛ 2/ 616؛ 3/ 123، 140؛ 4/ 14، 68، 78، 114، 157.

مروج الذهب (للمسعودي): 1/ 110؛ 2/ 588، 606، 688؛ 314.

المسائل الناصرية: 3/ 307.

المسالك (للشهيد الثاني): 1/ 118، 337، 372؛ 2/ 147، 155، 156، 178، 242، 317، 347، 351- 353، 355، 356، 405، 498،

503، 522، 616، 665؛ 3/ 166، 170، 213، 219، 224، 229، 230، 233، 241، 300، 301، 309، 442؛ 4/ 36، 43، 62، 72، 78، 108، 120، 149، 159، 169، 172، 180، 182، 183، 186، 218؛ 230، 231، 234- 236، 247، 248، 250، 254.

مسالك الأفهام (للكاظمي): 1/ 349.

مستدرك الحاكم: 1/ 42، 60؛ 2/ 84، 624، 626، 631؛ 4/ 262.

المستدرك (للنوري)- مستدرك الوسائل:

1/ 140، 248، 254، 255، 300، 360، 361، 462، 475، 585؛ 2/ 268، 338، 353، 354، 360، 366، 379، 382، 393، 409، 453، 454، 462، 470، 479، 485- 487، 490- 492، 494، 496، 499، 501، 502، 509، 511، 512، 514، 519، 525، 623، 626، 627، 630، 634، 640، 671، 684، 734، 742؛ 3/ 157، 166، 245، 255، 290، 292، 296، 304، 311، 312، 314، 377، 378، 385، 418، 429، 447، 452، 465، 483؛ 4/ 46، 59، 73، 74، 111، 152- 154، 187.

المستصفى (للغزالي): 2/ 67، 75، 76.

المستمسك (للحكيم): 3/ 54؛ 4/ 35.

المستند (للنراقي)- مستند الشيعة: 2/ 170، 463، 594، 597.

مسند أحمد بن حنبل: 1/ 41، 181، 184، 186، 336، 353، 510، 514، 601، 614، 2/ 30، 45، 49، 54، 55، 111، 112، 234، 335، 340، 376، 375، 663، 696، 773، 813؛ 3/ 58، 355، 359، 503؛ 4/ 149، 183، 259، 260، 261.

مسند زيد بن علي: 2/ 379، 427، 435، 450، 491، 493، 532، 779، 814؛ 3/ 315، 386.

مسند عبد بن حميد: 2/ 269.

مسند عليّ «ع»: 2/ 269، 833.

مصادر نهج البلاغة: 4/ 258.

مصباح الشريعة: 2/ 142، 171، 399.

مصباح الفقيه: 2/ 66؛ 3/ 21، 23، 86، 125، 459؛ 4/ 28، 41، 43، 64، 140.

مصحف أبيّ: 1/ 40.

المصنف

(لابن أبي شيبة): 1/ 175؛ 2/ 806، 830؛ 4/ 283.

مصنف أبي داود: 2/ 424، 478،- سنن أبي داود.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 545

المصنّف (لعبد الرزاق الصنعاني): 1/ 299، 376، 380؛ 2/ 136، 363، 382، 410، 424، 478، 479، 603، 663، 782، 814؛ 3/ 386، 395؛ 4/ 274، 279، 280، 281.

مصنف النسائي: 2/ 424، 478،- سنن النسائي.

مطالب السؤول: 2/ 778.

المعالم- معالم الأصول: 2/ 640.

معالم القربة (لابن الأخوة): 2/ 258، 260، 272، 279، 296، 300، 307، 317، 321، 330، 349، 350، 364، 403، 411، 420.

معاني الأخبار (للصدوق)- المعاني: 1/ 392، 461؛ 2/ 97، 696.

المعتبر (للمحقق الحلّي): 1/ 19؛ 3/ 48، 88، 92؛ 4/ 64، 66، 69.

معجم مقاييس اللغة؛ المقاييس: 1/ 54، 434؛ 3/ 5، 43، 45؛ 4/ 49.

المغازي (للواقدي): 2/ 44، 46، 47، 133، 134، 386، 556، 558، 561، 563، 742؛ 3/ 143، 152، 242، 321.

المغني (لابن قدامة الحنبلي): 1/ 337، 402، 586؛ 2/ 82، 312، 317، 322، 332، 348، 351، 362، 363، 507، 515، 517، 521، 527، 529، 618، 730؛ 3/ 24، 90، 102، 155، 173، 177، 178، 254، 266، 275، 276، 277، 302، 339، 347، 371، 416، 420، 425، 428، 439، 452، 463، 480، 497؛ 4/ 71، 102، 170، 172، 183، 186، 187، 190، 192، 220، 235، 236، 255، 281.

مغني المحتاج: 3/ 469؛ 4/ 84.

المفاتيح (للمحدث الكاشاني): 3/ 124؛ 4/ 231.

مفتاح الكرامة: 2/ 616، 651، 658، 660؛ 4/ 96.

المفردات (للراغب): 1/ 53، 55، 73، 107، 433، 524؛ 2/ 316، 421، 577؛ 3/ 6، 7، 46، 129، 249، 251، 343؛ 4/ 1.

مقاتل الطالبيين: 1/ 218، 238، 607.

المقتصر: 2/ 660.

مقدمة ابن

خلدون: 1/ 87، 167، 272، 371، 373، 524؛ 2/ 27، 112، 271؛ 4/ 299.

مقصد الراغب: 2/ 525.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية؛ ج 4، ص: 545

المقنع (لابن قدّامة): 4/ 161.

المقنع (للصدوق): 1/ 339؛ 2/ 498، 616، 617، 643؛ 3/ 421.

المقنعة (للمفيد): 1/ 140، 339، 364؛ 2/ 152، 154، 166، 394، 428، 502، 614- 616، 618، 642، 655، 659؛ 3/ 21، 34، 89، 123، 138، 380، 393، 431، 437، 446، 451، 462، 465، 466، 471؛ 4/ 12، 27، 48، 54، 59، 68، 78، 90، 92، 94، 98، 108، 111، 112، 118.

مكارم الأخلاق: 2/ 325، 791.

المكاسب (للشيخ الأنصاري): 1/ 14، 66، 315، 421، 437، 479؛ 2/ 540، 653، 657؛ 3/ 126، 220، 229، 231، 240، 246؛ 4/ 127، 209.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 546

الملاحم (للبطائني): 1/ 422.

ملاذ الأخيار (للمجلسي): 4/ 53، 105.

الملل و النحل (للشهرستاني): 3/ 396.

المنار،- تفسير المنار.

المناقب (لابن شهر آشوب): 1/ 392؛ 2/ 193، 194، 393، 479، 572، 681، 699، 700، 792، 804، 805، 807، 827، 830؛ 3/ 332.

مناقب الخوارزمي: 2/ 379.

المناقب المرتضوية: 2/ 683.

المنتقى (للباجي): 2/ 578.

المنتقى (للكازروني): 2/ 790.

منتقى الجمان؛ المنتقى: 3/ 92، 119، 124.

منتهى الإرادات (لابن النجار): 2/ 457.

المنتهى (للعلامة الحلّي)- منتهى المطالب:

1/ 19، 118، 119؛ 2/ 247، 642، 651، 660، 661؛ 3/ 22، 67، 89، 91، 93، 123، 140، 142، 167، 169، 177، 187، 188، 213، 253، 254، 263، 270، 274، 275، 277، 278، 283، 287، 300، 301، 372، 391، 392،

415، 420، 421، 424، 436، 439، 443، 456، 462، 469، 486، 493، 497؛ 4/ 57، 58، 62، 64، 69، 83، 115، 142، 158، 236، 265، 266، 281.

المنجد: 1/ 74؛ 2/ 323، 563، 613؛ 3/ 247، 256، 486؛ 4/ 280.

منهاج البراعة (للخوئي)- شرح نهج البلاغة:

1/ 327؛ 2/ 126.

المنهاج (للنووي)- منهاج السنة؛ منهاج النووي: 1/ 269، 371، 402؛ 2/ 147، 322، 348، 350، 357، 426، 468؛ 3/ 469؛ 4/ 83.

منية الطالب: 1/ 315.

منية المريد: 1/ 462، 487.

المهذب: 2/ 404.

المهذب (لابن البراج): 1/ 340؛ 2/ 617؛ 3/ 271؛ 4/ 15، 119، 157، 197، 220، 230، 232، 237، 255.

المهذب (لأبي إسحاق): 2/ 467، 472.

المهذب البارع (لابن فهد): 2/ 657.

المواقف (للإيجي): 1/ 267.

المواهب: 2/ 136، 138.

موسوعة الفقه الإسلامي: 2/ 619، 652، 660.

الموطأ (لمالك بن أنس): 2/ 78، 144، 249، 389؛ 3/ 92، 449؛ 4/ 151، 279.

الميزان (للعلامة الطباطبائي)- تفسير الميزان:

1/ 350- 352، 525؛ 3/ 402؛ 4/ 4.

الميسية: 2/ 616.

الناسخ (للنحاس): 3/ 149.

الناصريات (للسيد المرتضى): 1/ 19؛ 3/ 299، 308، 317، 339.

نزهة الأبصار: 2/ 805.

نصب الراية: 4/ 273.

نظام حقوق المرأة في الإسلام (للشهيد المطهري):

1/ 343.

نظم الحكم بمصر: 2/ 466.

نظم الحكم و الإدارة في الشريعة الإسلامية (لعلي منصور): 2/ 82.

النفلية (للشهيد الأول): 1/ 92.

النهاية (لابن الأثير)- نهاية ابن الأثير: 1/ 53،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 547

55، 354، 434، 524؛ 2/ 18، 29، 48، 195، 259، 308، 316، 332، 340، 570، 577، 612، 628، 695، 748، 799؛ 3/ 44، 61، 399، 492؛ 4/ 42، 44، 53، 56، 80، 149، 187، 260، 261، 273، 277، 280، 283.

النهاية (لشيخ الطائفة الطوسي)- نهاية الشيخ:

1/ 127، 150، 151، 153، 155- 160،

339، 340، 364؛ 2/ 154، 166، 197، 200، 215، 216، 220، 321، 346، 352، 358، 361، 394، 395، 407، 427، 492، 511، 529، 531، 614، 616، 617، 629، 641، 651، 655، 658؛ 3/ 45، 53، 62، 72، 83، 89، 94، 122، 123، 153، 182، 223، 262، 273، 275، 285، 286، 296، 298، 299، 308، 336، 343، 369، 372، 414، 417، 418، 426، 433، 436، 437، 449، 451، 455، 461، 476، 493، 499؛ 4/ 13، 26، 37، 56، 57، 61، 68، 69، 78، 83، 93، 108، 112، 157، 196، 200، 210، 237، 238، 249.

نهاية الارب: 4/ 304.

نهاية الأصول: 2/ 224.

نهج البلاغة: 1/ 4، 46، 50، 51، 60، 65، 75، 76، 114، 174، 175، 184- 186، 190، 191، 197، 198، 202، 226، 246، 250، 253، 286، 291- 293، 299، 302، 307، 313، 322، 325، 326، 329، 333، 346، 355- 359، 370، 374، 435، 468، 469، 473، 495، 498، 503، 505، 518- 520، 545، 554- 556، 576، 578، 591، 598، 601، 604، 610، 611، 620؛ 2/ 13، 15، 16، 23، 34، 37، 40، 41، 54، 76، 83، 96، 111، 114، 118، 119، 126، 141، 151، 187- 189، 194، 214، 217، 218، 229، 235، 240، 253، 257، 314، 326، 338، 398، 508، 543، 548، 551، 565، 566، 570، 576، 621، 671، 673، 677- 679، 686، 689، 697، 698، 704، 728، 733، 763، 774، 780، 781، 796، 800، 807، 812، 817، 824، 825، 827، 829؛ 3/ 6، 111، 131، 148، 295، 326، 331، 350، 353، 356، 498، 500؛ 4/ 21، 258، 291، 303، 304.

نهج السعادة: 1/ 307، 604؛ 2/ 254،

326، 533، 825.

نهج الفصاحة: 2/ 761.

النوادر: 2/ 348.

نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 2/ 353، 462.

نوادر الراوندي: 1/ 475.

النوادر (للسيد فضل اللّه): 3/ 483.

نيل الأوطار (للشوكاني): 3/ 385.

الهدى (لابن قيم): 2/ 128.

الهداية: 3/ 314.

الهداية (للصدوق): 1/ 339؛ 2/ 616.

الوافي (للمحدث الفيض الكاشاني): 1/ 216، 312؛ 3/ 124، 501.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 548

الوثائق السياسية: 2/ 748، 753؛ 3/ 472.

الوسائل إلى مسامرة الأوائل (للسيوطي):

2/ 435.

الوسائل (للشيخ الحرّ العاملي)- وسائل الشيعة:

1/ 41، 97، 125، 129، 136، 149، 152، 187، 201، 205، 210، 248، 253، 255، 295، 297، 300، 305، 347، 354، 359، 430، 585، 591، 602، 611؛ 2/ 28، 34، 40، 43، 187- 189، 199، 231، 257، 300، 307، 308، 310، 325، 328، 331، 350، 351، 369، 381، 387، 408، 415، 426، 457، 460، 479، 489، 490، 493، 494، 496، 497، 505، 511، 514، 533، 549، 551، 569، 573، 575، 584، 603، 629، 671، 674، 684، 686، 758، 759، 781، 806، 808، 827؛ 3/ 9، 19، 35، 39، 40، 59، 62، 67، 79، 96، 97، 124، 142، 161، 162، 164، 198، 229، 255، 264، 305، 310، 326، 329، 333، 341، 353، 357، 376- 378، 383، 387، 416، 421، 428، 431، 451، 453، 465، 480، 503، 505؛ 4/ 3، 45، 73، 87، 97، 98، 137، 200، 201، 208، 215، 239، 252، 253، 290، 297.

الوسيلة (لابن حمزة)- الوسيلة إلى نيل الفضيلة:

2/ 271، 353، 357، 641، 653، 655، 659، 660؛ 3/ 139، 273، 417؛ 4/ 14، 95، 230.

وسيلة النجاة (للسيد أبي الحسن الأصفهاني): 2/ 649، 650.

وقعة صفين،- صفين.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة

الإسلامية، ج 4، ص: 549

فهرس الأماكن و البقاع

آبسكون: 4/ 99.

ادربيجان (- آذربايجان): 1/ 79، 344، 433؛ 2/ 676، 690؛ 3/ 244.

آسيا: 1/ 245.

آفريقيا: 1/ 222، 245؛ 3/ 245، 249، 332.

الابلّة: 4/ 277.

الأبواء: 1/ 218.

اتحاد الجماهير السوفياتية،- السوفياتية.

أحد: 1/ 553؛ 2/ 5، 32، 45- 47، 133، 134، 354، 558، 794، 796؛ 3/ 172، 261، 267، 272، 333، 334.

أذرعات: 3/ 321.

أردستان: 3/ 238.

أردشير خرّة: 2/ 553، 674.

الأردن: 3/ 403.

أرض بني النضير: 3/ 331.

أرض حمراء: 1/ 230، 609.

أرض السواد (أراضي السواد): 2/ 554؛ 3/ 184، 185، 187، 237، 238، 354.

أرض العرب: 3/ 187.

إرمينية: 3/ 332.

أروبا: 1/ 245؛ 2/ 724.

إسرائيل: 1/ 212؛ 2/ 717.

الإسكندرية: 2/ 137، 707.

أسواق المدينة: 2/ 335.

إصطخر: 2/ 338، 688.

أصفهان: 3/ 238، 244.

الأعتاب المقدسة: 3/ 248.

إفسيكون: 4/ 99،- آبسكون.

أفغانستان: 1/ 123، 473.

إنكلترا (- بريطانيا): 1/ 7، 22، 420.

الأنبار: 1/ 114، 331؛ 2/ 723، 802.

الأمريكية،- الولايات المتحدة.

الأندلس: 1/ 227؛ 3/ 245.

الأهواز: 2/ 67، 123، 124، 266، 623، 673، 676، 808؛ 3/ 410.

أوطاس: 2/ 565.

إيران (- إيران الإسلامية): 1/ 15، 47، 217، 222، 223، 236، 239، 242، 245، 331، 423، 447، 551، 552، 561،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 550

579، 619؛ 2/ 381، 448؛ 3/ 245، 383، 387، 403، 405.

أيلة: 2/ 20، 687، 751؛ 3/ 380، 430، 442، 443.

بابل: 3/ 399، 402- 404؛ 4/ 294.

بانقيا: 2/ 803؛ 3/ 501.

البحر: 2/ 20، 44، 751.

بحر الخزر: 4/ 99.

بحران: 2/ 134.

البحرين: 2/ 130، 132، 137، 691؛ 3/ 178، 221، 327، 386، 431؛ 4/ 17، 33، 128، 130، 146، 202، 203، 222، 282.

بدر: 1/ 179، 228، 558؛ 2/ 44- 46، 133- 135، 354، 386، 403، 556، 557، 741، 796؛

3/ 46، 47، 49، 50، 106، 107، 133- 135، 146، 150، 160، 161، 171، 252، 259، 260، 261، 265، 267، 270، 272، 296، 321، 325، 334، 335، 349، 422؛ 4/ 3، 6، 7، 11.

برج سابور: 3/ 502.

برس: 4/ 293، 294.

برك الغماد: 2/ 44.

بزرج سابور،- برج سابور.

البصرة: 1/ 51، 210، 332، 352، 400، 453، 587، 588؛ 2/ 54، 398، 548، 552، 553، 618، 673، 676، 677، 685، 691، 743، 800، 805، 807، 824- 826، 830؛ 3/ 90، 187، 189، 284، 289، 290، 293- 295، 299، 301، 303- 313، 315- 317، 353؛ 4/ 259، 276- 278.

البطائح: 3/ 400، 406.

بطن مرّ: 1/ 608.

بعاث: 2/ 47.

بعلبك: 3/ 402.

البغداد: 1/ 97، 453؛ 2/ 303، 618؛ 3/ 247، 265، 502؛ 4/ 258.

بقعاء: 2/ 742.

بلاد الكرد: 3/ 248.

بلخ: 3/ 221، 244، 401؛ 4/ 99، 131.

بلغر: 3/ 265.

بلقين: 3/ 158.

بواط: 2/ 129، 134.

بهرسير: 3/ 431.

البهقباذات: 3/ 431.

بئر قيس: 3/ 331.

البيت،- الكعبة.

البيت الشريف،- الكعبة.

بيت ماني: 3/ 397.

بيت المقدس: 3/ 402- 405.

البيداء: 1/ 44.

البيضة (موضع في طريق كربلاء): 1/ 123.

ترشيج: 3/ 245،- فوسخ.

تبوك: 1/ 39؛ 2/ 135، 136، 324، 334؛ 3/ 365، 380.

تخوم الشام: 2/ 137،- الشام.

تربان: 2/ 556.

تيماء: 2/ 751.

ثنية الوداع: 2/ 47.

الجامدة: 3/ 402.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 551

جامع الأزهر: 1/ 52، 401.

الجبل: 1/ 132؛ 4/ 201، 242.

جبل أحد: 3/ 333،- أحد.

الجحفة: 1/ 50.

جديلة بني طيّئ: 2/ 129.

الجرف: 2/ 47؛ 3/ 331.

الجزر: 3/ 332.

الجزيرة: 1/ 401؛ 2/ 280، 702، 704؛ 3/ 189، 395، 397، 486.

جزيرة العرب،- الجزيرة.

جزيرة موصل: 3/ 395، 486،- الجزيرة.

الجعرانة: 2/ 795؛ 3/ 152.

جمرة العقبة: 2/ 274.

الجند (الجند من اليمن): 2/ 131، 133، 138.

جنيف: 2/

534.

جيحان: 3/ 221؛ 4/ 130.

الحبشة: 2/ 137، 705، 706؛ 3/ 164.

حبشي: 2/ 563.

الحجاز: 1/ 47؛ 2/ 647، 675، 826؛ 3/ 61، 62، 248، 372؛ 4/ 264- 266.

حجرة الرسول: 1/ 59.

حجرة عائشة: 3/ 92.

الحديبية: 1/ 514، 515؛ 2/ 49، 135، 562، 729، 730، 735، 740، 750؛ 3/ 161، 388.

حراء: 1/ 46.

حرّان: 3/ 397، 400- 402، 404، 406.

الحرّة: 1/ 582؛ 2/ 601.

الحرم: 2/ 331؛ 4/ 264، 265.

حرم المدينة،- الحرم.

الحرمين: 2/ 618.

حروراء: 1/ 129.

الحزورة (سوق مكة): 3/ 143.

حضرموت: 2/ 131، 132؛ 4/ 166، 171.

حلب: 3/ 244.

حلوان: 2/ 573، 699؛ 3/ 185.

الحلة: 3/ 247؛ 4/ 294.

حماة: 3/ 244.

حمراء الأسد: 2/ 134.

حمص: 2/ 376؛ 3/ 244، 503.

حمير: 3/ 72.

حنين: 2/ 133، 135، 563، 795؛ 3/ 141، 144، 145، 147، 150، 152، 160، 171، 250، 355، 422؛ 4/ 10.

الحيرة: 1/ 96؛ 2/ 604، 682؛ 3/ 244، 371.

خراسان: 1/ 173، 224، 227، 231، 235، 587؛ 2/ 130، 245، 825؛ 3/ 80، 241، 244.

الخشوع (نهر الشاش): 3/ 221؛ 4/ 131.

الخندق: 2/ 47، 135، 561.

الخورنق: 2/ 830.

خوزستان: 3/ 396.

خيبر: 2/ 131، 133، 135، 336، 385، 559، 563، 689؛ 3/ 54، 56- 58، 161، 164، 168، 183، 191، 192، 195، 196، 199، 201- 205، 226، 321، 324، 325، 330، 356، 360، 447، 448، 494، 496؛ 4/ 21، 56، 58، 105، 150، 151، 206، 207، 224.

دار أبي اراكة: 2/ 337.

دار أبي سفيان: 2/ 794.

دار ثوير بن عامر: 2/ 337.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 552

دار جرير: 2/ 337.

دار عبد اللّه بن جدعان: 2/ 206، 207.

دار عثمان: 2/ 688.

دجلة: 2/ 554؛ 3/ 187، 222؛ 4/ 99، 131.

دستبي: 2/ 487.

دمشق: 1/ 252؛ 2/

795؛ 3/ 401؛ 4/ 258.

الدور: 4/ 166، 171.

دور بني النجار: 2/ 509.

دومة: 3/ 381.

دومة الجندل: 2/ 134، 561، 562؛ 3/ 333، 368؛ 4/ 282.

ديار مضر: 3/ 400.

الديلم: 1/ 124، 241.

ذفران: 2/ 556.

ذي أمرّ: 2/ 134.

ذي حسم: 1/ 605؛ 2/ 253.

ذي الحليفة: 2/ 49.

ذي العشيرة: 2/ 134.

ذي قار: 2/ 13.

الرحبة (رحبة الكوفة): 2/ 495، 832.

الربذة: 2/ 575.

رساتيق المدائن: 3/ 431.

الركن: 1/ 521.

الروس،- السوفياتية.

الروم: 1/ 7، 47؛ 2/ 137، 706؛ 3/ 94، 174، 365، 397، 400، 436، 439، 472؛ 4/ 277، 280.

الريّ: 2/ 486؛ 3/ 238، 245.

ربع الساحل: 2/ 131.

زبيد: 2/ 129- 131.

الساحل: 2/ 44.

سبأ: 1/ 6.

سجن علي «ع» بالبصرة: 3/ 312.

سفينة نوح: 1/ 60؛ 2/ 84.

السقيفة: 1/ 43، 375.

السكاسك: 2/ 130.

سكك البصرة: 3/ 283.

السكون: 2/ 130.

السلالم: 3/ 204.

سمرقند: 3/ 332.

السند: 3/ 245.

السواد: 2/ 266، 332، 554، 627؛ 3/ 57، 184، 185، 187، 188، 190، 192، 194، 197- 199، 237، 241، 244، 245، 371، 402، 403، 490، 491.

سواد العراق: 3/ 194، 237، 241، 244، 245، 402، 403، 490،- السواد.

سواد الكوفة: 2/ 803؛ 3/ 190، 501.

السورية: 4/ 211.

السوفياتية (الروس، اتحاد الجماهير السوفياتية):

1/ 7، 419، 473.

سوق الأهواز: 2/ 452، 499.

سوق مكة: 2/ 265؛ 3/ 143.

سويسرا: 2/ 534.

سيحان: 3/ 221؛ 4/ 130.

سير: 3/ 135.

سيف البحر: 3/ 332، 333.

الشاش: 3/ 222؛ 4/ 131.

الشام: 1/ 122، 246، 250، 330- 332، 418، 556، 601؛ 2/ 20، 137، 139، 229، 291، 335، 337، 376، 455، 464، 469، 556، 565، 567، 687،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 553

750، 751، 795، 802، 809؛ 3/ 159، 160، 168، 184، 189، 241، 244، 245، 291، 321، 372، 402، 403، 440، 445، 472، 485،

491، 502، 503، 505، 506؛ 4/ 275، 277، 280، 289.

الشجرة (تحت الشجرة، عند الشجرة): 1/ 255، 512؛ 3/ 331.

شط عثمان بن أبي العاص: 3/ 187.

شهريار: 3/ 238.

الصفا: 1/ 354، 355، 517.

الصفراء: 2/ 557.

صفين: 1/ 176، 217، 557، 584؛ 2/ 194، 218، 229، 337، 566، 569، 736، 773؛ 3/ 282- 284، 287- 289، 291، 293، 294، 310، 311، 314- 317.

صنعاء: 2/ 128، 131، 132، 281، 507؛ 3/ 328.

الضافطة: 2/ 561.

ضجنان: 2/ 479.

الطائف: 2/ 50، 129، 130، 133، 135، 139، 191، 324، 556، 677، 794، 795؛ 3/ 142، 192.

طبرستان: 3/ 244.

طرابلس: 3/ 244.

طرابلس: 3/ 244.

طهران: 3/ 116.

الطيبة،- المدينة.

عبّادان: 3/ 185، 187.

عدن: 2/ 129، 131؛ 3/ 332.

العراق (العراقين): 1/ 241، 307، 332، 418؛ 2/ 363، 464، 469، 527، 647؛ 3/ 17، 55، 57، 61، 185، 213، 217، 238، 246- 248، 260، 296، 372، 387، 393، 405، 406، 408، 460، 464، 488؛ 4/ 41، 55، 210، 211، 225، 275، 280.

عرش بلقيس: 1/ 75.

عرفات: 1/ 81؛ 2/ 601؛ 4/ 25.

عرفة: 4/ 166، 173، 174.

عسفان: 2/ 49، 562.

عسقلان: 1/ 124، 241.

العقبة (العقبة الأولى و العقبة الثانية): 1/ 516، 517، 525؛ 2/ 96، 138، 139، 354، 571.

العقيق: 2/ 558؛ 3/ 331؛ 4/ 171، 192.

عكبرى: 3/ 502.

عمان: 2/ 137.

الغابة: 2/ 135.

الغدير (غدير خم): 1/ 9، 41، 42، 49، 50، 58، 59، 63، 78، 79، 170، 171، 310، 317، 517، 527، 532؛ 2/ 433؛ 3/ 104، 110.

غدير الأشطاط: 2/ 562.

فارس (بلاد فارس، أرض فارس): 1/ 353، 364؛ 2/ 47، 137، 187، 436، 486، 673، 674، 676، 691، 707، 708؛ 3/ 80.

فخ: 1/ 123، 217، 238، 607- 609؛ 2/ 256.

فدك: 3/ 57، 201، 323- 325،

329- 333، 348، 487؛ 4/ 56.

الفرات: 2/ 554؛ 3/ 222؛ 4/ 99، 131،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 554

275، 280.

الفرع: 4/ 81.

الفقيرين: 3/ 331.

فلسطين: 1/ 123، 473؛ 2/ 725؛ 3/ 93، 398، 399، 403، 475؛ 4/ 280.

فوسخ (قوسيخ؛ ترشيج، كاشمر): 3/ 244، 245.

فيروزآباد: 2/ 674.

القادسية: 2/ 724، 795؛ 3/ 185، 187، 501.

القبلة: 3/ 395.

القبلية: 4/ 80، 81.

القبة التي فوق المحراب عند المقصورة: 3/ 401.

القدس الشريف: 1/ 212.

قرقيسيا: 2/ 332، 337.

قرى عرينة: 3/ 324، 325.

قزوين: 1/ 124، 241.

قسطنطنية: 3/ 265.

القطب الجنوبي: 3/ 402.

القطب الشمالي: 3/ 402.

قم: 1/ 239، 240؛ 2/ 244؛ 3/ 81، 238؛ 4/ 300.

قوسيخ،- فوسخ.

قهبان: 3/ 238.

كاشمر: 3/ 245،- فوسخ.

الكتيبة: 3/ 204.

الكدر: 2/ 134.

كربلاء: 1/ 217، 579، 583.

كرمان: 2/ 673.

كسكر: 3/ 406.

الكعبة (البيت؛ البيت الشريف): 1/ 107، 175، 354، 376، 583؛ 2/ 49، 50، 283؛ 3/ 141، 402، 407.

الكناسة بالكوفة: 1/ 208، 210، 215؛ 2/ 172، 255، 268.

كور الأهواز: 2/ 673.

كور الشام: 2/ 452، 500.

الكوفة: 1/ 52، 129، 131، 208، 212، 214، 226، 232، 250، 293، 294، 332، 400، 508، 509، 520، 542، 559، 606؛ 2/ 203، 266، 267، 326، 332، 337، 416، 457، 553، 554، 603، 627، 685، 743، 803، 826، 830؛ 3/ 54، 142، 189، 190- 192، 194، 244، 247، 290؛ 4/ 251، 276، 294.

كهنك: 3/ 238.

لبنان: 1/ 123، 473؛ 2/ 725؛ 3/ 475.

لنبان: 3/ 239.

مأرب: 4/ 69، 78، 81.

مجلس الخبراء: 1/ 414؛ 2/ 37، 114.

مجلس قضاء شريح: 2/ 196.

المحراب: 3/ 401.

محلة بني سالم: 1/ 93.

المخيّس: 2/ 435، 436، 457.

المدائن: 2/ 570؛ 3/ 238، 247، 431؛ 4/ 283، 284.

مدين: 2/ 809.

المدينة (المدينة المنورة؛ المدينة المشرفة): 1/ 9،

47، 50، 59، 93، 164، 224، 372، 390، 401، 402، 525، 534، 553، 555، 556، 558- 560، 578، 583، 607،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 555

608؛ 2/ 21، 45- 48، 95، 129، 134- 136، 138، 139، 324، 330، 331، 334، 382، 387، 400، 402، 424، 478، 479، 490، 509، 512، 546، 556، 559، 562، 568، 571، 576، 631، 634، 652، 654، 655، 663، 665، 667، 669، 685، 687، 690، 722، 736، 742، 745، 748، 749، 750، 791، 793، 805، 831؛ 3/ 17، 49، 50، 80، 90، 91، 134، 141، 159، 165، 188، 217، 220، 320، 324، 330، 339، 365، 485؛ 4/ 33، 81، 128، 133، 171، 202، 279.

مرّ الظهران: 3/ 142.

مركز الوحي: 1/ 108،- مكة.

مرو: 1/ 382، 354، 355، 587؛ 2/ 231.

مروان: 2/ 129.

المريسيع: 2/ 133، 135، 562، 742.

مسجد البصرة: 3/ 317.

المسجد الحرام: 2/ 416، 728، 732.

مسجد الرسول: 2/ 95، 416.

مسجد الخيف: 2/ 714؛ 726، 772.

مسجد الضرار: 2/ 333، 334.

مسجد الكوفة: 2/ 416.

مسجد لنبان: 3/ 239.

مسجد المدينة،- مسجد الرسول.

المشاهد المشرفة: 3/ 247.

المشعر: 4/ 166، 173.

مشهد الكاظم «ع»: 1/ 422.

مصر: 1/ 17، 222، 326، 332، 386، 559؛ 2/ 53، 78، 131، 281، 398، 466، 553، 570، 618، 667، 692، 697، 707، 750، 764، 775، 800؛ 3/ 159، 189، 222، 245، 333، 372، 387، 463، 470، 482؛ 4/ 99، 131، 211، 261، 280، 304، 307.

مضيق الصفراء: 3/ 135.

المغرب: 2/ 565.

المقام: 1/ 521.

مقنا: 1/ 510.

المقصورة: 3/ 401.

مكة: 1/ 110، 111، 117، 305، 401، 515، 517، 562، 583، 607، 608، 616؛ 2/ 5، 44، 96، 128، 129، 133، 138، 139، 206، 399، 423، 430،

435، 437، 556، 557، 559، 563، 565، 676، 677، 714، 722، 727، 736، 740، 750، 791، 794- 796، 805، 812؛ 3/ 138، 141- 143، 150، 171، 185، 192، 217، 241، 245، 250، 261، 289، 290، 294، 301، 305، 306، 320، 378، 383، 389، 430؛ 4/ 10، 211، 253، 276.

منى: 1/ 111؛ 4/ 166، 173، 174.

منبج: 4/ 279.

موتة: 1/ 509؛ 3/ 172، 174.

الموصل: 3/ 185، 187، 395.

الموقف: 1/ 109.

مهران (نهر الهند): 3/ 222؛ 4/ 99، 131.

ميسان: 3/ 396- 398.

ميضأة الكوفة: 2/ 266.

ناحية جعفر: 3/ 402.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 556

ناحية الفرع: 3/ 331.

نادي قريش: 3/ 261.

النازية: 3/ 135.

نافع: 2/ 435، 436، 457.

نجد: 2/ 281، 431، 508؛ 3/ 260؛ 4/ 11، 81.

نجران: 2/ 12، 21، 130- 132، 139، 722، 752، 753؛ 3/ 368، 371، 381، 430، 431، 443، 447، 472، 484؛ 4/ 268.

النخبار: 2/ 556.

النقيع: 2/ 324.

نهر الأردن: 3/ 403، 404.

نهر جوير: 3/ 431.

نهر سير (شير): 3/ 431.

نهر الملك: 3/ 431.

النهروان: 1/ 252؛ 2/ 533، 806؛ 3/ 239، 283، 284، 301، 305، 314، 315.

نهري الصلة: 3/ 402.

النهرين (دجلة و الفرات): 3/ 247.

نيشابور: 3/ 244.

نيل: 3/ 222؛ 4/ 99، 131.

وادي الأشطاط: 2/ 49.

وادي القرى: 2/ 130؛ 3/ 158.

واسط: 3/ 396، 398، 402.

ودان: 2/ 134.

الوطاء: 2/ 558.

الولايات المتحدة: 1/ 419؛ 2/ 583.

الوطيح: 3/ 204.

هجر: 2/ 131، 691؛ 3/ 372، 387.

هرات: 3/ 244.

همدان: 2/ 573، 699.

الهند: 1/ 123؛ 3/ 222، 401؛ 4/ 131.

يثرب: 2/ 563، 745، 747؛ 3/ 358.

اليمامة: 1/ 87؛ 2/ 137، 431، 508، 677، 691، 826؛ 3/ 260.

اليمن: 1/ 42، 222؛ 2/ 9، 11، 12، 20، 44، 72، 128- 130، 132، 133،

138، 139، 144، 145، 197، 676، 680، 683، 711، 751، 774؛ 3/ 18، 25، 71، 164، 174، 372، 380، 381، 416، 418، 419، 429، 443؛ 4/ 284.

ينبع: 1/ 230، 609؛ 2/ 685؛ 3/ 324، 325.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 557

فهرس الايام و الحوادث

أحد: 2/ 5، 32، 45- 47، 133، 134، 354، 558، 559، 794، 796؛ 3/ 172، 261، 267، 272، 334.

الأحزاب (الخندق): 2/ 47، 133، 135، 559، 560، 561، 565.

امر الحرّة: 1/ 402، 582، 583.

بدر (يوم التقى الجمعان): 1/ 228؛ 2/ 44- 46، 133، 134، 354، 384، 403، 508، 556، 741، 796؛ 3/ 44، 46، 47، 49، 50، 106، 107، 133- 135، 146، 150، 160، 161، 171، 252، 259، 260، 261، 265، 267، 270، 272، 296، 321، 325، 334، 335، 349، 422؛ 4/ 3، 6، 7، 11.

بيعة الحديبية،- الحديبية.

بيعة الرضوان: 2/ 750.

بيعة علي «ع»: 2/ 687.

بيعة العقبة،- العقبة.

ثورة فخّ،- فخ.

الجمل (حرب البصرة): 1/ 353، 358، 584؛ 2/ 236، 238، 508، 548، 553، 796، 805، 807؛ 3/ 282، 283، 285- 290، 292، 293، 295، 298، 301- 305، 308- 317.

حجة الرسول،- حجة الوداع.

حجة الوداع: 1/ 50، 59، 67، 168، 187، 202، 373؛ 2/ 61، 128، 135، 545، 713، 714، 779، 780.

الحديبية: 1/ 513؛ 2/ 49، 135، 562، 567، 729، 735، 740، 750؛ 3/ 388.

حديث الغدير،- غدير خم.

حرب إيران: 3/ 383.

حرب البصرة،- الجمل.

حرب الروم: 3/ 365.

حرب صفين،- صفين.

حصار الطائف: 2/ 139.

حلف الفضول: 2/ 207.

حنين (غزوة الطائف): 2/ 50، 133، 135، 563، 795؛ 3/ 141، 144، 145، 147، 150، 152، 160، 171، 250، 355،

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 558

422؛

4/ 10.

خروج الخريت بن راشد على أمير المؤمنين «ع»:

2/ 383، 480.

الخندق،- الأحزاب.

خيبر: 2/ 133، 135، 336، 559، 563، 578، 579، 689؛ 3/ 161، 164، 168، 201، 356، 360؛ 4/ 56، 58.

دعوته «ص» أساقفة نجران: 2/ 752.

زمن الحرّة،- أمر الحرّة.

صفين: 1/ 176، 217، 557، 584؛ 2/ 194، 218، 229، 337، 566، 569، 736، 773؛ 3/ 282- 284، 287- 289، 291- 294، 310، 311، 314- 317.

عام الحديبية،- الحديبية.

عام خيبر،- خيبر.

العقبة (العقبة الأولى؛ العقبة الثانية):

1/ 516، 517، 525؛ 2/ 96، 138، 354، 571.

غدير خم: 1/ 41، 42، 49، 50، 58، 59، 78، 79، 170، 310، 317، 517، 527، 532؛ 2/ 433؛ 3/ 104، 110.

غزوة أحد،- أحد.

غزوة الأحزاب،- الأحزاب.

غزوة البحران: 2/ 134.

غزوة بدر،- بدر.

غزوة بني قريظة: 2/ 133، 135.

غزوة بني لحيان: 2/ 135.

غزوة بني المصطلق،- المريسيع.

غزوة بني النضير: 2/ 134.

غزوة بواط: 2/ 129، 134.

غزوة تبوك: 1/ 39؛ 2/ 135؛ 3/ 365.

غزوة حمراء الأسد: 2/ 134.

غزوة حنين،- حنين.

غزوة الخندق،- الأحزاب.

غزوة دومة الجندل: 2/ 134، 561.

غزوة ذات الرقاع: 2/ 134.

غزوة ذي امرّ: 2/ 134.

غزوة ذي العشيرة: 2/ 134.

غزوة السلاسل: 2/ 129.

غزوة السويق: 2/ 134.

غزوة الطائف،- حنين.

غزوة الغابة: 2/ 135.

غزوة الكدر: 2/ 134.

غزوة المريسيع،- المريسيع.

غزوة موتة: 1/ 509؛ 3/ 172، 174.

غزوة ودان: 2/ 134.

فاجعة الحرّة،- أمر الحرّة.

الفتح (فتح مكة): 1/ 110؛ 2/ 5، 133، 135، 139، 265، 398، 714، 727، 794، 795، 805؛ 3/ 138، 141، 142، 150، 250، 289.

فتح خيبر،- خيبر.

فتح دمشق: 2/ 795.

فتح القادسية: 2/ 795.

فتح مكة،- الفتح.

فتح هوازن: 3/ 184.

فخ: 1/ 217، 238، 607- 609.

قريظة،- غزوة بني قريظة.

قصة الغدير،- غدير خم.

قيام فخّ،- فخ.

كربلاء: 1/ 217.

ليلة العقبة،- العقبة.

دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، ج 4، ص: 559

المريسيع (غزوة

بني المصطلق): 2/ 133، 135، 562، 742.

معاهدة الحديبية،- الحديبية.

معاهدته «ص» لأهل أيلة: 2/ 751.

معاهدته «ص» مع نصارى نجران: 2/ 753.

وقعة الجمل،- الجمل.

وقعة صفين،- صفين.

وقعة النهروان: 2/ 533، 806؛ 3/ 239، 283، 284، 301، 305، 314، 315.

هدنة الحديبية،- الحديبية.

يوم أحد،- أحد.

يوم الأحزاب،- الأحزاب.

يوم التقى الجمعان،- بدر.

يوم بدر،- بدر.

يوم البصرة،- الجمل.

يوم الجمل،- الجمل.

يوم حنين،- حنين.

يوم صفين،- صفين.

يوم عرفة: 1/ 59.

يوم الغدير،- غدير خم.

يوم فتح مكة،- الفتح.

يوم موتة،- غزوة موتة.

يوم النهروان،- وقعة النهروان.

يوم نوروز: 2/ 680.

________________________________________

نجف آبادى، حسين على منتظرى، دراسات في ولاية الفقيه و فقه الدولة الإسلامية، 4 جلد، نشر تفكر، قم - ايران، دوم، 1409 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.